الموسوعة التاريخية

عدد النتائج ( 2508 ). زمن البحث بالثانية ( 0.017 )

العام الهجري : 589 الشهر القمري : صفر العام الميلادي : 1193
تفاصيل الحدث:

هو السُّلطانُ الكبيرُ، المَلِكُ النَّاصِرُ: صلاح الدين، أبو المظفر يوسف بن الأمير نجم الدين أيوب بن شاذي بن مروان بن يعقوب الكردي الدُوِيني، ثم التِكريتي المولد. صاحِبُ الدِّيارِ المصريَّة والبلادِ الشاميَّة والفُراتيَّة واليمنيَّة، واسطة عقدِ آل أيوب، وشُهرتُه أكبَرُ مِن أن تحتاج إلى التنبيهِ عليه. اتَّفَق أهل التاريخ على أن أباه وأهلَه من دُوِين؛ بلدةٍ في آخِرِ عمل أذربيجان من جهة أران وبلاد الكرج، وأنهم أكرادٌ رَواديِّة، والرَوَاديَّة: بطن من الهَذَبانِيَّة، وهي قبيلةٌ كبيرة من الأكراد. قال ابنُ خَلِّكان: "قال لي رجلٌ فقيه عارِفٌ بما يقول، وهو من أهل دُوِين: إنَّ على باب دوين قريةً يقال لها أجدانقان، وجميع أهلها أكراد رَوَاديَّة، ومولد أيوب بن شاذي والد صلاح الدين وعمه شيركوه بها، ثم أخذ شاذي ولَدَيه أسد الدين شيركوه ونجم الدين أيوب وخَرَجَ بهما إلى بغداد، ومِن هناك نزلوا تكريت، ومات شاذي بها، ولقد تتبعت نِسبَتَهم كثيرًا فلم أجِدْ أحدًا ذَكَرَ بعد شاذي أبًا آخر، حتى إنِّي وقفتُ على كتب كثيرة بأوقافٍ وأملاك باسم شيركوه وأيوب، فلم أرَ فيها سوى شيركوه بن شاذي، وأيوب بن شاذي، لا غير" ثم خَدَم أيوب وشيركوه مجاهِدَ الدين بهروز بن عبد الله الغياثي شحنةً بالعراق- الشحنة: القَيِّم لضَبطِ أمن البلد- فلما رأى مجاهِدُ الدين في نجم الدين أيوب عقلًا ورأيًا حسنًا وحُسنَ سيرة، جعله دُزدَار تكريت، أي: حافظ القلعة، وواليها, ثم انتقل أيوب وشيركوه لخدمة عماد الدين زنكي بالموصل، فأحسن إليهما وأقطعهما إقطاعًا حسنًا وصارا من جملة جنده. فلما فتح عماد الدين زنكي بعلبك جعل نجم الدين أيوب واليًا عليها. قال ابن خلكان: " اتفق أربابُ التواريخ أنَّ صلاح الدين وُلِدَ سنة 532 بقلعة تكريت لَمَّا كان أبوه بها، ولم يَزَل صلاح الدين تحت كَنَف أبيه حتى ترعرع, ولما مَلَك نور الدين محمود بن عماد الدين زنكي دمشقَ لازم نجم الدين أيوب خِدمَتَه، وكذلك وَلَدُه صلاح الدين، وكانت مخايلُ السعادة عليه لائحةً، والنجابةُ تُقَدِّمه من حالة إلى حالة، ونور الدين يرى له ويُؤثِرُه، ومنه تعلَّم صلاح الدين طرائِقَ الخيرِ وفِعلَ المعروف والاجتهادِ في أمور الجهاد، حتى تجهَّزَ للمَسيرِ مع عمه شيركوه إلى الديار المِصريَّة" قال الذهبي: "سَمِعَ صلاح الدين من أبي طاهر السِّلَفي، والفقيه علي بن بنت أبي سعد، وأبي الطاهر بن عوف، والقطب النيسابوري، وحدَّث". أمَّر نورُ الدين صلاحَ الدين، وبَعَثَه في عسكره مع عَمِّه أسد الدين شيركوه، فحَكَم شيركوه على مصر، فما لَبِثَ أن توفي، فقام بعدَه صلاح الدين، ودانت له العساكِرُ، وقَهَر بني عُبَيد، ومحا دولَتَهم، واستولى على قصرِ القاهرة بما حوى من الأمتعة والنفائس، منها الجبل الياقوت, وخلا القصرُ مِن أهله وذخائره، وأقام الدعوة العباسية. وكان خليقًا للإمارة مَهيبًا، شُجاعًا حازِمًا مجاهِدًا، كثيرَ الغزو، عاليَ الهِمَّة، كانت دولتُه نيفًا وعشرين سنة. قال ابن خلكان: " قال شيخُنا ابن شداد (في سيرة صلاح الدين): "سمعتُ صلاح الدين يوسف بن أيوب يقول: لَمَّا يَسَّرَ لي الله الديارَ المصرية عَلِمتُ أنه أراد فتح الساحِلِ؛ لأنه أوقع ذلك في نفسي, ثم قال ابن شداد: ومِن حينِ استتَبَّ له الأمر ما زال يشُنُّ الغارات على الفرنج إلى الكرك والشوبك وبلادهما، وغَشِيَ الناس من سحائِبِ الإفضال والإنعام ما لم يُؤَرَّخْ من غير تلك الأيام، وهذا كلُّه وهو وزيرٌ متابِعُ القوم، لكنه يقومُ بمَذهَبِ أهل السنة، غارسًا في البلاد أهلَ الفقه والعِلمِ والتصوف والدين، والناس يُهرَعون إليه من كلِّ صَوبٍ ويَفِدون عليه من كل جانب، وهو لا يخَيِّب قاصدًا ولا يعدِمُ وافدًا ". تملك بعد نور الدين، واتَّسَعَت بلاده. ومنذ تسلطَنَ طَلَّقَ الخَمرَ واللَّذَّات، وأنشأ سورًا على القاهرة ومصر، وبعث أخاه شمس الدين في سنة ثمان وستين، فافتتح برقة، ثمَّ فتح اليمن، وسار صلاح الدين، فأخذ دمشق مِن ابن نور الدين. وفي سنة إحدى وسبعين حاصر عزاز، ووثبت عليه الباطنية، فجرحوه. وفي سنة ثلاث وسبعين كسَرَته الفرنج على الرملة، وفَرَّ في جماعة ونجا, وفي سنة خمس التقاهم وكَسَرهم, وفي سنة ستٍّ أمر ببناء قلعة الجبل, وفي سنة ثمانٍ عدى الفرات، وأخذ حران، وسروج، والرقة، والرها، وسنجار، والبيرة، وآمد، ونصيبين، وحاصَرَ الموصل، ثم تمَلَّك حلب، وعَوَّضَ صاحبها زنكي بسنجار، ثم إنه حاصر الموصل ثانيًا وثالثًا، ثم صالحه صاحبها عز الدين مسعود، ثم أخذ شهرزور والبوازيج, وفي سنة ثلاث وثمانين فتح طبرية، ونازل عسقلان، ثم كانت وقعة حطين سنة 585 بينه وبين الفرنج، وكانوا أربعين ألفًا، فحال بينهم وبين الماء على تَلٍّ، وسلموا نفوسَهم وأسر ملوكهم وأمراءَهم، وبادر فأخذ عكا وبيروت وكوكب، وسار فحاصر بيت المقدس، وجَدَّ في ذلك فأخذه بالأمان، ثم إن الفرنج قامت قيامتُهم على بيت المقدس، وأقبلوا كقطيعِ اللَّيلِ المُظلِمِ بَرًّا وبحرًا وأحاطوا بعكا ليستردُّوها وطال حصارُهم لها، وبنوا على نفوسهم خندقًا، فأحاط بهم السلطانُ، ودام الحصار لهم وعليهم نيفا وعشرين شهرًا، وجرى في غضون ذلك ملاحِمُ وحروب تَشيبُ لها النواصي، وما فكُّوا حتى أخذوها، وجَرَت لهم وللسلطان حروب وسِيَر. وعندما ضرس الفريقان، وكلَّ الحِزبان، تهادن المِلَّتان في صلح الرملة سنة 588. وكانت لصلاح الدين هِمَّة في إقامة الجهاد، وإبادة الأضدادِ ما سُمِعَ بمِثلِها لأحدٍ في دهر. قال الموفق عبد اللطيف: "أتيتُ وصلاح الدين بالقُدسِ، فرأيتُ مَلِكًا يملأ العيون روعةً، والقلوبَ مَحبَّةً، قَريبًا بعيدًا، سَهلًا مُحَبَّبًا، وأصحابه يتشَبَّهون به، يتسابقونَ إلى المعروف، كما قال تعالى: {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا} وأوَّلَ ليلة حضرتُه وجدت مجلِسَه حافِلًا بأهلِ العلم يتذاكرون، وهو يُحسِنُ الاستماع والمشاركة، ويأخُذُ في كيفيَّة بناء الأسوار، وحَفْر الخنادق، ويأتي بكلِّ معنى بديع، وكان مهتمًّا في بناء سور بيت المقدس وحَفْرِ خَندقِه، ويتولى ذلك بنَفسِه، وينقُل الحجارةَ على عاتِقِه، ويتأسى به الخَلقُ حتى القاضي الفاضِلُ، والعمادُ إلى وقت الظهر، فيمُدُّ السماط ويستريح، ويركبُ العَصرَ، ثم يرجع في ضوء المشاعِلِ، وكان يحفَظُ (الحماسة)، ويظُنُّ أنَّ كلَّ فقيه يحفَظُها، فإذا أنشَدَ وتوقَّفَ، استطعَمَ فلا يُطعَمُ، وجرى له ذلك مع القاضي الفاضل، ولم يكُن يحفَظُها، وخرج فما زال حتى حفظها، وكتب لي صلاح الدين بثلاثين دينارًا في الشهر، وأطلق أولادُه لي رواتِبَ، وكان أبوه ذا صلاحٍ، ولم يكن صلاحُ الدين بأكبَرِ أولاده، وكان محبَّبًا إلى نور الدين يلاعِبُه بالكُرةِ". لما قَدِمَ الحجيجُ إلى دمشق في يوم الاثنين حادي عشر صفر من هذه السنة خرج السلطانُ لتَلَقِّيهم، ثم عاد إلى القلعةِ فدخلها من باب الجديد، فكان ذلك آخِرَ ما رَكِبَ في هذه الدنيا، ثمَّ إنه اعتراه حُمَّى صفراوية ليلةَ السبت سادس عشر صفر، فلما أصبَحَ دخل عليه القاضي الفاضِلُ وابن شداد وابنُه الأفضل، فأخذ يشكو إليهم كثرةَ قلَقِه البارحة، وطاب له الحديثُ، وطال مجلِسُهم عنده، ثم تزايدَ به المرضُ واستمَرَّ، وقَصَده الأطباءُ في اليوم الرابع، ثم اعتراه يَبسٌ وحصَلَ له عَرَقٌ شَديدٌ بحيث نَفَذ إلى الأرض، ثم قَوِيَ اليبس فأحضَرَ الأمراءَ الأكابِرَ فبُويعَ لولده الأفضَل نور الدين علي، وكان نائبًا على دمشق، وذلك عندما ظَهَرت مخايل الضَّعفِ الشديد، وغيبوبة الذِّهنِ في بعض الأوقاتِ، وكان الذين يدخُلونَ عليه في هذه الحال الفاضِلُ وابنُ شداد وقاضي البلد ابن الزكي، ثم اشتَدَّ به الحال ليلةَ الأربعاء السابع والعشرين من صفر، واستدعى الشيخَ أبا جعفر إمامَ الكلاسة ليبيتَ عنده يقرأُ القرآن ويُلَقِّنَه الشهادة إذا جَدَّ به الأمرُ، فلما أُذِّنَ الصبحُ جاء القاضي الفاضل فدخل عليه وهو في آخِرِ رمقٍ، فلما قرأ القارئُ {لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ} فتبَسَّمَ وتهَلَّلَ وَجهُه، وأسلَمَ رُوحَه إلى ربِّه سبحانه وتعالى، ثم أخَذوا في تجهيزه، وحَضَر جميعُ أولاده وأهله، وكان الذي تولَّى غُسلَه خطيب البلد الفقيهُ الدولعي، وكان الذي أحضَرَ الكفَنَ ومؤنة التجهيز القاضي الفاضل مِن صُلبِ مالِه الحلال، هذا وأولادُه الكبار والصغار يتباكَون وينادون، وأخذ الناسُ في العويل والانتحاب والدُّعاء له والابتهال، ثم أُبرِزَ جِسمُه في نعشِه في تابوتٍ بعد صلاة الظهر، وأمَّ النَّاسَ عليه القاضي ابنُ الزكي، ثم دفن في داره بالقلعة المنصورة، ثم شَرَع ابنُه في بناء تربةٍ له ومدرسة للشافعيَّة بالقرب من مسجدِ القدم؛ لوصيته بذلك قديمًا، فلم يكمل بناؤها، ثم اشترى له الأفضَلُ دارًا شماليَّ الكلاسة في وزان ما زاده القاضي الفاضل في الكلاسة، فجعلها تربةً، وكان نقله إليها في يوم عاشوراء سنة اثنتين وتسعين، وصلَّى عليه تحت النسر قاضي القضاة محمد بن علي القرابي بن الزكي، عن إذنِ الأفضل، ودخل في لحْدِه ولَدُه الأفضلُ فدفنه بنفسه، وهو يومئذ سلطانُ الشام، ويقالُ إنه دَفَن معه سَيفَه الذي كان يحضُرُ به الجهادَ، ويُذكَرُ أنَّ صَلاحَ الدين- رحمه الله تعالى- لم يخَلِّفْ في خزائِنِه غيرَ دينار واحدٍ صوري، وأربعين درهمًا ناصريَّة، ثمَّ تولى ابنُه الأفضل مُلكَ دِمشق، والساحل، وبيت المقدس، وبعلبك، وصرخد، وبصرى، وبانياس، وهونين، وتبنين، وجمع الأعمال إلى الداروم، وكان وَلَدُه الملك العزيز عثمان بمصر، فاستولى عليها، وعلى جميعِ أعمالِها، مثل: حارم، وتل باشر، وإعزاز، وبرزية، ودرب ساك، ومنبج وغير ذلك، وكان بحماة محمود بن تقي الدين عمر فأطاعه وصارَ معه، وكان بحمص شيركوه بن محمد بن شيركوه، فأطاع المَلِكَ الأفضل.

