الموسوعة التاريخية

عدد النتائج ( 6153 ). زمن البحث بالثانية ( 0.002 )

العام الهجري : 814 العام الميلادي : 1411
تفاصيل الحدث:

قبض السلطانُ الناصِرُ فرج على جماعةٍ من كبار المماليك الظاهرية -مماليك برقوق- وحبسهم بالبرج من القلعة، ثم قتَلَهم بعد شهر، وكانوا جمعًا كبيرًا، ثم في شهر رجب نزل السلطان من القلعة إلى الصيد، فبات ليلةً وعزم على مبيت ليلة أخرى بسرياقوس، فبلغه أن طائفة من الأمراء والمماليك اتفقوا على قتله، فعاد إلى القاهرة مسرعًا، وأخذ يتتبَّعُ ما قيل حتى ظفر بمملوكين عندهما الخبر، فعاقبهما في ثامن عشر شهر رجب، فأظهرا ورقةً فيها خطوط جماعة كبيرة، كبيرُهم الأمير جانم، وكان جانم قد سافر قبل تاريخه إلى منية ابن سلسيل، وهي من جملة إقطاعه، فندب السلطان الأمير بكتمر جلق، والأمير طوغان الحسني الدوادار؛ لإحضار جانم ومَسَك السلطان بعد خروجهما جماعةً كبيرةً من الأمراء والمماليك الظاهرية ووسَطَ منهم خمسةً، فنفرت القلوب منه، ووجد شيخ ونوروز للوثوب عليه سبيلًا. ذبح السلطان في ليلة الأربعاء مُستهلَّ شعبان عشرين مملوكًا ممن قُبِض عليهم، ثم وَسَط من الأمراء في يوم الأربعاء الثامن عشر آخر تحت القلعة، وفي ليلة الأربعاء قتل السلطان أيضًا بالقلعة من المماليك الظاهرية زيادة على مائة مملوك من الشراكسة من مماليك أبيه، ثم إن السلطان نادى في أول شهر رمضان بالقلعة بالأمان، وأنهم عتقاء شهر رمضان، فظهر منهم جماعة، فأَمِنوا، وتتابع بقيتهم حتى ظهر قريب من ثلاثين مملوكًا في عدة أيام، فوُعدوا بخير، وأن يُعطَوا الخيل، ورُسِم لهم بيوم يجتمعون فيه لأخذ خيولهم فاغترُّوا وحضروا، فقُبِض عليهم كلهم وحبسوا، وتتبع المماليك السلطانية، وجلس السلطان لتفريق القرقلات برسم الرسم عليهم، فقبض على جماعة كثيرة منهم وسَجَنهم، فما انقضى شهر رمضان حتى زادت عدة المسجونين من المماليك السلطانية على أربعمائة رجل، ثم ذبح السلطان في ليلة ثالث شوال أزيدَ من مائة نفس من المماليك السلطانية الظاهرية المحبوسين بالبرج، ثم أُلقوا من سور القلعة إلى الأرض، ورُموا في جبٍّ مما يلي القرافة، واستمر الذبحُ فيهم.

العام الهجري : 814 الشهر القمري : جمادى الآخرة العام الميلادي : 1411
تفاصيل الحدث:

تواترت الأخبارُ بأنَّ الأميرين شيخًا ونوروزًا قد اتفقا على الخروج عن طاعة السلطان، وعزما على أخذ حماة، فوقع الشروع في عمارة قلعة دمشق، وكُتِبَ تقدير المصروف على ذلك مبلغ ثلاثين ألف دينار، وفيه وقع الاهتمام في بلاد الشام بتجهيز الإقامات للسلطان، وفي شهر رجب قدم الخبر بأن الأمير نوروزًا نائب طرابلس توجَّه منها إلى حصن الأكراد وحاصرها، وأن الأمير شيخًا كتب إليه أنه اتفق مع جماعة من قلعة حلب على أن يسلِّموها له، وأشار عليه أن يرجع إلى طرابلس يحصل قلعة حلب بيده، وأن الاتفاق وقع بينهما على أن يجهزا سودن الجلب على ثلاثمائة فارس ليأخُذَ حماة، وأن الأمير شيخًا أرسل إلى ناصر الدين محمد بن دلغادر يعرض عليه نيابة عينتاب فلم يقبل ذلك، وأنه خرج من حلب يريد العمق، فنزله آخر جمادى الآخرة، وجمع عليه طائفة التركمان البياضية وابن سقل سيز، ابن صاحب الباز، وغيرهم من التركمان والعرب، وأنه أوقع بعمر بن كندر في ثالث رجب، ثم قاتل التركمان في سابعه، فكسرهم، وأسر منهم جماعة، وأنه بعث أحمد الجنكي أحد ندمائه بهدية إلى قرا يوسف، وأن نوروزًا بعث إليه بهدية أخرى صحبة بهلوان من أصحابه، وفي شهر رمضان تأكد عند السلطان خروج الأميرين شيخ ونوروز عن طاعته، وأنهما عزما على أخذ دمشق، وأن سودن الجلب ويشبك بن أزدمر سعيا في ذلك، وأن الأمير نوروزًا قتل أقسنقر الحاجب، ثم في شهر ذي الحجة خرج السلطان بجيشه من مصر يريد الشام وأن يأخذ الأمير شيخًا ونوروزًا، ثم جاء الخبر بأن الأمراء الذين تقدموه قد خرجوا عن الطاعة، فلم يَثبُت، وسار السلطان من غزة مجدًّا في طلبهم، وقد نفرت منه القلوب، وتمالأت على بُغضِه؛ لقبح سيرتِه، وسوء سريرتِه، وفي السادس والعشرين ذي الحجة نزل الأمراء الذين تقدموا بقبة يلبغا خارج دمشق، وركبوا إلى الأمير تغري بردي نائب الشام، فعادُوه وقد اشتد به مرضُه، وأعلنوا بما هم عليه من الخلاف للسلطان، والخروج عن طاعته، ثم رحلوا عن قبة يلبغا في التاسع والعشرين، ونزلوا على برزة يريدون اللحاق بالأميرين شيخ ونوروز على حمص، فلم يوافقهم على ذلك الأمير شاهين الزردكاش، فقبضوا عليه ومضوا، ونزل السلطان الكسوة في بكرة يوم الثلاثاء آخره، وقد فتَّ في عَضُدِه مخالفة الأمراء عليه، ولاحت أمارات الخذلان عليه، وظهرت كآبة الزوال والإدبار، فألبس من معه من العسكر السلاح، ورتَّبهم بنفسه، ثم ساق بهم، وقصد دمشق.

