هو بابَك الخُرَّمي (بابک خرمدین) زعيمٌ ديني فارسيٌّ، وقائدُ فرقة الخُرَّميَّة ظهر سنة 201هـ الموافق 816 م، في خلافةِ المأمون العباسي, وكثُرَ أتباعهُ، وقاد ثورةً على العباسيِّينَ بعد مصرعِ أبي مسلم الخراساني، استمَرَّت حوالى عشرينَ سنة، وكان أحد الشُّجعانِ، أخاف الإسلامَ وأهلَه، وهزم الجيوشَ العباسيَّة عشرين سنة، وغلبَ على أذربيجانَ وغَيرِها، وأراد أن يقيم المِلَّةَ المجوسيَّة، وعَظُم البلاء. فأنفق المأمونُ والمعتَصِمُ على حربِ بابك قناطيرَ مُقنطرةً مِن الذهَبِ والفِضَّة، وفي هذه السنة بعث المعتَصِمُ نفقاتٍ إلى جيشِه مع الأفشين، فكانت ثلاثينَ ألف ألف درهم، فكانت الحربُ مع بابك الخرمي فطَحَنه الأفشين، واستباح عسكَرَه، وأُخِذَت البذُّ- مدينةُ بابك- وهرب واختفى في غيضةٍ، ثم أُسِرَ بعد فصولٍ طويلة, ولَمَّا أُحضِرَ بابك بين يدي المعتَصِمَ، أمَرَ بقطع يَدَيه ورِجلَيه وجَزِّ رأسِه وشَقِّ بَطنِه، ثم أمَرَ بحَملِ رأسِه إلى خراسانَ، وصَلْبِ جُثَّتِه على خشبةٍ بسامِرَّا، فقُطِعَ دابِرُ الخرَّميَّة.
لمَّا بَلغَ قاورت بك، وهو بكرمان، وَفاةُ أَخيهِ ألب أرسلان سارَ طالِبًا للرَّيِّ يُريدُ الاستِيلاءَ على المَمالِكِ، فسَبَقَهُ إليها السُّلطانُ ملكشاه ونِظامُ المُلْكِ، وسارا منها إليه، فالتَقوا بالقُربِ من همذان في شَعبانَ، وكان العَسكرُ يَمِيلون إلى قاورت بك، فحَمَلَت مَيسرةُ قاورت بك على مَيمَنَةِ ملكشاه، فهَزَموها، وحَمَلَ شَرفُ الدَّولةِ مُسلمُ بن قُريشٍ، وبَهاءُ الدَّولةِ مَنصورُ بن دبيس بن مزيد، وهُما مع ملكشاه، ومَن معهما من العَربِ والأَكرادِ، على مَيمَنَةِ قاورت بك فهَزَموها، ومَضَى المُنهَزِمون من أَصحابِ السُّلطانِ ملكشاه إلى حُلَلِ شَرفِ الدَّولةِ، وبَهاءِ الدَّولةِ، فنَهَبوها غَيْظًا منهم، حيث هَزَموا عَسكرَ قاورت بك، وجاءَ رَجلٌ سواديٌّ إلى السُّلطانِ ملكشاه، فأَخبرَهُ أنَّ عَمَّهُ قاورت بك في بَعضِ القُرَى، فأَرسلَ مَن أَخذَهُ وأَحضَرَهُ، فأَمَرَ سَعدَ الدَّولةِ كوهرائين فخَنَقَهُ، وأَقَرَّ كرمان بِيَدِ أَولادِه، وسَيَّرَ إليهم الخِلَعَ، وأَقطَعَ العَربَ والأَكرادَ إقطاعاتٍ كَثيرةً لِمَا فَعَلوهُ في الوَقعَةِ.
لقي كمشتكين بن الدانشمند طايلو السلجوقي بن صاحب ملطية وسيواس - وإنما قيل له ابن الدانشمند -معنى الدانشمند المعلم- لأن أباه كان معلمًا للتركمان وتقلبت به الأحوال، حتى مَلضك، وهو صاحِبُ ملطية وسيواس وغيرهما- بيمند الفرنجي، وهو من مقدَّمي الفرنج، قريبَ ملطية، وكان صاحبُها قد كاتبه، واستقدمه إليه، فورد عليه في خمسةِ آلاف، فلقيهم ابن الدانشمند، فانهزم بيمند وأُسِر. ثم وصل من البحر سبعةُ قمامصة -كبار القساوسة- من الفرنج، وأرادوا تخليص بيمند، فأتوا إلى قلعة تسمى أنكورية، فأخذوها وقَتَلوا من بها من المسلمين، وساروا إلى قلعة أخرى فيها إسماعيل بن الدانشمند، وحصروها، فجمع ابن الدانشمند جمعًا كثيرًا، ولقي الفرنجَ، وجعل له كمينًا، وقاتلهم، وخرج الكمينُ عليهم، فلم يُفلتْ أحد من الفرنج -وكانوا ثلاثمائة ألف- غيرُ ثلاثة آلاف، هربوا ليلًا وأفلتوا مجروحين. وسار ابن الدانشمند إلى ملطية، فملكها وأسر صاحبها، ثم خرج إليه عسكر الفرنج من أنطاكية، فلقِيَهم وكسرهم، وكانت هذه الوقائع في شهور قريبة.
قام السلطان محمد بن ملكشاه بمحاصرة قلاع كثيرة من حصون الباطنية، فافتتح منها أماكن كثيرة، وقتل خلقًا منهم، منها قلعة شاه دز بأصبهان حصينة كان أبوه السلطان جلال الدولة ملكشاه قد بناها بالقرب من أصبهان في رأس جبل منيع هناك، وكان سبب بنائه لها أنه كان مرة في بعض صيوده فهرب منه كلب فاتَّبعه إلى رأس الجبل فوجده، وكان معه رجل نصراني من رسل الروم، فقال الرومي: لو كان هذا الجبل ببلادنا لاتخذنا عليه قلعة، فحدا هذا الكلام السلطان إلى أن ابتنى في رأسه قلعةً أنفق عليها ألف ألف دينار، ومائتي ألف دينار، ثم استحوذ عليها بعد ذلك رأس الباطنية ابن عطاش، فتعب المسلمون بسببها، فحاصرها السلطان محمد بن ملكشاه سنةً حتى افتتحها وقَتَل ابن عطاش, ثم نقض السلطان محمد هذه القلعة حجرًا حجرًا، وألقت امرأة ابن عطاش نفسها من أعلى القلعة فتلفت، وهلك ما كان معها من الجواهر النفيسة، وكان الناس يتشاءمون بهذه القلعة، يقولون: كان دليلها كلبًا، والمشيرُ بها كافرًا، والمتحصِّنُ بها زنديقًا.
حدثت معارك بين العثمانيين والمماليك على الحدود الشامية، إلا أنها لم تحتدم إلى حد التهديد بحدوث حرب شاملة بينهما، حيث استطاع قائد الجيوش المملوكية الأمير أزبك أن يأسر القائد العثماني أحمد بك بن هرسك، فأسهمت هذه الحرب في الشعور بعدم الثقة بينهما، الأمر الذي أدى إلى تعثر مفاوضات الصلح سنة 896. حتى إن السلطان المملوكي " قايتباي" قد ساورته مخاوف من احتمال قيام حرب واسعة بينه وبين العثمانيين؛ سواء لإدراكه ما كان عليه العثمانيون من قوة، أو لانشغال جزء هام من قواته في مواجهة البرتغاليين، إلا أن السلطان العثماني بايزيد الثاني قد بدَّد له هذه المخاوف؛ حيث قام بإرسال رسول من قِبَله إلى السلطان المملوكي معه مفاتيح القلاع التي استولى عليها العثمانيون على الحدود، وقد لقي هذا الأمر ترحيبًا لدى السلطان المملوكي، فقام بإطلاق سراح الأسرى العثمانيين، وأسهمت سياسة بايزيد السلمية في عقد صلح بين العثمانيين والمماليك في نفس السنة، وظل هذا الصلح ساريًا حتى نهاية عهد السلطان بايزيد الثاني سنة 917 وأكد هذا الحدث على حرص السلطان بايزيد في سياسة السلام مع المسلمين.
