وُلِدَ الشيخ محمَّد أيوب بن محمد يوسف بن سليمانَ عمر في مَكَّةَ المكرمةِ عامَ 1372ه، وهو من أصلٍ بورميٍّ، حفِظَ القرآنَ عام 1386 هـ في جامعِ بن لادن في حيِّ الحفاير بمكةَ، والتحقَ بالجامعةِ الإسلاميَّة، وتخرَّج في كليَّةِ الشريعةِ عامَ 1396هـ، ثمَّ تَخَصَّصَ في التفسيرِ وعلومِ القرآن، فحصَلَ على درجةِ الماجستير من كليَّةِ القرآنِ، وحصَلَ على درجةِ الدكتوراه من الكليَّةِ نَفسِها عامَ 1408هـ، وإضافةً إلى دِراستِه في المدارسِ الحُكوميَّةِ والجامعةِ؛ فقد تتلمذَ على العديدِ مِن المَشايخِ والعُلماء في المدينةِ المنورة، وحصَل على إجازةٍ بروايةِ حفصٍ عن طريق القراءةِ على المشايخِ، وهم شيخُ قُرَّاءِ المدينةِ: حسن بن إبراهيم الشاعر، والشيخُ أحمد عبد العزيز الزيَّات، والشيخُ خليل بن عبد الرحمن القارئ، ومن شيوخِه في القراءةِ: الشيخُ زكي داغستاني. ومن شُيوخِه الذين درَسَ عليهم ألوانًا من العلومِ الشرعيَّةِ: عبدُ العزيز محمد عثمان، ومحمد سيد طنطاوي، وأكرم ضياء العمري، ومحمد الأمين الشنقيطي، وعبدُ المحسن العبَّاد، وعبد الله محمد الغنيمان، وأبو بكرٍ الجزائريُّ، وعَمِل بعد تخرُّجِه في المرحلةِ الجامعيَّةِ الأولى مُعيدًا بكليةِ القرآنِ، وكُلِّفَ بأمانةِ امتحاناتِ الكليَّةِ لمدَّةِ عشْرِ سنَواتٍ، وأصبَحَ عُضوَ هيئةِ التَّدريسِ في قسمِ التَّفسير منذ حُصولِه على الدكتوراه. وكان أيضًا عُضوًا فى اللَّجْنةِ العِلميَّةِ بمَجمَعِ الملكِ فهدٍ لطباعةِ المُصحَفِ الشريفِ. وتولَّى الإمامةَ والخَطابةَ في عَددٍ مِن مساجدِ المدينةِ، وعُيِّنَ إمامًا مُتعاوِنًا في المَسجدِ النبويِّ عامَ 1410هـ واستمَرَّ فيه حتى عامِ 1417هـ، ثمَّ انقطعَ عن إمامةِ المسجدِ النبويِّ تِسعةَ عشَرَ عامًا ليعودَ ويُصلِّيَ في المَسجدِ النبويِّ مُجدَّدًا في رمضانَ 1436هـ، ويُعَدُّ الشيخُ من القُرَّاءِ المشهورين في المملكةِ العربيَّةِ السعوديَّةِ والعالَمِ الإسلاميِّ، وقد توفِّي -رحمه الله- عن عمرٍ ناهزَ 64 عامًا في اليومِ التاسعِ من هذا الشهرِ، وشُيِّعَتْ جَنازتُه والصلاةُ عليه بعد صلاةِ الظُّهرِ في المَسجدِ النبويِّ.
