أرسل العزيزُ بالله الفاطمي بمصرَ داعيًا له إلى كتامةَ، يقال له أبو الفهمِ، واسمُه حسَنُ بنُ نصر، يدعوهم إلى طاعتِه، وغَرَضُه أن تميلَ كتامة إليه وترسِلَ إليه جندًا يقاتِلونَ المنصور صاحِبَ إفريقيةَ، ويأخذون إفريقيةَ منه، لَمَّا رأى مِن قُوَّتِه، فدعاهم أبو الفهم، فكثر أتباعُه، وقاد الجيوشَ، وعَظُمَ شأنُه، وعزم المنصورُ على قَصدِه، فأرسل إلى العزيزِ بمصرَ يُعَرِّفُه الحال، فأرسل العزيزُ رَسولينِ إلى المنصور ينهاه عن التعرُّضِ لأبي الفهم وكتامة، وأمرهما أن يسيرا إلى كتامة بعد الفراغِ مِن رسالة المنصور، فلمَّا وصلا إلى المنصور وأبلغاه رسالةَ العزيز أغلَظَ القَولَ لهما وللعزيز أيضًا، وأغلَظا له، فأمَرَهما بالمُقامِ عنده بقية شعبان ورمضان، ولم يترُكْهما يَمضِيان إلى كتامة، ثم سارَ إلى كتامة والرَّسولانِ معه، فكان لا يمُرُّ بقصرٍ ولا مَنزلٍ إلا هَدَمه، حتى بلغ مدينة سطيف، وهي كرسيُّ عِزِّهم، فاقتتلوا عندها قتالًا عظيمًا، فانهزمت كتامة، وهرب أبو الفهم إلى جبلٍ وعرٍ فيه ناسٌ مِن كتامة يقال لهم بنو إبراهيم، فأرسل إليهم المنصورُ يتهَدَّدُهم إن لم يسَلِّموه، فقالوا: هو ضيفُنا ولا نسَلِّمُه، ولكن أرسِلْ أنت إليه فخُذْه ونحن لا نمنعُه. فأرسل فأخَذَه، وضربه ضربًا شديدًا، ثم قتَلَه وسلَخَه، وأكَلَت صنهاجةُ وعَبيدُ المنصور لحمَه، وقُتِلَ معه جماعةٌ مِن الدعاة ووجوهُ كتامة، وعاد إلى أشير، ورد الرسولينِ إلى العزيز فأخبَرَاه بما فُعِل بأبي الفهم، وقالا: جئْنا من عند شياطينَ يأكلونَ النَّاسَ، فأرسل العزيزُ إلى المنصورِ يطَيِّبُ قَلبَه، وأرسل إليه هديَّةً، ولم يذكر له أبا الفَهمِ.
في السَّابِعِ من المحَرَّم قُرِئَ سجِلٌّ في جوامِعِ مِصرَ يأمُرُ الحاكِمُ العُبَيديُّ اليهودَ والنَّصارى بشَدِّ الزُّنَّار ولُبس الغيار، وشعارُهم السَّوادُ شِعارُ العباسيِّينَ، وقرئ سجِلٌّ في الأطعِمةِ بالمَنعِ مِن أكلِ المُلوخيَّةِ المُحبَّبة لِمُعاويةَ بنِ أبي سُفيان، والبَقلة المسمَّاة بالجرجيرِ المَنسوبة إلى عائشةَ رَضِيَ الله عنها، وفيه المنعُ مِن عَجنِ الخُبزِ بالرِّجلِ، والمنعُ مِن ذَبحِ البَقَرِ التي لا عاقبةَ لها إلَّا في أيَّامِ الأضاحي، وما سواها مِن الأيَّامِ لا يُذبَحُ منها إلَّا ما لا يصلُحُ للحَرثِ، وفيه التَّنكيرُ على النخَّاسينَ والتشديدُ عليهم في المَنعِ مِن بَيعِ العَبيدِ والإماءِ لأهلِ الذِّمَّة، وإصلاحُ المكاييلِ والموازينِ، والنَّهيُ عن البخس فيهما، والمنعُ مِن بَيعِ الفقاعِ وعَمَلِه البتَّةَ؛ لِما يُؤثَرُ عن عَليٍّ رَضِيَ الله عنه مِن كراهةِ شُربِ الفقاعِ، وضُرِبَ في الطُّرُقاتِ بالأجراس ونودِيَ أنْ لا يدخُل الحَمَّامَ أحَدٌ إلَّا بمِئزَرٍ؛ وأنْ لا تَكشِف امرأةٌ وَجهَها في طريقٍ ولا خَلْفَ جِنازةٍ، ولا تتبَرَّج. ولا يُباع شَيءٌ مِن السَّمَك بغيرِ قِشرٍ، ولا يَصطاده أحدٌ مِن الصَّيادينَ، فقد كان الحاكِمُ شابًّا متهَوِّرًا مُتقَلِّبَ المِزاجِ جِدًّا، يَمنَعُ اليومَ ما كان أباحَه بالأمسِ، ويُبيحُ اليومَ ما منَعَه بالأمسِ، فلم يكُنْ مِن الحُكَّامِ مَن هو أشَدُّ منه تذبذُبًا، وقد أمَرَ بقَتلِ الكِلابِ، فقُتِلَ منها ما لا يُحصى، حتى لم يبقَ منها بالأزِقَّةِ والشَّوارِعِ شَيءٌ، وطُرِحَت بالصَّحراءِ وبشاطئِ النيلِ، وأمَرَ بكَنسِ الأزِقَّةِ والشَّوارِعِ وأبوابِ الدُّورِ في كلِّ مكانٍ، ففُعِلَ ذلك, ونودِيَ في القاهرةِ لا يَخرُج أحَدٌ بعدَ المَغرِب إلى الطَّريقِ ولا يَظهَر بها لِبَيعٍ ولا شِراءٍ فامتثَلَ النَّاسُ لذلك.