العام الهجري : 814 الشهر القمري : شوال العام الميلادي : 1412
تفاصيل الحدث:

نزل عددٌ من الفرنج على دمياط في أربعة أغربة وبيونيين -نوعين من المراكب-  فقاتلهم المسلمون على بر الطينة قتالًا كبيرًا، جُرح فيه جماعة من المسلمين، وقُتِلت خيولهم. فمضى الفرنج في آخر النهار إلى بر الطينة القديمة، ونهبوا ما كان هناك، وأتوا من الغد إلى حيث كانوا، فقاتلوا المسلمين مرة ثانية قتالًا كثيرًا، وعادوا إلى مراكبهم، فقدم في الحال غراب من أغربة المسلمين، فأحاط به الفرنج، فلم يثبت من كان في الغراب وألقَوا أنفسهم في الماء، وخلصوا إلى البر -وكانوا قريبًا منه- ثم مضوا إلى دمياط؛ فتكاثر المسلمون على الفرنج، وأخذوا منهم غراب المسلمين بعد قتال شديد، وقتلوا منهم إفرنجيينِ وأخذوا سلاحًا، فانهزم بقيتهم، وحُمِل الرأسان والسلاح إلى السلطان.

العام الهجري : 815 الشهر القمري : محرم العام الميلادي : 1412
تفاصيل الحدث:

خرج السلطان الملك الناصر فرج من دمشق بعساكره في يوم الاثنين سادس المحرم، ونزل برزة، ثم رحل منها يريد محاربة الأمراء الخارجين عليه: نوروز الحافظي، وشيخ المحمودي، ونزل حسيا بالقرب من حمص، فبلغه رحيل القوم من قارا إلى جهة بعلبك، فترك أثقاله بحسيا وساق على أثرهم إلى بعلبك، فوجدهم قد توجهوا إلى البقاع، فقصدهم، فمضوا نحو الصبيبة، فتبعهم حتى نزلوا باللجون، فساق السلطان خلفهم وهو سكران لا يعقِل، فما وصل إلى اللجون حتى تقطعت عساكره عنه من شدة السَّوق، ولم يبقَ معه غير من ثَبَت على سوقه، وهم أقل ممن تأخَّر، وكان قد وصل وقت العصر من يوم الاثنين ثالث عشر المحرم، فوجد الأمراء قد نزلوا باللجون وأراحوا، وفي ظنهم أنه يتمهَّلُ ليلته ويلقاهم من الغد، فإذا جنَّهم الليل ساروا بأجمعهم من وادي عارة إلى جهة الرملة، وسلكوا البرية عائدين إلى حلب، وليس في عزمهم أن يقاتلوه أبدًا، لا سيما الأمير شيخ المحمودي فإنه لا يريد ملاقاته بوجه من الوجوه، فحال وصول الملك الناصر إلى اللجون أشار عليه الأتابك دمرداش المحمدي أن يريح خيلَه وعساكره تلك الليلة، ويقاتلهم من الغد، فأجابه السلطان بأنهم يفرُّون الليلة، فقال له دمرداش: إلى أين بقُوا يتوجهون يا مولانا السلطان بعد وقوع العين في العين؟ يا مولانا السلطان مماليكك في جهد وتعب من السَّوق، والخيول كَلَّت، والعساكر منقطعة، فلم يلتفت إلى كلامِه، وحرَّك فرسه ودقَّ بزخمته على طبله، وسار نحو القوم، وحمل عليهم بنفسِه من فوره حال وصولِه، فارتضمت طائفة من مماليكه في وحلٍ كان هناك، ثم قبل اللقاء خرج الأمير قجق أحد أمراء الألوف بطلبه من مماليكه وعسكره، وذهب إلى الأمراء، وتداول ذلك مع المماليك الظاهرية واحدًا بعد واحد، والملك الناصر لا يلتفت إليهم، ويشجِّع من بقي معه حتى التقاهم وصدمهم صدمةً هائلة، وتقهقر عسكره مع قلتهم، فانهزم السلطان عند ذلك، بعد أن قاتل بنفسه، وساق يريد دمشق -وكان الرأي توجهه إلى مصر- وتبعه سودون الجلب، وقرقماس ابن أخي دمرداش، ففاتهما الملك الناصر ومضى إلى دمشق، وأحاط القوم بالخليفة المستعين بالله، وفتح الدين فتح الله كاتب السر، وناظر الجيش بدر الدين حسن بن نصر الله، وناظر الخاص ابن أبي شاكر، واستولوا على جميع أثقال الملك الناصر وأمرائه، وامتدت أيدي أصحاب الأمراء إلى النهب والأسر في أصحاب الملك الناصر، وما غربت الشمس حتى انتصر الأمراء وقَوِيَ أمرهم، وباتوا تلك الليلة بمخيماتهم، وهي ليلة الثلاثاء، وأصبح الأمراء وليس فيهم من يرجع إليه، بل كل واحد منهم يقول: أنا رئيس القوم وكبيرهم، وأما الملك الناصر فإنه لما انكسر سار نحو دمشق حتى دخلها ليلة الأربعاء في ثلاثة نفر، ونزل بالقلعة واستدعى القضاة والأعيان ووعدهم بكل خير، وحثَّهم على نصرته والقيام معه، فانقادوا له، فأخذ في تدبير أموره، وتلاحقت به عساكره شيئًا بعد شيء في العاشر من محرم، ثم أحضر السلطان الأموال وصبها وأتاه الناس من كل فج من التركمان والعربان والعشير وغيرهم، فكتب أسماءهم وأنفق عليهم وقوَّاهم بالسلاح، وأنزل كل طائفة منهم بموضع يحفظه، فكان عدة من استخدمه من المشاة زيادةً على ألف رجل، وحَصَّن القلعة بالمجانيق والمدافع الكبار، وأتقن تحصين القلعة؛ بحيث إنه لم يبق سبيلٌ للتوصل إليها بوجه من الوجوه واستمر ذلك إلى بكرة يوم السبت ثامن عشر المحرم، فنزل الأمراء على قبة يلبغا خارج دمشق، فندب السلطان عسكرًا فتوجهوا إلى القبيبات، فبرز لهم سودون المحمدي، وسودون الجلب، واقتتلوا حتى تقهقر السلطانية منهم مرتين، ثم انصرف الفريقان، وفي يوم الأحد تاسع عشر المحرم ارتحل الأمراء عن قبة يلبغا، ونزلوا غربي دمشق من جهة الميدان، ووقفوا من جهة القلعة إلى خارج البلد، فتراموا بالنشاب نهارهم وبالنفط، فاحترق ما عند باب الفراديس من الأسواق، فلما كان الغد من يوم الاثنين عشرين محرم اجتمع الأمراء للحصار، فوقفوا شرقي البلد وقبليه، ثم كروا راجعين ونزلوا ناحية القنوات إلى يوم الأربعاء الثاني والعشرين، ووقع القتال من شرقي البلد، ونزل الأمير نوروز بدار الطعم، وامتدت أصحابه إلى العقيبة، ونزل طائفة بالصالحية والمزة، ونزل الأمير شيخ بدار غرس الدين خليل تجاه جامع كريم الدين الذي بطرف القبيبات ومعه الخليفة وكاتب السر فتح الله، ونزل بكتمر جلق وقرقماس المدعو بسيدي الكبير في جماعة من جهة بساتين معين الدين ومنعوا الميرة عن الملك الناصر، وقطعوا نهر دمشق، ففُقد الماء من البلد، وتعطلت الحمَّامات، وغُلِّقت الأسواق، واشتدَّ الأمر على أهل دمشق، واقتتلوا قتالًا شديدًا، وتراموا بالسهام والنفوط، فاحترق عدة حوانيت بدمشق، وكثرت الجراحات في أصحاب الأمراء من الشاميين، وأنكاهم السلطانية بالرمي من أعلى السور، وعَظُم الأمر، وكلُّوا من القتال، ثم بلغ الأمير شيخ المحمودي أن الملك الناصر عزم على إحراق ناحية قصر حجاج حتى يصير فضاءً ثم يركب بنفسه ويواقع القوم هناك بمن يأتيه من التركمان وبمن عنده، فبادر الأمير شيخ وركب بعد صلاة الجمعة بأمير المؤمنين ومعه العساكر، وسار من طريق القبيبات ونزل بأرض الثابتية، وقاتل الملك الناصر في ذلك اليوم أشد قتال إلى أن مضى من الليل جانب، وكثر من الشاميين الرمي بالنفط عليهم، فاحترق سوق خان السلطان وما حوله، وحملت السلطانية على الشيخية حملةً عظيمة هزموهم فيها، وتفرقوا فِرَقًا، وثبت الأمير شيخ في جماعة قليلة بعدما كان انهزم هو أيضًا إلى قريب الشويكة، ثم تكاثر الشيخية وانضم عليهم جماعة من الأمراء، فحمل الأمير شيخ بنفسه بهم حملة واحدة أخذ فيها القنوات، ففرَّ من كان هناك من التركمان والرماة وغيرهم، وكان الأتابك دمرداش المحمدي نازلًا عند باب الميدان تجاه القلعة، فلما بلغه ذلك ركب وتوجه إلى الملك الناصر وهو جالس تحت القبة فوق باب النصر، وسأله أن يندب معه طائفة كبيرة من المماليك السلطانية؛ ليتوجه بهم إلى قتال الأمير شيخ؛ فإنه قد وصل إلى طرف القنوات، وسهل أخذه على السلطان، فنادى الملك الناصر لمن هناك من المماليك وغيرهم بالتوجه مع دمرداش، فلم يجِبْه منهم أحد، ثم كرر السلطان عليهم الأمر غيرَ مرة حتى أجابه بعضهم جوابًا فيه جفاء وخشونة ألفاظ، معناه أنهم ملوا من طولِ القتال، وضَجِروا من شدة الحصار، وبينما هم في ذلك إذ اختبط العسكر السلطاني وكثر الصراخ فيهم بأن الأمير نوروزًا قد كبسهم، فسارعوا بأجمعهم وعبروا من باب النصر إلى داخل مدينة دمشق، وتفرَّقوا في خرائبها بحيث إنه لم يبقَ بين يدي السلطان أحد، فولى دمرداش عائدًا إلى موضعه، وقد ملك الأمير شيخ وأصحابه الميدان والإسطبل، فبعث دمرداش إلى السلطان مع بعض ثقاته بأن الأمر قد فات، وأن أمر العدو قوي، وأمر السلطان أخذ في إدبار، والرأي أن يلحق السلطان بحلب ما دام في الأمر سعة، فلما سمع الملك الناصر ذلك قام من مجلسه وترك الشمعة تتقد حتى لا يقع الطمع فيه بأنه ولى، ويوهم الناس أنه ثابت مقيم على القتال، ثم دخل إلى حَرَمِه وجهَّز ماله، وأطال في تعبئة ماله وقماشه، فلم يخرج حتى مضى أكثر الليل، والأتابك دمرداش واقف ينتظره، فلما رأى دمرداش أن الملك الناصر لا يوافقه على الخروج إلى حلب، خرج هو بخواصه ونجا بنفسه، وسار إلى حلب وترك السلطان، ثم خامر الأمير سنقر الرومي على الملك الناصر، وأتى أمير المؤمنين وبطل طبول السلطان والرماة، ثم خرج الملك الناصر من حرمه بماله، وأمر غلمانه فحُمِلت الأموال على البغال ليسير بهم إلى حلب، فعارضه الأمير أرغون من بشبغا الأمير آخور الكبير وغيره، ورغبوه في الإقامة بدمشق، وقالوا له: الجماعة مماليك أبيك لا يوصلون إليك سوءًا أبدًا، ولا زالوا به حتى طلع الفجر، فعند ذلك ركب الملك الناصر بهم، ودار على سور المدينة فلم يجد أحدًا ممن كان أعدَّه للرمي، فعاد ووقف على فرسه ساعة، ثم طلع إلى القلعة والتجأ بها بمن معه -وقد أشحنها- وترك مدينة دمشق، وبلغ أمير المؤمنين والأمراء ذلك، فركب الأمير شيخ بمن معه إلى باب النصر، وركب نوروز بمن معه إلى نحو باب توما، ونصب الأمير شيخ السلالم حتى طلع بعض أصحابه، ونزل إلى مدينة دمشق وفتح باب النصر، وأحرق باب الجابية، ودخل شيخ من باب النصر، وأخذ مدينة دمشق، ونزل بدار السعادة، وذلك في يوم السبت تاسع صفر، بعدما قاتل الملك الناصر نحو العشرين يومًا، قُتِل فيها من الطائفتين خلائق لا تُحصى، ووقع النهب في أموال السلطان وعساكره، وامتدت أيدي الشيخية وغيرهم إلى النهب، فما عفوا ولا كفُّوا، وركب أمير المؤمنين ونزل بدار في طرف ظواهر دمشق، وتحول الأمير شيخ إلى الإسطبل، وأنزل الأمير بكتمر جلق بدار السعادة، كونه قد ولي نيابة دمشق قبل تاريخه، هذا والسلطانية ترمي عليهم من أعلى القلعة بالسهام والنفوط يومهم كله، وباتوا ليلة الأحد على ذلك، فلما كان يوم الأحد عاشر صفر بعث الملك الناصر بالأمير أسندمر أمير آخور في الصلح، وتردد بينهم غير مرة حتى انعقد الصلح بينهم، وحلف الأمراء جميعهم وكُتِبت نسخة اليمين، ووضعوا خطوطهم في النسخة المذكورة، وكتب أمير المؤمنين أيضًا خطه فيها، وصعد بها أسندمر إلى القلعة ومعه الأمير ناصر الدين محمد بن مبارك شاه الطازي أخو الخليفة المستعين بالله لأمه، ودخلا على الملك الناصر وكلماه في ذلك، وطال الكلام بينهم، فلم يعجب الملك الناصر ذلك، وترددت الرسل بينهم غير مرة بغير طائل، وأمر الملك الناصر أصحابه بالرمي عليهم، فعاد الرمي من أعلى القلعة بالمدافع والسهام، وركب الأمراء واحتاطوا بالقلعة، فأرسل الملك الناصر يسأل بالكف عنه، فضايقوا القلعة خشية أن يفر السلطان منها إلى جهة حلب، ومشت الرسل أيضًا بينهم ثانيًا، وأضر الملك الناصر التضييق والغلبة إلى أن أذعن إلى الصلح، وحلفوا له ألا يوصلوا إليه مكروهًا، ويؤمِّنوه على نفسه، وأن يستمِرَّ الخليفة سلطانًا، وقيل غير ذلك: وهو أنه ينزل إليهم، ويتشاور الأمراء فيمن يكون سلطانًا، فإن طلبه المماليك فهو سلطان على حاله، وإن لم يطلبوه فيكون الخليفة، ويكون هو مخلوعًا يسكن بعض الثغور محتفظًا به، ومحصول الحكاية أنه نزل إليهم في ليلة الاثنين حادي عشر صفر، ومعه أولاده يحملهم ويحملون معه، وهو ماشٍ من باب القلعة إلى الإسطبل والناس تنظُره، وكان الأمير شيخ نازلًا بالإسطبل، فعندما عاينه الأمير شيخ قام إليه وتلقَّاه وقبَّل الأرض بين يديه، وأجلسه بصدر المجلس، وجلس بالبعدِ عنه وسكَّن روعه، ثم تركه بعد ساعة وانصرف عنه، فأقام الملك الناصر بمكانه إلى يوم الثلاثاء ثاني صفر، فجمع الأمراء والفقهاء والعلماء المصريون والشاميون بدار السعادة بين يدي أمير المؤمنين وقد تحول إليها وسكنها، وتكلموا في أمر الملك الناصر والمحضر المكتب في حقه، فأفتوا بإراقة دمه شرعًا، فأخذ في ليلة الأربعاء من الإسطبل، وطلع به إلى قلعة دمشق، وحبسوه بها في موضع وحدَه، وقد ضُيِّق عليه وأُفرِدَ من خَدَمِه، فأقام على ذلك إلى أن قُتِلَ ليلة السبت سادس عشر صفر.

