تألَّفَت الحَملةُ الصَّليبيَّةُ الثانيةُ مِن ثلاثِ فِرَقٍ؛ الفِرقةُ الإنكليزيَّةُ التي اتَّجَهت من إنكلترا التي رَسَت سُفُنُها على سواحِلِ البرتغال بسَبَبِ العواصِفِ، فساهَموا في مساعدةِ أمير البرتغال ألفونسو الأوَّل في قتال المُسلِمينَ في لشبونةَ والاستيلاءِ عليها، ولم يُواصِلِ السَّيرَ إلى الأراضي المُقَدَّسة منهم إلَّا القليلُ، والفِرقَتانِ الألمانيَّة والفرنسيَّة ساراتا بَرًّا، فعَبَروا القُسطنطينيَّة، ولم تكُنْ على وفاقٍ مع الإمبراطور البيزنطي، وتعَرَّضَت هاتان الفرقتان للكثيرِ مِن الأخطار، كقِلَّةِ المُؤَنِ وانقِضاضِ السَّلاجِقةِ الرُّومِ عليهم.
بعد أن استخلص المسلمونَ بيتَ المقدس من يد الفرنجِ وبلغ الخبَرُ إلى أوربا لاستنفارِ أُمَرائِها وملوكِها، انعقد مجلسٌ كَنَسي في ليون تقَرَّر فيه إرسالُ حملة صليبيَّة سابعة بزعامة ملك فرنسا لويس التاسع المشهور بوَرَعِه حتى لُقِّبَ بالقديس، فأعَدَّ هذا الملك العُدَّة وجهَّز جيشًا أبحر أواخِرَ هذه السنة متجهًا إلى الشرقِ، وقد تم وصولُ خبر هذه الحملة إلى الملك الصالحِ نجمِ الدين أيوب صاحبِ مصرَ عن طريق ملك ألمانيا فردريك الثاني.
اعترَفَت حكومةُ جمهورية صرب البوسنة رسميًّا بأنَّ القوات الصربية تتحمَّل مسؤولية قتل آلاف المسلمين في مجزرة سربرينتشا، التي وقعت خلالَ الحربِ الأهلية في البوسنة عام 1995م، وقد جاء هذا الاعترافُ ضِمنَ تحقيقٍ رسميٍّ أجْرَته سُلْطات صرب البوسنة في المجزرة التي تعتبرُها المحكمة الدولية لجرائم الحرب في لاهاي نوعًا من الإبادة الجماعية، وأقرَّت اللجنةُ التي أجْرَت التحقيقَ بوقوع انتهاكاتٍ "جسيمةٍ" لحقوق الإنسان، والسعي إلى إخفاء الأدلة التي تقودُ إلى ذلك.
أدَّت الأزمةُ بين المسلمين السُّنة وبين النظامِ السُّوري في سوريَة إلى أعنفِ اشتباكاتٍ في لُبنان منذ الحربِ الأهليَّة اللُّبنانية التي دارت رَحاها بين (1975م و1990م)، واتَّهَمت المُعارَضةُ اللُّبنانية النظامَ السوريَّ برئاسة بشار الأسد بمُحاولاتِ إشعالِ الفتنة في شمالِ لُبنان، داعيةً أبناءَ مِنطَقة جبل محسن النُّصيرية إلى عدمِ الانجِرارِ إلى مُخطَّطِ النِّظام السوريِّ. ومِنطَقة طرابُلس من أكثرِ خُطوطِ التَّماس الطَّائفية اضطرابًا في لُبنان نتيجةً للتوتُّر المُزمِن بين السُّنة والنُّصيرِيِّين في المِنطَقة.
أعلن الرَّئيسُ الفلبينىُّ بنينو أكينو أنَّ الحكومة الفلبينيَّةَ وجبهَةَ مورو الإسلاميةَ للتحريرِ توصَّلوا لاتفاقِ سلامٍ في جنوب البلاد. وأكَّد الرئيسُ نهايةَ صراعٍ استمرَّ (40) عامًا وأدَّى إلى سقوطِ أكثرَ من (100) ألف قتيلٍ وإصابةِ اقتصادِ المِنطَقة بالشَّلل. وتُحدِّد الاتفاقيةُ خارِطَةَ طريقٍ لإنشاءِ مِنطَقةٍ جديدةٍ تتمتَّع بحكم ذاتيٍّ في المناطِقِ التي تقطُنها أغلبيَّةٌ مسلمةٌ في جنوب الفلبين، وذلك قبلَ نهايةِ فترةِ رئاسةِ أكينو في (2016م).
