جهَّز محمد علي باشا صاحِبُ مِصرَ العساكِرَ الكثيفةَ مِن مصر والروم والشام والعراق إلى نجدٍ مع ابنه إبراهيم باشا، فسار إلى المدينة وضبط نواحيَها، ثم سار إلى الحناكية وأقام فيها، وأكثَرَ الغاراتِ على ما حولها من العُربان، وأخذ أموالًا وقتل رجالًا، فاجتمع عليه كثير من تلك النواحي من حرب ومطير وغيرهم وعتيبة ومن عنزة الدهامشة
قامت بريطانيا بعزل الخديوي عباس حلمي عن عرش مصر، وتعيين عمه "حسين كامل" وأطلقت عليه لقب سلطان؛ نكاية بالسلطان العثماني، وذلك بعد قرارها بإعلان الحماية على مصر. وكان ذلك الإجراءُ في إطار سياسة بريطانيا الرامية إلى عزل مصر عن الدولة العثمانية التي كانت قد دخلت الحربَ العالمية الأولى ضدَّ إنجلترا ودول الحلفاء.
كان الباعث لهذه الفتنة وخلع المؤيَّد أنه لما تسلطن لم يحرك ساكنًا ولم يتغير أحدٌ مما كان عليه، فشقَّ ذلك على الظاهريَّة، وقال كل منهم في نفسه: كأن الملك الأشرف إينال ما مات، فإن الغالبَ كلٌّ منهم كان أخذ ما بيده من الإقطاعات، وحبس ونفى في أوَّل سلطنة الأشرف إينال، كما هي عادة أوائل الدُّول، وبقى منهم جماعة كثيرة بلا رزق ولا إمرة ولم يجدوا عندهم قوةً ليخلعوا الملك المؤيد هذا ويسلطنوا غيره وحدهم، فكلَّموا الأشرفيَّة في هذا المعنى غير مرَّة، وترققوا لهم، فلم يقبلوا منهم ذلك؛ لنفرةٍ كانت بين الطائفتين قديمًا وحديثًا، وأيضا فلسان حال الأشرفية: نحن الآن في كفاية من الأرزاق والوظائف، فعلام نحرك ساكنًا، ونخاطر بأنفسنا؟ فعجز فيهم الظاهرية وقد ثقُل عليهم الملك المؤيَّد، وكثر خوفُهم منه، فإنه أوَّل ما تسلطن أبرق وأرعد، فانخزى كل أحد، قال ابن تغري بردي: "كان دخول المؤيد السلطنة بحرمة وافرة؛ لأن سنَّه كان نحو الثلاثين سنة يوم تسلطن، وكان قد ولِّيَ الأتابكية في أيَّام أبيه، وأخذ وأعطى، وسافر أميرَ حاجِّ المحمل، وحجَّ قبل ذلك أيضًا وسافر البلاد، ومارس الأمورَ في حياة والده وهذا كلُّه بخلاف من تقدَّمه من سلاطين أولاد الملوك؛ فإن الغالب منهم حدث السِّنِّ يريد له من يدبِّرُه، فإنه ما يعرف ما يرادُ منه، فيصير في حكم غيرِه من الأمراء فتتعلَّق الآمالُ بذلك الأمير، وتتردَّد الناسُ إليه، إلى أن يدبِّر في سلطنة نفسه، بخلاف المؤيَّد هذ؛ فإنَّه ولِيَ السلطنة وهو يقول في نفسه: إنه يدبِّرُ مع مملكة مصر ممالكَ العجم زيادةً على تدبير مصرَ! قلت: وكان كما زعم؛ فإنه كان عارفًا عاقلًا مباشرًا، حسن التدبير، عظيمَ التنفيذ شهمًا، وكان هو المتصرفَ في الأمور أيَّام أبيه في غالب الولايات والعَزلِ وأمور المملكة، فلما تسلطن ظنَّ كل أحد أنْ لا سبيل في دخول المكيدة على مثل هذا؛ لمعرفة الناس بحذقه وفطنته, وكان مع هذه الأوصاف مليح الشكل، وعنده تؤدة في كلامه، وعقل وسكوت خارج عن الحد، يؤديه ذلك إلى التكبُّر، وهذا كان أعظم الأسباب