غزا يَمينُ الدَّولةِ مَحمودُ بنُ سبكتكين المولتان، وكان سبَبُ ذلك أنَّ واليَها أبا الفتوحِ نُقِلَ عنه خُبثُ اعتقادِه، ونُسِبَ إلى الإلحاد، وأنَّه قد دعا أهلَ ولايتِه إلى ما هو عليه، فأجابوه. فرأى يمينُ الدَّولة أن يُجاهِدَه ويَستنزِلَه عمَّا هو عليه، فسار نحوه، فابتدأ ببلدِ أندبال قبلَ المولتان، وقال: نجمعُ بين غزوتينِ، فدخَلَ بلادَه، وجاسَها، وأكثَرَ القَتلَ فيها، والنَّهبَ لأموالِ أهلِها، والإحراقَ لأبنِيَتِها، ففَرَّ أندبال مِن بينِ يديه، ولَمَّا سَمِعَ أبو الفتوح بخبَرِ إقبالِه إليه عَلِمَ عَجزَه عن الوقوفِ بينَ يديه والعِصيانِ عليه، فنَقَل أموالَه إلى سرنديب، وأخلى المولتان، فوصَل يمينُ الدَّولة إليها ونازلَها، فإذا أهلُها في ضلالِهم يَعمَهونَ، فحصَرَهم، وضَيَّقَ عليهم، وتابع القِتالَ حتى افتتَحَها عَنوةً، وألزم أهلَها عشرينَ ألفَ درهمٍ؛ عُقوبةً لعِصيانِهم، ثمَّ سار عنها إلى قلعةِ كواكير، وكان صاحِبُها يُعرَف ببيدا، وكان بها ستُّمِئَة صنم، فافتتَحَها وأحرقَ الأصنام، فهرَبَ صاحِبُها إلى قلعته المعروفة بكالنجار، فسار خَلْفَه إليها، وهو حِصنٌ كبيرٌ ووصَلَ إلى القَلعةِ فحَصَرها ثلاثةً وأربعين يومًا، وراسَلَه صاحِبُها في الصُّلحِ، فلم يُجِبْه، ثمَّ بلَغَه عن خراسان اختلافٌ بسبَبِ قَصدِ إيلك الخان لها، فصالح ملِكَ الهندِ على خمسمِئَة فيل، وثلاثةِ آلافٍ مِن فِضَّة، ولَبِسَ خِلَعَه يمينُ الدَّولة بعد أن استعفى مِن شَدِّ المِنطَقةِ، فإنَّه اشتَدَّ عليه، فلم يُجِبْه يمينُ الدَّولة إلى ذلك، فشَدَّ المِنطقةَ، وقطَعَ إصبَعَه الخنصَر وأنفَذَها إلى يمينِ الدَّولةِ توثقةً فيما يعتَقِدونَه، وعاد يمينُ الدَّولة إلى خُراسان لإصلاحِ ما اختُلِف فيها، وكان عازمًا على الوُغولِ في بلادِ الهند.
