بعد أن تولى الشاه محمد خدابنده واختلف عليه الناسُ وحدثت عدَّةُ ثورات وتزعزعت الأوضاع الداخلية، انتهز العثمانيون هذه الفرصة فأرسلوا جيشًا احتلَّ الكرج ودخل عاصمتَها تفليس، ثم دخلوا بعد انقضاء الشتاء إلى شوران أذربيجان الشمالية، ثم تابعوا مسيرَهم بقيادة عثمان باشا على بلاد داغستان، ثمَّ سار إلى بلاد القرم عبر جبال القوقاز لتأديبِ خان القرم، الذي رفض إرسال مَدَد للعثمانيين لمحاربة الصفويين، وقد أنهكه التعبُ لبعد الشُّقَّة ولغارات الروس عليه، وأخيرًا تمكَّن خان القرم من حصارِه، فمنَّى عثمان باشا أخا الخان بالحُكم، فترك أخاه وانضمَّ للعثمانيين بعد أن قتل أخاه بالسُّم، فدخل عثمان باشا إلى كافا عاصمة القرم ثم رجع إلى إستانبول.
بدأت القوات الإسبانية في اكتساح الأراضي البرتغالية، ولم يستطِع الأمير البرتغالي دون أنطونيو مقاومةَ تلك القوات الإسبانية، التي ضمَّت أراضيه لسنة 988 (1580م)، عند ذلك اقترح السلطان العثماني مراد الثالث على السلطان أحمد المنصور السعدي عقْدَ تحالف عسكري ضِدَّ الإسبان، على أساس إمداده بأسطول حربي وقوات عسكرية، فبعث برسالتين في رجب 988 (سبتمبر 1580م) يعرِضُ عليه فيهما إرسال إمدادات عسكرية لفاس يستفتحُ بها بلاد الأندلس، لكنَّ المنصور لم يتجاوب مع السلطان مراد الثالث. كان قلج علي بعد استقرار الدولة العثمانية في تونس بدأت أنظارُه تتطلَّع إلى المغرب، وأخذ يعمل في توحيد الوجهةِ السياسية لبلاد المغرب الإسلامي؛ لضَمِّه إلى الدولة العثمانية، خاصةً بعد تذبذب موقفِ السلطان أحمد المنصور السعدي الأخير من الدولة العثمانية، فصدرت الأوامِرُ إلى قلج علي قائد الأسطول العثماني بالتوجُّه إلى المغرب لضَمِّه للدولة العثمانية، فوصل قلج علي إلى الجزائر في جمادي الثانية من هذه السنة، بينما كان المنصور يرابِطُ بقواته عند نهر تانسيفت، وكانت القواتُ المغربية قد استعدَّت لمواجهة التدخل العثماني؛ إذ جهَّز المنصور جنودَه وتقدَّم بها حتى حدودِ بلاده، كما سَدَّ مدخل مملكته، وحصَّن الثغور، وإلى جانب تلك الاستعدادات وجَّه المنصور سفارةً خاصة لإسطنبول، وذلك بعد أن توصَّل إلى شبه اتفاق عسكري مع الملك الإسباني الذي انتهى من مشاكلِه بدخوله للعاصمة البرتغالية لشبونة في 27 جمادى الآخرة من هذه السنة, على أساس تقديم المساعدة العسكرية للمغرب، لمواجهة التدخل العثماني، مقابِلَ التنازل عن مدينة العرائش وامتيازات أخرى، وأمام تطور الأحداث لم يجِد السلطان العثماني بدًّا من قبول الأمر الواقع والتراجع عن غزو المغرب، بأن أمَرَ قلج علي، وجعفر باشا نائب قلج علي في الجزائر، بالتخلي عن العمل بالمغربِ والانتقال إلى الشرق؛ حيث اضطربت الأمور بالحجاز، فتخلى قلج علي عن هدفِه الطموح في استرداد الأندلس، بعد توحيد الجبهة لبلاد المغرب الإسلامي!
