الموسوعة التاريخية

عدد النتائج ( 1740 ). زمن البحث بالثانية ( 0.01 )

العام الهجري : 699 الشهر القمري : شوال العام الميلادي : 1300
تفاصيل الحدث:

في يومِ الجمعة العشرين من شوَّالٍ ركِبَ نائب السلطنة جمال الدين آقوش الأفرم في جيش دمشقَ إلى جبال الجرد وكسروان (وهي من مناطق الساحل اللبناني كان يسكنُها الدروز والروافض) وخرج الشيخُ تقي الدين ابن تيميَّة ومعه خلقٌ كثير من المتطَوِّعة والحوارنة لقتال أهل تلك الناحية؛ بسبب فساد نيَّتِهم وعقائدِهم وكُفرِهم وضَلالِهم، وما كانوا عامَلوا به العساكِرَ لَمَّا كسرهم التَّتَرُ، وهربوا حين اجتازوا ببلادهم، ووثَبوا عليهم ونهَبوهم وأخذوا أسلحتَهم وخيولهم، وقتلوا كثيرًا منهم، فلما وصلوا إلى بلادِهم جاء رؤساؤُهم إلى الشيخ تقي الدين ابن تيمية فاستتابَهم وبيَّنَ للكثيرِ منهم الصوابَ وحصل بذلك خيرٌ كثيرٌ، وانتصارٌ كبير على أولئك المُفسِدين، والتزموا بردِّ ما كانوا أخَذوه من أموال الجيش، وقَرَّر عليهم أموالًا كثيرة يحملونَها إلى بيت المال، وأُقطِعَت أراضيهم وضياعُهم، ولم يكونوا قبل ذلك يدخُلونَ في طاعة الجُندِ ولا يلتَزِمونَ أحكام المِلَّة، ولا يدينونَ دينَ الحَقِّ، ولا يحَرِّمونَ ما حرم اللهُ ورسوله، وعاد نائبُ السلطنة يوم الأحد ثالث عشر ذي القعدة وتلقاه الناسُ بالشموع إلى طريق بعلبك وسطَ النَّهار.

العام الهجري : 317 الشهر القمري : ذي الحجة العام الميلادي : 930
تفاصيل الحدث:

لم يَشعُر الحُجَّاجُ في هذا العامِ إلَّا وأبو طاهرٍ سُلَيمانُ الجنابي القرمطي- لعنه الله-  قد خرج عليهم في جماعتِه يومَ الترويةِ، فانتهب أموالَهم واستباح قتالَهم، فقتَلَ في رحابِ مَكَّة وشعابِها وفي المسجِدِ الحرامِ وفي جوفِ الكعبةِ مِن الحُجَّاجِ خَلقًا كثيرًا، وجلس أميرُهم أبو طاهرٍ- لعنه الله- على باب الكعبة، والرجالُ تُصرَعُ حوله، والسيوفُ تَعمَلُ في الناس في المسجدِ الحرام في الشَّهرِ الحرام في يومِ التَّروية، فكان الناسُ يَفِرُّون منهم فيتعَلَّقونَ بأستار الكعبة فلا يُجدي ذلك عنهم شيئًا، بل يُقتَلون وهم كذلك، فلما قضى القرمطي- لعنه الله- أمْرَه، وفعل ما فعل بالحَجيجِ مِن الأفاعيلِ القبيحة، أمَرَ أن تدفن القتلى في بئرِ زمزم، ودفَنَ كثيرًا منهم في أماكِنِهم من الحرم، وفي المسجِدِ الحرام، وهدم قُبَّة زمزم وأمر بقلعِ باب الكعبةِ، ونزع كِسوتَها عنها، وشَقَّقَها بين أصحابه، وأمر رجلًا أن يصعد إلى ميزاب الكعبة فيقتَلِعَه، فسقط على أمِّ رأسِه فمات إلى النَّار، فعند ذلك انكَفَّ الخبيث عن الميزاب، ثم أمر بأن يُقلَعَ الحجَرُ الأسود، فجاءه رجل فضربه بمِثقلٍ في يده، وقال: أين الطيرُ الأبابيلُ، أين الحجارةُ من سِجِّيل؟ ثم قلع الحجَرَ الأسود وأخذوه حين راحوا معهم إلى بلادِهم، فمكث عندهم ثنتين وعشرين سنة حتى ردُّوه، فإنَّا لله وإنَّا إليه راجِعونَ، ولَمَّا رجع القرمطي إلى بلادِه ومعه الحجر الأسود وتبعه أميرُ مَكَّة هو وأهل بيتِه وجُنده، وسأله وتشفَّعَ إليه أن يرُدَّ الحجَرَ الأسود ليُوضَعَ في مكانه، وبذَلَ له جميعَ ما عنده من الأموالِ، فلم يلتَفِتْ إليه، فقاتله أميرُ مكَّةَ فقَتَله القرمطي، وقتَلَ أكثَرَ أهلِ بيته، وأهل مكة وجنده، واستمَرَّ ذاهبًا إلى بلاده ومعه الحجَرُ الأسود وأموالُ الحجيج، وذكر ابن الأثير أنَّ عُبيدَ الله المهدي بإفريقيةَ كتب إلى أبي طاهرٍ يُنكِرُ عليه ذلك ويلومُه ويلعَنُه، ويقيم عليه القيامة، ويقول: "قد حَققتَ على شيعتِنا ودُعاةِ دَولتِنا اسمَ الكُفرِ والإلحادِ بما فعلْتَ، وإن لم تَرُدَّ على أهلِ مَكَّةَ وعلى الحُجَّاجِ وغَيرِهم ما أخذتَ منهم، وتَرُدَّ الحَجَرَ الأسودَ إلى مكانه، وتَرُدَّ كِسوةَ الكعبةِ، فأنا بريءٌ منك في الدُّنيا والآخرة". فلمَّا وصَلَه هذا الكتابُ أعاد الحجرَ الأسودَ على ما نذكُرُه، واستعاد ما أمكَنَه من الأموالِ مِن أهل مكة، فرَدَّه، وقال: إنَّ النَّاسَ اقتَسَموا كِسوةَ الكَعبةِ وأموالَ الحُجَّاج، ولا أقدِرُ على مَنعِهم.

