هو المَلِكُ العادِلُ سَيفُ الدين أبو منصور عليُّ بنُ إسحاق المعروف بابن السلار، وزيرُ الظَّافِرِ العُبَيدي صاحِبِ مِصرَ، كان من أمراء الأكراد، وكان تربيةَ القَصرِ بالقاهرة، وتقَلَّبَت فيه الأحوالُ في الولايات بالصَّعيدِ وغَيرِه إلى أن تولى الوزارةَ للظَّافِرِ في رَجَب سنة 543. بعد أن تغَلَّبَ على ابنِ مصال وانتزَعَ منه الوزارةَ واستَمَرَّ العادِلُ في الوزارة إلى أن قُتِلَ، وكان ابنُ السلار مِن الأبطالِ المَشهورينَ شَهمًا مِقدامًا، عَمَرَ بالقاهرة مساجِدَ، وكان سُنِّيًّا مُسلِمًا حَسَنَ المُعتَقَدِ شافعيًّا، خَمَدَ بولايته ثائِرةَ الرَّفضِ بمِصرَ، مائلًا إلى أرباب الفَضلِ والصَّلاحِ؛ فقد احتَفَلَ بالحافِظِ أبي طاهرٍ السَّلفي لَمَّا ورد عليه بثغر الإسكندريةِ، وزاد في إكرامه، وعَمَرَ له هناك مدرسةً فَوَّضَ تَدريسَها إليه، وكان مع هذه الأوصافِ ذا سيرةٍ جائرةٍ، وسَطوةٍ قاطِعةٍ، يُؤاخِذُ النَّاسَ بالصَّغائِرِ والمُحَقَّراتِ، وكان قد وصَلَ مِن إفريقيَّةَ إلى الدِّيارِ المِصريَّة أبو الفتوح بن يحيى سنة 509، فسار إلى الديارِ المِصريَّة ومعه زوجته بلارة ابنةُ القاسم بن تميم بن المعز بن باديس، وولَدُه عباس وهو صَغيرٌ يَرضَعُ. نزل أبو الفتوح بالإسكندرية، فأقام بها مُدَّةً يسيرة، ثم توفِّيَ فتَزَوَّجَت امرأتهُ بلارة بابنِ السَّلار وأقامت عنده زمانًا، ثمَّ تَزَوَّجَ ابنُها العباس بمصرَ ورُزِقَ ولدًا سَمَّاه نصرًا، فكان عند جَدَّتِه بلارة في دار العادِلِ، والعادِلُ يحنو عليه ويُعِزُّه، ونَصرًا هذ هو الذي قَتَلَ العادِلَ على فِراشِه يومَ الخميس سادس المحرم بدار الوَزارة بالقاهرة بتدبيرٍ مِن والِدِه العَبَّاس وأسامة بن منقذ، وقيل: إنه قتل يوم السبت حادي عشر المحرم, وهذا نَصرُ بنُ عباس هو الذي قَتَلَ أيضًا حاكِمَ مِصرَ الظَّافِرَ إسماعيلَ بنَ الحافِظِ العُبَيدي.
في أوَّلِ شَهرِ رَجَب قَدِمَ الخَبَرُ بوصول رسل الفرنج إلى ميناء الإسكندرية، وأنهم طلبوا رهائِنَ عندهم، حتى يَنزِلوا من مراكِبِهم ويَرُدُّوا رسالتَهم، فلم تؤمَنْ مَكيدتُهم، واقتضى الحالُ إجابَتَهم، فأُخرِجَ مِن سجن الوافي- المعروف بخزانة شمايل- جماعةٌ وَجَب قَتْلُهم، وغُسلوا بالحمَّام، وأُلبِسوا ثيابًا جميلةً، وسافروا إلى الإسكندرية، فأكرَمَهم النائب، وأشاع أنَّهم من رُؤساء الثغر، وبَعَث بهم إلى الفرنجِ، وشَيَّعَ خَلفَهم نساءً وصِبيانًا يَصيحونَ ويَبكونَ، كأنَّهم عيالُهم، وهم يخافون الفِرنجَ عليهم، فمشى ذلك على الفِرنجِ، وعلى أهل الثَّغرِ لانتظامِ حالِ المملكة، ومُلَّاك أمرها، وجودة تدبيرها، فتسَلَّم الفرنجُ الجماعةَ ونَزَلت رسلُهم من المراكب، وقَدِموا إلى قلعةِ الجَبَل، وقد عدى السلطانُ إلى سرحة كوم برا بالجيزة، فحُملوا إلى هناك، وجلس لهم الأميرُ يلبغا الأتابك، وقام الأمراءُ والحُجَّاب بين يديه وأُدخِلوا عليه فهالهم مَجلِسُه، وظنُّوا أنه السُّلطانُ، فقيل لهم هذا مملوكُ السلطان، فكشفوا عن رؤوسِهم، وخَرُّوا على وجوهِهم يُقَبِّلون الأرض، ثم قاموا ودنوا إليه وناولوه كتابَ مَلِكِهم، وقدَّموا هديَّتَه إليه، ففَرَّقَ ذلك بحضرتِهم فيمن بين يديه، واختارَ منه طستًا وأبريقًا من ذهب، وصندوقًا لم يُعرَفْ ما فيه، وتضَمَّنَت رسالتُهم أنهم في طاعة السلطان ومساعِدُوه على متمَلِّك قبرص، حتى تُرَدَّ الأسرى التي أُخِذَت من الإسكندرية، ويُعَوَّض المال وسألوا تجديدَ الصلحِ، وأن يمَكِّنَ تجَّارَهم من قدوم الثغر، وأن تُفتَحَ كَنيسةُ القيامة بالقُدس، وكانت قد أُغلِقَت بعد واقعة الإسكندرية، فأجابهم بأنه لا بُدَّ مِن غزو قبرص وتخريبها، ثمَّ أُخرجوا، فأقاموا بالوطاق ثلاثةَ أيام، وحملوا إلى دار الضيافةِ بجوار قلعة الجبل، فلما عاد السلطانُ مِن السرحة وقَفوا بين يديه وقَدَّموا هديَّتَهم، وأدَّوا رسالتَهم، فلم يُجابوا وأعيدوا إلى بلادِهم خائبينَ.
