قَدِمَ كتاب أقبغا النظامي -أحد خواص السلطان الناصر فرج بن برقوق- من جزيرة قبرص، وقد توجَّه إليها لفك الأسرى، وأنه وجد بالجزيرة من أسارى المسلمين خمسمائة وخمسة وثلاثين أسيرًا، فِكاكُهم بثلاثة عشر ألف دينار وثلاثمائة دينار، وأنه قد أوصل إلى متملك قبرص العشرة آلاف دينار المجهَّزة معه، فانفك بها أربعمائة أسير، كل أسير بخمسة وعشرون دينارًا، وقد افتَكَّ متملك قبرص من مائة وخمسة وثلاثين أسيرًا، بثلاثة آلاف وثلاثمائة وخمسة وسبعين دينارًا، وقد حمل منهم إلى جهة مصر في البحر مائتي أسير، وفرق في جهات السواحل الشامية باقيهم.
خرجَت الخوارجُ من الصفريَّة وغيرهم ببلاد إفريقية. فاجتمعَ منهم ثلاثمائة ألف وخمسون ألفًا، ما بين فارس وراجل، وعليهم أبو حاتم الأنماطي، وأبو عبَّاد وانضم إليهم أبو قرة الصفري في أربعين ألفًا، فقاتلوا نائبَ إفريقية فهَزَموا جيشَه وقتلوه، وهو عمَرُ بن حفص بن عثمان بن أبي صفرة الذي كان نائبَ السِّند، قتله هؤلاء الخوارجُ, وأكثرت الخوارجُ الفسادَ في البلاد، وقتلوا الحريمَ والأولاد، ثمَّ إن أبا جعفر المنصور سيَّرَ يزيد بن حاتم بن قبيصة بن المهلب بن أبي صفرة إلى إفريقيةَ في خمسين ألفًا لحربِ الخوارجِ الذين قتلوا عُمَرَ بن حفص. فدخل يزيد بن حاتم إفريقيَّة، وقتَلَ أبا حاتم، وملَكَ القيروانَ وسائِرَ الغرب.
هو المستعلي بالله أبو القاسم أحمد بن معد المستنصر بالله الفاطمي العبيدي، حاكم مصر، حكمها مدة سبع سنين وقريبًا من الشهرين، وكان المدبِّر لدولته أمير الجيوش الأفضل بن بدر الجمالي، ولما توفِّيَ وَلِيَ بعده ابنُه أبو علي المنصور، وبويع له في اليوم الذي مات فيه أبوه، وله خمس سنين وشهر وأربعة أيام، ولُقِّب الآمر بأحكام الله، ولم يقدر يركبُ وحده على الفرس لصِغَرِ سنه، وقام بتدبير دولته الأفضل أحسن قيام، ولم يزل كذلك يدبِّرُ الأمرَ إلى أن قُتِلَ الآمر سنة خمس عشرة وخمسمائة.
هو أبو محمد الحسن العسكري بن علي الهادي بن محمد الجواد بن علي الرضا بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب، هو الإمامُ الحادي عشر عند الشيعة الذين يدَّعون عِصمَتَهم, كان مولدُه بسامرَّا بلد العسكرِ، ومنها أخذ لقبه، وأمُّه أمُّ ولدٍ. توفِّيَ في سامرا وله تسع وعشرون سنة. ودُفِنَ إلى جانب والده. والحسَنُ العسكري هو والد محمَّد المهدي الذي تزعمُ الرافضة أنَّه الإمام المنتظَر الذي سيخرجُ من السرداب، ولِدَ سنة ثمان وخمسين، وقيل: سنة ست وخمسين. عاش بعد أبيه سنتين، ولم يُعلَم كيف مات. وهم يدَّعون بقاءَه في السرداب منذ عام 262ه، وأنَّه صاحِبُ الزمان، وأنه حيٌّ يعلَمُ عِلمَ الأوَّلينَ والآخرين، ويعتَرِفون أنَّ أحدًا لم يَرَه أبدًا، فنسأل اللهُ أن يثبِّتَ علينا عُقولَنا وإيمانَنا!!
