لمَّا اسْتَقَرَّ الشَّامُ لمَرْوان بن الحكمِ سار إلى مِصْرَ, فقَدِمَها وعليها عبدُ الرَّحمن بن جَحْدَم القُرشيُّ يَدعو إلى ابنِ الزُّبير، فخرَج إلى مَرْوان فيمَن معه، وبعَث مَرْوانُ عَمرَو بن سعيدٍ مِن وَرائِه حتَّى دخَل مِصْرَ، فقِيلَ لابنِ جَحْدَم ذلك، فرجَع وبايَع النَّاسُ مَرْوانَ ورجَع إلى دِمشقَ.
في المحرم دخل الحَجيجُ بغداد، وقد خرج مؤنِسٌ الخادِمُ إلى الحجِّ فيها في جيشٍ كثيفٍ؛ خوفًا من القرامِطةِ، ففرح المسلمون بذلك وزُيِّنَت بغداد يومئذٍ وضُرِبَت الخيام والقِباب لمؤنسٍ الخادم، وقد بلغ مؤنسًا في أثناء الطريق أنَّ القرامطةَ أمامه، فعدل بالنَّاسِ عن الجادة، وأخذ بهم في شعابٍ وأوديةٍ أيَّامًا.
دخل محمدٌ وعليٌّ ابنا الحُسَين بن جعفر بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب المدينة، وقتلا جماعةً مِن أهلها وأخذا من القومِ مالًا، ولم يُصَلِّ أهلُ المدينة في مسجدِ رسولِ اللهِ- صلَّى اللهُ عليه وسلم- لا جمعةً ولا جماعةً، شَهرًا.
في سادَسَ عَشَر شوال وقع بين أهلِ حوران من قيس ويَمَن فقتل منهم مقتلةٌ عَظيمةٌ جِدًّا، قُتِلَ مِن الفريقينِ نحوٌ من ألف نفسٍ بالقُربِ من السويداء (جنوبي سوريا)، وكانت الكسرةُ على يمن، فهربوا من قيس حتى دخل كثيرٌ منهم إلى دمشقَ في أسوأ الحال وأضعفِه، وهَرَبت قيس خوفًا من الدولةِ، وبَقِيَت القُرى خاليةً والزُّروعُ سائبةً.
كانت بنو هَوازِنَ قد مَدَّتْ يدَ المَعونَةِ لأعداءِ المسلمين مِرارًا, فأَرسلَ إليهم رسولُ الله صلى الله عليه وسلم شُجاعَ بنَ وَهْبٍ الأَسديَّ في خمسةٍ وعشرين رجلًا، وهم بالسِّيِّ, ناحيةَ رُكْبَةَ, مِن وراءِ المَعدِن, وهي مِنَ المدينةِ على خمسِ ليالٍ، وأَمرهُ أن يُغِيرَ عليهم, فكان يَسيرُ اللَّيلَ ويكَمُنُ النَّهارَ, حتَّى صَبَّحَهُم وهُم غارون، وقد أَوعزَ إلى أصحابِه ألَّا يُمْعِنوا في الطَّلَبِ، فأصابوا نَعَمًا كَثيرًا وشاءً, ولم يَلقوا كَيْداً, واسْتاقوا ذلك حتَّى قَدِموا المدينةَ, واقْتسَموا الغَنيمةَ, فكانت سهمانهم خمسةَ عشرَ بَعيرًا لِكُلِّ رَجلٍ, وعَدلوا البَعيرَ بِعشرٍ مِنَ الغَنَمِ، وكان مَغيبُهم خمسَ عشرةَ ليلةً.