بعد أن بقيت العلاقات بين الطرفين متوترة واستطاع المماليك أن يُلحقوا الهزيمة بالعثمانيين ثلاث مرات آخرُها سنة 895 حيث أرسل قايتباي حملة بقيادة الأمير أزبك الذي وصل إلى كولك، وكان قد أمره قايتباي أن يحاول الصلح والسلم، فدخل أوزبك الأراضي العثمانية عن طريق حلب، فأرسل ماماي الخاصكي إلى المعسكر العثماني من أجل الصلح، ولكنه لما استبطأه دخل إلى العمق وبدأ بالنهب والحرق واستولى على قلعة كوارة وعاد إلى القاهرة في مستهل سنة 896، ثم توسط باي تونس بين الطرفين حتى تم عقد اتفاقية بين الطرفين سنة 896 فأرسل بايزيد الثاني رسولًا من قِبَلِه إلى القاهرة بصحبة ماماي الخاصكي ومعه مفاتيح القلاع التي استولى عليها العثمانيون، فاستقبله قايتباي بحفاوة، وسرعان ما أصدر أوامره بإطلاق الأسرى العثمانيين، وتخلى العثمانيون عن مطالبهم في كبادوكيا وقيليقيا، وظل هذا الصلح ساريًا حتى نهاية عهد السلطان بايزيد الثاني سنة 917 وأكد هذا الحدث على حرص السلطان بايزيد في سياسة السلام مع المسلمين.
كان تحرير نيس من أيدي الإسبان- بعد اتفاق الفرنسيين مع العثمانيين ضد الإسبان- قد أثار ثائرة النصارى جميعًا في أوروبا ضد هذا التصرُّف الفرنسي، وأخذت الدعايةُ المضادة للمسلمين تجتاحُ أرجاء أوروبا، يحمِلُها الإسبان وغُلاة الصليبية، ويستثمرونها إلى أقصى الحدود، ومن ذلك قولهم: إنَّ خير الدين بربروسا القائدَ العثماني قد اقتلع أجراسَ الكنائس، فلم تعُدْ تَسمع في طولون إلا أذان المؤذنيين, وبقي خير الدين والجندُ الإسلامي بمدينة طولون حتى هذه السنة، وكان شارلكان ملك إسبانيا أثناء ذلك قد هاجم شمال شرقي فرنسا وانهزم تحت جدران شاتوتييري، ثم اضطرَّ للذهاب إلى ألمانيا؛ حيث كانت حركة التمرد البروتستانتي ضد الكاثوليكية بصفة عامة- وضده بصورة خاصة- قد أخذت أبعادًا خطيرة، وأرغمه ذلك بعد أن هوى نجمُه وذبُل عوده نتيجة نكبته أمام الجزائر إلى عقد معاهدة مع ملك فرنسا (في 18 أيلول سبتمبر 1544م) في مدينة كريسبي دي فالوا، ونتج عن هذه المعاهدة جلاءُ خير الدين وقواته عن مدينة طولون, ورجع إلى العاصمة إستانبول.
