قام البرتغال بعدة حملات بحرية كان منها التي توجهت إلى جزيرة سقطرى على مدخل البحر الأحمر، وأنشؤوا فيها قلعة وفرضوا الحصار على البحر الأحمر, ومنها السفن الهندية التجارية التي يريدوا أن يصلوا بها إلى عدن ثم جدة ومنها إلى مكة والمدينة؛ بهدف تدميرها واعتراض السفن التجارية العربية، فما كان من الملك عامر الثاني ملك اليمن وكذلك الملك خليل مظفر شاه إلا الاستنجدا بالسلطان المملوكي قانصوه الغوري، وطلبا منه العون ضد البرتغاليين، فجهز السلطان أسطولًا استعان في إنشائه بالعثمانيين وبدولة البنادقة بحكم المصالح المشتركة، وتولى قيادة هذا الأسطول حسين الكردي، فتوجه إلى ملبار بساحل الهند وأرسى سفنه في مرفأ ديو، ثم قام حسين الكردي بالبحث عن السفن البرتغالية فالتقى بها على مدينة غوا على ساحل الملبار، وكان قائدهم فرانسيسكو، وهو ابن حاكم الهند البرتغالي لوانزو دالميدا، فانقض عليه الأمير حسن الكردي وجرت بينهما معركة هائلة عرفت بوقعة غوا انتصر فيها الأسطول الإسلامي بقيادة حسين الكردي انتصارًا كبيرًا, وقُتل فيها قائد البرتغال فرانسيسكو، ثم عاد الأمير حسين إلى مرفأ ديو الذي جعله ملك الهند خليل تحت تصرفه، وأقام فيه يريد أن ينتهي موسم الأمطار ليعود إلى مصر.
هو العلَّامةُ الشيخ القاضي حسين ابن شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب، ولد بمدينة الدرعية ونشأ بها وقرأ العلمَ على والده الشيخ محمد بن عبد الوهاب. وكان كفيفَ البصر نيِّرَ البصيرة جَهْوريَّ الصوت بحيث يسمَعُ تكبيرَه في الصلاة أدنى المسجد وأقصاه مع كثرةِ الخلائق، وكان له معرفةٌ في الأصل (التوحيد) والفروع والتفسير, وله مجالسُ عديدة في تدريس الفقه والتفسير وغيرهما, وقد تولَّى إمامة مسجد البجيري في منازل الدرعية الشرقية، وكان خطيبَ الجمعة في مسجد الطريف الكبير الواقع تحت قصر آل سعود في المنازل الغربية من الدرعية، كما كان أحدَ قضاة الدرعية، وكان يقومُ بالإفتاء. أخذ عنه العلمَ جماعة منهم ابناه الشيخ علي بن حسين، والشيخ عبد الرحمن بن حسين، والشيخ أحمد الوهبي، والشيخ سعيد بن حجي، توفي في شهر ربيع الآخِرِ في وباء أصاب الدرعية. وخلَّفَ خمسة أبناء هم: الشيخ علي، والشيخ عبد الرحمن والشيخ حمد، والشيخ عبد الملك، وحسن، وأحفادُه يعرفون اليوم على انفرادهم بآل حُسين نسبة إلى جدهم الشيخ حسين بن شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب.
كان الشعبُ المغربي قد ثار على السلطان عبد العزيز بن الحسن العلوي وخلَعَه عام 1908م بعد أن أطلق يدَ فرنسا وإسبانيا في المغرب، وبايع الشعبُ أخاه عبد الحفيظ بشَرطِ العمل على استرداد الجهاتِ المقتطعة على الحدودِ، ولكِنَّ عبد الحفيظ صانَعَ فرنسا التي اتَّفَقت سنة 1911 مع إسبانيا على إعطائِها الريفَ مقابِلَ السكوت على الاحتلال الفرنسي، وثار الشعبُ مرة أخرى، ففُرِضَت الحماية الفرنسية، وعَمَّت الثورةُ أرجاء المغرب وقامت الحربُ العالمية الأولى، والشعبُ المغربي يقاوِمُ الفرنسيين في الأطلس الأوسط والأطلس الكبير، وفي تافيلالت وآية عطا، وتسلَّم تطبيقَ المخطَّطات الاستعمارية في مراكش قائِدٌ فرنسيٌّ مِن زبانية الاستعماريين، هو المارشال ليوتي، الذي عقَدَ معاهدةَ الحماية، وحكَمَ المغربَ كمُقيمٍ عام، وأخمد ثوراته، ووجه الاستثماراتِ الفرنسيةَ لنَهبِ ثروات المغرب، وقد ثار الريفُ الذي احتلَّته إسبانيا سنة 1922م، وتزعم الثورةَ الأمير عبد الكريم الخطابي واستطاع النجاحَ في حصار طنجة، وامتدت الثورةُ إلى المناطق التي تحتلُّها فرنسا، فاتفق ليوتي مع الإسبان على قتال الثائرين، وخُنِقَت الثورة سنة 1925م، واستسلم الأمير عبد الكريم للفرنسيين الذين نفوه إلى مدغشقر في جُزُر ريئونيون.