لنفور خواطر الناس عنه؛ فإنه كان في أيام سلطنته لا يتكلَّمُ مع أحد حتى ولا أكابر الأمراء إلا نادرًا، ولأمر من الأمور الضروريات، وفعل ذلك مع الكبير والصغير، وما كفى هذا حتى صار يبلُغُ الأمراءَ أنَّه في خلوته يسامِرُ الأطرافَ الأوباشَ الذين يُستحيا من تسميتهم، فعظم ذلك على الناس، فلما وقع ذلك وجد من عنده حقدٌ فرصةً، وأشاع عنه هذا المعنى وأمثاله، وبشَّع في العبارة وشنَّع، وقال هذا وغيره: إنَّه لا يلتفت إلى المماليك ويزدريهم، وهو مستعزٌّ بمماليك أبيه الأجلاب وأصهاره وحواشيه وخشداشية أبيه- زملاء مهنته-وبالمال الذي خلَّفه أبوه، ومنهم من قال أيضًا: إنما هو مستعزٌّ بحسن تدبيره، فإنه قد عبَّأ لكل سؤال جوابًا، ولكل حرب ضربًا، وكان مع هذا قد قمع مباشري الدولة وأبادهم، وضيَّق عليهم، ودقَّق في حسابهم كما هو في الخاطر وزيادة، فما أحسن هذا لو كان دام واستمر, فنفرت قلوب المباشرين منه، وأخذ أمره في إدبار؛ لعدم مثابرته على سير طريقه الأوَّل من سلطنته، فلو جَسَر لكَسَر، لكنه هاب فخاب" فلما كان آخرُ يوم الجمعة السابع عشر رمضان رسم السلطان الملك المؤيد أحمد لنقيب الجيش الأمير ناصر الدين محمد بن أبي الفرج أن يدور على الأمراء مقدَّمي الألوف، ويُعلمَهم أن السلطان رسم بطلوعهم من الغد في يوم السبت إلى الحوش السلطاني من قلعة الجبل بغير قماش الموكب، ولم يعلِمْهم لأيِّ معنى يكون طلوعهم واجتماعهم في هذا اليوم بالقلعة، وهو غيرُ العادة، وأخذ الأمراء من هذا الأمر أمرٌ مريج، وخلا كل واحد بمن يثق به، وعرفه الخبر، وهو لا يشكُّ أن السلطان يريد القبضَ عليه من الغد، ووجد لذلك من كان عنده كمينٌ من الملك المؤيد أو يريد إثارةَ فتنة فرصةً، وحرَّض بعضهم بعضًا، إلى أن ثارت المماليك الظاهرية في تلك الليلة، وداروا على رفقتهم وإخوانهم وعلى من له غرضٌ في القيام على الملك المؤيد، وداموا على ذلك ليلتَهم كلها، فلما كان صبح نهار السبت تفرَّقوا على أكابر الدولة والأمراء في بيت الأتابك خشقدم لعمل المصلحة، وقد اجتمعت طوائفُ المماليك والجميع في بيت الأمير الكبير، ولم يطلع إلى القلعة في هذا اليوم أحدٌ من الأمراء والأعيان إلا جماعة يسيرة جدًّا، فلما تكامل جمعهم في بيت الأمير الكبير وصاروا على كلمة واحدة؛ على خلع الملك المؤيَّد أحمد من السلطنة، وسلطنة غيره، وتكلموا فيمن يولونه السلطنة, فأجمع رأي الجميع على سلطنة أحد من أعيان الأمراء، ثم تكلموا فيمن يكون هذا السلطان، فقال جانبك: الرأي عندي سلطنةُ الأمير الكبير خشقدم المؤيدي؛ فإنه من غير الجنس يعني كونه روميَّ الجنس وأيضًا إنه رجل غريبٌ ليس له شوكة، ومتى أردتم خلعَه أمكنكم ذلك، وحصل لكم ما تقصدونه من غير تعب، فأعجب الجميعَ هذا الكلامُ، بخلاف المماليك الأشرفية، وإن كانوا هم أيضًا متفقين على خلع المؤيد؛ لتطَلُّعهم