الموسوعة التاريخية

عدد النتائج ( 1510 ). زمن البحث بالثانية ( 0.011 )

العام الهجري : 1016 الشهر القمري : شوال العام الميلادي : 1608
تفاصيل الحدث:

لما دخل عبدُ الله بن الشيخ المأمون السعدي مراكشَ واستولى عليها فعَلَ فيها أعظَمَ من فعلته الأولى بفاس، فهربت شرذمة من أهل مراكش إلى جبل جيليز واجتمع هنالك منهم عصابةٌ من أهل النجدة والحمية، واتفق رأيُهم على أن يُقَدِّموا للخلافة محمدَ بن عبد المؤمن ابن السلطان محمد الشيخ، وكان رجلًا خيِّرًا ديِّنًا صيِّنًا وقورًا, ومن أحفاد السلطان محمد الشيخ المهدي السعدي، فبايعه أهل مراكش هنالك والتفوا عليه، فخرج عبد الله بن الشيخ لقتال مَن بجبل جيليز والقبض على أميرهم ابن عبد المؤمن، ولما التقى الجمعان انهزم عبد الله وولى أصحابُه الأدبار فخرج من مراكش مهزومًا سادس شوال من هذه السنة، وترك محلَّتَه وعدتَه وجلَّ جيشه، وأخذ على طريق تامسنا، وامتُحِن أصحابُه في ذَهابِهم حتى كان مُدُّ القمح عندهم بثلاثين أوقية والخبزة من نصف رطل بربع مثقال، ولم يزل أصحابه ينتَهِبون ما مرُّوا عليه من الخيام والعمود ويَسْبُون البناتِ إلى أن وصلوا إلى فاس في الرابع والعشرين من شوال، وأما محمد بن عبد المؤمن فإنَّه لما دخل مراكش واستولى عليها صفَحَ عن الذين تخلَّفوا بها من أهل المغرب من جيش عبد الله بن الشيخ، وأعطاهم الراتب فلم يعجِبْ ذلك أهلَ مراكش ونقَموا عليه إبقاءه عليهم، وكانوا نحو الألف ونصف فكتبوا سرًّا إلى السلطان زيدان بالجبل فأتاهم وخيَّم نازلًا بظاهر البلد فخرج محمد بن عبد المؤمن إلى لقائِه فانهزم ابن عبد المؤمن ودخل السلطان زيدان مراكش واستولى عليها وصفح هو أيضًا عن الفئة المتخلِّفة عن عبد الله بن الشيخ!!

العام الهجري : 1259 العام الميلادي : 1843
تفاصيل الحدث:

حصل في هذا العامِ بَردٌ في آخر الحميم على أوَّلِ دخول الذراع مع طلوع المؤخر، فمات كل زرع لم يشتَدَّ سنبله، وما اشتد في سنبله سَلِمَ من الموت، وهذا لم يُعهَدْ في هذا الوقتِ.

العام الهجري : 780 الشهر القمري : شعبان العام الميلادي : 1378
تفاصيل الحدث:

لما كان يومُ الرابع والعشرين شعبان ركب الأتابكُ برقوق من الإسطبل السلطاني في حواشيه ومماليكه للتسير على عادته، وكان الأميرُ بركة الجوباني مسافرًا بالبحيرة للصيد، فلما بلغ إينال اليوسفي أمير سلاح ركوبُ برقوق من الإسطبل السلطاني، انتهز الفرصة لركوبِ برقوق وغَيبة بركة، وركب بمماليكِه وهجم الإسطبلَ السلطانيَّ ومَلَكَه، ومسَكَ الأميرَ جركس الخليلي، وكان مع إينال جماعةٌ من الأمراء ولما طلع إينال إلى باب السلسلة وملكها، أرسل الأميرَ قماري ليَنزِلَ بالسلطان الملك المنصور إلى الإسطبل، فأبى السلطانُ من نزوله ومنعه، ثم كبس إينال زردخاناه-خزانة السلاح- برقوق، وأخرج منها اللَّبوسَ وآلة الحرب، وأخذ مماليكَ برقوق الذين كانوا وافقوه وألبسهم السلاحَ وأوقفهم معه وأوعدهم بمالٍ كبير وإمريات، وبلغ برقوقًا الخبَرُ فعاد مسرعًا، وجاء إلى بيت الأمير أيتمش البجاسي بالقرب من باب الوزير وألبس مماليكَه هناك، وجاءه جماعةٌ من أصحابه، فطلع بالجميع إلى تحت القلعة وواقعوا إينال اليوسفي، وأرسل برقوقٌ الأميرَ قرط في جماعة إلى باب السلسلة الذي من جهةِ باب المدرج، فأحرَقَه، ثم تسَلَّقَ قرط من عند باب سر قلعة الجبل، ونزل ففتح لأصحابِه الباب المتَّصِلَ إلى الإسطبل السلطاني، فدخلت أصحابُ برقوق منه وقاتلت إينال، وصار برقوقٌ بمن معه يقاتل من الرميلة، فانكسَرَ إينال ونزل إلى بيته جريحًا من سَهمٍ أصابه في رقبَتِه من بعض مماليك برقوق، وطلع برقوقٌ إلى الإسطبل وملكه، وأرسل إلى إينال من أحضره، فلما حضَرَ قَبَض عليه وحَبَسه بالزردخاناه، وقَرَّره بالليل فأقَرَّ أنه ما كان قصده إلَّا مَسْكَ بركة لا غير، ثم إن برقوق مسك جماعةً من الأمراء وغيرِهم من أصحاب إينال اليوسفي، ما خلا سودون النوروزي، جمق الناصري وشَخصًا جنديًّا يسمى أزبك كان يدعي أنه من أقارب برقوق، ثمَّ حُمِلَ إينال في تلك الليلة إلى سجن الإسكندرية ومعه سودون جركس، ثمَّ أخذ برقوق في القبض على مماليك إينال اليوسفي، ونودِيَ عليهم بالقاهرة ومصر، ثم في الثامن والعشرين من شعبان حضر الأمير بركة من السرحة، فركب الأتابك برقوق وتلقَّاه من السحر وأعلمه بما وقع من إينال اليوسفي في حَقِّه، ثم اتفقا على طلب الأمير يلبغا الناصري من نيابة طرابلس، فحضر وأنعم عليه بإقطاع إينال اليوسفي ووظيفته إمرة سلاح، وكانت وظيفةُ يلبغا قبل إينال، وتولَّى مكانَه في نيابة طرابلس منكلي بغا الأحمدي البلدي، ثم استقَرَّ بلوط الصرغتمشي في نيابة الإسكندرية.