في يوم الاثنين آخر جمادى الآخرة كانت وقعةُ المماليك الظاهرية الجقمقية مع الملك الأشرف إينال، وسببُ هذه الفتنة ثورةُ المماليك الأجلاب أولًا، وأفعالُهم القبيحة بالناس، ثم عقب ذلك أنَّ السلطان كان عيَّنَ تجريدة إلى البحيرة، نحوًا من خمسمائة مملوك، وعليهم من أمراء الألوف الأمير خشقدم المؤيدي أمير سلاح، والأمير قرقماس رأسُ نوبة النوب، وعِدَّةٌ من أمراء الطبلخانات والعشرات، ورسم لهم السلطانُ بالسفر، ولم يفرِّقْ على المماليك المكتوبة للسفر الجمالَ على العادة، فعَظُم ذلك عليهم، وامتنَعوا إلى أن يأخذوا الجِمالَ، فسافر الأمير خشقدم في صبيحة يوم الاثنين المذكور، وتبعه الأمير قرقماس في عصر نهاره، وأقاما ببر منبابة تجاه بولاق، فلم يتبَعْهم أحد من المماليك المعيَّنة معهم، بل وقف غالبُهم بسوق الخيل تحت القلعة ينتظِرونَ تفرقةَ الجِمال عليهم، إلى أن انفَضَّ الموكب السلطاني ونزلت الأمراءُ إلى جهة بيوتهم، فلما صار الأميرُ يونس الدوادار بوسط الرميلة احتاطت به المماليك الأجلاب، وتحقق الغدرَ، فأمر مماليكه بإشهار سيوفِهم ففعلت ذلك، ودافعت عنه، وجرَحَ من المماليك الأجلاب جماعةً، وقطع أصابِعَ بعضِهم، وشقَّ بطنَ آخر على ما قيل، فعند ذلك انفرجت ليونس فرجةٌ خرج منها فارًّا إلى جهة داره، ونزل بها، ورمى عنه قماش الموكِبِ، ولَبِسَ قماشَ الركوبِ، وطلع من وقتِه إلى القلعةِ من أعلى الكبش، ولم يشق الرميلة، وأعلم السلطانَ بخبَرِه، فقامت لذلك قيامةُ المماليك الأجلاب، وقالوا: نحن ضربناهم بالدبابيس فضربونا بالسيوفِ، وثاروا على أستاذِهم ثورةً واحدةً، وساعدهم جماعةٌ من المماليك القرانيص وغيرِهم لِما في نفوسهم من السلطانِ لعدم تفرقةِ الجِمالِ وغيرها، ووقفوا بسوق الخيل وأفحشوا في الكلامِ في حقِّ السلطان، وهددوه إن لم يسلِّم لهم الأميرَ يونس، ثم ساقوا غارةً إلى بيت يونس الدوادار، فمنعهم مماليكُه من الدخول إلى داره، فجاؤوا بنار ليحرقوا الباب، فمنعوهم من ذلك أيضًا، فعادوا إلى سوق الخيل، فوافَوا المنادي ينادي من قبل السلطانِ بالأمان، فمالوا على المنادي بالدبابيس، فسكت من وقته، وهرب إلى حالِ سبيله، وقد طلعت جميعُ أمراء الألوف إلى السلطانِ، وهو على حالة السكوتِ غير أنه طلب بعضَ مماليكه الأجلاب الأعيان، وكلَّمه بأنَّه يعطي من جُرِحَ من الأجلاب ما يكفيه، وأنه يعطي للذي قُطِعَت أصابعه إقطاعًا ومائة دينار، فلم يقع الصلحُ، وانفضَّ الأمر على غير طائلٍ؛ لشدة حر النهار، ولما تفرقت المماليك نزلت الأمراءُ إلى دورهم ما خلا الأمير يونس الدوادار؛ فإنه بات في القلعة، فلما تضحى النهارُ أرسل إليهم السلطان بأربعة أمراء، وهم: الأمير