وكان المُعتَمِدُ على الله أبو عبدِ الله محمدُ بن عَبَّاد أَعظمَ مُلوكِ الأندلسِ من المسلمين، وكان يَملِك أكثرَ البلادِ مثل قُرطُبة وإشبيلية، وكان يُؤدِّي إلى الفونسو السادس -الأذفونش- ضَريبةً كلَّ سَنَةٍ. فلمَّا مَلَكَ الفونسو طليطلة أَرسلَ إليه المُعتَمِدُ الضَّريبةَ على عادَتِه، فرَدَّها عليه ولم يَقبَلها منه، فأَرسلَ إليه يَتهدَّدهُ ويَتوعَّدهُ أنَّه يَسيرُ إلى مَدينةِ قُرطُبة ويَتملَّكها إلَّا أن يُسلِّم إليه جَميعَ الحُصونِ التي في الجَبلِ، ويُبقِي السهلَ للمُسلمين، وكان الرسولُ في جَمعٍ كَثيرٍ كانوا خمسمائة فارس، فأَنزَله محمدُ بن عبَّاد، وفَرَّقَ أَصحابَه على قُوَّادِ عَسكرِه، ثم أَمَرَ كلَّ مَن عنده منهم رَجُل أن يَقتُلَه، وأَحضرَ الرَّسولَ وصَفَعَهُ، وسَلِمَ من الجَماعةِ ثلاثةُ نَفَرٍ، فعادوا إلى ألفونسو فأَخبَروه الخَبرَ وكان مُتوجِّهًا إلى قُرطُبة لِيُحاصِرَها، فلمَّا بَلَغَهُ الخَبَرُ عادَ إلى طُليطلة ليَجمعَ آلاتَ الحِصارِ، ورَحلَ المُعتمدُ إلى إشبيلية فلمَّا عاد إليها، وسَمِعَ مَشايخَ قُرطبة بما جَرَى، ورأوا قُوَّةَ الفِرنج، وضَعفَ المُسلمين، واستِعانَةَ بَعضِ مُلوكِهم بالفِرنج على بعضٍ، اجتَمَعوا وقالوا: هذه بلادُ الأندلسِ قد غَلَبَ عليها الفِرنجُ، ولم يَبقَ منها إلَّا القليلُ، وإن استَمرَّت الأَحوالُ على ما نَرَى عادت نَصرانيةً كما كانت. وساروا إلى القاضي عبدِ الله بن محمدِ بن أدهم، فقالوا له: ألا تَنظُر إلى ما فيه المسلمون من الصَّغارِ والذِّلَّةِ، وعَطائِهم الجِزيةَ بعدَ أن كانوا يَأخُذونَها، وقد رأينا رَأيًا نَعرِضُه عليك. قال: ما هو؟ قالوا: نَكتُب إلى غَربِ إفريقية ونَبذُل لهم، فإذا وَصَلوا إلينا قاسَمناهُم أَموالَنا، وخَرَجنا معهم مُجاهِدين في سبيلِ الله. قال: نخافُ، إذا وَصَلوا إلينا، يُخَرِّبون بِلادَنا، كما فَعَلوا بإفريقية، ويَتركون الفِرنجَ ويَبدؤون بكم، والمُرابِطون أَصلَحُ منهم وأَقربُ إلينا. قالوا له: فكاتب أَميرَ المُسلمين، وارغَب إليه لِيَعبُرَ إلينا، ويُرسِل بعضَ قُوَّادِه. وقَدِمَ عليهم المُعتمِدُ بن عبَّاد، وهُم في ذلك، فعَرَضَ عليه القاضي ابنُ أدهم ما كانوا فيه، فقال له ابنُ عبَّاد: أنت رسولي إليه في ذلك، فامتَنَع، وإنَّما أرادَ أن يُبرِّئ نَفسَه من تُهمةٍ، فأَلَحَّ عليه المُعتمِدُ ابنُ عبَّاد وقال: "إنْ دُهِينَا من مُداخَلَةِ الأضدادِ، فأَهْوَنُ الأَمرينِ أَمرُ المُلَثَّمين، ورِعايةُ أولادِنا جِمالَهم أَهوَنُ من أن يَرعوا خَنازيرَ الفِرنج". فسارَ إلى أَميرِ المسلمين يوسفَ بنِ تاشفين، فأَبلغَه الرِّسالةَ، وأَعلَمهُ ما فيه المسلمون من الخَوفِ من ألفونسو. وما زالت وُفودُ الأندلسِ تَفِدُ على يوسفَ بنِ تاشفين مُستَعطِفين مُجهَشِينَ بالبُكاءِ ناشِدينَ بالله, ومُستَنجِدينَ بفُقهاءِ حَضرتِه ووُزراءِ دَولتِه فيَسمَع إليهم ويُصغِي لِقَولِهم وتَرِقُّ نَفسُه لهم, ولمَّا انتَهَت الرُّسُلُ إلى ابنِ تاشفين أَقبلَ عليهم وأَكرمَ مَثواهُم وجَرَت بينه وبينهم مُراوضاتٌ ثم انصَرَفوا إلى مُرسِلِهم ثم عَبَرَ يوسفُ البحرَ عُبورًا سَهلًا حتى أتى الجَزيرةَ الخَضراءَ فخَرجَ إليه أَهلُها بما عندهم من الأقواتِ والضِّيافاتِ وأَقاموا له سُوقًا جَلَبوا إليه ما عندهم من سائرِ المَرافِقِ وأَذِنوا للغُزاةِ في دُخولِ البلدِ والتَّصَرُّفِ فيها, ثم أَرسلَ ابنُ تاشفين لألفونسو يَدعوهُ للإسلامِ أو الجِزيَةِ أو الحَربِ فاختارَ الحربَ، فقام يوسفُ بن تاشفين في الحالِ وكان بمَدينةِ سَبتَة، فأَمرَ بعُبورِ العَساكرِ إلى الأندَلُسِ، وأَرسلَ إلى مراكش في طَلبِ مَن بَقِيَ مِن عَساكرِه، فأَقبلَت إليه يَتلُو بَعضُها بَعضًا، فلمَّا تَكامَلَت عنده عَبَرَ البحرَ وسارَ، فاجتَمعَ بالمُعتَمِدِ بن عبَّاد بإشبيلية، وكان قد جَمعَ عَساكرَه أيضًا، وخَرجَ من أَهلِ قُرطُبة عَسكرٌ كَثيرٌ. وقَصدَهُ المُتَطَوِّعَةُ من سائرِ بلادِ الأندلسِ، ووَصَلت الأَخبارُ إلى ألفونسو فجَمعَ فِرسانَه وسارَ من طُليطلة، وكَتبَ إلى أَميرِ المسلمين كِتابًا كَتَبَهُ له بعضُ أُدباءِ المُسلِمين، يُغلِظ له القَولَ، ويَصِفُ ما عنده من القُوَّةِ والعَددِ، وبالَغَ الكاتِبُ في الكِتابِ. فأَمَرَ أَميرُ المُسلمين أبا بكرِ بن القَصيرَةِ أن يُجيبَهُ، وكان كاتِبًا مُفْلِقًا، فكَتبَ فأَجادَ، فلمَّا قَرأهُ على أَميرِ المُسلِمين قال: هذا كِتابٌ طَويلٌ، أَحضِر كِتابَ ألفونسو واكتُب في ظَهرِه: الذي يكون سترا له الذي سَيكونُ سَتَراهُ. فلمَّا عادَ الكِتابُ إلى ألفونسو ارتاعَ لذلك، وعَلِمَ أنَّه بُلِيَ بِرَجُلٍ له عَزْمٌ وحَزْمٌ، فازداد استِعدادًا, فجَمعَ ألفونسو فِرسانَه ثم سارَ من طُليطِلة، وسارَ أَميرُ المُسلِمين ابنُ تاشفين، والمُعتَمِدُ بن عبَّاد، حتى أَتوا أَرضًا يُقال لها: الزَّلَّاقَة، من بَلدِ بطليوس، فأَرسلَ ابنُ تاشفين للمُعتَمِد يَأمُرُه أن يكونَ في المُقدِّمَةِ، ففَعلَ، وقد ضَربَ الفونسو خِيامَه في لَحْفِ جَبَلٍ، والمُعتَمِدُ في سَفْحِ جَبَلٍ آخرَ، يَتَراءونَ، ويَنزِلُ أَميرُ المُسلِمين ابنُ تاشفين وَراءَ الجَبَلِ الذي عنده المُعتَمِد، وظَنَّ ألفونسو أنَّ عَساكِرَ المُسلِمين ليس إلَّا الذي يَراهُ. وكان الفِرنجُ في خمسين ألفًا، فتَيَقَّنوا الغَلَبَ، ثم أَقبَلَت الجُيوشُ، ونَزلَت تِجاهَ الفِرنجِ، فاختارَ ابنُ عبَّادٍ أن يكونَ هو المُصادِمُ للفِرنجِ أوَّلًا، وأن يكون ابنُ تاشفين رِدْفًا له. ففَعَلوا ذلك، وأَرسلَ ألفونسو إلى المُعتَمِد في مِيقاتِ القِتالِ، فقال: غَدًا الجُمعةُ، وبَعدَه الأحدُ، فيكونُ اللِّقاءُ يومَ الاثنينِ، فقد وَصلنا على حالِ تَعَبٍ، واستَقرَّ الأَمرُ على هذا، وركب ليلة الجمعة سَحَرًا، وصَبَّحَ بجَيشِه جَيشَ المُعتَمِد بُكرَةَ الجُمعَةِ، غَدْرًا، وظَنًّا منه أن ذلك المُخَيَّم هو جَميعُ عَسكرِ المُسلِمين، فوَقعَ القِتالُ بينهم فصَبرَ المسلمون، فأَشرَفوا على الهَزيمَةِ، وكان المُعتَمِد قد أَرسلَ إلى أَميرِ المُسلِمين ابنِ تاشفين يُعلِمه بمَجيءِ الفِرنجِ للحربِ، فقال: احمِلوني إلى خِيامِ الفِرنجِ، فسار إليها، فبينما هُم في القِتالِ وَصَلَ أَميرُ المُسلِمين إلى خِيامِ الفِرنجِ، فنَهَبَها، وقَتَلَ مَن فيها، فلمَّا رأى الفِرنجُ ذلك لم يَتَمالَكوا أن انهَزَموا، وأَخَذَهم السَّيفُ، وتَبِعَهم المُعتَمِدُ مِن خَلفِهم، ولَقِيَهم أَميرُ المُسلِمين من بين أَيدِيهم، ووَضَعَ فيهم السَّيفَ، فلم يُفلِت منهم أَحَدٌ، ونَجَا ألفونسو في نَفَرٍ يَسيرٍ قِيلَ: 30 رَجُلًا, وجَعلَ المُسلِمون من رُؤوسِ القَتلَى كُوَمًا كَثيرةً، فكانوا يُؤذِّنون عليها إلى أن جِيفَت فأَحرَقوها، وكانت الوَقعَةُ يومَ الجُمعةِ في العَشْرِ الأُوَلِ من شَهرِ رَمضان، وغَنِمَ المسلمون غَنيمةً عَظيمةً, وعَفَّ يوسفُ عن الغَنائمِ، وآثَرَ بها مُلوكَ الأندلسِ لِيَتِمَّ له الأَجرُ، فأَحَبُّوه وشَكَروا له, ورَجعَ أَميرُ المُسلِمين إلى الجَزيرةِ الخَضراء، وعَبرَ إلى سَبتَة، وسار إلى مراكش، فأقامَ بها إلى العامِ المُقبِل.
