الموسوعة التاريخية

عدد النتائج ( 6153 ). زمن البحث بالثانية ( 0.001 )

العام الهجري : 744 العام الميلادي : 1343
تفاصيل الحدث:

كان الأميرُ أقسنقر السلاري في نيابتِه لا يَرُدُّ قصَّةً تُرفَعُ إليه، فقصده الناسُ مِن الأقطار وسألوه الرِّزقَ والأراضيَ التي أنْهَوا أنها لم تكنْ بيَدِ أحَدٍ، وكذلك نيابات القلاع وولايات الأعمالِ والرواتب وإقطاعات الحلقة. فلم يرُدَّ أحدًا سأله شيئًا من ذلك سواءٌ كان ما أنهاه صحيحًا أم باطلًا. فإذا قيل له: هذا الذي أنهاه يحتاجُ إلى كَشفٍ، تغَيَّرَ وَجهُه وقال: ليش تقطع رزق الناسِ؟ فإذا كتَبَ بالإقطاعِ لأحدٍ وحضَرَ صاحِبُه مِن سَفَرِه أو تعافى مِن مَرَضِه وسألَه في إعادتِه، قال له: رحْ خذ إقطاعَك، أو يقول له: نحن نعَوِّضُك. ففسدت الأحوالُ ولا سيَّما بالمملكة الشاميَّة، فكتب النوابُ بذلك للسُّلطانِ، فكَلَّمه السلطانُ فلم يرجِعْ وقال: كلُّ من طلب مني شيئًا أعطيتُه وما أردُّ قَلمي عن أحدٍ، بحيث إنَّه كانت تُقَدَّمُ له القصَّةُ وهو يأكُلُ فيترُكُ أكلُه ويكتُبُ عليها من غيرِ أن يعرِفَ ما فيها، فأغلظَ له بسَبَبِ ذلك آقسنقر الناصري أمير أخور. واتَّفَق مع ذلك أنَّه وشى به أنه يباطنُ للنَّاصِرِ أحمد ويواصِلُ كُتُبَه إليه، فقرر أرغون العلائي مع السلطانِ مَسْكَه، فمُسِكَ هو وحاشيتُه، وفي يوم الجمعة ثاني عَشَرِه خَلَعَ السلطانُ آقسنقرَ السلاري. وكان العلائيُّ قد قرَّرَ مع السلطانِ أن يَعرِضَ على الأمراءِ نيابةَ السلطنة، فأوَّلُ مَن عُرِضَت عليه الأميرُ بدر الدين جنكلي بن البابا فامتنع، فقالوا بعده للأميرِ الحاج آل ملك الجوكندار، فأظهر البِشْرَ وأجاب لها إن قُبِلَت شُروطُه، فلما طلع الأميرُ الحاج آل ملك لصلاة الجمعةِ على العادة اشترط على السلطانِ ألَّا يفعَلَ شَيئًا في المملكة إلَّا برأيه وأنه يَمنَعُ الخمرَ مِن البيعِ ويُقيمُ مَنارَ الشَّرعِ، وأنَّه لا يُعارَضُ فيما يفعَلُه، فقَبِلَ السلطان شروطَه ولبس الأميرُ الحاج آل ملك تشريفَ النيابة بجامِعِ القلعة بعد صلاة الجمعة. وأنعم عليه السلطانُ زيادةً على إقطاعِ النيابة بناحيتي المطرية والخصوص ومتحَصَّلهما أربعمائة ألف وخمسين ألف درهم. وفي يوم السبت ثالث عَشَرِه: خلع السلطانُ علي منكلي بغا الفخري واستقَرَّ أمير جندار عوضًا عن بيغرا. وفيه فتح شباك النيابة وجَلَس فيه الأمير الحاج آل ملك للمُحاكَماتِ.

العام الهجري : 744 العام الميلادي : 1343
تفاصيل الحدث:

اتَّفَق بظاهِرِ القاهرةِ أمرٌ اعتُنِي بضَبطِه، وهو أنَّه كان بناحية اللوق كوم يُعرفُ بكوم الزل يأوي إليه أهلُ الفسوق من أوباشِ العامَّة، فأخذ بعضُهم منه مَوضِعًا ليبنيَ له فيه بيتًا، فشَرَع في نقل الترابِ منه، فبينا هو يحفِرُ إذ ظهر له إناءُ فخَّار فيه مكاتيبُ دار كانت في هذا البُقعةِ، وتدُلُّ على أنه كان به أيضًا مَسجِدٌ، ورأى آثار البنيان، فأشاع أحدُ شياطينِ العامَّة- وكان يقال له شُعَيبٌ- أنَّه رأى في نَومِه أنَّ هذا البنيان على قَبرِ بعض الصحابة رَضِيَ الله عنهم، وأنَّ مِن كراماتِه أنَّه يُقيمُ المُقعَد ويَرُدُّ بصَرَ الأعمى، وصار يصيحُ ويُهَلِّلُ ويُظهِرُ اختلالَ عَقلِه، فاجتمَعت عليه الغوغاء، وأكثروا مِن الصياح، وتناولوا تلك الأرضَ بالحَفرِ حتى نزلوا فيها نحوَ قامتينِ، فإذا مَسجِدٌ له محرابٌ، فزاد نشاطُهم، وفَرِحوا فرحًا كبيرًا، وباتوا في ذِكرٍ وتَسبيحٍ، وأصبَحوا وجَمَعَهم نحو الألف إنسان، فشالوا ذلك الكوم، وساعَدَهم النساء، حتى إنَّ المرأة كانت تشيل الترابَ في مقنَعِها، وأتاهم الناسُ مِن كل أَوبٍ، ورفعوا معهم الترابَ في أقبِيَتِهم وعمائِمِهم، وألقَوه في الكيمان، بحيث تهيَّأَ لهم في يومٍ واحدٍ ما لا تفي مُدَّةُ شَهرٍ بنَقلِه، وحَفَر شُعَيبٌ حُفرةً كبيرة، وزعم أنَّها مَوضِعُ الصحابي، فخرج إليه أهلُ القاهرة ومصر أفواجًا، وركِبَ إليه نِساءُ الأمراءِ والأعيان، فيأخُذُهنَّ شُعَيبٌ ويُنزِلُهنَّ تلك الحفرة لزيارتِها، وما منهنَّ إلَّا من تدفَعُ الدنانيرَ والدَّراهم، وأشاع شُعَيبٌ أنه أقام الزَّمنى، وعافى المرضى، وردَّ أبصارَ العِميانِ، في هذه الحُفرة، وصار يأخذُ جماعةً مِمَّن يُظهِرُ أنَّه من أهل هذه العاهات، ويَنزِلُ بهم إلى الحُفرةِ، ثم يُخرِجُهم وهم يُسَبِّحونَ: الله أكبر الله أكبر، ويزعُمونَ أنَّهم قد زال ما كان بهم، فافتَتَن الناس بتلك الحُفرة، ونزلت أمُّ السلطانِ لزيارتها، ولم تبقَ امرأةٌ مشهورة حتى أتتها، وصار للنَّاسِ هناك مجتَمَعٌ عظيم، بحيث يُسرَجُ به كلَّ ليلة نحو مائتي قنديل، ومن الشُّموعِ الموكبيَّة شيءٌ كثير، فقامت القضاةُ في ذلك مع الأميرِ أرغون العلائي والأمير الحاج آل ملك نائب السُّلطان، وقَبَّحوا هذا الفِعلَ، وخَوَّفوا عاقبَتَه، حتى رُسِمَ لوالي القاهرة أن يتوجَّهَ إلى مكان الحفرة ويكشِفَ أمْرَها، فإن كان فيها مقبورٌ يُحمَلُ إلى مقابِرِ المُسلِمينَ ويُدفَنُ به سِرًّا، ثمَّ يُعفى الموضِعُ، فلما مضى إليه ثارت به العامَّةُ تُريدُ رَجْمَه، وصاحوا عليه بالإنكارِ الشَّنيعِ حتى رماهم الجُندُ بالنشَّاب، فتفَرَّقوا، وهَرَب شُعَيبٌ ورفيقه العجوي، وما زال الحفَّارون يعملون في ذلك المكانِ إلى أن انتَهَوا فيه إلى سرابِ حمام، ولم يجدوا هناك قبرًا ولا مَقبورًا، فطَمُّوه بالتراب، وانصَرَفوا، وقد انحَلَّت عزائِمُ النَّاسِ عنه، بعدما فُتِنوا به، وضَلُّوا ضلالًا بعيدًا، وجَمَع شُعَيبٌ ورفيقه كثيرًا من المالِ والثيابِ شيئًا طائلًا!!

العام الهجري : 744 الشهر القمري : محرم العام الميلادي : 1343
تفاصيل الحدث:

أمر نائِبُ السُّلطانِ الأميرُ الحاج آل ملك والي القاهرة بأن يُنزَل إلى خزانة البنود بالقاهرة، ويُحتاطَ على ما بها من الخَمرِ والبغايا، ويخرج مَن فيها من النَّصارى الأسرى، ويريق ما هناك من الخُمور، ويخرِّبها حتى يجعَلَها دكًّا، وسبَبُ ذلك أنَّ خِزانةَ البنود كانت يومئذٍ حانةً، بعدما كانت سجنًا يُسجَنُ فيه الأمراءُ والجُندُ والمماليك، كما أنَّ خِزانةَ شمائِل سجنٌ لأرباب الجرائِمِ من اللصوصِ وقُطَّاع الطريق، فلما كانت دولةُ السلطان الملك الناصر محمَّد بن قلاوون بعد عَودِه من الكرك، وشُغِفَ بكثرةِ العماراتِ، اتَّخَذ الأسرى وجَلَبَهم إلى مصر من بلاد الأرمن وغيرها، وأنزَلَ عِدَّةً كثيرةً منهم بقلعة الجبل، وجماعةً كثيرة بخزانة البنود، فملأ أولئك الأرمن خزانةَ البنود حتى بطل السِّجنُ بها، وعَمَرها السلطانُ الناصر مساكِنَ لهم، وتوالدوا بها، وعَصَروا الخمورَ بحيث إنَّهم عصروا في سنة واحدة اثنتين وثلاثين ألف جَرَّة، باعوها جِهارًا، وكان لحمُ الخنزير يُعَلَّقُ عندهم على الوضم، ويباعُ مِن غيرِ احتشامٍ، واتَّخَذوا عندهم أماكِنَ لاجتماع النَّاسِ على المحَرَّمات، فيأتيهم الفُسَّاق ويظَلُّونَ عندهم الأيامَ على شُربِ الخُمورِ ومُعاشرة الفواجِر والأحداثِ، ففَسَدت حُرَمٌ كثيرةٌ من الناسِ وكثيرٌ مِن أولادِهم وجماعةٌ مِن مماليك الأمراءِ فسادًا شَنيعًا، حتى إنَّ المرأةَ إذا تركت أهلَها أو زوجَها، أو الجاريةَ إذا تركت مواليَها، أو الشَّابَّ إذا ترك أباه، ودخل عند الأرمن بخزانةِ البنودِ، لا يقدِرُ أن يأخُذه منهم، ولو كان مَن كان! فقام الأميرُ الحاج آل ملك في أمرِهم، وفاوض السُّلطانَ المَلِكَ الناصِرَ محمدَ بن قلاوون في فسادِهم غيرَ مرة، فلم يجِبْه إلى أن أكثَرَ عليه، فغَضِبَ السلطان عليه، وقال له: يا حاج! كم تشتكي مِن هؤلاء، إن كان ما يُعجِبُك مُجاوَرَتَهم انتَقِلْ عنهم! فشَقَّ ذلك عليه، وركِبَ إلى ظاهر الحُسَينية واختار مكانًا، وعَمَره دارًا، وأنشأ بجانِبِها جامعًا، وحَمَّامًا ورَبْعًا وحوانيت، وبَقِيَت في نفسِه حزازاتٌ حتى أمكنَتْه القدرةُ منهم، وانبسَطَت يدُه فيهم بكونِه نائِبَ السُّلطانِ، فنزل والي القاهرةِ ومعه الحاجِبُ وعِدَّةٌ من أصحاب النائِبِ، وهجموا خزانةَ البنود، وأخرجوا جميعَ سُكَّانِها، وكَسَروا أوانيَ الخَمرِ، فكانت شيئًا يجِلُّ وَصفُه كثرةً، وهدموها واشترى أرضَها الأميرُ قماري مِن بيت المالِ، وتقَدَّمَ إلى الضياء المحتَسِب أن يناديَ بتَحكيرِها، فرَغِبَ النَّاسُ في أرضها واحتكَروها، وبَنَوها دُورًا وطواحينَ وغَيرَها، فكان يومُ هَدمِ خزانة البنود يومًا مَشهودًا من الأيامِ المشهورةِ المذكورة، عَدَلَ هَدْمُها فتحَ طرابلُس وعكا؛ لكثرةِ ما كان يُعمَلُ فيه بمعاصي اللهِ! ثمَّ طلب النائِبُ الأميرُ الحاج واليَ القلعةِ، وألزَمَه أن يفعَلَ ذلك ببيوت الأسرى من القلعةِ، فمضى إليها وكَسَّر جِرارَ الخَمرِ التي بها، وأنزلهم من القلعةِ، وجعَلَهم مع نصارى خزانةِ البنود في مَوضِعٍ بجوار الكوم، فيما بين جامِعِ ابن طولون ومصر، فنزلوه واتخَذوا به مساكِنَهم، وكانت الأسرى التي بالقلعة من خواصِّ الأسرى، وعليهم كان يعتَمِدُ السلطان المَلِكُ الناصر محمد بن قلاوون في أمر عمائِرِه، وكانوا في فَسادٍ كبيرٍ مع المماليكِ وحرَمِ القلعةِ، فأراح الله منهم، ثم رسم الأميرُ الحاج آل ملك النائب بتتَبُّع أهل الفساد، فمَنَع الناسَ مِن ضَربِ الخِيَم على شاطئ النيلِ بالجزيرةِ وغَيرِها للنُّزهة، وكانت محلَّ فَسادٍ كبيرٍ؛ لاختلاطِ الرِّجالِ فيها بالنِّساءِ، وتعاطيهم المُنكَرات.

العام الهجري : 744 الشهر القمري : صفر العام الميلادي : 1343
تفاصيل الحدث:

وصَلَت رسُلُ مَلِك الهند بهَديَّة فيها فصان ياقوت، ومعهم كتابٌ يتضَمَّنُ السلام والمودَّة، وأنَّهم لم يكونوا يَعرِفونَ الإسلامَ حتى أتاهم رجلٌ عَرَّفَهم ذلك، وذكرَ لهم أنَّ ولاية المَلِك لا بُدَّ أن تكون من الخليفةِ، وسأل مَلِكُ الهند أن يُكتَبَ له تقليدٌ مِن جهة الخليفة بولايةِ مَملكةِ الهند ليكونَ نائبًا عن السلطانِ بتلك البلاد، وأن يَبعَثَ السُّلطانُ إليهم رجلًا يعَلِّمُهم شرائِعَ الإسلام من الصَّلاةِ والصيامِ ونحو ذلك، فأُكرِمَت الرسُلُ، وطلب من الخليفةِ أن يكتُبَ تقليدًا لمُرسِلِهم بسلطنة الهند، فكُتِبَ له تقليدٌ جليلٌ، ورَسَم بسَفَرِ ركن الدين الملطي شيخِ الخانكاه الناصريَّة بسرياقوس مع الرُّسُل.