قالتْ أمُّ سَلمةَ رضي الله عنها: لمَّا ضاقتْ علينا مكَّة، وأوذِيَ أصحابُ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم وفُتنوا، ورَأَوْا ما يُصيبهُم مِنَ البلاءِ والفِتنةِ في دينهِم، وأنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم لا يستطيعُ دفعَ ذلك عنهُم، وكان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم في مَنَعَةٍ من قومهِ وعمِّه، لا يَصِلُ إليه شيءٌ ممَّا يَكرهُ ممَّا ينالُ أصحابَه، فقال لهم رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: إنَّ بأرضِ الحَبشةِ مَلِكًا لا يُظلمُ عنده، فالحقوا ببلادهِ حتَّى يجعلَ الله لكم فَرَجًا ومَخرجًا ممَّا أنتم فيهِ. فخرجنا إليها حتَّى اجتمعنا بها، فنزلنا بخيرِ دارٍ إلى خيرِ جارٍ، أَمَّنَّا على ديننا، ولم نخشَ منه ظُلمًا.... وقيل: كان مخرجهُم إلى الحَبشةِ في رجبٍ في السَّنةِ الخامسةِ مِنَ البِعثةِ النَّبويَّةِ. هاجر مِنَ المسلمين فيها اثنا عشرَ رجلًا، وأربعُ نِسوةٍ، منهم عُثمانُ بنُ عفَّانَ، وهو أوَّلُ من خرج ومعه زوجتُه رُقيَّةُ بنتُ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم.
إنَّ عددَ مُسلِمي بورما يصِلُ إلى 11 مليونَ نسمةٍ من إجماليِّ سكان بورما البالغِ تَعدادُهم 50 مليونَ نسمةٍ، منهم أكثرُ من 5.7 مليون مسلمٍ، يقطُنون منطقةَ أراكان، يُشكِّلون أكثرَ من 75 % من سكان المنطقة، وقد بدأت مأساة مُسلِمي بورما في عام 1948م، وهو نفسُ العام الذي احتلَّ فيه الصهاينة فِلَسْطينَ، حيث دخلت القوات البورميَّة أراكان وتمكَّنت من احتلالها بالقوة عبرَ سلسلة من المذابح الإجراميَّة، ومارسَت أبشع صور التهجيرِ العِرقي بطرد أكثرَ من مليونَيْ مسلم إلى بنجلاديشَ المجاورةِ، ولم تسمحْ بعودتهم حتى الآن، وتفرِضُ السُّلْطات البورمية أبشعَ صورِ العُزْلة على مُسلِمي بورما منذ وصولِ الحُكم العسكري الشيوعي إلى سُدَّة السُّلْطة عام 1962م، ومن ذلك التاريخ قامت بتشريد مئاتِ الآلافِ من المسلِمين، وسحبَت منهم الجنسية البورميَّة مُدَّعيةً أن الاحتلال البريطاني جاء بهم من الدول المجاورةِ، ولا تقِف مأساةُ المسلمين عند هذا الحدِّ، حيث تُمارِسُ السُّلْطات أبشعَ وسائلِ إبادةِ الجيشِ المسلِم في بورما وأراكانَ، وهدم وتدمير المساجِدِ في أنحاءِ البلاد.
أعلنت الدَّولةُ العثمانيةُ الحَربَ على روسيا في 1 محرَّم من هذه السنة، وأرسلت قِسمًا من أسطولها البحري إلى ميناء "سينوب" على البحر الأسود، وكان يتألَّفُ من ثلاث عشرة قطعة بحَرية بقيادة "عثمان باشا"، ثم وصلت إلى الميناء بعضُ القطع البحرية الروسية في 18 محرم من هذه السنة بقيادة "ناخيموف" قائد الأسطولِ الروسي؛ لتكشِفَ مواقع الأسطول العثماني، وتَعرِف مدى قوَّتِه، وظلَّت رابضةً خارج الميناء، محاصرةً للسفن العثمانية، وأرسل ناخيموف إلى دولتِه لإمداده بمزيدٍ مِن القطع البحرية، فلما حضرت جعَلَ أربعًا من سفُنِه الحربية خارجَ الميناء؛ لتقطع خطَّ الرجعة على السفن العثمانية إذا هي حاولت الهرَبَ. ولما توقَّع "عثمان باشا" غَدْرَ الأسطول الروسي، أمَرَ قواده وجنوده بالاستعدادِ والصبر عند القتال، على الرغم من تعهُّدِ نيقولا قيصر روسيا ووعْدِه بعدم ضرب القوات العثمانية إلَّا إذا بدأت هي بالقتال، لكِنَّ القيصر حنث في وعده؛ إذ أطلقت السفنُ الروسية النيرانَ على القطع البحرية العثمانية التي كانت قليلةَ العدد وضئيلةَ الحَجمِ إذا ما قُورِنَت بالسفن الروسية، وذلك في 28 صفر من هذا العام، وأسفرت المعركةُ عن تدمير سفن الدولة العثمانية، وقَتْل أكثر بحارتها. وقد أثار هذا العمَلُ غَضَبَ فرنسا وإنجلترا، فقررتا الدخولَ في حَربٍ ضِدَّ القيصر الروسي إلى جانب السلطان العثماني، واستمَرَّت نحو عامين، وهي الحربُ المعروفةُ بـ"حرب القرم".