كانت بلادُ الغورِ تُجاوِرُ غزنةَ، وكان الغور يقطعونَ الطَّريقَ، ويُخيفونَ السَّبيلَ، وبلادُهم جِبالٌ وَعرةٌ، ومضايقُ غَلقةٌ، وكانوا يحتَمون بها، ويعتَصِمون بصعوبةِ مَسلَكِها، فلمَّا كَثُرَ ذلك منهم أنِفَ يمينُ الدَّولة محمودُ بنُ سبكتكين أن يكونَ مثل أولئك المُفسدينَ جِيرانَه، وهم على هذه الحالِ مِن الفَسادِ والكُفرِ، فجمَعَ العساكِرَ وسار إليهم، وعلى مُقَدِّمتِه التونتاش الحاجِبُ، صاحِبُ هراة، وأرسلان الجاذبُ صاحِبُ طوس، وهما أكبَرُ أُمرائه، فسارا فيمَن معهما حتى انتَهَوا إلى مَضيقٍ قد شُحِنَ بالمُقاتلةِ، فتناوشوا الحَربَ، وصبَرَ الفريقانِ، فسَمِعَ يمينُ الدَّولة الحالَ، فجَدَّ في السيرِ إليهم، ومَلَك عليهم مَسالِكَهم، فتفَرَّقوا، وساروا إلى عظيمِ الغوريَّة المعروف بابن سوري، فانتهوا إلى مدينتِه التي تُدعى اهنكران، فبَرَز مِن المدينةِ في عشرةِ آلافِ مُقاتلٍ، فقاتَلَهم المُسلِمونَ إلى أن انتَصَف النهار، فرأوا أشجَعَ النَّاسِ وأقواهم على القِتالِ، فأمَرَ يمينُ الدَّولة أن يُولُّوهم الأدبارَ على سبيلِ الاستدراجِ، ففعلوا، فلمَّا رأى الغوريَّةُ ذلك ظَنُّوه هزيمةً، فاتَّبَعوهم حتى أبعَدوا عن مدينتِهم، فحينئذ عطفَ المُسلِمونَ عليهم ووَضَعوا السُّيوفَ فيهم فأبادوهم قَتلًا وأسْرًا، وكان في الأسرى كبيرُهم وزعيمُهم ابنُ سوري، ودخل المُسلِمونَ المدينةَ ومَلَكوها، وغَنِموا ما فيها، وفَتَحوا تلك القِلاعَ والحُصونَ التي لهم جميعَها، فلمَّا عايَنَ ابنُ سوري ما فعل المسلمونَ بهم شَرِبَ سُمًّا كان معه، فمات وأظهَرَ يمينُ الدَّولة في تلك الأعمالِ شِعارَ الإسلامِ، وجعل عندهم مَن يُعَلِّمُهم شَرائِعَه، ثمَّ عاد إلى غزنة.
بظهورِ عماد الدين زنكي بن أقسنقر بدأ عهد الدولة الزنكية في الموصل وحلب؛ فقد تولى عماد الدين زنكي أمرَ ولاية الموصِل وأعمالها سنة 521 بعد أن ظهرت كفاءتُه في حكم البصرة وواسط، وتولَّى شحنكية العراق، أي: ضابطُ أمن البلَدِ-، وفي محرم سنة 522 تمت له السيطرة على حلب, وأخذ عماد الدين يخوض المعارك تلو المعارك ويحقق الانتصارات على الصليبيين، وقد علَّق ابن الأثير بعد أن تحدَّث عن انتصار عماد الدين على الفرنج في معركة كبيرة، وملكه حصن الأثارب، وحصاره حارم سنة 524، فقال: "وضَعُفَت قوى الكافرين، وعلموا أنَّ البلاد قد جاءها ما لم يكن لهم في حساب، وصار قُصاراهم حِفظَ ما بأيديهم بعد أن كانوا قد طمعوا في ملك الجميع". واستمرَّت جهود زنكي في توحيد قوى المسلمين في غزو الصليبيين، فملك حماة وحمص وبعلبك، وسرجي، ودارا، والمعرة، وكفر طاب، وقلعة الصور في ديار بكر، وقلاع الأكراد الحميدية، وقلعة بعرين، وشهرزور، والحديثة، وقلعة أشب وغيرها من الأكراد الهكارية. وفي سنة 534 حاول زنكي الاستيلاء على دمشق مرتين دون جدوى؛ فقد كانت دمشق المفتاحَ الحقيقي لاسترداد فلسطين من جهة الشام، غيرَ أن حاكم دمشق معين الدين أنر راسلَ الصليبيين للتحالُفِ ضِدَّ زنكي ووعدهم أن يحاصِرَ بانياس ويسَلِّمَها لهم ووافقوا، ولكن زنكي ذهب إليهم قبل قدومِهم لدمشق، فلما سمعوا ذلك لم يخرجوا. ومع ذلك فإنَّ معين الدين حاصر بانياس بمساعدة جماعة من الفرنج، ثم استولى عليها وسلَّمها للفرنج.