غزا أبو يوسُفَ يعقوبُ بنُ عبد المؤمن، صاحِبُ بلاد المغرب والأندلس، بلادَ الفِرنجِ بالأندلُسِ، وسبَبُ ذلك أنَّ ألفونسو مَلِك الفرنج بها، ومَقَرُّ مُلكِه مدينة طليطلة، كتب إلى يعقوبَ كتابًا فحواه أنَّه يريد الإغارةَ على البلادِ والقَتلَ، وأنَّه لا مانع له من ذلك ويستهزئُ بقوة المسلمين ويتَّهِمُهم بالضَّعفِ مع أنَّهم- أي المسلمين- مأمورون بالجهاد، حتى لو كان العدوُّ ضِعفَ العَدَد، واستهزأ بالمَلِك أبي يوسف يعقوب، فلمَّا وصل كتابُه وقرأه يعقوبُ، كتب في أعلاه هذه الآية: {ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لَا قِبَلَ لَهُمْ بِهَا وَلَنُخْرِجَنَّهُمْ مِنْهَا أَذِلَّةً وَهُمْ صَاغِرُونَ} [النمل: 37]، وأعاده إليه، وجمع العساكِرَ العظيمةَ من المسلمينَ وعبَرَ المجاز إلى الأندلس، وقيل: كان سبَبُ عبوره إلى الأندلس أن يعقوبَ لَمَّا قاتل الفرنج سنة ست وثمانين وصالحهم، بَقِيَ طائفة من الفرنج لم تَرْضَ الصلح، فلما كان الآن جَمَعت تلك الطائفة جمعًا من الفرنجِ، وخرجوا إلى بلاد الإسلام، فقَتَلوا وسَبَوا وغَنِموا وأسروا، وعاثوا فيها عيثًا شديدًا، فانتهى ذلك إلى يعقوب، فجمع العساكِرَ، وعبَرَ المجاز إلى الأندلس في جيشٍ يضيقُ عنهم الفضاء، فسَمِعَت الفرنج بذلك، فجمعت قاصيَهم ودانيهم، فالتقوا تاسِعَ شعبان شماليَّ قُرطبةَ عند قلعة رياح، بمكانٍ يعرف بمرج الحديد، فاقتتلوا قتالًا شديدًا، فكانت الدائرة أولًا على المسلمين، ثمَّ عادت على الفرنج، فانهزموا أقبحَ هزيمةٍ، وانتصر المسلمون، وغَنِمَ المسلمون منهم شيئًا عظيمًا، ولَمَّا انهزم الفرنج اتَّبَعهم أبو يوسف، فرآهم قد أخذوا قلعةَ رياح، وساروا عنها من الرُّعبِ والخوف، فمَلَكَها وجعل فيها واليًا وجندًا يحفظونها، وعاد إلى مدينة إشبيلية، وأما ألفونسو فإنه لما انهزم حَلَقَ رأسَه، ونكَّسَ صليبَه، ورَكِبَ حمارًا، وأقسَمَ أنْ لا يركب فرسًا ولا بغلًا حتى تُنصَرَ النَّصرانيَّة.
أهلَّت هذه السَّنةُ والنَّاسُ في أمرٍ مَريجٍ؛ لغيبة السلطانِ النَّاصِرِ أحمد بالكرك، وعند الأمراءِ تشوُّش كبير، ثمَّ قَدِمَ كِتابُ السلطان إلى الأمراءِ يُطَيِّبُ خواطِرَهم، ويُعَرِّفُهم أنَّ مِصرَ والشام والكرك له، وأنَّه حيث شاء أقام، ورسم أن تُجهَّزَ له الأغنامُ مِن بلاد الصعيد، وأكَّد في ذلك، وأوصى آقسنقر بأن يكون مُتَّفِقًا مع الأمراءِ على ما يكون من المصالحِ، فتنكَّرَت قلوبُ الأمراء ونفَرَت خواطرهم، واتَّفَقوا على خَلعِ السلطان وإقامة أخيه إسماعيل في يومِ الأربعاء حادي عشر المحرم، فكانت مدة ولايته ثلاثةَ أشهر وثلاثة عشر يومًا، منها مدَّةُ إقامته بالكرك ومراسيمُه نافذة بمصرَ أحد وخمسون، وإقامته بمصرَ مدة شهرين وأيام، وكانت سيرتُه سيئة، نَقَم الأمراءُ عليه فيها أمورًا، منها أنَّ رُسُلَه التي كانت تَرِدُ مِن قِبَلِه إلى الأمراء برسائِلِه وأسرارِه أوباشُ أهل الكرك، فلما قَدِموا معه إلى مصر أكثَروا من أخذِ ولاياتٍ ومِناصِبَ وهم غيرُ أهل لها، ومنها تحكُّمهم على الوزيرِ وغَيرِه، وحَجْبُهم السلطانَ حتى عن الأمراءِ والمماليك وأربابِ الدولة، فلا يمكِنُ أحدًا من رؤيتِه سوى يومي الخميس والاثنين نحو ساعة، ومع ذلك فإنَّه جمع أموالَ أبيه وغيرها من الأموال والحيواناتِ والمتاع ونَقَله كُلَّه إلى الكرك، ثم جلس السلطانُ الجديدُ الصالحُ إسماعيلُ على تخت الملك يوم الخميسِ ثاني عشر المحرم، بعد خَلْعِ أخيه باتِّفاقِ الأمراء على ذلك؛ لأنَّه بلَغَهم عنه أنَّه لَمَّا أخرجه الأميرُ قوصون فيمن أُخرِجَ إلى قوص أنَّه كان يصومُ يومي الاثنين والخميس، ويشغَلُ أوقاته بالصَّلاةِ وقراءة القرآن، مع العِفَّة والصيانة عمَّا يُرمَى به الشباب من اللهو واللعب، وحَلَف له الأمراءُ والعساكر، وحَلَف لهم السلطانُ ألَّا يؤذيَ أحدًا، ولا يقبِضَ عليه بغير ذنب يُجمَعُ على صِحَّتِه، ودُقَّت البشائِرُ، ولُقِّبَ بالملك الصالح عماد الدين، ونودي بالزِّينة.