كان محمد بن عبد الله بن تومرت البربري المصمودي الهرغي، الخارج بالمغرب، المدَّعي أنَّه عَلَوي حَسَني، وأنه الإمام المعصوم- من أهل جبل السوس من بلاد المغرب. رحل ابن تومرت إلى بلاد المشرق في طلب العلم، وأتقن علم الأصولين والعربية، والفقه والحديث، واجتمع بالغزالي والكيا الهراسي في العراق، واجتمع بأبي بكر الطرطوشي بالإسكندرية، وقيل إنه لم يجتمع بالغزالي. ثم حج ابن تومرت وعاد إلى المغرب، وكان شجاعًا فصيحًا في لسان العربي والمغربي، شديد الإنكار على الناس فيما يخالف الشرع، لا يقنع في أمر الله بغير إظهاره. وكان مطبوعًا على الالتذاذ بذلك متحلِّلًا للأذى من الناس بسببه، وناله بمكة شيء من المكروه من أجل ذلك، فخرج منها إلى مصر وبالغ في الإنكار، فزادوا في أذاه وطردته الدولة، وكان إذا خاف من بطش وإيقاع الفعل به خلط في كلامه فيُنتَسَب إلى الجنون، فخرج من مصر إلى الإسكندرية، وركب البحر متوجهًا إلى بلاده. ولما وصل إلى قرية اسمها ملالة بالقرب من بجاية اتصل به عبد المؤمن بن علي الكومي، وتفرس ابن تومرت النجابةَ في عبد المؤمن وسار معه، وتلقب ابن تومرت بالمهدي. واستمرَّ المهدي على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ووصل إلى مراكش وشدَّد في النهي عن المنكرات، وكَثُرت أتباعه وحَسُنت ظنون الناس به، ولما اشتهر أمره استحضره أمير المسلمين علي بن يوسف بن تاشفين بحضرة الفقهاء فناظرهم وقطعهم، وأشار بعض وزراء علي بن يوسف بن تاشفين عليه بقتل ابن تومرت المهدي أو حبسه، وقال: والله ما غرضُه النهي عن المنكر والأمر بالمعروف، بل غرضه التغلب على البلاد، فلم يقبَلْ عليٌّ ذلك. ذكر ابن خَلِّكان شأن ابن تومرت فقال: "خرج محمد بن تومرت من مصر في زيِّ الفقهاء بعد الطلب بها وبغيرها, ولما وصل إلى المهدية نزل في مسجد معلَّق، وهو على الطريق، وجلس في طاق شارع إلى المحجة ينظر إلى المارة، فلا يرى منكرًا من آلة الملاهي أو أواني الخمر إلا نزل إليها وكسَرَها، فتسامع به الناسُ في البلد، فجاؤوا إليه، وقرؤوا عليه كتبًا من أصول الدين، وبلغ خبره الأمير يحيى، فاستدعاه مع جماعة من الفقهاء، فلما رأى سَمْتَه وسَمِعَ كلامه أكرمه وأجلَّه وسأله الدعاء، فقال له: أصلح الله لرعيتك، ولم يقُمْ بعد ذلك بالمهدية إلا أيامًا يسيرة، ثم انتقل إلى بجاية، وأقام بها مدة وهو