العام الهجري : 105 العام الميلادي : 723
تفاصيل الحدث:

غَزَا عَنْبَسَةُ بن سُحَيْمٍ الكَلْبِي أَميرُ الأَندَلُس بَلدَ الفِرِنْج في جَمعٍ كَثيرٍ، ونازَل مَدينَة قَرْقَسُونة وحَصَر أَهلَها، فصالَحوه على نِصْف أَعمالِها، وعلى جَميعِ ما في المَدينَة من أَسرَى المسلمين وأَسلابِهم، وأن يُعطوا الجِزْيَة، ويَلتَزِموا بأَحكام الذِّمَّة مِن مُحارَبة مَن حارَبَه المسلمون، ومَسالَمة مَن سالَموه، فعاد عنهم عَنْبَسَة، ثمَّ تَوَغَّلَ داخِلَ فَرنسا وغَزَا إقليمَ الرون وبرفانس وليون وبورغونيا حتَّى وَصَل أَعالِي الرون. وتُوفِّي في شَعبان سَنة سَبعٍ ومائة عندَ انْصِرافه مِن غَزوِ الإفْرِنْج.

العام الهجري : 114 العام الميلادي : 732
تفاصيل الحدث:

تَوَلَّى عبدُ الرَّحمن الغافِقِيُّ أُمورَ القِيادَةِ على الشَّاطِئ الشَّرقيِّ مِن الأَندَلُس مِن قِبَل عُبيدَة بن عبدِ الرَّحمن القَيْسِي صاحِب أفريقيا في عَهْدِ هِشامِ بن عبدِ الملك مُدَّةَ سَنتينِ ونِصف، وطِيلَة تلك المُدَد كان يَقوم بالغَزْوِ والفَتْح، وكانت انْتِصاراتُه على البَرْبَر مَشهودَةً، وساعَد على ذلك حُسْنُ مُعامَلتِه للبَرْبَر ممَّا كان له الأَثَر الكَبير في دُخولِ كَثيرٍ منهم إلى الإسلام، وقاتَل معه الكَثيرُ في حُروبِه وكان عبدُ الرَّحمن قد أَوْغَل داخِل فَرنسا ثمَّ بَقِيَ كذلك حتَّى حَصَلت مَعركَة بَلاط الشُّهَداء التي اسْتُشْهِد فيها هو وكَثيرٌ ممَّن كان معه.

العام الهجري : 434 الشهر القمري : رجب العام الميلادي : 1043
تفاصيل الحدث:

خرج بمِصرَ إنسانٌ اسمُه سكين وقيل سُليمان، كان يُشبِهُ الحاكِمَ صاحِبَ مِصرَ، فادَّعى أنَّه الحاكِمُ، وقد رجعَ بعد موتِه، فاتَّبَعه جمعٌ مِمَّن يعتَقِدُ رَجعةَ الحاكِمِ، فاغتنموا خُلوَّ دار الخليفةِ بمصرَ مِن الجند وقصَدوها معه نِصفَ النَّهار، فدخلوا الدهليز، فوثَبَ من هناك من الجندِ، فقال لهم أصحابُه: إنَّه الحاكِمُ، فارتاعوا لذلك، ثمَّ ارتابوا به، فقَبَضوا عليه، واقتَتلوا، فتراجع الجندُ إلى القصرِ، والحَربُ قائمة، فقُتِلَ من أصحابه جماعة، وأُسِرَ الباقون وصُلِبوا أحياءً، ورماهم الجندُ بالنشابِ حتى ماتوا.

العام الهجري : 722 الشهر القمري : ربيع الأول العام الميلادي : 1322
تفاصيل الحدث:

في ربيع الأول تكامل فتح إياس (من بلاد الأرمن على ساحل البحرِ) ومعامَلتها وانتزاعُها من أيدي الأرمن، وأُخِذَ البرج الأطلس- وهو أحدُ ثلاثة أبراج وهي الأطلس والشمعة والإياس- بينه وبينها في البحر رميةٌ ونصف، فأخذه المسلمونَ بتوفيق الله وخَرَّبوه، وكانت أبوابُه مَطليَّةً بالحديد والرصاص، وعَرضُ سُورِه ثلاثة عشر ذراعًا، وغنم المسلمونَ غنائِمَ كثيرةً جدًّا، وحاصروا كوارَه فقوي عليهم الحَرُّ والذباب، فرسم السلطانُ بعَودِهم، فحرقوا ما كان معهم من المجانيقِ وأخذوا حديدَها وأقبلوا سالمين غانمينَ، وكان معهم خلقٌ كثيرٌ من المتطوعين.

العام الهجري : 4 الشهر القمري : محرم العام الميلادي : 625
تفاصيل الحدث:


خَرَج عبدُ اللَّه بنُ أُنيسٍ رَضي اللهُ عنه من المدينةِ يومَ الإثنَينِ لخمسٍ خَلَونَ من المُحرَّمِ على رأس خمسةٍ وثلاثين شهرًا من مُهاجَرِ رسولِ اللَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وبَلَغَ رسولَ اللَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّ سُفيانَ بنَ خالِدِ بن نُبَيحٍ الهُذليَّ ثم اللِّحيانيَّ -وكان يَنزِل عُرْنةَ وما والاها في أُناسٍ من قومِه وغيرِهم- يُريد أن يَجمَعَ الجُموعَ إلى رسولِ اللَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فضَوَى إليه بَشَرٌ كثيرٌ من أفناءِ الناسِ.
قال عبدُ اللَّه بنُ أُنيسٍ رضي اللَّه تعالى عنه: دَعاني رسولُ اللَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فقال: "إنَّه بَلَغني أنَّ سفيانَ بنَ خالدِ بنِ نُبَيحٍ يَجمَع لي الناسَ ليَغزوَني وهو بنَخلةَ أو بعُرْنةَ فأْتِه فاقْتُلْه". فقلتُ: يا رسول اللَّه، صِفْهُ لي حتى أعرِفَه. فقال: "آيةُ ما بَينَك وبَينَه أنَّك إذا رَأيتَه هِبتَه وفَرِقْتَ منه، ووَجَدْتَ له قُشَعْريرةً، وذَكَرْتَ الشَّيطانَ". قال عبد اللَّه: كنتُ لا أهابُ الرِّجالَ، فقلت: يا رسول اللَّه، ما فَرِقتُ من شيءٍ قطُّ. فقال: "بَلَى؛ آيةُ ما بَينَك وبَينَه ذلك: أن تَجِدَ له قُشَعْريرةً إذا رَأيتَه". قال: واستَأذَنتُ رسولَ اللَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أن أقولَ. فقال: "قُلْ ما بَدا لَكَ". وقال: "انتَسِبْ لخُزاعةَ". فأخَذتُ سَيفي ولم أزِدْ عليه وخرجتُ أعتَزي لخُزاعةَ حتى إذا كنتُ ببَطنِ عُرْنةَ لَقيتُه يمشي ووراءه الأحابيشُ. فلمَّا رَأيتُه هِبتُه وعَرَفتُه بالنَّعتِ الذي نَعَت لي رسولُ اللَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم. فقلتُ: صَدَقَ اللَّهُ ورسولُه، وقد دخل وقتُ العَصرِ حين رَأيتُه، فصَلَّيتُ وأنا أمشي أُومي برَأسي إيماءً. فلمَّا دَنَوتُ منه قال: "مَنِ الرَّجلُ؟". فقلتُ: "رجلٌ من خُزاعةَ سَمِعتُ بجَمعِكَ لمُحمَّدٍ فجِئتُكَ لأكونَ مَعَك عليه". قال: "أجلْ؛ إنِّي لَفي الجَمعِ له". فمَشَيتُ معه وحدَّثتُه فاستَحلَى حديثي وأنشَدتُه وقلتُ: "عَجَبًا لِمَا أحدَثَ مُحمَّدٌ مِن هذا الدِّينِ المُحدَثِ، فارَقَ الآباءَ وسَفَّه أحلامَهم". قال: "لم ألْقَ أحَدًا يُشبِهُني ولا يُحسِنُ قِتالَه". وهو يتوكَّأُ على عصًا يَهُدُّ الأرضَ، حتى انتَهَى إلى خِبائِه وتفرَّق عنه أصحابُه إلى منازِلَ قَريبةٍ منه، وهم يُطيفون به. فقال: هَلُمَّ يا أخا خُزاعةَ. فدَنَوتُ منه. فقال: اجلِسْ. فجَلَستُ معه حتى إذا هَدَأ الناسُ ونامَ اغتَرَرْتُه. وفي أكثرِ الرِّواياتِ أنه قال: فمَشَيتُ معه حتَّى إذا أمكَنني حَمَلتُ عليه السَّيفَ فقَتَلتُه وأخذتُ رأسَه. ثم أقبلتُ فصَعِدتُ جَبَلًا، فدَخَلتُ غارًا وأقبَلَ الطلبُ من الخيلِ والرجالِ تَمعَجُ في كلِّ وجهٍ وأنا مُكتَمِنٌ في الغارِ، وأقبل رجلٌ معه إداوَتُه ونعلُه في يدِهِ وكنتُ خائفًا، فوضع إداوَتَه ونعلَه وجلس يَبولُ قَريبًا من فَمِ الغارِ، ثم قال لأصحابِه: ليس في الغارِ أحدٌ، فانصَرَفوا راجِعين، وخرجتُ إلى الإداوةِ فشَرِبتُ ما فيها وأخذتُ النَّعلَين فلَبِستُهما. فكنتُ أسير الليلَ وأكمُنُ النهارَ حتى جِئتُ المدينة، فوَجَدتُ رسولَ اللَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في المسجد، فلمَّا رآني قال: "أفلَحَ الوَجهُ". فقلت: وأفلَحَ وَجهُكَ يا رسول اللَّه". فوَضَعتُ الرَّأسَ بين يَدَيه وأخبَرتُه خَبَري، فدَفَع إليَّ عصًا وقال: "تَخَصَّرْ بِها في الجَنَّةِ؛ فإنَّ المُتخَصِّرين في الجَنَّةِ قَليلٌ".
فكانتِ العصا عند عبدِ اللَّه بن أُنَيسٍ حتى إذا حضَرَته الوفاةُ أوصى أهلَه أن يُدرِجوا العصا في أكفانِه. ففَعَلوا ذلك. قال ابنُ عُقبةَ: "فيَزعُمون أنَّ رسولَ اللَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أخبَرَ بقتلِ عبدِ اللَّه بنِ أُنيسٍ سُفيانَ بنَ خالِدٍ قبلَ قُدومِ عبدِ اللَّه بنِ أُنَيسٍ رضي اللَّه تعالى عنه".

العام الهجري : 520 الشهر القمري : ذي الحجة العام الميلادي : 1127
تفاصيل الحدث:

لما وصل السلطان إلى بغداد في العشرين من ذي الحجة، ونزل بباب الشماسية، ودخل بعضُ عسكره إلى بغداد، ونزلوا في دُورِ الناس، شكا الناسُ ذلك إلى السلطان، فأمر بإخراجِهم، وبَقِيَ فيها مَن له دار، وبقي السلطانُ يراسل الخليفة بالعود، ويطلب الصلحَ، وهو يمتنِعُ، وكان يجري بين العسكرين مناوشة، والعامة من الجانب الغربي يسبون السلطانَ أفحش سَبٍّ. ثم إن جماعة من عسكر السلطان دخلوا دار الخلافة، ونهبوا التاج، وحُجَر الخليفة، أول المحرم، وضجَّ أهل بغداد من ذلك، فاجتمعوا ونادوا الغزاة، فأقبلوا من كلِّ ناحية، ولما رآهم الخليفة خرج من السرادق والشمسة على رأسه، والوزير بين يديه، وأمر بضربِ الكوسات والبوقات، ونادى بأعلى صوته: يا آلَ هاشم! وأمر بتقديم السفن، ونَصْب الجسر وعبرَ الناسُ دفعةً واحدة، وكان له في الدار ألفُ رجل مختفين في السراديب، فظهروا، وعسكرُ السلطانِ مُشتَغِلون بالنهب، فأسر منهم جماعة من الأمراء، ثم عبر الخليفةُ إلى الجانب الشرقي، ومعه ثلاثون ألف مقاتل من أهل بغداد والسواد، وأمر بحفر الخنادق، فحُفِرت بالليل، وحفظوا بغداد من عسكر السلطان، ووقع الغلاءُ عند العسكر، واشتدَّ الأمر عليهم، وكان القتالُ كلَّ يوم عليهم عند أبواب البلدِ وعلى شاطئ دجلة، وعزم عسكر الخليفة على أن يكبِسوا عسكر السلطان، فغدر بهم الأميرُ أبو الهيجاء الكردي، صاحب إربل، وخرج كأنَّه يريد القتال، فالتحق هو وعسكرُه بالسلطان. وقَدِمَ عماد الدين زنكي بقواتٍ ضخمة نجدةً للسلطان فأجاب المسترشد بالله للصُّلحِ.