طلب الشريفُ غالب بن مساعد شريفُ مكة من الإمام عبد العزيز بن محمد أن يبعثَ إليه عالِمًا ليناظِرَ علماء الحرم الشريف في شيءٍ من أمور الدين، فبعثَ إليه الإمامُ عبد العزيز الشيخَ حمد بن ناصر بن معمر على رأسِ ركبٍ من العلماء، فلمَّا وصلوا إلى الحرم الشريف أناخوا رواحِلَهم أمام قصرِ الشريف غالب فاستقبلَهم بالحفاوة والإكرام، وأنزلهم منزلًا محترمًا يليقُ بهم، فلما طافوا وسعَوا للعمرة ونحروا الجَزورَ التي أرسلها معهم الأمير سعودُ بن عبد العزيز هدْيًا للحرم، واستراحوا أربعة أيام من عناء السَّفر- جمعَ الشريفُ غالب علماءَ الحرم الشريف من أربابِ مذاهِبِ الأئمة الأربعة ما عدا الحنابلة، فوقع بين علماء الحرم ومقَدَّمِهم يومئذ في الكلام الشيخ عبد الملك القلعي الحنفي، وبين الشيخ حمد بن ناصر بن معمر في مناظرةٍ عظيمة في مجالِسَ عديدة بحضرةِ والي مكة الشريف غالب، وبمشهدٍ عظيمٍ من أهل مكة، فظهر عليهم الشيخ حمد بن ناصر بن معمر بالحجَّة وقهَرهم بالحقِّ، فسَلَّموا له وأذعنوا، وقد سألهم ثلاثَ مسائِلَ: الأولى: ما قولُكم فيمن دعا نبيًّا أو وليًّا، واستغاث به في تفريجِ الكرباتِ كقوله: يا رسول الله، أو يا ابن عبَّاس، أو يا محجوب، أو غيرهم من الأولياء الصَّالحين؟. والثانية: من قال لا إلهَ إلا الله، محمدٌ رسُول الله، ولم يصَلِّ ولم يزَكِّ، هل يكون مؤمِنًا؟. والثالثة: هل يجوز البناءُ على القبور؟
فعكس علماءُ الحرم هذه الأسئلةَ على الشيخ حمد، وطلبوا منه الإجابةَ عليها، فأجاب عنها بما يشفي الغليلَ، وأصَّلَ الإجابةَ وحرَّرها لهم في رسالةٍ سَمَّاها علماء الدرعية "الفواكهُ العِذاب في الردِّ على من لم يُحَكِّم السُّنَّة والكتاب" وهي رسالةٌ جليلةُ القدرِ عظيمةُ الفائدةِ.
عَهِدَ المُستنصر الفاطميُّ إلى القائد أنوشتكين الدزبري أميرِ دمشقَ بالاستيلاء على حَلَب وأخذها مِن شبل الدَّولةِ نصرِ بنِ صالح بن مرداس، فاستأذنَ الرومَ لحربهِ؛ لأنَّ شبلَ الدَّولة كان حليفًا للروم على دَفْعِ أتاوة سنويةٍ لهم، فتعهَّد أنوشتكين بدَفعِ نَفسِ الأتاوة للرُّومِ، إن هم أذنوا له بحَربِه، فأذنوا له فقام بالسَّيرِ إلى شبل الدَّولةِ وهَزَمه واستولى على حلَب، وقَتَل شبلَ الدَّولة.
استولى أبو عنان فارس سلطان بني مرين على الجزائر، ثم استولى على قسنطينة وعنابة وتونس، واستسلم له السلطان الحفصي أبو العباس أحمد المتوكل، مريدًا بذلك توحيد إفريقيا الشمالية، ولكنَّ قبائل الأعراب ثارت على أبي عنان لِمَنعه عنهم بعض الأداءاتِ الموظَّفة لهم على عادة الأعراب، وعجَزَ الجيش المريني عن مطاردة الأعرابِ وإخماد عصيانهم، وعاد أبو عنان إلى فاس ومعه جيشُه.