تسلطُنَ خشداشهم الأمير جانم نائب الشام، ولو أنَّ أمر المؤيد طرقهم بغتةً ما طاوعوا على الرُّكوبِ في مثل هذا اليوم قبل مجيء خشداشهم جانم، فبويع خشقدم ولقِّبَ بالملك الظاهر أبو سعيد سيف الدين خشقدم ونودي بالحال بسلطنته بشوارع القاهرة، ثم شرعوا بعد ذلك في قتالِ الملك المؤيد أحمد، كل ذلك والملك المؤيَّدُ في القلعة في أناس قليلة من مماليكه ومماليك أبيه الأجلاب، ثم التحم القتال بين الطائفتين مناوشةً لا مصاففةً، غير أن كلًّا من الطائفتين مُصِرٌّ على قتال الطائفة الأخرى، والملك المؤيَّد في قلة عظيمة من المقاتلة ممن يعرف مواقِعَ الحرب وليس معه إلا أجلاب، فلم ينقضِ النهار حتى آل أمرُ الملك المؤيد إلى زوال، وهو مع ذلك ينتظر من يجيء إليه لمساعدته، حتى من ليس له غرض عند أحد بعينه جاء إلى الأمير الكبير مخافة على رزقه ونفسه؛ لِما علم من قوة شوكة الأمير الكبير وما يؤول أمره إليه، هذا مع حضور الخليفة والقضاة الأربعة عند الأمير الكبير وجميع أعيان الدولة من المباشرين وأرباب الوظائف وغيرهم، والملك المؤيَّد في أناس قليلة جدًّا، وظهر ذلك للملك المؤيد عيانًا، فأراد أن يسَلِّمَ نفسه، ثم أمسك عن ذلك من وقته، فلما رأى الملك المؤيد أنَّ ذلك لا يفيده إلا شدةً وقسوةً أمر عساكره ومقاتلته بالكفِّ عن القتال، وقام من وقته وطلع القلعة بخواصِّه، وأمر أصحابه بالانصراف إلى حيث شاؤوا، ثم دخل هو إلى والدته خوند زينب بنت البدري حسن بن خاص بك، وترك باب السلسلة لمن يأخذه بالتسليم، وتمزَّقت عساكره في الحال كأنها لم تكن، وزال ملكه في أقل ما يكون، وخُمِدت الفتنة كأنَّها لم تكن، ثم أرسل الأتابك خشقدم في الحال جماعةً من أصحابه قبضوا على الملك المؤيد أحمد هذا من الدور السلطانية، فأُمسِكَ من غير ممانعة، وسلَّم نفسه، وأُخرِجَ من الدور إلى البحرة من الحوش السلطاني، وحُبِسَ هناك بعد أن اقتِيدَ واحتُفظ به، وكانت مدة حكمه أربعة أشهر وستة أيام، ثم رسم السلطان الملك الظاهر خشقدم بتوجُّهِه وتوجه أخيه محمد إلى سجن الإسكندرية.
انتصر العثمانيون على البنادقة وأخذوا منهم ما بقي بأيديهم من جزيرة كريت وبعض الجزر الأخرى، فاستنجد البنادقة بالنمسا التي ارتاحت من الحروب بينها وبين فرنسا، فطلب إمبراطور النمسا من الدولة العثمانية إرجاعَ ما أُخذ من البنادقة إليهم، فرفضت الدولة العثمانية وقامت الحرب من جديد بين الطرفين وانتصرت النمسا وقُتِل الصدر الأعظم علي باشا.
أعلنت روسيا والنمسا الحرب على بولندا، واحتلَّتها روسيا، ورغبت فرنسا في التحالف مع الدولة العثمانية لإنقاذ بولندا من كلٍّ مِن النمسا وروسيا, فأرضت النمسا فرنسا بمعاهدة فيينا, واتفقت من جهة ثانية لقتال الدولة العثمانية، وبدأت روسيا القتالَ ضد الدولة العثمانية، فتمكَّن العثمانيون من وقفِ تقدُّم الروس في إقليم البغدان.