يونس العلائي أحد مقدَّمي الألوف، وسودون الإينالي المؤيدي قراقاش رأس نوبة ثان، ويلباي الإينالي المؤيدي أحد أمراء الطبلخانات ورأس نوبة، وبردبك البجمقدار أحد الطبلخانات أيضًا ورأس نوبة، فنزلوا إليهم من القلعة؛ فما كان إلَّا أن وقع بصر المماليك الأجلاب على هؤلاء الأمراء احتاطوا بهم، وأخذوهم بعد كلامٍ كثير، ودخلوا بهم إلى بيتِ الأمير خشقدم أمير سلاح تجاه باب السلسلة، ورسموا عليهم بعضَهم، كلُّ ذلك والمماليك الظاهرية الجقمقية وقوفٌ على بُعدٍ، لا يختلفون بهم، لينظروا ما يصيرُ من أمرهم، فلما وقع ما ذُكِرَ تحققوا خروجَهم على أستاذهم، وثار ما عندهم من الكمائنِ التي كانت كامنةً في صدورهم من الملك الأشرف إينال لِما فَعَل بابن أستاذِهم الملك المنصور عثمان، وحَبْسِ خشداشيَّتِهم- زملائهم- وتقريب أعدائهم الأشرفية مماليك الأشرف برسباي، فانتهزوا الفرصة، وانضافوا إلى المماليك الأجلاب، وعرَّفوهم أن الأمر لا يتم إلا بحضرة الخليفةِ ولبس السلاح، فساق قاني باي المشطوب أحد المماليك الظاهريَّة من وقته إلى بيت الخليفة القائم بأمر الله حمزة، وكان في الخليفةِ خِفَّةٌ وطَيشٌ، فمال إليهم ظنًّا أنه يكون مع هؤلاء وينتَصِرُ أحدُهم ويتسلطنُ، فيستفحلُ أمره ثانيًا أعظَمَ من الأول، ولما حضر الخليفة عندهم، تكامل لُبسُهم السلاح، وانضافت إليهم خلائقُ من المماليك السيفية، وأوباش الأشرفية، وغيرُهم من الجياع الحرافيش، فلما رأت الأجلابُ أمر الظاهرية حسبوا العواقب، وخافوا زوالَ ملك أستاذهم، فتخلَّوا عن الظاهرية قليلًا بقليلٍ، وتوجه كل واحد إلى حالِ سبيله، فقامت الظاهريةُ بالأمر وحدهم، وما عسى يكونُ قيامهم من غير مساعدة، وقد تخلَّى عنهم جماعة من أعيانهم وخافوا عاقبةَ هذه الفتنة، وقد تعبَّأ السلطان لحربهم، ونزل من القلعة إلى باب السلسلة من الإسطبل السلطاني، وتناوش القومُ بالسهام، وأرادوا المصاففة، فتكاثر عليهم السلطانيةُ، وصدموهم صدمةً واحدة بدَّدوا شملهم، بل كانوا تشتَّتوا قبل الصدمة أيضًا، وهجم السلطانيةُ في الحال إلى بيت الأمير خشقدم أمير سلاح، وأخذوا الأمراءَ المرسَّم عليهم، وأخذوا فيمن أخذوا الخليفةَ معهم، وطلعوا بهم إلى السلطانِ، فلما رأى السلطان الخليفةَ وبَّخه بالكلام الخَشِن، وتفرقت من يوم ذاك أجلابُ السلطان فرقتين: فرقةٌ وهم الذين اشتراهم من كتابية الظاهر جقمق وابنه، وفرقةٌ اشتراهم هو في أيام سلطنته، وقويت الفرقةُ الذين اشتراهم على الفرقةِ الظاهرية، ومنعوهم من الطلوعِ إلى القلعة، والسكنى بالأطباق، ولما انتهت الوقعة أمسك جماعةً من المماليك الظاهرية وحبسهم بالبرج من قلعة الجبل، ونفى بعضَهم واختفى بعضُهم.