لما أعلن سنقر الأشقر نفسَه سلطانًا في دمشق كتب إلى الأمير عز الدين الأفرم وهو بالكرك يعتذر عن قيامِه بما كَلَّف به السلطان في الكرك، وأتبع الكتابَ بعسكر، فلما ورد كتابه جهزه الأفرم إلى السلطان قلاوون بمصر، فكتب السلطانُ عند وروده إلى الأشقر يقَبِّحُ فعله، وكتب أمراءُ مصر إليه بذلك، ويحثُّونه على الإذعان وترك الفتنة، وسار بالكتُبِ بلبان الكريمي، فوصل دمشقَ في ثامنه، وخرج سنقر الأشقر إلى لقائه وأكرمه، ولم يرجِعْ عما هو فيه، واستقر الأفرم بغزة، فوافاه عسكَرُ سنقر الأشقر بها، فاندفع من قُدَّامِهم إلى الرمل، وملك عسكر سنقر غزة واطمأنوا، فطرَقَهم الأفرم وأوقع بهم فانهزموا إلى الرملة، وأسَرَ من الأمراء عدة وغنم منهم مالًا وخيولًا وأثقالًا كثيرة، وبعث الأفرم بالبشارةِ على يد ناصر الدين محمد ولد الأمير بكتاش الفخري، فقدم في الخامس عشر بالأمراء المأسورين، فعفا السلطانُ عنهم وأحسن إليهم، وأعادهم على أخبازهم – عطاياهم-وجعلهم في عسكَرِه، ولما بلغ سنقر الأشقر كسرةُ عَسكرِه، جمع وحشد وبعث إلى الأمراء بغزة يَعِدُهم ويستميلهم، فقَدِمَ عليه شهاب الدين أحمد بن حجي أمير العربان بالبلاد القبلية، والأمير شرف الدين عيسى بن مهنا أمير العربان بالبلاد الشرقية والشمالية، وأتته النجداتُ مِن حلب وحماة ومن جبال بعلبك، واستخدم عدةً كبيرةً وبذل فيهم المال، وكَثُرت عنده بدمشق الأرجافُ أن عسكر مصر قد سار إليه، فاشتد استعدادُه، وجرَّد السلطان من القاهرة الأميرَ بدر الدين بكتاش الفخري أميرَ سلاح، ومعه الأمير بدر الدين الأيدمري والأمير حسام الدين أيتمش بن أطلس خان في أربعة آلاف فارس، فسار إلى غزة، واجتمعوا مع الأمير عز الدين الأفرم والأمير بدر الدين الأيدمري، وساروا جميعًا والمقَدَّم عليهم علم الدين سنجر الحلبي، فرحل عسكَرُ سنقر الأشقر من الرملة إلى دمشق، فخرج سنقر الأشقر في الثاني عشر صفر بعساكره وخيم بالجسورة خارج دمشق، ونزل عسكرُ مصر الكسوة والعقوة في يوم الاثنين السابع عشر بالجسورة، فوقعت الحرب في التاسع عشر، وثبت سنقر الأشقر وأبلى بلاء عظيمًا، ثم خامر من عسكَرِه طائفة كبيرة إلى عسكر مصر، وانهزم كثيرٌ منهم، ورجع عسكر حلب وحماة عنه إلى بلادِهم، وتخاذل عنه عسكرُ دمشق، وحمَلَ عليه الأمير سنجر الحلبي فانهزم منه، وهرب سنقر الأشقر وتَبِعَه بعض خواصه من الأمراء وساروا معه هم والأمير عيسى بن مهنا إلى برية الرحبة، وأقاموا بها أيامًا، وتوجهوا إلى الرحبة، وكان سنقر قبل ذلك قد بَعَثَ حرمه وأمواله إلى صهيون، ولما انهزم سنقر الأشقر تفرق عسكرُه في سائر الجهات، وغُلِّقَت أبواب دمشق، وزحف عسكر مصر إليها وأحاطوا بها، ونزلوا في الخيام ولم يتعرضوا لشيء، وأقام الأمير سنجر الحلبي بالقصر الأبلق في الميدان الأخضر خارج دمشق، فلما أصبح أمَرَ فنُوديَ بالأمان، وكان بقلعة دمشق الأميرُ سيف الدين الجكندار، وهو متوليها من جهة سنقر الأشقر، فأفرج عن الأمير ركن الدين بيبرس العجمي الجالق، والأمير حسام الدين لاجين المنصوري، والصاحب تقي الدين توبة، وحَلَّفَهم ألا يؤذوه إذا أطلقهم، ثم فتح باب القلعة، ونزل لاجين إلى باب الفرج فوقَفَ عليه، ومنع العسكَرَ من دخول المدينة، ونودِيَ بإطابة قلوب النَّاسِ وزينة البلد، فوقَفَ البشائر بالقلعة، وقدم كثيرٌ ممن كان مع سنقر الأشقر فأمنهم الأميرُ سنجر الحلبي، ثم في صفر من سنة 680هـ جردَ السلطان من دمشق الأميرَ عِزَّ الدين أيبك الأفرم والأمير علاء الدين كشتغدي الشمسي في عدة من الأجناد، فساروا إلى شيزر، فبعث سنقر الأشقر يطلب الصلحَ على أن يسلِّمَ شيزر، ويعَوَّضَ عنها الشغر وبكاس وكانتا، قد أخذت منه ومعهما فامية وكفر طلب وأنطاكية وعدة ضياع، مع ما بيده من صهيون وبلاطنس ونرزية واللاذقية، وشرط أيضًا أن يكون أميرًا بستمائة فارس، ويؤمر من عنده من الأمراء، فأُجيبَ إلى ذلك.