تاج محل بالهند هو مَعلَم معماري هندي يقع في آكرا، يعتبر من أكبر الشواهد على الفنون والعمارة في العهد المغولي. شُيِّد الضريح تخليدًا لذكرى أرجونمد بانو باكام، والتي اشتهرت بلقب ممتاز محل، وكانت هي الزوجة المحظية لدى السلطان شاه جهانكير, والتي توفيت سنة 1631م أثناء إحدى الحملات العسكرية ويقع ضريحها بالقرب من ضريح زوجها الذي توفي سنة 1666م، وتطلَّب تشييد هذا المعلم عشرين عامًا وتجنيد أكثر من عشرين ألف رجل، ويبلغ ارتفاع الضريح المبنى الرئيسي 73 مترًا، نقشت عليه آيات قرآنية، وبعض الرسومات البارزة والتي تعتبر مرجِعًا لدراسة فن الرسم في الهند أثناء العهد المغولي. ينتصب الضريح على منصة مربعة، وعلى كل جانب منها منارة دائرية. إلى يمينه شيِّد مسجد صغير، وإلى اليسار ينتصب مبنى يقال له جواب، أوجد لإحداث توازن (مع المسجد) في الشكل العام للضريح، ولا تقام فيه الصلوات لأنه ليس باتجاه القبلة، بينما تقام في المسجد الآخر الذي يقع في جهة اليسار. يتم الولوج إلى الضريح بعد العبور على الحدائق الواقعة داخل مساحة مطوقة تتخللها بوابة كبيرة. جمعت المساجد والأضرحة الأخرى- للزوجات الأقل حظًّا- بالقرب من المكان. يُوجد النُّصُبان التذكاريان لكل من ممتاز محل وشاه جهان في قاعة ثُمانية الأضلاع، أُنجزت النقوش التي توجد عليهما بطريقة متقنة، وتمت إحاطتهما بستائر مخرومة ومطعمة بالمرمر والأحجار الكريمة. لا يعرف بالضبط صاحب هذا العمل، إلا أنه يرجح أن يكون المهندس المعماري أستاذ عيسى (هو من أصول تركية أو فارسية) إلى جانب خان رومي الذي أشرف على أعمال بناء القبة، ورانمال الذي قام بتخطيط الحدائق.
بعد استيلاء العثمانيين على قلعة نوهزل النمساوية، وسَّطَ ليوبولد إمبراطورُ النمسا البابا إسكندرَ السابِعَ في طلبه المساعدة له من ملك فرنسا- الذي كان قد عرض على ليوبولد قبل حصار العثمانيين لقلعة نوهزل إمدادَه بأربعين ألفًا من الألمان المحالفين له، فأبى خوفًا من إظهار الضعف- فسعى البابا جهدَه لدى ملك فرنسا حتى قَبِلَ بإرساله ستة آلاف جندي فرنساوي وأربعة وعشرين ألفًا من محالفيه الألمان، وانضم هذا الجيش إلى الجيش النمساوي تحت قيادة الكونت دي كوليني، وابتدأت المناوشات بين الجيشين المتحاربين، فقُتل الكونت دي القائد العام النمساوي، وخلفَه القائدُ مونت كوكوللي، وكان قد انضم إلى الجيش الفرنساوي عدد عظيم من شبان الأشراف, وفي بداية القتال كان النصر حليفًا للعثمانيين فاحتل كوبريلي أحمد باشا مدينة سرنوار وعسكر على شاطئ نهر يقال له نهر راب والأعداء معسكرون أمامه، وبعد أن حاول كوبريلي عبور النهر صده الجيش النمساوي الفرنساوي, فجمع كل قواه في يوم 8 محرم سنة 1075 وعبر النهر عنوة وانتصر على قلب جيش العدو، ولولا تدخل الفرنساويين وخصوصًا الأشراف منهم، لتم النصر للعثمانيين, وانتهى اليوم بدون انتصار تام لأحد الفريقين؛ فإن العثمانيين حافظوا على مراكزهم بدون تقدم للأمام، وسميت هذه الواقعة بواقعة سان جوتار نسبة لكنيسة قديمة حصلت الحرب بالقرب منها، وبعد تبادل المخابرات بين الطرفين توصلا للصلح وأُبرمت معاهدة بينهما أهم ما نصت عليه إخلاء الجيش العثماني لإقليم ترنسلفانيا وتعيين أبافي حاكمًا عليها تحت سيادة الدولة العثمانية، وتقسيم بلاد المجر بين الدولتين بأن يكون للنمسا ثلاث ولايات، وللباب العالي أربعة، مع بقاء حصني نوفيجراد ونوهزل تابعين للدولة العلية العثمانية!
