احتلَّ الفرنج حصن أفامية من بلد الشام، وسبب ذلك أن المتولي لأفامية من جهة الملك رضوان صاحب حلب أرسل إلى صاحب مصر العُبيدي الإسماعيلي، وكان يميل إلى مذهبهم، يستدعي منهم من يسلِّم إليه الحصن، وهو من أمنع الحصون، فطلب خلف بن ملاعب الكلابي -كان متغلبًا على حمص- من صاحب مصر العبيدي أن يكون هو المقيم به، وقال: إنني أرغب في قتال الفرنج وأوثرُ الجهاد. فسلموه إليه وأخذوا رهائنه، فلما ملكه خلع طاعتَهم ولم يرعَ حقهم، وأقام بأفامية يُخيف السبيل، ويقطع الطريق، واجتمع عنده كثيرٌ من المفسدين، فكثُرت أمواله، ثم إن الفرنج ملكوا سرمين، وهي من أعمال حلب، وأهلها غلاة في التشيع، فلما ملكها الفرنج تفرَّق أهلها، فتوجه القاضي الذي بها إلى ابن ملاعب وأقام عنده، فأكرمه وأحبه ووثق به، فأعمل القاضي الحيلةَ عليه، وكتب إلى أبي طاهر، المعروف بالصائغ، وهو من أعيان أصحاب الملك رضوان، ووجوه الباطنية ودعاتهم، ووافقهم على الفتك بابن ملاعب، وأن يسلِّمَ أفامية إلى الملك رضوان، وعاود القاضي مكاتبة أبي طاهر بن الصائغ، وأشار عليه أن يوافق رضوان على إنفاذ ثلاثمائة رجل من أهل سرمين، وينفذ معهم خيلًا من خيول الفرنج، وسلاحًا من أسلحتهم، ورؤوسًا من رؤوس الفرنج، ويأتوا إلى ابن ملاعب ويُظهروا أنهم غزاة ويَشكُوا من سوء معاملة الملك رضوان وأصحابه لهم، وأنهم فارَقوه، فلقِيَهم طائفة من الفرنج فظفروا بهم، ويحملوا جميع ما معهم إليه، فإذا أذِنَ لهم في المقام اتفقت آراؤهم على إعمال الحيلة عليه، ففعل ابن الصائغ ذلك، ووصل القوم إلى أفامية، وقَدِموا إلى ابن ملاعب بما معهم من الخيل وغيرها، فقبل ذلك منهم، وأمرهم بالمقام عنده، وأنزلهم في ربض أفامية، فلما كان في بعض الليالي نام الحرَّاس بالقلعة، فقام القاضي ومن بالحصن من أهل سرمين، ودلوا الحبال وأصعدوا أولئك القادمين جميعهم، وقصدوا أولاد ابن ملاعب، وبني عمه، وأصحابه، فقتلوهم، وأتى القاضي وجماعة معه إلى ابن ملاعب، فقتله وقتل أصحابه، وهرب ابناه، فقُتِل أحدهما، والتحق الآخر بأبي الحسن بن منقذ، ولما سمع ابن الصائغ خبر أفامية سار إليها، وهو لا يشكُّ أنها له، فقال له القاضي: إن وافقتَني وأقمتَ معي، فبالرحب والسعة، ونحن بحكمك، وإلا فارجع من حيث جئتَ. فأيِسَ ابن الصائغ منه، وكان أحد أولاد ابن ملاعب بدمشق عند طغتكين غضبان على أبيه، فولاه طغتكين حصنًا، وضَمِن على نفسه حِفظَ الطريق، وأخذ القوافل، فاستغاثوا إلى طغتكين منه، فأرسل إليه من طلبه، فهرب إلى الفرنج واستدعاهم إلى حصن أفامية، وقال: ليس فيه غيرُ قوت شهر، فأقاموا عليه يحاصرونه، فجاع أهله وملكه الفرنج، وقتلوا القاضيَ المتغلِّبَ عليه، وأخذوا الصائِغَ فقتلوه، وكان هو الذي أظهر مذهب الباطنية بالشام، هكذا ذكر بعضهم أن أبا طاهر الصائغ قتله الفرنج بأفامية، وقد قيل: إن ابن بديع، رئيس حلب، قتله سنة سبع وخمسمائة بعد وفاة رضوان.