البُجاة هم طائفةٌ مِن سودان بلاد المغرب، وكذا النُّوبة وشنون وزغرير ويكسوم، وأممٌ كثيرةٌ لا يعلَمُهم إلا الله، وفي بلادِ هؤلاء معادنُ الذهب والجوهر، وكان عليهم حملٌ في كُلِّ سَنةٍ إلى ديار مصر من هذه المعادنِ، فلما كانت دولةُ المتوكِّل امتنعوا من أداءِ ما عليهم سنينَ مُتَعدِّدة، فكتب نائِبُ مِصرَ إليه يُعلِمُه بذلك، فلما شاور المتوكِّلُ في أمرِهم أعلموه أنَّهم في أرضٍ بعيدةٍ، ومن أراد قتالَهم عليه التزوُّدُ كثيرًا، وإذا فَنِيَ الزاد هَلَكوا بأرضِهم، وأنَّهم يُمكِنُهم الاستنجادُ بالنُّوبةِ والحبوش، ففَتَرَ المتوكِّلُ عن قتالهم فتفاقم أمرُهم حتى أخافوا الصعيدَ، فعرض محمد بن عبدالله القمي أن يحارِبَهم فتجهَّزَ لهم بجيشٍ، وأمر أن يبقى بجانبِ السواحل حتى يأتيه المدَدُ منها، فسار إليهم في جيشِه، فلما رأوه على تلك الهيئةِ بَقُوا يراوِغونَه كالثَّعالِبِ حتى يفنى زادُهم فيقتُلونَهم، ولكِنْ لَمَّا رأوا أنَّ المراكِبَ تأتيهم بالمَدَدِ من الشاطئ على النيلِ، أيقنُوا أنَّه لا مفَرَّ مِن حَربِهم، فكَرُّوا إليه وكانت لهم جِمالٌ قويَّةٌ، لكنها سريعةُ النفورِ، فأعمل جيشُ القميِّ الأجراسَ والطبولَ فنَفَرت إبِلُهم، فقُتِلَ منهم الكثيرُ، ولكِنَّ رئيسَهم علي بابا هرَب، ثم إنه طلبَ الأمانَ على أن يُعطِيَ ما كان منَعَه كُلَّ تلك السنين وأن يعود على ما كان عليه من الخَراجِ، فأعطاه الأمانَ وسَيَّرَه إلى المتوكِّلِ الذي أكرمه وأعاده إلى بلادِه.
رأى القائِدُ الفرنسي نابليون بونابرت أنَّ السيطرةَ على فلسطين ضرورةٌ حيوية لحمايةِ وتأمين مصالحِ الإمبراطورية الفرنسية، فهي من جِهةٍ تأخُذُ لفرنسا نصيبَها من تركة الخلافةِ العثمانية التي كانت تُحتَضَر آنذاك، ومن جهةٍ أخرى تمكِّنُه من الفوز في السباقِ مع منافِستِه بريطانيا، كما تحَقِّقُ له حلمَه الكبيرَ في السيطرة على مصرَ التي كان يعتبِرُها أهمَّ بلد في العالم. وكان نابليون أولَ زعيم أوروبي يعرِضُ على اليهود إقامةَ وطنٍ لهم في فلسطين إذا ما ساعَدوه في حملتِه على مصرَ وفلسطين، بحيثُ تقام لهم دولة يهودية تكونُ تابعةً للنفوذ الفرنسي. ولقد وَجَّه نابليون إلى اليهود-ليُوظِّفَهم في مشروعِه الاستعماري- رسالةً يستَحِثُّهم فيها على الانضمام إليه، ويَعدُهم فيها ويمَنِّيهم. وقد اتَّضح أنَّ هذا البيانَ الذي ادُّعيَ أنَّه صادِرٌ عن قيادة نابليون في القُدسِ لم يكن أكثَرَ مِن زَهوٍ حربي؛ لأن نابليون لم يقترب بفرقتِه قَطُّ من القدس، بل تقهقرت من فلسطينَ إلى مصر بحرًا بعد هزيمتِه في عكَّا، ولم يكن هناك أيُّ أمل في أن يفيَ بوعده الذي قطعَه في بيانه. لكن هذا لا يعني أنَّ البيان كان التفاتةً خالية من المعنى، فهو: "يعَدُّ بمثابةِ اعتراف دولي بوجودٍ قوميٍّ لليهود، واعتقاد ببعث أمةٍ يهودية في فلسطين، فملايينُ اليهود المشتَّتين في أوروبا يجب أن يُجمَّعوا في نهاية المطاف في دولةٍ يهودية في فلسطين تخدمُ المصالحَ الاستعماريَّةَ الفرنسيَّةَ"!
