الخُميني قائدُ الثورة الإيرانيَّة، ومُنشئُ الحُكومة الإسلاميَّة الشيعيَّة التي أسْقَطَت حُكمَ الشاهِ، وصاحبُ نظريَّة (وِلايةُ الفَقيهِ)، واسمُه بالكامل رُوحُ اللهِ بنُ مصطفى موسَوي، وُلد في 29 جمادى الأولى سنةَ 1318هـ 24 سبتمبر 1900م، بقرية «خُمين» بإيرانَ، وكان أبوه من عُلماء الشيعةِ، وقد قُتل على يد أحد الإقطاعيِّينَ، والخُميني كان عمرُه سنةً واحدةً، فتكفَّلت أُمُّه برِعايته ورِعايةِ أخيه الأصغر «باسند»، ودفعت بهما لطريق العِلم الشيعي، ولمَّا تُوفيت أُمُّه وهو في الثامنةَ عَشْرةَ، انتقل هو وأخوه للإقامة قريبًا من مدينة «قُمَّ» الشهيرة، والتحق بالحوزة العلميَّة للشيخ عبد الكريم حيارى، وتدرَّج معه في العلوم الشيعيَّة وتخصَّص في الفلسفة والمنطِق؛ وعندما حاوَل الشاه إخضاعَ ثورةِ علماءِ الشيعةِ -وعلى رأسهم الخُميني- فأصدر قرارًا بأخذ بعض أملاك الحوزة الدينيَّة، ثار الخُميني، وألقى خُطبًا مُلتهِبةً أشعلت الأوضاع داخلَ إيرانَ، ووقعت مصادَماتٌ عنيفةٌ، راح ضحيتها الآلافُ، وذلك سنةَ 1384هـ، وبعدها تمَّ نَفيُ الخُميني، فانتقلَ أولًا إلى تُركيا، فلم يمكُثْ فيها أكثرَ من عام، ثم اتَّجَه سنةَ 1385ه إلى العراق، وأقام بالنجَف، ومن هناك قاد الخُميني الثورةَ والمعارَضة من خلال شرائط الخُطَب والدروس التي كانت تؤجِّج مشاعرَ الناس، وقد نجَح الخُميني في استغلال الظروف والحوادث لصالح ثورتِه، لكنْ تمَّ إبعادُه من العراق، وفي 6 أكتوبر 1978 غادَرَها إلى فرنسا، ومن هناك استأنَفَ قيادةَ الثورة ضدَّ الشاه حتى توَّج ثورتَه بالعودة لإيرانَ سنةَ 1399هـ، ودخل طِهرانَ دخولَ الفاتحين، وفرَّ الشاه من البلاد، وقد استقبَل الخُميني في المطار ستةُ ملايين إيرانيٍّ، وكان في الثمانين من العمرِ وقتَها، وأَعلنَ وقتَها قيامَ الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وأنه لن يرشِّح نفسَه لرئاسة الجمهورية، بل سيظلُّ مُرشدًا للثورة، والمرجعيَّة الشيعيَّة الأولى لشيعة العالَم، ولكنَّه في نفس الوقت جعل في إدارة دفَّة الحُكم رجالًا من أخلَص أعوانه، يُنفِّذون سياساتِه وأفكارَه، وأخذ الخُميني في تطبيق مبدأ ولاية الفقيه، وأظهر تَعصُّبه الشديدَ للتشيُّع، وأَعلن أن أهل السُّنة ما هم إلا أقليَّة، ليس لهم أنْ يشتركوا في السُّلْطة، على الرغم من أن نسبتَهم كانت تزيدُ على 30% من إجمالي السكان، كما أظهَر الخُمينيُّ عزْمَه على نشْر مبادئ الثورة الإسلامية الإيرانية للدول المجاوِرة، وذلك بتشجيع الأقليَّات الشيعيَّة الموجودة بدول الخليج، وتبنَّى مواقفَ متشدِّدةً تجاهَ أمريكا وإسرائيل، وتشجيعَ الجهاد الفِلَسطيني، وإصدار فتاوى ضدَّ الملاحدة أمثال سلمان رشدي، وكان الخُميني ذا شخصيَّة استبداديَّة، لا يَسمَح بظهور أيِّ رجلٍ بجوارِه، فاصطَدَم معَ بني صدر رئيس الجمهورية وعزَلَه، وآية الله منتظري خليفته وعزَلَه، وكان الخُميني يَرى في نفسه العِصمةَ على اعتبار أنه نائبُ الإمام المعصوم الغائب، ولقد تعرَّض لعدَّة محاوَلات للاغتيال، ولكنَّه نجا منها جميعًا، حتى أتاه قَدَرُه المعلوم في 29 شوال 1409هـ.
