بعد أن تمَّ للمغول بقيادة تيمورلنك تدميرُ مدن الشام، أرسل تهديداتِه للسلطان فرج بن برقوق سلطان المماليك في مصر، وكان قد أسر أميرًا من المغول يدعى (أطلمس) فطالب تيمورلنك بإطلاق سراحه فورًا، وإلا فسيزحف المغول على مصر ويرفعون راياتهم على ربوعها. وقد أذعن السلطان فرج لهذه التهديدات، وأطلق سراح أطلمس وعقد صلحًا مع تيمورلنك يتعهد فيه السلطان فرج بطاعة تيمورلنك والدعوة باسمه في مساجد مصر، وقد أدى هذا الصلح المُهين إلى ذهاب حرمة دولة المماليك، واختفاء احترام الأمراء والعامة للسلطان فرج، فلم تمضِ سنوات ثلاث حتى عُزل. والواقِعُ أن هزائم دولة المماليك الثانية في عهد فرج بن برقوق تعتبر أقسى الهزائم التي تعرض لها المسلمون في تلك الفترة؛ بسبب تصارع المماليك المتعصبين لأصولهم العِرْقية.
لَمَّا دخل السلطانُ سليم الأول القاهرةَ وقتَلَ السلطان المملوكيَّ طومان باي آخِرَ سلاطين دولة المماليك وتنازلَ الخليفة العباسي له بالخلافةِ كُرهًا- على ما قيل- وجاءه أيضًا أشراف الحجاز مع أمير مكة الشريف محمد أبا نمي بن بركات ليَدينوا له بالطاعة وسَلَّموا له مفاتيح الكعبة، فولى السلطان الشريف محمد أبا نمي ولاية الحجاز، ثمَّ بعد أن أقام شهرًا في مصر بعد أن وطَّد فيها دعائم الحُكم ملحِقًا حكم مصر بالشام لنائِبِها، وعين نائبًا له بمصر هو خيري بك، وفرض المذهب الحنفيَّ دون سائر المذاهب في الحكم والقضاء، ثم عاد إلى إستانبول آخذًا معه الخليفة العباسي المتنازل عن الخلافة وآخذًا معه أيضًا مفاتيح الحرمين الشريفين، فأصبح هو بذلك خليفةَ المسلمين وتلقَّب بخادم الحرمين الشريفين.
كانت جزيرة رودس جزيرة مشاكِسة؛ إذ كانت حصنًا حصينًا لفرسان القديس يوحنا الذين كانوا يقطعون طريق الحجَّاج المسلمين الأتراك إلى الحجاز، فضلًا عن أعمالهم العدوانية الموجهة لخطوط المواصلات البحرية العثمانية، فاهتمَّ السلطان سليمان القانوني بفتحها، وأعدَّ حملة عظيمة ساعده على تحقيقِها عدةُ أمور: انشغال أوروبا بالحرب الكبرى بين شارل الخامس (كنت) إمبراطور الدولة الرومانية المقدسة وفرانسوا ملك فرنسا، وعقْد الصلح بين الدولة العثمانية والبندقية، وكذلك نموُّ البحرية العثمانية على عهد سليم الأول، فشَنَّ القانوني حربًا كبيرة ضِدَّ رودس ابتداءً من اليوم الثاني من شهر صفر من هذا العام وفتَحَها وأعطى للفرسان حقَّ الانتقال منها، فذهبوا إلى (مالطة) وهناك أعطاهم شارل كنت حَقَّ حكم هذه الجزيرة.
في الوقت الذي كان خير الدين بربروسا يواجه خطر الإسبان في الجزائر، كان يعمل في ذات الوقت على تقوية الجبهة الداخلية بتوحيد المغرب الأوسط, والذي لم يخلو من مؤامرات بني زيان والحفصيين ومن بعض القبائل الصغيرة، ولكنه استطاع مدَّ منطقة نفوذه باسم الدولة العثمانية، ودخلت الإمارات الصغيرة تحت السيادة العثمانية؛ لكي تحتمي بهذه القوة من الأطماع الصليبية الإسبانية ومِن قهرِها على اعتناق النصرانية، وما لبث أن مدَّ خير الدين النفوذَ العثماني إلى بعض المدن الداخلية الهامة مثل قسنطينة. لقد نجح خير الدين في وضع دعامات قوية لدولة فتيَّة في الجزائر، وكانت المساعدات العثمانية تصلُه باستمرار من السلطان سليمان القانوني، واستطاع خير الدين أن يوجِّه ضرباته القوية للسواحل الإسبانية، وكانت جهوده مثمرة في إنقاذ آلاف المسلمين من بطش الإسبان.