العام الهجري : 812 الشهر القمري : محرم العام الميلادي : 1409
تفاصيل الحدث:

أفرج الأمير شيخ المحمودي نائب الشام عن الأمير سودن تلي الحمدي، والأمير طوخ، والأمير سودن اليوسفي، وهم الذين طلبهم السلطان، فامتنع من إرسالهم إليه حتى غضب، وسار من مصر إلى دمشق ليأخُذَ الأمير شيخ، ثم أظهر شيخ ما في نفسه، وصرح بالخروج عن طاعة السلطان، وأخذ في الاستعداد، وطلب الأمراء الذين أفرج عنهم إليه بالمرج، في ليلة الثامن والعشرين من المحرم واستدعى قضاة دمشق وفقهاءها، وتحدث معهم بحضرة الأمراء بجواز محاربة السلطان، فأفتاه شهاب الدين أحمد بن الحسباني بما وافق غرَضَه، ثم في شهر صفر أوله السبت في ليلة السبت نزل السلطان باللجون، فشاع بين العسكر تنكُّر قلوب المماليك الظاهرية على السلطان، وتحدثوا بإثارة فتنة لتقديمه مماليكه الجلب -هكذا يُعرَفون- عليهم، واختصاصه بهم، وكثرة عطائه لهم، فلما أصبح السلطان رحل ونزل بيسان من آخره، فما هو إلا أن غربت الشمس، واشتد اضطراب الناس، وكثر قلق السلطان وخوفُه طول الليل إلى أن طلع الفجر، فرحل إلى جهة دمشق، وفي ليلة الخميس سادسه نزل السلطان الكسوة، ففر الأمير علان وجماعة من المماليك إلى جهة الأمير شيخ، فركب السلطان بكرة يوم الخميس ودخل دمشق، وفي ثاني ربيع الأول سارت أطلاب السلطان والأمراء من دمشق إلى الكسوة، وتبعهم السلطان بعساكره، وعليهم آلة الحرب، فبات بالكسوة، وأصبح راحلًا إلى جهة الأمير شيخ، وسار بكرة يوم الثلاثاء، فمر بالصنمين، ونزل من آخره برأس الماء على بريد من الصنمين، وبات فقَدِمَ الخبر بالتقاء كشافة السلطان بكشافة الأمير شيخ، وأسْرِهم رجلًا من الشيخية، وسار السلطان بكرةَ يوم الأربعاء إلى قرية الحراك، فنزل نصف النهار ثم رحل رحيلًا مزعجًا، ظنَّ الناس أن العدو قد طرقهم، فجدَّ في مسيره ونزل عند الغروب بكرك البثنية من حوران، وفي يوم الخميس سار السلطان إلى أن نزل ظاهر مدينة بصرى، فتحقق هناك خبر الأمير شيخ، وأنه في عصر يوم الأربعاء الماضي بلغه أن السلطان قد سار في إثره، فرحل فَزِعًا يريد صرخد، فأقام السلطان على بصرى إلى بكرة السبت، وقَدِمَ عليه ببصرى من الشيخية الأمير برسباي والأمير سودن اليوسفي، فكتب بذلك إلى دمشق، ثم سار ونزل بقرية عيون -تجاه صرخد- فكانت حرب بين أصحابه وبين الشيخية، قُتِل فيها فارسان من الشيخية، وجرح من السلطانية جماعة، ففرَّ منهم جماعة إلى الأمير شيخ، فلَحِقوا به، وكثر تخوُّف السلطان من أمرائه ومماليكه، وبلغه أنهم عوَّلوا على أنه إذا وقع مصاف الحرب، تركوه ومضوا إلى الأمير شيخ، فبات ليلته مستعدًّا لأن يُؤخَذ، ودبَّر أمرًا كان فيه نجاتُه، وسار بهم فلم يفجأ القوم إلا وقد طلع عليهم من ثنية هناك، وقد عبأ الأمير شيخ أصحابه، فأوقف المصريين ناحية، وقدم عليهم الأمير تمراز الناصري نائب السلطة، ووقف في ثقاته -وهم نحو الخمسمائة فارس- وحطم عليهم السلطان بنفسه ومن معه، فانهزم تمراز بمن معه من أول وهلة، وثبت الأميرُ شيخ فيمن معه، فكانت بينهم معارك صدرًا من النهار، وأصحاب الأمير شيخ تنسَلُّ منه، وهو يتأخر إلى جهة القلعة، وكانت الحرب بين جدران مدينة صرخد، فولى السلطان وطاق الشيخية، وانتهب أصحابه جميع ما كان فيه من خيل وجِمال، وثياب وأثاث، وخيام وآلات، وغيرها، فحازوا شيئًا كثيرًا، واستولى السلطان على جامع صرخد، وأصعده أصحابَه، فرَمَوا من أعلى المنارة بمكاحل النفط والأسهم الخطالية على الأمير شيخ، وحمل السلطان عليه حملة واحدة منكرة، فانهزم أصحاب شيخ، والتجأ في نحو العشرين إلى قلعة صرخد، وكانت خلف ظهره، وقد أعدها لذلك، فتسارع إليه عدة من أصحابه، وتمزَّق باقيهم، فأحاط السلطان بالمدينة، ونزل على القلعة، فأتاه الأمراء فهَنَّؤوه بالظفر، وامتدت الأيدي إلى صرخد، فما تركوا بها لأهلها جليلًا ولا حقيرًا، حتى أخذوه نهبًا وغصبًا، فامتلأت الأيدي مما لا يدخل تحت حصر، ولم يزل السلطان على قلعة صرخد يرميها بالمدافع والسهام، ويقاتل من بها ثلاثة أيام بلياليها، حتى أحرق جسر القلعة، فامتنع الأمير شيخ ومن معه بداخلها، وركبوا أسوارها، فأنزل السلطان الأمراء حول القلعة، وألزم كل أمير بقتال جهة من