على حاله في الإنكار" فسار المهدي إلى أغمات ولحق بالجبل واجتمع عليه الناس وعَرَّفهم أنه هو المهدي الذي وعد النبيُّ صلى الله عليه وسلم بخروجه، فكثُرَت أتباعه واشتَدَّت شوكته، وقام إليه عبد المؤمن بن علي في عشرة أنفس، وقالوا له: أنت المهدي، وبايعوه على ذلك وتبعهم غيرهم، فأرسل أمير المسلمين علي إليه جيشًا فهزمه المهدي وقَوِيَت نفوس أصحابه، وأقبلت إليه القبائلُ يبايعونه، وعَظُم أمره، وتوجَّه إلى جبل عند تينمليل واستوطنه، ثم إن المهدي رأى من بعض جموعه قومًا خافهم. قال الذهبي: "قال ابن تومرت لأصحابه: إن الله أعطاني نورًا أعرِفُ به أهل الجنة من أهل النار، وجمع الناسَ إلى رأس جبل، وجعل يقول عن كُلِّ من يخافُه: هذا من أهل النار، فيُلقى من رأس الشاهق ميتًا، وكل من لا يخافه: هذا من أهل الجنة ويجعَلُه عن يمينه، حتى قتل خلقًا كثيرًا واستقام أمره وأمِنَ على نفسه. وقيل: إن عدة الذين قتلهم سبعون ألفًا" وسَمَّى عامة أصحابه الداخلين في طاعته الموحِّدين، ولم يزل أمر ابن تومرت المهدي يعلو إلى أن توفي سنة 524.
لما انتَزعَ المَلِكُ المُعَظَّمُ أتسز بن أوف الخوارزمي دِمشقَ من أَيدِي العُبيديِّين سَنةَ 468هـ، شَرعَ في بِناءِ هذا الحِصْنِ المَنيعِ بدِمشقَ وكان في مكانِ القَلعةِ -أَحَدِ أَبوابِ البَلدِ- بابٌ يُعرفُ ببابِ الحَديدِ، وهو البابُ المُقابلُ لدارِ رضوان، وقد ارتَفعَ بعضُ أَبرجتِها فلم يتَكامل حتى انتَزعَ مُلْكَ البَلدِ منه المَلِكُ المُظفَّرُ تاجُ المُلوكِ تتش بن ألب أرسلان السلجوقي، فأَكمَلَها وأَحسنَ عِمارَتَها، وابتَنَى بها دارَ رضوان للمُلْكِ، واستَمرَّت على ذلك البِناءِ في أيامِ نورِ الدِّين محمودِ بن زِنكي، فلمَّا كان المَلِكُ صَلاحُ الدِّينِ بن يُوسفَ بن أيوبَ الأيوبيُّ جَدَّدَ فيها شَيئًا، وابتَنَى له نائِبُه ابنُ مُقدَّمٍ فيها دارًا هائِلةً لمملكة للمَملكةِ، ثم إنَّ المَلِكَ العادلَ أخا صلاحِ الدِّينِ، اقتَسمَ هو وأولادُه أَبرجتَها، فبَنَى كلُّ مَلِكٍ منهم بُرْجًا منها جَدَّدَهُ وعَلَّاهُ وأَطَّدَهُ وأَكَّدَهُ، ثم جَدَّدَ المَلِكُ الظَّاهِرُ بِيبَرسُ منها البُرجَ الغربيَّ القِبليَّ، ثم ابتَنَى بعده في دَولةِ المَلِكِ الأَشرفِ خليلِ بن المنصورِ، نائِبُه الشُّجاعيُّ، الطارمةَ الشماليَّةَ والقُبَّةَ الزَّرقاءَ وما حولَها.