العام الهجري : 476 الشهر القمري : جمادى الآخرة العام الميلادي : 1083
تفاصيل الحدث:

هو الشيخُ، الإمامُ، القُدوَةُ، المُجتَهِد، شيخُ الإسلامِ، أبو إسحاقَ إبراهيمُ بن عليِّ بن يوسفَ الفيروزاباذي الشِّيرازيُّ، الشافعيُّ، الأشعريُّ, نَزيل بغدادَ، قِيلَ: لَقَبُه جَمالُ الدِّينِ، وُلِدَ سَنةَ 393هـ  في قَريةِ فيروزباذ من قُرَى فارس، وقِيلَ: هي مَدينَة خوارزم، وهو شيخُ الشافعيةِ في عَصرِه, ومُدَرِّسُ النِّظاميَّةِ ببغداد، تَفَقَّه بفارس على أبي عبدِ الله البَيضاوي، ثم قدم بغداد سَنةَ خَمس عشرة وأربعمائة، فتَفَقَّه على القاضي أبي الطَّيِّبِ الطَّبريِّ، وبَرَعَ على يَدِه، وصار مُعيدَهُ، وكان يُضرَب المَثَلُ بفَصَاحَتِه وقُوَّةِ مُناظَرتِه. وسَمِعَ الحَديثَ من ابنِ شاذان  والبرقاني، وكان عابِدًا وَرِعًا، مُتواضِعًا، ظَريفًا، كَريمًا، جَوَادًا، طَلْقَ الوَجْهِ، دائِمَ البِشْرِ، مَليحَ المُحاوَرَةِ، زاهِدًا، جاءَتهُ الدُّنيا صاغِرةً، فأَبَاهَا، واقتَصرَ على خُشونَةِ العَيْشِ أيامَ حَياتِه. كان كَبيرَ القَدْرِ مُعَظَّمًا مُحتَرمًا إمامًا في الفِقْهِ والأُصولِ والحَديثِ، وفُنونٍ كَثيرةٍ. رَحلَ الناسُ إليه من البلادِ، وقَصَدوهُ، وتَفَرَّدَ بالعِلمِ الوافرِ مع السِّيرَةِ الجَميلةِ، والطَّريقَةِ المَرْضِيَّةِ. قال السَّمعانيُّ: سَمعتُ جَماعةً يقولون: "لمَّا قَدِمَ أبو إسحاقَ نيسابور رَسولًا تَلَقَّوهُ، وحَملَ إمامُ الحَرمَينِ غاشِيَتَهُ، ومَشَى بين يَديِه وقال: أَفتَخِرُ بهذا". وكان عامَّةُ المُدَرِّسِينَ بالعِراقِ والجِبالِ تَلامِذتَهُ وأَتباعَهُ, وكان يُنشِد الأَشعارَ المَلِيحَةَ، ويُورِدُها، ويَحفَظ منها الكَثيرَ. قال محمدُ بن عبدِ المَلِكِ الهمذانيُّ: حَكَى أبي قال: "حَضرتُ مع قاضي القُضاةِ أبي الحَسنِ الماوردي عَزاءً، فتَكلَّم الشيخُ أبو إسحاقَ واجلا وأَجادَ، فلمَّا خَرَجنا، قال الماورديُّ: ما رَأيتُ كأبي إسحاقَ! لو رَآهُ الشافعيُّ لتَجَمَّلَ به" قال خَطيبُ المَوصِل أبو الفضلِ: "حَدَّثنِي أبي قال: تَوجَّهتُ من المَوصِل سَنةً إلى أبي إسحاقَ، فلمَّا حَضرتُ عنده رَحَّبَ بي، وقال: مِن أين أنت؟ فقلتُ: من المَوصِل. قال: مرحبًا أنت بَلدِيِّي. فشاهدتُ من حُسْنِ أَخلاقِه ولَطافَتِه وزُهدِه ما حَبَّبَ إليَّ لُزومَه، فصَحِبتُه إلى أن مات" له مُصنَّفاتٌ كَثيرةٌ نافعةٌ، كـ((المُهَذَّبِ)) في المَذهبِ، و((التنبيه))، و((النكت في الخِلاف))، و((اللمع في أصول الفقه))، و((التبصرة))، و((طبقات الشافعية)) وغيرِ ذلك، تُوفِّي لَيلةَ الأَحدِ الحادي والعشرين في دارِ أبي المُظَفَّرِ ابنِ رَئيسِ الرُّؤساءِ، وغَسَّلَهُ أبو الوَفاءِ بن عقيل الحنبليُّ وصَلَّى عليه ببابِ الفردوس من دارِ الخِلافةِ، وشَهِدَ الصلاةَ عليه المُقتدِي بأَمرِ الله، وتَقدَّم للصلاةِ عليه أبو الفَتحِ المُظفَّر ابنُ رَئيسِ الرُّؤساءِ، ثم صُلِّيَ عليه مَرَّةً ثانيةً بجامعِ القَصرِ، ودُفِنَ ببابِ إبرز في تُربَةٍ مُجاورةٍ للناحيةِ.

العام الهجري : 665 الشهر القمري : ربيع الآخر العام الميلادي : 1267
تفاصيل الحدث:

هو زعيمُ القبيلة الذهبية بركة خان بن جوجي بن جنكيز خان في بلاد القفجاق، وهو ابنُ عم هولاكو، وقد أسلم بركة خان وزوجته ججك  سنة 655، وكان يحِبُّ العلماء والصالحين ومن أكبَرِ حَسَناتِه كَسرُه لهولاكو وتفريقُ جنوده، وكان يناصِحُ الملكَ الظاهِرَ ويعَظِّمُه ويُكرِمُ رسُلَه إليه، ويُطلِقُ لهم شيئًا كثيرًا، وقد اتَّفَق معه على حربِ هولاكو، في سنة إحدى وستين وقد قام في الملكِ بعده بعضُ أهل بيته وهو منكوتمر بن طغان بن بابو بن تولى بن جنكيزخان، وكان على طريقتِه ومنوالِه، ولله الحمد.

العام الهجري : 729 العام الميلادي : 1328
تفاصيل الحدث:

بعد أن انتقل أورخان بن عثمان إلى بورصة وجعَلَها عاصمَتَه وضَرَبَ العملةَ الفضيَّة والذهبيَّة ثمَّ بدأ بتأسيسِ جيشِ يني تشري- يعني الجيش الجديد الذي عرف فيما بعد بالإنكشارية- الذي كانت نَواتُه أبناءَ الأَسرى والصِّغار الذين يَقَعون في الأسرِ فيُرَبَّونَ في ثُكناتِ عَسكريَّة تربيةً إسلاميَّةً ويُدَرَّبونَ تَدريبًا عسكريًّا ويتخَرَّجونَ لا يَعرِفونَ إلَّا القتالَ والحياةَ العَسكريَّة والإسلامَ والجِهادَ في سبيلِ الله، وليس الرَّوابط القَبَليَّة والعشائريَّة؛ إذ لا يعرفون إلا السُّلطانَ سَيِّدًا لهم وقائدًا، فكانوا بذلك أكبَرَ قُوَّة ساهمت في ضرب خُصومِ العُثمانيين ومَدَّت الفتوحاتِ في البلاد.