لما بلغ الفرنجَ قتلُ أبي علي طاهر بن سعيد المزدقاني وزير دمشق الذي كان قد راسلهم على تسليمِهم دمشق؛ عَظُم عليهم ذلك، وتأسَّفوا على دمشق؛ حيث لم يتمَّ لهم ملكها، وعمَّتهم المصيبة، فاجتمعوا كلُّهم: صاحب القدس، وصاحب أنطاكية، وصاحب طرابلس، وغيرُهم من الفرنج وقمامصتهم، ومن وصل إليهم في البحر للتجارة والزيارة، فاجتمعوا في خلق عظيم نحو ألفي فارس، وأما الراجل فلا يُحصى، وساروا إلى دمشق ليحصُروها، ولما سَمِعَ تاج الملوك بذلك جمع العرب والتركمان، فاجتمع معهم ثمانية آلاف فارس، ووصل الفرنجُ في ذي الحجة، فنزلوا البلد، وأرسلوا إلى أعمال دمشق لجمع الميرة والإغارة على البلاد، فلما سمع تاج الملوك أن جمعًا كثيرًا قد ساروا إلى حوران لنهبه وإحضار الميرة؛ سَيَّرَ أميرًا من أمرائه، يعرف بشمس الخواص، في جمعٍ من المسلمين إليهم، وكان خروجُهم في ليلة شاتية كثيرة المطر، ولَقُوا الفرنجَ مِن الغدِ فواقعوهم، واقتتلوا وصبر بعضُهم لبعض، فظفر بهم المسلمون وقتلوهم، فلم يُفلِت منهم غيرُ مُقدَّمِهم ومعه أربعون رجلًا، وأخذوا ما معهم، وهي عشرة آلاف دابة مُوقَرة، وثلاثمائة أسير، وعادوا إلى دمشق لم يمسَسْهم قرحٌ. فلما علم مَن عليها من الفرنج ذلك ألقى الله في قلوبهم الرعب، فرحلوا عنها شبه المنهزمين، وأحرقوا ما تعذَّر عليهم حملُه من سلاح وميرة وغير ذلك، وتبعهم المسلمون، والمطر شديد، والبرد عظيم، يقتلون كلَّ من تخلف منهم، فكثُرَ القتلى منهم، وكان نزولُهم ورحيلُهم في ذي الحجة.
سار عمادُ الدين أتابك زنكي بن آقسنقر إلى بعلبك، فحَصَرَها ثمَّ مَلَكَها؛ وسبَبُ ذلك أنَّ مَحمودًا صاحِبَ دِمشقَ لَمَّا قُتِلَ كانت والدتُه زمرد خاتون عند أتابك زنكي بحَلَب، قد تزوَّجَها، فوَجَدت لقَتلِ وَلَدِها وَجْدًا شديدًا، وحَزِنَت عليه، وأرسلت إلى زنكي وهو بديارِ الجزيرة تُعَرِّفُه الحادثةَ، وتَطلُبُ منه أن يَقصِدَ دمشقَ ويطلُبَ بثأر ولدها. فلمَّا وقف على هذه الرِّسالةِ بادر في الحالِ مِن غيرِ توقُّفٍ ولا تَرَيُّث، وسار مُجِدًّا ليجعلَ ذلك طريقًا إلى مِلْكِ البلد، وعبَرَ الفرات عازمًا على قَصدِ دِمشقَ، فاحتاط مَن بها، واستعدُّوا، واستكثروا مِن الذخائرِ، ولم يتركوا شيئًا مِمَّا يحتاجون إليه إلَّا وبذلوا الجُهدَ في تحصيلِه، وأقاموا ينتَظِرونَ وصولَه إليهم، فتَرَكهم وسار إلى بعلبك، فوصلَ إليها في العشرين من ذي الحِجَّة من السَّنة فنازلها في عساكِرِه، وضَيَّقَ عليها، وجَدَّ في محاربتِها، ونَصَب عليها من المنجنيقاتِ أربعة عشر عددًا ترمي ليلًا ونهارًا، فأشرف مَن بها على الهلاك، وطلبوا الأمانَ، وسَلَّموا إليه المدينة، وبَقِيَت القلعةُ وبها جماعةٌ مِن شُجعانِ الأتراك، فقاتلهم، فلما أَيِسوا مِن مُعينٍ ونَصيرٍ طلبوا الأمانَ فأمَّنَهم، فسَلَّموا القلعة إليه، فلما نزلوا منها ومَلَكَها غَدَرَ بهم وأمَرَ بصَلبِهم فصُلِبوا ولم ينجُ منهم إلَّا القليلُ، فاستقبَحَ النَّاسُ ذلك مِن فِعْلِه واستعظَموه وخافه غيرُهم وحَذِروه، ولا سيَّما أهلُ دمشق؛ فإنَّهم قالوا: لو مَلَكَنا لفَعَل بنا مِثلَ فِعْلِه بهؤلاء؛ فازدادوا نفورًا وجِدًّا في محاربتِه، ولَمَّا ملك زنكي بعلبك أخذَ الجاريةَ التي كانت لمُعين الدين أنر، فتزوَّجَها بحَلَب.