أعلن الرَّئيسُ الجامبي "يحيى جامي بات" اعتمادَه اللُّغةَ العربيَّةَ لُغةً رسميَّةً في البلاد، وخروجَ جامبيا من مجموعة الكومنولث، وأنَّ جامبيا ستتوقَّف عن استخدامِ اللُّغة الإنجليزية بصِفتِها لُغةً رسميَّةً؛ لأنها "إرثٌ استعماريٌّ". وتأتي هذه الخُطوةُ في إطارِ التوجُّه الجديدِ للرَّئيس جامي؛ حيث أصبَحَ يتقرَّب من الدُّول العربيَّة والإسلاميَّة. وجمهورية جامبيا إحدى دُول غربِ إفريقيا، وعاصمَتُها بانجول، وهي أصغرُ دولةٍ في البرِّ الرئيسيِّ لقارة إفريقيا، ويَحُدُّها من الشمالِ والشرقِ والجنوبِ السِّنغالُ، ويخترقُها نهرُ غامبيا الذي يصبُّ في المحيط الأطلسي، وعددُ سكَّانِها مليون ونصف (90%) منهم مسلمون. كانت جامبيا مُحتَلَّةً منذ عام (1843م) من قِبَل بريطانيا، ونالت استِقلالَها عامَ (1965)؛ كملكيَّة دستوريَّةٍ داخلَ نِطاق الكومنولث البريطاني، واللُّغةُ الإنجليزية كانت لُغتَها الرسميَّةَ.
منَعَ جيشُ الاحتلالِ الإسرائيليِّ المُصلِّين من الدُّخولِ إلى باحات المَسجِدِ الأقصى لتأديةِ صَلاةِ الجمُعةِ، وتُعدُّ هذه هي المرةَ الأولى التي منَعَ فيها المُحتلُّ اليَهوديُّ المُصلِّين المسلمين من تَأديةِ صَلاةِ الجُمُعةِ في المسجدِ الأقصى منذ الاحتلالِ الإسرائيليِّ للقُدسِ عامَ 1967. وأعلَنَ جيشُ المحتلِّ الإسرائيليِّ أنَّ المسجدَ الأقصى والبلدةَ القديمةَ منطقةٌ عَسكريَّةٌ، واعتَدَوا على حُرَّاس المسجِدِ وصادَروا هَواتِفَهم، وأَخرَجوا المُصلِّين من الأقصى، وأغلَقُوا أبوابه كافَّةً. ودعا المُفتي العامُّ للقُدسِ والديارِ الفِلَسطينيَّةِ، خطيبُ المسجِدِ الأقصى: الشيخُ محمد حسين، إلى شَدِّ الرِّحالِ للأقصى، والوُجودِ على الحَواجزِ وفي الساحاتِ لإقامةِ صلاةِ الجُمعةِ، فتجمَّعَ الفِلَسطينيون من كلِّ أنحاءِ فِلَسطينَ وصَلَّوا الجمعةَ في الساحاتِ المحيطةِ بالمسجدِ حتى اضطُرَّ الاحتلالُ إلى التراجُعِ، وأُرغِمَ على فتحِ أبوابِ المسجدِ الأقصى للمصلِّينَ.
