كثُرَ شَغبُ أهل طرابلس الغرب على وُلاتِهم، وكان إبراهيمُ بن الأغلب أميرُ إفريقيَّةَ قد استعمَلَ عليهم عِدَّةَ وُلاةٍ، فكانوا يَشكُون من وُلاتِهم، فيَعزِلُهم، ويولِّي غَيرَهم، فاستعمل عليهم هذه السَّنةَ سُفيانَ بنَ المضاء، وهي ولايتُه الرابعة، فاتَّفق أهلُ البلد على إخراجه عنهم، وإعادتِه إلى القيروان، فزَحَفوا إليه، فأخذ سلاحَه، وقاتَلَهم هو وجماعةٌ ممَّن معه، فأخرجوه من داره، فدخل المسجِدَ الجامع، فقاتَلَهم فيه، فقتلوا أصحابَه، ثم أمَّنوه، فخرج عنهم، فكانت ولايتُه سبعًا وعشرين يومًا.
حصر التترُ مراغة من أذربيجان، فامتنع أهلها، ثم أذعن أهلُها بالتسليم على أمانٍ طلبوه، فبذلوا لهم الأمان، وتسلَّموا البلدَ وقتلوا فيه إلَّا أنهم لم يُكثِروا القتل وجعلوا في البلد شحنةً، وعظُمَ حينئذ شأن التتر، واشتد خوفُ الناس منهم بأذربيجان، وليس في ملوك الإسلام من له رغبةٌ في الجهاد، ولا في نصرةِ الدين، بل كلٌّ منهم مُقبِلٌ على لهوه ولعبه وظُلمِ رَعيَّتِه، وقال الله تعالى: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً} [الأنفال: 25].
فوَّضَ السلطانُ قلاوون ولايةَ العهدِ لابنه المَلِك الأشرف صلاحِ الدين خليل بعد وفاة أخيه ولي العهد المَلِك الصالح علاء الدين، فركِبَ بشعار السَّلطنة من قلعةِ الجبل إلى باب النصر، وعبَرَ إلى القاهرة وخرج من بابِ زويلة، وصَعِدَ إلى القلعة وسائِرُ الأمراء وغيرُهم في خدمته، ودُقَّت البشائر، وحَلَف القضاةُ له وجميع العسكر، وخلع على سائرِ أهل الدولة، وخُطِبَ له بولاية العهد، واستقَرَّ على قاعدة أخيه الصالحِ علي، وكُتِبَ بذلك إلى سائر البلاد، وكُتِبَ له تقليدٌ.
بعد أن تسلطن سليم الأول وعلا عرشَ الدولة العثمانية توجَّه للتخلص من إخوته الذين ينازعونَه السلطة أو لا يرضونَ به سلطانًا؛ الأمير "كوركود"، و الأمير "أحمد"، فالأول قام بتجميع جيش وأعلن العصيان ضد الدولة، أما الثاني فلم يكتفِ بإعلان العصيان بل اتَّفق مع أعدى أعداء الدولة العثمانية، وهي الدولة الصَّفوية ضد أخيه, فتعقَّب أخاه أحمد إلى أنقرة وقبض عليه بعد جَهدٍ وقتَلَه، ثم سار إلى ولاية صاروخان وتتَبَّع أخاه الآخر كركود ففرَّ منه وبعد البحث الشديد عنه تمكَّن منه وقتَلَه.
أعلنت الجمعيةُ التأسيسيَّةُ في ليبيا عن تشكيلِ أوَّلِ حكومة اتحادية لليبيا مؤقَّتة في طرابلس برئاسة محمود المنتصر، وفي يوم 12/10/1951م نُقِلَت إلى الحكومة الاتحادية والحكومات الإقليمية السلطة كاملة ما عدا ما يتعلَّقُ بأمور الدفاع والشؤون الخارجية والمالية، فالسُّلُطاتُ المالية نُقِلت إلى حكومة ليبيا الاتحادية في 15/12/1951م، وأعقَبَ ذلك في 24 ديسمبر 1951م إعلان الدستور واختيار إدريس السنوسي ملِكًا للمملكة الليبية المتَّحِدة بنظام فيدرالي يضم ثلاثة ولايات (طرابلس، برقة، فزان).