في أواخرِ القرنِ السادسِ الهِجريِّ كانت حَضرَموتُ مَيدانًا لِلمُناوراتِ السياسيةِ والفَوضى، حيث الصِّراعاتُ بينَ أطرافٍ مُتعدِّدةٍ، كبَني راشِدٍ وبَني يَمانٍ، وعَساكِرِ الغُزِّ الهاجمين مِنَ العَساكرِ المِصريةِ، وجُيوشِ ابنِ مَهديٍّ اليَمنيِّ، وغَيرِها مِنَ القَبائلِ والعَشائرِ الحَضرَميةِ، كبَني نَهدٍ وبَني حارِثةَ، فكانت حَضرَموتُ مُتفرقةً بينَ وُلاةٍ مُتعدِّدينَ، مُنتشرًا فيها النَّهبُ وسَفكُ الدِّماءِ، ولم يَنفَعْها احتِلالُ الأيُّوبيِّينَ لها. وفي ظِلِّ هذا الوَضعِ رأى آلُ كَثيرٍ -وهم أعظَمُ قبائِلِ هَمَدانَ، وهم قَبائلُ مُتعدِّدةٌ- أنْ يُؤسِّسوا لِأنفُسْهم دولةً، وأنْ يَكونَ لهم دَورٌ في إنهاءِ حالةِ الفَوْضى والفِتنةِ المُكتَسِحةِ في حَضرَموتَ. فاقتَرَب بَنو كَثيرٍ مِن مَشايخِ العِلْمِ والصَّلاحِ مِن آلِ البَيتِ العَلويِّينَ ومِن أهلِ السُّنةِ، على أمَلِ تأسيسِ دولةٍ سُنِّيةٍ شافعيةٍ، على أنقاضِ المَذهبِ الأباضيِّ الذي انتَهت دولتُه عامَ 561هـ. بدأ آلُ كَثيرٍ بتَقويةِ نُفوذِهمُ السياسيِّ، وفي عامِ 683هـ تحالَفَ آلُ كَثيرٍ مع سالمِ بنِ إدريسَ الحَبُوظيِّ، أميرِ ظَفارِ، الذي أخَذَ يَتوسَّعُ في الاستيلاءِ على البُلدانِ بحَضرَموتَ، وتولَّى آلُ كَثيرٍ إدارةَ العَسكريةِ الحَبُوظيَّةِ، ثم لم يَلبَثْ أنِ انهَزَم سالمُ بنُ إدريسَ وقُتلَ على يَدِ السُّلطانِ المُظفَّرِ الغَسَّانيِّ مَلكِ الدولةِ الرَّسوليةِ. وأخَذَ آلُ كَثيرٍ بعدَ مَقتلِ سالمِ بنِ إدريسَ في تَثبيتِ ما بأيديهم مِنَ القُرى، والاستيلاءِ على مَناطِقَ أُخرى، وكانَ مُلكُهم يَنبسِطُ مَرَّةً ويَتقلَّصُ أُخرى، لِتَخاصُمِهم وتَنازُعِهم فيما بَينَهم، وفيما بينَ غَيرِهم مِنَ المُنافِسينَ، وفي أواخِرِ القرنِ الثامِنِ الهِجريِّ تَفرَّغَ أبناءُ جَعفرِ بنِ بَدرٍ الكَثيريِّ وهم (يَمانيٌّ ومُدرِكٌ وعُمَرُ) لِمُناوشةِ قَبيلةِ الظلفانِ، والتفَتَ أفرادُ الوحدةِ الكَثيريةِ الآخَرون إلى تَدبيرِ السَّلطنةِ، وفي هذه الأثناءِ وُلد السُّلطانُ علِيُّ بنُ عُمَرَ بنِ جَعفرٍ الكَثيريُّ، الذي به أصبحتِ الدولةُ الكَثيريةُ رَسميةً، يَعرِفُها جُمهورُ أهلِ القُطرِ الحَضرميِّ. وكانت بدايةُ الدولةِ الكَثيريةِ الأولى حين غادَرَ السُّلطانُ علِيُّ بنُ عُمَرَ "بُورَ" سنةَ 814هـ، واتَّصلَ بالشيخِ عليِّ بنِ عُمَرَ باعَبَّادٍ وغيرِه مِن رِجالِ الصَّلاحِ، وكانوا يَعِدُونه بالاستيلاءِ على ظَفارِ وجَميعِ بُلدانِ حَضرَموتَ، فاشتَدَّ عَزمُه بذلك، وشرَعَ في تَذليلِ العَقباتِ، يُحارِبُ ويَغزو حتى استتَبَّ له الأمرُ، وخضَعَت له الرِّقابُ واستَحقَّ لَقَبَ سُلطانٍ.