العام الهجري : 815 الشهر القمري : محرم العام الميلادي : 1412
تفاصيل الحدث:

دار الأمرُ بين السلطان والأمراء العصاة عليه، وفي هذه الأثناء وفي يوم السبت خامس عشرين المحرم خلع الخليفة المستعين بالله الملكَ الناصر فرج من السلطنة، واتفق الأمراء على إقامة الخليفة المستعين بالله أبي الفضل العباس ابن الخليفة المتوكل على الله أبي عبد الله محمد ابن الخليفة المعتصم بالله أبي بكر ابن الخليفة المستكفي بالله أبي الربيع سليمان ابن الخليفة الحاكم بأمر الله أبي العباس أحمد بن الحسن بن أبي بكر بن علي بن الحسين في السلطنة؛ لتستقيم بسلطنته الأحوال، وتنفذ الكلمة، وتجتمع الناس على سلطان، وثبت خَلعُ الملك الناصر على القضاة، وأجمعوا على إقامة الخليفة سلطانًا، فامتنع الخليفة من ذلك غايةَ الامتناع، وخاف ألا يتمَّ له ذلك فيَهلِك، وصمم على الامتناع، وخاف من الملك الناصر خوفًا شديدًا، فلما عجز عنه الأمراء دبَّروا عليه حيلةً، وطلبوا الأمير ناصر الدين محمد بن مبارك شاه الطازي أخا الخليفة المستعين بالله لأمِّه، فندبوه بأن يركب ومعه ورقة تتضمن مثالب الملك الناصر ومعايبه، وأن الخليفة قد خلعه من المُلكِ وعزله من السلطنة، ولا يحل لأحد معاونته ولا مساعدته، فلما بلغ الخليفة ذلك لام أخاه ناصر الدين بن مبارك شاه على ذلك، وأيس الخليفة عند ذلك من انصلاح الملك الناصر له، فأذعن لهم حينئذ بأن يتسلطن؟ فبايعوه بأجمعهم، وحلفوا له بالأيمان المغلظة والعهود على الوفاء له وعلى القيام بنصرته ولزوم طاعته، وأما الملك الناصر فإنه لما تسلطن الخليفة، وخُلِعَ هو من المُلك، نفر الناس عنه وصاروا حزبين: حزبًا يرى أن مخالفة الخليفة كُفر، والناصر قد عُزِل من الملك، فمن قاتل معه فقد عصى اللهَ ورسوله، وحزبًا يرى أن القتال مع المَلِك الناصر واجب، وأنه باقٍ على سلطنته، ومن قاتله إنما هو باغٍ عليه وخارج عن طاعته، ومن حينئذٍ أخذ أمر الملك الناصر في إدبار.