هو يَزْدَجِرْد بن شَهْرَيار بن برويز المَجوسيُّ الفارِسيُّ آخِرُ الأكاسِرَةِ مُطلقًا، انهزَم مِن جيشِ عُمَر, فاسْتَولى المسلمون على العِراقِ، وانهزَم هو إلى مَرْو، ووَلَّتْ أيَّامُه، ثمَّ ثار عليه أُمراءُ دَولتِه وقتَلوه، وقِيلَ: هرَب بأُبَّهَتِهِ في جماعةٍ يَسيرةٍ إلى مَرْو، فسأل مِن بعضِ أهلِها مالًا فمَنعوهُ وخافوهُ على أَنفُسِهم، فبعثوا إلى التُّرْكِ يَسْتَفِزُّونَهم عليه، فأَتَوْهُ فقَتلوا أصحابَهُ وهرَب هو حتَّى أَتَى مَنزِلَ رجلٍ يَنْقُر الأَرْحِيَةَ -يعني حِجارةَ الرَّحَى- على شَطٍّ، فأَوى إليه ليلًا، فلمَّا نام قَتَلهُ.
وكان عبدُ الرحمن شديدَ الاهتمامِ بتأمين حدودِ البلاد الشماليَّة، بعد أن تزايدَ عُدوانُ الفِرنجةِ عليها، فأرسل حملةً عسكريةً كبيرةً بقيادةِ عبد الكريم بن عبد الواحد بن مغيث, وقد نجَحَت تلك الحملةُ في إلحاقِ الهزيمةِ بالنَّصارى المتربِّصين، وألحقَت بهم خسائِرَ كبيرةً بعد أن أحرَقَت حُصونَهم، وقتَلت منهم عددًا كبيرًا، وعادت الحملةُ إلى قرطبة محمَّلةً بالغنائم، وهي تسوقُ الأسرى والأسلابَ، وكان لهذه الحملةِ أثَرُها الكبيرُ في ردعِ الفرنج، واستشعارِهم قوَّةَ المسلمين، ووقوعِ هيبتِهم في قلوبِ ملوكِ الفِرنج.
خرج الرُّومُ إلى جَزيرةِ صقليَّةَ في جمعٍ كثير، ومَلَكوا ما كان للمُسلمين في جزيرة قلورية، وهي مجاوِرةٌ لجزيرةِ صقليَّة، وشرعوا في بناءِ المساكِنِ يَنتَظِرونَ وُصولَ مراكِبِهم وجُموعِهم مع ابنِ أخت الملك، فبلغ ذلك المُعِزَّ بنَ باديس، فجهَّزَ أسطولًا كبيرًا أربعمِئَة قطعةٍ، وحَشَد فيها، وجمع خلقًا كثيرًا، وتطَوَّعَ جَمعٌ كثير بالجهاد؛ رغبةً في الأجرِ، فسار الأسطولُ حتى قَرُبَ مِن جزيرة قوصرة، وهي قَريبةٌ مِن بَرِّ إفْريقيَّة، فخَرَجَت عليهم ريحٌ شديدة، ونَوءٌ عظيمٌ، فغَرِقَ أكثَرُهم، ولم ينجُ إلا اليَسيرُ.