هو الإمامُ العلَّامة المحدِّث، الحافظ الكبيرُ المفتي شيخ الإسلام، شرف المعمرين، أبو طاهرٍ أحمد بن محمد بن أحمد بن محمد بن إبراهيم الأصبهاني، الجرواني السِّلَفي بكسر السين وفتح اللام. يلقب جَدُّه أحمد سِلفة- أي أشرم الشفة- وأصله بالفارسية سِّلبة، وكثيرًا ما يمزجون الباء بالفاء فسَمَّته الأعاجم لذلك السِّلَفي، والسَّلَفي -بفتحتين- وهو من كان على مذهَبِ السلف، وكان يلقب بصدر الدين، وكان شافعيَّ المذهب، ولد سنة 475، أو قبلها بسنة، قال السِّلَفي: "أنا أذكُرُ قتل الوزير نظام الملك وكان عمري نحو عشر سنين، قتل سنة خمس وثمانين وأربعمائة، وقد كُتِبَ عني بأصبهان أول سنة اثنتين وتسعين وأربعمائة، وأنا ابن سبع عشرة سنة أو أكثر، أو أقل بقليل، وما في وجهي شعرة، كالبخاري- يعني لَمَّا كتبوا عنه-". ورَدَ السِّلَفي بغداد وله أقل من عشرين سنة, واشتغل بها على الكيا الهراسي، وأخذ اللغةَ عن الخطيب أبي زكريا يحيى بن علي التبريزي. سمِعَ الحديث الكثير ورحل في طلبِه إلى الآفاق ثمَّ نزل ثغر الإسكندرية في سنة 511، وبنى له العادل أبو الحسن علي بن السلار وزير الظافر العبيدي مدرسةً، وفوَّضها إليه، وأما أماليه وكتبه وتعاليقه فكثيرة جدًّا، وبقي بالإسكندرية بضعًا وستين سنة, وهو ينشُرُ العلم، ويحَصِّل الكتب التي قلَّ ما اجتمع لعالمٍ مثلُها في الدنيا. ارتحل إليه خلق كثير جدًّا، ولا سيما لما زالت دولة الرَّفض العُبيدية الفاطمية عن مصر، وتملَّكَها عسكر الشام. ارتحل إلى السِّلَفي السُّلطانُ صلاح الدين وإخوته وأمراؤه، فسَمِعوا منه, وله تصانيفُ كثيرة، منها تخريج (الأربعين البلدية) التي لم يُسبَقْ إلى تخريجها، وقلَّ أن يتهيأ ذلك إلا لحافظ عُرِفَ باتساع الرحلة, وله (السفينة الأصبهانية) في جزء ضخم، و(السفينة البغدادية) في جزأين كبيرين، و(مقدمة معالم السنن)، و(الوجيز في المجاز والمجيز)، و(جزء شرط القراءة على الشيوخ)، و(مجلسان في فضل عاشوراء)، وكان يستحسن الشعر، ويَنظِمُه, وكان جيِّدَ الضبط، كثير البحث عما يُشكِلُ عليه. كان أوحد زمانه في علم الحديث، وأعرَفَهم بقوانين الرواية والتحديث، وكان عاليَ الإسناد؛ فقد روى عن الأجداد والأحفاد، وبذلك كان ينفرد عن أبناء جنسه. قال أبو سعد السمعاني: "السِّلَفي: ثقة، ورِع، متقن، متثبت، فَهِم، حافظ، له حظٌّ من العربية، كثير الحديث، حسن الفهم والبصيرة فيه". توفي في الإسكندرية عن عمر تجاوز المائة سنة.
بعد ما كان من الفِتنةِ بمكَّةَ العامَ السَّابِقَ وانزعاج السلطانِ الناصر محمد بن قلاوون كثيرًا لذلك، ففي المحَرَّم هذا العام قَدِمَ الحاجُّ، وأخبروا بكثرةِ الفِتَن بمكَّةَ بين الشريفين عُطيفة ورُميثة، وقُوَّة رُمَيثة على عُطَيفة ونهْبِه مكَّة وخروجه عن الطاعة، وأنه لم يلقَ رَكبَ الحُجَّاج، فكتب بحضورِه، فلما ورد المرسومُ بطلب الشريفينِ إلى مصر اتَّفَقا وخرجا عن الطاعة، فشقَّ ذلك على السلطان، وعَزَم على إخراج بني حسَن من مكة، وتقَدَّم السلطان إلى الأمير سيف الدين أيتمش أن يَخرُجَ بعسكرٍ إلى مكة، وقال له بحضرة القضاة: "لا تدع في مكَّةَ أحدًا من الأشرافِ ولا من القُوَّاد ولا مِن عَبيدِهم، ونادِ بها من أقام منهم حَلَّ دَمُه، ثم أحرِقْ جَميعَ وادي نخلةَ، وألقِ في نَخلِها النَّارَ حتى لا تدَعَ شَجرةً مُثمِرةً ولا دِمنةً- آثار الديار- عامرةً، وخَرِّبْ ما حول مكَّةَ من المساكن، وأخرِجْ حَرَم الأشرافِ منها، وأقِمْ بها