في التاسع عشر من شوال قَدِمَ رسول الملك الظاهر مَجْد الدين عيسى صاحب ماردين بأن تَيْمورلنك أخذ تبريز، وبعث إليه يستدعيه إلى عنده بها، فاعتذر بمشاورة سلطان مصر، فلم يقبل منه، وقال: ليس لصاحب مصر عليك حكم، ولأسلافك دهر بهذا الإقليم، وأرسل إليه خِلعةً وصكة ينقُشُ بها الذهبَ والدنانير، ثم قدم رسول صاحب بسطام بأن تيمور قتل شاه منصور متملك أصفهان، وبعث برأسه إلى بغداد، وبعث بالخلعة والصكة إلى السلطان أحمد بن أويس متملك بغداد، فلبس الخِلعة وضرب الصكة، ثم إن تيمور مَلَكَ بغداد في يوم السبت الحادي والعشرين منه؛ وذلك أنَّ ابن أويس كان قد أسرف في قتل أمراء دولته، وبالغ في ظلم رعيته، وانهمك في الفجور؛ فكاتب أهلُ بغداد تيمور بعد استيلائه على تبريز يحثُّونه على المسير إليهم، فتوجه إليها بعساكره حتى بلغ الدربند، وهو عن بغداد مسيرة يومين، فبعث إليه ابن أويس بالشيخ نور الدين الخراساني، فأكرمه تيمور وقال: أنا أترك بغداد لأجلك, ورحل يريد السلطانية، فبعث الشيخ نور الدين كتُبَه بالبشارة إلى بغداد، وقَدِمَ في إثرها، وكان تيمور قد سار يريد بغداد من طريق آخر، فلم يشعر ابن أويس -وقد اطمأن- إلا تيمور قد نزل غربي بغداد، قبل أن يَصِلَ إليها الشيخ نور الدين، فدهش عند ذلك ابن أويس وأمر بقطع الجسر، ورحل بأمواله وأولاده وقت السَّحَر من ليلة السبت، وترك البلاد، فدخلها تيمور، وأرسل ابنه في إثر ابن أويس، فأدركه بالحلة، ونهب ماله، وسبى حريمه، وقتل وأسر كثيرًا ممن معه، ونجا ابن أويس في طائفةٍ وهم عراة، فقصد حلب وتلاحق به من تبقى من أصحابه، وأمَّا تيمور فإنه لما مَلَك بغداد صادر أهلها ثلاثَ مرات؛ في كل مرة منهم ألف تومان، وخمسمائة تومان، وكل تومان مبلغ ثلاثين ألف دينار عراقي، والدينار العراقي بقدر درهم مصر الفضة، حتى أفقرهم كلهم، وكان جملة ما أخذ منهم نحو مائة ألف ألف وخمسة وثلاثين ألف ألف درهم، بعد أن تنوَّع في عقوبتهم، وسقاهم المِلحَ والماء، وشواهم على النار، ولم يُبقِ لهم ما يستر عوراتهم، وصاروا يخرجون فيلتقطون الخِرَق من الطرقات حتى تُستَرَ عوراتهم وتُغطى رؤوسهم، ثم إنه بعث ابنه إلى الحلَّة، فوضع في أهلها السيف يومًا وليلة، وأضرم فيها النار حتى احترقت، وفني معظم أهلها ويقال: إنه قتل في العقوبة من أهل بغداد ثلاثة آلاف نفس، وبعث تيمور من بغداد العساكر إلى البصرة، فلَقِيَهم صاحبها الأمير صالح بن جولان، وحاربهم وأسر ابن تيمور، وقتل منهم خلقًا كثيرًا، فبعث إليه عسكرًا آخر في دجلة، فظفر بهم ابن جولان أيضًا، وفي التاسع عشر ذي الحجة أمر السلطان في القاهرة ومصر بتجهيز الناس للسفر لقتال تيمورلنك.