وُلد الشيخُ العلَّامةُ بكر بن عبد الله أبو زيد رئيس مجمَع الفقه الإسلامي الدولي، وعضوُ هيئة كبار العلماء، وعضوُ اللجنة الدائمة للإفتاء السابقُ، في عالية نجدٍ، عامَ 1365 هـ. درس الشيخُ في المعهد العلمي، ثم في كلية الشريعة، حتى تخرَّج فيها عامَ 1388هـ، وفي عام 1384هـ انتقَلَ إلى المدينة النبوية، فعمِلَ أمينًا للمكتبة العامة بالجامعة الإسلامية، وكان بجانب دراسته النظامية يُلازمُ حِلَقَ عددٍ من المشايخ في الرياض، ومكَّةَ المكرَّمَة، والمدينة المنورة، وفي عام 1399 هـ / 1400 هـ درسَ في المعهد العالي للقضاء مُنتسبًا، فنال شهادةَ العالِميةَ (الماجستير)، وفي عام 1403 هـ تحصَّلَ على شهادةِ العالِميةِ العالية (الدكتوراه)، وقد تلقَّى العلمَ على عدد من أهل العلمِ منهم الشيخُ صالح بن مطلق، والشيخُ ابنُ باز، ولازَمَ الشيخَ محمد الأمين الشنقيطي نحوَ عَشْرِ سنينَ، وشغَلَ الشيخُ -رحمه الله- وظائف عدةً منها: ولايةُ القضاء بالمدينة النبوية، وعُيِّن إمامًا وخطيبًا في المسجد النبوي حتى مطلعِ عامِ 1396 هـ، وفي عام 1400 هـ اختير وكيلًا عامًّا لوزارة العدل حتى نهاية عامِ 1412 هـ، ثم عضوًا في لجنة الفتوى، وهيئة كبار العلماء، وفي عام 1405هـ عُيِّن ممثلًا للمملكة في مجمَع الفقه الإسلامي الدولي، المنبثق عن منظمة المؤتمرِ الإسلاميِّ، واختير رئيسًا للمجمَعِ، وفي عامِ 1406هـ عُيِّن عضوًا في المجمَع الفقهي برابطةِ العالمِ الإسلاميِّ، وكانت له في أثناء ذلك مشاركةٌ في عددٍ من اللجان والمؤتمرات داخلَ المملكة وخارجَها، ودرَّسَ في المعهد العالي للقضاء، وفي الدراسات العُليا في كلية الشريعة بالرياض، والشيخ له العديدُ من المصنَّفاتِ النافعة منها: ((المدخل المفصل))، ((فقه النوازل))، ((التقريب لعلوم ابن القَيِّم))، ((معجم المناهي اللفظية)) وغيرها.
هو الشيخُ محمد محمد الراوي عضوُ مَجمَعِ البحوثِ الإسلاميةِ، وعضوُ هيئةِ كِبارِ العلماءِ بالأزهرِ. وُلِدَ في قريةِ "ريفا" محافظةَ أسيوطَ غُرَّةَ فبرايرَ 1928م. حَفِظَ القرآنَ الكريمَ في سنٍّ مُبكِّرةٍ في القريةِ، حيثُ كانت المعاهدُ الأزهريةُ لا تَقبَلُ الطالبَ في السنةِ الأولى إلا بحِفظِ القرآنِ الكريمِ كُلِّه. وبعد الانتهاءِ من الدراسةِ في معهدِ أسيوطَ تقدَّم إلى كُليَّةِ أصولِ الدينِ بالقاهرةِ، وحصَلَ منها على الشهادةِ العالِميَّةِ عامَ 1954م. وحصَلَ على الشهادةِ العالِميَّةِ مع تخصُّصِ التدريسِ من كُليَّةِ اللُّغةِ العربيةِ عامَ 1956م. وعمِلَ بعد تخرُّجِه بقسمِ الدعوةِ في وزارةِ الأوقافِ، ثم أصبَحَ مُفتِّشًا عامًّا في مراقبةِ الشُّؤونِ الدينيةِ. نُقِلَ بعدها إلى مَجمَعِ البحوثِ الإسلاميةِ بالقاهرةِ، وعَمِلَ بالمكتبِ الفنِّيِّ بالمَجمَعِ. وابتُعِثَ من الأزهرِ إلى نيجيريا لتدريسِ اللغةِ العربيةِ وعُلومِ القرآنِ، وطُلِبَ لجامعةِ الإمامِ محمدِ بنِ سعودٍ الإسلاميةِ بالرياضِ، وانتَقَلَ إليها بدايةً من العامِ الدراسيِّ 1390هـ، واستمرَّ بها مدةً تزيدُ على خمسٍ وعشرين سنةً عَمِلَ خلالها في: كليَّةِ اللغةِ العربيةِ مُدرِّسًا للتفسيرِ والحديثِ، وكليةِ العلومِ الاجتماعيةِ من بدايةِ إنشائِها، وأسهَمَ في قيامِ كليَّةِ أصولِ الدِّينِ، وعمِلَ بها أستاذًا للقرآنِ وعلومِه، ورئيسًا لقسمِ القرآنِ أكثَرَ من ثلاثةَ عشَرَ عامًا، وأسهَمَ في إنشاءِ المعهدِ العالي للدعوةِ الإسلاميةِ، وقام بإلقاءِ المُحاضَراتِ فيه، وأشرَفَ على كثيرٍ من الرسائلِ العلميَّةِ ما بين ماجستير ودكتوراه في كليةِ أصولِ الدينِ وغيرِها من كليَّاتِ الجامعةِ. واشترك في مناقشةِ كثيرٍ من الرسائلِ العِلميةِ في جامعةِ الإمامِ محمدِ بن سعودٍ، وجامعةِ أمِّ القُرى بمكةَ المكرمةِ، والجامعةِ الإسلاميةِ بالمدينةِ المنوَّرةِ، وجامعةِ الملكِ سعودٍ. تُوفِّيَ -رحمه الله- في القاهرةِ عن عمرٍ ناهزَ 89 عامًا. وصُلِّيَ عليه في الجامعِ الأزهرِ.