العام الهجري : 771 الشهر القمري : ذي الحجة العام الميلادي : 1370
تفاصيل الحدث:

هو الإمامُ العالمُ الفقيه المحَدِّث النحوي الناظِمُ: تاج الدين أبو نصر عبد الوهاب ابن العلامة الفقيه قاضي القضاة تقي الدين علي بن عبد الكافي بن علي بن تمام بن يوسف بن موسى بن تمام الأنصاري السلمي السبكي الشافعي، قاضي قضاة دمشق بها، ولد بالقاهرة سنة 728. قال الصفدي: "عُنِيَ تاج الدين بالرواية وسمع كثيرًا، وقرأ بنفسه على شيخنا شمس الدين الذهبي كثيرًا من مصنفاته وغيرها، وأفتى ودرَّس، ونظم الشعر وعمل الألغاز، وراسلني وراسلته، وبالجملة فعِلمُه كثيرٌ على سِنِّه" جرت له مِحَنٌ فاتُّهِمَ بالكفر واستحلالِ الخَمرِ؛ قال ابن كثير: " عُقِدَ مجلس بسبب قاضي القضاة تاج الدين السبكي، ولما كان يوم الاثنين الرابع والعشرين من ربيع الأول عُقِدَ مجلس حافل بدار السعادة بسَبَبِ ما رمي به قاضي القضاة تاج الدين الشافعي ابن قاضي القضاة تقي الدين السبكي، وكنت ممَّن طُلِب إليه، فحضرته فيمن حضر، وقد اجتمَع فيه القضاةُ الثلاثة، وخَلقٌ من المذاهب الأربعة، وآخَرون من غيرهم، بحضرة نائب الشام سيف الدين منكلي بغا، وكان قد كُتِبَ فيه محضران متعاكسانِ أحدهما له والآخر عليه، وفي الذي عليه خَطُّ القاضيين المالكي والحنبلي، وجماعةٍ آخرين، وفيه عظائِمُ وأشياء منكرة جدًّا ينبو السَّمعُ عن استماعه. وفي الآخَرِ خطوطُ جماعات من المذاهب بالثناء عليه، وفيه خَطِّي بأني ما رأيتُ فيه إلا خيًرا, وكثُرَ القول فيه وارتفعت الأصوات وكَثُر الجدال والمقال، وطال المجلِسُ، فأشار نائِبُ السلطنة بالصُّلحِ بينهم وبين قاضي القضاة تاج الدين، فأشار شيخ شرف الدين ابن قاضي الجبل وأشرت أنا أيضًا بذلك، فقُمْنا والأمر باقٍ على ما تقدم، ثم اجتَمَعْنا يوم الجمعة بعد العصر عند نائب السلطنةِ عن طلبه فتَراضَوا كيف يكونُ جواب الكتابات مع مطالعة نائب السلطنة، ففعل ذلك وسار البريدُ بذلك إلى الديار المصرية، ثم اجتمَعْنا أيضًا يوم الجمعةِ بعد الصلاة التاسِعَ عشر من ربيع الآخر بدار السعادة، وحضر القضاةُ الثلاثة وجماعة آخرون، واجتهد نائبُ السلطنة على الصلح بين القضاة وقاضي الشافعية وهو بمصر، فحصل خلافٌ وكلام طويل، ثم كان الأمرُ أن سكنت أنفُسُ جماعة منهم.". لتاج الدين السبكي تصانيفُ، منها طبقات الشافعية الكبرى، وجمع الجوامع في أصول الفقه، والأشباه والنظائر، وشرح منهاج البيضاوي، وشرح مختصر ابن الحاجب، وكان درس بالعادلية والغزالية والأمينية والناصرية ودار الحديث الأشرفية والشامية البرانية، وباشر قضاءَ دمشقَ أربَعَ مَرَّات، وخطَبَ بالجامِعِ الأموي. توفِّيَ في عصر يوم الثلاثاء السابع من ذي الحجَّة مُتأثِّرًا بالطاعون، ودفِنَ بسفح قاسيون، عن أربعٍ وأربعين سنة.

العام الهجري : 413 العام الميلادي : 1022
تفاصيل الحدث:

عالمُ الرَّافِضةِ، صاحِبُ التَّصانيفِ: أبو عبدِ اللهِ مُحمَّدُ بنُ محمد بن القاضي النعمان البغدادي الكَرْخي بن محمد المغربي، المعروفُ بابنِ المعَلِّم أو الشَّيخ المُفيد شيخ الإماميَّة الرَّوافض، والمُصَنِّف لهم، والمُحامي عن حوزتِهم، صاحِب فُنونٍ وبحوثٍ وكلام، واعتزالٍ وأدبٍ. قال الذهبي: "ذكَرَه ابن أبي طي في "تاريخ الإماميَّة"، فأطنب وأسهب، وقال: كان أوحَدَ في جميعِ فُنونِ العلم: الأصلينِ، والفِقه، والأخبار، ومعرفة الرِّجال، والتفسير، والنحو، والشعر". كانت له وَجاهةٌ عند ملوك الأطرافِ، وكان مَجلِسُه يَحضُرُه خَلقٌ كَثيرٌ مِن العُلَماءِ مِن سائر الطوائِفِ، وكان من جُملةِ تلاميذِه الشَّريفُ الرَّضِيُّ، والمرتضى، له تصانيفُ؛ منها: الإرشادُ، والرسالة المُقنِعة، والإعلام فيما اتَّفَقَت عليه الإماميَّة من الأحكامِ وغيرها. كان يُناظِرُ أهلَ كُلِّ عقيدةٍ مع ما له من العَظَمةِ في الدَّولة البُويهيَّة، والرُّتبة الجَسيمة عند الخُلَفاء، وكان قويَّ النَّفسِ، كثيرَ البِرِّ، عظيمَ الخُشوعِ، كثيرَ الصَّلاة والصَّوم، يَلبَسُ الخَشِنَ من الثياب، وكان مُديًما للمطالعةِ والتَّعليمِ، ومن أحفَظِ الناس. قيل: "إنَّه ما ترك للمُخالفينَ كِتابًا إلَّا وحَفِظَه، وبهذا قَدَرَ على حَلِّ شُبَهِ القَومِ، وكان مِن أحرَصِ النَّاسِ على التَّعليم؛ يدورُ على المَكاتبِ وحوانيتِ الحاكَةِ، فيتلَمَّحُ الصبيَّ الفَطِنَ، فيستأجرُه من أبويه- يعني فيُضِلُّه- وبذلك كَثُر تلامِذتُه". ربما زاره عَضُدُ الدَّولة، وكان يقضي حوائجَه ويقول له: اشفَعْ تُشَفَّع، وكان يقومُ لتلامذتِه بكُلِّ ما يحتاجونَ إليه. وكان الشَّيخُ المفيد ربعةً نحيفًا، أسمرَ، وما استغلَقَ عليه جوابٌ إلَّا فَزِعَ إلى الصلاة، ثم يسألُ اللهَ فيُيَسِّرُ له الجواب. عاش ستًّا وسبعين سنة، وصَنَّف أكثَرَ من مِئَتي مُصَنَّف، وشَيَّعَه ثمانون ألفًا، وكانت جنازتُه مشهودة. قال الذهبي: "بلَغَت تواليفُه مِئَتين، لم أقِفْ على شيءٍ منها، ولله الحَمدُ"