العام الهجري : 432 العام الميلادي : 1040
تفاصيل الحدث:

سار مسعودٌ يريدُ بلادَ الهندِ لِيشْتُوا بها، فلمَّا سار أخَذَ معه أخاه محمَّدًا مسمولَ العينينِ، واستصحَبَ الخزائِنَ، وكان عازمًا على الاستنجادِ بالهندِ على قتال السلجوقيَّة ثِقةً بعهودهم. فلمَّا عَبَرَ سيحون- وهو نهرٌ كبيرٌ نحو دِجلة- وعبَرَ بعض الخزائِنِ، اجتمع أنوشتكين البلخي وجمعٌ من الغلمانِ الداريَّةِ ونهبوا ما تخلَّفَ من الخزانةِ، وأقاموا أخاه محمَّدًا 13 ربيع الآخر، وسَلَّموا عليه بالإمارةِ، فامتنع من قَبولِ ذلك، فتهَدَّدوه وأكرهوه، فأجاب وبَقِيَ مسعودٌ فيمن معه من العسكَرِ وحَفِظَ نَفسَه، فالتقى الجمعانِ مُنتصَفَ ربيعٍ الآخر، فاقتتلوا، وعَظُمَ الخطبُ على الطائفتينِ، ثم انهزمَ عسكَرُ مسعود، وتحصَّن هو في رباطِ ماريكلة، فحصره أخوه، فامتنع عليه، فقالت له أمُّه: إنَّ مكانَك لا يَعصِمُك، ولَأنْ تخرُجَ إليهم بعهدٍ خَيرٌ من أن يأخذوك قهرًا. فخرج إليهم، فقَبَضوا عليه، فقال له أخوه محمد: واللهِ لا قابلْتُك على فِعلِك بي-  كان مسعودٌ قد سمَلَ عينيه ونزع منه الحُكمَ-، ولا عامَلتُك إلَّا بالجميلِ، فانظُرْ أين تريدُ أن تقيمَ حتى أحمِلَك إليه ومعك أولادُك وحرَمُك. فاختار قلعة كيكي، فأنفذه إليها محفوظًا، وأمر بإكرامِه وصيانتِه، ثمَّ إن محمدًا فوَّضَ أمرَ دولتِه إلى ولَدِه أحمد، وكان فيه خبطٌ وهَوجٌ، فاتَّفق هو وابنُ عمه يوسف بن سبكتكين وابنُ علي خويشاوند على قَتلِ مسعود ليصفُوَ المُلكُ له ولوالِدِه، فقتلوه، فلمَّا عَلِمَ محمَّد بذلك ساءه، وشَقَّ عليه وأنكره، وقيل إنَّ محمَّدًا أغراه ولَدُه أحمد بقَتلِ عَمِّه مسعود، فأمر بذلك، وأرسل إليه مَن قتَلَه وألقاه في بئرٍ وسَدَّ رأسَها، وقيل: بل أُلقِيَ في بئرٍ حيًّا وسُدَّ رأسُها فمات، فلمَّا مات كتب محمَّدٌ إلى ابن أخيه مودود، وهو بخراسان، يقول: إنَّ والدك قُتِلَ قِصاصًا، قتله أولادُ أحمد ينالتكين بلا رضًا مني، وطَمِعَ جندُ محمد فيه، وزالت عنهم هيبتُه، فمَدُّوا أيديَهم إلى أموالِ الرَّعايا فنهبوها، فخَرِبَت البلاد، فلمَّا قُتِلَ الملكُ مسعود وصل الخبَرُ إلى ابنه مودود، وهو بخراسان، فعاد مجِدًّا في عساكِرِه إلى غزنةَ، فتصافَّ هو وعَمُّه محمد في ثالث شعبان، فانهزم محمَّدٌ وعسكَرِه وقُبِضَ عليه وعلى ولدِه أحمد، وأنوشتكين الخصِيِّ البلخي، وابنِ علي خويشاوند، فقَتَلَهم، وقتَلَ أولادَ عَمِّه جميعَهم إلَّا عبد الرحيم, وبنى موضِعَ الوقعةِ قريةً ورِباطًا، وسمَّاها فتح آباذ، وعاد إلى غُزنةَ فدخلها في ثالث وعشرين شعبان، وكان داودُ أخو طغرلبك قد ملك مدينةَ بلخ، واستباحها، فلمَّا تجدَّدَ هذا الظَّفَرُ لمودود ثار أهلُ هراة بمن عندهم من الغزِّ السلجوقيَّة، فأخرجوهم وحَفِظوها لمودود، واستقَرَّ الأمرُ لمودود بغزنةَ، ولم يبقَ له همٌّ إلا أمرُ أخيه مجدود؛ فإنَّ أباه قد سيَّرَه إلى الهند سنةَ ستٍّ وعشرين وأربعمِئَة، فخاف أن يخالِفَ عليه، فأتاه خبَرُه أنَّه قصَدَ لهاوور، وملتان، فملكهما، وأخذ الأموالَ، وجمع بها العساكِرَ، وأظهر الخلافَ على أخيه، فندب إليه مودودٌ جيشًا ليمنعوه ويقاتِلوه، وعَرَض مجدودٌ عَسكَرَه للمَسيرِ، وحضر عيدُ الأضحى، فبَقِيَ بعده ثلاثة أيام، وأصبح ميتًا بلهاوور لا يُدرى كيف كان مَوتُه، وأطاعت البلادُ بأسرِها مودودًا، ورَسَت قدمُه، وثَبَت مُلكُه، ولَمَّا سَمِعَت الغز السلجوقيَّةُ ذلك خافوه، واستشعروا منه، وراسله مَلِكُ التُّركِ بما وراء النَّهرِ بالانقيادِ والمتابعة.