أُجريت أول تجربة ناجحة على استخدامِ الغواصة في الدولة العثمانية، وذلك في عهد السلطان أحمد الثالث، تُطلِقُ طوربيدًا من تحت الماء، وأطلِقَ على هذه الغواصة اسمَ "تحت الماء" وقد أشرف على صناعتها كبيرُ مهندسي السفن إبراهيم أفندي رئيس مهندسي مصنع السفن الإمبراطوري آنذاك, ثم أُدخلت هذه الغواصة ضِمنَ الأسطول الحربي العثماني.
نفَّذ شامِلٌ انسحابًا تكتيكيًّا إلى داخل الجبال، مغريًا الروس بالتوغُّل خلفه عبر الغابات الكثيفة، فانقضَّ عليهم المريدون من جهاتٍ مختلفة. وقتلوا أكثَرَ مِن نصف ضبَّاط الروس، وتوالت الهجماتُ على الروس حتى غنِمَ المريدون منهم أربعةَ مدافعَ روسية استُخدِمَت في حرب الروس الذين قُتِلَ منهم خلال أربع سنوات أكثر من 10.000 قتيلٍ
نجح إبراهيم باشا بن محمد علي باشا في فتح عكا بعد حصار دام ستة أشهر، وكان لسقوطِها دويٌّ هائِلٌ على الدول الأوروبية، ولفتت الأنظارَ إلى عبقرية إبراهيم باشا وأركان حَربِه سليمان باشا الفرنساوي. وتجدُرُ الإشارةُ هنا إلى أن نابليون بونابرت القائِدَ الفرنسي كان قد عجز عن اقتحامِها قبل ذلك أثناء حملتِه على مصر والعالمِ الإسلاميِّ.
فرض الفرنسيون الحمايةَ على المغرب، وبعد أيامٍ مِن فرض الحماية قام المغاربة بثورةٍ عارمة في فاس ثار فيها الجيشُ والشعب، تزعَّمها المجاهِدُ أحمد هبة الله ابن الشيخ ماء العينين، وكانت الانتصارات فيها سِجالًا بين الفريقين، وانتهى الأمرُ بوفاة الرجل، وتمكن الفرنسيون من بسطِ نفوذهم على المغرب أثناء الحربِ العالمية الأولى.
استقلت دولة ألبانيا وأصبحت تحت الحماية الإيطالية، وذلك إبَّان الحرب العالمية الأولى. وألبانيا هي إحدى دول البلقان التي كانت خاضعةً للحكم العثماني، وتحوَّلت من النظام الرئاسي بعد استقلالها إلى النظام الملكي عام 1928م تحت حكم "أحمد زوغو"، ثم حكَمَها الشيوعيون بقيادة "أنور خوجا" أربعين عامًا من الحكم المطلق حتى وفاته عام 1985م.
شنَّت القواتُ الإسرائيلية المحتلَّةُ عمليةً حربيةً على قطاع غزَّةَ عُرفت بـ"الشتاء الساخن"، واشتهَرَت إعلاميًّا باسم "محرقة غزَّةَ"، وهي عمليةٌ إسرائيليةٌ موسَّعةٌ، جرَت في قطاع غزَّةَ على مدار خمسةِ أيامٍ بدعوى القضاء على عناصر حركة حماس المطلِقة للصواريخِ على الأراضي الإسرائيليةِ. وقد راح ضحيتها 116 شخصًا من بينهم 26 طفلًا.