العام الهجري : 1359 الشهر القمري : ربيع الأول العام الميلادي : 1940
تفاصيل الحدث:

هو الشيخُ عبد الحميد بن محمد المصطفى بن مكي بن باديس مؤسِّسُ جمعية العلماء المسلمين بالجزائر. ولِدَ في 11 من ربيع الآخر 1307هـ بمدينة قسنطينة، ونشأ في أسرةٍ كريمة ذات عراقة وثراء، ومشهورة بالعلم والأدب، سافر إلى تونس في سنة 1326هـ وانتسب إلى جامع الزيتونة، وتلقى العلومَ الإسلاميةَ على جماعةٍ مِن أكابر علمائه، أمثال الشيخ محمد الطاهر بن عاشور، ولقد آمن ابنُ باديس بأنَّ الطريق الأوَّلَ لمقاومة الاحتلال الفرنسي هو العلم؛ لذا عَمِلَ ابن باديس على نشر العلم، وقد بدأ ابن باديس جهودَه الإصلاحية بعد عودته من الحَجِّ بإلقاء دروس في تفسير القرآن بالجامع الأخضر بقسنطينة، ودعوته إلى تطهير العقائدِ مِن الأوهام والأباطيل التي علقت بها، ثم بعد بضعِ سنوات أسَّس جماعةٌ من أصحابه مكتبًا للتعليم الابتدائي في مسجد سيد بومعزة، ثم انتقل إلى مبنى الجمعية الخيرية الإسلامية التي تأسَّست سنة 1336هـ، وقد هدفت الجمعيةُ إلى نشر الأخلاق الفاضلة، والمعارف الدينية والعربية، والصنائع اليدوية بين أبناء المسلمين وبناتهم، ودعا المسلمين الجزائريين إلى تأسيسِ مِثلِ هذه الجمعية، أو تأسيس فروعٍ لها في أنحاء الجزائر؛ لأنه لا بقاءَ لهم إلا بالإسلام، ولا بقاءَ للإسلام إلا بالتربية والتعليم. وحثَّ ابنُ باديس الجزائريين على تعليم المرأة، وإنقاذها ممَّا هي فيه من الجهل، وتكوينها على أساسٍ من العِفَّة وحسن التدبير، وبعد احتفال فرنسا بالعيد المئوي لاحتلال الجزائر في سنة 1349هـ شُحِذَت همم علماء المسلمين في الجزائر وحماسهم وغيرتهم على دينهم ووطنهم، فتنادوا إلى إنشاءِ جمعية تُناهِضُ أهداف المستعمِر الفرنسي، وجعلوا لها شعارًا يعبِّرُ عن اتجاههم ومقاصدهم هو: "الإسلام ديننا، والعربية لغتنا، والجزائر وطننا"، وانتخبوا ابنَ باديس رئيسًا لها. وقد نجحت هذه الجمعيةُ في توحيد الصفوف لمحاربة المستعمِر الفرنسي، وحشْد الأمة الجزائرية ضِدَّها، وبَعْث الروح الإسلامية في النفوس، ونَشْر العلم بين الناس، وانتبهت فرنسا إلى خطر هذه التعبئة، وخَشِيَت من انتشار الوعي الإسلامي، فعطَّلَت المدارس، وزجَّت بالمدرسين في السجون، وأصدر المسؤول الفرنسي عن الأمن في الجزائر في عام 1352هـ تعليماتٍ مُشدَّدة بمراقبة العلماء مراقبةً دقيقة، كان ابن باديس مجاهِدًا سياسيًّا مجاهِرًا بعدم شرعية الاحتلال الفرنسي، وأنَّه حُكمٌ استبدادي غير إنساني، يتناقَضُ مع ما تزعُمُه مِن أن الجزائر فرنسية، وأحيا فكرةَ الوطن الجزائري بعد أن ظنَّ كثيرون أن فرنسا نجحت في جعْل الجزائر مقاطعةً فرنسية، وقد عبَّرَ ابن باديس عن إصرار أمَّتِه وتحديها لمحاولات فرنسا بقوله: "إن الأمةَ الجزائريةَ ليست هي فرنسا، ولا يمكِنُ أن تكون فرنسا، ولا تريد أن تصير فرنسا، ولا تستطيع أن تصير فرنسا لو أرادت، بل هي أمةٌ بعيدةٌ عن فرنسا كلَّ البعد؛ في لغتها، وفي أخلاقِها وعنصرها، وفي دينها، لا تريد أن تندمِجَ، ولها وطن محدَّدٌ مُعَيَّن هو الوطن الجزائري" ودخل في معركة مع الحاكم الفرنسي سنة 1352هـ واتَّهمه بالتدخُّل في الشؤون الدينية للجزائر على نحوٍ مخالفٍ للدين والقانون الفرنسي، وأفشل فكرةَ اندماج الجزائر في فرنسا التي خُدِعَ بها كثير من الجزائريين سنة 1353هـ. ودعا نوابَ الأمة الجزائريين إلى قَطعِ حبال الأملِ في الاتفاق مع الاستعمار، وضرورة الثقة بالنفس، وكانت الصحفُ التي يصدِرُها ابن باديس أو يشارِكُ في الكتابة بها من أهمِّ وسائله في نشر أفكاره الإصلاحية، وكان ابن باديس قد أصدر جريدة "المنتقد" سنة 1343ه وتولى رئاستَها بنفسِه، لكنَّ المحتَلَّ عطَّلها، فأصدر جريدة "الشهاب" واستمَرَّت في الصدور حتى سنة 1358هـ، واشترك في تحرير الصُّحُف التي كانت تصدِرُها جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، مثل (السنة) و(الصراط) و(البصائر). توفِّي ابن باديس في 8 ربيع الأول، وكان سببُ وفاته التعب والإرهاق، وذلك أنه كان يلقي يوميًّا 15 درسًا، وفي عطلة نهاية الأسبوع كان يسافر إلى العاصمة، ثم يتنقِلُ من محطة القطار إلى الجامع الأخضر، وكان آخر درس ألقاه على النساء 3 أيام قبل وفاتِه في نفس الجامع، وكان كثير التنقُّل في الفترة الممتدَّة بين الصبح والظهر من البيت الذي يحضِّرُ فيه الدروس إلى مكان الإلقاء. وقد وافته المنيةُ في حدود الساعة الثانية بعد الظهر بحضور الدكتور ابن جلول ودكتور فرنسي وشقيقه الأكبر زبير، ولم يتمَّ تسميمُه ولم يُصَب بسرطان ولا بمَرَض أمعاءٍ، كما أشيعَ بعد موتِه.