اغتِيلَ الداعيةُ السَّلفيُّ البارز محمد أول آدم ألباني هو وزوجتُه بمدينة "زاريا"، في ولايَةِ كادونا شماليَّ نيجيريا، عندما كان عائدًا من إحدى دُروسِه. وآدم ألباني رحمه الله هو مؤسِّسُ أكاديميَّة علوم الألبانيِّ ودار الحديثِ، وكلاهُما يَقَعُ في مدينة "زاريا"، وكان واعِظًا مُعارِضًا للحكومة، زُجَّ به في السِّجن عِدَّةَ مراٍت؛ بسببِ آرائِه المُعارِضة. واعتُقِلَ عامَ (2011م) في أعقابِ العُنفِ الذي اتَّسمَت به نتائجُ الانتخاباتِ الرئاسيَّةِ في البلاد، ولَقِي خلالَها عِدَّةُ أشخاصٍ مَصرعَهم، ودُمِّرت العديدُ من المُمتلَكات.
وُلِد المُلَّا عمر عامَ 1959م في قريةٍ من قرى قندهارَ، وهو من قبيلةِ "بشتونية"، عندما دخَلَتِ القوَّات السوفيتيَّة إلى أفغانستان كان عُمُره 19 عامًا، وكان يَدرُس في ولايةِ "قندهارَ"، تَرَك الدِّراسةَ والتَحَق بالمجاهدين في أفغانستان. شارَك في عدَّة معاركَ ضدَّ قوَّاتِ الاتحادِ السوفيتيِّ السابقِ في ولايتَي قندهار وأرزجانَ، اللَّتينِ شهِدتَا معاركَ ضاريةً، وكان يتنقَّلُ من مُنظَّمةٍ إلى أخرى، انضمَّ إلى الحزبِ الإسلاميِّ التَّابعِ للمولوي محمد يونس خالص، ثم جنَّد طُلابَ المدارسِ القرآنيَّة وغيرَهم، ومن هنا نشأتْ حركةُ طالبان (ومعناها بالأفغانيَّة الطُّلَّابُ).
أجرَتِ الجمهوريةُ التُّركيَّةُ تعديلاتٍ على الدستورِ التركيِّ للمرةِ السابعةِ منذُ تأسيسِ الجمهوريةِ. وتُمَهِّدُ تلك التعديلاتُ الدستوريةُ إلى تحويلِ النظامِ الحُكوميِّ من برلمانيٍّ إلى رئاسيٍّ تَنفيذيٍّ، ومن ثَمَّ إلغاءُ منصِبِ رئيسِ الحكومةِ، والسماحُ لرئيسِ الدولةِ بتَعيينِ الوُزراءِ، وجَعلُ الإجراءاتِ الحُكوميةِ تحتَ سُلطَتِه، وإعلانُ حالةِ الطوارئِ. وأنْ يُنتخَب الرئيسُ لولايتَينِ رئاسيَّتَينِ بحدٍّ أقصى؛ كلُّ ولايةٍ مُدتُها خمسُ سنَواتٍ. وبهذه التعديلاتِ أنهَتْ تركيا نِقاشًا طويلًا حولَ طريقةِ إدارةِ الدولةِ.
لَمَّا تزايَدَت الوحشةُ بين مؤنسٍ صاحِبِ الجيشِ، والخليفةِ المُقتَدر وزاد ذلك انفرادُ الوزيرِ الحسين بن القاسم بأشياءَ أغاظت مؤنِسًا، الذي عزم على المسيرِ إلى الموصِلِ، فسار إليها وحارب فيها بني حمدانَ وهزمهم، فاستمال نحوه كثيرًا مِن الجند والأعراب وغيرهم، وجمع العساكِرَ وسار إلى المُقتَدِر على أن يُجرِيَ عليهم الأرزاقَ وإلَّا قاتلوه، وقد بعث بين يديه الطلائِعَ، حتى جاء فنزل بباب الشماسية ببغداد، وأشيرَ على الخليفة أن يستدينَ مِن والدتِه مالًا ينفِقُه في الأجناد، فقال: لم يبقَ عندها شيءٌ، وعزم الخليفةُ على الهربِ إلى واسط، وأن يترُكَ بغداد لمؤنسٍ حتى يتراجَعَ أمرُ النَّاسِ، ثم يعود إليها، فردَّه عن ذلك ابنُ ياقوت وأشار بمواجهتِه لمُؤنِس وأصحابه، فإنَّهم متى رأَوا الخليفةَ هربوا كلُّهم إليه وتركوا مؤنِسًا، فركب المقتَدِر وهو كارهٌ، وبين يديه الفُقَهاءُ ومعهم المصاحفُ المنشورة، وعليه البُردة والنَّاسُ حوله، ثم بعث إليه أمراؤُه يَعزِمون عليه أن يتقَدَّمَ، فامتنع من التقدُّمِ إلى محَلِّ المعركة، ثم ألحُّوا عليه فجاء بعد تمنُّعٍ شديدٍ، فما وصل إليهم حتى انهَزَموا وفَرُّوا