خرَج زيادُ بن خِراشٍ العِجليُّ -ثائِرٌ مِن الحَروريَّة على مُعاوِيَة بن أبي سُفيان- في ثلاثمائةِ فارسٍ، فأتى أرضَ مَسْكِن مِن السَّوادِ، فسَيَّرَ إليه زيادُ بن أَبيهِ خَيلًا عليها سعدُ بن حُذيفةَ أو غيرُه، فقَتَلوهم وقد صاروا إلى ماه، ونَشَبَت مَعاركُ انتهَت بقَتلِ زيادٍ العِجليِّ. ثمَّ خرَج على زيادِ بن أَبيهِ أيضًا رجلٌ مِن طَيِّء يُقالُ له: مُعاذ، فأتى نَهْرَ عبدِ الرَّحمن ابنِ أُمِّ الحَكَمِ في ثلاثين رجلًا هذه السَنَةَ، فبعَث إليه زيادٌ مَن قتَلَه وأصحابَهُ، وقِيلَ: بل حَلَّ لِواءَهُ واسْتَأمَنَ. ويُقالُ لهم: أَصحابُ نَهْرِ عبدِ الرَّحمن.
هو القاسِمُ بن محمَّد بن أبي بَكْرٍ الصِّدِّيق، أَحَدُ الفُقَهاء السَّبعَة بالمَدينَة، مِن سادات التَّابِعين, كان ثِقَةً عالِمًا، مات أَبوهُ وعُمُرُه سَبعُ سَنوات, تَرَبَّى في حِجْرِ عَمَّتِه عائِشَة رَضِيَ الله عنها فتَفَقَّهَ عليها، فكان فَقيهًا إمامًا وَرِعًا كَثيرَ الحَديثِ، قال أبو الزِّناد: ما رَأيتُ أَحَدًا أَعلمَ بالسُّنَّةِ مِن القاسِم بن محمَّد، وما كان الرَّجُل يُعَدُّ رَجُلًا حتَّى يَعرِفَ السُّنَّة، وما رَأيتُ أَحَدًا أَحَدَّ ذِهْنًا مِن القاسِم. قِيلَ: إنَّه مات بقُدَيْد، فقال: كَفِّنُونِي في ثِيابِي التي كُنتُ أُصَلِّي فيها، قَميصي ورِدائي، هكذا كُفِّنَ أبو بَكرٍ. وأَوْصَى أن لا يُبْنَى على قَبرِه.
بعد أن وثب أهلُ حِمصٍ العامَ الماضي على أبي المُغيثِ موسى بن إبراهيم الرافعي، ثم أبدلهم المتوكل بمحمد بن عبدويه الأنباري ورضوا به، لم يَسِرْ بهم العامِلُ الجديدُ سِيرةً حَسنةً، بل فعل فيهم الأعاجيبَ، فوثب أهلُ حمص بعامِلِهم الجديد محمد بن عبدويه، وأعانَهم عليه قومٌ مِن نصارى حمص، فكتب إلى المتوكِّلِ، فكتب إليه يأمُرُه بمناهَضتِهم، وأمَدَّه بجندٍ مِن دمشق والرملة، فظفر بهم، فضرب منهم رجُلَينِ مِن رؤسائهم حتى ماتا وصَلَبَهما على باب حمص، وسَيَّرَ ثمانية رجال وأمَرَ المتوكلُ بإخراج النَّصارى منها، وهَدْمِ كنائِسِهم، وبإدخالِ البيعةِ التي إلى جانِبِ الجامع إلى الجامِعِ، ففعل ذلك.
استولى بلك بن بهرام بن أرتق على مدينة عانة، والحديثة، وكانت له مدينة سروج، فأخذها الفرنجُ منه، فسار عنها إلى عانة وأخذها من بني يعيش بن عيسى بن خلاط، فقصد بنو يعيش سيف الدولة صدقة بن مزيد، ومعهم مشايخهم، فسألوه الإصعادَ إليها، وأن يتسلَّمَها منهم، ففعل وأصعد معهم, فرحل التركمان وبهرام عنها، وأخذ صدقة رهائنَهم، وعاد إلى حلته، فرجع بلك إليها ومعه ألفا رجل من التركمان، فمانعه أصحابه قليلًا، واستدلَّ على المخاضة إليها، فخاضها وعبر، وملكهم ونهبهم، وسبى جميع حرمهم وانحدر طالبًا هيت من الجانب الشامي، فبلغ إلى قريب منها، ثم رجع من يومه.