سار صلاح الدين من دمشق يريدُ الغزوَ، وجمَعَ عساكِرَه، فأتَته من كل ناحية، وأتاه نورُ الدين محمد بن قرا أرسلان، صاحِبُ الحصن. وكتب إلى مصرَ لِيُحضِرَ عَسكَرَها عنده على الكرك، فنازل الكركَ وحصره، وضَيَّقَ على من به، وأمَرَ بنصب المجانيق على ربضه، واشتَدَّ القتال، فملك المسلمون الربَضَ، وبقي الحصن، وهو الربضُ على سطحِ جَبَلٍ واحد، إلَّا أنَّ بينهما خندقًا عظيمًا فطَمُّوه بصعوبةٍ بالغة، وأرسَلَ مَن فيه من الفرنجِ إلى مَلِكِهم وفُرسانِهم يَستَمِدُّونَهم ويُعَرِّفونَهم عَجزَهم وضَعفَهم عن حِفظِ الحِصنِ، فاجتمعت الفرنجُ عن آخرها، وساروا إلى نجدتِهم عَجِلينَ، فلما بلغ الخبَرُ بمسيرهم إلى صلاح الدين رحَلَ عن الكرك إلى طُرُقِهم ليلقاهم ويُصافَّهم، ويعودَ بعد أن يهزِمَهم إلى الكرك، فقَرُبَ منهم وخَيَّم ونزل، ولم يمكِنْه الدنوُّ منهم لخشونةِ الأرض وصعوبةِ المَسلَك إليهم وضِيقِه، فأقام أيامًا ينتظِرُ خروجَهم من ذلك المكان ليتمَكَّنَ منهم، فلم يبرحوا منه خوفًا على نفوسِهم، فلما رأى ذلك رحل عنهم عدَّة فراسخ، وجعل بإزائِهم من يُعلِمُه بمسيرهم، فساروا ليلًا إلى الكَركِ، فلمَّا عَلِمَ صلاح الدين ذلك عَلِمَ أنَّه لا يتمكن حينئذٍ ولا يبلغُ غرَضَه، فسار إلى مدينةِ نابلس، ونهَبَ كُلَّ ما على طريقِه من البلاد، فلما وصَلَ إلى نابلس أحرَقَها وخَرَّبَها ونَهَبَها، وقَتَل فيها وأسَرَ وسَبى فأكثَرَ، وسار عنها إلى سبسطية، وبها جماعةُ أسرى من المسلمين، فاستنقَذَهم، ورحل إلى جينين فنهَبَها وخربها، وعاد إلى دمشق ونهب ما على طريقِه وخَرَّبه، وبث السرايا في طريقِه يمينًا وشمالًا يَغنَمونَ ويُخَرِّبون، حتى وصل إلى دمشقَ.
لما رأى صلاح الدين أنَّ الفِرنجَ قد لزموا يافا ولم يفارِقوها، وشَرَعوا في عمارتها. رحَلَ مِن مَنزله إلى النطرون ثالث عشر رمضان، وخيَّمَ به، فراسله ملكُ الإنكليز يطلُبُ المهادنة، فكانت الرسُلُ تتردَّدُ إلى المَلِك العادل أبي بكر بن أيوب، أخي صلاح الدين، فاستقَرَّت القاعدة أنَّ مَلِكَ الإنكليز يزوجُ أختَه من العادل، ويكون القُدسُ وما بأيدي المسلمين من بلاد الساحِلِ للعادل، وتكون عكَّا وما بيد الفرنج من البلاد لأخت ملكِ الإنكليز، مضافًا إلى مملكةٍ كانت لها داخِلَ البحر قد وَرِثَتها مِن زَوجِها، وأن يرضى الداوية بما يقع الاتفاقُ عليه، فعرض العادل ذلك على صلاح الدين، فأجاب إليه، فلما ظهر الخبَرُ اجتمع القسيِّسون والأساقفة والرهبان إلى أخت ملك الإنكليز، وأنكروا عليها، فامتنعت من الإجابة، وقيل كان المانِعُ منه غير ذلك، ولم يتِمَّ بينهما صلح، وكان ملك الإنكليز يفعَلُ ذلك خديعةً ومكرًا، ثم إن الفرنج أظهروا العزمَ على قصد بيت المقدس، فسار صلاحُ الدين إلى الرملة، جريدة -الجريدة خَيْلٌ لا رَجَّالةَ فيها- وترك الأثقالَ بالنطرون، وقَرُب من الفرنج، وبقي عشرين يومًا ينتَظِرُهم، فلم يبرحوا، فكان بين الطائفتين، مُدَّة المُقام، عدة وقعات، انتصر فيها كلها المسلمون على الفرنج، وعاد صلاح الدين إلى النطرون، ورحل الفرنجُ من يافا إلى الرملة ثالث ذي القعدة، على عَزمِ قَصدِ بيت المقدس، فقَرُب بَعضُهم من بعضٍ، فعَظُم الخَطبُ واشتَدَّ الحذر، فكان كلَّ ساعة يقع الصوتُ في العسكرين بالنَّفيرِ، فلقوا من ذلك شدَّةً شديدة، وأقبل الشتاءُ وحالت الأوحال والأمطارُ بينهما.