حشد الفِرنجُ وأقبلوا يريدونَ استئصالَ المسلمين من الأندلس في غرناطةَ في عدَدٍ لا يُحصى، فيه خمسة وعشرونَ ملكًا بزعامة ألفونسو الحادي عشر ملك قشتالة، فقَلِقَ المسلمون بغرناطة ومَلِكُها الغالب بالله أبو الوليد إسماعيل بن فرج بن نصر من بني الأحمر، واستنجدوا بالمريني مَلِك فاس فلم يُنجِدْهم، فلجؤوا إلى الله وحارَبوهم في الألبيرة وهم نحو ألف وخمسمائة فارس وأربعة آلاف راجل، فقتلوا الفرنجَ بأجمَعِهم، وأقلُّ ما قيل إنَّه قُتِلَ منهم خمسون ألفًا، وأكثَرُ ما قيل ثمانون ألفًا، ولم يُقتَلْ من المسلمين سوى ثلاثةَ عشر فارسًا، وغَنِمَ المسلمون ما لا يدخُلُ تحت حصر، وسُلِخَ الملكُ دون بتروا وحُشِيَ قُطنًا، وعُلِّقَ على بابِ غرناطة، فطَلَب الفرنجُ الهُدنةَ فعُقِدَت، وبَقِيَ دون بتروا مُعَلَّقًا عدَّةَ سنينَ.
بعدَ أن انْتَصر عُقبةُ بن نافعٍ في عِدَّةِ مَواقِع في فُتوحِه في أفريقيا على البَرْبَر رأى أن يَتَّخِذَ مدينةً يكونُ بها عَسكرُ المسلمين وأهلُهم وأموالُهم لِيَأمَنوا مِن ثَورَةٍ تكونُ مِن أهلِ البِلادِ، فقصَد مَوضِعَ القَيْروان، وكان أَجَمَةً مُشتبِكة بها مِن أنواعِ الحيوانِ، فأمَر ببِناءِ المدينةِ، فبُنِيَت، وبَنَى المسجدَ الجامعَ، وبَنَى النَّاسُ مَساجِدَهم ومَساكِنَهم، وكان دُورُها ثلاثة آلاف باعٍ وسِتِّمائة باع، وتَمَّ أَمرُها سنة خمسٍ وخمسين وسَكَنَها النَّاسُ، فكانت كمَحَطَّةٍ دائِمةٍ للمُجاهدين يبقون فيها مع أُسَرِهِم لا يَشْعرون بالغُربَةِ والسَّفَرِ، وتكونُ مُنْطَلَقَهم إلى البِلادِ لِيَفتَحوها. وكان في أثناءِ عِمارَةِ المدينةِ يَغْزو ويُرْسِل السَّرايا فتُغِيرُ وتَنْهَبُ، ودخَل كثيرٌ مِن البَرْبَر في الإسلامِ، واتَّسَعَت خُطَّةُ المسلمين، وقَوِيَ جَنانُ مَن هناك مِن الجُنودِ بمدينةِ القَيْروان، وأَمِنُوا واطْمَأنُّوا على المُقامِ فثَبَتَ الإسلامُ فيها.
هو المَلِك مُشرف الدَّولة أبو عليٍّ بنُ بهاءِ الدَّولة بنِ عَضُدِ الدَّولةِ بنِ بُوَيهِ الديلميُّ الشِّيعيُّ. كان فيه عَدلٌ في الجُملةِ. وكان له العِراقُ في وقتٍ وشيراز وكرمان، ولأخيه سُلطانِ الدَّولةِ صاحِبِ فارِسَ بُخارى ثمَّ اصطلحا. وتمَلَّكَ بعد مُشرف الدَّولة أخوه جلالُ الدَّولة ببغداد. توفِّيَ مُشرف الدَّولة بمرضٍ حادٍّ، وله أربعٌ وعشرون سنة، وكان مُلكُه خَمسَ سِنينَ وخمسة وعشرين يومًا، واستقَرَّ الأمرُ على توليةِ أخيه جلالِ الدَّولة أبي طاهرٍ، فخُطِبَ له على المنابِرِ، وهو بالبصرة. فخُلِعَ على شَرفِ الملك أبي سعدِ بنِ ماكولا وزيره، ولَقَّبَه علم الدين سعد الدَّولة، أمين الملة، شرف الملك، ثمَّ إنَّ الجُندَ عَدَلوا إلى الملك أبي كاليجار بن سلطان الدَّولةِ بنِ بهاء الدَّولة ونوَّهوا باسمه، وكان وليَّ عهدِ أبيه سلطانِ الدَّولة الذي استخلَفَه بهاءُ الدَّولة عليهم، فخُطِبَ لهذا ببغداد، وكوتِبَ جَلالُ الدَّولة بذلك، فأُصعِدَ مِن واسط.