الشيخُ المُحقِّق مُحمَّد مُصطفى الأعظمي عالمٌ مُسلمٌ هنديٌّ، تخصَّصَ في دراسةِ الحديثِ النَّبويِّ. اشتُهِرَ بتدقيقِه وتمحيصِه لبعضِ مؤلَّفاتِ المستشرقين عن الإسلامِ والحضارةِ الإسلاميةِ. وُلِد محمد مصطفى الأعظمي في مدينةِ منو بالهندِ سنةَ 1350هـ الموافقةَ لسنةِ 1932م. أخرجَه والدُه من المدرسةِ الثانويةِ الإنجليزيَّةِ، وألحَقَه بالمدرسةِ العربيةِ؛ إذ كان والدُه معاديًا للاحتلالِ البريطانيِّ للهندِ، تخرَّج في دارِ العلومِ بديوبند في حدودِ سنةِ 1372هـ، ثم التحَقَ بالأزهرِ بمصرَ، وتحديدًا بكليةِ اللغةِ العربيةِ، وحصَلَ على شهادةِ العالِميَّةِ مع الإجازةِ بالتدريسِ، ثمَّ رجَعَ إلى الهندِ. ودرَّسَ الحديثَ بجامعة كامبريدج، ثم قَدِم إلى الحجازِ ودرَّسَ بكليةِ الشريعةِ بمكةَ، ثم انتقل إلى كليةِ الشريعةِ بالرياضِ أستاذًا لمادةِ مُصطلَحِ الحديثِ في قسمِ الثقافةِ الإسلاميةِ.
هو الحافِظُ الإمام قاضي قضاة الديار المصرية، الإمام الحافظ، وأستاذ المحدِّثين، ولي الدين أبو زُرعة أحمد ابن الحافظ الكبير الشيخ زين الدين عبد الرحيم بن الحسين بن عبد الرحمن بن إبراهيم بن أبي بكر بن إبراهيم المعروف بابن العراقي الشافعي، كردي الأصل قاهري الولادة والنشأة والوفاة، وُلِدَ في ذي القعدة سنة 762، اعتنى به والده مبكرًا في صِغَرِه، فرحل به إلى الشام سنة خمس وستين، فأدرك جماعة من مُسنِدِي دمشق, ثم رجع به فحفظ القرآن وعدة مختصرات في الفنون, ونشأ يقِظًا وأسمعه أبوه الكثير ثم طلب هو بنفسِه، فسمع الكثير بقراءته وقراءة غيره, ثم رحل بنفسه إلى الشام ثانية، فسمع الكثير بقراءته وقراءة غيره, ومهر في عدة فنون واشتغل فيها وهو شاب، ونشأ على طريقة حسنة من الصيانة، والديانة والأمانة والعفَّة، مع طلاقة الوجه وحسن الصورة، وطيب النغمة، وضيق الحال، وكثرةِ العيال، إلى أن اشتهَرَ أمره، وطار ذِكرُه. ولما مات والِدُه تقرر في مناصبه الجليلة، فزادت رياسته. برع في علم الحديث، ثم غلب عليه الفقه فبرع فيه أيضًا، وأفتى ودرس سنين في عدة أماكن منذ حياة والده ومشايخه، وتولى نيابة الحكم بالقاهرة، ثم تنزه عن ذلك ولَزِمَ داره مدة طويلة، إلى أن استقدَمَه الملك الظاهر ططر بعد وفاة جلال الدين البلقيني، وخلع عليه وأقره قاضيَ قضاة الديار المصرية في قضاء الشافعية. فباشره بعفة ونزاهة، وشهامة ومعرفة، وصار يصمِّمُ في أمور لا يحتملها أهلُ الدولة, فتمالؤوا عليه ثم صُرِفَ بقاضي القضاة علم الدين صالح البلقيني، فلزم داره, فحصل له بذلك قهر أداه إلى التلف، ومات مبطونًا شهيدًا في يوم الخميس السابع عشر شعبان عن خمس وستين سنة، ودفن إلى جانب والده، وكثر الأسفُ عليه خصوصًا من طلبة العلم. ولم يخلفْ بعده مثلُه في جمعِه بين الفقه والحديث والدين والصلاح، وله مصنفاتٌ كثيرة، منها: تحفة التحصيل بذكر رواة المراسيل، والبيان والتوضيح لمن أُخرج له في الصحيح وقد مُسَّ بضربٍ من التجريح، وشارك والده في طرح التثريب شرح تقريب الأسانيد، وله الأطراف في أوهام الأطراف، وله المستفاد من مبهمات المتن والإسناد، وشرح الصدر بذكر ليلة القدر، وغيرها من المؤلفات. قال ابن حجر: "صَنَّف أبو زُرعة في الفنون الحديثة عدة تصانيف، وأكمل شرح تقريب الأسانيد لأبيه فأجاد فيه. وشرع في شرح مُطَوَّل لسنن أبي داود، لو كمل كان قدر ثلاثين مجلَّدة بل يزيد. وجمع النكت على المختصرات الثلاثة: التنبيه، والحاوي، والمنهاج. فزاد فيها على من تقدَّمه ممن عمل تصحيح التنبيه، وكذا المنهاج، وكذا الحاوي؛ فإنه جمع بين تصانيفهم وبين ما استفاده من حاشية الروضة لشيخنا البلقيني الكبير. وكان قد جرَّدها فجاءت في مجلدين. وجردها قبله الشيخ بدر الدين الزركشي، وقد ملكتُها بخطِّه، لكن كان قبل أن يجرِّدَها أبو زرعة بعشرين سنة. فزادت في تلك المدة فوائد جمة. واختصر المهمات للإسنوي، وضم إليه فوائد وزوائد من الحاشية المذكورة. وعُقِد مجلس الإملاء بعد أن كان انقطع بموت شيخِنا والده من سنة 806 إلى أن شرع هو فيه في سنة عشر. ولم يزل يملي في كل يوم ثلاثاء، إلى أن مرض المرض الذي توفي فيه، مع ما كان فيه من شغل البال بالدرس والحكم وغير ذلك".