كان بونابرت وقت اندلاع المعركة خارجَ القاهرة، فعاد إليها مسرعًا ونصب المدافِعَ على تلال المقطَّم لتعاون مدافع القلعة في إطلاق القنابل على حي الأزهر، مركز حركة الجهاد وشُعلته المتأجِّجة. ففي اليوم الثاني للثورة (22 أكتوبر) حين شرع الثوارُ في مهاجمة مقر القيادة الفرنسية العامة بحي الأزبكية، كان الجنود الفرنسيون يهاجِمون الجامع الأزهر، ثم دخلوه وهم راكبون الخيول وسَلَبوا ما كان فيه من الودائِعِ وألقَوا الكتب والمصاحفَ على الأرض وداسوها بأرجلهم ونعالهم! وظل الجنود الفرنسيون يحتلون الأزهر حتى ذهب وفدٌ من مشايخه إلى بونابرت يطلبون منه الجلاءَ عنه، فكان ذلك نهاية للثورة التي استمَرَّت ثلاثة أيام (21-23 أكتوبر) وانتقم الفرنسيون من المسلمين في القاهرة وضواحيها أبشَعَ انتقام، فنَهَبوا ديار حي الأزهر والأحياء المجاورة، وأعدموا صغار المشايخِ الذين حرَّضوا على الثورة وصادروا ممتلكاتهم، وأحاطوا القاهرةَ وضواحيها بالحصون والقلاع والمعاقل، وهدموا في سبيل ذلك الشيءُ الكثير من المنازل والقصور.
لَمَّا نزل الفرنسيون بالإسكندرية أخذوا محمد كريم الذي كان بيده أمرُ الديوان والجمارك ومصادرات التجار خصوصًا من الإفرنج في الإسكندرية، فحبسوه وطالبوه بالمال وضيَّقوا عليه في المركب، ولَما حضروا إلى مصر وطلعوا إلى قصر مراد بيك، وفيها اطَّلعوا على أخبار محمد كريم وتعَرَّفوا على اجتهاده في حربِهم وتهوين أمرِهم وتنقيصِهم، فاشتد غيظُهم عليه فأرسلوا وأحضروه إلى مصر وحبَسوه، ولم تنفع الشفاعات فيه أبدًا، ثم إنهم طالبوه بقَدرٍ معين من المال كبير يَعجِز عنه وأمهلوه اثنتي عشرة ساعة فقط لإحضاره وإلَّا كان حتفُه، فسأل الناس والمشايخ، وكان يقول: اشتروني يا مسلمين! ولكن كان كلٌّ مشغول بنفسه يترقَّبُ ما يحُلُّ به، فانقضت المهلة ولَمَّا يجمعْ ما طلب منه، فأركبوه على حمار يتقدَّمهم طبل يضربون عليه حتى وصلوا به إلى الرميلة وكتَّفوه وربطوه مشبوحًا وضربوا عليه بالبنادق كعادتهم في القتل، ثم قطعوا رأسَه ورفعوه على نبوت وطافوا به يقولون: هذا جزاء من يخالف الفرنسيين، ثم إنَّ أتباعه أخذوا رأسَه ودفنوه مع جثته، وكان ذلك في يوم الخميس الخامس عشر من ربيع الأول لهذا العام!!
بعد الحَربِ العالمية الثانية أصبحت دولةُ ساحل العاج ضِمنَ الاتحاد الفرنسي، وانتُخِبَت أول جمعية وطنية عام 1366هـ / 1947م وبعد عشر سنوات تشكَّلَت فيها أوَّلُ حكومة تتمَتَّعُ بالاستقلال الذاتي، ثم وافقت على دستور ديغول المعروف، فحصلت على الاستقلال الداخلي في 1378هـ / 1958م فأُعلِنَت الجمهوريةُ ضِمنَ مجموعة الشعوب الفرنسية، ثم مع الحزب الديمقراطي لساحل العاج حصلَ على الاستقلال التام في 14 صفر 1380هت / 7 آب، وانتُخِبَ زعيم الحزب فيلكس هوفويه بوانييه رئيسًا للجمهورية. ومع أنَّ أكثر السكان من المسلمين إلَّا أن الوظائف كانت من اختصاصِ النصارى، ولم يكن يُسمَح بتعليم اللغة العربية حتى في الكتاتيب المُلحَقة بالمساجد، واستأنفت الدولةُ علاقاتها مع اليهود في فلسطين، وأعلن الرئيسُ العاجي عام 1406هـ رغبةَ البلاد بأن تُعرَفَ دوليًّا باسمها الفرنسي "كوت دي فوار" وليس بالترجمة العربية، وقد قُبِلَ هذا الطلب فيما بعدُ لدى الأمم المتحدة، وبنى الرئيس على نفقته كاتدرائية ضخمة في ياموسوكرو.