العام الهجري : 744 الشهر القمري : جمادى الأولى العام الميلادي : 1343
تفاصيل الحدث:

هو الشَّيخُ الإمامُ العلَّامة الناقِدُ في فنون العلوم: شمس الدين أبو عبد الله محمد بن الشيخ عماد الدين أحمد بن عبد الهادي بن عبد الحميد بن عبد الهادي بن يوسف بن محمد بن قدامة المقدسي الحنبلي، من تلاميذ شيخِ الإسلامِ ابنِ تيميَّةَ. كان مولِدُه في رجب سنة 705. توفي ولم يبلغِ الأربعين، وكان قد حَصَّل من العلومِ ما لا يَبلُغُه الشُّيوخُ الكبار، وتفَنَّنَ في الحديث والنحو والتصريف والفقه والتفسير والأصلين، والتاريخ والقراءات، وله مجاميعُ وتعاليقُ مُفيدة كثيرة, وكان حافِظًا جيِّدًا لأسماءِ الرجال وطُرُقِ الحديث، عارفًا بالجَرحِ والتعديل، بصيرًا بعِلَلِ الحديث، حَسَن الفَهمِ له، جَيِّد المذاكرة، صَحيحَ الذِّهنِ مُستقيمًا على طريقةِ السَّلَفِ، واتِّباع الكِتابِ والسنَّة، مثابرًا على فِعلِ الخيرات، ومن مصنَّفاته كتاب العلل، وهو مؤلِّفُ كِتاب العقود الدريَّة في مناقب شيخِ الإسلامِ ابنِ تيميَّة، وله كتاب قواعد أصول الفقه، وفضائل الشام، والأحكام في الفقه، وغيرها كثير, وكان قد مَرِضَ قريبًا من ثلاثة أشهر بقُرحة وحُمَّى سُل، ثم تفاقم أمرُه وأفرط به إسهالٌ، وتزايد ضَعفُه إلى أن توفِّيَ يوم الأربعاء عاشرَ جمادى الأولى قبل أذانِ العصر، وكان آخِرَ كلامِه أنْ قال: أشهَدُ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ وأشهَدُ أنَّ مُحمَّدًا رَسولُ الله، اللهُمَّ اجعَلْني من التوَّابينَ واجعَلْني من المتطَهِّرينَ، فصُلِّيَ عليه يومَ الخميس بالجامِعِ المظفري وحضر جنازتَه قُضاةُ البلد وأعيانُ الناس من العلماء والأمراء والتجَّار والعامة، وكانت جنازتُه حافلةً، ودُفِن بالروضة.

العام الهجري : 744 الشهر القمري : جمادى الأولى العام الميلادي : 1343
تفاصيل الحدث:

هو حَسَنُ بن الشيخ محمد السكاكيني، كان والده الشيخ محمد السكاكيني يَعرِفُ مَذهَب الرافِضةِ الشِّيعةِ جَيِّدًا، وكانت له أسئلةٌ على مذهب أهلِ الجَبْرِ، ونَظَم في ذلك قصيدةً أجابه فيها شيخُ الإسلامِ ابنُ تيميَّةَ رحمه الله، وذكر غيرُ واحدٍ مِن أصحابِ الشَّيخِ أنَّ السكاكيني ما مات حتى رجع عن مذهَبِه، وصار إلى قَولِ أهلِ السنَّةِ، فالله أعلم، وقيل إنَّ وَلَدَه حَسَنًا هذا القبيحَ، كان قد أراد قَتْلَ أبيه لما أظهر السُّنَّةَ. قُتِلَ حَسَن بسوق الخيل في صبيحة يوم الاثنين الحادي والعشرين من جمادى الأولى على ما ظهَرَ منه من الرَّفضِ الدَّالِّ على الكُفرِ المَحضِ، بعد أن شُهِدَ عليه عند القاضي شرف الدين المالكي بشهاداتٍ كثيرةٍ تدُلُّ على كُفرِه، وأنَّه رافِضيٌّ جَلْدٌ، فمن ذلك تكفيرُ الشَّيخينِ- رَضِيَ اللهُ عنهما- وقَذْفُه أمَّيِ المُؤمِنينَ عائشةَ وحفصةَ- رَضِيَ اللهُ عنهما- وزَعَم أنَّ جبريلَ غَلطَ فأوحى إلى محمَّدٍ، وإنَّما كان مُرسَلًا إلى عليٍّ! وغيرُ ذلك من الأقوالِ الباطلة القبيحةِ- قَبَّحَه اللهُ.

العام الهجري : 745 العام الميلادي : 1344
تفاصيل الحدث:

قَدِمَ الخَبَرُ بنفاقِ عُربان الوجه القبلي، وقَطْعِهم الطُّرُقات على الناس، وامتدادِ الفِتَن بينهم نحو شهرينِ قُتِلَ فيها خلقٌ عظيم، وأنَّ عَربَ الفيومِ أغار بعضُهم على بعض، وذبحوا الأطفالَ على صدورِ أمَّهاتهم، فقُتِلَ بينهم قتلى كثيرٌ، وأخربوا ذاتَ الصفا، ومنعوا الخراجَ في الجبال، وقطعوا المياهَ حتى شَرِقَ أكثَرُ بلاد الفيوم، فلم يلتَفِت أمراءُ الدولة لذلك؛ لشُغلِهم بالصَّيدِ ونحوه، وفيه قَدِمَ الخَبَرُ بكثرة فساد العشير ببلاد الشام، وقَطْعِهم الطرقات؛ لقلة حُرمةِ الأمير طقزدمر نائب الشام، فانقطعت طرقات طرابلس وبعلبك، ونُهِبَت بلادهما، وامتَدَّت الفتنةُ بين العشير زيادة على شهر، قُتِلَ فيها خلق كثير، وأضرموا النارَ على موضع احترقَ فيه زيادةٌ على عشرين امرأة.

