جيءَ بالحُسين بن منصور الحلَّاج إلى بغداد وهو مشهورٌ على جملٍ، وغلامٌ له راكبٌ جملًا آخَرَ، ينادي عليه: أحدُ دُعاةِ القرامطة فاعرفوه، ثم حُبِسَ ثمَّ جيء به إلى مجلسِ الوزير فناظره، فإذا هو لا يقرأ القرآنَ ولا يعرف في الحديثِ ولا الفِقهِ شَيئًا، ولا في اللغةِ ولا في الأخبارِ ولا في الشِّعرِ شَيئًا، وكان الذي نَقَم عليه: أنَّه وُجِدَت له رِقاعٌ يدعو فيها الناسَ إلى الضلالة والجَهالة بأنواع ٍمنِ الرموز، يقولُ في مكاتباته كثيرًا: تبارك ذو النور الشَّعشعاني، فقال له الوزير: تعَلُّمُك الطُّهورَ والفُروضَ أجدى عليك من رسائِلَ لا تدري ما تقولُ فيها، وما أحوَجَك إلى الأدبِ! ثم أمَرَ به فصُلِبَ حَيًّا صَلْبَ الاشتهارِ لا القَتلِ، ثم أُنزِلَ فأُجلِسَ في دارِ الخلافة، فجعل يُظهِرُ لهم أنَّه على السنَّة، وأنه زاهِدٌ، حتى اغتَرَّ به كثيرٌ مِن الخُدَّام وغيرهم من أهل دار الخلافةِ مِن الجَهَلة، حتى صاروا يتبَرَّكون به ويتمسَّحون بثيابِه.
كان لأُميَّةَ بنِ إسحاقَ أخٌ اسمُه أحمد، وكان وزيرًا لعبدِ الرحمن الناصر، فقتله عبدُ الرحمن، وكان أميَّةُ بشنترين، فلما بلغه ذلك عصى فيها، والتجأ إلى ردمير ملكِ الجلالقة، ودَلَّه على عَوْرات المسلمين، ثم خرج أميَّةُ في بعض الأيام يتصَيَّدُ، فمنعه أصحابُه من دخول البلد، فسار إلى ردمير فاستوزَرَه، وغزا عبدُ الرحمن بلاد الجلالقة، فالتقى هو وردمير هذه السَّنَة، فانهزمت الجلالقةُ، وقُتِلَ منهم خلقٌ كثير، وحصرهم عبد الرحمن، ثمَّ إن الجلالقةَ خرجوا عليه وظَفِروا به وبالمُسلِمين، وقتلوا منهم مقتلةً عظيمةً وأراد اتباعهم، فمَنَعه أميَّةُ وخَوَّفَه من المسلمين ورغَّبَه في الخزائنِ والغنيمة. وعاد عبدُ الرحمن بعد هذه الوقعة، فجَهَّزَ الجيوشَ إلى بلاد الجلالقة، فألحُّوا عليهم بالغارات، وقَتَلوا منهم أضعافَ ما قتلوا من المسلمين، ثم إن أميَّةَ استأمن إلى عبد الرحمن، فأمَّنَه وأكرَمَه.
أنشأ عبدُ الرَّحمنِ النَّاصِرُ صاحِبُ الأندلس مركبًا كبيرًا لم يُعمَلْ مِثلُه، وسيَّرَ فيه أمتعةً إلى بلادِ الشرق، فلقِيَ في البَحرِ مَركبًا فيه رسولٌ مِن صقليَّةَ إلى المُعِزِّ، فقطع عليه أهلُ المركب الأندلسيُّ، وأخذوا ما فيه، وأخذوا الكتُبَ التي إلى المعِزِّ، فبلغ ذلك المعِزَّ، فعمَّرَ أسطولًا واستعمل عليه الحسَنَ بنَ علي صاحِبَ صقليَّة، وسيَّرَه إلى الأندلس، فوصلوا إلى المرية، فدخلوا المرسى، وأحرقوا جميعَ ما فيه من المراكِبِ، وأخذوا ذلك المركبَ، وكان قد عاد من الإسكندريَّة، وفيه أمتعةٌ لعبد الرحمن، وجوارٍ مغَنِّياتٍ، وصعِدَ مَن في الأسطول إلى البَرِّ فقَتَلوا ونهبوا ورجعوا سالِمينَ إلى المهديَّة. ولَمَّا سَمِعَ عبد الرحمن الناصِرُ سَيَّرَ أسطولًا إلى بعضِ بلاد إفريقية، فنزلوا ونهبوا، فقَصَدتْهم عساكِرُ المعِزِّ فعادوا إلى مراكِبِهم، ورجعوا إلى الأندلس، وقد قَتَلوا وقُتِلَ منهم خلقٌ كثيرٌ.