راجعين، ولم يلتَفِتوا إليه ولا عطَفوا عليه، فكان أوَّلَ مَن لقيه من أمراء مؤنسٍ عليُّ بن بليق، فلما رآه ترجَّلَ وقبَّلَ الأرضَ بين يديه، وقال: لعن اللهُ من أشار عليك بالخروجِ في هذا اليوم. ثم وكَّلَ به قومًا من المغاربة البربر، فلما ترَكَهم وإياه شَهَروا عليه السَّلاحَ، فقال لهم: ويلَكم أنا الخليفةُ, فضربه أحدُهم بسَيفِه على عاتقِه فسقط إلى الأرضِ، وذبَحَه آخَرُ وتركوا جُثَّتَه، وأخذت المغاربةُ رأس المقتَدِر على خشبةٍ قد رفعوها وهم يلعَنونه، فلما انتهوا به إلى مؤنسٍ- ولم يكن حاضرًا الوقعة- فحين نظر إليه لطم رأسَ نَفسِه ووجهَه وقال: ويلَكُم، واللهِ لم آمُرْكم بهذا، لعَنَكم الله، والله لنُقتَلَنَّ كُلُّنا، ثم ركب ووقف عند دارِ الخلافة حتى لا تُنهَب، وهرب عبدُ الواحد بن المقتدر وهارون بن غريب، وأبناء رايق، إلى المدائن، وكان فِعْلُ مؤنسٍ هذا سببًا لطَمَعِ مُلوكِ الأطراف في الخُلَفاء، وضَعْفِ أمرِ الخلافةِ جِدًّا، مع ما كان المقتَدِر يعتمِدُه في التبذير والتَّفريط في الأموال، وطاعةِ النِّساءِ، وعزل الوُزراء، فلمَّا قُتِلَ المقتدر بالله عزَمَ مؤنِسٌ على تولية أبي العبَّاسِ بنِ المقتدر بعد أبيه ليُطَيِّبَ قلبَ أم المقتدر، فعدل عن ذلك جمهورُ من حضر من الأمراءِ، فقال أبو يعقوب إسحاقُ بنُ إسماعيل النوبختي بعد التَّعَبِ والنكد نبايعُ لخليفةٍ صبيٍّ له أمٌّ وخالاتٌ يُطيعُهن ويشاوِرُهنَّ؟ ثم أحضروا محمَّدَ بنَ المعتضد- وهو أخو المقتدر- فبايعه القُضاةُ والأُمراء والوُزراء، ولقبوه بالقاهر بالله، وذلك في سحَرِ يوم الخميس لليلتينِ بقيتا من شوال منها.
كانت فرنسا توَدُّ أن تدعَمَ محمد علي باشا وأن يحتفِظَ بما أخضعه من مناطِقَ، ولكِنَّ إنجلترا لا تريد ذلك؛ لمنافسة فرنسا على مركزها في مصر، وخوفًا من منافَستِها على طريق الهند، وأما النمسا وبروسيا فتريان في قوة محمد علي خطرًا على أوربا خشيةَ أن يسيطرَ على الدولة العثمانية فيفَكِّرَ في إعادة ما كانت عليه، ولقد تمَّ عقد اتفاقية عام 1256هـ بين إنكلترا وروسيا والنمسا وبروسيا بعد انسحاب فرنسا ومحاولة اتفاقها مباشرةً مع الدولة العثمانية ومحمد علي، وتشجيعه على رفض مطالب إنكلترا، ودعمه إن عارضته إنكلترا، غير أن الاتفاقية قد نصَّت على الآتي: يجب على محمد علي أن يعيد إلى الدولة العثمانية ما أخذه من بلاد الشام، ويحتفظ لنفسِه بالجزء الجنوبي منها، مع عدم دخول عكا في هذه الجزء، يحِقُّ لإنكلترا بالاتفاق مع النمسا محاصرةُ موانئ الشام، ومساعدة كل من أراد من السكان خلع طاعة محمد علي والعودة إلى الدولة العثمانية، (ومعنى هذا: التحريضُ على العصيان)، أن يكون لمراكب روسيا وإنكلترا والنمسا حق الدخول إلى استانبول لحمايتها فيما إذا تعرَّضت لهجوم من قِبَل المصريين، ولا يحِقُّ لأحد أن يدخلها ما دامت غيرَ مهددة بهجوم. يجب أن تُصَدَّق هذه الاتفاقية خلال شهرين في لندن، كما يجب تصديقُها من الخليفة العثماني. ثم عُرِضت الاتفاقية على محمد علي فرفض ذلك، فاجتمع سفراء هذه الدول في استانبول مع الصدر الأعظم، واتخذوا قرارًا بسَلخِ ولاية مصر من محمد علي، وسحبت