كان شهابُ الدين الغوري، ملك غزنة، قد جهَّز مملوكَه قطب الدين أيبك، وسيَّرَه إلى بلد الهند للغزو، فدخلها فقَتَل فيها وسبى وغَنِم وعاد، فلما سَمِعَ به ملك بنارس، وهو أكبَرُ ملك في الهند، ولايتُه من حد الصين إلى بلاد ملاوا طولًا، ومن البحر إلى مسيرة عشرة أيام من لهاوور عرضًا، وهو مَلِكٌ عظيم، فعندها جمع جيوشَه وحشرها، وسار يطلُبُ بلاد الإسلام، ودخلت سنة تسعين فسار شهاب الدين الغوري من غزنة بعساكِرِه نحوه، فالتقى العسكرانِ على ماجون، وهو نهرٌ كبير يقارب دجلة بالموصل، وكان مع الهندي سبعمائة فيل، ومن العسكر على ما قيل ألف ألف رجلٍ، ومن جملةِ عسكره عدة أمراء مسلمين، كانوا في تلك البلادِ أبًا عن جَدٍّ، من أيام السلطان محمود بن سبكتكين، يلازمون شريعة الإسلام، ويواظِبونَ على الصلوات وأفعال الخير، فلما التقى المسلمونَ والهنود اقتتلوا، فصبر الكُفَّارُ لكثرتهم، وصبر المسلمون لشجاعتهم، فانهزم الكُفَّار، ونُصِرَ المسلمون، وكَثُرَ القتل في الهنود، حتى امتلأت الأرضُ وجافت، وكانوا لا يأخذون إلَّا الصبيانَ والجواري، وأمَّا الرجال فيُقتَلون، وأخَذ منهم تسعين فيلًا، وباقي الفيلةِ قُتِلَ بَعضُها، وانهزم بعضها، وقُتِلَ ملك الهند، ولم يَعرِفْه أحد إلَّا أنه كانت أسنانُه قد ضعفت أصولها، فأمسكوها بشريطِ الذَّهَبِ، فبذلك عرفوه، فلما انهزم الهنودُ دخل شهاب الدين بلاد بنارس، وحَمَل من خزائنها على ألف وأربع مائة جمل، وعاد إلى غزنة ومعه الفِيَلة التي أخذها من جُملِتها فيلٌ أبيضُ.
في تاسع رمضان وقعت فتنةٌ بين أهل سوق السلطان والجعفرية، منشؤها أنَّ رَجُلَينِ مِن المحلَّتَينِ اختصما وتوعَّدَ كُلُّ واحدٍ منهما صاحِبَه، فاجتمع أهلُ المحلَّتَينِ، واقتتلوا في مقبرةِ الجعفرية، فسَيَّرَ إليهم مِن الديوان من تلافى الأمرَ وسَكَّنَه، وفي سابع عشر رمضان جرت فتنةٌ ببغداد بين أهل باب الأزج وأهل المأمونيَّة، وسبَبُها أنَّ أهل باب الأزج قتلوا سَبُعًا وأرادوا أن يطوفوا به، فمنَعَهم أهل المأمونية، فوَقَعت الفتنةُ بينهما فجُرِحَ منهم خلق كثير، وقُتِلَ جماعة، وركِبَ صاحب الباب لتسكينِ الفتنة فجُرِحَ فَرَسُه، فعاد، فلما كان الغدُ سار أهل المأمونية إلى أهل باب الأزج، فوقَعَت بينهم فتنةٌ شديدةٌ وقِتالٌ بالسيوف والنشاب، واشتدَّ الأمر، فنُهَبَت الدور القريبة منهم، وسعَى الركن بن عبد القادر ويوسف العقاب في تسكينِ الناس، ورَكِبَ الأتراك، فصاروا يَبِيتون تحت المنظرة، فامتنَعَ أهل الفتنة من الاجتماع، فسَكَنوا، وفي العشرين منه جرَت فتنة بين أهل قطفتا والقرية، من محالِّ الجانب الغربي، بسبب قَتْلِ سَبُع أيضًا، أراد أهل قطفتا أن يجتَمِعوا ويطوفوا به، فمنَعَهم أهل القرية أن يَجوزوا به عندهم، فاقتتَلوا، وقَتَلَ بينهم عدة قتلى، فأرسل إليهم عسكَرٌ من الديوان لتلافي الأمر ومَنْع الناس عن الفتنة، فامتنعوا، فلمَّا كَثُرَت الفتن رُتِّبَ أميرٌ كبير من مماليك الخليفة، ومعه جماعة كثيرة، فطاف في البلد، وقَتَل جماعةً ممن فيه شبهة، فسكن الناس.