العام الهجري : 815 الشهر القمري : صفر العام الميلادي : 1412
تفاصيل الحدث:

هو الملِكُ الناصر فرج ابن السلطان برقوق، سلطان مملوكي، تولى عرش مصر بعد وفاة والده برقوق وعمره 13 سنة. حدث في عهده قحطٌ عام في البلاد وانتشرت أوباء مات فيها ثلث سكان البلاد, كما سادت الفتن والاضطرابات في عهده؛ فقد ثار عليه أمراء المماليك الظاهرية مماليك أبيه؛ لأنه قرَّب المماليك الجركسية وأبعدهم، وقتل عددًا كبيرًا من أمراء المماليك الظاهرية فقاتلوه حتى خلعوه من السلطنة، ثم تم القبض عليه وحَبسُه في القلعة إلى أن قُتِل بعد اختلاف كبير وقع في أمره بين الأمراء؛ فكان رأي الأمير شيخ إبقاءه محبوسًا بثغر الإسكندرية، وإرساله إليها مع الأمير طوغان الحسني الدوادار، وكان رأي نوروز قتله، وقام نوروز وبكتمر جلق في قتله قيامًا بذلَا فيه جهدهما، وكان الأمير يشبك بن أزدمر أيضًا ممن امتنع من قتله، وشنَّع ذلك على نوروز، وأشار عليه ببقائه، واحتج بالأيمان التي حُلِفت له، واختلف القومُ في ذلك، فقوي أمر نوروز وبكتمر بالخليفة المستعين بالله، فإنه كان أيضًا اجتهد هو وفتح الله كاتب السر في قتله، وحملا القضاة والفقهاء على الكتابة بإراقة دمِه بعد أن توقَّفوا عن ذلك، حتى تجرد قاضي القضاة ناصر الدين محمد بن العديم الحنفي لذلك، وكافح من خالفَه من الفقهاء بعدم قَتلِه بقوة الخليفة ونوروز وبكتمر وفتح الله، ثم أشهد على نفسِه أنه حكم بقَتلِه شرعًا، فاستُخرِجت فتوى بحلِّ دمه لأمورٍ قام بها, ثم في ليلة السبت سادس عشر صفر دخل عليه ثلاثة نفر، هم: الأمير ناصر الدين محمد بن مبارك شاه الطازي أخو الخليفة المستعين بالله لأمه، وآخر من ثقات الأمير شيخ، وآخر من أصحاب نوروز، ومعهم رجلان من المشاعلية، فعندما رآهم الملك الناصر فرج قام إليهم فزعًا، وعرف فيما جاؤوا، ودافع عن نفسه، وضرب أحد الرجلين بالمدورة صرعه، ثم قام الرجل هو ورفيقه ومشوا عليه وبأيديهم السكاكين، ولا زالوا يضربونه بالسكاكين وهو يعاركهم بيديه، وليس عنده ما يدفع عن نفسه به، حتى صرعاه، بعد ما أثخنا جراحه في خمسة مواضع من بدنه، وتقدم إليه بعض صبيان المشاعلية فخنقه وقام عنه، فتحرك الملك الناصر، فعاد إليه وخنقه ثانيًا حتى قَوِيَ عنده أنه مات، فتحرَّك فعاد إليه ثالثًا وخنقه، وفرى أوداجه بخنجر كان معه، وسلبه ما عليه من الثياب، ثم سَحَب برجليه حتى ألقيَ على مزبلة مرتفعة من الأرض تحت السماء، وهو عاري البدن، يستر عورته وبعض فخذيه سراويله، وعيناه مفتوحتان، والناس تمر به ما بين أمير وفقير ومملوك وحر، قد صرف الله قلوبَهم عن دفنه ومواراتِه، وبقيت الغلمان والعبيد والأوباش تعبث بلحيته وبدنِه، واستمَرَّ على المزبلة طول نهار السبت، فلما كان الليل من ليلة الأحد حمله بعض أهل دمشق وغسَّله وكفَّنه، ودفنه بمقبرة باب الفراديس احتسابًا لله تعالى، بموضع يعرف بمرج الدحداح، ولم تكن جنازته مشهودة، ولا عُرِف من تولى غَسلَه ومواراتَه، فكانت مدة ولاية السلطان الناصر فرج الثانية حوالي السبع سنين والأولى مثلها تقريبًا.