فرنسا سفُنَها من سواحل مصر والشام تاركةً السفن الإنكليزية بمفردها؛ مما أثار الرأيَ العام الفرنسي على الحكومةِ التي تخَلَّت عن حليفها محمد علي وقتَ أزمته، ثم حصَّنت الموانئ الشامية وخاصةً بيروت وعكا، وجاء إبراهيم باشا من مقَرِّه قرب بعلبك إلى بيروت بناءً على طلب سليمان باشا الفرنساوي، وأنزلت إنكلترا قواتِها شمال بيروت، وبدأت المعارِكُ، وهدمت أكثر المدينة وأحرقت، وكذا بقية الثغور الشامية، وتمكنت القوات الإنكليزية ومن معها من أخذ الموانئ وإجلاء المصريين، وطلب محمد علي من ابنِه إبراهيم الانسحابَ حيث لا يستطيع مقاومةَ الدُّوَل كلها، فانسحب وتعرَّض أثناء ذلك لكثيرٍ من الهجمات عليه من العرَبِ، حتى فقد ثلاثة أرباع جيشِه.
بعد أن استطاع الشيخُ مبارك آل الصباح الاستيلاءَ على حُكمِ الكويت أبقى العلمَ العُثمانيَّ مرفوعًا في الكويت ليخَفِّفَ نقمةَ النَّاسِ عليه من قَتلِه لأخويه محمد وجراح ليستفردَ بالحكم، ومن جانبِ الدولة العثمانية فإنها لم تكنْ واثقةً به، ومنعًا لاعتراف أيِّ دولة باستقلاله عيَّنَتْه قائمقام في الكويت، أمَّا البريطانيون فكانوا يتخوَّفون من أمرين: من الحكومة العثمانية التي بدأت تعَزِّزُ قواتها في البصرة، وبدأت نواياها تتَّجِهُ إلى ضمِّ الكويت رسميًّا لها، وعدم تركها على وَضعِها، ومن طرفٍ آخَرَ تتخَوَّف من روسيا التي باتت تزاحمُها على الخليج العربي بالتقرُّبِ من الكويت لأخذِ الامتيازات وإنشاء محطاتٍ للفحم في الموانئ، فحاولت بريطانيا عن طريقِ المقيم البريطاني عقدَ اتفاقية مع مبارك الصباح، فتَمَّ إبرام اتفاقية مضمونُها عدم استقبال مبارك لأيِّ مبعوث دولة أجنبية، وتمت هذه الاتفاقيَّةُ بسريَّةٍ تامَّةٍ، وحاولت بريطانيا أيضًا أن تزيدَ عدد السفن البحرية الحربية بحُجَّةِ حماية الخليج العربي أمام الكويتِ، وحاول العثمانيون أن يتولَّوا بأنفُسِهم إدارة ميناء الكويت، ورفض ذلك مبارك فأرسل العثمانيون قوةً عسكريةً بحجَّةِ إقامة دارٍ للجمارك ومَدِّ خطٍّ للتلغراف، وفي الوقت نفسه قام البريطانيون بإعلامِ العثمانيين بأنَّ الكويتَ له استقلالُه، وأنَّ الأمور ستُصبِحُ خطيرةً إذا ما قام العثمانيون بإنشاءِ دار الجمارك في الكويت دون موافقةِ بريطانيا، وأصدر البريطانيون أوامِرَهم للمقيم البريطاني في الخليجِ العربي بالضغطِ على مبارك وتهديدِه حتى لا يتصَرَّفَ دون استشارةِ حكومة الهند، ثم إنَّ محاولات الدولة العثمانية لفَرضِ سُلطتِها على الكويت جَعَلت مباركًا يتصل بقائِدِ السفينة البريطانية سفنكس طالبًا منه إعلان الحكومة البريطانية بتجديدِ الحمايةِ الدائمةِ على الكويت، ورفضت بريطانيا ذلك أولًا، ثم استاء البابُ العالي من مبارك، فأصدر مرسومًا بنفيه من الكويت، ولكِنَّه استنجد بالسفُنِ البريطانية ليخَلِّصوه من هذا المرسوم، وبعد أن قام كرزن برحلةٍ إلى الخليج العربي والتي أدَّت إلى تركيز النفوذ البريطاني في الخليجِ بعد مناقشةٍ قوية مع الدولة العثمانية، تمَّ إعلانُ الحمايةِ البريطانية للكويت والتي أصبحت الكويت بموجِبِه منطقةَ نفوذٍ بريطانية، وتم تعيينُ ممَثِّل سياسي فيها، هو الضابط نوكس.