لما استخلص ملك قشتالة الملك فرديناند مدينة بلش سار بحملته نحو مدينة مالقة فنزل عليها وقاتلها قتالًا شديدًا وحاصرها حصارًا عظيمًا لم يُرَ مثلُه، وأحاط بها من كل جانب ومكان برًّا وبحرًا، فتحصن أهل مالقة ببلدهم وأظهروا ما كان عندهم ومعهم من السلاح والعدة والأنفاط، وكان فيهم جملة من نجدة الفرسان فقاتلوا الروم قتالًا شديدًا، وقتلوا منهم خلقًا كثيًرا، حتى إنه قُتل من الروم في يوم واحد اثنا عشر ألفًا وسبع مئة، ومع ذلك بقي العدو يفتح عليهم أبوابًا من الحرب والحيل، والمسلمون قائمون بحراسة بلدهم ويغلبون عدوهم ويقتلون من قَرُب إليهم منهم، وهم صابرون محتسبون مدة طويلة حتى ضيق عليهم العدو ودوَّر بالمدينة سورًا من تراب وسورًا من خشب وحفيرًا مانعًا، ومنع عليهم الداخل والخارج في البر، ومنع عليهم في البحر بالمراكب من الداخل والخارج، وشد عليهم في الحصار والقتال، وهم مع ذلك صابرون محتسبون يقاتلون أشد القتال ولا يظهرون جزعًا ولا هلعًا ولا يُطمعون العدوَّ في شيء مما يرومُه منهم، حتى نفد ما عندهم من الأطعمة والزاد وأكلوا ما كان عندهم من المواشي من خيل وبغال وحمير وكلاب وجلود وورق الشجر وغير ذلك من الأشياء التي يمكن أكلها، حتى فني ذلك كله، وأثَّر فيهم الجوع أثرًا عظيمًا ومات كثير من نجدة رجالهم الذين كانوا يوالون الحرب والقتال، فحينئذ أذعنوا وطلبوا الأمان فاحتال عليهم العدو حتى دخل البلد بمكرٍ ومكيدة وأسرهم كلَّهم وسبى نساءهم وأولادهم واحتوى على جميع أموالهم، وفرَّقهم على أهل دخلته وقواده، وكان مصابهم مصابًا عظيمًا تحزن له القلوب وتذهل له النفوس وتذوب، وتبكي مصابَهم العيون بالدماء, وكان استيلاء العدو على مدينة مالقة في أواخر شعبان من هذا العام, فحين خلصت للعدو مدينة مالقة وبلش وجميع الغربية ولم يبقَ في تلك النواحي للمسلمين موضع واحد، ارتحل الطاغية إلى بلده من قشتالة.
جاء ثلاثُمائة مركَبٍ للرُّومِ مع ثلاثةِ رُؤساء، فأناخ أحدُهم في مائةِ مركَبٍ بدمياط، وكان على معونةِ مِصرَ عَنبسةُ بن إسحاق الضبِّي، فلما حضَرَ العيدُ أمَرَ الجندَ الذين بدمياط أن يَحضُروا مصر، فساروا منها، فاتَّفَق وصولُ الرومِ وهي فارغةٌ من الجندِ، فنَهَبوا وأحرقوا وسَبَوا، وأحرقوا جامِعَها، وأخذوا ما بها من سلاحٍ ومَتاعٍ، وقَنْدٍ، وغير ذلك، وسَبَوا من النساء المُسلِمات والذِّمِّيات نحو ستمائة امرأة، وأوقَروا سُفُنَهم من ذلك، وكان عنبسةُ قد حَبَس ابنَ الأكشف بدمياط، فكسَرَ قَيدَه، وخرج يقاتِلُهم، وتَبِعَه جماعةٌ، وقتَلَ من الروم جماعةً، وسارت الرومُ إلى أشنوم تنيس من قرى مصر قديما، وكان عليه سورٌ وبابان من حديدٍ قد عَمِلَه المعتَصِم، فنهبوا ما فيه من سلاحٍ، وأخذوا البابينِ، ورجعوا ولم يَعرِضْ لهم أحدٌ.