العام الهجري : 745 العام الميلادي : 1344
تفاصيل الحدث:

أبطل نائِبُ السُّلطانِ الأميرُ الحاج آل ملك ما أحدَثَه النِّساءُ مِن مَلابسِهنَّ، وذلك أنَّ الخواتينَ نساءَ السُّلطانِ وجواريَهنَّ أحدَثْنَ قُمصانًا طِوالًا تخبُّ أذيالها على الأرضِ، بأكمامٍ سَعةِ الكُمِّ منها ثلاثةُ أذرع، فإذا أرخَتْه الواحدةُ منهن غطَّى رِجْلَها، وعُرِفَ القَميصُ منها فيما بينهنَّ بالبهطلة، ومَبلَغُ مَصروفِه ألفُ درهم ممَّا فوقها! وتشَبَّه نِساءُ القاهرة بهن في ذلك، حتى لم يبقَ امرأةٌ إلَّا وقميصُها كذلك، فقام الوزيرُ منجك في إبطالها، وطَلَب والي القاهرة ورسمَ له بقَطعِ أكمامِ النِّساءِ، وأخْذ ما عليهن، ثم تحدَّثَ منجك مع قاضي القضاة بدار العدلِ يوم الخِدمةِ بحضرةِ السُّلطانِ والأمراء فيما أحدثه النِّساءُ من القمصان المذكورة، وأنَّ القَميصَ منها مبلغُ مصروفه ألف درهم، وأنهنَّ أبطَلْنَ لِبسَ الإزار البغدادي، وأحدَثْنَ الإزار الحرير بألفِ درهم، وأنَّ خُفَّ المرأة وسرموزتَها بخمسمائة درهم، فأفتوه جميعُهم بأنَّ هذا من الأمور المحرمة التي يجِبُ منعُها، فقَوِيَ بفَتواهم، ونزل إلى بيتِه، وبعث أعوانَه إلى بيوت أربابِ الملهى، حيث كان كثيرٌ من النساء، فهَجَموا عليهنَّ، وأخذوا ما عندهنَّ من ذلك، وكَبَسوا مناشِرَ الغسَّالينَ ودكاكين البابية، وأخذوا ما فيها من قُمصان النساء، وقَطَّعَها الوزير منجك، ووكل الوزيرُ مماليكَه بالشوارِعِ والطُّرُقات، فقَطَّعوا أكمامَ النساء، ونادى في القاهرةِ ومصر بمنع النِّساءِ مِن لبس ما تقدَّم ذِكرُه، وأنَّه متى وُجِدَت امرأةٌ عليها شيءٌ مِمَّا مُنِعَ، أُخرِقَ بها وأُخِذَ ما عليها، واشتَدَّ الأمر على النساء، وقُبِضَ على عِدَّةٍ منهن، وأُخِذَت أقمِصَتُهنَّ، ونُصِبَت أخشابٌ على سورِ القاهرة بباب زويلة وباب النصر وباب الفتوح، وعُلِّقَ عليها تماثيلُ مَعمولةٌ على سور النِّساءِ، وعليهن القُمصانُ الطوالُ، إرهابًا لهن وتخويفًا، وطُلِبَت الأساكِفةُ، ومُنِعوا من بَيعِ الأخفافِ والسراميز المذكورة، وأن تُعمَلَ كما كانت أولًا تُعمَل، ونودي من باع إزارًا حريرًا أُخِذَ جميعُ مالِه للسُّلطان، فانقطع خروجُ النساءِ إلى الأسواق، وركوبهنَّ حمير المكارية، وإذا وُجِدَت امرأةٌ كُشِفَ عن ثيابِها، وامتنع الأساكِفةُ مِن عَمَلِ أخفاف النساء وسراميزهن المُحدَثة، وانكَفَّ التجَّار عن بيع الأُزُر الحريرِ وشرائِها، حتى إنَّه نُودِيَ على إزارٍ حريرٍ بثمانينَ درهمًا فلم يَلتَفِتْ له أحدٌ، فكان هذا مِن خيرِ ما عُمِلَ.

العام الهجري : 745 الشهر القمري : ربيع الأول العام الميلادي : 1344
تفاصيل الحدث:

هو الشَّيخُ العلَّامةُ الإمامُ الحافِظُ فَريدُ العَصرِ وشَيخُ الزَّمانِ، وإمامُ النُّحاةِ: أثيرُ الدين أبو حيَّان محمَّد بن يوسف بن علي بن يوسف بن حيان الغرناطي المغربي المالكيُّ ثمَّ الشافعيُّ شَيخُ البلاد المصريَّة، مَولِدُه بغرناطة في أُخريات شوال سنة 654. قرأ القرآنَ بالرِّوايات، واشتغَلَ وسَمِعَ الحديثَ بالأندلس وإفريقيَّة والإسكندريَّة والقاهرة والحجاز، وحصَّل الإجازاتِ من الشام والعراق، واجتهد في طَلَب العلم، حتى بَرَع في النحو والتصريفِ، وصار فيهما إمامَ عَصرِه، وشارَكَ في علوم كثيرة، وكان له اليَدُ الطولى في التفسيرِ والحديثِ، والشروط والفروع، وتراجم الناس وطبقاتهم وتواريخهم، خصوصًا المغاربةَ، وهو الذي جسَّرَ النَّاسَ على مُصَنَّفاتِ ابنِ مالك، ورَغَّبَهم في قراءتِها، وشَرَحَ لهم غوامِضَها، ومن أشهر مُصَنَّفاته: البحر المحيط وهو تفسيره للقرآن، ثم اختصره وسَمَّاه النهر، وله كتاب في التراجم اسمه مجاني العصر، وله تحفة الأريب في غريب القرآن، وله طبقات نحاة الأندلس، توفِّيَ في القاهرة عن 91 عامًا، وهو غيرُ أبي حيان التوحيدي الفيلسوف الصوفي المُلحِد الذي توفِّيَ سنة 414.