لَمَّا تمكَّنَت قوات الدولة السعودية من دخولِ البحرين والزبارة قصدَ أبناء آل خليفة صاحِبَ مسقط سعيد بن سلطان فاستنصروه وأرسلوا إلى العجم الفُرس واستصرخوهم, وكانت مراكِبُ الإنجليز عند سعيد في مسقط، فاستعانوا بهم فأقبلوا بجموعٍ عظيمة في مراكِبَ كثيرة، وبندروا عند الزبارة بالليل، فأظهر آلُ خليفة منها بقيَّة رجالهم وما فيها من المتاع والمال ودمَّروها جملة, ثم ساروا إلى البحرين ونازلوا فهد بن عفيصان والمرابِطة الذين في قصر المنامة، وهم نحو ثلاثمائة رجل، فحاصروهم وأقاموا على ذلك أيامًا، ثم أخرجوهم بالأمانِ على دمائِهم، فأمسكوا منهم فهد بن عفيصان ومعه ستة رجال، واعتقلوهم رهينةً مقابِلَ رجالهم الذين في الدرعية وتركوا الباقين.
تمَّ تدشينُ أضخَمِ مسجدٍ بجنوب إفريقيا، بتمويلِ رجلِ أعمالٍ تركيٍّ، وذلك في بلدة ميدراند التي تقع بين العاصمِة الاقتصادِيَّة لجنوب إفريقيا جوهانسبورغ والعاصمةِ السياسيَّة بريتوريا. ودشَّن رئيسُ جنوب إفريقيا جاكوب زوما المسجِدَ بحُضورِ وفدٍ وَزاريٍّ تركيٍّ، والمسجدُ واقِعٌ في مَجمَعٍ إسلاميٍّ يضمُّ أيضًا مدرسةً وملاعبَ رياضيةً ومستشفًى. وقد بُنِي على نُموذجِ المسجدِ السُّليماني النظامي الذي شُيِّد في القرنِ السادِسَ عشرَ في مدينة أدرين التركيَّةِ، وهو مُدرَجٌ ضِمنَ التُّراثِ العالمِيِّ من قِبَل اليونسكو. ويحمِلُ المسجدُ اسمَ الوزيرِ الفارسيِّ نِظامِ المُلْكِ أبي عليٍّ الحسنِ الطُّوسِيِّ الذي عاش في القرنِ الحادي عشر.
استعمل الرشيدُ على إفريقيَّة الفضلَ بنَ روح بن حاتم المهلبي بعد موت والِدِه, فاستعمل الفضلُ على مدينة تونس ابنَ أخيه المغيرةَ بن بشر بن روح، فاستخَفَّ بالجُندِ. وكان الفضلُ أيضًا قد أوحَشَهم، وأساء السيرةَ معهم؛ بسبَبِ ميلهم إلى نصرِ بن حبيب الوالي قبلَه، فاجتمع مَن بتُونس، وكتبوا إلى الفضلِ يَستعفُونه من ابن أخيه، فلم يُجِبْهم عن كتابِهم، فاجتمعوا على تَركِ طاعتِه، فبايعوا عبدالله بن الجارود، وأخرجوا المغيرةَ، ثم استشرى الأمرُ في أفريقيا ففسَدَ الجُندُ على الفضلِ، فسَيَّرَ إليهم الفضل عسكرًا كثيرًا فخَرجوا إليه فقاتلوه، فانهزم عسكرُه وعاد إلى القيروان منهزِمًا وتبعهم أصحابُ ابن الجارود، فحاصروا القيروانَ ودخل ابن الجارود وعسكَرُه في جمادي الآخرة، وأخرج الفضل من القيروان، ووكلَ به وبمن معه من أهلِه أن يوصِلَهم إلى قابس، ثم ردَّهم ابن الجارود، وقُتِلَ الفضل بن روح بن حاتم، ثمَّ إنَّ الرشيدَ بلَغَه ما صنع ابنُ الجارود، وإفسادُه إفريقية، فوجَّه هرثمة بن أعين ومعه يحيى بن موسى، فكاتب يحيى عبدالله بن الجارود، ثم دخل في الطاعةِ بعد أن طلَبَ الأمانَ فأمَّنَه.