وصل رسولانِ مِن مَلِك الروم إلى المقتَدِر يطلبانِ المُهادنة والفِداء، فأُكرِما إكرامًا كثيرًا، وأُدخِلا على الوزيرِ، وهو في أكمل أُبَّهةٍ، وقد صفَّ الأجنادَ بالسِّلاحِ والزينة التامَّة، وأدَّيا الرسالةَ إليه، ثمَّ إنَّهما دخلا على المقتَدِر، وقد جلس لهما، واصطفَّ الأجنادُ بالسلاح والزينة التامَّة، وأدَّيا الرسالة، فأجابهما المقتَدِر إلى ما طَلَب مَلِكُ الروم من الفداء، وسيَّرَ مُؤنِسًا الخادِمَ؛ ليُحضِرَ الفداء، وجعله أميرًا على كلِّ بلَدٍ يدخُلُه يتصرَّفُ فيه على ما يريدُ إلى أن يخرُجَ عنه، وسيَّرَ معه جمعًا من الجنود، وأطلق لهم أرزاقًا واسعةً، وأنفذ معه مائة ألف وعشرينَ ألف دينار لفداء أسرى المسلمينَ، وسار مؤنِسٌ والرسل، وكان الفداءُ على يدِ مُؤنِسٍ.
بعد أن تخلى الموحِّدون عن الأندلس بدأت تتساقَطُ المدن الإسلامية فيها واحدة تلوَ الأخرى في أيدي القوى الصَّليبية غيرَ أنَّ مقاطعة غرناطة استطاع أن يسيطرَ عليها محمد الغالب بن يوسف بن أحمد بن نصر بن الأحمر الذي اعتصم بها، وأقام قلعةً عُرِفَت باسم قلعة الحمراء أو قصر الحمراء وجعلها مركزًا له ولأسرته من بعده، وملجأً لجموع المسلمين الهاربين من أنحاءِ الأندلس، ثمَّ أعلن نفسَه أميرًا على الأندلس بعد أن استولى على جيان ووادي آش وبسطة، وتمت له غرناطة تمامًا والتي أصبحت عاصمتَه، واستطاع أن يضمَّ لها عددًا من الدويلات الأخرى, وظلَّت دولةُ الإسلام في الأندلُسِ بغرناطة إلى سقوطها بيد الفرنج سنة 897 (1492م).
بلغ السلطان الظاهر بيبرس وهو مخيِّم على حصن الأكراد أنَّ صاحب جزيرة قبرص قد ركِبَ بجيشه إلى عكا لينصُرَ أهلها خوفًا من السلطان، فأراد السلطان أن يغتَنِمَ هذه الفرصة فبعث جيشًا كثيفًا في اثني عشرة شيني - نوعا من المراكب- ليأخذوا جزيرة قبرص في غيبةِ صاحِبِها عنها، فسارت المراكِبُ مسرعة فلما قاربت المدينة جاءتها ريحٌ عاصف فصدم بعضها بعضًا فانكسر بعضُها, وغَرِقَ خلقٌ وأسَرَ الفرنج من الصناع والرجال قريبًا من ألف وثمانمائة، ثم سار السلطانُ فنصب المجانيق على حِصنِ عكا فسأله أهلُها الأمان على أن يخَلِّيَهم فأجابهم إلى ذلك، ودخل البلدَ يوم عيد الفطر فتسَلَّمه، وكان الحِصنُ شديد الضرر على المسلمين، وهو وادٍ بين جبلين.
بعد أن أصبح سلطان العثمانيين محمدُ بن مراد الثاني وهو ما يزال صغيرًا غِرًّا على القتال، جمع الصليبيون جموعَهم وهاجموا بلاد البلغار، ساعدهم على ذلك صِغَرُ سن السلطان وبُعدِ السلطان مراد عن البلاد، ولكِنَّ السلطان مراد لما سمع بهذا الهجوم على البلغار غادر مكانه واتَّجه إلى أوربا فقاد الجيش وسار نحو الأعداءِ فوجدهم يحاصرون مدينة فارنا البلغارية الواقعة على ساحل البحر الأسود، فنازلهم وقتَلَ ملِكَ المجر في ساحة المعركة، فاختَلَّ ترابط الجند، فهاجم السلطانُ معسكر الأعداء واحتَلَّه وقتل الكاردينال سيزاريني مندوب البابا، وتم النصرُ للمسلمين في الثامن والعشرين من شهر رجب من هذا العام، ثم رجع مرة أخرى إلى مغنيسيا في آيدين.