جهاتها، واستدعى المدافع ومكاحل النفط من الصبيبة وصفد ودمشق، ونَصَبها حول القلعة، وتمادى الحصر ليلًا ونهارًا، حتى قدم المنجنيق من دمشق على مائتي جمل، فلما تكامل نَصبُه ولم يبقَ إلا أن يرمي بحجره ترامى الأمير شيخ ومن معه من الأمراء على الأمير الكبير تغري بردي الأتابك، وألقوا إليه ورقة في سهم من القلعة، يسألونه فيها الوساطة بينهم وبين السلطان، فما زال حتى بعثه السلطان إليهم، فصعد إلى القلعة ومعه الخليفة وكاتب السر فتح الله، وجماعة من ثقات السلطان، في يوم السبت الثامن والعشرين، فجلسوا على شفير الخندق، وخرج الأمير شيخ، وجلس بداخل باب القلعة، ووقف أصحابه على رأسه، وفوق سور القلعة، وتولى كاتب السر محادثة الأمير شيخ، فطال الخطب بينهما، واتسع مجال الكلام؛ فتارة يعظه، وأخرى يؤنِّبه ويوبِّخُه، وآونة يعدِّدُ بالله على السلطان من جميل الأيادي وعوائد النصر على أعدائه، ويخوِّفه عاقبة البغي، وفي كل ذلك يعتذر الأمير شيخ، ثم انصرفوا على أن الأمير شيخ لا يقابل السلطان أبدًا خوفًا من سوء ما اجترمه، وقبيح ما فعله، فأبى السلطان إلا أن ينزل إليه، وأعاد الأمير تغري بردي وفتح الله فقط، بعدما ألح تغري بردي على السلطان في سؤاله العفو، فأحلف الأمير شيخ، وأخذ منه الأمير كمشبغا الجمالي وأسنبغا، بعدما خلع عليهما، وأدلاهما بحبال من سور القلعة، ثم أرخى أيضًا ابنه ليبعث به إلى السلطان، فصاح الصغير وبكى من شدة خوفِه، فرحمه من حضر، وما زالوا به حتى نشله، وتصايح الفريقان من أعلى القلعة، وفي جميع خيم العسكر، فرحًا وسرورًا بوقوع الصلح، وذلك أن أهل القلعة كانوا قد أشفَوا على الأخذ لقلة زادهم ومائهم، وخوفًا من حجارة المنجنيق، فإنها كانت تدمرهم تدميرًا، لو رمى بها عليهم، وأما العسكر فإنهم كانوا طول إقامتهم يسرحون كل يوم، فينهبون القرى نهبًا قبيحًا، ويأخذون ما يجدونه من الغلال والأغنام وآلات النساء، ويعاقبون من ظفروا به حتى يُطلِعَهم على ما عنده من علف الدواب وغيره، وفيهم من يتعرَّض للحريم فيأتون من القبائح بما يشنع ذكره، وهذا وهم في خصاصة من العيشِ، وقلة من المأكل، وكادت بركة صرخد أن يُنزح ماؤها، ومع ذلك فإن أصحاب السلطان معظمهم غير مناصِح له، لا يريدون أن يظفر بالأمير شيخ خشية أن يتفرغ منه لهم؛ فلهذا حسن موقع الصلح من الطائفتين، وبات العسكر على رحيل، وأصبحوا يوم الأحد، فركب الأمير تغري بردي، وكاتب السر فتح الله، والأمير جمال الدين، ومعظم الأمراء، فصعدوا إلى قلعة صرخد، وجلسوا على شفير خندقها فخرج الأمير شيخ وجلس بداخل باب القلعة، ووقف من معه على رأسه، ومن فوق السور، وأحلف فتح الله من بقي مع الأمير شيخ المحمودي من الأمراء للسلطان، وهم: جانم نائب حماة، وقرقماس ابن أخي دمرداش نائب صفد، وتمراز الأعور، وأفرج الأمير شيخ عن يحيي بن لاقي وتجار دمشق، وغيرهم ممن كان مسجونًا معه، وبعث للسلطان تقدمة فيها عدة مماليك، وتقرر الحال على مسير الأمير شيخ نائبًا بطرابلس، وأن يلبس التشريف السلطاني إذا رحل السلطان، فلما عادوا إلى السلطان رحل من صرخد، وقد رحل أكثر المماليك من الليل، فسار في قليل من ثقاته، وترك عدة من الأمراء على صرخد، وأنفق فيهم خمسة وعشرين ألف دينار وستين ألف درهم فضة، خارجًا عن الغنم والشعير، ونزل زرع فبات بها، ثم في شهر جمادى الأولى في ثالثه: قرئ بدمشق كتاب السلطان بأنه قد ولى الأمير شيخ نيابة طرابلس، فإن قصد دمشق فدافعوه عنها وقاتلوه، وكان الأمير شيخ قد قصد دمشق، وكتب إلى الأمير بكتمر جلق بأنه يريد دخول دمشق، ليقضيَ بها أشغاله ويرحل إلى طرابلس، فكثر تخيُّل السلطان من دخوله إليها، وفي ليلة الجمعة عاشره نزل الأمير شيخ على شقحب، وكان الأمير بكتمر قد خرج إلى لقائه بعسكر دمشق، ونزل قبة يلبغا، ثم ركب ليلًا يريد كبس الأمير شيخ، فلقي كشافته عند خان ابن ذي النون، فواقعه فبلغ ذلك الخبر شيخًا، فركب وأتاه، فلم يثبت بكتمر، وانهزم وأتى الأمير شيخ فنزل بمن معه قبة يلبغا، ودخل بكرة يوم الجمعة إلى دمشق، ونزل بدار السعادة من غير ممانع، ثم تغلب على دمشق بدل نائبها نوروز الحافظي الذي لم يستطع دخول دمشق؛ لمكان شيخ فيها، بل ظل محصورًا في حماة مع نائبها.

