وردت فِكرةُ تقسيم فلسطين إلى دولتين إسلامية ويهودية مع تحديدِ منطقة دولية حول القدس في تقريرِ لجنة پيل الملكية البريطانية عام 1937م، وتقرير لجنة وود هيد من 1938، وصدر هذان التقريران عن لجنتين تم تعيينُهما على يد الحكومة البريطانية لبحثِ قضية فلسطين إثرَ الثورة الفلسطينية الكبرى التي دارت بين السنوات 1933 و1939م. بعد الحربِ العالمية الثانية وإقامة هيئة الأمم المتحدة بديلًا لعصبة الأمم، طالبت الأممُ المتحدة بإعادةِ النظر في صكوكِ الانتداب التي منحَتْها عصبة الأمم للإمبراطوريات الأوروبية، واعتبرت حالةُ الانتداب البريطاني على فلسطين من أكثَرِ القضايا تعقيدًا وأهميةً. وقامت هيئةُ الأمم المتحدة بمحاولة لإيجادِ حَلٍّ للنزاع الإسلامي/ اليهودي القائم على فلسطين، وقامت هيئةُ الأمم بتشكيل لجنة خاصةٍ مَعنيَّة بدراسة حكومة فلسطين المستقبلية بطلبٍ مِن بريطانيا عُرِفَت هذه اللحنة باسم "UNSCOP" والمتألِّفة من دول متعدِّدة باستثناء الدُّوَل دائمة العضوية لضمان الحياد -بزعمهم- في عملية إيجاد حلٍّ للنزاع. قامت اللجنةُ بطرح مشروعَينِ لحَلِّ النزاع، تمثَّل المشروعُ الأولُ بإقامة دولتين مستقلَّتين، وتُدار مدينة القدس من قِبلِ إدارة دولية. وتمثَّل المشروع الثاني في تأسيس فيدرالية تضمُّ كلًّا من الدولتين اليهودية والإسلامية. ومال معظمُ أفراد اللجنة تجاه المشروع الأول والرامي لتأسيس دولتين مستقلَّتين بإطار اقتصادي موحَّد. وقامت هيئة الأمم المتحدة بقَبولِ مشروع اللجنة الدَّاعي للتقسيم مع إجراءِ بعض التعديلات على الحدودِ المشتركةِ بين الدولتين، على أن يسريَ قرار التقسيم في نفسِ اليوم الذي تنسَحِبُ فيه قوات الانتداب البريطاني من فلسطين. أعطى قرار التقسيم 55% من أرض فلسطين للدولة اليهودية، وشملت حصَّةُ اليهود من أرض فلسطين على وسط الشريط البحري (من إسدود إلى حيفا تقريبًا، ما عدا مدينة يافا) وأغلبية مساحة صحراء النَّقب (ما عدا مدينة بئر السبع، وشريط على الحدود المصري). واستند مشروعُ تقسيم الأرض الفلسطينية على أماكنِ تواجد التَّكتُّلات اليهودية بحيث تبقى تلك التكتُّلات داخِلَ حدود الدولة اليهودية.