توفي الملك الكامل خليل ابن الملك الأشرف أحمد ابن الملك العادل سليمان، صاحب حصن كيفا من ديار بكر، تولى ملك الحصن بعد قتل أبيه الملك الأشرف سنة 836 على يد أعوان قرايلك, وتوفِّي هو قتيلًا بيد ولده في شهر ربيع الأول. وتولى ولده الملك من بعده، ولقِّبَ بالملك الناصر، ودام في مملكة الحصن إلى شهر رمضان من نفس السنة, فوثب عليه ابن عمه الملك حسن وقتله، وسلطن أخاه أحمد، ولقَّبه بلقب أبيه المقتول، الملك الكامل.
كان الإمامُ عبد الله والمعركةُ دائرة بينه وبين ابنِ أخيه محمد بن سعود أرسل إلى محمَّدِ ابن رشيد يستنجِدُ به ويطلب منه القدومَ لنُصرتِه فلبَّى طلَبَه فزحف إلى الرياضِ على رأسِ قوةٍ كبيرةٍ، ففرَّ أبناء سعود إلى الخَرج كعادتِهم عندما يهدِّدُهم الخطر، فدخل ابنُ رشيد الرياض وأخرج عبدَ الله من السجن بعد أن أصيبَ بمرضٍ في سجنِه، ثم عاد إلى حائل ومعه الإمامُ عبد الله، وعيَّنَ على الرياض قائِدَه سالم بن سبهان وتفاوض مع أولادِ سعود أن تبقى لهم الخَرجُ على شرطِ أن لا يعتَدُوا على الرياضِ.
أوقع ثمل متولي طرسوس بالرُّومِ وَقعةً عظيمةً، قتل منهم خلقًا كثيرًا وأسرَ نحوًا مِن ثلاثةِ آلاف، وغَنِمَ من الذهَبِ والفِضَّة والديباج شيئًا كثيرًا جِدًّا، ثم أوقع بهم مَرَّةً ثانيةً كذلك، وكتب ابنُ الديراني الأرمني إلى الرومِ يحُثُّهم على الدُّخولِ إلى بلادِ الإسلامِ ووعَدَهم النَّصرَ منه والإعانةَ، فدخلوا في جحافِلَ عظيمةٍ كثيرةٍ جِدًّا، وانضاف إليهم الأرمنيُّ فركب إليهم مُفلِحٌ غلامُ يوسُفَ بنِ أبي الساج وهو يومئذٍ نائبُ أذربيجان واتَّبَعه خلقٌ كثيرٌ مِن المتطوِّعة، فقصد أوَّلًا بلادَ ابنِ الديراني، فقتل من الأرمن نحوًا من مائةِ ألفٍ، وأسر خلقًا كثيرًا، وغنِمَ أموالًا جزيلةً، وتحصَّنَ ابنُ الديراني في قلعةٍ له هناك، وكاتَبَ الرومَ، فوصلوا إلى شميشاط، فحاصروها، فبعث أهلُها يستصرِخونَ سعيدَ بنَ حمدان نائبَ المَوصِل، فسار إليهم مُسرِعًا، فوجد الرومَ قد كادوا يفتَحونَها، فلمَّا عَلِموا بقدومه رحلوا عنها واجتازوا بمَلطية فنهبوها، ورجعوا خاسئينَ إلى بلادهم، ومعهم ابنُ نفيس المتنَصِّر، وقد كان من أهل بغداد ثمَّ تنصَّرَ بعد فشَلِ عَزلِ المُقتَدِر، وركب ابنُ حمدان في آثار القومِ، فدخل بلادَهم فقتل خلقًا كثيرًا منهم وأسر وغَنِمَ أشياءَ كثيرة.