جَمَعَ نِظامُ المُلْكِ، والسُّلطانُ ملكشاه، جَماعةً من أَعيانِ المُنَجِّمِين، وجَعَلوا النَّيْروزَ أَوَّلَ نُقطَةٍ من الحَمَل، وكان النَّيروزُ قبلَ ذلك عند حُلولِ الشمسِ نِصفَ الحُوتِ. وصار ما فَعلَه السُّلطانُ مَبدأَ التَّقاويمِ، وفيها أيضًا عُمِلَ الرَّصْدُ للسُّلطانِ ملكشاه، واجتَمعَ من أَعيانِ المُنَجِّمِينَ في عَمَلِه وخَرَجَ عليه من الأَموالِ شَيءٌ عَظيمٌ، وبَقِيَ الرَّصدُ دائِرًا إلى أن مات السُّلطانُ سَنةَ 485هـ، فبَطُلَ بعدَ مَوتِه.
دخل محمدٌ وعليٌّ ابنا الحُسَين بن جعفر بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب المدينة، وقتلا جماعةً مِن أهلها وأخذا من القومِ مالًا، ولم يُصَلِّ أهلُ المدينة في مسجدِ رسولِ اللهِ- صلَّى اللهُ عليه وسلم- لا جمعةً ولا جماعةً، شَهرًا.
هو حَسَنُ بن الشيخ محمد السكاكيني، كان والده الشيخ محمد السكاكيني يَعرِفُ مَذهَب الرافِضةِ الشِّيعةِ جَيِّدًا، وكانت له أسئلةٌ على مذهب أهلِ الجَبْرِ، ونَظَم في ذلك قصيدةً أجابه فيها شيخُ الإسلامِ ابنُ تيميَّةَ رحمه الله، وذكر غيرُ واحدٍ مِن أصحابِ الشَّيخِ أنَّ السكاكيني ما مات حتى رجع عن مذهَبِه، وصار إلى قَولِ أهلِ السنَّةِ، فالله أعلم، وقيل إنَّ وَلَدَه حَسَنًا هذا القبيحَ، كان قد أراد قَتْلَ أبيه لما أظهر السُّنَّةَ. قُتِلَ حَسَن بسوق الخيل في صبيحة يوم الاثنين الحادي والعشرين من جمادى الأولى على ما ظهَرَ منه من الرَّفضِ الدَّالِّ على الكُفرِ المَحضِ، بعد أن شُهِدَ عليه عند القاضي شرف الدين المالكي بشهاداتٍ كثيرةٍ تدُلُّ على كُفرِه، وأنَّه رافِضيٌّ جَلْدٌ، فمن ذلك تكفيرُ الشَّيخينِ- رَضِيَ اللهُ عنهما- وقَذْفُه أمَّيِ المُؤمِنينَ عائشةَ وحفصةَ- رَضِيَ اللهُ عنهما- وزَعَم أنَّ جبريلَ غَلطَ فأوحى إلى محمَّدٍ، وإنَّما كان مُرسَلًا إلى عليٍّ! وغيرُ ذلك من الأقوالِ الباطلة القبيحةِ- قَبَّحَه اللهُ.