احتلَّ الفرنج رفنية من أرض الشام، وهي لطغتكين، صاحب دمشق، وقوَّوها بالرجال والذخائر، وبالَغوا في تحصينها، فاهتَمَّ طغتكين لذلك، وقَوِيَ عزمه على قَصدِ بلاد الفرنج بالنَّهبِ لها والتخريبِ، فأتاه الخبَرُ عن رفنية بخُلوِّها من عسكر يمنَعُ عنها، وليس هناك إلا الفرنجُ الذين رتَّبوا لحفظها، فسار إليها جريدة، فلم يشعرْ من بها إلا وقد هجم عليهم البلد فدخله عَنوةً وقهرًا، وأخذ كل من فيه من الفرنج أسيرًا، فقُتِل البعض، وتُرِك البعض، وغَنِم المسلمون من سوادهم وكراعهم وذخائرهم ما امتلأت منه أيديهم، وعادوا إلى بلادهم سالمين.
لم تتوقف الحرب بين إسبانيا والمسلمين؛ فقد استمرَّ خير الدين بربروسا في ممارسة الأعمال القتالية أثناء طريق عودته، فتوقَّف أمام مدينة جنوة، فارتاع مجلسُ شيوخها فأرسل له مجموعةً من الهدايا الثمينة مقابِلَ عدم التعرض للمدينة بأذًى، فتابع خير الدين طريقَه حتى وصل جزيرة (البا) التي كانت تحت حكم إسبانيا فاحتلَّها وغَنِمَ ما بها، كما احتَلَّ عددًا من المدن الساحلية، من بينها مدينة (لبياري) ورجع إلى إستانبول بسفُنِه مثقلةً بالغنائم، فاستُقبل كأحسَنِ ما تَستقبلُ به الأمُّ أبناءها البَرَرة.
بعد انتصار المسلمين على النصارى في معركةِ وادي المخازن التي توفِّيَ أثناءها أبو مروان عبد الملك السعدي, تمَّت بيعةُ المنصور أحمد بن محمد الشيخ السعدي المعروف بالذهبي، بعد أن اجتمع عليه مَن حضر هناك من أهل الحَلِّ والعقدِ، ثم لَمَّا قفل المنصور من غزوته تلك، ودخل حضرةَ فاس يوم الخميس عاشر جمادى الآخرة من هذه السنة جُدِّدت له البيعةُ بها ووافق عليه من لم يحضُر يوم وادي المخازن، ثم بعث إلى مراكش وغيرها من حواضر المغرب وبواديه فأذعن الكلُّ للطاعة وسارعوا إلى الدخول فيما دخلت فيه الجماعة.
غينيا بيساو دولة أفريقية صغيرة ذات أغلبية مسلمة كانت تحتَ الاحتلالِ البرتغالي الذي أذاقها الوَيلاتِ حتى اعترفت عام 1392هـ / 1972م لجنة تصفية الاستعمار التابعة للأمم المتحدة بالحزب الإفريقي المطالب باستقلال غينيا بيساو وجزر الجبل الأخضرِ عنِ السيطرة البرتغالية، وفي 1393هـ / 1973م جرت الانتخاباتُ لتشكيلِ مجلس الشعب الوطني وحصلت غينيا بيساو على الاستقلال الذاتي، وتسلَّم لويس كابرال رئاسةَ مجلس الدولة، ثم أُجبرت الحكومة البرتغالية على الانسحاب من غينيا بيساو لتصبح دولة مستقلَّة.