بوفاة الصدر الأعظم "أحمد كوبريلي" العام الماضي ضعف النظام العثماني، وتمكنت دول أوربا خلال السنوات القادمة من تحقيق انتصارات على الدولة العثمانية, فهاجمت النمسا بلاد المجر، واغتصبت قلعة نوهزل ومدينة بست ومدينة بودا، وأغار ملك بولونيا على ولاية البغدان، وأغارت سفن البندقية على سواحل المورة واليونان، واحتلت أثينا وكورنثة عام 1097هـ وغيرها من المدن. وتذكر كتب التاريخ أن العلماء ورجال الدولة بسبب هذا التدهور قد اتَّفقوا على عزل السلطان محمد الرابع فعُزِل عام 1099هـ.
أمر نائِبُ السُّلطانِ الأميرُ الحاج آل ملك والي القاهرة بأن يُنزَل إلى خزانة البنود بالقاهرة، ويُحتاطَ على ما بها من الخَمرِ والبغايا، ويخرج مَن فيها من النَّصارى الأسرى، ويريق ما هناك من الخُمور، ويخرِّبها حتى يجعَلَها دكًّا، وسبَبُ ذلك أنَّ خِزانةَ البنود كانت يومئذٍ حانةً، بعدما كانت سجنًا يُسجَنُ فيه الأمراءُ والجُندُ والمماليك، كما أنَّ خِزانةَ شمائِل سجنٌ لأرباب الجرائِمِ من اللصوصِ وقُطَّاع الطريق، فلما كانت دولةُ السلطان الملك الناصر محمَّد بن قلاوون بعد عَودِه من الكرك، وشُغِفَ بكثرةِ العماراتِ، اتَّخَذ الأسرى وجَلَبَهم إلى مصر من بلاد الأرمن وغيرها، وأنزَلَ عِدَّةً كثيرةً منهم بقلعة الجبل، وجماعةً كثيرة بخزانة البنود، فملأ أولئك الأرمن خزانةَ البنود حتى بطل السِّجنُ بها، وعَمَرها السلطانُ الناصر مساكِنَ لهم، وتوالدوا بها، وعَصَروا الخمورَ بحيث إنَّهم عصروا في سنة واحدة اثنتين وثلاثين ألف جَرَّة، باعوها جِهارًا، وكان لحمُ الخنزير يُعَلَّقُ عندهم على الوضم، ويباعُ مِن غيرِ احتشامٍ، واتَّخَذوا عندهم أماكِنَ لاجتماع النَّاسِ على المحَرَّمات، فيأتيهم الفُسَّاق ويظَلُّونَ عندهم الأيامَ على شُربِ الخُمورِ ومُعاشرة الفواجِر والأحداثِ، ففَسَدت حُرَمٌ كثيرةٌ من الناسِ وكثيرٌ مِن أولادِهم وجماعةٌ مِن مماليك الأمراءِ فسادًا شَنيعًا، حتى إنَّ المرأةَ إذا تركت أهلَها أو زوجَها، أو الجاريةَ إذا تركت مواليَها، أو الشَّابَّ إذا ترك أباه، ودخل عند الأرمن بخزانةِ البنودِ، لا يقدِرُ أن يأخُذه منهم، ولو كان مَن كان! فقام الأميرُ الحاج آل ملك في أمرِهم، وفاوض السُّلطانَ المَلِكَ الناصِرَ محمدَ بن قلاوون في فسادِهم غيرَ مرة، فلم يجِبْه إلى أن أكثَرَ عليه، فغَضِبَ السلطان عليه، وقال له: يا حاج! كم تشتكي مِن هؤلاء، إن كان ما يُعجِبُك مُجاوَرَتَهم انتَقِلْ عنهم! فشَقَّ ذلك عليه، وركِبَ إلى ظاهر الحُسَينية واختار مكانًا، وعَمَره دارًا، وأنشأ بجانِبِها جامعًا، وحَمَّامًا ورَبْعًا وحوانيت، وبَقِيَت في نفسِه حزازاتٌ حتى أمكنَتْه القدرةُ منهم، وانبسَطَت