وصل البرتغاليون إلى جزر المالديف في محاولتهم لتطويق العالم الإسلامي، وكانت أولًا قد وصلها التجار المسلمون منذ سنة 85 وبدأ واضحًا فيها الإسلام سنة 545، وقد تمكنت القوات البرتغالية هذا العام من احتلال جزر المالديف وفرض سيطرتها على السكان، وحاولت التأثير عليهم عقَديًّا بتنصيرهم، لكنها كانت تفشل فشلًا ذريعًا مع ارتكابها لأبشع الجرائم لإرهاب السكان، وبقي البرتغاليون فيها قرابة القرن من الزمن حتى مطلع القرن الحادي عشر الهجري، حيث وصل الهولنديون الذين عقدوا معاهدة مع سلطان المالديف وُضِعت بموجِبها تحت حماية الهولنديين، وحاول الهولنديون كإخوانهم البرتغال أن يؤثِّروا على السكان، لكنهم فشلوا مثل سابقيهم، وكانت الجزر آنذاك تُدار من قبل حكومة سيلان الهولندية.
ارتحل زكرَوَيه من نهر المثنية يريد الحاجَّ، فبلغ السَّلمان، وأقام ينتَظِرُهم، فبلغت القافلةُ الأولى واقصةَ سابِعَ المحرَّم، فأنذرهم أهلُها وأخبَروهم بقرب القرامطة، فارتحلوا لساعتِهم، وسار القرامطةُ إلى واقصة، فسألوا أهلَها عن الحاجِّ، فأخبَروهم أنَّهم ساروا فاتَّهَمهم زكرويه، فقتل العلافةَ، وأحرق العلَف، وتحصَّن أهل واقصة في حِصنِهم، فحصرهم أيامًا ثم ارتحل عنهم نحو زبالة، ولقيَ زكرَوَيه القرمطيُّ قافلةَ الخراسانية بعُقبة الشيطان راجعينَ مِن مكة، فحاربهم حربًا شديدةً، فلما رأى شدةَ حَربِهم سألهم: هل فيكم نائبُ للسلطان؟ فقالوا: ما معنا أحَدٌ. قال: فلستُ أريدكم؛ فاطمأنُّوا وساروا، فلما ساروا أوقع بهم، وقتَلَهم عن آخِرِهم، ولم ينجُ إلَّا الشريد، وسَبَوا من النَّاسِ ما أرادوا وقَتَلوا منهم، وكتب من نجا من الحُجَّاج من هذه القافلةِ الثانية إلى رؤساءِ القافلة الثالثة من الحُجَّاج يُعلِمونهم ما جرى من القرامطة، ويأمرونَهم بالتحَذُّر، والعدولِ عن الجادَّة نحو واسط والبصرة، والرجوعِ إلى فيد والمدينةِ إلى أن تأتيَهم جيوش السلطان، فلم يسمعوا ولم يُقيموا، وسارت القرامطةُ مِن العَقَبة بعد أخذِ الحاجِّ، وقد طموا الآبار والبِرَك بالجِيَف، والأراب، والحجارة، بواقصة، والثعلبية، والعقبة، وغيرها من المناهِل في جميع طريقِهم، وأقام بالهيبر ينتظر القافلةَ الثالثة، فساروا فصادفوه هناك، فقاتَلَهم زكرويه ثلاثة أيام، وهم على غيرِ ماء، فاستسلموا لشدةِ العطش، فوضع فيهم السَّيفَ وقتلهم عن آخرهم، وجمع القتلى كالتَلِّ، وأرسل خلف المنهزمينَ مَن يبذلُ لهم الأمان، فلما رجعوا قتَلَهم، وكان نساء القرامطة يَطُفنَ بالماء بين القتلى يَعرِضْنَ عليهم الماء، فمن كلَّمَهنَّ قَتَلْنَه، فقيلَ إنَّ عدة القتلى بلغت عشرين ألفًا ولم ينجُ إلَّا من كان بين القتلى فلم يُفطَنْ له فنجا بعد ذلك، ومن هرب عند اشتغالِ القرامطة بالقتل والنهب، فكان من مات من هؤلاء أكثَرُ ممَّن سلم ومن استعبدوه، وكان مبلغُ ما أخذوه من هذه القافلة ألفي ألف دينارٍ.