وقَعَت تَظاهُراتٌ في الضفةِ الغربيةِ، وذلك في ذِكْرى مذبحةِ الحرم الإبراهيمي، وهي المذبحةُ التي ارتكبها باروخ جولدشتاين، أو باروخ جولدستين، وهو طبيبٌ يهوديٌّ والمنفِّذُ لمذبحةِ الحرم الإبراهيمي في مدينة الخليلِ الفِلَسْطينية في 1414 هـ / 25 فبراير 1994م، التي قام بها معَ عدد من المستوطِنينَ والجيشِ في حقِّ المصلِّينَ، حيث أطلق النارَ على المصلِّينَ المسلمينَ في المسجد الإبراهيمي أثناءَ أدائِهم صلاةَ فَجرِ يومِ جُمُعة في شهر رَمضانَ، وقد قُتِلَ 29 مصليًّا، وجُرحَ 150 آخرين، قبلَ أنْ ينقَضَّ عليه مُصلُّونَ آخَرونَ ويَقتُلوه.
اقتحَمَت جماعاتٌ يهوديَّةٌ متطرِّفةٌ يومَ (25 شعبان) ساحةَ المسجدِ الأقصى المبارَك، من جهةِ بوابةِ المغارِبة بالقدسِ الشرقية المحتلَّة، وتحت حراسةِ شرطةِ الاحتلالِ الإسرائيليِّ بزَعمِ أنَّ المكانَ الذي يتجوَّلون فيه هو "جبل الهيكل المزعوم". وشَمِلت جولَتُهم المسجِدَ القِبليَّ المسقوفَ، والأقصى القديمَ، والمصلَّى المَرْوانيَّ، والساحاتِ القريبةَ منه، بالإضافةِ إلى مِنطقةِ مسجد الصخرة، ولكنَّها لم تؤدِّ طُقوسًا وشعائرَ تُلموديَّةٍ في باحاتِ الأقصى المبارك، بسببِ وُجودِ المصلِّين المسلمين بالمسجدِ منذ صلاةِ فجرِ ذلك اليومِ.
لَمَّا رأى المَلِكُ نمطَ التعليم المنتَشِر في الحجاز أُعجِبَ به، فأُنشِئَت في مكة إدارةُ المعارف العامة، وربَطَها بالنائب العام، ويديرُ أعمالَها مديرٌ عام، وكان من أبرز المشاكِلِ التي واجهت إدارةَ المعارف خلوُّ المدارس الابتدائية من المعلِّمين (المتعلِّمين) فأنشأت الإدارةُ في مكَّةَ المعهدَ العلميَّ السعوديَّ لإعداد معلِّمي المرحلة الابتدائية، بالإضافةِ إلى إرسال أوَّلِ بَعثةٍ مِن الطلاب إلى الخارج عام 1346هـ، وفي عام 1354هـ أُنشِئَت مدرسة تحضير البعثات، ووضِعَ لها منهجٌ خاصٌّ أُخِذَ مِن مصر، مدَّةُ الدراسة فيها 4 سنوات للقسم العام، و5 سنوات للقسم الخاص، بحيث يضمَنُ حامِلُ شهادة المدرسة التحضيرية للبعثات القبولَ في المعاهِدِ العالية وكليات الجامعة في مصر وغيرها، وأمَّا المطاوعة أو المرشِدون في الهجر والقبائل فهم غالبًا يُختارون من متعلِّمي الهجر والمدن القريبة من القبائل، وأوَّلُ ما عليهم تعلُّمُ القرآن، وأركان الإسلام، والعبادات، ومبادئ القراءة والكتابة، ولا يقتَصِرُ عملُ المطوع والمرشِد على التعليم، بل هو واعِظُ القبيلة وخطيبُ المسجد والإمامُ في الصلوات، وقد يكون