العام الهجري : 815 الشهر القمري : ربيع الآخر العام الميلادي : 1412
تفاصيل الحدث:

هو العلامة الفقيه المحدث القاضي الشاعر الأديب قاضي القضاة محبُّ الدّين أبو الوليد محمد بن محمد بن محمود بن غازي ابن أيوب بن الشِّحنة محمود، والشِّحنة جدُّه الأعلى محمود، الشهير بابن الشِّحنة التُّركي الأصل الحلبي الحنفي، وأسرة آل الشحنة المشهورين بحلب من قبيلة ثقيف، وظهر منهم علماء أجلاء. ولد أبو الوليد سنة 749، وحفظ القرآن العظيم وعدة متون، وتفقَّه وبرع في الفقه، والأصول، والنحو، والأدب، وأفتى ودرّس، وتولى قضاء قضاة الحنفية بحلب، ثم دمشق، إلى أن قبض عليه الظَّاهر برقوق، وقدم به إلى القاهرة، ثم أُفرِجَ عنه ورجع إلى حلب، فأقام بها إلى أن قبض عليه الملك الناصر فرج سنة 813 لقيامه مع جماعةٍ على الناصر، ثم أفرج عنه فقدمَ القاهرة، ثم عاد إلى دمشق بصحبة الملك الناصر سنة أربع عشرة، فلما انكسر الناصر وحوصر بدمشق ولَّاه قضاء الحنفية بالقاهرة، فلم يتمَّ؛ لأنه لما أزيلت دولة الناصر أعيد ابن العديم لقضاء الدِّيار المصرية، واستقرَّ ابن الشِّحنة في قضاء حلب ودرس بدمشق. قال ابن حجر: "كان كثير الدعوى والاستحضار، عالي الهمَّة، وعمل تاريخًا لطيفًا فيه أوهام عديدة، وله نظم فائق وخط رائق" له ألفية رجز تشتمل على عشرة علوم، وألفية اختصر فيها منظومة النَّسَفي وضم إليها مذهب أحمد. وله تآليف أخرى في الفقه، والأصول، والتفسير. توفي بحلب يوم الجمعة ثاني عشر ربيع الآخر. ومحب الدين هو والد أبي الفضل

العام الهجري : 815 الشهر القمري : شعبان العام الميلادي : 1412
تفاصيل الحدث:

بقي الخليفة العباسي المستعين بالله سلطانًا بعد خلع السلطان الناصر فرج أول السنة، ولكن الأمير شيخ المحمودي بيده كل شيء من أمر ونهي وعزل حتى تسمى بالأمير الكبير، ثم لما عَظُم أمره بعد موت بكتمر، وهو مقدم الألوف في الجيش، رأى شيخ المحمودي أن الجوَّ قد خلا له فلا مانع من سلطنته، فطلب الأمراء وكلَّمهم في ذلك، فأجاب الجميع بالسمع والطاعة طوعًا وكرهًا واتفقوا على سلطنته، فلما كان يوم الاثنين مستهل شعبان، وعمل الموكب عنده على عادته بالإسطبل السلطاني، واجتمع القضاة الأربعة، قام فتح الله كاتب السر على قدميه في الملأ وقال لمن حضر: إن الأحوال ضائقة، ولم يعهد أهل نواحي مصر اسم خليفة، ولا تستقيم الأمور إلا بأن يقوم سلطان على العادة، ودعاهم إلى الأتابك شيخ المحمودي، فقال الأمير شيخ: هذا لا يتم إلا برضا الجماعة، فقال من حضر بلسان واحد: نحن راضون بالأمير الكبير، فمدَّ قاضي القضاة جلال الدين عبد الرحمن البلقيني يدَه وبايعه، فلم يختلف عليه اثنان، وخُلِعَ الخليفة المستعين بالله العباس من السلطنة بغير رضاه، وبعد مبايعته بالسلطنة لُقِّب بالملك المؤيد شيخ، ثم جلس على كرسي الملك، وبعث إلى الخليفة القضاة ليسلِّموا عليه، ويشهدوا عليه أنه فوَّض إلى الأمير شيخ السلطنة على العادة، فدخلوا إليه وكلموه في ذلك، فتوقف في الإشهاد عليه بتفويض السلطنة توقفًا كبيرًا، ثم اشترط في أن يؤذَنَ له في النزول من القلعة إلى داره، وأن يحلف له السلطان بأنه يناصِحَه سرًّا وجهرًا، ويكون سِلمًا لمن سالمه وحَربًا لمن حاربه، فعاد القضاة إلى السلطان وردوا الخبر عليه، وحَسَّنوا له العبارة في القول، فأجاب: يُمهَل علينا أيامًا في النزول إلى داره، ثم يُرسَم له بالنزول، فأعادوا عليه الجواب بذلك وشهدوا عليه، وتوجَّهوا إلى حال سبيلهم، وأقام الخليفة بقلعة الجبل محتفظًا به على عادته أولًا خليفة، فكانت مدة سلطنته من يوم جلس سلطانًا خارج دمشق إلى يوم خلعه يوم الاثنين أول شعبان، سبعة أشهر وخمسة أيام، فلما حان يوم الاثنين مستهل شعبان حضر القضاة وأعيان الأمراء وجميع العساكر وطلعوا إلى باب السلسلة، وتقدم قاضي القضاة جلال الدين البلقيني وبايعه بالسلطنة، ثم قام الأمير شيخ من مجلسه ودخل مبيت الحراقة بباب السلسلة، وخرج وعليه خِلعة السلطنة السوداء الخليفتي على العادة، وركب فرس النوبة بشعار السلطنة، والأمراء وأرباب الدولة مشاة بين يديه، والقبة والطير على رأسه حتى طلع إلى القلعة، ونزل ودخل إلى القصر السلطاني، وجلس على تخت الملك، وقَبَّلت الأمراءُ الأرض بين يديه، ودُقَّت البشائر، ثم نودي بالقاهرة ومصر باسمه وسلطنته، وخُلِع على القضاة والأمراء ومن له عادة في ذلك اليوم.

العام الهجري : 816 العام الميلادي : 1413
تفاصيل الحدث:

لما مات السلطان بايزيد الأول بن مراد الأول استولى أولاده على البلاد وجرت بينهم حروب، وكان أقواهم محمد الأول بن بايزيد الذي استطاع أن يأخُذَ البلاد التي تحت يد أخيه عيسى وسليمان، وأن ينفرد بالسلطة ويصبح هو السلطان العثماني الخامس المتفرد بحكم الدولة العثمانية، ولكن رغم ذلك لم تهدأ الفتن الداخلية والخارجية، وبقي على قتال مع جيرانه ممن كانوا يثورون عليه أحيانًا ويثور عليهم أحيانًا.