العام الهجري : 513 الشهر القمري : جمادى الأولى العام الميلادي : 1119
تفاصيل الحدث:

الإمام العلامة البحر شيخ الحنابلة: أبو الوفاء علي بن عقيل بن محمد بن عقيل بن عبد الله البغدادي، الظفري، الحنبلي، المتكلم، صاحب التصانيف، شيخ الحنابلة في زمانه. ولد سنة 431 هـ, وكان يسكن الظفرية -محلة كبيرة بشرقي بغداد- ومسجده بها مشهور. كان إمامًا مُبرزًا في كثير من العلوم، خارق الذكاء قوي الحجة واللسان، اشتغل أول أمره بمذهب المعتزلة واتُّهِم بالانحراف عن مذهب السنة حتى أراد الحنابلة قَتْلَه، ثم أظهر توبته وأعلنها وأشهد عليها وكُتب في ذلك مجلسٌ شهده كبار الفقهاء. قال الذهبي: "أخذ ابن عقيل علم العقليات عن شيخَي الاعتزال أبي علي بن الوليد، وأبي القاسم بن التبان؛ صاحبي أبي الحسين البصري، فانحرف عن السنة، وكان يتوقد ذكاءً، وكان بحر معارف، وكنز فضائل، لم يكن له في زمانه نظير على بدعته". قال أبو طاهر السِّلَفي: "ما رأت عيني مثل أبي الوفاء ابن عقيل الفقيه؛ ما كان أحدٌ يقدر أن يتكلم معه؛ لغزارة علمه، وحسن إيراده، وبلاغة كلامه، وقوة حجته، تكلم يومًا مع شيخنا الكيا أبي الحسن، فقال له الكيا: هذا ليس مذهبك. فقال: أكون مثل أبي علي الجبَّائي، وفلان وفلان لا أعلم شيئًا؟! أنا لي اجتهاد متى ما طالبني خصم بالحجة، كان عندي ما أدفع به عن نفسي وأقوم له بحجتي. فقال الكيا: كذاك الظنُّ بك". قال ابن الجوزي: "جرت فتنة لأجل أبي الوفاء ابن عقيل، وكان أصحابنا قد نقموا عليه تردُّدَه إلى أبي علي بن الوليد؛ لأجل أشياء كان يقولها، وكان في ابن عقيل فطنة وذكاء، فأحب الاطلاع على كل مذهب يقصد ابن الوليد، وقرأ عليه شيئًا من الكلام في السر، وكان ربما تأوَّل بعض أخبار الصفات، فإذا أُنكِر عليه ذلك حاول عنه، واتَّفق أنه مَرِض فأعطى رجلًا ممن كان يلوذ به -يقال له: معالي الحائك- بعض كتبه، وقال له: إن متُّ فأحرِقْها بعدي، فاطلع عليها ذلك الرجل، فرأى فيها ما يدل على تعظيم المعتزلة والترحُّم على الحلاج، وكان قد صنَّف في مدح الحلاج جزءًا في زمان شبابه، وذلك الجزء عندي بخطه، تأوَّل فيه أقواله وأفعاله وفسَّر أسراره، واعتذر له، فمضى ذلك الحائك فأطلع على ذلك الشريف أبا جعفر وغيره، فاشتد ذلك على أصحابنا، وراموا الإيقاعَ به، فاختفى ثم التجأ إلى باب المراتب، ولم يزل في الأمر يختبط إلى أن آل إلى الصلاح في سنة خمس وستين وأربعمائة". وفي يوم الحادي عشر من محرم حضر أبو الوفاء ابن عقيل الديوان ومعه جماعة من الحنابلة واصطلحوا، وكانت نسخة ما كتبه ابن عقيل بخطه ونسب إلى توبته: "بسم الله الرحمن الرحيم، يقول علي بن عقيل بن محمد: إني أبرأ إلى الله تعالى من مذاهب المبتدعة والاعتزال وغيره، ومن صُحبة أربابه، وتعظيم أصحابه، والترحم على أسلافهم، والتكثر بأخلافهم، وما كنت علَّقتُه ووُجد خطي به من مذاهبهم وضلالاتهم فأنا تائب إلى الله تعالى من كتابته، وأنه لا تحل كتابته ولا قراءته ولا اعتقاده". قال ابن عقيل: "عصمني الله في شبابي بأنواع من العصمة، وقصَرَ محبتي على العلم، وما خالطت لعَّابًا قط، ولا عاشرتُ إلا أمثالي من طلبة العلم، وأنا في عشر الثمانين أجِدُ من الحرص على العلم أشدَّ مما كنت أجده وأنا ابن عشرين، وبلغت لاثنتي عشرة سنة، وأنا اليوم لا أرى نقصًا في الخاطر والفكر والحفظ، وحِدَّة النظر بالعين لرؤية الأهِلَّة الخفية إلا أن القوة ضعيفة". برع في الفقه والأصول، وله مصنفات أشهرها: كتاب الفنون، ولكن قيل: إنه لم يتمَّه. ولو تمَّ لأغنى عن كل المؤلفات! وله الرد على الأشاعرة في مسألة الحرف والصوت، وله الواضح في أصول الفقه، والفصول في الفقه الحنبلي، وغيرها. توفي بُكرةَ الجمعة ثاني عشر جمادى الأولى في بغداد عن 82 عامًا. وكان الجمع في الصلاة عليه يفوت الإحصاء؛ "قال ابن ناصر شيخنا: حزرتهم بثلاثمائة ألف. قال المبارك بن كامل: صُلِّي على شيخنا بجامع القصر، فأمَّهم ابن شافع، وكان الجمع ما لا يحصى، وحُمل إلى جامع المنصور، فصُلِّي عليه، وجرت فتنة وتجارحوا، ونال الشيخ تقطيعُ كفنه، ودُفن قريبًا من الإمام أحمد, وقال ابن الجوزي أيضًا فيه: هو فريد فنه، وإمام عصره، كان حسَنَ الصورة، ظاهِرَ المحاسن".