جُزُر المالديف مجموعةُ جُزُر صغيرة تقع في قارة آسيا في المحيط الهندي، جميعُ سُكَّانها مسلمون، وأوَّلُ من استعمرها هم البرتغاليون، ثم خلَفَهم الهولنديون، ثم الإنجليز عام 1211هـ، لكِنْ بَقِيَ الهولنديون أصحابَ النفوذ إلى عام 1305هـ؛ حيث أصبحت الجُزُر كُلُّها تحت الحماية الإنجليزية، ولكِنَّ قبضة الإنجليز بدأت بالتراخي عام 1350هـ؛ فأعلن السلطان شمس الدين إسكندر الدستورَ، وتغيَّرَ أسلوبُ الإنجليز الذين أصبحوا يفضِّلون النفوذَ والسيطرة الاقتصادية، وأمَّا الحكم فيسلمونه لأنصارهم وأعوانهم، فأُعلِنت الجمهوريةُ المالديفية عام 1373هـ، وعُين محمد أمين ديدي سلطانًا على البلاد، ثم تعهَّدت إنجلترا عام 1380هـ بدعم جُزُر المالديف ماديًّا، وبعد خمسة أعوام 1385هـ اتَّفَقت مع إنجلترا على معاهدة جديدة؛ تأكيدًا لاتفاقية عام 1376هـ، واحتفظت بموجِبها إنجلترا بقاعدةٍ جوية في جزيرة جان بمقاطعة أصول، ونالت بعدها البلادُ الاستقلالَ، وخرجت من عضوية رابطة الشعوب البريطانية (الكومنولث)، وقُبِلَت المالديف عضوًا في الأمم المتحدة.
أُعلِنَت وفاةُ رئيسِ الوُزراء الصِّهيَونِيِّ الأسبق السَّفَّاحُ أرئيل شارون رسميًّا عن عمر ناهز (86) عامًا. وكان السفاحُ شارون من أكثرِ قادةِ الاحتلالِ إجرامًا بحقِّ الشعب الفِلَسطيني؛ لدورِه في الاجتياح الصِّهيَونِيِّ لجنوب لُبنان عامَ (1982م)، وارتكابِه مذبحةَ صَبْرَا وشاتِيلَا التي راح ضحيَّتَها آلافُ الشُّهداءِ من اللَّاجئين الفِلَسطينيين في لبنان. كما قام مع وَحدَتِه العسكريَّةِ بارتكابِ مذبحةِ قبية في خريفِ (1953م)، التي راح ضحيَّتَها (170) من المدنيِّين الأردنِّيِّين، ومَجزرةٍ بَشِعة في اللد عام (1948)، وحصد خلالَها أرواحَ (426) فِلَسطينيًّا بعد أن اعتقَلَهم داخِلَ المَساجِد. وشارَك السَّفَّاح شارون كذلك بقتْلِ الأسرى المِصرِيِّين وتعذيبِهم عامَ (1967م)، وقام باستفزازِ مشاعِرِ المسلمين بزيارَتِه للمسجِدِ الأقصى المبارك سنةَ (2000م)، وارتكابُه مذبحةَ جنين (2002م) في عملية السُّور الواقي، وموافَقَتُه على تنفيذِ العَشَرات من عمليَّات الاغتيالِ بحقِّ الفِلَسطينيين، وعلى رأسِهِم اغتيالُ الشَّيخ أحمد ياسين، إضافةً إلى حصارِ الرئيسِ عرفاتٍ في مقرِّ المُقاطَعة.