في عاشر جمادى الآخرة خرجت التجريدة- جيش بدون رجالة- من مصرَ إلى قتال العشير والعُربان، وسببه كثرةُ فسادهم ببلاد القُدس ونابلس، وكان قد قُبِضَ على أدى بن فضل أمير جرم، وسُجِن بقلعة الجبل، ثم أُفرِجَ عنه بعناية الوزير منجك، فجمع أدى وقاتل سنجر بن علي أمير ثعلبة، فمالت حارثة مع أدى، ومالت بنو كنانة مع سنجر، وجرت بينهم حروبٌ كثيرة، قُتِلَ فيها خلائق، وفسدت الطرقاتُ على المسافرين، فخرجت إليهم عساكِرُ دمشق، فلم يَعبؤوا بهم، فلمَّا وَلِيَ الأمير يلجك غزة استمال أدى بعد أيام، وعَضَّده على ثعلبة، واشتدت الحروب بينهم، وفسدت أحوالُ الناس، فركب يلجك بعسكر غزة ليلًا، وطرَقَ ثعلبة، فقاتلوه وكَسَروه كسرةً قبيحة، وألقَوه عن فرسه إلى الأرض، وسَحَبوه إلى بيوتهم فقام سنجر بن علي أمير ثعلبة عليهم حتى تركوا قَتْلَ يلجك، بعد أن سَلَبوا ما عليه، وبالَغوا في إهانته، ثم أفرجوا عنه بعد يومينِ، فعاد يلجك إلى غزة، وقد اتَّضَع قَدرُه وتَقَوَّى العشير بما أخذوه من عسكره، وعَزَّ جانبهم، فقصدوا الغور، وكبسوا القصيرَ المعيني، وقتلوا به جماعةً كثيرة من الجبلية وعمال المعاصر، ونهَبوا جميعَ ما فيه من النقود والأعمال والعسكر وغيره، وذبحوا الأطفالَ على صدر الأمهات، وقطعوا الطُّرُقات، فلم يَدَعوا أحدًا يمر من الشام إلى مصر حتى أخَذوه، وقصدوا القدس، فخلى الناسُ منه ثم قصدوا الرملةَ ولِدَّ فانتهبوها، وزادوا في التعدي، وخرجوا عن الحد، فوقع الاتفاقُ على ولاية الأمير سيف الدين دلنجي نيابة غزة، وأبقى على إقطاعه بمصر، وخلع عليه وأخرج إليها وكَتَب بخروج ابن صبح من دمشق على ألفي فارس، وتجهَّز الوزير منجك ومعه ثلاثةُ أمراء من المقَدَّمين في يوم السبت الرابع عشر، وبينما الوزير ومن معه في أُهبة السفر إذ قدم الخبر أن الأمير قطيلجا توجَّه من حماة إلى نيابة حلب، عوضًا عن الأمير أرقطاي, وقد قَدَّم الوزير النجابةَ لكشف أخبار العشيرة، فلما رحل عن بلبيس عادت نجابتُه بأن ثعلبة ركبت بأجمعها، ودخلت بريَّة الحجاز، لَمَّا بلَغَهم مسير العسكر إليهم، فنهب أدى بن فضل كثيرًا منهم، وانفرد في البلاد بعشيرة، فعاد الوزيرُ بمن معه، وعبَرَ القاهرة في الثاني عشر بعد أربعة أيام، ثم في مستهَلِّ رجب قَدِمَ الخبر بأن الأمير دلنجي نائب غزة بلغه كثرةُ جميع العشيرة، وقَصْدهم نهب لد والرملة، فركب إليهم ولقيهم قريبًا من لد، منزل تجاههم، وما زال يراسِلُهم ويخدعهم حتى قدم إليه نحو المائتين من أكابِرِهم، فقبضهم وعاد إلى غزة، وقد تفَرَّق جمعهم، فقدم الأمير قبلاي غزة، واحتال على أدى حتى قدم عليه، فأكرمه وأنزله، ثم ردَّه بزوادة إلى أهلِه فاطمأنت العشرات والعُربان لذلك، وبقُوا على ذلك إلى أن أهلَّ رمضان، ثم حضر أدى في بنى عَمِّه لتهنئة قبلاي بشهر الصومِ، فساعة وصوله إليه قُبِضَ عليه وعلى بني عمه الأربعة، وقَيَّدَهم وسَجَنَهم، وكتب إلى سنجر بن علي: "بأني قد قبضت على عدوِّك ليكونَ لي عندك يدٌ بيضاء، فسُرَّ سنجر بذلك، وركب إلى قبلاي، فتلقَّاه وأكرمه، فضَمِنَ له سنجر درك البلاد، ورحل قبلاي من غده ومعه أدى وبنو عمه يريد القاهرة، فقدم في يوم الاثنين حادي عشر، فضربوا على باب القلة بالمقارع ضَربًا مبرحًا وألزم أدى بألفِ رجل ومائتي ألف درهم، فبَعَث إلى قومه بإحضارها، فلما أُخِذَت سُمِّرَ هو وبنو عمه في يوم الاثنين خامس عشر وقت العصر، وسُيِّروا إلى غزة صحبة جماعةٍ من أجناد الحلقة، فوُسِّطوا- قُتلوا- بها، فثار أخو أدى، وقَصَد كبس غزة، فخرج إليه الأميرُ دلنجي ولَقِيَه على ميل من غزة، وحاربه ثلاثة أيام، وقتَلَه في اليوم الرابع بسَهمٍ أصابه، وبعث دلنجي بذلك إلى القاهرة، فكتب بخروج نائب صفد ونائب الكرك لنجدته.