العام الهجري : 688 الشهر القمري : شوال العام الميلادي : 1289
تفاصيل الحدث:

جرَّد السلطان قلاوون الأميرَ عِزُّ الدين أيبك الأفرم أمير جاندرا إلى بلاد النوبة، ومعه من الأمراء قبجاق المنصوري وبكتمر الجوكندار، وأيدمر والي قوص، وكثير من الأمراء، وسائرُ أجناد المراكز بالوجه القبلي، ونواب الولاة، ومن عُربان الوجهين القبلي والبحري عدة أربعين ألف راجل، ومعهم متمَلِّك النوبة وجريس، فساروا في ثامن شوال، وصَحِبَتهم خمسمائة مركب ما بين حراريق ومراكب كبار وصغار تحمِلُ الزاد والسلاح والأثقال، فلما وصلوا ثغر أسوان مات متمَلِّك النوبة ونائبه، فدُفِن بأسوان، فطالع الأميرُ عز الدين الأفرم السلطانَ بموته، فجَهَّزَ إليه من أولاد أخت الملك داود رجلًا كان بالقاهرة ليملِّكَه، فأدرك العسكرَ على خيل البريد بأسوان وسار معه، وقد انقسموا نصفين: أحدهما الأميرُ عز الدين الأفرم وقبجاق في نصف العسكرِ مِن الترك والعَرَب في البر الغربي، وسار الأمير أيدمر والي قوص والأمير بكتمر بالبقية على البر الشرقي، وتقَدَّمَهم جريس نائب ملك النوبة ومعه أولاد الكنز؛ ليؤمِّنَ أهل البلاد ويجهِّز الإقامات، فكان العسكرُ إذا قَدِمَ إلى بلد خرج إليه المشايخ والأعيان، وقَبَّلوا الأرض وأخذوا الأمان وعادوا، وذلك من بلد الدو إلى جزائر ميكائيل، وهي ولاية جريس، وأما ما عدا ذلك من البلاد التي لم يكن لجريس عليها ولاية، من جزائر ميكائيل إلى دنقلة، فإنَّ أهلَها جلوا عنها طاعة لمتمَلِّك النوبة، فنهبها العسكرُ وقَتَلوا من وجدوه بها، ورَعَوا الزروع وخرَّبوا السواقي إلى أن وصلوا مدينةَ دنقلة، فوجدوا المَلِكَ قد أخلاها حتى لم يبقى بها سوى شيخ وعجوز، فأخبر أنَّ المَلِكَ نزل بجزيرةٍ في بحر النيلِ بُعدُها عن دنقلة خمسة عشر يومًا، فتتبعه والي قوص، ولم يقدِرْ مركب على سلوك النيل هناك لتوعُّرِ النيل بالأحجارِ. وفي جمادى الأولى من عام 689 هـ وصل أيدمر والي قوص ممَّن معه إلى اتجاه الجزيرة التي بها سمامون ملك النوبة، فرأوا بها عدة من مراكب النوبة، فبعثوا إليه في الدخولِ في الطاعةِ وأمَّنوه فلم يقبَلْ، فأقام العسكرُ تجاهه ثلاثة أيام، فخاف سمامون من مجيءِ الحراريق والمراكبِ إليه، فانهزم إلى جهةِ الأبواب، وهي خارجةٌ عن مملكتِه، ففارقه السواكرة وهم الأمراء وفارقه الأسقُفُ والقُسوس، ومعهم الصليبُ الفِضَّة الذي كان يُحمَلُ على رأسِ الملك، وتاجُ الملك، وسألوا الأمان فأمَّنَهم أيدمر وخلَعَ على أكابِرِهم، وعادوا إلى مدينةِ دنقلة وهم جمعٌ كبير، وعند وصولهم عبر الأمير عزُّ الدين الأفرم وقبجاق إلى البر الشرقي، وأقام العسكرُ مكانه، واجتمع الأمراءُ بدنقلة، ولبس العسكرُ آلةَ الحرب وطلبوا من الجانبينِ، وزُيِّنَت الحراريق في البحر، ولعب الزرَّاقون بالنِّفاط، ومدَّ الأمراء السماط في كنيسةِ أسوس أكبَرِ كنائس دنقلة وأكلوا، ثم ملَّكوا الرجلَ الذي بعثه السلطانُ قلاوون وألبسوه التاجَ، وحلفوا وسائِرَ الأكابرِ، وعينوا طائفةً من العسكر تقيمُ عندهم وعليها بيبرس العزي مملوكُ الأمير عزِّ الدين، وعاد العسكرُ إلى أسوان بعدما غاب عنها ستة أشهر، وساروا إلى القاهرةِ في آخر جمادى الأولى بغنائِمَ كثيرة، وأما سمامون فإنَّه عاد إلى دنقلة مختفيًا، وصار بطريقِ باب كلِّ واحد من السواكرة ويستدعيه، فإذا خرج ورآه قَبَّلَ له الأرضَ وحلف له، فما طلع الفجرُ حتى ركِبَ معه سائرُ عَسكرِه، وزحف سمامون بعسكره على دار الملك، وأخرج بيبرس العزي ومَن معه إلى قوص، وقَبَض على الذي تمَلَّك مَوضِعَه وعرَّاه من ثيابه، وألبسه جلدَ ثورٍ كما ذُبِحَ ولَفَّها عليه، ثمَّ أقامه مع خشبةٍ وتركه حتى مات، وقُتِلَ جريس أيضًا، وكتب سمامون إلى السلطانِ يسأله العفو، وأنَّه يقوم بالمقرَّر وزيادة، وبعث رقيقًا وغيره تقدمةً فقَبِلَ منه، وأقرَّه السلطانُ بعد ذلك بالنوبةِ.

العام الهجري : 547 العام الميلادي : 1152
تفاصيل الحدث:

اقتتل السُّلطانُ سنجر ومَلِك الغور علاءُ الدين الحسين بن الحسين أوَّلُ مُلوكِهم، فكَسَرَه سنجر وأسَرَه، ثم عَفا عنه وأطلَقَه إلى بلاده، ثمَّ إن علاء الدين قَصَدَ غزنةَ, ومَلِكُها حينئذ بهرام شاه بن إبراهيمَ بنِ مَسعودِ بنِ محمود بن سبكتكين فلم يَثبُتْ بها بين يدي علاءِ الدينِ الغوريِّ، بل فارَقَها إلى كرمان، وهي مدينةٌ بينَ غزنةَ والهندِ، وسُكَّانُها قَومٌ يُقالُ لهم أبغان، فلمَّا فارق بهرام شاه غزنةَ مَلَكَها علاء الدين، وأحسَنَ السيرةَ في أهلِها، واستعمَلَ عليهم أخاه سيف الدين سوري، وأجلسه على تخت المَملكةِ، وخَطَب لنَفسِه ولأخيه سيفِ الدِّينِ بَعْدَه، ثمَّ عاد علاءُ الدين إلى بلد الغور، وأمَرَ أخاه أن يخلَعَ على أعيانِ البَلَدِ خِلَعًا نفيسةً، ويَصِلَهم بصِلاتٍ سَنِيَّةٍ، ففَعَلَ ذلك وأحسنَ إليهم، فلمَّا جاء الشتاء ووقَعَ الثَّلجُ، وعَلِمَ أهل غزنة أنَّ الطَّريقَ قد انقطَعَ إليهم، كاتَبوا بهرام شاه الذي كان صاحِبَها، واستدعوه إليهم، فسار نحوَهم في عسكَرِه، فلما قارب البلَدَ ثار أهلُه على سيف الدين فأخذوه بغيرِ قتالٍ، وكان العلويُّونَ هم الذين تولَّوا أسْرَه، وانهزم الذين كانوا معه، فمنهم مَن نجا، ومنهم من أُخِذَ، ثمَّ إنَّهم سَوَّدوا وَجهَ سَيفِ الدين، وأركبوه بقرةً وطافوا به البلَدَ، ثمَّ صَلَبوه، وقالوا فيه أشعارًا يَهجُونَه بها وغنى بها حتى النِّساءُ، فلمَّا بلغ الخبَرُ إلى أخيه علاء الدين الحسين قال شعرًا معناه: إنْ لم أقلَعْ غزنةَ في مَرَّةٍ واحدة، فلَسْتُ الحسين بن الحسين؛ ثم توفِّيَ بهرام شاه ومَلَك بعده ابنُه خسروشاه، وتجهَّزَ علاء الدين الحُسَين وسار إلى غزنة سنة 550، فلمَّا بلغ الخبَرُ إلى خسروشاه سار عنها إلى لهاوور، ومَلَكَها علاء الدين، ونَهَبها ثلاثة أيام، وأقام بغزنةَ حتى أصلَحَها، ثم عاد إلى فيروزكوه، وتلَقَّبَ بالسُّلطانِ المُعَظَّم وحَمَلَ الجتر على عادةِ السلاطين السلجوقية، فكان خسروشاه آخِرَ مُلوك سبكتكين وبه انقَضَت دولتُهم التي دامت مائتين وثلاث عشرة سنةً تَقريبًا.