هو أتابك أبو المظفر عز الدين مسعود بن قطب الدين مودود بن زنكي بن آقسنقر التركي، صاحِبُ الموصل، وكان عزُّ الدين مُقَدَّم الجيوش في أيام أخيه سيف الدين غازي, وكان يزور الصالحينَ، وفيه حِلمٌ وحياءٌ ودينٌ وقيامُ ليل، وفيه عَدلٌ. ولما توفي أخوه سيف الدين استقَلَّ عز الدين بالمُلك من بعده، وعمل المصافَّ مع صلاح الدين على قرونِ حماة، فانكسر مسعودٌ سنة سبعين، ثم ورث حلب، أوصى له بها ابن عمه الصالح إسماعيل، فساق وطلع إلى القلعة، وتزوج بوالدة الصالح، فحاربه صلاحُ الدين، وحاصر الموصِلَ ثلاث مرات، ولَمَّا بلغ صلاح الدين أن مسعودًا راسل الفرنج يحثُّهم على حرب صلاح الدين، غضب وسار، فنازل حلب جمادى الأولى سنة ثمان، ثم ترحَّل بعد ثلاث، وجرت بينهما أمور، ثم تصالحا، وكان موتُهما متقاربًا, وتمكن حينئذ مسعود، واطمأن، إلى أن مات بعد صلاحِ الدين بأشهر بعلة الإسهالِ، فعاد إلى الموصل مريضًا، فبَقِيَ في مرضه إلى التاسع والعشرين من شعبان، فتوفي بالموصل، ودُفِنَ بالمدرسة التي أنشأها مقابِلَ دار الملكة، وقيل: إنه كان قد بقي ما يزيد على عشرة أيام لا يتكلم إلَّا بالشهادتين، وتلاوة القرآن، وإذا تكَلَّم بغيرها استغفَرَ الله، ثم عاد إلى ما كان عليه، فرُزِقَ خاتمة خَيِّرة، وقد خلَّفَه بعد موته أخوه نور الدين أرسلان شاه بن مسعود. مات عن ابنين: القاهر مسعود، والمنصور زنكي.
مَلَك يَمينُ الدَّولةِ محمودُ بنُ سبكتكين سجستانَ، وانتزَعَها مِن يدِ خلَفِ بنِ أحمدَ الصَّفَّار، وكان سبَبُ أخْذِها أنَّ يمينَ الدَّولةِ لَمَّا رحَلَ عن خلَفٍ بعد أن صالَحَه، سنة تسعينَ وثلاثمِئَة، عَهِدَ خَلَفٌ إلى ولَدِه طاهرٍ، فلمَّا استقَرَّ طاهِرٌ في المُلكِ عقَّ أباه وأهمَلَ أمْرَه، فلاطَفَه أبوه ورفَقَ به، حتى قبضَ على أبيه وسَجَنه، وبقِيَ في السِّجنِ إلى أن مات فيه، وأظهَرَ عنه أنَّه قتَلَ نَفسَه، ولَمَّا سَمِعَ عَسكَرُ خَلَف وصاحِبُ جيشِه بذلك، تغيَّرَت نيَّاتُهم في طاعتِه وكَرِهوه، وامتَنَعوا عليه في مدينتِه، وأظهروا طاعةَ يمينِ الدَّولة، وخطَبوا له، وأرسلوا إليه يطلُبونَ مَن يتسَلَّمُ المدينةَ، ففعَلَ ومَلَكَها، واحتوى عليها في هذه السَّنةِ، وعزَمَ على قَصدِ خَلَف وأخْذِ ما بيده والاستراحةِ مِن مَكْرِه. فسار إليه، وهو في حِصنِ الطاق، وله سبعةُ أسوارٍ مُحكَمة، يُحيطُ بها خَندقٌ عَميقٌ عَريضٌ، لا يُخاضُ إلَّا مِن طريقٍ على جِسرٍ يُرفَعُ عند الخَوفِ، فنازله وضايقَه فلم يصِلْ إليه، فلم يزَلْ أصحابُ يمينِ الدَّولةِ يدفعونَهم، فلمَّا رأى خلَفٌ اشتدادَ الحَربِ، وأنَّ أسوارَه تُملَكُ عليه، وأنَّ أصحابَه قد عجزوا، أرسلَ يَطلُبُ الأمانَ، فأجابه يمينُ الدَّولةِ إلى ما طلَبَ، وكَفَّ عنه، فلمَّا حَضَر عنده أكرَمَه واحتَرَمه، وأمر بالمُقامِ في أيِّ البلادِ شاء.