هو السلطانُ الملك الناصر، ناصر الدين أبو الفتح محمد ابن السلطان الملك المنصور سيف الدنيا والدين قلاوون، وُلِدَ الملك الناصر سنة 684، وكان قد أقيمَ النَّاصِرُ في السلطنة بعد أخيه الملك الأشرف خليل سنة 693، وعُمُرُه تسع سنين ثمَّ خُلِعَ في سادس عشر المحرم سنة أربع وتسعين، وأُرسِلَ إلى الكرك, ثمَّ أعيد إلى المُلكِ ثانيًا وعمره خمس عشرة سنة، فأقام في المُلك إلى سنة 708، وخرج يريدُ الحَجَّ، فتوجه إلى الكرك متبرمًا من سلار وبيبرس الجاشنكير أستاذ الدار وحَجْرِهما عليه ومَنْعِهما له من التصَرُّف، فأعرض الناصِرُ عن مصر، فوثب الجاشنكير على السلطنة وتسلطَنَ، ثم اضطربت أموره، وقَدِمَ الناصر من الشام إلى مصر، فمَلَكَ مَرَّةً ثالثة في شوال سنة 709 واستبَدَّ الناصر من حينئذ بالأمرِ مِن غير معارضٍ مدة اثنتين وثلاثين سنة وشهرين وخمسة وعشرين يومًا، كانت له فيها سِيَرٌ وأنباء، وكان الناصِرُ أطولَ ملوك زمانه عُمُرًا وأعظَمَهم مهابةً, ودانت له البلادُ ومَلَك الأطرافَ بالطاعة، لما زاد مرض السلطان بالإسهال وخارت قواه، أشار عليه بعضُ الأمراء أن يَعهَدَ بالمُلكِ إلى أحد أولادِه، فأجاب إلى ذلك فجعل ابنَه أبا بكر سلطانًا بعده، وأوصاه بالأمراءِ، وأوصى الأمراءَ به، وعَهِدَ إليهم ألا يُخرِجوا ابنَه أحمد من الكَركِ وحَذَّرَهم من إقامته سُلطانًا، وجعل قوصون وبشتاك وصِيَّيه، وإليهما تدبيرُ ابنِه أبي بكر وحلَّفَهما، ثمَّ حَلَّفَ السلطانُ الأمراءَ والخاصكية، وأكَّدَ على ولده في الوصيَّة بالأمراء، وأفرج عن الأمراءِ المسجونين بالشام، وهم طيبغا حاجي وألجيبغا العادلى وصاروجا، ثم قام الأمراء، فبات السلطانُ ليلة الثلاثاء، وأصبح وقد تخَلَّت عنه قوته، وأخذ في النزعِ يوم الأربعاء، فاشتَدَّ عليه كَربُ الموتِ حتى مات أول ليلة الخميس الحادي عشر من ذي الحجة، وله من العُمُرِ سبع وخمسون سنة وأحد عشر شهرًا وخمسة أيام, ودُفِنَ بالمدرسة المنصورية بين القصرين، أما السلطان الجديد فلقَّبَه الأمراء الأكابِرُ بالملك المنصور، وجَلَسوا حوله، واتَّفَقوا على إقامة الأمير سَيفِ الدين طقزدمر الحموي- زوج أمه- نائِبَ السُّلطةِ بديار مصر، وأن يكون الأميرُ قوصون مدبِّرَ الدولة ورأس المشورة، ويشارِكه في الرأي الأميرُ بشتاك.