انتقلت قيادةُ الثورة في داغستان ضِدَّ الروس إلى الشيخ الإمام شامل بن دنكاو الداغستاني، وكان قد صَحِبَ منذ صغره الشيخَ المجاهد محمد الكمراوي قائدَ الثورة الأول في رحلته العلمية، وعكف معه على العلم والعبادة، والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، حتى قامت الثورةُ المباركة وكان الإمامُ شامل الذراعَ الأيمن لمحمد الكمراوي، وقائد جيوشه وشريكه في الأمور حتى ليلة استشهاده، ثم اشترك مع القائد الثاني حمزة بك علي حتى استشهاده أيضًا، فأجمع الناسُ على تولية الشيخ الإمام شامل قيادة الثورة، ومن يومها أصبح اسمُه الإمام شامل. حمل على عاتقِه إحياءَ الدين الإسلامي ونَشْر العلم، وتطبيق الشريعة، وإقامة العدل، وتطهير المجتمع من الآثار المرذولة التي خَلَّفها الاحتلال الروسي للبلاد، وجاءت خطواتُ الإمام شامل لتحقيقِ هذا الهدف بالقضاء على المنافقين؛ حيث قام بتطهير المجتمَعِ الداغستاني من العُملاء والموالين للاحتلال الروسي، ثم ضَمَّ الشيشان مع داغستان؛ حيث لم يكن هدفُ الإمام شامل تحرير داغستان فقط من الاحتلال الروسي، بل كان يهدفُ لتطهير منطقة القوقاز بأسْرِها من الروس، واستعادة الحُكم الإسلامي عليها مرةً أخرى؛ لذلك عَمِلَ الإمامُ شامل على توسيعِ قاعدة الدولة الإسلامية، فانتقل بالثورةِ إلى الشيشان، وصار قوة كبيرة يُخشى بأسُها، وأنزلت هذه القوةُ العديدَ من الهزائمِ المدوِّية على الجيش الروسي، خاصةً في معركة ويدانو سنة 1251هـ التي قُتِل فيها ستة آلاف صليبي روسي، ولقد انضمَّ للإمام شامل مجموعةٌ من العلماء العاملين المجاهدين المخلِصين، كما انضم له الكثيرُ مِن الشيشان، وانضَمَّ له من قبائل الشركس واللاز والأبخاز وغيرهم من أهل منطقة القوقاز، وبَقُوا يقاتِلون معه.
في الوقت الذي كان الشريف حسين بن علي أميرُ مكة ما زال يتفاوضُ مع السير هنري مكماهون لإعلان الثورة العربية، كانت إنجلترا تعقِدُ صفقةً جديدة مع فرنسا لتحديدِ مناطق النفوذ بينهما في البلاد العربية، منعًا لأي خلاف قد يحدثُ في المستقبل، وهذه الاتفاقية -التي عُرِفَت باسم واضعيها السير مارك سايكس الإنجليزي، والدبلوماسي جورج بيكو الفرنسي- هي جزء من اتفاقية واسعة عقدتها دول روسيا وبريطانيا وفرنسا بين بعضها لاقتسام أجزاءٍ كبيرة من أراضي الدولة العثمانية، وقد تمَّ التصديقُ عليها في شهر نيسان سنة 1916م والحرب دائرةٌ تراقُ فيها دماء العرب والمسلمين لتحقيقِ مطامِعِ الحلفاء؛ فقد عيَّنت الحكومة البريطانية مارك سايكس، وعَيَّنت فرنسا جورج بيكو قُنصُلَها في بيروت مندوبَينِ عن الدولتين ليقوما بمباحثات غايتُها الاتفاق على نصيبِ كلٍّ منهما ضِمنَ نطاق الاتفاقية الثلاثية الكبرى، وتوصَّل المندوبان إلى اتفاقٍ صادقت عليه حكومتهما في أيار 1916م واحتفظت فرنسا في هذه الاتفاقية بمساحة كبيرة من أراضي الأناضول الجنوبية وشمالي سوريا والموصل، وأما بريطانيا فاحتفظت بولايتي البصرة وبغداد ولواء كركوك إضافةً إلى القسم الجنوبي من سوريا الطبيعية (أي: فلسطين) واتفقت الدولتان على جعل فلسطين باستثناءِ منطقة النقب منطقةً تخضع لحكمٍ دولي خاص، وقضت الاتفاقيةُ كذلك على إنشاء حُكمٍ مباشر لفرنسا في الساحل السوري، وعُرِفَت بالمنطقة الزرقاء، ويصارُ إلى الاعتراف بدولة عربية مستقلَّة تحت الانتداب الفرنسي، أي: سوريا الداخلية، ومثلها في منطقة النفوذ البريطاني، أي: شرق الأردن، فحَدَّدت الدولتان مصيرَ العرب وحدهما، وحتى الشريف حسين لم تطلعه بريطانيا على اتفاقها مع فرنسا ولم تكشف هذه الاتفاقية إلا بعد الثورة الشيوعية سنة 1917م، وكانت هذه الاتفاقيةُ مقدِّمةً لإعطاء فلسطين إلى اليهود، ومن ثم تحقيق حلمِهم الصهيوني!!!