كان يعقوبُ بنُ اللَّيثِ الصَّفَّار قد قضى على الدَّولةِ الطاهريَّة، وأقام دولتَه على أنقاضِها، فأمر الخليفةُ أن يجهِّزَ جيشًا بقيادةِ أخيه الموفَّقِ؛ لِمُواجهة يعقوب، وذلك في عام 262هـ / 876م، ويشاءُ اللهُ أن تدور الدائرةُ على يعقوبَ فيُهزَم، ولكِنَّ المُعتَمِد يرى الاحتفاظَ بولائه للخلافةِ، فمِثلُه يمكِنُ الاعتماد عليه في مواجهةِ الثَّوراتِ والانتفاضات، فبعث إليه يستميلُه ويتَرضَّاه، ويقَلِّدُه أعمال فارس وغيرِها ممَّا هو تحت يديه، ويصِل رسولُ الخليفة إليه، وهو في مرَضِ الموت، ولكِنْ بعد أن كَوَّنَ دولةً، وبسط سلطانَه عليها. ويُظهِرُ أخوه (عمرو) من بعدِه ولاءَه للخليفة، فيولِّيه الخليفةُ خُراسان، وفارِسَ، وأصبهان، وسجستان، والسِّند، وكرمان، والشرطة ببغداد، وكان عمرٌو كأخيه ذا أطماعٍ واسعةٍ، فانتهز فرصةَ تحسُّن العلاقة بينه وبين الخليفةِ وراح يتَمِّمُ رسالة أخيه. فاتَّجَه بنظره إلى إقليم ما وراءَ النهر الذي كان يحكُمُه السامانيون، ولكِنَّ قُوَّتَهم لا يستهان بها، فكتب إلى الخليفة المعتَضِد ليساعِدَه على تملُّكِ هذا الإقليم، فهُزِمَ عمرُو بن الليث الصفار هزيمةً ساحقةً، ووقع أسيرًا في أيدي السامانيِّين، وأُرسل إلى بغداد ليُقضى عليه، فيقتل سنة 289هـ / 902م. ولم تكَدْ تمرُّ ثماني سنوات حتى كان السامانيُّون قد قَضَوا نهائيًّا على الصفاريِّين، واستولَوا على أملاكِهم
الشيخ الصالحُ محمد بن منصور بن يحيى الشيخ أبي القاسم القباري الإسكندراني كان مقيمًا بغيط له يقتاتُ منه ويعمَلُ فيه ويبذره، ويتورَّعُ جدًّا ويُطعِمُ الناس من ثماره. توفي في سادس شعبان بالإسكندرية وله خمس وسبعون سنة، وكان يأمرُ بالمعروف وينهى عن المنكر ويردَعُ الولاة عن الظلمِ فيَسمَعون منه ويطيعونَه لزهده، وإذا جاء الناسُ إلى زيارته إنما يكَلِّمُهم من طاقة المنزل وهم راضونَ منه بذلك، ولما توفي ترك من الأثاث ما يساوي خمسين درهمًا فبيع بمبلغ عشرين ألفًا.
أقالَ أعضاءُ (التحالُف من أجل إعادة تحرير الصومال) المعارِضِ للحُكومةِ الانتقاليَّة شيخ شريف شيخ أحمد من رئاسةِ اللجنةِ التنفيذيَّة للتحالُف، وعيَّن مكانَه الشيخ حسن ضاهر أويس؛ وذلك بَعدَ توقيعِ التحالُفِ بجيبوتي لهُدنةٍ مع الحكومة الموالِيَة للاحتلالِ الإثيوبيِّ وإقرارِه من قِبَل اللجنةِ المركزيَّة للتحالُف. وكانت قياداتٌ في المحاكمِ الإسلاميةِ قد وجَّهَت انتقاداتٍ لشيخ شريف شيخ أحمد لتوقيعِهِ على ذلك الاتِّفاقِ.