العام الهجري : 643 الشهر القمري : جمادى الأولى العام الميلادي : 1245
تفاصيل الحدث:

كَثُرَت محاربة الصاحب معين الدين بن شيخ الشيوخ ومعه الخوارزمية الذين كان مجيئُهم بناءً على طلب الملك الصالحِ نجم ِالدين  أيوب صاحبِ مصر، فحاصروا دمشقَ وقطعوا عنها الميرةَ فتضايقت البلدُ، ثم أحرقوا قصرَ الحجَّاج في ثاني محرم، ورمي بالمجانيق وألحَّ بالقتال، فأحرق الصالحُ إسماعيل صاحب دمشق في ثالثه عدَّة مواضع، ونُهِبَت أموال الناس، وجرت شدائدُ إلى أن أهل شهر ربيع الأول، ففيه خرج المنصورُ صاحب حمص من دمشق، وتحدَّثَ معه بركة خان مقدم الخوارزمية في الصَّفحِ، وكذلك طلبوا إلى ابن شيخ الشيوخ الأمانَ ثم قرر أن الصالح إسماعيلَ يسلِّم دمشق، على أن يخرج منها هو والمنصور بأموالهم، ولا يعرض لأحدٍ مِن أصحابهم ولا لشيءٍ ممَّا معهم، وأن يعوَّض الصالحُ إسماعيل عن دمشق ببعلبك وبُصرى وأعمالها، وجميع بلاد السواد، وأن يكون للمنصور حمص وتدمر والرحبة، فأجاب أمين الدولة وزير دمشق إلى ذلك، وحلف الصاحِبُ معين الدين وزير مصر لهم، فخرج الصالحُ إسماعيل والمنصور من دمشق، ودخل الصاحِبُ معين الدين في يوم الاثنين ثامن جمادى الأولى، ومنع الخوارزميَّة من دخول دمشق ودبَّرَ الأمير أحسَنَ تدبير، وأقطع الخوارزميَّة الساحلَ، وخطب بدمشق وبجامعِ دمشق وعامَّة أعمالها للمَلِك الصالح نجم الدين، وسلم أيضًا الأمير سيف الدين علي بن قلج قلعة عجلون لأصحاب الملك الصالح، وقدم إلى دمشقَ، فلما وردت الأخبارُ بذلك على الملك الصالح نجم الدين أنكر على الطواشي شهاب الدين والأمراء كيف مكَّنوا الصالح إسماعيل من بعلبك، وقال: إنَّ الصاحِبَ معين الدين حَلَف له، وأما أنتم فما حلفتم، وأمَرَ الملك الصالح نجم الدين أن يسيرَ ركن الهيجاوي، والوزير أمين الدولة السامري، تحت الحوطة إلى قلعة الروضة، فسُيِّرَا من دمشق إلى مصر، واعتُقِلا بقلعة الجبل فاتفق مرض الصاحبِ معين الدين ووفاته بدمشق، في الثاني والعشرين من شهر رمضان، فكتب السلطان إلى الأمير حسام بن أبي علي الهذباني، وهو بنابلس، أن يسير إلى دمشق ويتسلمها، فسار إليها وصار نائبًا بدمشق، والطواشي رشيد بالقلعة.

العام الهجري : 10 العام الميلادي : 631
تفاصيل الحدث:

إبراهيمُ ابنُ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، وأمُّهُ مارِيَةُ القِبْطِيَّةُ، وقد كان جَميعُ أَولادِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم مِن خَديجةَ رضي الله عنها، ما عَدا إبراهيمَ فمِن مارِيَةَ القِبطيَّةِ المِصريَّةِ رضي الله عنها، قال أنسُ بنُ مالكٍ رضي الله عنه: «ما رَأيتُ أحدًا كان أَرحمَ بالعِيالِ مِن رسولِ الله صلى الله عليه وسلم. قال: كان إبراهيمُ مُسْتَرْضِعًا له في عَوالي المَدينةِ، فكان يَنطلِقُ ونحن معه فيَدخُلُ البيتَ وإنَّه لَيُدَخَّنُ، وكان ظِئْرُهُ قَيْنًا، فيَأخُذهُ فيُقَبِّلُهُ، ثمَّ يَرجِع. قال عَمرٌو: فلمَّا تُوفِّيَ إبراهيمُ قال رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم: «إنَّ إبراهيمَ ابْنِي، وإنَّه مات في الثَّدْيِ، وإنَّ له لَظِئْرَيْنِ تُكَمِّلانِ رَضاعَهُ في الجنَّةِ». عن المُغيرةِ بنِ شُعبةَ قال: كَسَفتِ الشَّمسُ على عَهدِ رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم يَومَ مات إبراهيمُ، فقال النَّاسُ: كَسَفتِ الشَّمسُ لِمَوتِ إبراهيمَ. فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «إنَّ الشَّمسَ والقَمرَ لا يَنْكَسِفانِ لِمَوتِ أَحدٍ ولا لِحَياتِه، فإذا رَأيْتُم فصَلُّوا، وادْعوا الله». عن أبي بَكرةَ قال: خَسَفتِ الشَّمسُ على عَهدِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم فخرَج يَجُرُّ رِداءَهُ حتَّى انْتَهى إلى المسجدِ، وَثابَ النَّاسُ إليه، فصلَّى بهم رَكعتينِ، فانْجَلتِ الشَّمسُ، فقال: «إنَّ الشَّمسَ والقَمرَ آيتانِ مِن آياتِ الله، وإنَّهما لا يَخْسِفانِ لِمَوتِ أَحدٍ، وإذا كان ذاك فصَلُّوا وادْعوا حتَّى يُكْشَفَ ما بكم». وذاك أنَّ ابْنًا للنَّبيِّ صلى الله عليه وسلم مات يُقالُ له: إبراهيمُ. فقال النَّاسُ في ذاك. وُلِدَ له إبراهيمُ بالمدينةِ مِن سُرِّيَّتِهِ مارِيَةَ القِبطيَّةِ، سَنَةَ ثَمانٍ مِن الهِجرةِ، وبَشَّرَهُ به أبو رافعٍ مَولاهُ، فوَهَبَ له عَبدًا، ومات طِفلًا قَبلَ الفِطامِ، واخْتُلِف هل صلَّى عليه أم لا؟ على قَولين.

العام الهجري : 454 الشهر القمري : شعبان العام الميلادي : 1062
تفاصيل الحدث:

خَطَبَ السُّلطانُ طُغرلبك ابنةَ الخليفةِ، فانزَعجَ الخليفةُ من ذلك، وقال: هذا شيءٌ لم تَجْرِ العادةُ بمِثلهِ، ثم طَلَبَ شيئًا كَثيرًا كهَيئةِ الفِرارِ، من ذلك أنه طَلبَ ما كان لِزَوجتِه التي تُوفِّيت من الإقطاعات بأرضِ واسط، و300 ألف دينارٍ، وأن يُقيمَ السُّلطانُ طُغرلبك ببغداد لا يَرحل عنها ولا يومًا واحدًا، فوقعَ الاتِّفاقُ على بعضِ ذلك، وأَرسلَ إليها بمائةِ ألف دينارٍ مع أرسلان خاتون ابنةِ أَخيهِ داودَ وزَوجةِ الخليفةِ، وأشياءَ كثيرةٍ من آنيةِ الذَّهَبِ والفِضَّة، والنِّثارِ والجَواري، ومِن الجواهرِ ألفانِ ومائتي قِطعةٍ، من ذلك سبعمائة قِطعةٍ من جَوهرٍ، وزنُ القِطعةِ ما بين الثلاثِ مَثاقيل إلى المِثقالِ، وأشياءَ أُخرى، فتَمَنَّع الخليفةُ لِفَواتِ بَعضِ الشُّروطِ، فغَضِبَ عَميدُ المُلْكِ الوزيرُ لِمَخدُومهِ السُّلطان، وجَرَت شُرورٌ طويلةٌ اقتَضَت أن أَرسلَ السُّلطانُ كِتابًا يَأمرُ الخليفةَ بانتِزاعِ ابنةِ أَخيهِ السيدة أرسلان خاتون، ونَقلِها من دارِ الخِلافةِ إلى دار المَملكةِ، حتى تَنفصِل هذه القَضيَّة، فعَزَم الخَليفةُ على الرَّحيلِ من بغداد، فانزَعجَ النَّاسُ لذلك، وجاء كِتابُ السُّلطانِ إلى رئيسِ شِحْنَةِ – القَيِّم لِضَبطِ البَلدِ- بغداد برشتق يَأمُره بعدمِ المُراقبةِ وكَثرةِ العَسْفِ في مُقابلةِ رَدِّ أصحابِه بالحِرمانِ، ويَعزِم على نَقلِ الخاتون إلى دارِ المُلْكِ، وأَرسلَ مَن يَحمِلها إلى البلدِ التي هو فيها، كل ذلك غَضَبًا على الخَليفةِ، ووَرَدَت الكُتبُ الكثيرةُ من السُّلطانِ طُغرلبك يشكو من قِلَّةِ إنصافِ الخليفةِ، وعَدمِ مُوافقَتِه له، ويَذكُر ما أَسداهُ إليه من الخيرِ والنِّعَمِ إلى مُلوكِ الأَطرافِ، وقاضي القُضاة الدَّامغاني، فلمَّا رأى الخليفةُ ذلك، وأنَّ السُّلطان أَرسلَ إلى نُوَّابِه بالاحتياطِ على أَموالِ الخليفةِ، كَتبَ إلى السُّلطانِ يُجيبُه إلى ما سألَ، فلمَّا وَصلَ ذلك إلى طُغرلبك فَرِحَ فَرحًا شَديدًا، وأَرسلَ إلى نُوَّابِه أن يُطلِقوا أَملاكَ الخَليفةِ، واتَّفقَت الكَلِمةُ بعدَ أن كادت تَتَفرَّق، فوَكَلَ الخَليفةُ في العَقْدِ، فوَقعَ العَقْدُ بمدينةِ تبريز بحَضرةِ السُّلطانِ طُغرلبك، وعَمِلَ سِماطًا عظيمًا، فلمَّا جيءَ بالمُوكِلة قام لها السُّلطانُ وقَبَّلَ الأرضَ عند رُؤيتِها، ودعا للخَليفةِ دُعاءً كثيرًا، ثم أَوجبَ العَقْدَ على صَداقِ أربعمائة ألف دينارٍ، وذلك في يوم الخميس الثالث عشر من شعبان، ثم بَعثَ ابنةَ أَخيهِ الخاتون زوجةَ الخليفةِ في شوال بتُحَفٍ كثيرةٍ، وجَوهرٍ وذَهَبٍ كَثيرٍ، وجَواهرَ عديدةٍ ثَمينةٍ، وهدايا عَظيمةٍ لأُمِّ العَروسِ وأَهلِها، ولمَّا استَقرَّ السُّلطانُ ببغداد أَرسلَ وَزيرَه عَميدَ المُلْكِ إلى الخليفةِ يُطالِبه بِنَقْلِ ابنتِه إلى دارِ المملكةِ فتَمنَّع الخليفةُ من ذلك وقال: إنَّكم إنَّما سألتُم أن يُعقَد العَقْدُ فقط بحُصولِ التَّشريفِ، والتَزمتُم لها بِعَوْدِ المُطالبةِ، فتَردَّد النَّاسُ في ذلك بين الخليفةِ والسُّلطانِ، وأَرسلَ السُّلطانُ زيادةً على النَّقْدِ مائةَ ألف دينارٍ ومائة وخمسين ألف درهمٍ، وتُحَفًا أُخَرَ، وأشياءَ لطيفةً، فلمَّا كان ليلة الاثنين الخامس عشر من صفر سنة455هـ زُفَّت السيدةُ ابنةُ الخليفةِ إلى دارِ المملكةِ، فضُرِبَت لها السُّرادِق من دِجلة إلى دارِ المملكةِ، وضُرِبت الدَّبادِبُ والبُوقاتُ عند دُخولِها إلى الدارِ.

العام الهجري : 795 الشهر القمري : شوال العام الميلادي : 1393
تفاصيل الحدث:

في التاسع عشر من شوال قَدِمَ رسول الملك الظاهر مَجْد الدين عيسى صاحب ماردين بأن تَيْمورلنك أخذ تبريز، وبعث إليه يستدعيه إلى عنده بها، فاعتذر بمشاورة سلطان مصر، فلم يقبل منه، وقال: ليس لصاحب مصر عليك حكم، ولأسلافك دهر بهذا الإقليم، وأرسل إليه خِلعةً وصكة ينقُشُ بها الذهبَ والدنانير، ثم قدم رسول صاحب بسطام بأن تيمور قتل شاه منصور متملك أصفهان، وبعث برأسه إلى بغداد، وبعث بالخلعة والصكة إلى السلطان أحمد بن أويس متملك بغداد، فلبس الخِلعة وضرب الصكة، ثم إن تيمور مَلَكَ بغداد في يوم السبت الحادي والعشرين منه؛ وذلك أنَّ ابن أويس كان قد أسرف في قتل أمراء دولته، وبالغ في ظلم رعيته، وانهمك في الفجور؛ فكاتب أهلُ بغداد تيمور بعد استيلائه على تبريز يحثُّونه على المسير إليهم، فتوجه إليها بعساكره حتى بلغ الدربند، وهو عن بغداد مسيرة يومين، فبعث إليه ابن أويس بالشيخ نور الدين الخراساني، فأكرمه تيمور وقال: أنا أترك بغداد لأجلك, ورحل يريد السلطانية، فبعث الشيخ نور الدين كتُبَه بالبشارة إلى بغداد، وقَدِمَ في إثرها، وكان تيمور قد سار يريد بغداد من طريق آخر، فلم يشعر ابن أويس -وقد اطمأن- إلا تيمور قد نزل غربي بغداد، قبل أن يَصِلَ إليها الشيخ نور الدين، فدهش عند ذلك ابن أويس وأمر بقطع الجسر، ورحل بأمواله وأولاده وقت السَّحَر من ليلة السبت، وترك البلاد، فدخلها تيمور، وأرسل ابنه في إثر ابن أويس، فأدركه بالحلة، ونهب ماله، وسبى حريمه، وقتل وأسر كثيرًا ممن معه، ونجا ابن أويس في طائفةٍ وهم عراة، فقصد حلب وتلاحق به من تبقى من أصحابه، وأمَّا تيمور فإنه لما مَلَك بغداد صادر أهلها ثلاثَ مرات؛ في كل مرة منهم ألف تومان، وخمسمائة تومان، وكل تومان مبلغ ثلاثين ألف دينار عراقي، والدينار العراقي بقدر درهم مصر الفضة، حتى أفقرهم كلهم، وكان جملة ما أخذ منهم نحو مائة ألف ألف وخمسة وثلاثين ألف ألف درهم، بعد أن تنوَّع في عقوبتهم، وسقاهم المِلحَ والماء، وشواهم على النار، ولم يُبقِ لهم ما يستر عوراتهم، وصاروا يخرجون فيلتقطون الخِرَق من الطرقات حتى تُستَرَ عوراتهم وتُغطى رؤوسهم، ثم إنه بعث ابنه إلى الحلَّة، فوضع في أهلها السيف يومًا وليلة، وأضرم فيها النار حتى احترقت، وفني معظم أهلها ويقال: إنه قتل في العقوبة من أهل بغداد ثلاثة آلاف نفس، وبعث تيمور من بغداد العساكر إلى البصرة، فلَقِيَهم صاحبها الأمير صالح بن جولان، وحاربهم وأسر ابن تيمور، وقتل منهم خلقًا كثيرًا، فبعث إليه عسكرًا آخر في دجلة، فظفر بهم ابن جولان أيضًا، وفي التاسع عشر ذي الحجة أمر السلطان في القاهرة ومصر بتجهيز الناس للسفر لقتال تيمورلنك.

العام الهجري : 8 الشهر القمري : شوال العام الميلادي : 630
تفاصيل الحدث:

بعدَ أن تَعقَّبَ المسلمون فُلولَ الهارِبين مِن هَوازِنَ في أَوْطاسٍ ونَخْلةَ، تَوجَّهوا للقَضاءِ على ثَقيفٍ التي فَرَّتْ مِن حُنينٍ وأَوْطاسٍ، وتَحصَّنتْ بحُصونِها المَنيعَةِ في الطَّائفِ، وفي صَحيحِ مُسلمٍ: أنَّ الرَّسولَ صلى الله عليه وسلم ومَن معه مِنَ المسلمين حاصروا المشركين في الطَّائفِ أربعين ليلةً.
عن أبي نَجيحٍ السُّلميِّ قال: حاصَرْنا مع نَبيِّ الله صلَّى الله عليه وسلَّم حِصْنَ الطَّائفِ فسمعتُ رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّم يقولُ: مَن بلَغ بِسَهْمٍ فَلهُ دَرجةٌ في الجنَّةِ. قال: فبلَغتُ يَومئذٍ سِتَّةَ عشرَ سَهْمًا.....). وقد هرَب مِن ذلك الحِصنِ إلى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم ثلاثةٌ وعشرون رجلًا، عن عبدِ الله بنِ عُمَرَ، قال: لمَّا حاصَر رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم الطَّائفَ، فلم يَنَلْ منهم شيئًا قال: «إنَّا قافِلون إن شاء الله. فثَقُلَ عليهم، وقالوا: نَذهبُ ولا نَفتَحُه. فقال: «اغْدوا على القِتالِ». فغَدَوْا فأَصابَهم جِراحٌ، فقال: «إنَّا قافِلون غَدًا إن شاء الله». فأَعجبَهُم، فضَحِكَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم.