وقعت مظاهرات عنيفة في باكستان ضد الرئيس بوتو سقط خلالها حوالي 350 قتيلًا، مع آلاف الجَرْحى من جرَّاء العُنف السياسي؛ فدعا الرئيس بوتو الجيش إلى التدخُّل لمواجهة أعمال العنف، وقَمْع المظاهرات، وتأييد نظامه، إلَّا أن بعض ضُبَّاط الجيش -خاصة القادمين من إقليم البنجاب- رفضوا قمع المظاهرات والاصطدام بالشَّعْب وإطلاق النار على المتظاهرين، وكانت تلك النواة التي هيَّأت لضياء الحق -الذي كان قائدًا عامًّا للجيش- فرصةَ القيام بانقلابٍ عسكريٍّ ضد الرئيس وأعلن ضياء الحق أنَّ الجيش قام لوضع حد لحالة التدهور التي تجتاحُ البلاد، والتي عجز الرئيس بوتو عن حلِّها، وخشيةً من إقحام بوتو للجيش في السياسة واستِخْدامه في عمليات القمع. أعلن ضياء الحق أن عودة الحُكم المَدَني لباكستان ستكون بأسرَعَ ما يمكِنُ، وأكَّد أن الجيش ليست له مطامِعُ سياسية، وأنه سيحتفظ بالسُّلطة لحين إجراء الانتخابات في أكتوبر القادم. وفرَضَ ضياء الحق الأحكام العُرفية في البلاد، وحلَّ الجمعية الوطنيَّة والمجالس التشريعيَّة الإقليميَّة، وأقال حكومات الأقاليم، وشكَّل مجلسًا عسكريًّا من قادة الأسلحة الثلاثة البَريَّة والبحريَّة والجويَّة تحت رئاسته، وعندما ثبَّت ضياء الحق أقدامه بعد انقلابه ضمَّ رئاسة الدولة إلى رئاسة الحكومة، وتسلَّمهما في شوال 1398هـ / سبتمبر 1978م، وقُدم الرئيس ذا الفقار علي بوتو إلى المحاكمة بتُهمة الأمر بقتل أحد المعارضين، وانتهى الأمر بإعدام بوتو في 7 جمادى الأولى 1399هـ / 4 إبريل 1979م رغم الاستياء العالمي الشديد خاصة "إيران الخميني"؛ لأن بوتو من عائلة شيعية، ولم تُفلح محاولات طهران للوساطة مع إسلام آباد للعفو عن بوتو.
لَمَّا توفِّيَ أبو القاسمِ بنُ مكرم صاحِبُ عُمان خلَّف أربعةَ بنينَ، وهم أبو الجيش، والمهذَّب، وأبو محمد، وآخرُ صغيرٌ، فوَلِيَ بعده ابنُه أبو الجيش، وأقَرَّ عليَّ بن هطال المنوجاني، صاحِبَ جيش أبيه، وكان المهذَّب، يَطعنُ على ابنِ هطال، وبلغه ذلك، فأضمَرَ له سوءًا، فجهَّزَ له مكيدةً وجعله يكتُبُ بخَطِّه ما أظهَرَه ابنُ هطال عند أبي الجيش، وقال له: إنَّ أخاك كان قد أفسد كثيرًا من أصحابِك عليك، وتحَدَّث معي، واستمالني فلم أوافِقْه؛ فلهذا كان يذمُّني، ويقع فيَّ، وهذا خَطُّه بما استقَرَّ- يعني من أنَّه سيمنَحُه الوَزارةَ وغَيرَها إن مَكَّنَه من الأمرِ- فلمَّا رأى خطَّ أخيه أمَرَه بالقبض عليه، ففعل ذلك واعتقَلَه، ثمَّ وضَعَ عليه من خنَقَه وألقى جُثَّتَه إلى مُنخَفضٍ مِن الأرض، وأظهَرَ أنَّه سقط فمات، ثم توفِّي أبو الجيشِ بعد ذلك بيسيرٍ، وأراد ابن هطال أن يأخُذَ أخاه أبا محمَّدٍ فيولِّيَه عمان ثمَّ يقتُلَه، فلم تُخرِجْه إليه والدتُه، وقالت له: أنت تتولَّى الأمور، وهذا صغيرٌ لا يَصلُحُ لها. ففعل ذلك، وأساء السِّيرةَ، وصادر التجَّار، وأخذ الأموالَ، وبلغ ما كان منه مع بني مكرم إلى المَلِك أبي كاليجار البويهي، والعادِل أبي منصور ابنِ مافنة، فأعظما الأمر واستكبَراه، وشَدَّ العادِلُ في الأمر، وكاتَبَ نائبًا كان لأبي القاسِمِ بنِ مكرم بجبالِ عُمان يُقالُ له المرتضى، وأمَرَه بقصد ابن هطال، وجَهَّز العساكِرَ مِن البصرة لتسيرَ إلى مساعدةِ المرتضى، فجمَعَ المرتضى الخَلقَ، وتسارعوا إليه وخرجوا عن طاعةِ ابن هطال، وضَعُف أمرُه، واستولى المرتضى على أكثَرِ البلاد، ثمَّ وضعوا خادمًا كان لابنِ مكرم، وقد التحَقَ بابنِ هطال؛ لقَتْلِه، وساعَدَه على ذلك فَرَّاش كان له، فلمَّا سمع العادل بقَتلِ ابن هطال سيَّرَ إلى عُمان من أخرج أبا محمد بن مكرم، ورتبَه في الإمارةِ، وكان قد استقَرَّ أنَّ الأمر لأبي محمد في هذه السَّنة.