هو أبو منصورٍ موهوبُ بنُ أحمدَ بنِ محمَّدِ بنِ الحَسَن بن الخضر الجواليقي البغداديُّ النحويُّ اللُّغويُّ. إمامُ الخليفةِ المقتفي, وكان إمامًا في فُنونِ الأدب. وُلِدَ في ذي الحجة سنة 465, ونشأ بباب المراتِبِ، قرأ على أبي زكريَّا سبع عشرة سنة, فانتهى إليه عِلمُ اللغة فأقرأها، ودرَّسَ العربيَّةَ في النظاميَّةِ بعد أبي زكريَّا مُدَّةً، فلما وَلِيَ المُقتفي اختَصَّ بإمامتِه في الصَّلاةِ, وكان المقتفي يقرأُ عليه شيئًا من الكُتُبِ. كان الجواليقي دَيِّنًا، ثقةً، وَرِعًا، غزيرَ الفَضلِ، وافِرَ العَقلِ، مَليحَ الخَطِّ، كثيرَ الضَّبطِ. صَنَّف التصانيفَ وانتشرت عنه، وشاع ذِكْرُه. قال ابن الجوزي: "كان غزيرَ الفَضلِ مُتواضِعًا في مَلبَسِه ورياستِه، طويلَ الصَّمتِ لا يقولُ الشَّيءَ إلَّا بعدَ التَّحقيقِ والفِكرِ الطَّويلِ، وكثيرًا ما كان يقولُ: لا أدري، وكان مِن أهلِ السُّنَّةِ. سَمِعتُ منه كثيرًا مِن الحديثِ وغَريبِ الحديثِ، وقرأتُ عليه كتابَه المُعرب وغيرَه من تصانيفِه، وقطعةً مِن اللُّغةِ". توفِّي سَحرةَ يوم الأحد مُنتصَفَ مُحَرَّم، وحضر للصَّلاةِ عليه الأكابِرُ، كقاضي القضاة الزينبي، وهو الذي صلَّى عليه، وصاحِبُ المخزنِ، وجماعةُ أربابِ الدولةِ، والعُلَماءُ والفُقَهاءُ، ودُفِنَ بباب حرب عند والدِه, وقد توفِّيَ وله من العمر 74 عامًا, ومن أشهَرِ كتبه "المعرَّب من كلامِ العَجَم" و"شَرحُ أدبِ الكاتِبِ" و "كِتابُ العَروض" و "التَّكملة فيما تلحَنُ فيه العامَّةُ".