هو الأميرُ الكبيرُ، العلَّامة فارِسُ الشام، مجدُ الدِّينِ، سلالةُ الملوك والسلاطين مؤيَّدُ الدولة، أبو المظفَّر أسامة بن الأمير مرشد بن علي بن مقلد بن نصر بن منقذ الكناني الشيزري. وُلِدَ بشيزر سنة 488. أحد الشعراء المشهورين. قيل: كان يحفظ من شعر الجاهليَّة عشرةَ آلاف بيت. قال الذهبي: "سافر إلى مصر, وكان من أمرائِها الشيعة، ثم فارقها وجرت له أمورٌ، وحضر حروبًا ألَّفَها في مجلَّدٍ فيه عبر". قال يحيى بن أبي طيئ الشيعي في (كتابه تاريخ الشيعة): "كان ابن منقذ إماميًّا، حسن العقيدة، إلَّا أنه كان يداري عن منصبه، ويُتاقي". كان ابن منقذ عُمُره تاريخًا مستقلًّا وحده، وكانت داره بدمشق، وكانت مَعقِلًا للفضلاء ومنزِلًا للعلماء، وله أشعار رائقة، ومعانٍ فائقة، ولديه عِلمٌ غزير، وعنده جُودٌ وفضل كثير، وكان من أولادِ ملوك حصن شيزر، وهذا الحِصنُ قريب من حماة، وكان لآل منقذ الكنانيين يتوارثونَه من أيام صالح بن مرداس، ثم انتقل إلى مصر فأقام بها مُدَّةً أيام الفاطميين، في وزارة العادل ابن السلار، واتصل ابن منقذ بعبَّاس الصنهاجي، فحَسَّن له قتل زوج أمه ابن السلار، فقتله، ثم ولَّاه الظافر الوزارة فاستبد بالأمرِ, ولَمَّا علم الأمراء والأجناد أنَّ قَتلَ ابن السلار مِن فِعلِ ابن منقذ، عزموا على قتله، فخلا بعباسٍ، وقال له: كيف تصبِرُ على ما أسمع مِن قَبيحِ القول؟ قال: وما ذلك؟ قال: الناسُ يزعمون أن الظافِرَ يفعَلُ بابنك نصر، وكان نصر خصيصًا بالظافر، وكان ملازمًا له ليله ونهاره، وكان من أجملِ النَّاسِ صُورةً، وكان الظافِرُ يُتَّهَم به، فانزعج لذلك عبَّاسٌ وعَظُم عليه، وقال: كيف الحيلةُ؟ قال: تقتُلُه فيذهب عنك العار، فذكر الحالَ لولده نصر، فاتَّفقا على قتلِ الظافر فقَتَله نصر, ثم عاد ابنُ منقذ إلى الشام، فقدم على الملك صلاح الدين في سنة 570, وله نَظمٌ في الذِّروة, منه ديوانُ شعر كبير، وأشعار في مدح السلطان صلاح الدين، وله كتاب لباب الآداب، والبديع، وأخبار النساء، وغيرها، وكان صلاح الدين يفَضِّل ديوانه على سائر الدواوين، وكان في شبيبته شَهمًا شجاعًا، قتل أسدًا وَحدَه مُواجَهةً. توفِّي في هذه السنة ليلة الثلاثاء الثالث والعشرين من رمضان، عن عمر ست وتسعين سنة، ودُفِن شرقي جبل قاسيون.
هو الإمامُ المنصور نجاح الدين أبو الحسن علي بن صلاح بن علي بن محمد بن علي بن أحمد بن منصور بن حجَّاج بن يوسف الحسني، الرسي المدعو بأمير المؤمنين، إمامُ الزيدية ورأسُهم.
صاحبُ صنعاء باليمن، أقام في الإمامة بعد أبيه ستًّا وأربعين سنة وثلاثة أشهر، وأضاف إلى صنعاء وصعدة عدة من حصون الإسماعيلية، أخذها منهم بعد حروب وحصار. مات في سابع صفر، فقام بعده ابنه الإمام الناصر صلاح الدين محمد بعهده إليه وبيعة الجماعة له، فمات بعد ثمانية وعشرين يومًا في الخامس والعشرين شهر ربيع الأول، فأجمع الزيدية بعده على رجل منهم يقال له صلاح بن علي بن محمد بن أبي القاسم وبايعوه، ولقَّبوه بالمهدي، وهو من بني عم الإمام المنصور، وقام بأمره قاسم ابن سنقر على أن يكون الحُكمُ له، فعارضه الإمام وصار يحكُمُ بما يؤدي إليه اجتهاده، ولا يلتفت إلى ابن سنقر، فثار عليه بعد ستة أشهر رجل يقال له محمد بن إبراهيم الساودي، وأعانه ابن سنقر، وقبضا عليه