هو أبو طاهر يحيى بن تميم بن المعز بن باديس الحميري الصنهاجي صاحب إفريقية وما والاها, كان من خيار الملوك، عارفًا حسن السيرة، كان عادلًا في دولته ضابطًا لأمور رعيته، عارفًا بخرجه ودخله، مدبرًا في جميع ذلك على ما يوجبه النظر العقلي ويقتضيه الرأي الحكمي، وكان كثيرَ المطالعة لكتب الأخبار والسِّيَر، عارفًا بها، رحيمًا للضعفاء شفيقًا على الفقراء، يُطعِمُهم في الشدائد فيرفُق بهم، ويقرب أهل العلم والفضل من نفسه، وساس العرب في بلاده فهابوه وانكفأت أطماعهم، وكان له نظرٌ حسن في صناعة النجوم والأحكام، وكان حسنَ الوجه، وكانت ولايةُ الأمير يحيى بالمهدية خلافةً عن أبيه تميم يوم الجمعة لأربع بقين من شهر ذي الحجة سنة 497، وكان عمره ثلاثًا وأربعين سنة وستة أشهر وعشرين يومًا، وركب على العادة، وأهل دولته محتفُّون به، ورجع إلى قصره فغيَّرَ لباس أهل الدولة من الخواص والجند بخِلَعٍ سَنِية، وكانوا قد غيَّروا لباسَهم لموت أبيه، ووهب للأجناد والعبيد أموالًا كثيرة، ولما جلس يحيى للملك قام بالأمر وعدل في الرعية وفتح قلاعًا لم يتمكن أبوه من فتحها، وظهر في أيامه محمد بن تومرت الذي ادَّعى أنه المهدي المنتظر، واستفحل خطره, وفي هذه السنة وقف ليحيى ثلاثة غرباء، وزعموا أنهم يعملون الكيمياء، فأحضرهم ليتفرج عليهم في خَلوةٍ، وعنده قائد عسكره إبراهيم، والشريف أبو الحسن، فسَلَّ أحدهم سكينًا، وضرب الملك، فما صنع شيئًا، ورفسه الملك فدحرجه، ودخل مجلسًا وأغلقه، وقتل الآخر الشريف، وشَدَّ إبراهيم بسيفه عليهم، ودخل المماليك، وقتلوا الثلاثة، وكانوا باطنيةً، وقيل إن الآمر العبيدي ندبهم لذلك. توفي يحيى وله اثنتان وخمسون سنة, وخلف ثلاثين ولدًا ذكرًا, وكانت دولته ثماني سنين, وكان ولده علي نائبه على سفاقس، فأُحضِرَ وعُقِدت له الولاية، ودُفِنَ يحيى في القصر.