لما توفي السلطان محمود سار السلطان سنجر إلى بلاد الجبال، ومعه الملك طغرل بن السلطان محمد، وكان عنده قد لازمه، فوصل إلى الريِّ، ثم سار منها إلى همذان، فوصل الخبر إلى الخليفة المسترشد بالله والسلطان مسعود بوصوله إلى همذان، فاستقرَّت القاعدة بينهما على قتال سنجر، وأن يكون الخليفةُ معهم، وتجهَّز الخليفة، وقُطِعت خطبة سنجر من العراق جميعِه، ووصلت الأخبار بوصول عماد الدين زنكي ودبيس بن صدقة إلى قريب بغداد، فأما دبيس فإنه ذكر أن السلطان سنجر أقطعه الحلة، وأرسل إلى المسترشد بالله يضرع ويسأل الرضا عنه، فامتنع من إجابته إلى ذلك، وأما عماد الدين زنكي فإنه ذكر أن السلطان سنجر قد أعطاه شحنكية بغداد، فعاد المسترشد بالله إلى بغداد، وأمر أهلها بالاستعداد للمدافعة عنها، وجنَّد أجنادًا جعلهم معهم، ثم إنَّ السلطان مسعودًا وصل إلى دادمرج، فلَقِيهم طلائع السلطان سنجر في خلق كثير، وأما سنجر ومسعود فالتقى عسكراهما بعولان، عند الدينور، وكان مسعود يدافع الحرب انتظارًا لقدوم المسترشد، ووقعت الحرب، وقامت على ساق، وكان يومًا مشهودًا؛ فانهزم السلطان مسعود وسَلِمَ من المعركة، وكانت الوقعة ثامن رجب.
بدأ فيليب الثاني يستعدُّ لاحتلال جزيرة باديس، وشجَّعه على ذلك النصرُ الذي حقَّقه في وهران، فوجَّه لذلك أسطولًا في هذه السَّنة, فقاومه المجاهدون مقاومةً عنيفةً، واضطرَّ الأسطول إلى التراجع, والجديرُ بالذكر أنَّ جزيرة باديس كانت أقربَ نقطة مغربية إلى جبل طارق، وأنَّها كانت بالنسبة للمجاهدين ميناءً هامًّا؛ إذ يمكِنُهم من خلالها العبور للأندلس، كما يمكِنُهم التسلل لداخل الأراضي الإسبانية؛ لتقديم المساعدة للمسلمين هناك، والذين أطلقوا على أنفُسِهم الغرباء، وهذا ما دفع الإسبانيين إلى الهجوم عليها من خلال محاولتهم السابقة، كما كانت جزيرة باديس بالإضافة إلى ذلك مثارَ رعب وخوفٍ لدى السلطان السعدي الغالب بالله؛ إذ خاف السلطان أن يخرجَ الأسطول العثماني من تلك الجزيرة إلى المغرب، فاتَّفق مع الإسبان أن يخلِّيَ لهم الأدالة من حجرة باديس ويبيع لهم البلاد ويُخلِّيها من المسلمين، وينقطع أسطولُ العثمانيين في تلك الناحية، مقابِلَ الدفاع عن شواطئ المغرب إذا هاجمها الأسطول العثماني الذي علِمَ بتلك المؤامرة، فانسحب ورجع إلى الجزائر، كما عزل بويحيى رايس من منصبه في باديس في أواخر هذا العام, وانصرف العثمانيون عن الحرب في غرب البحر المتوسط؛ إذ توجَّه نشاط الأسطول الحربي إلى جزيرة مالطة في الشرق.
كان الفرنسيون أصحابَ الحَقِّ في حماية النصارى في بيتِ المقدِسِ، ثمَّ استطاع الروسُ الحصولَ على هذا الحَقِّ أيام نابليون بونابرت، فلمَّا رجعت الدولةُ الفرنسية وأرادت إعادةَ حَقِّها اصطدمت مع روسيا، فكانت الدَّولة العثمانية قد ألَّفت لجنةً مِن رجال الكنائِسِ على اختلافِ مذاهِبِهم فأيَّدوا فرنسا فهدَّد الروسُ بالحربِ وأرادوا إعادةَ معاهدة خونكار أسكله سي، وحاولت الاستعانةَ بإنكلترا وفرنسا اللتين رفضتا ذلك، وألغى السلطانُ عبد المجيد الأول امتيازَ الروس بحماية النصارى في الدولة العثمانية، وأعاد إلى الصدارةِ العظمى مصطفى رشيد باشا المعروف بعدائِه للروس، فقامت روسيا باحتلالِ الأفلاق والبغدان، وقامت الحرب بين الروس والعثمانيين ولكِنَّ إنكلترا وفرنسا حاولتا التوسُّطَ، ولكن لم تنفَعْ كلُّ محاولات الصلح فوقفَتَا بجانب الدولة العثمانية خوفًا على مصالحهما فعقدتا اتفاقًا لمساعدة العثمانيين ومَنْع الروس من احتلال أيِّ جزء من الأراضي العثمانية، فأوقَفوا الهجومَ الروسي في بلاد القرم عند نهر ألما، فاضطرت روسيا إلى الرجوعِ عن بعض المناطق التي احتلَّتْها لَمَّا رأت الإمداداتِ تتوالى على الدولةِ العثمانية، وعُقِدت بعدها معاهدةُ باريس.