لَمَّا توفِّيَ أبو القاسمِ بنُ مكرم صاحِبُ عُمان خلَّف أربعةَ بنينَ، وهم أبو الجيش، والمهذَّب، وأبو محمد، وآخرُ صغيرٌ، فوَلِيَ بعده ابنُه أبو الجيش، وأقَرَّ عليَّ بن هطال المنوجاني، صاحِبَ جيش أبيه، وكان المهذَّب، يَطعنُ على ابنِ هطال، وبلغه ذلك، فأضمَرَ له سوءًا، فجهَّزَ له مكيدةً وجعله يكتُبُ بخَطِّه ما أظهَرَه ابنُ هطال عند أبي الجيش، وقال له: إنَّ أخاك كان قد أفسد كثيرًا من أصحابِك عليك، وتحَدَّث معي، واستمالني فلم أوافِقْه؛ فلهذا كان يذمُّني، ويقع فيَّ، وهذا خَطُّه بما استقَرَّ- يعني من أنَّه سيمنَحُه الوَزارةَ وغَيرَها إن مَكَّنَه من الأمرِ- فلمَّا رأى خطَّ أخيه أمَرَه بالقبض عليه، ففعل ذلك واعتقَلَه، ثمَّ وضَعَ عليه من خنَقَه وألقى جُثَّتَه إلى مُنخَفضٍ مِن الأرض، وأظهَرَ أنَّه سقط فمات، ثم توفِّي أبو الجيشِ بعد ذلك بيسيرٍ، وأراد ابن هطال أن يأخُذَ أخاه أبا محمَّدٍ فيولِّيَه عمان ثمَّ يقتُلَه، فلم تُخرِجْه إليه والدتُه، وقالت له: أنت تتولَّى الأمور، وهذا صغيرٌ لا يَصلُحُ لها. ففعل ذلك، وأساء السِّيرةَ، وصادر التجَّار، وأخذ الأموالَ، وبلغ ما كان منه مع بني مكرم إلى المَلِك أبي كاليجار البويهي، والعادِل أبي منصور ابنِ مافنة، فأعظما الأمر واستكبَراه، وشَدَّ العادِلُ في الأمر، وكاتَبَ نائبًا كان لأبي القاسِمِ بنِ مكرم بجبالِ عُمان يُقالُ له المرتضى، وأمَرَه بقصد ابن هطال، وجَهَّز العساكِرَ مِن البصرة لتسيرَ إلى مساعدةِ المرتضى، فجمَعَ المرتضى الخَلقَ، وتسارعوا إليه وخرجوا عن طاعةِ ابن هطال، وضَعُف أمرُه، واستولى المرتضى على أكثَرِ البلاد، ثمَّ وضعوا خادمًا كان لابنِ مكرم، وقد التحَقَ بابنِ هطال؛ لقَتْلِه، وساعَدَه على ذلك فَرَّاش كان له، فلمَّا سمع العادل بقَتلِ ابن هطال سيَّرَ إلى عُمان من أخرج أبا محمد بن مكرم، ورتبَه في الإمارةِ، وكان قد استقَرَّ أنَّ الأمر لأبي محمد في هذه السَّنة.