استولى المَلِكُ الرَّحيم البويهي الدَّيلمي الشِّيعي على مَدينةِ أرجان، وأَطاعهُ مَن كان بها مِن الجُندِ، وكان المُقَدَّمُ عليهم فولاذ بن خُسرو الدَّيلمي، وكان قد تَغلَّب على جِوارِها مِن البِلادِ إِنسانٌ مُتَغَلِّبٌ يُسمَّى خشنام، فأَنفذَ إليه فولاذ جَيشًا فأَوقَعوا به وأَجْلَوْهُ عن تلك النَّواحي، واستَضافوا إلى طَاعةِ المَلِكِ الرَّحيم، وخاف هزارسب بن بنكير من ذلك لأنَّه كان مُبايِنًا للمَلِكِ الرَّحيم، فأَرسلَ يَتَضرَّع ويَتَقرَّب، ويَسأَل التَّقَدُّمَ إلى فولاذ بإحسانِ مُجاورَتِه، فأُجِيبَ إلى ذلك.
في تاسع جمادى الآخرة بلغ الفرنجَ الخبَرُ بوصول عسكر من مصر، ومعهم قفل- حِمل كبير- فأسرى الفرنجُ إليهم، فواقعوهم بنواحي الخليل، فانهزم الجندُ، ولم يُقتَلْ منهم رجل من المشهورينَ، إنما قُتِلَ مِن الغلمان والأصحاب، وغَنِمَ الفرنج خيامَهم وآلاتِهم، وأما القفل فإنه أُخِذَ بَعضُه، وصَعِدَ من نجا جبل الخليل، فلم يُقدِم الفرنج على اتِّباعهم، وتمَزَّقَ من نجا من القفل، وتقَطَّعوا، ولَقُوا شدة إلى أن اجتَمَعوا.
بعد أن تولى بلطجي محمد باشا الصدارة العظمى أعلن الحرب ضد روسيا وقاد الجيوش، فتمكن من حصار القيصر ومعه خليلته كاترينا الأولى، ومعه قرابة 200 ألف جندي، ولكن كاترينا التي قامت بإغراء الصدر الأعظم بالمال استطاعت أن تفكَّ الحصار، فنجا القيصرُ ومن معه من الإبادة أو الأسر، ووقعت معاهدة (فلكزن) في جمادى الآخرة من هذا العام بين الطرفين, تعهد فيها القيصر بعدم التدخل في شؤون القوزاق والتخلي عن ميناء آزوف.
احتلَّ الفرنج طرابلس، وسبب ذلك أن طرابلس كانت قد صارت في حكم العُبيديين في مصر ونائبهم فيها، والمدد يأتي إليها منه، فلما كانت هذه السنة أول شعبان وصل أسطولٌ كبير من بلد الفرنج في البحر، ومُقدَّمهم قمص كبير القساوسة- اسمه ريمند بن صنجيل، ومراكبه مشحونة بالرجال والسلاح والميرة، فنزل على طرابلس، وكان نازلًا عليها قبله السرداني ابن أخت صنجيل، فجرى بينهما فتنة أدت إلى الاقتتال بينهما، فوصل طنكري صاحب أنطاكية إليها؛ معونةً للسرداني، ووصل الملك بغدوين، صاحب القدس، في عسكره، فأصلح بينهما، ونزل الفرنج جميعهم على طرابلس، وشرعوا في قتالها، ومضايقة أهلها، من أول شعبان، وألصقوا أبراجهم بسورها، فلما رأى الجند وأهل البلد ذلك سُقِط في أيديهم، وذلَّت نفوسهم، وزادهم ضعفًا تأخُّرُ الأسطول المصري عنهم بالميرة والنجدة، ومد الفرنج القتال عليها من الأبراج والزحف، فهجموا على البلد وملكوه عَنوة وقهرًا يوم الاثنين لإحدى عشرة ليلة خلت من ذي الحجة، ونهبوا ما فيها، وأسروا الرجال، وسَبَوا النساء والأطفال، ونهبوا الأموال، وغنموا من أهلها من الأموال والأمتعة وكُتُب دور العلم الموقوفة ما لا يُحَدُّ ولا يحصى، فإن أهلها كانوا من أكثر أهل البلاد أموالًا وتجارة، وسَلِمَ الوالي الذي كان بها وجماعةٌ من جندها كانوا التمسوا الأمان قبل فتحها، فوصلوا إلى دمشق، وعاقب الفرنج أهلها بأنواع العقوبات، وأُخِذَت دفائنهم وذخائرهم في مكامنِهم.