العام الهجري : 2 الشهر القمري : ربيع الآخر العام الميلادي : 623
تفاصيل الحدث:

عن جابرٍ رضي الله عنه قال: سِرْنا مع رسولِ الله صلى الله عليه وسلم في غَزوةِ بَطْنِ بُواطٍ، وهو يَطلُبُ المَجْدِيَّ بنَ عَمرٍو الجُهَنيَّ، وكان النَّاضِحُ يَعْتَقِبُهُ مِنَّا الخمسةُ والسِّتَّةُ والسَّبعةُ، فَدارتْ عُقْبَةُ رجلٍ مِنَ الأنصارِ على ناضِحٍ له، فأناخَهُ فركِبَهُ، ثمَّ بَعثَهُ فتَلَدَّنَ عليه بَعضَ التَّلَدُّنِ، فقال له: شَأْ، لَعنَك الله. فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «مَن هذا اللَّاعِنُ بَعيرَهُ؟». قال: أنا، يا رسولَ الله. قال: «انْزِلْ عنه، فلا تَصْحَبْنا بِمَلعونٍ، لا تَدعوا على أَنفُسِكُم، ولا تَدعوا على أَولادِكُم، ولا تَدعوا على أَموالِكُم، لا تُوافِقوا مِنَ الله ساعةً يُسأَلُ فيها عَطاءٌ، فَيسْتَجيبُ لكم». وبُواطٌ: جبلٌ مِن جبالِ جُهَينةَ، بِقُربِ يَنْبُعَ.

العام الهجري : 7 الشهر القمري : ذي القعدة العام الميلادي : 629
تفاصيل الحدث:

قال ابنُ عبَّاسٍ رضِي الله عنهما: قَدِمَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم وأصحابُه مكَّةَ، وقد وَهَنَتْهُم حُمَّى يَثْرِبَ، قال المشركون: إنَّه يَقدُمُ عليكم غَدًا قومٌ قد وَهَنَتْهُم الحُمَّى، ولَقوا منها شِدَّةً، فجلسوا ممَّا يَلِي الحِجْرَ، وأَمرَهُم النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم أن يَرمُلوا ثلاثةَ أَشواطٍ، ويَمشوا ما بين الرُّكنَينِ، لِيَرى المشركون جَلَدَهُم، فقال المشركون: هؤلاء الذين زَعمْتُم أنَّ الحُمَّى قد وَهَنَتْهُم، هؤلاء أَجلدُ مِن كذا وكذا. قال ابنُ عبَّاسٍ: ولم يَمنعْهُ أن يَأمُرَهُم أن يَرمُلوا الأشواطَ كُلَّها إلَّا الإبْقاءُ عليهم. وفي هذه العُمرَةِ تَزوَّجَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم بمَيمونَةَ بنتِ الحارثِ رضي الله عنها.

العام الهجري : 541 الشهر القمري : ربيع الآخر العام الميلادي : 1146
تفاصيل الحدث:

هو المَلِكُ المنصورُ، أبو الجودِ الأتابك عِمادُ الدين زنكي بنُ الحاجِبِ قسيم الدولة آقسنقر بن عبد الله التركي، صاحِبُ المَوصِل. وُلِدَ سنة 477. قتل والِدُه, قسيمُ الدَّولةِ مملوكُ السُّلطانِ ألب أرسلان, وله يومئذٍ عَشرُ سنينَ، ولم يُخَلِّفْ والِدُه ولدًا غَيرَه، فالتَفَّ عليه غِلمانُ أبيه، ورَبَّاه كربوقا، وأحسَنَ إليه, فكان زنكي بطلًا شُجاعًا مِقدامًا كأبيه، عظيمَ الهَيبةِ مَليحَ الصُّورةِ، أسمرَ جميلًا، قد وَخَطَه الشَّيبُ، وكان عاليَ الهِمَّةِ، لا يَقِرُّ ولا ينامُ، فيه غَيرةٌ حتى على نِساءِ جُندِه، عَمَرَ البِلادَ, وكان يُضرَبُ بشجاعتِه المَثَلُ، وهو من أشجَعِ خَلقِ الله. قبل أن يَملِكَ شارك مع الأميرِ مودود صاحبِ المَوصِلِ حِصارَ مدينةِ طَبريَّة، وهي للفِرنجِ، فوصلت طعنتُه إلى بابِ البَلَدِ، وأثَّرَ فيه. وحمل أيضًا على قلعةِ عقر الحميدية، وهي على جَبَلٍ عالٍ، فوصَلَت طعنتُه إلى سورِها, وأمَّا بعدَ مُلكِه، فكان الأعداءُ مُحدِقينَ ببِلادِه، وكلُّهم يَقصِدُها، ويريدُ أخْذَها، وهو لا يَقنَعُ بحِفظِها، حتى إنَّه لا ينقضي عليه عامٌ إلَّا وهو يفتَحُ مِن بلادِهم, ومِن شجاعَتِه التي لم يُسمَعْ بمِثلِها أنَّه كان في نَفَرٍ أثناءَ حصارِ طَبَريَّة وقد خرج الفِرنجُ مِن البَلَدِ، فحمل عليهم هو ومَن معه وهو يَظُنُّ أنَّهم يَتبَعونَه فتخَلَّفوا عنه وتقَدَّمَ وَحْدَه وقد انهزَمَ مَن بظاهِرِ البلدِ مِن الفرنجِ فدخلوا البلَدَ ووَصَلَ رُمحُه إلى البابِ فأثَّرَ فيه، وقاتلهم عليه وبَقِي ينتظر وصولَ من كان معه فحيث لم يَرَ أحدًا حمى نفسَه وعاد سالِمًا، فعَجِبَ النَّاسُ مِن إقدامِه أوَّلًا، ومِن سلامتِه آخِرًا, وكان زنكي من الأمراءِ المُقَدَّمينَ، فوَّضَ إليه السُّلطان محمودُ بن ملكشاه شحنكية بغداد، سنة 511 في العامِ الذي وُلِدَ له فيه ابنُه المَلِك العادِلُ نورُ الدين محمود، ثمَّ عَيَّنه السُّلطانُ محمود على المَوصِل، بتوصيةٍ مِن القاضي بهاءِ الدينِ أبو الحَسَن علي بن الشهرزوي وصلاح الدين محمد الياغبساني بعد أن أشارا به على وزير السُّلطان بقَولِهما: "قد عَلِمْتَ أنت والسُّلطانُ أنَّ بلادَ الجزيرة والشَّام قد استولى الإفرنجُ على أكثَرِها وتمَكَّنوا منها وقَوِيَت شَوكتُهم، وكان البرسقي يَكُفُّ بعضَ عادِيَتِهم، فمُنذ قُتِلَ ازداد طَمَعُهم، وهذا وَلَدُه طِفلٌ صَغيرٌ ولا بُدَّ للبلادِ مِن شَهمٍ شُجاعٍ يَذُبُّ عنها ويحمي حَوزَتَها، وقد أنهينا الحالَ إليكم لئلَّا يجريَ خَلَلٌ أو وهَنٌ على الإسلامِ والمُسلِمينَ فنَحصُلَ نحن بالإثمِ مِن الله تعالى، واللوم من السُّلطانِ، فأنهى الوزيرُ ذلك إلى السُّلطان فأعجَبَه، وقال: مَن تَرَيانِ يَصلُحُ لهذه البلادِ، فذكرا جماعةً فيهم عمادُ الدين زنكي، وعَظَّمَا محَلَّه أكثَرَ مِن غَيرِه" فأجاب السُّلطانُ إلى توليَتِه؛ لِمَا عَلِمَ مِن شَهامَتِه وكفايتِه، فوَلَّاه البلادَ جَميعَها، وكتب بذلك منشورًا, ولَمَّا قَدِمَ زنكي المَوصِل سَلَّمَ إليه السُّلطانُ محمود وَلَديه ألب أرسلان وفروخشاه المعروف بالخفاجي ليُرَبِّيهما؛ فلهذا قيل لزنكي "أتابك"؛ لأنَّ الأتابك هو الذي يُرَبِّي أولاد الملوك. سار زنكي مِن بغدادَ إلى البوازيج ليَملِكَها ويتقَوَّى بها. كان زنكي يُحسِنُ اختيارَ رِجالِه وقادتِه، فيَختارُ أصلَحَهم وأشجَعَهم, وأكرَمَهم لِمَهامِّ ولايتِه وقيادةِ جُيوشِه، وكان في المُقابِلِ يُكرِمُهم ويَحتفي بهم. عَمِلَ زنكي على تَرتيبِ أوضاعِ المَوصِلِ فقَرَّرَ قواعِدَها فولَّى نصير الدين جقر دزدارية قلعةَ المَوصِل, وجَعَلَ الصَّلاحَ مُحمَّدَ الياغبساني أميرَ حاجِبِ الدولة وجعَلَ بهاء الدين قاضيَ قُضاةِ بلادِه جَميعِها وما يفتَحُه مِن البلادِ، ووفَى لهم بما وعَدَهم وكان بهاءُ الدين أعظَمَ النَّاسِ عنده مَنزِلةً وأكرَمَهم عليه وأكثَرَهم انبساطًا معه وقُربًا منه، ورَتَّبَ الأمورَ على أحسَنِ نِظامٍ وأحكَمِ قاعدةٍ, ثمَّ تفَرَّغَ عِمادُ الدين زنكي لتحريرِ بلاد المُسلِمينَ مِن الفرنج، فبدأ بتَوحيدِ الجَبهةِ الإسلاميَّةِ وهي أراضي المُسلِمينَ المحيطةُ بالفِرنجِ الصَّليبيِّينَ في الشَّامِ, ففَتَحَ مدائِنَ عِدَّةً، وكان خُصومُه من المُسلِمينَ محيطينَ به مِن كُلِّ الجِهاتِ، وهو ينتَصِفُ منهم، ويستولي على بلادِهم, وقد أحاطت ولاياتُهم بولايتِه مِن كُلِّ جِهاتِها، فهو يقصِدُ هذا مَرَّةً وهذا مَرَّةً، ويأخُذُ مِن هذا ويَصنَعُ هذا، إلى أن مَلَك مِن كُلِّ مَن يليه طَرفًا مِن بلادِه، وحاصَرَ دِمشقَ وصالَحَهم على أن خَطَبوا له بها، ثمَّ بعد ذلك اتَّجَه للفِرنجِ واستَنقَذَ منهم كفرطاب والمعرَّة ودوَّخَهم، وشَغَلَهم بأنفُسِهم، ودانت له البلادُ، وخَتَم جِهادَه معهم باستنقاذِ إمارةِ الرَّها منهم. قال أبو شامة: "كان الفِرنجُ قد اتَّسَعَت بلادُهم وكَثُرَت أجنادُهم، وعَظُمَت هيبتُهم، وزادت صَولَتُهم، وامتَدَّت إلى بلادِ المُسلِمينَ أيديهم، وضَعُفَ أهلُها عن كَفِّ عاديهم، وتتابعت غزواتُهم، وساموا المُسلِمينَ سوءَ العذابِ، واستطار في البلاد شَرَرُ شَرِّهم، وامتَدَّت مَملَكتُهم من ناحيةِ ماردين وشبختان إلى عريشِ مِصرَ، لم يتخَلَّلْه مِن ولاية المُسلِمينَ غير حَلَب وحَماة وحمص ودمشق، فلما نظَرَ اللهُ سُبحانَه إلى بلادِ المُسلِمينَ ولَّاها عِمادَ الدِّينِ زنكي فغزا الفرنجَ في عُقرِ دِيارِهم، وأخذَ للمُوحِّدينَ منهم بثَأرِهم، واستنقذ منهم حصونًا ومعاقِلَ" توجَّه أتابك زنكي إلى قلعةِ جعبر ومالِكُها يومذاك سيفُ الدولةِ أبو الحَسَنِ عليُّ بنُ مالك، فحاصَرَها وأشرَفَ على أخْذِها، فأصبح زنكي يومَ الأربعاء خامِسَ شَهرِ ربيع الآخر سنة 541 مَقتولًا، قَتَلَه خادِمُه وهو راقِدٌ على فراشِه ليلًا، ودُفِنَ بصفين. ذَكَرَ بَعضُ خواصِّه قال: "دخَلْتُ إليه في الحالِ وهو حيٌّ، فحين رآني ظَنَّ أني أريدُ قَتْلَه، فأشار إليَّ بإصبُعِه السبَّابة يَستَعطِفُني، فوقَفْتُ مِن هَيبَتِه، وقلتُ له: يا مولانا، مَن فَعَل بك هذا فلم يَقدِرْ على الكلامِ، وفاضَت نفسُه لوقتِه"، فكان- رحمه الله- شديدَ الهَيبةِ على عَسكَرِه ورَعِيَّتِه، عظيمَ السِّياسةِ، لا يَقدِرُ القَويُّ على ظُلمِ الضعيفِ، وكانت البلادُ قبل أن يَملِكَها خرابًا من الظُّلمِ ومُجاوَرةِ الفِرنجِ، فعَمَرَها وامتلأت أهلًا وسُكَّانًا. قال عز الدين بنُ الأثير في تاريخه: "حكى لي والدي قال: رأيتُ المَوصِلَ وأكثَرُها خرابٌ، وكان الإنسانُ لا يَقدِرُ على المشيِ إلى الجامِعِ العتيقِ إلَّا ومعه مَن يحميه؛ لِبُعدِه عن العمارةِ، وهو الآن في وسَطِ العِمارةِ، وكان شديدَ الغيرةِ لا سِيَّما على نساءِ الأجنادِ، وكان يقول: لو لم تُحفَظْ نِساءُ الأجنادِ بالهَيبةِ وإلَّا فَسَدْنَ لِكَثرةِ غَيبةِ أزواجِهنَّ في الأسفارِ". فلمَّا قُتِلَ تَمَلَّك ابنُه نورُ الدين محمود بالشَّامِ، وابنُه غازي بالمَوصِل.