العام الهجري : 745 الشهر القمري : رمضان العام الميلادي : 1345
تفاصيل الحدث:

كثُرَ سُقوطُ الثَّلجِ بدِمشقَ حتى خرج عن العادةِ، وأنفقوا على إزالته من الأسطحِ ما ينيفُ على ثمانين ألف درهم؛ فإنَّه أقام يسقط أسبوعين، وفي هذه السنة تواتَرَ سُقوطُ البرد بأرض مصرَ، مع ريحٍ سوداء، وشَعَث عظيمٍ، وبَرقٍ ورَعدٍ سهول، ثم أعقب ذلك عامٌ شديد الحر، بحيث تطاير منها شَرَرٌ أحرق رؤوسَ الأشجار، وزريعة الباذنجان وبعض الكتَّان، حتى اشتد خوف الناس، وضجُّوا إلى الله تعالى، وجاء مطرٌ غزير، ثم بَرْدٌ فيه يبس لم يُعهَدْ مِثلُه، فكانت أراضي النواحي تُصبِحُ بيضاءَ من كثرة الجليد، وهَلَك من شدَّة البرد جماعةٌ من بلاد الصعيد وغيرها، وأمطرت السماءُ خمسةَ أيام متواليةً حتى ارتفع الماءُ في مزارعِ القصب قَدْرَ ذراعٍ، وعَمَّ ذلك أرض مصر قَبليَّها وبحريَّها، ففسدت بالريحِ والمطر مواضِعُ كثيرة، وقلَّت أسماكُ بحيرة نستراوة وبحيرة دمياط، والخلجان وبركة الفيل وغيرها؛ لِمَوتها من البرد، فتَلِفَت في هذه السنة بعامَّةِ أرض مصر وجميع بلاد الشام- بالأمطار والثلوج والبرد، وهبوب السمائم وشدة البرد- من الزُّروعِ والأشجار، والبائهم والأنعام والدور؛ ما لا يدخُلُ تحتَ حَصرٍ، مع ما ابتليَ به أهل الشام من تجريد عساكِرِها وتسخيرِ أهلِ الضياع وتسَلُّط العربان والعشير، وقِلَّة حُرمة السلطنة مصرًا وشامًا، وقطع الأرزاق وظُلم الرعيَّة.

العام الهجري : 746 العام الميلادي : 1345
تفاصيل الحدث:

ذكَرَ الرحَّالةُ ابنُ بطُّوطة عن مشاهدتِه لجزيرة سومطرة والإسلام فيها، ووصَفَ سُلطانَها قائِلًا: "وهو السلطانُ المَلِكُ الظاهر من فُضَلاءِ الملوك، شافعيُّ المذهب محِبٌّ للفقهاء، يحضرون مجلِسَه للقراءة والمذاكرة، وهو كثيرُ الغزو والجهاد ومتواضِعٌ يأتي إلى صلاة الجمعة ماشيًا على قَدَميه وأهل بلاده شافعيَّةٌ محبُّون للجهاد يخرجون معه تطوعًا، وهم غالبون على من يليهم من الكُفَّار والكُفَّارُ يعطون الجزيةَ على الصُّلحِ"، وقد ذكر ماركو بولو الذي جاء إلى هذه الجزيرةِ قبل ابن بطوطة بأقَلَّ مِن خمسين سنة، حيث كان فيها سنة 692, وقال عنها: إنَّ جميع سكان البلاد عبدةُ أوثانٍ اللهُمَّ إلَّا في مملكة برلاك الصغيرة الواقعة في الزاوية الشماليَّة الشرقية من الجزيرة؛ حيث سكان المدن وَحدَهم مُسلمون، أمَّا سكان المرتفعات فكُلُّهم وثنيُّونَ أو مُتَوحِّشونَ يأكلونَ لحومَ البَشَرِ. ولا يُعقَلُ في أنه في أقل مِن خمسين سنة ينتَشِرُ الإسلام في كل الجزيرةِ على ما وصَفَه ابن بطوطة، ولكن يبدو أنَّ ماركو بولو أراد من ذلك الوصفِ شَيئًا آخَرَ، والله أعلم، ويُذكَرُ أنَّ الإسلامَ دخَلَ إلى هذه الجُزُر عن طريق التجَّار المسلمين، وعن طريق رحلةِ كثيرٍ مِن السكان إلى بلادِ الإسلامِ للتجارة وعودتهم إلى بلادِهم دُعاةً للإسلامِ.