أُطلِعَ صالح رايس- والي الجزائر من قِبَل العثمانيين- على تلك المؤامرةِ التي كانت تُحاك ضِدَّ الدولة العثمانية بين ملكِ المغرب السلطانِ الشيخ المهدي أبي عبد الله محمد السعدي والإسبان، والتي كان هدفُها طردَ العثمانيين من الجزائر؛ لأنَّه طالما أن الدولة في الجزائر معناه خطرٌ على إسبانيا، فبعث صالح رايس للباب العالي يخبرُه بشأن تلك المحادثات، فكان جوابُ السلطان سليمان سريعًا وحاسمًا بوجوبِ مهاجمة وهران قبل أن تسفِرَ المحادثات بين الجانبين السعدي والإسباني عن نتيجةٍ عملية، فأرسل السلطانُ سليمان أربعين سفينة لمساعدة رايس في الاستيلاءِ على وهران والمرسى الكبير، ومنذ ذلك الوقت كانت الهجرةُ والتجنيدُ الطوعي من مختلِفِ أنحاء الدولة العثمانية، فاستعَدَّ صالح رايس لفتح وهران، وضَمَّ أسطوله الى جانب أسطول السلطان، وصار لديه نحو سبعين سفينة، واجتمع لديه من الجند ما يقارب من أربعين ألف جندي، وكان ينوي من إتمام زحفه هذا بالمسير الى مراكش للقضاء على الفِتَن والاضطرابات وإخضاعها لسلطانه، ولكن القَدَر لم يمهِلْه، فتوفِّي صالح رايس بالطاعون في شهر رجب 963هـ وقام القائد يحيى بإكمال خطة صالح رايس، فأبحر نحو وهران، وفي الطريق وصلت الأوامر السلطانية بتعيين حسن قورصو لمنصب بيلرباي، ووصلت الجيوش البرية والبحرية إلى وهران، وحوصرت حصارًا شديدًا، إلَّا أنها لم تُفتحْ رغم استعدادات العثمانيين الكبيرة؛ وذلك بسبب النجدات المتواصلة التي كانت تبعثُها إسبانيا إلى المدينة المحاصَرة.
كثُرَ سُقوطُ الثَّلجِ بدِمشقَ حتى خرج عن العادةِ، وأنفقوا على إزالته من الأسطحِ ما ينيفُ على ثمانين ألف درهم؛ فإنَّه أقام يسقط أسبوعين، وفي هذه السنة تواتَرَ سُقوطُ البرد بأرض مصرَ، مع ريحٍ سوداء، وشَعَث عظيمٍ، وبَرقٍ ورَعدٍ سهول، ثم أعقب ذلك عامٌ شديد الحر، بحيث تطاير منها شَرَرٌ أحرق رؤوسَ الأشجار، وزريعة الباذنجان وبعض الكتَّان، حتى اشتد خوف الناس، وضجُّوا إلى الله تعالى، وجاء مطرٌ غزير، ثم بَرْدٌ فيه يبس لم يُعهَدْ مِثلُه، فكانت أراضي النواحي تُصبِحُ بيضاءَ من كثرة الجليد، وهَلَك من شدَّة البرد جماعةٌ من بلاد الصعيد وغيرها، وأمطرت السماءُ خمسةَ أيام متواليةً حتى ارتفع الماءُ في مزارعِ القصب قَدْرَ ذراعٍ، وعَمَّ ذلك أرض مصر قَبليَّها وبحريَّها، ففسدت بالريحِ والمطر مواضِعُ كثيرة، وقلَّت أسماكُ بحيرة نستراوة وبحيرة دمياط، والخلجان وبركة الفيل وغيرها؛ لِمَوتها من البرد، فتَلِفَت في هذه السنة بعامَّةِ أرض مصر وجميع بلاد الشام- بالأمطار والثلوج والبرد، وهبوب السمائم وشدة البرد- من الزُّروعِ والأشجار، والبائهم والأنعام والدور؛ ما لا يدخُلُ تحتَ حَصرٍ، مع ما ابتليَ به أهل الشام من تجريد عساكِرِها وتسخيرِ أهلِ الضياع وتسَلُّط العربان والعشير، وقِلَّة حُرمة السلطنة مصرًا وشامًا، وقطع الأرزاق وظُلم الرعيَّة.