العام الهجري : 595 الشهر القمري : صفر العام الميلادي : 1198
تفاصيل الحدث:

هو العلَّامةُ فيلسوف الوقت، أبو الوليد محمد بن أبي القاسم أحمد بن شيخ المالكيَّة أبي الوليد محمد بن أحمد بن أحمد بن رشد القرطبي. حفيدُ العلَّامة ابن رشد الفقيه المتوفى سنة 520، وُلِدَ سنة عشرين قبل وفاة جده العلامة بشهر واحد. درس الفقه والأصول حتى برَعَ فيه وأقبل على عِلمِ الكلام والفلسفة وعلوم الأوائل، حتى صار يُضرَبُ به المثَلُ فيها. واشتغل بالطبِّ والرياضيات. كان ذكيًّا رَثَّ البَزَّة، قَوِيَّ النفس، أوحَدَ زمانه في علم الفقه والخلاف. نُفِيَ إلى بلاد المغرب بسبب اشتغالِه بالفلسفة، وله كُتُب في الفقه والأصول واللغة، كان شديدَ الإعجاب بأرسطو. ألفَّ ابن رشد كتابًا رَدَّ فيه على كتابِ الغزالي (تهافُت الفلاسفة) مدافعًا فيه عن آراء الفلاسفة، وله كتابُ جوامع كتب أرسطوطاليس، وله في الطب كتاب الكليَّات في وظائف الجسم ومنافعها، وكتاب شرح أرجوزة ابن سينا في الطب، وله كتب أخرى في الفقه، مثل التحصيل، وله الكتاب المشهور بداية المجتهد ونهاية المقتصد، قال عنه الذهبي: "كتاب بداية المجتهد ونهاية المقتصد في الفقه، عَلَّلَ فيه ووَجَّه، ولا نعلَمُ في فنه أنفَعَ منه، ولا أحسَنَ مَساقًا"، وله كتابُ الكشف عن الأدلة في عقائد الملة، الذي رد عليه شيخ الإسلام ابن تيمية. نقل الذهبي عن ابن الأبار الأندلسي أنه قال: "لم ينشأ بالأندلس مثله كمالًا وعِلمًا وفَضلًا. قال: وكان متواضِعًا، منخفِضَ الجناح، عُنِيَ بالعلم حتى حُكِيَ عنه أنه لم يترك النظَرَ والقراءة مذ عَقِلَ إلَّا ليلة وفاة أبيه وليلة عُرسِه، وأنه سوَّدَ فيما صَنَّف وقَيَّد, واختصر نحوًا من عشرة آلاف ورقة، ومال إلى علوم الأوائل، فكانت له فيها الإمامةُ دون أهل عصره. وكان يُفزَعُ إلى فُتياه في الطب كما يُفزَعُ إلى فتياه في الفقه، مع الحظِّ الوافِرِ مِن العربية, وقيل: كان يحفَظُ ديوان حبيب والمتنبي". قال الذهبي: قال ابن بشكوال: "كان ابن رشد فقيهًا عالِمًا، حافِظًا للفقهِ، مُقَدَّمًا فيه على جميع أهل عصره، عارفًا بالفتوى على مذهب مالك وأصحابه، بصيرًا بأقوالهم، نافذًا في علم الفرائض والأصول، من أهل الرياسةِ في العلم والبراعة والفهم، مع الدِّينِ والفضل والوَقار والحلم، والسَّمت الحَسَن والهَدْي الصالح" وليَ قضاء قرطبة بعد أبي محمد بن مغيث، فحُمِدَت سيرته وعَظُم قَدْرُه. قال شيخ الشيوخ تاج الدين: "لَمَّا دخلتُ إلى البلاد سألتُ عنه، فقيل: إنه مهجورٌ في داره من جهةِ المنصور يعقوب الموحدي، ولا يدخُلُ أحَدٌ عليه، ولا يخرج هو إلى أحَدٍ. فقيل: لم ؟ قالوا: رُفِعَت عنه أقوالٌ رَدِيَّة، ونُسِبَ إليه كثرةُ الاشتغال بالعلوم المهجورة من علوم الأوائل. ومات وهو محبوسٌ بداره بمراكش ". اعتقله السلطانُ المنصور يعقوب وأهانه، ثم أعاده إلى الكرامةِ، استدعاه واحتَرَمه وقَرَّبَه، حتى تعدى به الموضِعَ الذي كان يجلِسُ فيه الشيخ عبد الواحد بن أبي حفص الهنتاتي، ثم بعد ذلك نَقِمَ عليه لأجل الحِكمة واشتغالِه بالفلسفة, ومات محبوسًا بداره بمراكش، ومات السلطان المنصورُ بعده بشهر.

العام الهجري : 1302 الشهر القمري : رمضان العام الميلادي : 1885
تفاصيل الحدث:

هو محمد أحمد بن عبد الله، المهدي السوداني الثَّائر، وقائدُ الحركة المهدية ومؤسِّسُها. كان لحركته أثرٌ كبير في حياة السودانِ السياسية. ولِدَ في جزيرةٍ تابعة لدنقلة سنة 1259هـ، من أسرةٍ اشتهر أنها حُسينية النَّسَبِ. وكان أبوه فقيهًا، فتعلَّم منه القراءةَ والكتابة، وحفِظَ القرآنَ وهو في الثانية عشرة من عمره. ومات أبوه وهو صغير، فعَمِلَ مع عمه في نجارةِ السُّفن مدةً قصيرةً، وذهب إلى الخرطوم، فقرأ الفِقهَ والتفسيرَ، وتصوَّفَ وانقطع في جزيرة أبا في النيل الأبيض مدة خمسة عشر عامًا للعبادة والدرسِ والتدريس. وكثُرَ مريدوه، واشتهر بالصلاحِ. وسافر إلى (كردفان) فنشر فيها (رسالة) من تأليفِه يدعو بها إلى تطهيرِ البلاد من مفاسِدِ الحكَّام, وجاءه عبد الله بن محمد التعايشي فبايعه على القيامِ بدعوتِه. وقَوِيَت عصبيَّةُ المهدي بقبيلة (البقَّارة) وقد تزوَّج منها, وتلقَّب سنة 1298هـ (1881 م) بالمهديِّ المنتظر، وكتب إلى فُقهاء السودان يدعوهم لنصرتِه. وانبَثَّ أتباعُه (ويُعرفون بالدراويش أو الأنصار) بين القبائِلِ يحضُّون على الجهادِ. حاولت الحكومةُ المصرية والإنجليزُ القضاءَ عليه وعلى حركتِه، لكِنَّ كثرةَ أتباعِه وحماسَهم لحركتِه التي تسعى لرفعِ الظلم الواقع على السودانيين كلَّف المصريين والإنجليز الكثيرَ من الدماء على رأسِها القائدُ الإنجليزي غوردون، عندما هاجم بعضُ أتباع المهدي (الخرطوم) وفيها غوردون باشا فقتلوه وحملوا رأسَه على حَربةٍ (سنة 1302هـ)، وانقاد السودان كلُّه للمهدي. أرسل إلى الخديوي والسلطان عبد الحميد ومَلِكة إنجلترا يشعِرُهم بدولته ومقر سلطنتِه، وضربَ النقودَ. ولكِنَّه لم يلبث أن مات بالجدري في (أم درمان) وقد أوصى بالخلافة من بعده لعبد الله التعايشي. كان المهدي طويلًا أسمرَ بخضرة، ضَخْمَ الجثة، عظيمَ الهامة، واسِعَ الجبهة، أقنى الأنف، واسعَ الفم والعينين، مستديرَ اللحية، خفيفَ العارِضَينِ، أسنانه كاللؤلؤ، يتعَمَّمُ على قلنسوة من نوعِ ما يتعمَّمُ عليه أهلُ مكة، وعمامتُه كبيرةٌ مُنفَرِجةٌ من الأمام، يُرسِلُ عذبةً منها على مَنكِبِه الأيسر.وكان فطِنًا فصيحًا قويَّ الحجة، إذا خطب خلبَ لُبَّ مَن يستمِعُ إليه.