أرسل هشامُ بن عبدالرحمن الداخل بالصائفة جيشًا كثيفًا واستعمَلَ عليهم وزيرَه عبدالملك بن عبدالواحد بن مُغيث، فبلغ ألبةَ والقلاعَ، وأثخن في نواحيها، ثم بعَثَه في العساكِرِ، فوصلوا إلى أربونة وجرندة، وكان البدءُ بجرندة، وكان بها حامية الفرنج، فقَتَل رجالَها وهَدَّم أسوارَها بالمجانيقِ، وأبراجَها، وأشرَفَ على فَتحِها، فرحل عنها إلى أربونة، ففعل بها مثلَ ذلك، وأوغلَ في بلادهم ووطئَ أرض برطانية فاستباح حريمَها وقتل مُقاتِلَتَها، وجاس البلادَ شهرًا يحرِقُ الحُصون ويَسبي ويَغنَم، وقد أجفل العدُوُّ من بين يديه هاربًا، وأوغلَ في بلادهم ورجع سالِمًا ومعه من الغنائمِ ما لا يعلَمُه إلا الله تعالى. وهي من أشهَرِ مغازي المسلمين بالأندلس. حيث بلغ فيه خُمسُ السبيِ إلى خمسةٍ وأربعين ألفًا من الذَّهَب العين، وكان قد استمَدَّ الطاغية بالبشكنس وجيرانه من الملوك، فهزمهم عبدالملك ثم بعث بالعساكرِ مع عبد الكريم بن عبد الواحد إلى بلاد جليقة، فأثخنوا في بلاد العدوِّ وغَنِموا ورجَعوا.
كتب الأميرُ محمَّدُ بنُ عبدالرحمن إلى موسى بن موسى بحَشدِ الثُّغورِ والدُّخولِ إلى برشلونة، فغزاها وافتتح في هذه الغَزاةِ حِصنَ طراجة، وهي مِن آخر أحواز برشلونة، ومِن خُمُسِ ذلك الحِصنِ زِيدَت الزَّوائِدُ في المسجد الجامِعِ بسَرقسطة، وكان الذي أسَّسَه ونصب محرابَه حنش الصنعاني، وهو من التابعينَ.
حصر الرُّومُ مع الدُّمُسْتُق بن الشمشقيق المصيصةَ، وقاتلوا أهلَها، ونَقَبوا سورَها، واشتد قتالُ أهلِها على النَّقبِ حتى دفعوهم عنه بعد قتالٍ عظيمٍ، وأحرق الرومُ بيوتها ومزارعها ومزارع أذنة وطرسوس لِمُساعدتهم أهلَها، فقُتِلَ من المسلمين خمسةَ عشرَ ألفَ رجل، وأقام الروم في بلادِ الإسلام خمسة عشر يومًا لم يَقصِدْهم من يقاتِلُهم، فعادوا لغلاءِ الأسعارِ وقِلَّة الأقوات، ثمَّ قَدِمَ إلى الشام من خُراسان جيشٌ نحو خمسة آلاف رجلٍ يريد الغزاة، وكان طريقُهم على أرمينية وميارفارقين، فلمَّا وصلوا إلى سيفِ الدولة في صفر أخذهم سيفُ الدولة وسار بهم نحوَ بلادِ الرومِ؛ لِدَفعِهم عن المسلمين، فوجدوا الرومَ قد عادوا، فتفَرَّقَ الغزاةُ الخُراسانيَّة في الثغورِ لشِدَّةِ الغلاء، وعاد أكثَرُهم إلى بغداد ومنها إلى خراسان، ولَمَّا أراد الدُّمُسْتُق العودَ إلى بلاد الروم أرسَلَ إلى أهل المصيصة وأذنة وطرسوس: إنِّي مُنصَرِفٌ عنكم لا لِعَجزٍ، ولكن لضِيقِ العلوفةِ وشِدَّة الغلاء، وأنا عائِدٌ إليكم، فمن انتقلَ منكم فقد نجا، ومن وجَدْتُه بعد عودي قتَلْتُه.
كتب المأمونُ إلى نائِبِه ببغداد إسحاقَ بنِ إبراهيم أن يأخُذَ الجندُ بالتكبيرِ إذا صَلَّوا الجمعةَ، وبعد الصَّلواتِ الخَمسِ إذا قَضَوا الصلاةَ أن يَصيحوا قيامًا ويكَبِّروا ثلاثَ تكبيراتٍ، ففعل ذلك، فقال الناسُ: هذه بدعةٌ ثالثة.
هو الملك أبو النصر إسماعيل بن محمد بن علي المراكشي، الملك الثاني لدولة العلويين في مراكش. ولد سنة 1057 بتافيلات التي تقع جنوب شرقي المغرب. كانت الدولة العلوية في عهده أزهى أيامها، وقد نقل عاصمته من مراكش إلى مكناسة، توفِّي بعد أن أمضى في الحكم سبعة وخمسين عامًا، وخلفه ابنُه أحمد.