أول هذه السنة وصلت سرية للريِّ من التتر من عند مَلكِهم جنكيزخان، وهؤلاء غيرُ الطائفة الغربية، وكان من سَلِمَ من أهلها قد عادوا إليها وعَمَروها، فلم يشعروا بالتتر إلا وقد وصلوا إليها، فلم يمتَنِعوا عنهم، فوضعوا في أهلها السيفَ وقتلوهم كيف شاؤوا، ونهبوا البلد وخَرَّبوه، وساروا إلى ساوة ففعلوا بها كذلك، ثمَّ إلى قم وقاشان، وكانتا قد سَلِمَتا من التتر أولًا، فإنَّهم لم يقربوهما، ولا أصاب أهلَهما أذًى، فأتاهما هؤلاء وملكوهما، وقتلوا أهلَهما، وخَرَّبوها، وألحقوهما بغيرِهما من البلاد الخراب، ثم ساروا في البلادِ يُخرِبون ويقتلون وينهَبون، ثم قصدوا همذان، وكان قد اجتمع بها كثيرٌ ممن سَلِمَ من أهلها، فأبادوهم قتلًا وأسرًا ونهبًا، وخرَّبوا البلد، وكانوا لَمَّا وصلوا إلى الريِّ رأوا بها عسكرًا كثيرًا من الخوارزمية، فكَبَسوهم وقتلوا منهم، وانهزم الباقون إلى أذربيجان، فنزلوا بأطرافِها، فلم يَشعُروا إلا والتترُ أيضًا قد كبسوهم ووضعوا السيفَ فيهم، فولوا منهزمين، فوصل طائفةٌ منهم إلى تبريز، وأرسلوا إلى صاحِبِها أوزبك بن البهلوان يقولون: إن كنتَ موافِقَنا فسَلِّمْ إلينا من عندك من الخوارزمية، وإلا فعرفنا أنك غير موافقٍ لنا، ولا في طاعتِنا، فعمد إلى من عنده من الخوارزمية فقتل بعضَهم وأسر بعضهم، وحمل الأسرى والرؤوس إلى التتر، وأنفذ معها من الأموال والثياب والدواب شيئًا كثيرًا، فعادوا عن بلاده نحو خراسان، فعلوا هذا وليسوا في كثرة، كانوا نحو ثلاثة آلاف فارس، وكان الخوارزمية الذين انهزموا منهم نحو ستة آلاف راجل، وعسكر أوزبك أكثرُ من الجميع، ومع هذا فلم يحَدِّثْ نَفسَه ولا الخوارزمية بالامتناع منهم.
بعد استيلاء الصالح إسماعيل والمجاهد أسد الدين شيركوه على دمشقَ ولَمَّا وصل الخبر إلى الصالح نجم الدين وهو مقيمٌ في نابلس يتجهَّزُ للمسير إلى مصر، افتَرَق عنه عسكرُه وبقي وحيدًا، فاستغل الفرصةَ الملك الناصر داودُ بن الملك المعظَّم صاحب الكرك والأردن فأرسل إليه من أخَذَه من نابلس مهانًا على بغلةٍ بلا مهماز ولا مُقَدمة، فاعتقله عنده سبعةَ أشهر، فأرسل العادِلُ من مصر إلى الناصر ِيطلب منه أخاه الصالحَ أيوبَ، ويعطيه مائة ألف دينار، فما أجابه إلى ذلك، بل عكس ما طلب منه بإخراجِ الصالحِ مِن سجنه والإفراج عنه وإطلاقه من الحبسِ، فعند ذلك حاربت الملوك من دمشق ومصر وغيرهما الناصرَ داود، وبرز العادِلُ من الديار المصرية إلى بلبيس قاصدًا قتال الناصر داود، فاضطرب الجيشُ عليه واختلفت الأمراءُ، وقَيَّدوا العادل واعتقلوه في خركاه- بيت من الخشب- وخُلِعَ العادل في يوم الجمعة تاسع شوال، فكانت مُدَّة ملكه سنتين وشهرين وثمانية عشر يومًا، وأرسلوا إلى الصالحِ أيوب يستدعونه إليهم، فامتنع الناصرُ داود من إرساله حتى اشتَرَط عليه أن يأخذ له دمشق وحمص وحلب وبلاد الجزيرة وبلاد ديار بكر ونصف مملكة مصر، ونصف ما في الخزائن من الحواصل والأموال والجواهر، فأجاب الصالحُ أيوب إلى ذلك مُكرهًا، وهو خائِفٌ أن تكونَ هذه الكائنة من المصريين مكيدةٌ، فلمَّا وصل الصالح أيوب إلى المصريين مَلَّكوه عليهم ودخل الديار المصرية سالِمًا مُؤيَّدًا منصورًا، مظفرا محبورًا مسرورًا، فأرسل إلى الناصر داود عشرين ألف دينار فرَدَّها عليه ولم يقبَلْها منه، واستقَرَّ مُلكه بمصر.