هو السلطان الملك المجاهد أسد الدين شيركوه الصغير، أبو الحارث بن ناصر الدين محمد بن أسد الدين شيركوه بن شادي، صاحبُ حمص، ولَّاه إياها الملك الناصر صلاح الدين بعد موت أبيه سنة إحدى وثمانين وخمسمائة، فمكث فيها سبعًا وخمسين سنة، ولد بمصر سنة 569 وكان من أحسن الملوك سيرةً، طَهَّر بلاده من الخمور والمكوس والمنكرات، وهي في غايةِ الأمن والعدل، لا يتجاسر أحدٌ من الفرنج ولا العرب يدخلُ بلاده إلا أهانه غايةَ الإهانة، وكانت ملوكُ بني أيوب يتَّقونه؛ لأنه يرى أنه أحق بالأمرِ منهم، لأنَّ جده أسد الدين شيركوه هو الذي فتح مصرَ، وأوَّلُ من ملك منهم، شَهِدَ غزو الفرنج لدمياط، ورابَطَ عليها, وسكن المنصورةَ إلى انقضاء الغزاة، واستنقاذ دمياط, وكان شهمًا مهيبًا بطلًا شُجاعا، مِقدامًا معروفًا بالشجاعة. استخدم الحَمَام في نواحي بلاده لنقل الأخبار, وكانت بلادُه طاهرة من الخمر والمكوس, ومنعَ النساءَ من الخروج من أبواب حمص مُدَّة إمرته عليها خوفًا أن يأخذ أهل حمص أهاليهم وينزحون عنها لجَوِره, وله أخبارٌ في الظلم والتعذيب والاعتقال. إلَّا أنه كان لا يشرب الخمر أبدًا، ويلازم الصلوات في أوقاتها، ولا يُقبلُ على اللهو، بل همَّتُه في مصالح ملكه, وكان ذا رأي ودهاء, وله هيئة جميلة وجلالة وصورة مليحة، وكان الملوك يراعونه ويخافونه، وكان الملك الكاملُ قد استوحش منه واتَّهَمه بأنه أوقع بينه وبين الأشرف، فلما مات الأشرفُ وتمَلَّك الكامل دمشق، طلب من شيركوه مالًا عظيمًا، فبعث إليه نساءه يشفعن فيه، فما أجاب وقال: لا بدَّ من المال، فأيس وهيَّأَ الأموال، ولم يبقَ إلَّا تسييرها فأتته بطاقةٌ بموت الكامل، فجاء وجلس عند قبرِ الكامل وتصَرَّف في أمواله وخَيلِه، كانت وفاته بحمص، وعُمِلَ عزاؤه بجامع دمشق، واستخلف بعده ابنُه المنصور ناصِرُ الدين إبراهيم.
لما استقرَّت الأمور لعلاء الدين في الدولة الخلجية بالهند بدأ يتَّجِهُ لشؤون الدولة الحربيَّة، ويعنى بالنواحي الاجتماعيَّة، وكان سلطانًا قويًّا طموحًا، نجح في دفع الخطر المغوليِّ عن بلاده، وقاد جنده في فتوحات متَّصلة، حتى أظلَّت راية الإسلام شبهَ القارة الهندية كلَّها لأول مرة في التاريخ. ولكي يدفَعَ هجمات المغول أقام سلسلةً من الحصون على حدوده الغربية، وزوَّدها بالجند والسلاح، ولكنَّ ذلك لم يحُلْ دون هجمات المغول على الهند، فتوالت حملاتُهم على الرغم مما كان يتكبَّدونه من خسائر على أيدي علاء الدين وقادته، مثلما حدث في سنة 698هـ ( 1298م) حين سار سلطانُ المغول قتلق خواجه على رأس قوات كثيفة، فتصَدَّى لها علاءُ الدين وقائداه ظفرخان وألج خان، وأنزلوا بالمغول هزيمةً قاصمة، لكنَّها لم تمنَعْهم من موالاةِ الهجوم مراتٍ أخرى حتى تمكَّن القائدُ غازي ملك تغلق من القضاء على خطر المغول تمامًا. وفي الوقت الذي كان فيه علاء الدين مشغولًا بالقضاء على هجمات المغول كان يعِدُّ الجيوشَ لاستكمال فتح الهند، فأرسل في سنة 699هـ (1299م) قائديه ألنخان ونصرت خان لفتح حصن رنتنبهور أعظَمِ حصونِ إقليم الراجبوتانا، فنجحا في مهمتهما بعد حروب دامية، ودخل الإقليمُ في طاعة علاء الدين الخلجي، ثم فتح إمارة موار، وكانت أمنَعَ إمارات الراجبوتانا بقلعتها الحصينة القائمةِ على قِمَّةِ جَبَلٍ منحوتةٍ في الصخر، ثم استولى على ملوة وأوجين ودهري نجري، ولم يكد يأتي عام 706 هـ (1306م) حتى كان علاء الدين الخلجي قد فتح الهنستان كلَّها من البنغال إلى البنجاب. وواصل علاء الدين فتوحاتِه، فأرسل قائدَه الحبشيَّ كافور، فاخترق أقاليمَ ملوة والكجرات، ثم أردف ذلك بجيش آخر يقوده أدلوغ خان، واستولى الجيشان على ديوكر، وتوالت انتصارات علاء الدين حتى تمكن من فتح الجنوب الهندي كلِّه.