العام الهجري : 1364 العام الميلادي : 1944
تفاصيل الحدث:

لم يتجاوب الشعب الجزائري مع السياسة الفرنسية في جميع الجهاتِ بدون استثناء؛ فلم يكن هناك أثَرٌ في فَرْنَسة الشعب الجزائري المسلِم، وهو ما دفع مخطِّطي السياسة الفرنسية إلى اتهام الجزائريين بأنَّهم شَعبٌ يعيش على هامش التاريخ. حارب الجزائريون سياسةَ التفرقة الطائفية، وقد رأى المصلِحون من أبناء الجزائر في ظِلِّ فَشلِ حركات المقاومة يتقَدَّمُهم الشيخ العالِم عبد الحميد بن باديس أنَّ العمل يجب أن يقومَ في البداية على التربية الإسلامية؛ لتكوين قاعدة صلبة يمكِنُ أن يقومَ عليها الجهاد في المستقبل، مع عدم إهمال الصراع السياسي؛ فتمَّ تأسيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين عام 1350هـ -1931م بزعامة عبد الحميد بن باديس، وعلى الصعيد السياسي بدأ الجزائريون المقاومةَ من خلال التنظيم السياسي الذي خاض هذا الميدانَ بأفكار متعددة، وظهرت عدةُ تنظيمات سياسية، ولَمَّا اشتعلت الحربُ العالمية الثانية ذهب كثيرٌ من الجزائريين إلى الحرب للدفاع عن فرنسا، فدُمِّر الإنتاج في الجزائر وزادت صعوباتُ الحياة؛ لذلك تقدَّموا ببيان إلى السلطات الفرنسية يطالبون فيه بحَقِّ تقرير المصير، تقدَّم به فرحات عباس زعيم حزب اتحاد الشعب الجزائري، ورفضت فرنسا قَبولَ البيان كأساسٍ للمحادثات، فأحدث ذلك ردَّ فِعلٍ عنيفًا عند الجزائريين الذين أصَرُّوا على تمسُّكِهم بالبيان والتزامهم به، ففرض الجنرال كاترو الحاكِمُ العام في الجزائر الإقامةَ الجبرية على فرحات عباس وغيره من الزعماء الجزائريين، فاستغلت فرنسا قيامَ بعض المظاهرات في عدد من المدن الجزائرية وإحراقها للعلم الفرنسي، فارتكبت مذبحةً رهيبة سقط فيها (45) ألف شهيد جزائري، فاتجه الجزائريون بعد تلك المذابح البَشِعة إلى العَمَل السري، وكان يتم اختيارُ أفراد هذا العمل من خيرة الشبانِ خُلقًا وأدبًا، فلم يكن يُسمَحُ بضَمِّ المُلحِدين أو الفوضويين، وبدأت خلايا المجاهِدين تنتشر في الجزائر طولًا وعرضًا، وأحيطت أساليبُ العمل بسريةٍ تامةٍ؛ مما كان له أكبر الأثر في نجاح الثورة، واستطاع هذا التنظيمُ الدعايةَ للثورة في صفوف الشعب وإعداده للمعركة القادمة.

العام الهجري : 682 الشهر القمري : محرم العام الميلادي : 1283
تفاصيل الحدث:

وصولُ رسل صاحب بلاد سيلان من أرض الهند واسمه أبو أنكيه بكتابه، وهو صحيفة ذهب عرض ثلاثة أصابع في طول نصف ذراع بداخلها شيء أخضر يشبه الخوص، إلى السلطان قلاوون بمصر مكتوب فيه بقلم لم يوجد في القاهرة من يحسن قراءته، فسئل الرسل عنه فقالوا " إنه يتضمن السلام والمحبة وإنه ترك صحبة صاحب اليمن وتعلق بمحبة السلطان، ويريد أن يتوجه إليه رسول، وذكر أن عنده أشياء عدها من الجواهر والفيلة والتحف ونحوها، وأنه عبأ تقدمة إلى أبواب السلطان، وأن في مملكة سيلان سبعًا وعشرين قلعة، وبها معادن الجواهر والياقوت، وأن خزائنه ملآنة من الجواهر.

العام الهجري : 501 الشهر القمري : رجب العام الميلادي : 1108
تفاصيل الحدث:

هو الأمير سيف الدولة صدقة بن بهاء الدولة منصور بن ملك العرب دبيس بن علي بن مزيد الأسدي، الناشري العراقي صاحب الحلة السيفية. كان يتشيع هو وأهل بيته، ويقال له ملك العرب. وكان ذا بأس وسطوة، كريمًا ذا ذمام، عفيفًا من الزنا والفواحش، كأن عليه رقيبًا من الصيانة، ولم يتزوج على زوجته قطُّ ولا تسرَّى، وقيل: إنه لم يشرب مُسكِرًا ولا سَمِعَ غناءً ولا قصد التسوُّقَ في طعام، ولا صادر أحدًا من أصحابه، وكان تاريخ العرب الأماجد كرمًا ووفاءً، وكانت داره ببغداد حرمَ الخائفين. اختطَّ مدينة الحلة في سنة خمس وتسعين وأربع مائة، وسكنها الشيعة، وكان قد عَظُم شأن صدقة، وعلا قدره، واتسع جاهه، واستجار به صغار الناس وكبارهم، فأجابهم، وكان كثير العناية بأمور السلطان محمد، والتقوية ليده، والشدِّ منه على أخيه بركيارق، حتى إنه جاهر بركيارق بالعداوة، ولم يبرحْ على مصافاة السلطان محمد، وزاده محمد إقطاعًا، من جملته مدينة واسط، وأذن له في أخذ البصرة. ثم أفسد ما بينهما العميدُ أبو جعفر محمد بن الحسين البلخي، ثم إنه تعدى ذلك حتى طعن في اعتقاده، ونسبه وأهل بلده إلى مذهب الباطنية، وقيل: إنما كان مذهبه التشيع لا غير، ووافق أرغون السعدي أبا جعفر العميد، وأما سبب قتله فإن السلطان محمدًا قد سخط على أبي دلف سرخاب بن كيخسرو، صاحب ساوة وآبة، فهرب منه وقصد صدقة فاستجار به فأجاره، فأرسل السلطان يطلب من صدقة أن يسلِّمَه إلى نوابه، فلم يفعل، وظهر منه أمورٌ أنكرها السلطان, فأنفذ الخليفةُ المستظهر بالله إلى صدقة ينهاه عن الخروج على السلطان، وتردَّدت الرسل بين الخليفة وصدقة, فما سمع صدقة، واجتمع له عشرون ألف فارس، وثلاثون ألف راجل، فتوجَّه السلطان إلى العراق ليتلافى هذا الأمر، فالتقى الجمعان عند النعمانية، فرشقتهم عساكر السلطان بالسهام، فجرحت خيولهم، ثم ولَّوا، وبقي صدقة يجول بنفسه، فجُرِح فرسه المهلوب، وكان عديمَ المثَل، وهرب وزيره على فرس له، فناداه، فما ألوى عليه، ثم جاءته ضربةُ سيف في وجهه، وقُتِلَ صدقة، وحُمل رأسه إلى بغداد. وقتل من أصحابه ما يزيد على ثلاثة آلاف فارس، فيهم جماعة من أهل بيته، وأُسِرَ ابنه دبيس ووزيره وعِدَّةٌ من أهله، وكان عمره تسعًا وخمسين سنة، وكانت إمارته إحدى وعشرين سنة، وحُمِل فدفن في مشهد الحسين عليه السلام, ثم عاد السلطان إلى بغداد، ولم يَصِل إلى الحلة، وأرسل إلى البطيحة أمانًا لزوجة صدقة، وأمرها بالظهور فأصعدت إلى بغداد، فأطلق السلطان ابنها دبيسًا، وأنفذ معه جماعة من الأمراء إلى لقائها.