العام الهجري : 816 الشهر القمري : محرم العام الميلادي : 1413
تفاصيل الحدث:

كانا الأميران نوروز وشيخ مشتركينِ في العصيان على السلطان الناصر فرج بن برقوق حتى تم لهما التغلب عليه، وقاما بسلطنة الخليفة المستعين بالله الذي  فوض إلى الأمير نوروز كفالة الشام جميعه: دمشق، وحلب، وطرابلس، وحماة، وصفد، وغزة، وجعل له أن يعيِّنَ الأمراء والإقطاعات لمن يريده ويختاره، وأن يولي نواب القلاع الشامية والسواحل وغيرها لمن أراد من غير مراجعة في ذلك، غير أنه يطالع الخليفة، ثم إن الأمير شيخًا استطاع أن يتسلطن ويخلع الخليفة من السلطنة فهذا ما أثار حفيظة نوروز الذي استدعى جميع النواب بالبلاد الشامية، فخرج الأمير نوروز إلى ملاقاتهم، والتقاهم وأكرمهم، وعاد بهم إلى دمشق، وجمع القضاة والأعيان، واستفتاهم في سلطنة الملك المؤيد شيخ وحبسه للخليفة وما أشبه ذلك، فلم يتكلم أحد بشيء، وانفضَّ المجلس بغير طائل، وأخذ الأمير نوروز في تقوية أموره واستعداده لقتال الملك المؤيد شيخ، وطلب التركمان، وأكثر من استخدام المماليك، وبلغ الملك المؤيد شيخًا ذلك فخلع في ثالث ذي الحجة من السنة على الأمير قرقماس ابن أخي دمرداش المدعو سيدي الكبير باستقراره في نيابة دمشق عوضًا عن الأمير نوروز الحافظي، فلما وصل قرقماس سيدي الكبير إلى غزة، سار منها في تاسع صفر وتوجَّه إلى صفد واجتمع بأخيه تغري بردي سيدي الصغير، ثم خرج في أثرهما الأمير ألطنبغا العثماني نائب غزة، والجميع متوجِّهون لقتال الأمير نوروز فقرَّروا البدء بأخذ حلب لَمَّا بلغهم خروج نوروز منها إلى جهة دمشق، فعاد نوزوز من حلب إلى دمشق، فأقاموا بالرملة، ولما بلغ نوروز قدوم قرقماس بمن معه إلى الرملة سار لحربهم، وخرج من دمشق بعساكره، فلما بلغ قرقماس وأخاه ذلك عادا بمن معهما إلى جهة الديار المصرية عجزًا عن مقاومته حتى نزلا بالصالحية، ثم إن السلطان جهز جيشًا وسيَّره إلى الشام للقاء نوروز، ثم في شهر صفر في ثامنه من السنة 817 نزل السلطان شيخ على قبة يلبغا خارج دمشق، وقد استعد نوروز وحَصَّن القلعة والمدينة، فأقام السلطان أيامًا، ثم رحل ونزل بطرف القبيبات، وكان السلطان -من الخربة- قد بعث قاضي القضاة مجد الدين سالم الحنبلي إلى الأمير نوروز ومعه قرا أول المؤيدي في طلب الصلح، فامتنع من ذلك، ووقعت الحرب، فانهزم نوروز، وامتنع بالقلعة في السادس والعشرين ونزل السلطان بالميدان، وحاصر القلعة، ورمى عليها بالمكاحل والمدافع والمنجنيق، حتى بعث نوروز بالأمير قمش الأمان، فأُجيبَ ونزل من القلعة، ومعه الأمراء: طوخ، ويشبك بن أزدمر، وسدن كستا، وقمش، وبرسبغا، وأينال، فقُبِض عليهم جميعًا في الحادي والعشرين شهر ربيع الآخر، وقُتِل من ليلته، وحُمِل رأسه على يد الأمير جرباش إلى القاهرة، وعلى يده كتب البشارة، وذلك أن الأمير كزل نائب طرابلس قَدِمَ في العشر الأخير من صفر، وقاتل عسكر نوروز، فركب السلطان بمن معه، فانهزم النوروزية إلى القلعة، وملك السلطان المدينة، ونزل بالإسطبل ودار السعادة، وحصر القلعة، وفي يوم الخميس مستهل جمادى الأولى قدم رأس نوروز، فعُلِّقَ على باب القلعة!

العام الهجري : 816 الشهر القمري : ربيع الأول العام الميلادي : 1413
تفاصيل الحدث:

قَدِمَ إلى أرض عجلون شخص يُسمَّى عثمان بن أحمد بن عثمان بن محمود بن محمد بن علي بن فضل بن ربيعة، يعرف بابن ثقالة، من فقهاء دمشق، وادعى أنه السفياني، وظهر بقرية الجيدور وحلَّف أهل البلاد وأقطع الإقطاعات، وأمَّر عدة من الناس، وقال: أنا السلطان الملك الأعظم السفياني، فاجتمع عليه خلق كثير؛ من عرب وترك وعشير، بألوية خضر إلى وادي إلياس من جبل عوف بمعاملة عجلون، وبثَّ كتُبَه، ووقَّع عليها تحت البسملة السفياني، ونصها: إلى حضرة فلان أن يجمع فرسان هذه الدولة السلطانية، الملكية، الإمامية، الأعظمية، الربانية، المحمدية، السفيانية، أعلاها الله تعالى وشرَّفها، وأنفذها في الآفاق، وصرَّفها، ويحضروا بخيلهم ورجالهم وعددهم، مهاجرين إلى الله ورسوله، ومجاهدين في سبيل الله تعالى، ومقاتلين؛ لتكون كلمة الله هي العليا، والاعتماد على العلامة الشريفة أعلاه أعلاها الله تعالى. ثم دخل أرض عجلون في تاسع ربيع أول، بعسكر كبير، فيه سلاح دارية، وطبر دارية، فأقطع الإقطاعات، وكتب على القصص، يكتب كما يكتب السلطان، فقَبَّل الناس الأرض بين يديه في ساعة واحدة، وهم زيادة على خمسمائة رجل، في وقتٍ واحد معًا، وخُطِب له على منبر عجلون، فقيل: السلطان الملك الأعظم السفياني، ونادى ببلاد عجلون أن مغلَّ هذه السنة يسامح به الناس فلا يؤخذُ منهم منه، وفيما بعدها يؤخَذُ منهم العشر فقط، ويترك أخذ الخراج وأخذ المكس، فإن حكم التركِ قد بَطَل، ولم يبقَ إلا حكم أولاد الناس، فثار عند ذلك غانم الغزاوي به، وجهز إليه طائفة طرقوه وهو بالجامع وقاتلوه، وقبضوا عليه، وعلى ثلاثة من أصحابه، بعدما ركب وقاتلهم، فاعتُقل الأربعة بقلعة عجلون، وكتب بالخبر إلى السلطان، فنقله إلى قلعه صفد، واعتقله بها.