وسجناه في قصر صنعاء، ووكل به محمد بن أسد الأسدي، وقام قاسم بالأمر، فدبرت زوجةُ الإمام المهدي في خلاصِه، ودفعت إلى الأسدي الموكل به ثلاثة آلاف أوقية، فأفرج عنه، وخرج به من القصر، وسار إلى معقل يسمى ظفار، وفيه زوجة المهدي، ومضى الأسدي إلى معقل يسمى دمر، وهو من أعظم معاقل الإسماعيلية التي انتزعها الإمام المنصور علي بن صلاح، وأقام المهدي مع زوجته بظفار، ثم جمع الناس وسار إلى صنعاء، فوقع بينه وبين ابن سنقر وقعة، انكسر فيها الإمامُ وتحصَّن بقلعة يقال لها تلى، فلما بلغ ذلك زوجته ملكت صعدة، وأطاعها من بها من الناس، فاضطرب أمر ابن سنقر، وكان الناس مخالفين عليه، فأقام ولدًا صغيرًا وهو ابن بنت الإمام المنصور علي وأبوه من الأشراف الرسية، فازداد الناس نفورًا عنه وإنكارًا عليه، واستدعَوا الإمام المهدي إلى صعدة، فقدمها وبايعه الأشراف بيعة ثانية، حتى تم أمره، وبعث إلى أهل الحصون يدعوهم إلى طاعته، فأجابوه، وانفرد ابن سنقر بصنعاء وحدها على كرهٍ من أهلها، وبُغضٍ له.
هو المعلم أسد البحر شهاب الدين أحمد بن ماجد بن محمد السَّعْدي النجدي، من نجد عُمان، ويقال له السائح ماجد، وهو من علماءِ فنِّ الملاحة وتاريخه عند العربِ، ومِن كبارِ ربابنةِ العرب في البحر الأحمر والخليج العربي والمحيط الهندي وخليج البنغال وبحر الصين. ولِدَ ابنُ ماجد عام 821هـ بنجد عُمان في عائلة تهتمُّ بركوب البحر، فكان أبوه وجَدُّه ملاحَينِ مشهورين، ولابن ماجد الفضلُ في إرساء قواعد الملاحة للعالم، وقد بقيت آراؤه وأفكاره في مجال الملاحة سائدةً في كلٍّ من البحر الأحمر والخليج العربي وبحر الصين. وهو أوَّلُ من كتب في المرشدات البحرية الحديثة، وصنَّف (الفوائد في أصول علم البحر والقواعد)، وأرجوزةً سمَّاها (حاوية الاختصار في أصول علم البحار) و(الأرجوزة السبعية) و(القصيدة المسماة بالهدية) و(أرجوزة بر العرب في خليج فارس)، و(المراسي على ساحل الهند الغربية) ورسائلَ أخرى. أما ما أُشيع من أنَّ ابن ماجد أرشد قائِدَ الأسطول البرتغالي فاسكو دي غاما إلى طريقِ الهند: فهو باطِلٌ وغير صحيحٍ، قال أحمد علاونة: "هو قول باطل مدارُه على النهروالي في كتابه (البرق اليماني في الفتح العثماني) وقد ذكر هذه الأسطورةَ بعد ثمانين سنة من حدوثِها، ولم يذكر أيُّ مؤرِّخٍ بعد النهروالي هذه الأسطورة، ثم جاء المستشرق فران عام 1922 ونفخ فيها من روحِه وتابعه عليها كثيرون منهم الزِّركْلي" وقد أورد العلاونة بعض الأدلة على بطلان إرشاد ابن ماجد لفاسكو دي غاما منها: أ- أن الروايةَ ذكَرت أنَّ ابن ماجد أرشد دي غاما وهو سكران، وهذا غير معقول أن يطمئنَّ قائد عسكري لفاقد الوعي ليدلَّه على طريق محفوف بالمخاطر. ب- لم تكن لابن ماجد خبرةٌ في الساحل الإفريقي. ج- لم يرد ذكر هذه الحادثة في أي من أعمال ابن ماجد النثرية والشعرية. د- كان ابن ماجد يعرِفُ حَقَّ المعرفة نوايا البرتغاليين وما يضمرونه من شَرٍّ للمسلمين. ه- لا يوجد مؤرِّخٌ برتغالي ممَّن عاصروا دي غاما وعُنُوا بتاريخ رحلاته أو ممَّن جاؤوا على آثارهم ذكروا أحمد بن ماجد. و- عاصر وصول البرتغاليين إلى المحيط الهندي عددٌ من المؤرخين العرب، ومنهم من عاصر ابن ماجد، ولم يذكُرْ أيٌّ منهم صلةَ ابن ماجد بالبرتغاليين.