كان أبو الحَسَنِ بنُ المعَلِّم وزيرُ بَهاءِ الدولة البُويهيِّ, قد استولى على الأمورِ كُلِّها، وخَدَمَه النَّاسُ كُلُّهم، حتى الوزراء، فمنع أهلَ الكرْخِ وبابَ الطاقِ مِن النَّوْحِ يومَ عاشوراء، ومِن تعليق المُسُوحِ، الذي كان يُعمَلُ به من نحوِ ثلاثينَ سَنَة، وكان المقرِّبُ مَن قرَّبه، والمُبْعَدُ مَن بعَّده، فثَقُلَ على الأُمَراء أمرُه، ولم يُراعِهم هو، فأجابهم السُّلطانُ، فشَغَّبَ الجندُ في هذا الوقت، وشَكَوا منه، وطلبوا منه تسليمَه إليهم، فراجَعَهم بهاءُ الدولة، ووعَدَهم كَفَّ يَدِه عنهم، فلم يَقبَلوا منه، فقَبَض عليه وعلى جميعِ أصحابِه، فظَنَّ أنَّ الجُندَ يَرجِعون، فلم يرجِعوا، فسَلَّمَه إليهم، فسقوه السُّمَّ مَرَّتين، فلم يَعمَلْ فيه شيئًا، فخَنَقوه ودَفَنوه، وكان هذا الوزيرُ قد أبطل ما كان يفعَلُه الرَّافِضةُ يوم عاشوراء ومَنَعَهم من القيامِ بتلك البِدَع.
سار السُّلطانُ مُشرفُ الدَّولة مُصعِدًا إلى بغداد من ناحيِة واسط، ورُوسِلَ القادِرُ باللهِ في البروزِ لتَلَقِّيه، فتلقَّاه من الزلاقة، ولم يكن تلقَّى أحدًا من الملوكِ قَبلَه. فرَكِبَ في الطيار، وعن جانبه الأيمَنِ الأميرُ أبو جعفر، وعن يسارِه الأميرُ أبو القاسمِ، وبين يديه أبو الحسَنِ عليُّ بنُ عبد العزيز، وحوالي القُبَّة الشريف أبو القاسم المرتضي، وأبو الحَسَن الزينبي، وقاضي القُضاة ابنُ أبي الشوارب، وفي الزبازب المسَوِّدة من العباسيِّين، والقضاة، والقُرَّاء، والعلماء، ونزل مُشرفُ الدَّولة في زبزبه بخواصِّه، وصعد إلى الطيار، فقَبَّلَ الأرض، وأُجلِسَ على كرسيٍّ، وسأله الخليفةُ عن خبره وكيف حالُه، والعسكَرُ واقِفٌ بأسره على شاطئِ دِجلةَ، والعامَّةُ في الجانبين. ثم قام مشرف الدَّولة فنزل إلى زبزبه، وأصعد الطيار.
هو قوام الدَّولة أبو الفوارِسِ بنُ بَهاءِ الدَّولة البُويهيُّ الدَّيلميُّ الشِّيعيُّ، صاحِبُ كرمان. في سنة410 قُرِئَ عَهدُ أبي الفوارس ولُقِّبَ قوام الدَّولة، وخُلِعَ عليه خِلَعًا حُمِلَت إليه بوِلايةِ كرمان. كان أبو الفوارِسِ قد تجَهَّزَ لِقَصدِ بلاد فارس، وجَمَع عسكرًا كثيرًا، فأدرَكَه أجَلُه، فلمَّا توفِّيَ نادى أصحابُه بشعارِ ابنِ أخيه المَلِك أبي كاليجار، وأرسلوا إليه يَطلُبونَه إليهم، فسار مُجِدًّا، ومَلَك البلادَ بغَيرِ حَربٍ ولا قتالٍ، وأمِنَ النَّاسُ معه، وكانوا يكرهونَ عمَّه أبا الفوارِسِ لظُلمِه وسُوءِ سِيرتِه، وكان إذا شَرِبَ ضَرَبَ أصحابَه، وضَرَب وزيرَه يومًا مِئَتي مقرعةٍ، وحَلَّفَه بالطَّلاقِ أنَّه لا يتأوَّهُ، ولا يخبِرُ بذلك أحدًا، فقيلَ إنَّهم سَمُّوه فمات.