العام الهجري : 816 الشهر القمري : ذي الحجة العام الميلادي : 1414
تفاصيل الحدث:

قام السلطانُ المؤيد شيخ المحمودي في شهر ذي الحجة باستدعاء داود بن المتوكل على الله من داره، وهو أخو الخليفة العباسي العباس المستعين بالله، فحضر بين يديه بقلعة الجبل، وقد حضر قضاة القضاة الأربعة، فعندما رآه قام له، وقد ألبسه خِلعةً سوداء، وأجلسه بجانبه، بينه وبين قاضي القضاة شيخ الإسلام جلال الدين البلقيني، فدعا القضاة، وانصرفوا على أن داود بن المتوكل على الله استقَرَّ في الخلافة، ولم يقع خلع الخليفة المستعين بالله، ولا أقيمت بينه بما يوجب شغور الخلافة عنه، ولا بويع داود هذا، بل خُلِعَ عليه فقط، ولُقِّبَ بأبي الفتح المعتضد بالله أمير المؤمنين، أما الخليفة المستعين بالله فأُخِذ إلى قلعة الجبل في دار بالقلعة مدة، ثم نُقِل إلى برج بالقلعة إلى يوم عيد النحر من سنة 819، فأُنزل من القلعة نهارًا إلى ساحل النيل على فرس، وصحبته أولاد الملك الناصر فرج ابن الظاهر برقوق، وهم: فرج، ومحمد، وخليل، وتوجه معهم الأمير كزل الأرغون شاوي إلى الإسكندرية، فدام الخليفة المستعين هذا مسجونًا بالإسكندرية إلى أن نقله الملك الأشرف برسباي إلى قاعة بثغر الإسكندرية، فدام بها إلى أن توفي بالطاعون في يوم الأربعاء لعشرين بقين من جمادى الأولى سنة 833، ولم يبلغ الأربعين سنة من العمر، ومات وهو في زعمه أنه مستمِرٌّ على الخلافة، وأنه لم يُخلَع بطريق شرعي؛ ولذلك عهد بالخلافة لولده يحيى، فلما مات المعتضد داود في يوم الأحد رابع شهر الأول من سنة 845، تكلم يحيى المذكور في الخلافة، وسعى سعيًا عظيمًا، فلم يتِمَّ له ذلك.

العام الهجري : 817 العام الميلادي : 1414
تفاصيل الحدث:

هبَّت بمصر ريحٌ شديدة تلاها رعد مرعب، ومطر غزير، وسقط مع ذلك بمدينة مصر خاصة برد بقدر البندقة كثير جدًّا، بحيث ألقي على أسطحة الدور منه قناطير، وأخرب عدة دور، فخزن الناس منه شيئًا كثيرًا وبِيعَ في الأسواق بعد ذلك كل رطل بستة دراهم، ولم يسقط منه بالقاهرة شيء البتة.

العام الهجري : 817 الشهر القمري : محرم العام الميلادي : 1414
تفاصيل الحدث:

وقعت معركةٌ بين محمد الأول سلطان العثمانيين وبين أمير قرمان محمد بن قرمان؛ وذلك أنه لما رأى اضطراب الأمور بين الإخوة العثمانيين، قَوِيَ عزمه على المسير إلى السلطان محمد جلبي ومحاربته فسار إلى بورصا وحاصرها، ثم حصل بين الطرفين قتال انتهى بانتصار السلطان محمد الأول على أمير قرمان وأخذه أسيرًا، ولكنه عفا عنه بعد أن حلف له بالطاعة وأنه لا يخرج عليه مرة أخرى، لكنه حنث وعاود الخروج لقتاله مرة أخرى، فانتصر عليه السلطان محمد مجددًا وأخذه كذلك أسيرًا، ولكنه عفا عنه مرة ثانية بعد أن حلف كذلك على الطاعة!

العام الهجري : 817 الشهر القمري : شعبان العام الميلادي : 1414
تفاصيل الحدث:

نزل ملك البرتقال من الفرنج على مدينة سبتة في ثلاثمائة مركب، وأقام مدة بجزيرة فيما بينها وبين جبل الفتح يقال لها طرف القنديل، حتى ملَّ المسلمون الذين حُشِروا بسبتة من الجبال، ونفدت أزوادهم، وعادوا إلى ديارهم، فطرقها عند ذلك الفرنج، وقاتلوا المسلمين، وهزموهم، وركبوا أقفيَتَهم، وعبروا باب الميناء فتحَمَّل المسلمون بما قدروا عليه، ومرُّوا على وجوههم، فتملك البرتقال سبتة في سابع شعبان. وكان لذلك سبب هو: أن موسى بن أبي عنان لما ملك سبتة أعطاها لأبي عبد الله محمد ابن الأحمر، فنقل منها العدد الحربية بأجمعها إلى غرناطة، فلما استرد بنو مرين سبتة ساءت سيرة عمَّالهم بها، وكثر ظلمهم؛ فوقع الوباء العظيم بها حتى باد أعيانها، وكان من فساد ملك بني مرين وخراب فاس وأعمالها ما كان، فاغتنم الفرنج ذلك ونزلوا على سبتة، فلم يجدوا فيها من يدفعُهم.