بعد اغتيالِ سيف الدين قطز حار الأمراءُ فيما بينهم فيمن يوَلُّون المُلك، وصار كل واحد منهم يخشى غائلة ذلك، وأن يصيبه ما أصاب غيرَه سريعًا، فاتفقت كلمتُهم على أن بايعوا بيبرس البندقداري، ولم يكن هو مِن أكابِرِ المقَدَّمين، ولكن أرادوا أن يجرِّبوا فيه، ولقَّبَوه الملك الظاهِرَ، فجلس على سريرِ المملكة وحكمه، ودقت البشائِرُ وضُرِبَت الطبول والبوقات, وزعقت الشاووشية بين يديه، وكان يومًا مشهودًا ثم دخل مصرَ والعساكرُ في خدمته، فدخل قلعةَ الجبل وجلَسَ على كرسِيِّها، فحكَمَ وعدل، وقطع ووصل، وولَّى وعزل، وكان شهمًا شجاعًا, وكان أولًا لَقَّب نفسه بالملك القاهر، فقال له الوزير: إن هذا اللَّقَب لا يُفلِحُ من يلَقَّب به، تلقَّبَ به القاهرَ بن المعتمد فلم تطل أيامه حتى خُلِعَ وسُمِلَت عيناه، ولقب به القاهِرُ صاحب الموصل فسُمَّ فمات، فعدل عنه حينئذ إلى الملك الظاهر، ثم شرع في مَسكِ من يرى في نفسه رئاسةً مِن أكابر الأمراء حتى مهَّد المُلكَ لنَفسِه، ويُذكَرُ أن مولد بيبرس كان بصحراء القِبجاق, والقبجاق قبيلة عظيمة في الترك، وهو بكسر القاف وسكون الباء ثانية الحروف، أما بيبرس بسكون الياء المثناة من تحتها ثم فتح الباء الموحدة وسكون الراء والسين المهملتين ومعناه باللغة التركية: أمير فهد. أُخذ بيبرس من بلادِه وبِيعَ بدمشق للعِمادِ الصائغ، ثم اشتراه الأميرُ علاء الدين أيدكين الصالحي البندقداري وبه سمي البندقداري، ثم صادره منه المَلِكُ الصالح نجم الدين الأيوبي ثم أعتَقَه وجعله من جملةِ مماليكِه، وقَدَّمَه على طائفة الجمدارية- الجمدار حامِلُ ملابس السلطانِ- لِما رأى من فِطنتِه وذكائِه.
خرج الملِكُ الأشرَفُ مِن دمشق من يوم الاثنين سادس عشر جمادى الأولى، فدخل حَلَب في الثامن عشر، وخرج منها في رابعَ جمادى الآخرة يريدُ قلعةَ الروم فنزل عليها يومَ الثلاثاء ثامِنَه، ونصب عشرينَ منجنيقًا ورمى عليها، وعُمِلَت النقوبُ وعَمِلَ الأمير سنجر الشجاعي نائب دمشق سلسلةً وشَبَكَها في شراريفِ القلعة وأوثق طرفَها بالأرض، فصعد الأجنادُ فيها وقاتلوا قتالًا شديدًا، ففتح اللهُ القلعةَ يوم السبت حادي عشر رجب عَنوةً، وقَتَلَ من بها من المقاتلة، وسَبى الحريمَ والصبيان، وأخذ منها بترك الأرمن وكان بها فأُسِر، وكانت مدة حصارِها ثلاثة وثلاثين يومًا، وقد سماها السلطانُ قلعةَ المسلمين فعرفت بذلك، وحَمَل إليها زردخاناه- خزانة الأسلحة- وألفين ومائتي أسير، واستُشهِدَ عليها الأمير شرف الدين بن الخطير، فلما وردت البشائِرُ إلى دمشق بفتحِ قلعة الروم زُيِّنَت البلد ودُقَّت البشائر، ورتَّبَ السلطان الأميرَ سنجر الشجاعي نائبَ الشام لعمارة قلعة المسلمين، فعَمَر ما هدَّمَته المجانيق والنقوب، وخَرَّب رَبضَها، وعاد السلطانُ راجعًا يوم السبت الثامن عشر، فأقام بحلب إلىَ نصف شعبان، وعزل قرا سنقر عن نيابة حلَب، وولَّى عِوَضَه الأميرَ سيف الدين بلبان الطباخي المنصوري، ورتَّبَ بها الأميرَ عِزَّ الدين أيبك الموصلي شاد الدواوين، ورحل السلطان إلى دمشق، فدخلها في الثانية من يوم الثلاثاء العاشر من شعبان، وبين يديه بترك الأرمن صاحبُ قلعة الروم وعِدَّة من الأسرى.