ولِدَ الشيخُ الدكتورُ محمد أديب الصالح في مدينةِ قطنا -جنوبَ غَربِ دِمَشقَ- في العامِ 1926 م، وعاش يتيمًا، ولكنَّ والدتَه عوَّضَتْه عن عنايةِ الوالدِ بانقطاعِها لرِعايتِه، والاهتمامِ بشَأنِه، وقد بدأ تعليمَه في إحدى مدارسِ قطنا الابتدائيةِ، ومنها انتقل إلى دِمَشقَ، حيثُ أحرَزَ شهادةَ الكفاءةِ العامَّةِ ثم شَهادةَ الكليةِ الشرعيةِ، التي كانتْ تُعَدُّ مَعهدًا عِلميًّا رفيعَ المستوى، ثم حصَلَ على الثانويةِ الشرعيةِ مع الثانويةِ العامَّةِ عامَ 1946م، وبذلك تهيَّأ للدراسةِ الجامعيةِ، ثم أُوفد إلى الأزهَرِ عامَ 1947م، والتحَقَ بكليَّةِ أصولِ الدِّينِ، ثم تفرَّغَ للتدريسِ، فعَمِلَ في ثانويَّاتِ حلَبَ ودِمَشقَ ودُورِ المعلِّمين ما بين العامَينِ 1949 و1956. وأُسنِدَت إليه مُهمَّةُ مُعيدٍ في كليَّةِ الشريعةِ بجامعةِ دِمَشقَ، وأُوفِدَ إلى جامعةِ القاهرةِ لتحضيرِ الإجازةِ العليا -الدكتوراه- في كليةِ الحقوقِ، وكان موضوعُ أُطروحَتِه (تفسيرَ النصوصِ في الفقهِ الإسلاميِّ- دراسة مقارِنة) التي أحرَزَ بها مرتبةَ الشَّرَفِ الأولى مع التبادلِ بين الجامعاتِ. من شُيوخِه: الشيخُ محمد أبو زهرة، والشيخُ علي الخفيف، والشيخُ فرج السنهوريُّ. ثم عادَ إلى دمشقَ ليستأنِفَ عمَلَه في جامِعَتِها والتدريسَ فيها، ثم أُعيرَ إلى الجامعةِ الأردنيَّةِ لتدريسِ التفسيرِ والحديثِ والثقافةِ الإسلاميةِ على مدى سنتَينِ، ثم استُقدِمَ بعدَها أستاذًا زائرًا إلى جامعةِ الملكِ سُعودٍ -الرياض آنَذاك-، وكذلك دُعِيَ زائرًا إلى جامعةِ الإمامِ محمدِ بنِ سعودٍ الإسلاميةِ، وإلى كليةِ التربيةِ للمعلمين والمعلمات في قطَرَ، حتى استقرَّ أخيرًا في جامعةِ الإمامِ محمد بنِ سعودٍ الإسلاميةِ. تولى فيها رئاسةَ قِسمِ السُّنَّة وعلومِها، إلى جانبِ مُشاركاتِه في مناقشةِ رسائلِ الماجستير والدكتوراه فيها، وفي كلٍّ من الجامعةِ الإسلاميةِ في المدينةِ المُنوَّرةِ، وجامعةِ أمِّ القرى بمكةَ المكرمةِ، إلى أنْ تُوفِّيَ -رحمه الله- بمدينةِ الرياضِ.
استولى أهلُ الربض الهاربين من الأندلُسِ على الإسكندرية، فقام عبدُالله بن طاهر أميرُ مِصرَ بمحاصَرتِهم فأعطاهم الأمانَ بشَرطِ الرحيلِ إلى جزيرة كريت، فذهبوا واستولَوا على جزيرةِ كريت التي كانت في أيدي البيزنطيِّينَ وجعلوا عليهم واليًا هو أبو حفصٍ عمَرُ البلوطي، وأسَّسوا قاعدةً لهم بالجزيرةِ وأحاطوها بخندقٍ كبيرٍ، فأصبحت تُعرَفُ باسم الخندق، والتي تُعرَفُ كذلك بهراقليون، وبقيت هذه الجزيرةُ بأيدي المسلمين إلى سنة 350هـ
بعد مُكاتَبةِ الحُسَينِ بنِ خرميل، والي هراة، خوارزمَ شاه، ومراسَلَتِه في الانتماءِ إليه والطاعة له، تَرَكَ طاعةَ الغورية، وخِداعه لغياث الدين، ومغالطته له بالخُطبة له والطاعة؛ انتظارًا لوصولِ عسكر خوارزم شاه، ووصل عسكَرُ خوارزم شاه، فلَقِيَهم ابن خرميل، وأنزلهم على بابِ البلد، فقالوا له: قد أَمَرنا خوارزم شاه ألَّا نُخالِفَ لك أمرًا، فشَكَرَهم على ذلك، وكان يخرج إليهم كلَّ يَومٍ، وأقام لهم الوظائِفَ الكثيرةَ.
كان العثمانيون قد حاصروا فيينا وكادوا يفتحونها لولا أن الصليبيين تحالفوا بفعل نداءات البابا لهم، فقاموا بالتكالب على الدولة العثمانية كلٌّ من طرف، فوصلت القوات من كل مكان من بولونيا وبافاريا الألمان إلى فيينا لفك الحصار، ثم بعد فك الحصار عقد البابا حلفًا مع الروس والألمان والبولنديين والبنادقة على طرد العثمانيين من المجر، فقامت كل دولة بالهجوم على الدولة العثمانية من طرق؛ لتشتيت قواها، فاستطاع الألمان أن يستعيدوا منها بودا بست في هذا العام.