المرجِعَ الديني في كل شيءٍ، وله رأيٌ مسموعٌ في شؤون القبيلة العامة والخاصة. كما أنَّ للتعليم الأهلي دورَه في نهضة البلاد الحديثة في ذلك العهدِ، بحيث إنَّ مُعظَمَ القائمين بالأعمال في الدوائر الحكومية من خرِّيجي المدارس الأهلية التي أُنشِئَت في الحجاز قبل عهد الملك عبد العزيز وفي عهده. كما أنشأ الملكُ عبد العزيز مدرسةَ الأمراء في قَصرِه لتعليم الأمراء من أبنائِه وأحفادِه وأبناء إخوانِه، ومن يليهم من الأُسَر السعودية، وأنشأ مثلها مدرسةَ للأيتام تابعة لإدارة القصر الملكي في بناية خاصة، ولَمَّا عاد الملِكُ من زيارته لمصر أراد أهلُ الرياض إقامةَ حفلة استقبال له، فأمرهم أن يصرفوا الأموالَ التي جمعوها على ما فيه مصلحةٌ للبلدِ، فاتفقوا على إنشاء مدرسةٍ في حي البطحاء في الرياض، سُمِّيَت المدرسة التذكارية، وأنشأ الأمير فيصل في الطائف المدرسةَ النموذجية لأولاد الأمراء وغيرهم، ثمَّ نُقِلَت إلى جُدَّة وسُمِّيَت مدارسَ الثغر النموذجية، أمَّا في نجد وشرق البلاد فلم تظهَرِ المدارس النظامية الحديثة فيها إلا بعد عام 1350هـ، وكان فتحُ المدارس في بعض المدن يتدرَّجُ نمو التعليم فيها ببطءٍ؛ لقلة المعلِّمين المتعلمين أولًا، ولِضَعفِ رغبة الأهالي في الإقبال على هذا النظام التعليميِّ الحديث، لكنْ ما إن دخلت سنة 1369هـ/ 1950م حتى كان عددُ مدارس نجد 84 مدرسة يَدرُسُ فيها أكثر من 8 آلاف طالب. وكان أعلى رقم لميزانية المعارِف في آخر ميزانية وُضِعَت في عهد الملك عبد العزيز سنة 1373هـ 20 مليون ريال سعودي يعادل 4.5 مليون دولار. كان التعليمُ في جميع المراحل مجانيًّا: تدريسًا وكتبًا ودفاترَ وأقلامًا، فضلًا عن أن الدولة كانت تنفق على نحو 30 % من التلاميذ على المأوى والطعام والملبس قياسًا على طلبة البعثات في الخارجِ، ويكثُرُ هذا النوع على الخصوص في المُدُن والقرى القريبة من البادية، حيث يؤتى بالطلابِ من خيامِ قبائِلِهم ومِن رعيِ إبلِهم، وربما دفعت الدولةُ لآبائهم مكافأةً عن عمل البنين في الرَّعيِ أو الزراعة، وكانت تُصرَفُ مثل هذه التعويضات لآباء بعض المبتَعَثين إلى الخارج، وقد تُصرَفُ مكافأة لبعض الطلاب الذين يظهر للحكومة أنَّ مقدرتهم المالية لا تساعِدُهم على الاستمرار في الدراسة، وقد تولى إدارةَ المعارف قبل أن تصبِحَ وزارةً: صالح شطا، ومحمد كامل قصاب، وماجد الكردي، وحافظ وهبة، ومحمد أمين فودة، وطاهر الدباغ، وآخِرُهم محمد بن عبد العزيز بن مانع.