قُتِلَ السلطانُ سليمان شاه بن السلطان محمد بن ملكشاه، وسببُ ذلك أنه كان فيه تهوُّرٌ وخرقٌ، وبلغ به شربُ الخمر حتى إنه شربها في رمضان نهارًا، وكان يجمع المساخِرَ ولا يلتفت إلى الأمراء، فأهمل العسكرُ أمره، وصاروا لا يحضُرون بابه، وكان قد ردَّ جميع الأمور إلى شرف الدين كردبازو الخادم، وهو من مشايخ الخدم السلجوقية، كان فيه دينٌ وعقل وحسن تدبير، فكان الأمراء يشكُون إليه السلطان وهو يُسَكِّنُهم، فكتب سليمان شاه إلى إينانج صاحب الري يطلبُ منه أن يُنجِدَه على كردبازو، فوصل الرسولُ وإينانج مريض، فأعاد الجوابَ يقول: إذا أفقتُ من مرضي حضرتُ إليك بعسكري؛ فبلغ الخبر كردبازو، فازداد استيحاشًا، فأرسل إليه سليمان يومًا يطلبه، فقال: إذا جاء إينانج حَضرتُ، وأحضر الأمراء واستحلفهم على طاعته، وكانوا كارهين لسليمان، فحلفوا له، فأوَّل ما عَمِلَ أن قتل المساخرة الذين لسليمان، وقال: إنما أفعل ذلك صيانةً لملكك؛ ثم اصطلحا، وعَمِلَ كردبازو دعوةً عظيمة حضرها السلطان والأمراء، فلما صار السلطان سليمان شاه في داره قبضَ عليه كردبازو وعلى وزيره ابنِ القاسم محمود بن عبد العزيز الحامدي، وعلى أصحابه، في شوال سنة 555، فقَتَلَ وزيرَه وخواصَّه، وحَبَس سليمان شاه في قلعة، ثمَّ أرسل إليه من خنَقَه؛ وقيل: بل حبسه في دار مجد الدين العلوي رئيس همذان، وفيها قُتِلَ، وقيل بل سُقِيَ سُمًّا فمات.
هي الشيخةُ العاملةُ الفقيهة الزاهدة القانتة الواعظة سيدة نساء زمانها: أم زينب فاطمة بنت عياش بن أبي الفتح البغدادية، كانت تفقه الفقه جيدًا, وانتفع بها خلقٌ من نساء أهل دمشق لصِدقِها في وعظها، ثم تحولت إلى القاهرة فحصل بها النفع وارتفع قدرُها وبعُدَ صيتُها، وكانت قد تفقهت عند المقادسة، كالشيخ ابن أبي عمر وغيره. كانت وافرة العلم، فائقة قانعة باليسير، حريصة على النفع والتذكير، ذات إخلاص وخشية، انصلح بها نساء دمشق، ثم نساء مصر، وكان لها قبول زائد، ووقْع في النفوس, وقل من أُنجِبَ من النساء مثلها. قال ابن كثير: "كانت من العالِمات الفاضلات، تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، وتقوم بالاحتساب على الأحمدية في مواخاتهم النساء والمردان، وتنكر أحوالَهم وأصول أهل البدع وغيرهم، وتفعل من ذلك ما لا يقدر عليه الرجال، وقد كانت تحضر مجلس الشيخ تقي الدين ابن تيمية، فاستفادت منه ذلك وغيره، وقد سمعتُ الشيخ تقي الدين يثني عليها ويصفها بالفضيلة والعلم، ويذكر عنها أنها كانت تستحضر كثيرًا من المغني أو أكثره، وأنه كان يستعد لها من كثرة مسائلِها وحسن سؤالاتها وسرعة فهمها، وقد ختم لديها نساء كثيرًا القرآن، منهن أم زوجتي عائشة بنت صديق، زوجة الشيخ جمال الدين المِزِّي، وهي التي أقرأت ابنَتَها زوجتي أَمَة الرحيم زينب" ماتت فاطمة ليلة عرفة عن نيف وثمانين سنة، وشيَّعها خلائق.