العام الهجري : 215 العام الميلادي : 830
تفاصيل الحدث:

أُنشِئَت هذه المكتبةُ في القرن الثاني الهجري ( الثامن الميلادي) على يدِ هارونَ الرشيد، وذلك بعد أن ضاقت مكتبةُ القَصرِ بما فيها من كتُبٍ, وعَجَزت عن احتواءِ القُرَّاء المتردِّدين عليها؛ ممَّا جعله يفكِّرُ في إخراجِها من القصر, وإفرادِها بمبنًى خاصٍّ بها, يَصلُحُ لاستيعابِ أكبَرِ عدَدٍ مِن الكتُبِ, ويكون مفتوحًا أمام كلِّ الدارسينَ وطُلَّابِ العِلمِ. فاختار لها مكانًا مُناسِبًا, وأقام عليه مبنًى مكَوَّنًا من عدَّةِ قاعات؛ قاعة للاطِّلاع, وقاعة للمُدارَسة, وقاعة لنَسخِ الكتُبِ الجديدة وتجليدِها, وقاعة للتَّرويحِ عن النَّفسِ وللاستراحةِ. ومسجِدًا للصلاةِ, ومكانًا يَبيتُ فيه الغُرَباء, تتوفَّرُ فيه مقوِّماتُ الحياةِ مِن طعامٍ وشَرابٍ وغَيرِه, ومخزنًا للكتُب, نظمَت فيه بحيثُ صار لكُلِّ فَنٍّ مِن الفنون العِلميَّة مكانٌ خاصٌّ به, وتُوضَعُ فيه مُرَتَّبةً في دواليبَ، ثم زوَّدها بما تحتاجُ إليه من أثاثٍ ومرافِقَ, وأحبارٍ وأوراقٍ للدارسين, وعيَّنَ لها المُشرِفينَ على إدارتِها, والعُمَّالَ القائمينَ على خدمة ورعايةِ زائريها. وواصلَ ابنُه المأمونُ بعده الاهتمامَ بتلك المكتبةِ، فأحضر مئاتِ النُّسَّاخ والشُّرَّاح والمُترجِمينَ مِن شَتَّى اللُّغات؛ لتعريبِ ونَقلِ الكتُبِ من لغَتِها الأصلية, حتى غَدَت من أعظَمِ المكتبات في العالَم, ووضع بها مرصدًا؛ ليكون تعليمُ الفلَكِ فيها تعليمًا عمليًّا، يجَرِّبُ فيها الطلابُ ما يدرُسونَه من نظريَّاتٍ عِلميَّةٍ, وبنى بها مستشفًى لعلاجِ المرضى وتعليمِ الطِّبِّ؛ إذ كان يؤمِنُ بأن العِلمَ النظري وحده لا جَدوى منه. وكتب إلى ملكِ الرومِ يسألُه الإذنَ في إنفاذِ ما عنده من العلومِ القديمة المخزونةِ المورَّثة عن اليونان, واجتمع لدى المأمونِ بذلك ثروةٌ هائلةٌ مِن الكتبِ القديمة, فشَكَّلَ لها هيئةً مِن المترجمينَ المَهَرة والشُّرَّاح والورَّاقينَ؛ للإشرافِ على ترميمِها ونَقلِها إلى العربيَّة, وعيَّنَ مسؤولًا لكلِّ لغةٍ يُشرِفُ على من يُترجِمونَ تُراثَها, وأجرى عليهم الرواتبَ العظيمة, حيث جعل لبعضِهم خمسَمائة دينارٍ في الشهر, أي ما يساوي 2كيلو جرام ذهبًا تقريبًا, بالإضافة إلى الأعطيات الأخرى, إذ أعطى على بعضِ الكتُبِ المُترجَمة وزنَها ذهبًا. وبعضُهم كان يقومُ بترجمة الأصلِ إلى لُغتِه هو, ثم يقومُ مترجِمٌ آخَرُ بنَقلِه إلى العربيَّةِ وغيرِها, ولم يقتَصِرْ دَورُ المترجمينَ على الترجمةِ فقط، وإنما قاموا بالتعليقِ على هذه الكتب، وتفسيرِ ما فيها من نظريَّات, ونَقْلها إلى حيِّز التطبيق, وإكمالِ ما فيها من نَقْصٍ, وتصويبِ ما فيها من خطأٍ؛ حيث كان عمَلُهم يُشبِهُ ما يسمَّى بالتحقيقِ الآن, وما إن انتهى عصرُ المأمون حتى كانت معظَمُ الكتُبِ اليونانيَّة والهنديَّة والفارسية وغيرِها من الكتب القديمة في علومِ الرياضةِ والفَلَك والطبِّ والكيمياءِ والهندسةِ موجودةً بصورتها العربيَّة الجديدةِ بمكتبة بيتِ الحكمةِ. كان للترجمةِ التي عَمِلَ عليها المأمونُ أثَرٌ واضِحٌ في تطوُّرِ الحركة العلميَّة لدى المسلمين إلَّا أنَّها نقَلَت معها بعضَ مُعتَقداتِ الأُمَم السابقة، وأفسدت على بعضِ المُسلِمين دينَهم. يقولُ شيخُ الإسلامِ ابنُ تيميَّة: "أظهر اللهُ مِن نورِ النبوةِ شَمسًا طَمَسَت ضوءَ الكواكبِ، وعاش السَّلَفُ فيها بُرهةً طويلةً، ثم خَفِيَ بعضُ نورِ النبوة؛ فعُرِّبَ بعضُ كتُبِ الأعاجِمِ الفلاسفةِ مِن الرومِ والفُرس والهند في أثناءِ الدولة العباسيَّة، ثم طُلِبَت كتُبُهم في دولة المأمونِ مِن بلاد الروم فعُرِّبَت، ودَرَسَها الناسُ وظهر بسبب ذلك من البِدَعِ ما ظهر، وكان أكثَرُ ما ظهر من علومِهم الرياضيَّة كالحسابِ والهيئةِ، أو الطبيعةِ كالطبِّ أو المنطقيَّة، فأمَّا الإلهيَّةُ: فكلامُهم فيها نَزْرٌ، وهو مع نزارتِه ليس غالِبُه عندهم يقينًا، وعند المسلمينَ من العلومِ الإلهيَّة الموروثة عن خاتَمِ المُرسَلين ما ملأ العالمَ نُورًا وهدًى". وقال أيضًا رحمه الله: "إنَّ أمَّتَنا- أهلَ الإسلامِ- ما زالوا يَزِنون بالموازينِ العَقليَّة, ولم يسمَعْ سَلَفًا بذكرِ هذا المنطقِ اليوناني, وإنَّما ظهر في الإسلامِ لَمَّا عُرِّبَت الكتبُ الروميَّة في عهد دولة المأمونِ"