العام الهجري : 746 الشهر القمري : ربيع الأول العام الميلادي : 1345
تفاصيل الحدث:

هو السُّلطانُ عِمادُ الدين المَلِكُ الصَّالحُ إسماعيل بن الناصر محمد بن المنصور قلاوون؛ في ربيع الأول اشتَدَّ مَرَضُ الملك الصالح إسماعيل فدخل عليه زَوجُ أمِّه ومُدَبِّرُ مَملكتِه الأمير أرغون العلائي في عِدَّة من الأمراء لِيَعهَدَ الملك الصالحُ إسماعيل بالمُلكِ لأحدٍ مِن إخوته, وكان أرغون العلائي غَرَضُه عند أخيه شعبان؛ لكونه أيضًا ربيبَه ابنَ زوجتِه, فعارضه في شعبانَ الأميرُ آل ملك نائِبُ السلطنة، إلى أن اتَّفَق المماليك والأمراء على توليةِ شعبان، وحضروا إلى بابِ القلعة واستدعَوه، وألبَسُوه أبَّهةَ السلطنة وأركبوه بشِعارِ الملك، ومَشَت الأمراء بخدمته، والجاوشيَّة تَصيحُ بين يديه على العامَّة، ولَمَّا طَلَع إلى الإيوان وجلس على الكرسيِّ وقَبَّل الأمراءُ له الأرضَ وأحضروا المُصحَفَ لِيَحلِفوا له، فحَلَف هو أولًا أنَّه لا يؤذيهم، ثم حَلَفوا له بعد ذلك على العادة، ولُقِّبَ بالملك الكامِلِ سيف الدين أبي الفتوح شعبان, ودُقَّت البشائِرُ بسَلطنتِه بمصرَ والقاهرة، وخُطِبَ له من الغَدِ على منابِرِ مِصرَ والقاهرة، وكُتِبَ بسلطنته إلى الأقطار مِصرًا وشامًا، ثم في يوم الاثنين ثامِنَ شَهرِ ربيع الآخر جلس الملك الكامل بدارِ العدل، وجُدِّدَ له العَهدُ من الخليفةِ بحَضرةِ القضاة والأمراء، وخَلَعَ على الخليفةِ وعلى القضاة والأمراء، وكانت مدة سلطنة الصالح إسماعيل ثلاث سنين وشهرين وأحد عشر يومًا.

العام الهجري : 746 الشهر القمري : شوال العام الميلادي : 1346
تفاصيل الحدث:

قَصَد نائِبُ حَلَب سيس لطَلَب الحملِ، وقد كان تكفور صاحِبُها قد كتب في الصالحِ إسماعيل بأنَّ بلادَه خَرِبَت، فسُومِحَ بنِصفِ الخراج، فلمَّا وصل إليه قاصِدُ نائب حلب جَهَّز الحمل، وحضر كبيرُ دولته ليحَلِّفوه أنَّه ما بقى أسيرٌ مِن المسلمين في مملكتِه، كما جَرَت العادة في كل سنةٍ بتَحليفِه على ذلك، وكان في أيديهم عِدَّةٌ من المسلمين أسرى، فبَيَّتَ مع أصحابِه قَتْلَهم في الليلةِ التي تكونُ خلفه في صبيحتِها، فقَتَل كُلُّ أحدٍ أسيرَه في أوَّلِ اللَّيلِ، فما هو إلَّا أن مضى ثلثا الليلِ فخرجت في الثلث الأخير من تلك الليلة ريحٌ سوادء، معها رعدٌ وبَرقٌ أرعَبَ القلوب، وكان من جملةِ الأسرى عجوزٌ من أهل حلب في أسرِ المنجنيقيِّ، ذبَحَها عند المنجنيق، وهي تقول: " اللهُمَّ خُذِ الحَقَّ منهم " فقام المنجنيقيُّ يشرَبُ الخَمرَ مع أهله بعد ذَبحِها، حتى غلَبَهم السُّكرُ وغابوا عن حِسِّهم، فسَقَطَت الشمعةُ وأحرَقَت ما حولها، حتى هَبَّت الريحُ، فتطاير شَرَرُ ما احترق من البيت حتى اشتعَلَ بما فيه، وتعلقت النيران مما حوله حتى بلَغَت مَوضِعَ تكفور، ففَرَّ بنفسه، واستمَرَّت النار مدة اثني عشَرَ يومًا، فاحترق أكثَرُ القلعة، وتلف المنجنيقُ كُلُّه بالنار، وكان هو حصن سيس، ولم يُعمَلْ مِثلُه، واحترق المنجنيقي وأولادُه الستَّة وزوجته، واثنا عشر رجلًا من أقاربه، وخَرِبَت سيس، وهُدِّمَ سُورُها ومساكِنُها، وهلك كثيرٌ مِن أهلِها، وعَجَز تكفور عن بنائِها.

العام الهجري : 747 الشهر القمري : ربيع الآخر العام الميلادي : 1346
تفاصيل الحدث:

اشتَدَّ فسادُ العُربان بالصعيد والفيوم والإطفيحيَّة، فأخرج الأميرُ غرلو إلى إطفيح فأمَّنَ غرلو شيخَ العربان مغنى، وأخذ في التحيُّل على نُمَي حتى قَبَض عليه، وسَلَّمَه لمغنى، فعذبه عذابًا شديدًا، فثار أصحابُه، وكبسوا الحيَّ وتلك النواحيَ، وكَسَروا عرب المغنى، وقتلوا منهم ثلاثمائةِ رَجُل وستين امرأة، وذبحوا الأطفالَ، ونهبوا الأجرانَ وهدموا البيوت، ولَحِقوا بعربان الصعيد والفيوم فكانت عِدَّةُ مَن قُتِلَ منهم في هذه السنة نحو الألفي إنسان، لم يُفَكِّر أحدٌ في أمرهم، ولا فيما أفسدوه!