لما استقرَّ المنصور أحمد السعدي بمراكش، وأمن من هجوم العثمانيين على المغرب، طَمِحت نفسُه إلى التغلب على بلاد تيكورارين وتوات من أرض الصحراء وما انضاف إلى ذلك من القرى والمداشر- المزارع- إذ كان أهل تلك البلاد قد انكفَّت عنهم أيدي الملوك ولم تَسُسْهم الدول منذ أزمان، ولا قادهم سلطانٌ قاهر إلى ما يراد منهم، فسنح للمنصور أن يجمع بهم الكلمةَ ويرُدَّهم إلى أمر الله، فبعث إليهم القائِدَ أبا عبد الله محمد بن بركة والقائِدَ أبا العباس أحمد بن الحداد العمري المعقلي في جيش كثيف، فقطعوا إليهم القفرَ من مراكش وانتهوا إليهم على سبعين مرحلة منها، فتقدموا إليهم أولًا بالدعاء للطاعة والإعذار والإنذار فامتنعوا، فنازلوهم وقاتلوهم وطالت الحربُ بينهم أيامًا، ثم كان الظهور لجيش المنصور فأوقعوا بهم وأثخنوا فيهم إلى أن أذعنوا للطاعة وصاروا في حزب الجماعة، وأُنهي خبر الفتح إلى المنصور فسُرَّ بذلك سرورًا عظيمًا.
جهَّز الوالي العثماني في الجزائر أسطولَه في هذه السنة لمحاربة إسبانيا فوق أرضِها، فنزل المجاهدون المسلمون في برشلونة، فأعملوا فيها تدميرًا ثم عبَروا مضيقَ جبل طارق وهاجموا جزر الكناري التي تحتلُّها إسبانيا، فدمَّروا المراكز العسكرية وغَنِموا ما فيها ولم يكن الأسطول العثماني يذهب للأندلس لمجرد التنكيل بالإسبانيين ولتدمير منشآتهم، بل كان بالدرجة الأولى لإنقاذ المسلمين من نكبتهم، وتعرَّض المجاهدون أثناء ذلك لمعاركَ قاسية وهزائم أحيانًا، وفي 992, أبحر حسن فنزيانو بأسطوله على ثغرِ بلنسية، وحمل أعدادًا كبيرة من مسلمي الأندلس؛ إذ أنقذهم من اضطهاد الإسبان، كما استطاع في السنة التالية إنقاذَ جميع سكان كالوسا؛ إذ حملهم إلى الجزائر، وفي السنة التي بعدها توغَّل مراد رايس في المحيط الأطلسي فأغار على جزر الكناري، وغَنِمَ منها غنائمَ كثيرة بما فيهم زوجة حاكم تلك الجزر، وبقي حسن فنزيانو على رأس الحكومة العثمانية بالجزائر إلى أن استدعاه السلطان في إسطنبول ليتولى منصب إمارة البحر " قبودان دوريا " وذلك بعد وفاة قلج علي سنة 995.
بعد أن دخل العثمانيون بعض بلاد الصفويين سنة 991, ورجع عثمان باشا إلى إستانبول، عاد في هذه السنة إلى غزو الصفويين وانتصر على قائدِهم حمزة ميرزا، ودخل تبريز عاصمَتَهم ثم جرى الصلح بين الطرفين، وتنازل الصفويون للعثمانيين عن بلاد الكرج وشروان ولورستان الواقعة جنوب أذربيجان.
استطاع الأسطولُ العثماني أن يجتاز القرنَ الإفريقيَّ ويستولي على مقديشيو وغيرها من المحطات الواقعة على شواطئ الصومال؛ بحيث لم يبقَ في أيدي البرتغال سوى ملندى وموضعين آخرين، وبذلك سيطر العثمانيون على الساحل الإفريقي الشرقي، وقطعوا خطَّ المواصلات حول إفريقيَّةَ عن المستعمرات البرتغالية في الهند.
بعد أن تولى محمد خدابنده مُلكَ الصفويين وبقي إلى هذا العام؛ حيث خلعه عباسُ بن طهماسب المعروف بعباس الكبير، وعمره كان سبعة عشر عامًا، فسعى عباس إلى إقامة صلح مع العثمانيين، تنازل بمقتضاه عن تلك الأماكن التي أصبحت بيَدِ العثمانيين عام 993 كما تعهَّد بعدم سبِّ الخلفاء الراشدين أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم، في أرض مملكته، وبعث بابن عمٍّ له يدعى حيدر ميزرا رهينةً إلى إستانبول؛ لضمان تنفيذ ما اتفقا عليه.
هزم الجيش البولوني المعزَّز بوحدات الصاعقة التركية نظيرَه الجيش الألماني في معركة كارفو، وأُسِرَ الأرشيدق الألماني سيجموند، ويرجع سبب هذه المعركة إلى رغبة الألمان في السيطرة على العرش البولوني الذي كان تابعًا للدولة العثمانية حتى عام 1592م.