وَرَدَ إلى بغداد الشَّريفُ أبو القاسمِ البكريُّ، المغربيُّ، الواعظُ، وكان أَشعريَّ المَذهبِ، وكان قد قَصَدَ نِظامَ المُلْكِ، فأَحَبَّهُ ومالَ إليه، وسَيَّرَهُ إلى بغداد، وأَجرَى عليه الجِرايةَ الوافِرةَ، فوَعظَ بالمدرسةِ النِّظاميَّةِ، وكان يَذكُر الحَنابِلَةِ ويَعِيبُهم، ويقول: "وما كَفَرَ سُليمانُ ولكنَّ الشياطين كَفَروا، والله ما كَفَرَ أَحمدُ ولكنَّ أَصحابَه كَفَروا، ثم إنَّه قَصَدَ يومًا دارَ قاضي القُضاةِ أبي عبدِ الله الدَّامغاني بنَهرِ القلائين، فجَرَى بين بَعضِ أَصحابِه وبين قَومٍ من الحَنابلةِ مُشاجرةٌ أَدَّت إلى الفِتنَةِ، وكَثُرَ جَمعُه، فكَبَسَ دُورَ بَنِي الفَرَّاءِ الحَنابلةِ، وأَخذَ كُتُبَهم، وأَخذَ منها كِتابَ ((الصِّفاتِ)) لأبي يَعلَى، فكان يَقرأُ بين يدي البَكريِّ وهو جالسٌ على الكُرسيِّ للوَعظِ، فيُشَنِّعُ به عليهم، وجَرَى له معهم خُصوماتٌ وفِتَنٌ. ولُقِّبَ البَكريُّ من الدِّيوانِ بِعَلَمِ السُّنَّةِ.
كَبَسَ أَهلُ بابِ البَصرَةِ السُّنَّةُ الكَرخَ، فقَتَلوا رَجلًا وجَرَحوا آخرَ، فأَغلقَ الشِّيعةُ من أَهلِ الكَرخِ الأَسواقَ، ورَفَعوا المَصاحِفَ، وحَمَلوا ثِيابَ الرَّجُلينِ وهي بالدَّمِ، ومَضوا إلى دارِ العَميدِ كَمالِ المُلْكِ أبي الفَتحِ الدهستاني مُستَغيثينَ، فأَرسلَ إلى النَّقيبِ طِرادِ بن محمدٍ يَطلُب منه إِحضارَ القاتِلين، فقَصَدَ طِرادٌ دارَ الأميرِ بوزان بقَصرِ ابنِ المأمونِ، فطالَبَه بُوزان بهم، ووَكَّلَ به، فأَرسلَ الخَليفةُ إلى بُوزان يُعرِّفهُ حالَ النَّقيبِ طِرادٍ، ومَحِلَّه، ومَنزِلَتَه، فخَلَّى سَبيلَه واعتَذرَ إليه، فسَكَّنَ العَميدُ كَمالُ المُلْكِ الفِتنةَ، وكَفَّ الناسُ بَعضُهم عن بعضٍ، ثم سار إلى السُّلطانِ، فعادَ الناسُ إلى ما كانوا فيه من الفِتنَةِ، ولم يَنقَضِ يومٌ إلا عن قَتْلَى وجَرْحَى. وسَبَّ أَهلُ الكَرخِ الصَّحابةَ وأَزواجَ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم.