العام الهجري : 941 العام الميلادي : 1534
تفاصيل الحدث:

كانت المرحلة الثانية بالنسبة لخير الدين بربروسا بعد هجومه على السواحل الجنوبية لإيطاليا وجزيرة صقلية هي تونس؛ وذلك لتنفيذ خطة الدولة العثمانية، والتي تقتضي تطهير شمال إفريقيا من الإسبان كمقدمة لاستعادة الأندلس، وصل الأسطول العثماني تحت قيادة خير الدين إلى السواحل التونسية، فعرج على مدينة عنابة، وتزوَّد ببعض الإمدادات، ثم تقدَّم نحو بنزرت، ثم اتجه إلى حلق الواد؛ إذ تمكَّن منها بدون صعوبة، واستُقبِل خيرُ الدين من قِبَل الخطباء والعلماء، وأكرموه وتوجَّهوا إلى تونس في نفس الوقت، وهرب السلطان الحفصي الحسن بن محمد إلى إسبانيا، ثم عيَّن خير الدين الرشيد أخا الحسن بن محمد على تونس، وأعلن ضمَّ تونس للأملاك العثمانية، في وقتٍ بدت فيه سيادةُ العثمانيين بالظهور في حوض البحر المتوسط الغربي.

العام الهجري : 888 الشهر القمري : محرم العام الميلادي : 1483
تفاصيل الحدث:

حصل على الحجيج في وقت رجوعهم للأحساء مشقة عظيمة، لم يُعهَدْ مِثلُها؛ وذلك بسبب الثلج الذي نزل عليهم، وقُتِلَ به خلق كثير وجِمال، وذهب للناس أموال لا تعَدُّ ولا تحصى.

العام الهجري : 1206 الشهر القمري : شوال العام الميلادي : 1792
تفاصيل الحدث:

هو شيخُ الإسلامِ الإمامُ المجَدِّد محمد بن عبد الوهاب ابنُ الفقيه العالم سليمان بن علي بن محمد بن أحمد بن راشد التميمي النجدي، ولِدَ في العُيينة بنجد سنة 1115ونشأ فيها، تربَّى في حجر أبيه الفقيه الحنبلي، ثم انتقل للحَجِّ والدراسة في الحجازِ، ثمَّ درس في البصرة وبغداد والأحساء، تأثَّرَ بكتب شيخ الإسلام ابن تيمية ودعوتِه، وخاصَّةً فكرة محاربة البدع والمعتقدات الشركية التي كانت منتشرةً بكثرةٍ في نجد وغيرها, وقد ساعده على تحقيقِ محاربةِ البِدَع والشركيات تحالُفُه مع محمد بن سعود، فكان مجدِّدًا للدعوة السَّلفية في نجد، يصِفُ ابنُ بشرٍ شَيئًا من سيرة الشيخ فيقول: "كان- رحمه الله- كثيرَ الذكر لله، قلَّما يفتُرُ لسانُه من قول: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر. وكان إذا جلس الناس ينتظرونَه يعلَمون إقباله إليهم قبل أن يَرَوه من كثرة لهجِه بالتسبيح والتحميد والتهليل والتكبير، وكان عطاؤه عطاءَ مَن وَثق بالله عن الفَقرِ، بحيث يهَبُ الزكاة والغنيمة في مكانٍ واحدٍ ولا يقومُ ومعه منها شيءٌ، ويتحمَّلُ الدَّين الكثير لأضيافِه وسائليه والوافدين عليه, وعليه الهَيبةُ العظيمة التي ما سَمِعْنا بها اتَّفَقت لغيره من الرؤساءِ وغيرِهم، وهذا شيءٌ وضعه الله له في القلوبِ، وإلا فما علمنا أحدًا ألين وأخفَضَ منه جانبًا لطالب العلم أو سائل حاجة أو مقتَبِس فائدة، وكان له مجالِسُ عديدة في التدريس كلَّ يومٍ وكُلَّ وقت: في التوحيد والتفسير، والفقه وغيره، وانتفع الناسُ بعلمِه، وكان من بيت علمٍ في آبائه وأعمامِه وبني أعمامه، واتصلَ العلمُ في بنيه وبني بنيه. كان سليمانُ بن علي جدُّه عالمَ نجد في زمانِه، وله اليد الطولى في العلمِ، وانتهت إليه الرئاسةُ فيه في نجدٍ، وضُرِبَت له آباط الإبل، وصَنَّف وأفتى.... أما والده عبد الوهاب فكان عالِمًا فقيهًا قاضيًا في بلد العُيينة، ثم في بلد حريملاء... وأما أخوه سليمان بن عبد الوهاب، فله معرفةٌ في الفقهِ، وكان قاضيًا في بلد حريملاء.... وأما محمد: فهو شَيخُ الإسلامِ والبحرُ الهُمام الذي عَمَّت بركةُ علمه الأنام، فنصر السُّنَّة وعَظُمت به من اللهِ المِنَّة بعد أن كان الإسلام غريبًا، فقام بهذا الدين ولم يكن في البلد إلا اسمُه, فانتشر في الآفاقِ، وكُلُّ أمرٍ أخَذَ منه حظَّه وقَسمَه، وبعث العمَّالَ لقبض الزكواتِ وخَرْص الثمار من البادي والحاضر بعد أن كانوا قبل سنوات يُسَمَّون عند الناس مُكاسًا وعُشَّارًا, ونُشرت راية الجهاد بعد أن كانت فِتَنًا وقتالًا, وعرف التوحيدَ الصغيرُ والكبيرُ بعد أن كان لا يعرفُه إلا الخواصُّ, واجتمع الناسُ على الصلوات والدروس والسؤال عن معنى لا إله إلا الله, وفِقْه معناه، والسؤال عن أركان الإسلام، وشروط الصلاة وأركانها وواجباتها، ومعاني قراءتها وأذكارها, فتعلم ذلك الصغيرُ والكبير والقارئ والأمي بعد أن كان لا يعرِفُه إلا الخصائص, وانتفع بعلمه أهل الآفاق؛ لأنهم يسألون عما يأمُرُ به الشيخُ وينهى عنه, فيقال لهم يأمرُ بالتوحيد وينهى عن الشرك, ويقال لهم: إنَّ أهل نجد يمقتونكم بالإشراكِ مع الله في عبادتِه... فانتهى أناسٌ كثير من أهل الآفاق بسبب ما سمعوه من أوامِرِه ونواهيه, وهدَمَ المسلمون ببركةِ عِلمِه جميعَ القباب والمشاهِد التي بُنِيت على القبور وغيرِها من جميع المواضِعِ المضاهية لأوثان المشركينَ في الأقطارِ مِن الحَرَمين واليمن وتهامة وعمان والأحساء ونجد، وغير ذلك من البلاد.. ثم قال ابن بشر بعد أن سرد جملة من آثاره وفضائله رحمه الله: ولو بسطتُ القول فيها واستقصيتُها لاتسع لأسفارٍ، ولكن هذه قطرة من بعض فضائله على وجه الاختصارِ، وكفى بفضلِه شرفًا ما حصل بسببه من إزالة البِدَع واجتماع المسلمين وإقامة الجَماعات والجُمَع وتجديد الدين بعد دروسِه، وقلع أصولِ الشِّرك بعد غروسِه, وكان- رحمه الله- هو الذي يجهِّز الجيوشَ ويبعَثُ السرايا على يد محمد بن سعود، ويكاتِبُ أهل البلدان ويكاتبونَه، والوفود إليهما والضيوفُ عنده, وصدورُ الأوامر من عندِه حتى أذعن أهلُ نجد وتابعوا على العمَلِ بالحَقِّ والأمر بالمعروف والنهي عن المنكرِ، وبايعوا فعَمَرت نجد بعد خرابِها وصَلَحت بعد فسادِها, واجتمعت بعد افتراقِها، وحُقِنت الدماء بعد إهراقِها، ونال الفخرَ والفضل والمُلك مَن نصَرَه وآواه " ومن أبرز مشايخ الإمام المجدِّد الذين نهل منهم عِلمَه: والده عبد الوهاب، والشيخ محمد حياة السندي المدني، والشيخ عبد الله بن سيف النجدي. وأبناءُ الشيخ الأربعة عُلماء وقضاة، جمعوا أنواع العلومِ الشرعية، وهم: حسين، وعبد الله، وعلي، وإبراهيم. لهم مجالسُ علم من أهل الدرعية ومِن أهل الآفاقِ: اليمن وعمان ونواحي نجد, وأبناء هؤلاء الأربعة عُلماء وقضاة, وقد اشتهر الشيخُ بمؤلَّفاته التي يُبَيِّن فيها التوحيدَ الصافيَ، ومنها: كتاب التوحيد، وكشف الشبهات، والأصول الثلاثة، والرد على الرافضة، ومختصر السيرة النبوية، ومختصر زاد المعاد، والقواعد الأربعة، وغيرها من الكتب. توفِّيَ الشيخ محمد في العُيينة بالقرب من الرياض عن عمر 92 سنة, وكان قد بدأه المرضُ في شوال من هذه السنة، وتوفي يوم الاثنين آخر شهر شوال- رحمه الله تعالى.