لَمَّا قُتِلَ عِمادُ الدين زنكي أخذَ نورُ الدين محمود ولَدُه خاتَمَه مِن يَدِه، وكان حاضِرًا معه، وسار إلى حَلَب فمَلَكَها، وكان حينئذٍ يتوَلَّى ديوانَ زنكي، ويحكُمُ في دولتِه مِن أصحابِ العمائِمِ جَمالُ الدين محمَّدُ بنُ علي وهو المنفَرِدُ بالحكم، ومعه أمير حاجِب صلاح الدين محمد الياغيسياني، فاتَّفَقا على حِفظِ الدولة، وكان مع الشَّهيدِ أتابك المَلِكُ ألب أرسلان بن السُّلطان محمود، فرَكِبَ ذلك اليومَ، وأجمعت العساكِرُ عليه، وحَضَرَ عنده جمالُ الدين وصلاح الدين، وأدخلاه الرقَّة، فبَقِيَ فيها أيامًا لا يَظهَرُ، ثم سار إلى ماكسين، فدخَلَها، وأقام بها أيامًا، وجمالُ الدين يُحَلِّفُ الأمراءَ لِسَيفِ الدين غازي بن أتابك زنكي، ويُسَيِّرُهم إلى المَوصِل، ثمَّ سار من ماكسين إلى سنجار، فاجتمَعَ أكابِرُ الدولة، وفيهم الوزيرُ جمال الدين محمَّد الأصبهاني، المعروفُ بالجواد، والقاضي كمالُ الدين أبو الفضل محمد بن الشهروزي, وقَصَدوا خيمةَ ألب أرسلان، وقالوا له: كان عِمادُ الدين زنكي غُلامَك ونحن غِلمانُك، والبِلادُ لك، وطَمَّنوا الناسَ بهذا الكلامِ, ثمَّ إنَّ العَسكَرَ افتَرَق فِرقَتَين: فطائفةٌ منهم توجَّهت بصُحبة نور الدين محمودِ بنِ عماد الدين زنكي إلى الشَّام، والطائفة الثانيةُ سارت مع ألب أرسلان وعساكِرِ الموصِلِ وديار ربيعة إلى المَوصِل، فلمَّا انتهوا إلى سنجار تخيَّلَ ألب أرسلان منهم الغَدْرَ فتَرَكَهم وهَرَب، فلَحِقَه بعضُ العَسكَرِ ورَدُّوه، فلمَّا وصلوا إلى المَوصِل وصَلَهم سيفُ الدين غازي، وكان مُقيمًا بشهرزور؛ لأنَّها كانت إقطاعَه مِن جِهةِ السُّلطان مسعود السلجوقي، مَلِك المَوصِل وما كان لأبيه من ديار ربيعة، وترتَّبَت أحوالُه، وأخذ أخوه نورُ الدين محمود حَلَب وما والاها مِن بلادِ الشَّامِ، ولم تكُنْ دمشقُ يومئذٍ لهم.
خرج السلطانُ صلاح الدين الأيوبي من دمشق في ثالث ربيع الأول, ونازل لشقيف أرنون, وكان منزعجًا لقرب انقضاء الهدنة مع بيمند صاحِبِ أنطاكيةَ، ولاجتماع الفرنجِ بصور، واتِّصال الأمداد بهم، فكانت للمُسلمين مع الفرنجِ في بلادهم الساحليَّة عِدَّةُ وقائع، قُتِلَ فيها من الفريقين عِدَّةٌ، وكثُرَ القتل في المسلمين، واشتدت نكايةُ الفرنج فيهم، فرحل السلطانُ إلى عكا، وقد سبقه الفرنجُ ونزلوا عليها. ونزل السلطان بمرج عكا وصار محاصِرًا للفرنج، والفرنجُ محاصرين للبلد. وتلاحقت به العساكِرُ الإسلامية، والأمداد تصل إلى الفرنجِ مِن البحر. فلم يقدِر السلطانُ على الوصول إلى البلد، ولا استطاع أهلُ عكا أن يصلوا إلى السُّلطان. وشرع السلطانُ في قتال الفرنج من أول شعبان، إلى أن تمكَّنَ من عكا، ودخلها في ثانيه، فما زالت الحربُ قائمةً إلى رابع رمضان. فتحَوَّل إلى الخروبة، وأغلق مَن في عكا من المسلمين أبوابَها، وحفر الفرنج خندقًا على مُعسكَرِهم حول عكا من البحرِ إلى البحر، وأداروا حولهم سورًا مستورًا بالستائر، ورتَّبوا عليه الرجال، فامتنع وصولُ المسلمين إلى عكا. وقدم العادل بعسكرِ مِصرَ في نصف شوال، ثم قَدِمَ أسطول من مصر إلى عكا في خمسين قطعة، وعليه الحاجِبُ لؤلؤ في منتصف ذي القعدة، فبدَّدَ شمل مراكب الفرنج، وظفِرَ المسلمون بطستين- سفينتين كبيرتين- للفرنج. فاستظهر المسلمون الذين بعكا، وقَوِيَ جأشهم بالأسطول، وكانوا نحو العشرة آلاف. وبعث السلطان إلى الأطراف يحثُّ الناس على الجهاد، وأرسل إلى أخيه سيف الإسلام طغتكين باليمن، يطلب منه الإعانةَ بالمال، وإلى مظفَّر الدين قر أرسلان صاحب العجم، وكتب إلى الخليفة. ووصلت الأمدادُ إلى الفرنج، وورد الخبَرُ من حلب بخروج ملك الألمان من القسطنطينيَّة في عِدَّة عظيمة تتجاوز الألف ألف، يريدون البلاد الإسلاميَّة، فاشتد الأمرُ على السلطان ومَن معه من المسلمين.