في أواخرِ القرنِ السادسِ الهِجريِّ كانت حَضرَموتُ مَيدانًا لِلمُناوراتِ السياسيةِ والفَوضى، حيث الصِّراعاتُ بينَ أطرافٍ مُتعدِّدةٍ، كبَني راشِدٍ وبَني يَمانٍ، وعَساكِرِ الغُزِّ الهاجمين مِنَ العَساكرِ المِصريةِ، وجُيوشِ ابنِ مَهديٍّ اليَمنيِّ، وغَيرِها مِنَ القَبائلِ والعَشائرِ الحَضرَميةِ، كبَني نَهدٍ وبَني حارِثةَ، فكانت حَضرَموتُ مُتفرقةً بينَ وُلاةٍ مُتعدِّدينَ، مُنتشرًا فيها النَّهبُ وسَفكُ الدِّماءِ، ولم يَنفَعْها احتِلالُ الأيُّوبيِّينَ لها. وفي ظِلِّ هذا الوَضعِ رأى آلُ كَثيرٍ -وهم أعظَمُ قبائِلِ هَمَدانَ، وهم قَبائلُ مُتعدِّدةٌ- أنْ يُؤسِّسوا لِأنفُسْهم دولةً، وأنْ يَكونَ لهم دَورٌ في إنهاءِ حالةِ الفَوْضى والفِتنةِ المُكتَسِحةِ في حَضرَموتَ. فاقتَرَب بَنو كَثيرٍ مِن مَشايخِ العِلْمِ والصَّلاحِ مِن آلِ البَيتِ العَلويِّينَ ومِن أهلِ السُّنةِ، على أمَلِ تأسيسِ دولةٍ سُنِّيةٍ شافعيةٍ، على أنقاضِ المَذهبِ الأباضيِّ الذي انتَهت دولتُه عامَ 561هـ. بدأ آلُ كَثيرٍ بتَقويةِ نُفوذِهمُ السياسيِّ، وفي عامِ 683هـ تحالَفَ آلُ كَثيرٍ مع سالمِ بنِ إدريسَ الحَبُوظيِّ، أميرِ ظَفارِ، الذي أخَذَ يَتوسَّعُ في الاستيلاءِ على البُلدانِ بحَضرَموتَ، وتولَّى آلُ كَثيرٍ إدارةَ العَسكريةِ الحَبُوظيَّةِ، ثم لم يَلبَثْ أنِ انهَزَم سالمُ بنُ إدريسَ وقُتلَ على يَدِ السُّلطانِ المُظفَّرِ الغَسَّانيِّ مَلكِ الدولةِ الرَّسوليةِ. وأخَذَ آلُ كَثيرٍ بعدَ مَقتلِ سالمِ بنِ إدريسَ في تَثبيتِ ما بأيديهم مِنَ القُرى، والاستيلاءِ على مَناطِقَ أُخرى، وكانَ مُلكُهم يَنبسِطُ مَرَّةً ويَتقلَّصُ أُخرى، لِتَخاصُمِهم وتَنازُعِهم فيما بَينَهم، وفيما بينَ غَيرِهم مِنَ المُنافِسينَ، وفي أواخِرِ القرنِ الثامِنِ الهِجريِّ تَفرَّغَ أبناءُ جَعفرِ بنِ بَدرٍ الكَثيريِّ وهم (يَمانيٌّ ومُدرِكٌ وعُمَرُ) لِمُناوشةِ قَبيلةِ الظلفانِ، والتفَتَ أفرادُ الوحدةِ الكَثيريةِ الآخَرون إلى تَدبيرِ السَّلطنةِ، وفي هذه الأثناءِ وُلد السُّلطانُ علِيُّ بنُ عُمَرَ بنِ جَعفرٍ الكَثيريُّ، الذي به أصبحتِ الدولةُ الكَثيريةُ رَسميةً، يَعرِفُها جُمهورُ أهلِ القُطرِ الحَضرميِّ. وكانت بدايةُ الدولةِ الكَثيريةِ الأولى حين غادَرَ السُّلطانُ علِيُّ بنُ عُمَرَ "بُورَ" سنةَ 814هـ، واتَّصلَ بالشيخِ عليِّ بنِ عُمَرَ باعَبَّادٍ وغيرِه مِن رِجالِ الصَّلاحِ، وكانوا يَعِدُونه بالاستيلاءِ على ظَفارِ وجَميعِ بُلدانِ حَضرَموتَ، فاشتَدَّ عَزمُه بذلك، وشرَعَ في تَذليلِ العَقباتِ، يُحارِبُ ويَغزو حتى استتَبَّ له الأمرُ، وخضَعَت له الرِّقابُ واستَحقَّ لَقَبَ سُلطانٍ.