كان حفصٌ قد استلم مكانَ أخيه سليمان بعد أن قُتِلَ، فقام في هذه السنةِ النَّاصِرُ أميرُ الأندلس بغزوِه في ببشتر جنوب إسبانيا، وهو متحصِّنٌ فيها، ولَمَّا اشتدت المحاصَرةُ على حفص بن عمر بن حفصون بمدينةِ ببشتر، وأحيطَ به بالبنيانِ عليه مِن كُلِّ جانبٍ، ورأى من الجِدِّ والعَزمِ في أمرِه ما عَلِمَ أنْ لَا بقاءَ له معه في الجبل الذي تعلَّقَ فيه، كتب إلى أمير المؤمنين الناصرِ، يسأله تأمينَه والصفحَ عنه، على أن يخرُجَ عن الجبل مستسلِمًا لأمره، راضيًا بحكمه. فأخرج إليه الناصرُ الوزيرَ أحمد بن محمد بن حدير، وتولَّى هو وسعيد بن المنذر إنزالَه من مدينة ببشتر. ودخلها رجالُ أمير المؤمنين الناصر وحَشَمُه يوم الخميس لسبعٍ بَقِينَ من ذي القَعدة من السنة. واستنزل حفص وجميع النصارى الذين كانوا معه، وقدم بهم أحمد بن محمد الوزير إلى قرطبةَ مع أهلهم وولدهم. ودخلها حفصٌ في مُستهَلِّ ذي الحجة، وأوسَعَه أميرُ المؤمنينَ صَفْحَه وعَفْوَه، وصار في جملةِ حشَمِه وجنده. وبقي الوزيرُ سعيد بن المنذر بمدينة ببشتر ضابطًا لها، وبانيًا لِمَا عهد إليه من بنيانِه وإحكامِه منها.
رحل السُّلطانَ من الشقيف إلى قرب بانياس، وبعث الأثقالَ إلى دمشق وجهز الأميرَ عز الدين أوغان بجماعة لجهة، وجهز الأمير بدر الدين الأيدمري في جماعةٍ إلى جهة أخرى، فحَفِظَت العساكر الطرقات، ثم سار السلطانُ إلى طرابلس وخيَّمَ عليها في النصف من رجب، وناوش أهلَها القتال وأخذ برجًا كان هناك، وضرب أعناقَ مَن كان من الفرنج، وأغارت العساكِرُ على من في تلك الجبال، وغَنِموا شيئًا كثيرًا وأخذوا عدة مغاير بالسيف، وأحضروا المغانمَ والأسرى إلى السلطان فضَرَبَ أعناق الأسرى، وقطع الأشجارَ وهدم الكنائس، وقسَمَ الغنائم في العسكر، ودخل السلطانُ عن طرابلس في الرابع عشر، فتلقَّاه صاحب صافيتا وأنطرسوس بالخدمة، وأحضر ثلاثمائة أسير كانوا عنده، فشكَرَه السلطان ولم يتعرَّض لبلاده، ونزل السلطان على حمص، وأمر بإبطالِ الخمر والمنكَرات، ثم دخل إلى حماة ولا يعرف أحدٌ أي جهة يقصد، فرتَّب العسكر ثلاثَ فرق: فرقة بصحبة الأمير بدر الدين الخازندار- ممسك خزانة المال- وفرقة مع الأمير عز الدين إيغان، وفرقة مع السلطان، فتوجه الخازندار إلى السويدية، وتوجه إيغان إلى درب بساك، فقتلوا وأسروا، ونزل السلطان أفامية، ووافاه الجميع على أنطاكية.
اجتاحت قواتُ الاحتلال الإسرائيلي مخيمَ رفَحَ جنوبَ قطاع غزَّةَ، ممَّا أدَّى إلى مَقتَلِ العَشَرات، وإصابةِ المئاتِ من الفِلَسْطينيِّين، وتدمير عَشَرات المنازل، ومن المناطق التي تضرَّرت في مدينة رفَحَ نتيجةَ الاجتياح: تل السلطان، ورفح الغربية، وحي السلام، وجزء من منطقتي الجنين وقشطة.