كانت البدايةُ في أنَّ بعض قواد الأتراك من المشغِّبين قد جاؤوا إلى المستعين وسألوه العفوَ والصَّفحَ عنهم ففعل، فطلبوا منه أن يرجِعَ معهم إلى سامرَّا التي خرج منها إلى بغداد؛ بسبب تنكُّرِ بعض هؤلاء القادة الأتراك له، فلم يقبَلْ وبقي في بغداد، وكان محمد بن عبدالله بن طاهر قد أهان أحدَ القادة الأتراك، فزاد غضَبُهم، فلما رجعوا إلى سامرَّا أظهروا الشغب وفتحوا السُّجونَ وأخرجوا من فيها، ومنهم المعتزُّ بن المتوكل وأخوه المؤيَّد الذين كان المستعينُ قد خلعهما من ولاية العهد، فبايعوا المعتز وأخذوا الأموالَ من بيت المال، وقَوِيَ أمرُه، وبايعه أهلُ سامرَّا، والمستعينُ في بغداد حصَّن بغداد خوفًا من المعتز، ثم إن المعتز عقد لأخيه أبي أحمد بن المتوكِّل، وهو الموفَّق، لسبعٍ بَقِين من المحرَّم، على حرب المستعين، ومحمَّد بن عبد الله بن طاهر وجرى القتال بينهم وطالت الحربُ بينهما حتى اضطُرَّ محمد بن عبدالله بن طاهر إلى أن يُقنِعَ المستعين بخلعِ نَفسِه ويشترط شروطًا، فرضي بذلك فاستسلَمَ وكتب شروطَه وبايع للمعتزِّ وبايعت بغداد، وانتقل المستعينُ إلى واسط بعد أن خلعَ نَفسَه، ثم أرسل المعتزُّ إليه من قتَلَه في شوال من نفس العام، فكانت مدَّة خلافته أربع سنين وثلاثةَ أشهر وأيام.
قامت الحربُ بين إسماعيلَ بنِ أحمدَ الساماني وعمرو بن الليث بنِ يعقوبَ الصَّفار؛ وذلك أنَّ عمرَو بنَ الليث لَمَّا قَتلَ رافِعَ بن هرثمة وبعث برأسِه إلى الخليفةِ، سأل منه أن يُعطِيَه ما وراء النهرِ مضافًا إلى ما بيده من ولاية خُراسان، فأجابه إلى ذلك فانزعج لذلك إسماعيلُ بنُ أحمد الساماني نائبُ ما وراء النهر، وكتب إليه: إنَّك قد وُلِّيتَ دنيا عريضةً فاقتَنِعْ بها عمَّا في يديَّ مِن هذه البلاد، فلم يقبَلْ، فأقبل إليه إسماعيلُ في جيوشٍ عظيمةٍ جدًّا، فالتقيا عند بلخ فهُزِمَ أصحابُ عمرو، وأُسِرَ عمرٌو، فلما جيء به إلى إسماعيلَ بنِ أحمد قام إليه وقبَّلَ بين عينيه وغسَلَ وجهَه وخلع عليه وأمَّنَه وكتب إلى الخليفةِ في أمره، ويُذكَرُ أنَّ أهلَ تلك البلاد قد مَلُّوا وضَجِروا من ولايته عليهم، فجاء كتابُ الخليفة بأن يتسَلَّمَ حواصِلَه وأموالَه فسَلَبَه إيَّاها، فآل به الحالُ بعد أن كان مطبخُه يُحمَلُ على ستِّمائةِ جمل إلى القيدِ والسَّجنِ، ومن العجائب أنَّ عَمرًا كان معه خمسونَ ألف مقاتل لم يُصَب أحدٌ منهم ولا أُسِر سواه وحده، وهذا جزاءُ مِن غلب عليه الطَّمعُ، وقاده الحِرصُ حتى أوقعه في ذُلِّ الفَقرِ، وهذه سنَّةُ الله في كل طامعٍ فيما ليس له، وفي كلِّ طالبٍ للزيادةِ في الدُّنيا.