عزُّ الدين مسعود بن آقسنقر البرسقي السلجوقي توفي في هذه السنة, واتَّفق أن موته كان بالرحبة، وسببُ مسيره إليها أنه لما استقامت أمورُه في ولايته، وراسل عز الدين السلطان محمودًا، وطلب منه ولايةَ ما كان أبوه يتولاه من الموصل وغيرها، أجابه السلطان إلى ما طلب، فرتَّب الأمور وقررها، فكثُرَ جنده، وكان شجاعًا شهمًا، عالي الهمة محًّبا للجهاد, فطمع في التغلب على بلاد الشام، فجمع عساكره، وسار إلى الشام يريد قَصْدَ دمشق، فابتدأ بالرحبة، فوصل إليها ونازلها، وقام يحاصِرُها، فأخذه مرضٌ حاد وهو محاصِرٌ لها، فتسلَّم القلعة، ومات بعد ساعة، وبقي مطروحًا على بساط، وتفرَّق جيشه، ونهب بعضُهم بعضًا، فأراد غلمانُه أن يقيموا ولَدَه، فأشار الوزير أنوشروان بالأتابك زنكي لحاجة الناس إلى من يقوم بإزاء الفرنجِ.
في هذه السنة جهَّز ابن تومرت جيشًا عليهم الونشريسي وعبد المؤمن إلى مراكش، فحصروا أمير المسلمين بمراكش عشرين يومًا، ثم سار متولي سجلماسة بالعساكر للكشف عن مراكش، وطلع أهل مراكش وأمير المسلمين واقتتلوا، فقُتِل الونشريبسي، وصار عبد المؤمن مقدَّم العسكر، واشتدَّ بينهم القتال إلى الليل، واستحَرَّ القتل بالموحِّدين, فانهزم عبد المؤمن بالعسكر إلى الجبل، ولما بلغ المهدي بن تومرت خبر هزيمة عسكره، وكان مريضًا، فاشتدَّ مرضه، وسأل عن عبد المؤمن فقالوا: سالم، فقال المهدي: لم يمت أحد، وأوصى أصحابَه باتباع عبد المؤمن وقال: هو الذي يفتح البلاد، فاعضُدوه بأنفسكم وأموالكم، وسمَّاه أمير المؤمنين، ثم مات المهدي في مرضه هذا، وعاد عبد المؤمن إلى تينمليل وأقام بها يؤلِّف قلوب الناس.
سار صلاحُ الدين إلى مدينةِ حماة، وهو في جميعِ أحوالِه لا يُظهِرُ إلَّا طاعةَ الملكِ الصالحِ بنِ نور الدين محمود، فلما وصَلَ إلى حماة، مَلَك المدينةَ مُستهَلَّ جمادى الآخرة، وكان بقلعتِها الأميرُ عزُّ الدين جورديك، وهو من المماليك النوريَّة، فامتنع من التسليمِ إلى صلاحِ الدين، فأرسل إليه صلاحُ الدينِ ما يُعَرِّفه ما هو عليه من طاعةِ المَلِك الصالح، وإنما يريدُ حِفظَ بلادِه عليه، فاستحلَفَه جورديك على ذلك فحَلَفَ له وسَيَّرَه إلى حلب في اجتماعِ الكلمة على طاعةِ الملك الصالح، وفي إطلاقِ شمسِ الدين علي وحسن وعثمان أولاد الداية من السجن، فسار جورديك إلى حلب، واستخلف بقلعةِ حماة أخاه ليحفَظَها، فلما وصل جورديك إلى حَلَبَ قبض عليه كمشتكين وسجَنَه، فلما عَلِمَ أخوه بذلك سَلَّمَ القلعةَ إلى صلاح الدين فمَلَكَها.
كان بمكَّةَ حَربٌ شديدةٌ بين أمير الحاجِّ طاشتكين وبين الأمير مُكثِر أمير مكة، وكان الخليفةُ قد أمر أميرَ الحاج بعَزلِ مُكثر وإقامة أخيه داود مقامَه، وسبَبُ ذلك أنه كان قد بنى قلعةً على جبل أبي قُبَيس، فلما سار الحاجُّ من عرفة لم يبيِّتوا بالمُزدَلفة، وإنما اجتازوا بها، فلم يَرمُوا الجمار، إنَّما بَعضُهم رمى بعضَها وهو سائِرٌ، ونزلوا الأبطُحَ فخرج إليهم ناسٌ مِن أهل مكة فحاربوهم، وقُتِلَ من الفريقين جماعة، وصاح الناسُ: الغزاةُ إلى مكَّة، فهجموا عليها، فهرب أميرُ مكة مكثر، فصَعِدَ القلعة التي بناها على جبلِ أبي قبيس فحَصَروه بها، ففارقها وسار عن مكَّة، وولي أخوه داود الإمارةَ، ونَهَب كثيرٌ من الحاجِّ مَكَّةَ وأخذوا من أموالِ التجَّارِ المقيمين بها الشَّيءَ الكثير، وأحرقوا دورًا كثيرةً.