بعد أن تولَّى محمد أنور السادات رئاسةَ مصرَ خلفًا لجمال عبد الناصر أعلن سيرَه على نفس الخُطى، إلا أنه بدأ بالميل إلى أمريكا؛ ففتح البابَ كاملًا للأمريكانِ. فاجأ الساداتُ العالمَ أجمعَ العربي والإسلاميَّ بزيارته للقدس، نجم عنها توقيع معاهدةَ السلام المصرية الإسرائيلية (كامب ديفيد) في الولايات المتحدةِ؛ وقَّع المعاهدةَ من الجانب الإسرائيليِّ رئيسُ الوزراء الإسرائيلي مناحيم بيغن، ومن الجانب المصريِّ الرئيسُ المصري أنور السادات، وُقِّعت المعاهدة بعد 12 يومًا من المفاوضات في مُنتجع كامب ديفيد الرئاسيِّ في ولاية ميريلاند القريبِ من عاصمة الولايات المتحدةِ واشنطن؛ حيثُ كانتِ المفاوضاتُ والتوقيع على الاتفاقيةِ تحت إشراف الرئيس الأمريكيِّ كارتر. تُمثل اتفاقية كامب ديفيد تحولًا تاريخيًّا في مجرى الصراع العربيِّ الإسرائيليِّ والقضية الفلسطينية؛ فقد اعترف الساداتُ في هذه الاتفاقية بشرعيةِ الوجود اليهوديِّ في المنطقة، وبحقِّهم في الأمنِ والسلامِ، وإقامة علاقات حُسن جوارٍ وتعاون معه، وأخرج مصر من حلَبة الصراع مع إسرائيلَ دون أن يقابلَ ذلك أيَّ كسب سياسيٍّ وغيره لمصر سوى الجلاء عن سيناءَ بعد إقامة قوى أمريكية في معظم أنحائها، وقد قوبل هذا الاتفاقُ بموجة عارمةٍ من السُّخط العربي والإسلامي، وفي 26 مارس / آذار 1979م بعدَ خمسة أيام من تصديق معاهدة السلام المصريةِ الإسرائيلية عُلِّقَت عضوية مصر في الجامعةِ العربية، ونُقِل مقرُّها من القاهرة إلى تونس.
بدَأَت أحداثُ الثورةِ المصريَّة بتظاهُراتٍ سِلمية شارك فيها آلافُ المُحتَجِّين في القاهرة وغيرها، واختار الدَّاعُون إلى هذه التظاهُرات يومَ (25) يناير؛ لمُصادَفَته عيدَ الشرطة؛ وذلك تضامُنًا مع خالد سعيد، الشابِّ المصريِّ من الإسكندريَّة، الذي قيل: إنَّه اعتُقِل وعُذِّب حتى الموتِ في أحدِ أقسام الشُّرطة في (6 يونيو 2010). وأدَّى استمرارُ التظاهُرات إلى سقوطِ عَشَرات القتلى، ومئاتِ الجرحى، واعتقالِ المئات في عدَّةِ مدن مصريَّةٍ، ثم طَلَب الرئيسُ المصريُّ محمد حسني مبارك من الحكومة في (28) يناير التقدُّمَ باستقالَتِها؛ وعيَّن في اليومِ التالي الوزيرَ عمر سليمان نائبًا له، ولكن التظاهُراتِ استمَرَّت في الأيامِ التالية في مُختلَف المدن المصرية، وبخاصةٍ في ميدان التحرير وسط القاهرة الذي قامت فيه عدةُ تظاهُرات مليونية تُطالِب برحيل الرئيس مبارك، وإسقاطِ النظام. وفي يومَي (2 و3 فبراير) قام مجهولون بالهُجومِ على المُتظاهِرين في مَيدان التحرير مستخدِمين وسائلَ عديدةً، منها الخيولُ والجمالُ، والعِصِيُّ والأدواتُ الحادَّة والزجاجاتُ الحارقةُ، وإطلاقُ الرَّصاص. وقدَّم الرَّئيسُ مبارك عِدَّةَ مُبادَراتٍ لم تكن كافيةً في نظرِ المُحتَجِّين، من أبرزها: القِيامُ بتعديلاتٍ دستورية، وتفويضُ صلاحِيَاته إلى نائبه عمر سليمان، غير أنَّ استمرارَ التَّظاهُراتِ وتوسُّعَها أدَّى في النهاية إلى تنحِّي مبارك عن السلطة في اليوم الثامِنَ عشر للثورة في (11) فبراير، وذلك بعد ثلاثين عامًا قضاها في الحُكم.