طلبت إنكلترا من الدولة العثمانية في الثامن من رجب عام 1242هـ أن تتوسَّطَ الدول الأوربية النصرانية بين الدولةِ العثمانية وبين ما يتبَعُها، فرفضت الدولةُ العثمانية ذلك؛ لأنَّ هذا تدخلٌ صريح في شؤونها الداخلية، فكان هذا الرَّفضُ حُجَّةً تذرعت به لإعلان الحربِ مَرَّةً أخرى بعد أن ضَعُفت الدولة سياسيًّا، فاتفقت روسيا وفرنسا وإنكلترا في الحادي عشر من ذي الحجة على إجبارِ الدولة العثمانية لإعطاء اليونان استقلالَها على أن تدفَعَ جِزيةً سنوية يتَّفِق عليها الطرفان، وأعطِيَ الخليفة شهرًا لإيقاف الأعمالِ ضِدَّ اليونان، وإذا عجز عن ذلك أو رفَضَ فإنَّ الدُّولَ النصرانيَّةَ تتَّخِذُ ما تراه مناسبًا، ولم يعمَلِ الخليفة أيَّ عمَلٍ، وبعد شهر أمرت الدولُ الثلاث روسيا وفرنسا وإنكلترا أساطيلَها بالتوجه إلى سواحل اليونان وطلَبَت من إبراهيم باشا التوقُّفَ عن القتال، فكان جوابه أنه يتلقَّى أوامِرَه من الخليفة أو من أبيه، ومع ذلك توقف عشرين يومًا عن القتال ريثما تَصِلُ إليه التعليمات، واجتمعت أساطيلُ الدول الأوربية في ميناءِ نافارين (خليج نافارين فيلوس شرقي بيلوبونز جنوب اليونان الحالية) ودمَّرَت الأسطولَ العثماني وأكثَرَ الأسطول المصري، وقُتِلَ ما يزيد على ثلاثين ألف جنديٍّ مصري، واحتج الخليفة فلم ينفَعْه احتجاجُه، فأعلن أن َّالقتالَ دينيٌّ لا سياسي في منشورٍ أصدره للمواطنين، ودعاهم فيه للدفاع عن عقيدتِهم، وخَصَّ بذلك روسيا التي تأثَّرَت من ذلك، وأعلنت الحربَ على الدولة العثمانية في شوال من هذا العامِ، وأمر محمد علي ابنَه بالانسحابِ، وكانت القوات الفرنسية تحلُّ محَلَّ المنسحبين، ثمَّ عَقَدت الدول الثلاث مؤتمرًا في لندن ودُعِيَت إليه الدولة العثمانية فرفضت الحضورَ، فقَرَّر المؤتمر إعلانَ استقلال اليونان وحُكْمها من قِبَلِ حاكم نصراني تنتخِبُه هذه الدول ويكون تحت حمايتها وتدفَعُ جِزيةً سنوية للدولة العثمانية مقدارها خمسمائة ألف قرش، ولكِنَّ الدولة العثمانية رفضت هذه القرارات التي تتعلَّقُ بالدولة ورعاياها، ولا يحِقُّ لأحدٍ التدخُّلُ وإصدار القرارات بشأنها، وانصرفت إلى قتال الروس الذين أعلنوا الحَربَ.