العام الهجري : 747 الشهر القمري : جمادى الأولى العام الميلادي : 1346
تفاصيل الحدث:

انشغل السُّلطانُ المَلِكُ الكامِلُ شَعبان بملذَّاته وملاهيه وأعرض عن تدبيرِ الأمور، فتمَرَّدَت المماليكُ، وأخذوا حرم النَّاسِ، وقطعوا الطريقَ، وفَسَدت عِدَّةٌ من الجواري، وكَثُرَت الفِتَنُ بسَبَبِ ذلك حتى بلغ السلطانَ، فلم يعبأ بهذا، وقال: " خلُّوا كُلَّ أحد يعمَلُ ما يريدُ!!"، وقد تظاهر الناسُ بكلِّ قَبيحٍ، فاشتَدَّ الأمرُ على الناس بديار مصر وبلاد الشام، وكَثُرَ دعاؤهم لما هم فيه من السُّخر والمغارم، وتنكَّرت قلوب الأمراء، وكَثُرت الإشاعة بتنكُّر السلطان على الأميرِ يلبغا اليحياوي نائِبِ الشام، وأنه يريد مَسْكَه حتى بلغه ذلك فاحتَرَز على نفسه وبلغ الأمير يلبغا اليحياوي قَتْلُ يوسف أخي السلطان، وقُوَّة عزم السلطان على سَفَر الحجاز موافقةً لأغراض نسائه، فجمَعَ يلبغا أمراء دمشق، وحَلَّفَهم على القيام معه، وبرز إلى ظاهِرِ دمشق في نصف جمادى الأولى وأقام هناك وحَضَر إليه الأميرُ طرنطاي البشمقدار نائبُ حمص، والأمير أراق الفتاح نائب صفد، والأمير أستدمر نائب حماة، والأمير بيدمر البدري نائب طرابلس، فاجتمعوا جميعًا ظاهِرَ دمشق مع عسكرها، وكتبوا بخَلعِ الملك الكامل، وظاهروا بالخروجِ عن طاعته، وكتب الأميرُ يلبغا اليحياوي نائِبُ الشام إلى السلطان: " إني أحَدُ الأوصياء عليك، وإن ممَّا قاله الشهيد رحمه الله لي وللأمراء في وصيته: إذا أقمتم أحدًا من أولادي ولم ترتَضوا سيرتَه جُرُّوه برِجْلِه، وأخرِجوه وأقيموا غيره، وأنت أفسَدْتَ المملكة، وأفقَرْت الأمراء والأجناد، وقَتَلْت أخاك، وقبَضْتَ على أكابر أمراء السلطان الشهيدِ، واشتغَلْت عن المُلْك، والتهيتَ بالنساء وشُربِ الخمر، وصِرْتَ تبيع أخيارَ الأجناد بالفِضَّة " وذكر الأميرُ يلبغا اليحياوي له أمورًا فاحِشةً عَمِلَها، فقَدِمَ كتابه في يوم الجمعة العشرين من جمادى الأولى، فلمَّا قرأه السلطان الكامل تغيَّرَ تغيرًا زائدًا، وكتب الكامِلُ الجوابَ يتضَمَّنُ التلطُّفَ في القول، وأخرجَ الأميرَ منجك على البريد إلى الأمير يلبغا اليحياوي في الثاني عشر، ليَرجِعَه عمَّا عزم عليه، فكَثُرَت القالةُ بين الناس بخروجِ نائِبِ الشَّامِ عن الطاعةِ حتى بلغ الأمراءَ والمماليكَ، فطلب الأمراءَ إلى القلعة وأخَذَ رأيَهم، فوقع الاتفاقُ على خروج العسكر إلى الشامِ مع الأمير أرقطاي، وقَدِمَ كتاب نائب الشامِ أيضًا، وفيه خطُّ أمير مسعود بن خطير، وأمير علي بن قراسنقر، وقلاوون، وحسام الدين البقشمدار- يتضمن: "أنك لا تصلُحُ للمُلكِ، وأنَّك إنما أخَذْتَه بالغَلَبة من غير رضا الأمراء"، وعَدَّد ما فعله، ثم قال: "ونحن ما بَقِينا نَصلُحُ لك، وأنت فما تصلُحُ لنا، والمصلحةُ أن تَعزِلَ نَفسَك"، فاستدعى السلطان الكامل الأمراءَ، وحَلَّفهم على طاعته، ثم أمَرَهم بالسفر إلى الشام، فخرجوا من الغد، ثم إنَّ منجك ساعةَ وصولِه دمشق قَبَضَ عليه يلبغا اليحياوي نائِبُ الشام، وسَجَنه بالقلعة، فبعث السلطانُ الطواشي سرور الزينى لإحضارِ أخويه حاجي وأمير حسين، فاعتذرا بوَعْكِهما، وبعثت أمهاتُهما إلى الأمير أرغون العلائي والأمير الحجازي يسألانِهما في التلطُّفِ مع السلطانِ في أمرهما، ثم عرف الأمير أرغون العلائي والأمير ملكتمر الحجازي بما جرى للسلطانِ من تخوُّفِه منهما فتوحَّشَ خاطِرُ كُلٍّ منهما، وانقطع العلائي عن الخدمة وتعَلَّل، وأخَذَت المماليكُ أيضًا في التنكُّر على السلطان، وكاتَبَ بَعضُهم الأمير يبلغا اليحياوي نائِبَ الشام، واتَّفقوا بأجمعهم حتى اشتَهَر أمْرُهم وتحَدَّثَت به العامة، ووافقهم الأميرُ قراسنقر.