انهزم منكلي صاحب همذان وأصفهان والري وما بينهما من البلاد، ومضى هاربًا، فقُتِلَ، وسَبَبُ ذلك أنَّه كان قد ملكَ البلاد، وقتل إيدغمش فأُرسلَ إليه من الديوان الخليفي رسولٌ ينكِرُ ذلك عليه، وكان قد أوحش الأمير أوزبك بن البهلوان، صاحب أذربيجان، فأرسل الخليفةُ إليه يحَرِّضُه على منكلي ويَعِدُه النصرةَ، وأرسل أيضًا إلى جلال الدين الإسماعيلي، صاحِبِ قلاع الإسماعيلية ببلاد العجم، ألموت وغيرها، يأمرُه بمساعدة أوزبك على قتال منكلي، واستقرت القواعد بينهم على أن يكون للخليفةِ بعضُ البلاد، ولأوزبك بعضُها، ويعطى جلال الدين بعضَها، فلما استقَرَّت القواعد بينهم على ذلك جهَّزَ الخليفة عسكرًا كثيرًا، وجعل مُقَدَّمَهم مملوكَه مُظفَّر الدين سنقر، الملقب بوجه السبع، فساروا إلى همذان، فاجتمعت العساكرُ كلها فانزاح منكلي من بين أيديهم وتعلَّق بالجبال، وتبعوه، فنزلوا بسفحِ جبل هو في أعلاه بالقرب من مدينة كرج، وضاقت الميرة والأقوات على العسكر الخليفي جميعِه ومن معهم، فحَمَلوا عليه، فلم يثبُت أوزبك، ومضى منهَزِمًا، فعاد أصحابُ منكلي وصَعِدوا الجبَلَ، وعاد أوزبك إلى خيامِه، فطَمِعَ منكلي حينئذ، ونزل من الغدِ في جميع عسكرِه، واصطَفَّت العساكر للحرب، واقتتلوا أشدَّ قتال يكون، فانهزم منكلي وصعد الجبل، واستولى عسكرُ الخليفة وأوزبك على البلاد، فأعطى جلال الدين، ملك الإسماعيلية، من البلاد ما كان استقَرَّ له، وأخذ الباقي أوزبك، فسَلَّمَه إلى أغلمش مملوكِ أخيه. أمَّا منكلي فإنَّه مضى منهزمًا إلى مدينة ساوة، وبها شحنة هو صديقٌ له، فأرسل إليه يستأذنُه في الدخول إلى البلد، فأذن له، وخرج إليه فلقيه وقبَّل الأرضَ بين يديه، وأدخله البلد، وأنزله في داره، ثم أخذ سلاحَه، وأراد أن يقيِّدَه ويُرسِلَه إلى أغلمش، فسأله أن يقتُلَه هو ولا يرسلَه، فقتله، وأرسل رأسَه إلى أوزبك، وأرسله أوزبك إلى بغداد، وكان يومُ دخولها يومًا مشهودًا, ولم يتمَّ فرحة الخليفة ذلك اليوم لموت ولَدِه وولي عهده أبو الحسَنِ علي.
لَمَّا ثبت الفرنج في دمياط بثُّوا سراياهم في القرى يقتلون ويأسرون، فعظُم الخطب واشتدَّ البلاء، وندب السلطانُ الملك الكامل الناسَ وفَرَّقهم في الأرض، فخرجوا إلى الآفاق يستصرخون النَّاسَ لاستنقاذ أرض مصر من أيدي الفرنج، وشرع الكاملُ في بناء الحور –خيام من جلد أبيض- والفنادق والحمامات والأسواق بمنزلة المنصورةِ، وجهَّزَ الفرنج من حصل في أيديهم من أسارى المسلمين في البحرِ إلى عكا وبرزوا من مدينةِ دمياط يريدون أخذَ مصرَ والقاهرة، فنازلوا السلطان تجاه المنصورة، واجتمع الناسُ من أهل مصر وسائر النواحي ما بين أسوان إلى القاهرة، ونودِيَ بالنفير العام، وألَّا يبقى أحد, وذكروا أن مَلِكَ الفرنج قد أقطع ديارَ مصر لأصحابه, وأنزل الكامِلُ على ناحية شار مساح ألفي فارس، في آلاف من العربان، ليحولوا بين الفرنج وبين مرادِهم، وسارت الشواني- ومعها حراقة كبيرة- إلى رأس بحر المحلة، وعليها الأميرُ بدر الدين بن حسون، فانقطعت الميرةُ عن الفرنج من البر والبحر، وقَدِمَت النجدات للملك الكافي من بلاد الشام، وخرجت أمم الفرنج من داخل البحر تريد مدَدَ الفرنج على دمياط فوافى دمياط منهم طوائفُ لا يحصى لهم عدد فلما تكاملَ جمعُهم بدمياط خرجوا منها، وقد زُيِّنَ لهم سوءُ عمَلِهم أن يملكوا أرض مصر، ويستولوا منها على مماليكِ البسيطة كلها، فلما قدمت النجدات من المسلمين هال الفرنجَ ما رأوا، وكان قدومُ هذه النجدات في الثالث والعشرين من جمادى الآخرة سنة ثماني عشرة، وتتابع قدوم النجدات حتى بلغ عدد فرسان المسلمين نحو الأربعين ألفًا، فحاربوا الفرنج في البر والبحر، وأخذوا منهم ست شواني وجلاسة وبطسة- سفن حربية ضخمة- وأسروا منهم ألفين ومائتي رجل، ثم ظفروا أيضًا بثلاث قطائع فتضعضع الفرنجُ لذلك، وضاق بهم المقام، وبعثوا يسألون في الصُّلحِ.