لمَّا بُويِعَ لابنِ الزُّبير بالخِلافَة، وقَدِمَ الحُصينُ بن نُميرٍ ومَن معه إلى الشَّام أَخْبَرَ مَرْوانَ بما كان بينه وبين ابنِ الزُّبير، وقال له ولِبَنِي أُمَيَّة: نَراكُم في اخْتِلاطٍ فأقيموا أَميرَكُم قبلَ أن يَدخُلَ عليكم شامَكُم، فتكون فِتنَة عَمْياء صَمَّاء. وكان مِن رَأْيِ مَرْوان أن يَسيرَ إلى ابنِ الزُّبير فيُبايِعهُ بالخِلافَة، فقَدِمَ ابنُ زيادٍ مِن العِراق وبَلغَهُ ما يَريدُ مَرْوانُ أن يَفعلَ، فقال له: قد اسْتَحْيَيْتُ لك مِن ذلك، أنت كبيرُ قُريشٍ وسَيِّدُها تَمضي إلى أبي خُبَيبٍ فتُبايِعهُ -يعني ابنَ الزُّبير- فقال: ما فات شيءٌ بعدُ. فقام معه بنو أُمَيَّة ومواليهم وتَجمَّع إليه أهلُ اليَمنِ فسار إلى دِمشقَ وهو يقول: ما فات شيءٌ بعدُ، فقَدِمَ دِمشقَ وجَهَّزَ جُيوشًا لِيُثَبِّتوا له البَيْعَة فثَبَّتَ حُكْمَهُ بالشَّامِ, ثمَّ أرسَل جيشًا آخرَ للعِراق لِيأخُذ له البَيْعَة. ولكن لم تَدُمْ مُدَّةُ حُكمِه طويلًا، فقد تُوفِّي بعدَ تِسعَة أَشْهُر.
جمع ابنُ وثَّاب النميري جمعًا كثيرًا من العَرَبِ وغيرِهم، واستعان بمَن بالرَّها مِن الرُّومِ على المُسلِمينَ، فسار معه منهم جيشٌ كثيفٌ، وقصَدَ بلَدَ نصرِ الدَّولة أحمدَ بنِ مروان الكردي صاحِبِ ديارِ بكر، ونهب وأخرب. فجمَع ابنُ مروان جموعَه وعساكِرَه واستمَدَّ قرواشًا أميرَ بني عقيلٍ وغَيرَه، وأتته الجنودُ مِن كلِّ ناحية، فلما رأى ابنُ وثاب ذلك وأنَّه لا يتِمُّ له غَرَضٌ عاد عن بلادِه، وأرسل ابنُ مروان إلى ملِك الرُّومِ يعاتِبُه على نَقضِ الهُدنةِ وفَسْخِ الصُّلحِ الذي كان بينهما، وراسل أصحابَ الأطرافِ يَستنجِدُهم للغَزاة، فكَثُر جمعُه من الجند والمتطَوِّعة، وعزم على قَصْدِ الرَّها ومحاصَرتِها، فوردت رسُلُ ملك الروم يعتَذِرُ، ويحلِفُ أنَّه لم يعلمْ بما كان، وأرسَلَ إلى عسكَرِه الذين بالرَّها والمُقَدَّم عليهم يُنكِرُ ذلك، وأهدى إلى نصرِ الدَّولة هديةً سَنِيَّةً، فترك ما كان عازمًا عليه من الغَزوِ، وفرَّق العساكِرَ المجتَمِعةَ عنده.