بدأ الملك عبدالعزيز بالاستعداد في القيام بدخول الأحساء فاتفق مع بعض كبار رجالات أسر الأحساء في تنفيذ عملية الفتح.
غادر الملك عبدالعزيز الرياض بقواته إلى الأحساء ووصل الرقيقة ومعه 600 جندي ثم وصل الكوت من الناحية الغربية ثم اجتاز أسوار المدينة بعد أن فاجأ الحامية التركية التي سرعان ما أذعنت له بالاستسلام ثم أجلاها إلى البحرين، ولقي عبدالعزيز ترحيب السكان به، ورغم معرفة الملك عبدالعزيز موقف بريطانيا الرافض لضمه الأحساء إلا أنه لم يثنه ذلك من عزمه على دخولها.
بدأت الثورةُ في الخليج العربي عمومًا وفي هرمز خصوصًا ضد البرتغاليين من بداية القرن العاشر الهجري، واستمرت بين مد وجزر حتى كانت النهاية في طرد البرتغاليين من مسقط وعمان، وكان الأثر الأكبر في ذلك هو تنامي قوة العرب العمانيين من أسرة اليعاربة التي قُدِّر لها أن تحسم الصراع لصالح العرب وتقضي على الإمبراطورية البرتغالية، وبرزت وحدة الشعب العماني في عهد هذه الأسرة التي نمت وترعرعت بسبب وجود المستعمر البرتغالي على أرض عمان، والتخلص منه.
مَلَكَ سبكتكين مدينةَ غزنة وأعمالَها، وكان ابتداءُ أمرِه أنَّه كان مِن غِلمانِ أبي إسحاقَ بنِ البتكين، صاحِبِ جيش غزنة للسامانية، وكان مقَدَّمًا عنده، وعليه مدارُ أمرِه، وقدِمَ إلى بُخارى، أيَّامَ الأمير منصور بن نوح، مع أبي إسحاق، فعَرَفَه أربابُ تلك الدولة بالعقلِ والعفَّة، وجودةِ الرأي والصَّرامة، وعاد معه إلى غزنة، فلم يلبثْ أبو إسحاق أن توفِّيَ، ولم يخَلِّفْ من أهلِه وأقاربه من يصلُحُ للتقَدُّم، فاجتمع عسكَرُه ونظروا فيمن يلي أمْرَهم، ويجمَعُ كَلِمتَهم، فاختلفوا ثمَّ اتَّفَقوا على سبكتكين؛ لِما عَرَفوه من عقلِه ودينِه ومروءتِه، وكمالِ خِلالِ الخير فيه، فقَدَّموه عليهم، ووَلَّوه أمرَهم، وأطاعوه فوَلِيَهم، وأحسَنَ السِّيرةَ فيهم، وساس أمورَهم سياسةً حَسَنةً، وجعل نفسَه كأحدِهم في الحالِ والمال، وكان يدَّخِرُ من إقطاعِه ما يعمَلُ منه طعامًا لهم في كلِّ أُسبوعٍ مَرَّتين.