كتب الأمراءُ القيمريَّة مِن دمشق إلى المَلِك النَّاصِر صلاح الدين يوسُف بن العزيز محمَّد بن الظاهر غازي بن السُّلطان صلاح الدين يوسُف بن أيوب صاحِب حلب، يحذرونَه بامتناعِهم من الحَلِف لشَجرةِ الدُّرِّ، ويحثُّونَه على المسيرِ إليهم حتى يملِكَ دمشق، فخرج من حَلَب في عساكِرِه مُستهَلَّ شَهرَ ربيع الآخر، ووصل إلى دمشقَ يوم السبت ثامِنَه، ونازلها إلى أن كان يومُ الاثنين عاشِرَه زحف عليها، ففتح الأمراءُ القيمرية له أبواب البلد وكان القائمُ بذلك من القيمريَّة الأمير ناصر الدين أبو المعالي حسين بن عزيز بن أبي الفوارس القيمري الكردي، فدخلها الناصرُ صلاح الدين هو وأصحابه بغير قتالٍ، وخلع على الأمراءِ القيمرية، وعلى الأميرِ جمال الدين بن يغمور، وقبَضَ على عِدَّة من الأمراء المماليك الصالحيَّة وسجَنَهم، ومَلَك الناصر صلاح الدين قلعةَ دمشق، وكان بها مجاهدُ الدين إبراهيم أخو زين الدين أمير جندار، فسَلَّمها إلى الناصر، وبها من المالِ مائة ألف دينار وأربعمائة ألف درهم سوى الأثاث، ففرق الناصِرُ جميعَ ذلك على الملوك والأمراء، وتسَلَّموا ما حولها كبعلبك وبُصرى والصلت وصرخد، وامتنعت عليهم الكرك والشوبك بالملك المغيثِ عمر بن العادل بن الكامل، كان قد تغلب عليهما في هذه الفتنة حين قُتِلَ المعظم توران شاه، فطلبه المصريون ليُمَلِّكوه عليهم فخاف مما حَلَّ بابنَي عَمِّه، فلم يذهب إليهم ولما استقَرَّت يد الحلبيين على دمشق وما حولها جلس الناصِرُ في القلعة وطَيَّب قلوب الناس، ثم ركبوا إلى غزة ليتسَلَّموا الديار المصرية، فبرز إليهم الجيشُ المصري فاقتتلوا معهم أشَدَّ القتال، فكُسر المصريونَ أوَّلًا بحيث إنه خُطِبَ للناصر في ذلك بها، ثم كانت الدائرة على الشاميِّين فانهزموا وأسروا من أعيانهم خلقًا كثيرًا، وعَدِمَ من الجيش الصالح إسماعيل.
في يوم الخميس التاسع عشر محرم ورد الخبَرُ بأن إقامة الحاج التي جهزت من القاهرة أُخِذَت عن آخرها، أخذها مبارك شيخ بني عقبة بمن كان معه من العرب، وأنه قتل جماعة ممن كان مع الإقامة المذكورة، منهم جارقطلو السيفي دولات باي أحد أمراء آخورية السلطان، فعظم ذلك على السلطان، وزاد توعُّكُه، وعلى الناس قاطبة، وضَرَّ أخذُ إقامة الحاج غايةَ الضرر، وأشرف غالبهم على الموت، فلما كان يوم الجمعة العشرين من المحرم وصل الحاج الرجبي، وعظيم من كان فيه زين الدين بن مزهر كاتب السر وأمير حاج الركب الأول سيباي، إلى بركة الحاج معًا، بعد أن قاست الحجاج أهوالًا وشدائد من عدم الميرة والعلوفة وقلَّة الظهر، ودخل نانق أمير الحاج من الغد، فلما كان يوم الاثنين الثالث والعشرين محرم عين السلطان الأميرَ أزبك رأس نوبة النوب الظاهري، والأمير جانبك حاجب الحجاب الأشرفي المعروف بقلقسيز، وصحبتهما أربعة من أمراء العشرات، وعدة مماليك من المماليك السلطانية؛ لقتال مبارك شيخ عرب بني عقبة ومن معه من الأعراب، وكتب السلطان أيضًا لنائب الكرك الأمير بلاط، ونائب غزة الأمير إينال الأشقر، بالمسير إلى جهة الأمير أزبك بعقبة أيلة، ومساعدته على قتال مبارك، وخرج الأميرُ أزبك بمن عيِّن معه من القاهرة في يوم الاثنين سابع صفر، وخرج نائب صفد، ونائب غزة أيضًا إلى جهة العقبة لقتال مبارك شيخ عرب بني عقبة، ووصل الخبَرُ بقدوم الأمير أزبك رأس نوبة النوب من تجريدة العقبة، بعد أن أمسك مباركًا شيخ بني عقبة، الذي قطع الطريقَ على إقامة الحجَّاج، ورسم بتسمير مبارك شيخ بني عقبة ورفقته، وكانوا أزيد من أربعين نفرًا، فسَمَّروا الجميع، وطِيفَ بهم الشوارع، ثم وسِّطوا- قتلوا- في آخر النهارِ عن آخِرِهم.