أرسلَ صلاحُ الدين إلى وَلَدِه الأفضل يأمُرُه أن يرسل قطعةً صالحةً مِن الجيش إلى بلدِ عكا ينهبونَه ويخَرِّبونهَ، فسيَّرَ مُظفَّر الدين كوكبري بن زين، وهو صاحِبُ خوارزم شاه ران والرها، وأضاف إليه قايماز النجمي ودلدرم اليارقي، وهما من أكابِرِ الأمراء، وغيرهما، فساروا ليلًا، وصَبَّحوا صفوريَّة أواخِرَ صَفَر، فخرج إليهم الفِرنجُ في جمعٍ مِن الدواية والإسبتارية وغيرهما، فالتَقَوا هناك، وجَرَت بينهم حربٌ شديدة، ثم أنزل الله تعالى نَصْرَه على المسلمين، فانهزم الفرنجُ، وقُتِلَ منهم جماعة، وأُسِرَ الباقون، وفيمن قُتِل مُقَدَّم الإسبتارية، وكان عَودُهم على طبرية، وبها القُمُّص، فلم ينكِرْ ذلك، فكان فتحًا كثيرًا، فإنَّ الداوية والإسبتارية هم جمرةُ الفرنج، وسُيِّرَت البشائر إلى البلاد بذلك.
صار الأمرُ في المملكة لأيبك البدري وَحْدَه من غير منازع، وأخذ أيبك في المملكة وأعطى، وحكم بما اختاره وأراده، فمِن ذلك أنَّه في رابع شهر ربيع الأول رَسَم بنفي الخليفة المتوكِّل على الله إلى مدينة قوص، فخرج المتوكِّلُ على الله، ثم شُفِعَ فيه فعاد إلى بيته، ومن الغَدِ طَلَب أيبك نجم الدين زكريا بن إبراهيم ابن الخلفية الحاكمِ بأمر الله وخَلَع عليه واستقَرَّ به في الخلافة عِوَضًا عن المتوكل على الله من غير مبايعةٍ ولا خَلعِ المتوكِّلِ مِن الخلافةِ نَفسَه، ولُقِّبَ زكريا بالمعتصم بالله، ثم في العشرين من شهر ربيع الأول تكلَّم الأمراء مع أيبك فيما فعله مع الخليفةِ، ورَغَّبوه في إعادته، فطلبه وأخلع عليه على عادتِه بالخلافةِ، وعزل زكريَّا, ومن الناس من لم يُثبِتْ خلافة زكريا؛ فإنَّه لم يخلَع المتوكِّلُ نَفسَه من الخلافة حتى يبايَعَ زكريا!
في المدَّة ما بين782 إلى 786, استولى تيمورلنك على خراسان وجرجان ومازندران وسجستان وأفغانستان، وفارس وأذربيجان وكردستان، ثمَّ في هذا العام دَبَّ الخلاف بين تيمورلنك وبين توقتاميش؛ إذ هاجم الأخيرُ ضواحيَ سمرقند ولم يكُنْ تيمورلنك فيها، فلما عاد تيمورلنك إلى قاعدة حكمه في سمرقند رجع توقتاميش إلى بلاده، ولم يمضِ طويلُ وقت حتى عاد توقتاميش للإغارةِ مَرَّةً أخرى على سمرقند؛ ممَّا شجع خوارزم على إعلان العصيان على تيمورلنك وتراجع توقتاميش بنيَّة استدراج تيمورلنك إلى سيبريا؛ لينقَضَّ عليه هناك، فسار تيمورلنك نحوَ الجرجانية إحدى مدن خوارزم، وفعل بأهلها الأفاعيل ليُرهِبَ به الأعداء، ثم إن تيمورلنك وتوقتاميش التقَيَا على نهر أورال وانتصر تيمورلنك في هذه المعركة، وتابع تيمورلنك مسيرَه ففتح مدينة سراي عاصمة مغول الشمال أو القبيلة الذهبية.