هو السلطانُ إبراهيم بن مسعود بن محمود بن سبكتكين صاحب غزنة وغيرها من بلاد الهند. وكان ملِكًا عادلًا مُنصِفًا منقادًا إلى الخيرِ، كثير الصدقات، كريمًا مجاهدًا، عاقلًا شُجاعًا حازِمًا، حسنَ السيرة، ذا رأيٍ ودهاء متين. كان يقول: "لو كنتُ بعد وفاة جدي محمود لما ضعف مُلكُنا، ولكني الآن عاجِزٌ أن أستردَّ ما أُخِذَ منا من البلاد؛ لكثرة جيوشهم". كان لا يبني لنفسه مكانًا حتى يبنيَ لله مسجدًا أو مدرسة. قال الفقيه أبو الحسن الطبري: "أرسلني إليه بركيارق في رسالة، فرأيتُ في مملكته ما لا يتأتى وصفُه"، وقيل: كان يكتب بخطِّ يده كل سنة مصحفًا يرسِلُه مع الصدقات إلى مكة، ومات وقد جاوز السبعين. وأقام مَلِكًا ثنتين وأربعين سنة، ولما توفي خلفه ابنُه علاء الدولة أبو سعيد مسعود الثالث زوج بنت السلطان ملكشاه.
هو السلطان المنصور أبو يوسف يعقوب بن عبد الحق بن محبو بن حمامة المريني مؤسس دولة بني مرين ببلاد المغرب بين فكيك وملوية. ولد بالمغرب سنة 609 وقد تولى قيادة بني مرين سنة 653 بعد وفاة أخيه أبي بكر بن عبد الحق, وتلقب يعقوب بالمنصور. وكان شجاعًا صوامًا قوامًا مجاهدًا مقرِّبًا لأهل الصلاح والخير والعلم. خرج على أبي دبوس آخر حكام الموحدين وقتله، واستولى على مملكة المغرب، فقضى على دولة آل عبد المؤمن الموحدين, ومَلَك سبتة سنة 672 واستقرَّت قدمُه في الملك، وكانت له جهود كبيرة في نصرة المسلمين في الأندلس، فاستعاد إشبيلية، وملَكَ بعده ولده يوسف أبو يعقوب, والمنصور هذا يختلف عن المنصور أبي يوسف يعقوب بن عبد المؤمن الموحدي المتوفى سنة 595
هو السلطان محمد الأصغر بن زيدان ابن المنصور أحمد الذهبي ملك السعديين في المغرب الأقصى, ويلقَّب بالشيخ. لما قتل السلطان الوليد سنة 1045 اختلف الناس فيمن يقدمونه للولاية عليهم، ثم أجمع رأيُهم على مبايعة أخيه محمد الشيخ وإلقاء القيادة إليه، فأخرجوه من السجن، وكان أخوه الوليد قد سجنه إذ كان يتخوَّف منه الخروج عليه، فبويع بمراكش يوم الجمعة الخامس عشر من رمضان سنة 1045 ولما بويع سار في الناس سيرةً حميدة وألان الجانب للكافة، وكان متواضعًا في نفسه صفوحًا عن الهفوات متوقفًا عن سفك الدماء مائلًا إلى الراحة والدَّعَة متظاهرًا بالخير ومحبة الصالحين، إلا أنه كان منكوس الراية مهزوم الجيش؛ وبسبب ذلك لم يصفُ له مما كان بيد أبيه وإخوته إلا مراكش وبعض أعمالها، وبعد وفاته تولى أحمد الثاني بن العباس أبي مروان خلفًا له.
هو الشَّريفُ سرورُ بنُ مساعد بن سعيد بن سعد بن زيد بن محسن بن حسين بن حسن بن أبي نُمي، الذي طار صيتُه في الآفاقِ وبلغ من المجدِ والسعيِ في أعمال الخيرِ وتأمين السُّبُل ما لم يبلُغْ إليه أحدٌ من آبائه، ولقد كانت أحاديثُ الوافدين للحجِّ إلى بيت الله الحرام تخبِرُ عنه بأخبار تسُرُّ القلوبَ وتشَنِّف الأسماعَ وترَوِّح الطباعَ، وكان عظيمَ السَّطوة شديدَ الصَّولة قامعًا للفساد راعيًا لمصالح العباد، كثيرَ الغزو لمَرَدة الأعراب الذين يتخطَّفون الناس في الطرقات، وتوفي في يوم 18 ربيع الثاني، وعمره 35 سنة، ومدَّة ولايته 15 سنة وخمسة أشهر وثمانية أيَّام، وصُلِّي عليه عند الكعبة ودُفن بالمعلَّاة. وقام مقامَه بعد وفاته أخوه عبد المعين، ثمَّ رغِبَ عن الأمرِ لأخيه غالب بعد أيامٍ يسيرةٍ مِن ولايته.