يدُه فيهم بكونِه نائِبَ السُّلطانِ، فنزل والي القاهرةِ ومعه الحاجِبُ وعِدَّةٌ من أصحاب النائِبِ، وهجموا خزانةَ البنود، وأخرجوا جميعَ سُكَّانِها، وكَسَروا أوانيَ الخَمرِ، فكانت شيئًا يجِلُّ وَصفُه كثرةً، وهدموها واشترى أرضَها الأميرُ قماري مِن بيت المالِ، وتقَدَّمَ إلى الضياء المحتَسِب أن يناديَ بتَحكيرِها، فرَغِبَ النَّاسُ في أرضها واحتكَروها، وبَنَوها دُورًا وطواحينَ وغَيرَها، فكان يومُ هَدمِ خزانة البنود يومًا مَشهودًا من الأيامِ المشهورةِ المذكورة، عَدَلَ هَدْمُها فتحَ طرابلُس وعكا؛ لكثرةِ ما كان يُعمَلُ فيه بمعاصي اللهِ! ثمَّ طلب النائِبُ الأميرُ الحاج واليَ القلعةِ، وألزَمَه أن يفعَلَ ذلك ببيوت الأسرى من القلعةِ، فمضى إليها وكَسَّر جِرارَ الخَمرِ التي بها، وأنزلهم من القلعةِ، وجعَلَهم مع نصارى خزانةِ البنود في مَوضِعٍ بجوار الكوم، فيما بين جامِعِ ابن طولون ومصر، فنزلوه واتخَذوا به مساكِنَهم، وكانت الأسرى التي بالقلعة من خواصِّ الأسرى، وعليهم كان يعتَمِدُ السلطان المَلِكُ الناصر محمد بن قلاوون في أمر عمائِرِه، وكانوا في فَسادٍ كبيرٍ مع المماليكِ وحرَمِ القلعةِ، فأراح الله منهم، ثم رسم الأميرُ الحاج آل ملك النائب بتتَبُّع أهل الفساد، فمَنَع الناسَ مِن ضَربِ الخِيَم على شاطئ النيلِ بالجزيرةِ وغَيرِها للنُّزهة، وكانت محلَّ فَسادٍ كبيرٍ؛ لاختلاطِ الرِّجالِ فيها بالنِّساءِ، وتعاطيهم المُنكَرات.
دخل طاهِرُ بنُ محمَّد بنِ عمرِو بنِ الليث بلادَ فارس في عسكَرِه وأخرجوا عنها عامِلَ الخليفة، فكتب الأميرُ إسماعيلُ بنُ أحمد الساماني إلى طاهر يذكُرُ له أنَّ الخليفةَ المعتضِدَ قد ولَّاه سجستان، وأنَّه سائر إليها فعاد طاهِرٌ لذلك، فولَّى المعتضِدُ مولاه بدرًا فارِسَ، وأمره بالشُّخوصِ إليها لَمَّا بلغه أنَّ طاهرًا تغلب عليها، فسار إليها في جيشٍ عظيمٍ في جمادى الآخرة، فلما قَرُب من فارس تنحَّى عنها مَن كان بها من أصحابِ طاهرٍ، فدخَلَها بدر، وجَبى خراجَها وعاد طاهرٌ إلى سجستان.
هو الوزيرُ الكامِلُ نجيب الدَّولة، أبو القاسِمُ علي بن أحمد الجرجرائي، وزيرُ الديار المصريَّة للظاهِرِ العُبَيدي، وكان مِن دُهاة الملوك، خدم الحاكِمَ، فغَضِبَ عليه، فقطع يديه مِن مِرفَقَيه في سنة 404؛ لكونه خان في مباشرةِ الديوان، ثمَّ رَضِيَ عنه في سنة 409، فولَّاه ديوان النَّفَقات، ثم عَظُمَ أمرُه إلى أن وزَرَ في سنة 418 للظاهِرِ بنِ الحاكم. وهو مقطوعُ اليدينِ مِن المرفقين، فاستمَرَّ في الوزارة مدَّةَ وِلايةِ الظاهرِ، ثمَّ لوَلَدِه المُستنصِر، حتى توفِّيَ في هذه السنة، وكان شهمًا كافيًا سائسًا، ذا أمانةٍ وعِفَّةٍ عظيمةٍ.