قصد صلاحُ الدين بلَدَ ابنِ ليون الأرمني، وسَبَبُ ذلك أنَّ ابن ليون الأرمني قد استمال قومًا من التركمان وبذل لهم الأمانَ، فأمرهم أن يَرعَوا مواشِيَهم في بلاده، وهي بلاد حصينةٌ كلُّها حصون منيعة، والدخول إليها صعب؛ لأنها مضائق وجبال وَعِرة، ثم غدر بهم وسبى حريمَهم، وأخذ أموالهم، وأسرَ رجالهم بعد أن قَتَل منهم، فسار صلاح الدين على النَّهر الأسود، وبثَّ الغارات على بلاده، فخاف ابنُ ليون على حِصنٍ له على رأس جبل أن يؤخَذَ فخَرَّبه وأحرقه، فسَمِعَ صلاح الدين بذلك، فأسرع السير إليه، فأدركه قبل أن ينقل ما فيه من ذخائِرَ وأقوات، فغَنِمَها، وانتفع المسلمون بما غَنِموه، فأرسل ابن ليون يبذلُ إطلاق ما عنده من الأسرى والسَّبي وإعادة أموالهم على أن يعودوا عن بلاده، فأجابه صلاح الدين إلى ذلك واستقَرَّ الحال، وأُطلق الأسرى وأُعيدت أموالهم، وعاد صلاحُ الدين عنه في جمادى الآخرة.
هو السلطان أبو سعيد عثمان بن السلطان أبي العباس أحمد ابن السلطان أبي سالم إبراهيم ابن السلطان أبي الحسن علي بن عثمان بن يعقوب بن عبد الحق المريني الفاسي ملك الغرب وصاحب فاس. توفي قتيلًا في ليلة الثالث عشر شوال، قتله وزيره عبد العزيز اللباني، وكانت مدته ثلاثًا وعشرين سنة وثلاثة أشهر، وأقيم ولده عبد الحق خلفًا له مع أنه ما يزال صبيًّا، وكان الوصيُّ عليه الوزير أبا زكريا يحيى الوطاسي، فكان هو الحاكم، ويعتبر أبو سعيد آخر ملوك بني مرين؛ ففي ذي الحجة سار أبو زيان محمد بن أبي طريق محمد ابن السلطان أبي عنان من تازي، وكان ابن الأحمر قد بعث به من الأندلس لأخذ فاس، فنزل عليها وبايعه الشيخ يعقوب الحلفاوي الثائر بمدينة فاس، بمن اجتمع معه من أهل البلد، وقاتلوا اللباني أربعة أشهر.
بعد انتهاءِ أبي مروان عبد الملك ابن الشيخ السعدي من ضَمِّ فاس, تقدَّم إلى البلاد المراكشية قاصدًا حرب ابن أخيه محمد المتوكل على الله وتشريده عنها، ولما سَمعَ ابنُ أخيه بخروجه إليه وقصْده إياه، تهيأ لملاقاته وسار إلى منازلته، فالتقى الجمعان بموضعٍ يسمى خندق الريحان، على مقربة من وادي شراط من أحواز سلا، فكانت الهزيمة أيضًا على المتوكل على الله، وتبعه عمُّه أبو العباس أحمد المنصور خليفةُ أخيه أبي مروان يومئذ، فلما سمع المتوكل باتباعِه بعد بلوغِه إلى مراكش فرَّ عنها إلى جبل درن، وأسلم له مراكش، فدخلها أحمد نائبًا عن أخيه وأخذ له البيعةَ على أهلها، ثم لحق به السلطانُ أبو مروان فدخلها يوم الاثنين تاسع عشر ربيع الثاني من هذه السنة، وأقام بها أيامًا ثم خرج في طلب ابن أخيه، فعَمِيَت عليه أنباؤه! فعاد أبو مروان إلى مراكش وأقام بها.
هو الشاه محمد بن عباس القاجاري الشيعي، شاه إيران في الفترة من 23 أكتوبر 1834 إلى وفاته سنة 1848، ينتمي إلى سلالة القاجاريين التي حكمت بلاد فارس بين عامي 1779 و1925. وهو ابنُ عباس ميرزا، ابن فتح علي شاه وولي عهده. خلَفَ محمد شاه جَدَّه في الحكم. ثم ثار عليه عمُّه علي ميرزا. توفِّيَ محمد شاه يوم الثلاثاء 6 شوال من هذا العام ودام ملكُه أربع عشرة سنة وثلاثة أشهر، وكان ابنه ناصر الدين ميرزا ولي العهد الذي تولى بعد وفاة والده ملك إيران.