العام الهجري : 549 الشهر القمري : محرم العام الميلادي : 1154
تفاصيل الحدث:

هو حاكِمُ مصر الظافِرُ أبو مَنصورٍ إسماعيلُ بن الحافظِ لدِينِ الله عبدِ المجيدِ بن محمدِ بن المُستَنصِر مَعَدِّ بن الظاهرِ عليِّ بن الحاكمِ الفاطميُّ العُبيديُّ، المصريُّ، الإسماعيليُّ. وَلِيَ الأَمرَ بعدَ أَبيهِ خَمسةَ أَعوامٍ. وكان شابًّا جَميلًا وَسيمًا لَعَّابًا عاكِفًا على الأَغاني والسَّراري، استَوْزَرَ الأَفضلَ سليمَ بن مصالٍ فَسَاسَ الإِقليمَ. وانقَطعَت في أَيامِه الدَّعوةُ له ولآبائِهِ العُبيدِيِّين من سائرِ الشامِ والمَغربِ والحَرمَينِ, وبَقِيَ لهم إِقليمُ مصر, وقد خَرجَ على وَزيرِه ابنِ مصالٍ. العادلُ بن السَّلَّارِ، وحارَبَه وظَفَرَ به، واستَأصَلَهُ، واستَبَدَّ بالأَمرِ, وكان ابنُ السَّلَّارِ مِن أَجَلِّ الأُمراءِ الأَكرادِ سُنِّيًّا حَسَنَ المُعتَقَدِ شافِعيًّا. وفي أَيامِ الظافرِ قَدِمَ من إفريقية عبَّاسُ بن يحيى بن تَميمِ بن المُعِزِّ بن باديس مع أُمِّهِ صَبِيًّا. فتَزَوَّجَ العادلُ بها قبلَ أن يَتوَلَّى الوِزارةَ، ثم تَزَوَّجَ عبَّاسٌ، ووُلِدَ له نَصرٌ، فأَحَبَّهُ العادلُ، فاتَّفَقَ عبَّاسٌ وأُسامةُ بن مُنقِذ على قَتلِ العادلِ، وأن يَأخُذ عبَّاسٌ مَنصِبَهُ. فذَبحَ نَصرٌ العادلَ على فِراشِه في المُحرَّم سَنةَ 548هـ، وتَمَلَّكَ عبَّاسٌ وتَمَكَّنَ. عاشَ الظافِرَ اثنتين وعِشرينَ سَنةً, وكانت مُدَّةُ حُكمِه أَربعَ سِنينَ وسَبعةَ أَشهُر وأَربعةَ عشرَ يومًا، وكان سَببُ قَتلِه أن نصرَ بن عبَّاسٍ كان مَلِيحًا، فمالَ إليه الظافرُ وأَحَبَّه، وجَعلَه من نُدَمائِه وأَحبابِه الذين لا يَقدِر على فِراقِهم ساعةً واحدةً، فاتَّهَمَهُ مُؤيِّدُ الدولةِ أُسامةُ بن مُنقِذ بأنه يُفْحِشُ به وذَكرَ ذلك لأَبيهِ عبَّاسٍ فانزَعجَ لذلك وعَظُمَ عليه، فذَكرَ الحالَ لوَلَدِه نَصرٍ، فاتَّفَقا على قَتلِه، فحَضَرَ نَصرٌ عند الظافرِ وقال له: أَشتَهِي أن تَجيءَ إلى داري لدَعوةٍ صَنعتُها، ولا تُكثِر من الجَمعِ؛ فمَشَى معه في نَفَرٍ يَسيرٍ مِن الخَدَمِ لَيلًا، فلمَّا دَخلَ الدارَ قَتَلَه وقَتَلَ مَن معه، وأَفلَتَ خادمٌ صَغيرٌ اختَبأَ فلم يَرَوهُ، ودَفَنَ القَتلَى في دارِه، ثم هَربَ الخادمُ الصغيرُ الذي شاهَدَ قَتْلَه، من دارِ عبَّاسٍ عند غَفْلَتِهم عنه، وأَخبرَ أَهلَ القَصرِ بقَتْلِ نَصرِ بن عبَّاسِ للظافرِ، ثم رَكِبَ عبَّاسٌ من الغَدِ وأَتَى القَصرَ, وقال: أين مولانا؟ فطَلَبوهُ فلم يَجدِوه, فخَرجَ جِبريلُ ويوسفُ أَخَوَا الظافرِ، فقال لهم عبَّاسٌ: أين مولانا؟ قالا: سَلْ ابنَك، فغَضِبَ. وقال: أنتُما قَتَلْتُماهُ، وضَرَبَ رِقابَهُما في الحالِ ليُبعِدَ التُّهمةَ عنه, ثم أَجلسَ الفائزُ بنَصرِ الله أبا القاسمِ عيسى بنَ الظافرِ إسماعيلَ ثاني يَومٍ قُتِلَ أَبوهُ، وله من العُمرِ خمسُ سِنين. حَمَلَهُ عبَّاسٌ على كَتفِه وأَجلَسهُ على سَريرِ المُلْكِ وبايَعَ له الناسُ، وأَخَذَ عبَّاسٌ من القَصرِ من الأَموالِ والجَواهِر والأَعلاقِ النَّفيسَةِ ما أَرادَ، ولم يَترُك فيه إلا ما لا خَيرَ فيه.