في يوم السبت أول شهر ربيع الآخر نودي في المماليك السلطانية المعينين إلى تجريدة البلاد الشامية لقتال ابن قرمان، ثمَّ في يوم الخميس خامس جمادى الأولى برز الأمراء والعساكر من القاهرة إلى الريدانية خارج القاهرة، وأقاموا بالريدانية إلى ليلة الاثنين تاسِعَه، فاستقلوا فيه بالمسير من الريدانية إلى جهة البلاد الشامية، ثم سافر الأمير نوكار الزردكاش، ومعه عدة من الرماة والنفطية وآلات الحصار وهو مريض، ورسم له أن يأخذ من قلعة دمشق ما يحتاج إليه من أنواع الآلات وغيرها للحصار، ويلحق العساكر المتوجِّهة لقتال ابن قرمان، وفي يوم الثلاثاء الرابع عشر جمادى الأولى ورد الخبر على السلطان بوصول العساكر المتوجهة لقتال ابن قرمان إلى حلب، وأنه اجتمع رأي الجميع على السير من حلب إلى جهة ابن قرمان في يوم السبت السادس والعشرين جمادى الآخرة، ثمَّ في يوم الاثنين رابع شعبان وصل الخبر من الأمير خشقدم أمير سلاح ومن رفقته النواب بالبلاد الشامية بأنهم وصلوا إلى بلاد ابن قرمان، وملكوا قلعة دوالي، ونهبوها وأخربوها، وأنهم جهَّزوا الأمير بردبك البجمقدار رأس نوبة ومعه عدَّةٌ من المماليك السلطانية والأمراء بالبلاد الشاميَّة إلى جهةٍ من جهات بلاد ابن قرمان، فصدفوا في مسيرهم عسكرًا من أصحاب ابن قرمان فواقعوهم وهزموهم، وأنَّه قُتل من المماليك السلطانية أربعة في غير المصاف، بل من الذين صدفوهم في أثناء الطريق، ثم ورد الخبرُ بأن العساكر المتوجهة إلى بلاد ابن قرمان قصدت العودَ إلى جهة حلب بعد أن أخذوا أربع قلاع من بلاد ابن قرمان، وأخربوا غالب قرى ممالكه، وأحرقوا بلاطه وسَبَوا ونهبوا وأمعنوا في ذلك، حتى إنهم أحرقوا عدة مدارس وجوامع، وذلك من أفعال أوباش العسكر، وأنهم لم يتعرَّضوا إلى مدينة قونية ولا مدينة قيصرية لنفودِ زادهم، ولضجَر العسكر من طول مدَّتِهم بتلك البلاد، مع غلوِّ الأسعار في المأكل وغيره من سائر الأشياء، ولولا هذا لاستولوا على غالب بلاد ابن قرمان، وأنَّ ابن قرمان لم يقاتل العسكر السلطاني، بل إنه انحاز إلى جهة منيعة من جهاته وتحصَّن بها هو وأعيان دولته، وترك ما سوى ذلك من المتاع والمواشي وغيرها مأكلةً لمن يأكله، فحصل له بما أخذ له وهَنٌ عظيم في مملكته.