فاز حسن روحاني برئاسةِ إيران وأصبَح الرئيسَ السابِعَ للجمهورية. وقد وُلد روحاني في (12 نوفمبر سنة 1948م) في مدينة سرخه، بالقُرب من محافظةِ سمنان شمالي إيران، من عائلةٍ متديِّنة قاتَلَت ضدَّ شاه إيران السابق. وقد انخَرَط في سلكِ الدِّراسات الدينية في الحَوزة العلميَّة في مدينتِه عامَ (1960م)، ثم انتَقَل إلى مدرسة قُم في عام (1961م)، وقد حضر دُروسَ العُلَماء البارزين في ذلك الوقتِ، مثلِ مرتضى الحائري، ومحمد رضا الكلبايكاني... وغيرِهما، كما دَرَس المقرَّراتِ الحديثةَ، ثم درس في جامعة طهران عامَ (1969م)، وحَصَل على درجة البكالوريوس في القانون القضائيِّ في عام (1972م). ثم واصَلَ روحاني دراستَه في الغرب ونال درجةَ الماجستير من جامعة غلاسكو كالدونيان في عام (1995م) عن أُطروحة بعنوان "السُّلطة التشريعية الإسلامية مع الإشارةِ إلى التجرِبة الإيرانية" ثم حَصَل على درجة الدكتوراه في عام (1999م)، وهو يُجيد اللغةَ العربيةَ والإنجليزية والألمانية والفرنسيَّةَ والروسية. وكان سكرتيرَ المجلسِ الأعلى للأمنِ القومي منذ عام (1989م) ولمدة (16) عامًا، وقد بدأ حياتَه المِهنيَّةَ في المَجلسِ في عهد الرئيس هاشمي رفسنجاني واستمرَّ في عهدِ خَلَفِه الرئيس خاتمي، وكان عضوًا في مجلس تشخيصِ مصلحةِ النظام في إيران منذ عام (1991م)، ورئيسَ مركزِ البُحوثِ الإستراتيجيَّةِ منذ عام (1992)، كما شَغَل منصِبَ عضوٍ في مجلسِ الخُبَراء منذ عام (1999)، وكان كبيرَ المُفاوضِين على البَرنامجِ النوويِّ الإيراني مع الاتِّحاد الأوربِّي.
تُوفِّي الدبلوماسيُّ المصرِيُّ الدُّكتور أسامة الباز المستشارُ السياسِيُّ للرئيسِ الأسبقِ محمد حسني مبارك رئيسِ مصرَ عن عمر تجاوز (82) عامًا. وأُطلق على "الباز" لقبُ "خِزانة أسرار السُّلطة" و"عميد الدبلوماسية المصرية"، بسببِ قُربِه من صُناَّع القرارِ في مصرَ لمدَّةٍ طويلة. وقد وُلِد أسامة بإحدى قرى محافظة الدَّقهلِيَّة، وحَصَل على ليسانس الحُقوق عامَ (1954م)، ودكتوراه في القانون العامِّ من الولايات المتحدة عام (1962م)، وهو شقيقُ عالم الجيولوجيا في وَكالةِ الفضاءِ الأمريكية (ناسا) الدكتور فاروق الباز. بدأ البازُ حياتَه العمليةَ بالعملِ وكيلًا للنِّيابة، ثم عُيِّن بوِزارة الخارِجِيَّة سكرتيرًا ثانيًا عامَ (1958م)، ووكيلًا للمعهدِ الدبلوماسي ثم مُستشارًا سياسيًّا لوزيرِ الخارجيَّةِ، ويُعَدُّ أصغرَ مَن حَصَل على درجةِ سفير عامَ (1975م). وكان أحدَ مستشارِي مركزِ الدِّراسات الإسرائيلية والفِلَسطينية بمؤسَّسة الأهرام، ومديرًا لمكتبِ الأمينِ الأوَّل للَّجنة المركزيَّة للشُّؤون الخارجية، ثم مقرِّرًا لِلَجنة الشُّؤون الخارجيَّة المُنبثِقَة من اللجنة المركزية للاتِّحاد الاشتراكيِّ، ومُديرًا للمعهدِ الدبلوماسي، ومديرًا لمكتب نائبِ رئيسِ الجمهورية، ثم مديرًا لمكتبِ رئيسِ الجمهورية للشُّؤون السياسيَّةِ ووكيلَ أولِ وزارَةِ الخارجيَّة. وشارك في مُفاوضات "كامب ديفيد" وصياغَةِ مُعاهدةِ السلام عامَ (1979م)، وهو مؤلِّف كتاب "مصر والقرن الحادي والعشرين"، وتولَّى المِلَفَّ الفلسطينيِّ - الإسرائيليِّ لفترةٍ طويلةٍ. وقد أُقيمَت صلاةُ الجنازة عليه بمسجدِ السيِّدة نفيسة بالقاهرة.