العام الهجري : 439 العام الميلادي : 1047
تفاصيل الحدث:

سار إبراهيم ينال إلى قلعة كنكور، وبها عكبر بن فارس- صاحِبُ كرشاسف بن علاء الدَّولة- يحفَظُها له، فامتنع عكبر بها إلى أن فَنِيَت ذخائره، وكانت قليلةً، فلمَّا نَفِدَت الذخائِرُ عَمِلَ حيلة وطلب الأمانَ على تسليمِ القلعةِ، ثمَّ لَمَّا تسلَّمَها إبراهيمُ، صَعِدَ إلى القلعة فانكشفت الحيلة، فسار عكبر بمن معه إلى قلعة سرماج، وصَعِدَ إليها، ولَمَّا ملك ينال كنكور عاد إلى همذان، فسَيَّرَ جيشًا لأخذ قلاعِ سرخاب، واستعمل عليهم نَسيبًا له اسمُه أحمد، وسَلَّمَ إليه سرخابًا ليفتح به قلاعَه، فسار به إلى قلعة كلكان، فامتنعت عليه، فساروا إلى قلعةِ دزديلويه فحصَروها، وسارت طائفةٌ منهم إلى أبي الفتح بن ورام، الذي قاتَلَهم، فظَفِرَ بهم، وقتل وأسَرَ جماعةً منهم، وغَنِمَ ما معهم، ورجع الباقون، وأرسل إلى بغدادَ يطلُبُ نجدةً خَوفًا من عَودِهم، فلم يُنجِدوه لعدم الهَيبةِ وقلَّة إمساكِ الأمر، فعبَرَ بنو ورام دجلةَ إلى الجانب الغربي، ثمَّ إنَّ الغز أسْرَوا إلى سعدي بن أبي الشوك في رجب، وهو نازِلٌ على فرسخين من باحسري، وكبسوه، فانهزم وقُتِلَ منهم خلقٌ كثير، وغَنِمَ الغزُّ أموالَهم، ونجا سعدي من الوقعةِ بجريعة الذقنِ، ونهب الغزُّ الدسكرة، وباجسري، والهارونية، وقصر سابور وجميع تلك الأعمال، ووصلَ الخبَرُ إلى بغداد بأنَّ إبراهيم ينال عازِمٌ على قصد بغداد، فارتاع النَّاسُ، واجتمع الأمراءُ والقُوَّاد إلى الأميرِ أبي منصور ابنِ المَلِك أبي كاليجار البويهي؛ ليجتمعوا ويسيروا إليه ويمنَعوه، واتَّفَقوا على ذلك، فلم يخرجْ غيرُ الأميرِ أبي منصور والوزير ونفر يسيرٍ، وتخلَّف الباقون، وهَلَك مِن أهل تلك النواحي المنهوبة خلقٌ كثيرٌ، ثمَّ إنَّ إبراهيم ينال سار إلى السيروان، فحصر القلعةَ، وضَيَّقَ على من بها، وأرسل سريَّةً نَهَبَت البلاد، وانتَهَت إلى مكانٍ بينه وبين تكريت عشرةُ فراسخ، ودخل بغدادَ مِن أهل طريق خراسان خلقٌ كثير، وذَكَروا مِن حالهم ما أبكى العُيونَ، ثُمَّ سلَّمَها إليه مُستحفَظُها، بعد أن أمَّنَه على نفسِه وماله، وأخذ منها ينالُ مِن بقايا ما خَلَّفَه سعدي شيئًا كثيرًا، ولَمَّا فتحها استخلف فيها مُقَدَّمًا كبيرًا من أصحابِه يقال له سخت كمان، وانصرف إلى حلوان، وعاد منها إلى همذان ومعه بدر ومالك ابنا مهلهل فأكرَمَهما.

العام الهجري : 37 الشهر القمري : صفر العام الميلادي : 657
تفاصيل الحدث:


لمَّا تَسلَّم عَلِيُّ بن أبي طالبٍ الخِلافةَ بدَأ بِعَزْلِ بعضِ العُمَّالِ وأبدَلَهم بآخَرين، وكان ممَّن عزَلَهم مُعاويةُ بن أبي سُفيانَ الذي كان على الشَّامِ, كان رأيُ عَلِيٍّ في قَتلةِ عُثمانَ عدمَ الاسْتِعجالِ في القِصاصِ قبلَ أن يَسْتَتِبَّ الأمرُ ويَقْوَى سُلطانُ الخِلافةِ, وكان مُعاويةُ على رأي أهلِ الجَملِ الاسْتِعجال في الاقْتِصاصِ مِن قَتَلَةِ عُثمانَ، قَرَّرَ عَلِيٌّ عَزْلَ مُعاويةَ عن وِلايةِ الشَّام, ووَلَّى بدلًا عنه سَهلَ بن حَنيفٍ، ولمَّا سار الأخيرُ للشَّامِ رَفَضَهُ أهلُها، وأَبَى مُعاويةُ الانْعِزالَ؛ لأنَّه يَرى أنَّ الأمرَ لم يَسْتَتِبَّ تمامًا لِعَلِيٍّ، وخاصَّةً أنَّ قَتَلَةَ عُثمانَ لا يَزالون يَسرَحون في البِلادِ، فقام عَلِيٌّ بالحَزْمِ وهو لا يَرضى اللِّينَ في مِثل ذلك، فحَرَّك جيشًا إليه وهو على رَأسِهِم؛ ولكنَّه تَحوَّلَ إلى البَصرَةِ بعدَ سَماعِه بخُروجِ طَلحةَ والزُّبيرِ وعائشةَ ومَن معهم، فكانت مَوقعةُ الجَملِ، وبعدَ أن انتهى مِن الجَملِ وبَقِيَ في الكوفةِ فَترةً أرسَل خِلالَها جَريرَ بن عبدِ الله لِمُعاويةَ ليُبايِعَ له، ويُبَيِّنَ له حُجَّةَ عَلِيٍّ في أَمْرِ القَتَلَةِ؛ لكنَّ مُعاويةَ لم يُعْطِ جَوابًا، ثمَّ تَتابَعت الرُّسُلُ ولكن دون جَدوى حتَّى سَيَّرَ عَلِيٌّ الجيشَ، وعَلِمَ مُعاويةُ بذلك فسار بجَيشِه وسَبَقَ إلى صِفِّينَ واسْتَمْكَنَ مِن الماءِ، ولمَّا وصَل عَلِيٌّ طلَب أن يكونَ الماءُ حُرًّا للطَّرَفين فأَبَوْا عليه، فاسْتَطاع أهلُ العِراقِ إزاحَتَهُم عن الماءِ فجعَلهُ عَلِيٌّ رضِي الله عنه حُرًّا للجَميعِ، وبَقِيَ الطَّرفان أيَّامًا دون قِتالٍ، ثمَّ وقَع القِتالُ ودخَل شهرُ مُحَرَّم فتَوقَّفَ الفَريقان عن القِتالِ لَعَلَّهُم يتَصالحون، وكانت السُّفَراءُ بينهم ولكن دون جَدوى، فعَلِيٌّ باقٍ على رَأيِه ومُعاويةُ لا يَستَجيبُ بشيءٍ، ثمَّ عادت المُناوَشاتُ واسْتَمرَّتْ لشهرِ صَفَر، ثمَّ اشْتَدَّ القِتالُ ثلاثةَ أيَّامٍ قُتِلَ فيها عمَّارُ بن ياسرٍ الذي قال فيه النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم: (وَيْحَ عمَّارٍ تَقْتُلُهُ الفِئَةُ الباغِيَةُ). ولمَّا بدأت لَوائحُ الهَزيمةِ تَلوحُ على أهلِ الشَّام اقْتَرحوا التَّحْكيمَ، ثمَّ كُتِبَتْ صَحيفةُ التَّحكيمِ وشهِد عليها رِجالٌ مِن الطَّرَفين، ثمَّ رحَل عَلِيٌّ إلى الكوفةِ ومُعاويةُ إلى الشَّامِ، ثمَّ اجْتَمع المحكمان أبو موسى الأشعريُّ مِن طَرَف عَلِيٍّ وعَمرُو بن العاصِ مِن طَرَف مُعاويةَ، ولكنَّ اجْتِماعَهُما لم يُسْفِرْ عن أيِّ اتِّفاقٍ ممَّا جعَل عَلِيًّا يَتَهَيَّأُ للمَسيرِ ثانِيةً للشَّامِ؛ ولكنَّ أمرَ الخَوارِجِ صرَفهُ عن ذلك.