العام الهجري : 742 الشهر القمري : صفر العام الميلادي : 1341
تفاصيل الحدث:

هو الشيخُ الإمامُ العلَّامة الحافِظُ حُجَّة العصرِ، ومحَدِّثُ الشام ومصر وخاتمةُ الحُفَّاظ جمال الدين أبو الحجاج يوسف بن الزكي عبد الرحمن بن يوسف بن علي بن عبد الملك بن أبي الزهر القضاعي الكلبي المزِّي الحلبي المولد، وُلِدَ بظاهر حَلَب في عاشر ربيع الآخر سنة 654، وكان إمامَ عَصرِه وأحَدَ الحُفَّاظ المشهورين، نشأ بالمزَّة بالقُربِ مِن دمشق, فحَفِظَ القرآن الكريم وعُنِيَ باللغةِ وبَرَع فيها وأتقَنَ النحو والتصريف، ثمَّ طلب الحديث سنة 675، فما ونى وما فَتَر ولا لها ولا قَصَّر، في الطلب والاجتهاد والرواية, وصَنَّف وأفاد، وكتب الكثير، لَمَّا وَلِيَ دار الحديث الأشرفي تمذهَبَ للشافعيِّ وأُشهِدَ عليه بذلك. وكان فيه حياءٌ وسكينة، وحِلمٌ واحتمال وقناعة، واطِّراحُ تكَلُّف وتَركُ التجَمُّل والتودُّد والانجماع عن الناسِ وقلة الكلام، إلا أنَّه يُسأل فيُجيب ويجيد، وكلَّما طالت مجالسةُ الطالب له ظهر له فضلُه. وكان لا يتكَثَّر بفضائله، كثيرَ السكوت لا يغتابُ أحدًا. وكان معتَدِلَ القامة مُشرَبًا بحُمرةٍ، قَوِيَّ التركيب مُتِّعَ بحواسِّه وذهنه. وكان قَنوعًا غيرَ متأنقٍ في ملبَسٍ أو مأكلٍ، يصعَدُ إلى الصالحية وغيرها ماشيًا وهو في عشر التسعينَ, وأما معرفته بالرجال فإليه تُشَدُّ الرِّحال؛ فإنه كان الغاية وحامِلَ الراية. ولما ولي دارَ الحديث قال الشيخ تقي الدين ابن تيمية: "لم يَلِ هذه المدرسةَ مِن حين بنائِها وإلى الآن أحَقُّ منه بشرطِ الواقِفِ، وقد وَلِيَها جماعة كبار مثل: ابن الصلاح، ومحيي الدين النواوي، وابن الزبيدي، لأنَّ الواقِفَ قال: فإن اجتمَعَ مَن فيه الروايةُ ومن فيه الدرايةُ قُدِّمَ مَن فيه الدرايةُ؛ قال الشيخ شمس الدين: لم أرَ أحفَظَ منه، ولم يَرَ هو مثلَ نَفسِه, ولم يسألْني ابن دقيق العيد إلَّا عنه. وكان قد اغتَرَّ في شبيبته وصَحِبَ عفيف الدين التلمساني، فلما تبيَّنَ له مذهبُه هَجَره وتبرَّأ منه, ثم قال الشيخ شمس الدين: قرأت بخطِّ الحافظ فتح الدين ابن سيد الناس: ووجدت بدمشقَ الحافِظَ المقَدَّم، والإمامَ الذي فاق من تأخَّر وتقدم، أبا الحجَّاج المزِّيَّ؛ بحرَ هذا العلم الزاخر، القائِلَ من رآه: كم ترك الأوائِلُ للأواخِر، أحفَظَ النَّاسِ للتراجم، وأعلَمَهم بالرواة من أعارِبَ وأعاجم، لا يخصُّ بمعرفته مصرًا دون مصر، ولا ينفَردُ علمُه بأهل عصر دون عصر، معتمدًا آثارَ السلف الصالح، مجتهدًا فيما نِيطَ به في حفظ السنة من النصائح، مُعرِضًا عن الدنيا وأشباهِها، مُقبِلًا على طريقته التي أربى بها على أربابها، لا يبالي بما ناله من الأزل، ولا يخلط جِدَّه بشَيءٍ مِن الهَزل، وكان بما يصنعه بصيرًا، وبتحقيق ما يأتيه جديرًا، وهو في اللغة إمام، وله بالقريض إلمام". من أهم مُصَنَّفاتِه تهذيب الكمال في أسماء الرجال في أربعة عشر مجلدًا، كشَفَ به الكتب القديمة في هذا الشأن، وسارت به الرُّكبان، واشتهر في حياته، وهو كتابٌ نافِعٌ جدًّا ليس له نظيرٌ في فنه، وألف كتاب " أطراف الكُتُب الستة " في تسعة أسفار, وكان سبَبُ موته هو أنه أصابه طاعون فمَرِضَ عِدَّة أيام حتى إذا كان يوم السبت من الثاني عشر من صفر توفِّيَ بعد صلاة الظهر، فلم يمكن تجهيزُه تلك الليلة، فلما كان من الغدِ يومَ الأحد ثالث عشر صفر صبيحة ذلك اليوم، غُسِّلَ وكُفِّنَ وصُلِّيَ عليه بالجامع الأموي، وحضر القضاةُ والأعيان وخلائِقُ لا يُحصَونَ كثرةً، وخرج بجنازته من باب النصر فصَلَّوا عليه خارج باب النصر، أمَّهم عليه القاضي تقي الدين السبكي الشافعي، وهو الذي صلى عليه بالجامِعِ الأموي، ثم ذهب به إلى مقابر الصوفية، فدفن هناك إلى جانب زوجتِه المرأةِ الصالحة الحافظةِ لكتاب الله: عائشةَ بنتِ إبراهيم بن صديق، غربيَّ قَبرِ شَيخِ الإسلام تقي الدين بن تيمية- رحمهم الله أجمعين.