كان يعقوبُ بنُ اللَّيثِ الصَّفَّار قد قضى على الدَّولةِ الطاهريَّة، وأقام دولتَه على أنقاضِها، فأمر الخليفةُ أن يجهِّزَ جيشًا بقيادةِ أخيه الموفَّقِ؛ لِمُواجهة يعقوب، وذلك في عام 262هـ / 876م، ويشاءُ اللهُ أن تدور الدائرةُ على يعقوبَ فيُهزَم، ولكِنَّ المُعتَمِد يرى الاحتفاظَ بولائه للخلافةِ، فمِثلُه يمكِنُ الاعتماد عليه في مواجهةِ الثَّوراتِ والانتفاضات، فبعث إليه يستميلُه ويتَرضَّاه، ويقَلِّدُه أعمال فارس وغيرِها ممَّا هو تحت يديه، ويصِل رسولُ الخليفة إليه، وهو في مرَضِ الموت، ولكِنْ بعد أن كَوَّنَ دولةً، وبسط سلطانَه عليها. ويُظهِرُ أخوه (عمرو) من بعدِه ولاءَه للخليفة، فيولِّيه الخليفةُ خُراسان، وفارِسَ، وأصبهان، وسجستان، والسِّند، وكرمان، والشرطة ببغداد، وكان عمرٌو كأخيه ذا أطماعٍ واسعةٍ، فانتهز فرصةَ تحسُّن العلاقة بينه وبين الخليفةِ وراح يتَمِّمُ رسالة أخيه. فاتَّجَه بنظره إلى إقليم ما وراءَ النهر الذي كان يحكُمُه السامانيون، ولكِنَّ قُوَّتَهم لا يستهان بها، فكتب إلى الخليفة المعتَضِد ليساعِدَه على تملُّكِ هذا الإقليم، فهُزِمَ عمرُو بن الليث الصفار هزيمةً ساحقةً، ووقع أسيرًا في أيدي السامانيِّين، وأُرسل إلى بغداد ليُقضى عليه، فيقتل سنة 289هـ / 902م. ولم تكَدْ تمرُّ ثماني سنوات حتى كان السامانيُّون قد قَضَوا نهائيًّا على الصفاريِّين، واستولَوا على أملاكِهم
في ليلةِ الجُمُعةِ مُستهَلَّ رَمَضانَ احترق المسجدُ النبوي بالمدينةِ- على ساكِنِه أفضَلُ الصلاة والسلام، ابتدأ حريقُه من زاويتِه الغربيَّة من الشمال، وكان دخل أحدُ القومةِ إلى خزانةٍ ومعه نار فعَلِقَت في الأبوابِ ثم اتصلت بالسَّقفِ بسُرعةٍ، ثم دبَّت في السقوف، وأخذت قبلةً فأعجلت النَّاسَ عن قطعها، فما كان إلا ساعةٌ حتى احترقت سقوفُ المسجِدِ أجمع، ووقعت بعض أساطينِه وذاب رصاصُها، وكلُّ ذلك قبل أن ينامَ النَّاسُ، واحترق سقف الحُجرةِ النبويَّة ووقع ما وقع منه في الحُجرة، وقد خرَّب الحريقُ المسجِدَ، ولم يُفلِتْ منه إلاَّ قبَّةُ الناصر لدين الله التي كانت في رحبتِه، وبقي على حالِه حتى شرع في عمارةِ سَقفِه وسَقفِ المسجِدِ النبوي، وأصبح الناسُ فعزلوا موضعًا للصلاة، وعُدَّ ما وقع من تلك النَّار ِالخارجة وحريقِ المسجد من جملة الآيات، وكأنها كانت منُذِرةً بما يعقُبُها في السنة الآتية من الكائناتِ، وحين بلغ المستعصِمَ العباسيَّ الخبَرُ أرسل الصنَّاعَ والآلاتِ في موسم الحج، وبدأ العمل عام 655هـ. وقد حدثت في هذا العامِ أحداثُ التتار وحروبهم، ولكِنَّ عمل البناءِ لم يتوقَّفْ؛ إذ اشترك فيه الملك المظفَّر ملك اليمن، وملك مصر نور الدين علي بن المعز الصالحي، وإن كانت العمارةُ لم تنتهِ إلا في عهد الملك الظاهر بيبرس.