العام الهجري : 747 الشهر القمري : جمادى الآخرة العام الميلادي : 1346
تفاصيل الحدث:

إنَّ الأمراءَ كُلَّهم تنكَّروا للسلطان الملك الكامل شعبان لِما ظهر منه من أمورٍ استوجَبَت بُغضَهم له، فألحَّ السلطان في طَلَبِ أخويه المسجونَينِ حسن وحاجي، ثم حصلت بذلك فِتنةٌ وآلت إلى الحرب بين الأمراء، وطَلَب السلطانُ الأميرَ أرغون العلائي واستشاره، فأشار عليه بأن يركَبَ بنَفسِه إليهم، فركِبَ ومعه الأمير أرغون العلائي وقطلوبغا الكركي وتمر الموساوي، وعِدَّة من المماليك، وأمر السلطانُ فدُقَّت الكوسات حربيًّا، ودارت النقباءُ على أجناد الحلقة والمماليك ليركبوا، فركب بعضُهم وسار السلطانُ في ألف فارس حتى قابَلَ الأمراء، فانسَلَّ عنه أصحابُه، وبَقِيَ في أربعمائة فارس، فبَرَز له آقسنقر ووقف معه، وأشار عليه أن ينخَلِعَ من السلطنةِ، فأجابه إلى ذلك وبكى، فتركه آقسنقر وعاد إلى الأمراء، وعَرَّفَهم ذلك، فلم يَرْضَ أرغون شاه، وبدَرَ ومعه قرابغا وصمغار وبزلار وغرلو في أصحابِهم حتى وصلوا إلى السلطان، وسَيَّروا إلى الأمير أرغون العلائي أن يأتيَهم؛ ليأخذوه إلى عند الأمراء، فلم يوافِقِ الأميرُ أرغون العلائي على ذلك، فهَجَموا عليه، وفَرَّقوا من معه، وضربوه بدبوس حتى سَقَط إلى الأرص، فضربه يلبغا أروس بسيف قطَعَ خَدَّه، وأُخِذَ أسيرًا، فسُجِنَ في خزانة شمايل، وفَرَّ السلطان الكامل شعبان إلى القلعة، واختفى عند أمِّه زوجة الأمير أرغون العلائي، وسار الأمراءُ إلى القلعة، وأخرجوا أميرَ حاجي وأمير حسين من سجنِهما، وقَبَّلوا يدَ حاجي، وخاطبوه بالسلطنة، ثم طلبوا الكامِلَ شعبان وسَجَنوه، حيث كان أخواه مَسجونَينِ، ثمَّ قُتِلَ شعبان في يوم الأربعاء وقتَ الظهر، ودُفِنَ عند أخيه يوسف ليلة الخميس فكانت مدة حكمه سنة وثمانية وخمسين يومًا، وجلس حاجي على سريرِ الملك، في يوم الاثنين مستهَلَّ جمادى الآخرة، ولُقِّبَ حاجي بالمَلِك المظَفَّر، وله مِن العمر خمس عشرة سنة، وقَبَّل الأمراءُ الأرض بين يديه، وحَلَف لهم أولًا أنَّه لا يؤذي أحدًا منهم، ولا يخَرِّبُ بَيتَ أحدٍ، وحلفوا له على طاعتِه، وركب الأميرُ بيغرا البريد ليبشِّرَ الأمير يلبغا اليحياوي نائِبَ الشام، ويحَلِّفَه وأمراءَ الشام.