بمن معك حتى يأتيك عسكَرٌ آخرُ"، فقام في ذلك قاضي القضاة جلال الدين محمد القزويني ووعَظَ السُّلطانَ وذَكَّره بوجوبِ تَعظيمِ الحَرَمِ، إلى أن استقَرَّ الأمر على أن كُتِبَ لرُمَيثة أمانٌ وتقليد بإمرة مكَّة، وسار العسكر من ظاهر القاهرة في نصف صفر، وعِدَّتُهم سبعمائة فارس، وفي سابع جمادى الآخرة قدم الأمير أيتمش بالعسكر المجرَّد إلى مكة، وكان الشريفُ رُمَيثة قد جمع عربًا كثيرةً يريدُ محاربتهم، فكتب إليه الأميرُ أيتمش يُعَرِّفُه بأمان السلطان له وتقليدِه إمرةَ مَكَّة، ويحثُّه على الحضور إليه ويرَغِّبُه في الطاعة، ويحَذِّرُه عاقبةَ الخلاف ويهدده على ذلك، ويُعَرِّفُه بما أمر به السلطانُ من إجلاء بني حسن وأتباعِهم عن مكة، فلما وقف رُمَيثةُ على ذلك اطمأَنَّ إلى الأمير أيتمش وأجابه بما كان قد عزم عليه من الحربِ لو أنَّ غَيرَه قام مقامَه، وطلب منه أن يحلِفَ هو ومن معه ألَّا يَغدِرَ، وأن يُقرِضَه مبلغ خمسين ألف درهم يتعَوَّضُها من إقطاعِه، فتقَرَّر الحال على أن يبعثَ إليه الأمير أيتمش عشرةَ أحمال من الدقيق والشعير والبقسماط وغيره، ومبلغ خمسة ألاف درهم، فقَدِمَ حينئذ، فلما قارب رُمَيثة مكة رَكِبَ الأمير أيتمش بمن معه إلى لقائِه، فإذا عِدَّةٌ من قواده مع وزيره قد تقَدَّموه ليحَلِّفوا له العسكر، فعادوا بهم إلى الحَرَمِ وحلفوا له أيمانًا مؤكَّدة، ثم ركبوا إلى لقائِه وقابَلوه بما يليقُ به من الإكرام، فلَبِسَ رميثة تشريفَ السلطان، وتقَلَّد إمارةَ مكَّة، وعَزَم على تقدمة شيءٍ للأمراء، فامتنعوا أن يقبلوا منه هَدِيَّةً، وكتبوا إلى السلطانِ بعَودِ الشريف إلى الطاعةِ.
هو الحاسِبُ الحكيمُ أبو الحسن ثابت بن قُرَّة بن مروان بن ثابت الحَرَّاني الصابئي, وُلد في مدينة حرَّان الشامية سنة 221. كانت أسرتُه تدرِّسُ قديمًا الديانةَ الصابئيَّةَ، ثم أسلمت. كان صيرفيًّا بحرَّان، ثم انتقل إلى بغداد واشتغل بعلوم الأوائل فمهر فيها وبرعَ في الطبِّ، وكان الغالبُ عليه الفلسفةَ، وكان ثابتٌ يجيدُ عِدَّةَ لغات، منها: السريانية والعربية واليونانية، وترجم عدَّةَ مؤلَّفات من اليونانية للعربية، كأعمال أبي لونيوس وأرخميدس وإقليدس وبطليموس, وكان ثابت صابئيًّا من أعيان عصره ومن حذَّاق الأطباء، عالج مَرَّة السريَّ الرَّفَّاء الشاعر، فأصاب العافية وحصل على مال كثير. جرى بينه وبين أهل مذهبِه أشياء أنكروها عليه في المذهب فرفعوه إلى رئيسهم، فأنكر عليه مقالتَه ومنعه من دخول الهيكل، فتاب ورجع عن ذلك، ثم عاد مدَّةً إلى تلك المقالة فمنعوه من الدخول إلى المجمعِ، فخرج من حرَّان، فلما قدِمَ محمد بن موسى من بلاد الروم راجعًا إلى بغداد اجتمع به، فرآه فاضلًا فصيحًا، فاستصحبه إلى بغداد. توفي ثابت عن تسع وخمسين سنة.
عظُمَ أمرُ أبي الحسَنِ جوهَرِ الصِقليِّ عند المعِزِّ بإفريقيَّة، وعلا محَلُّه، وصار في رُتبة الوزارة، فسَيَّرَه المعِزُّ في صفر في جيشٍ كثيفٍ، فيهم زيري بن مناد الصنهاجي وغيره، وأمره بالمسير إلى أقاصي المغربِ، فسار إلى تاهرت، ومدينة أفكان، دخَلَها بالسيف، ونهبها، ونهب قصور يعلى، وأخذ ولده، وكان صبيًّا، وأمر بهدم أفكان وإحراقِها بالنار، ثم سار منها إلى فاس، وبها صاحِبُها أحمد بن بكر، فأغلق أبوابَها، فنازلها جوهرٌ وقاتَلَها مُدَّةً، فلم يَقدِرْ عليها، وأتته هدايا الأُمَراء الفاطميِّينَ بأقاصي السوس، وأشار على جوهرٍ وأصحابِه بالرَّحيلِ إلى سجلماسة، وكان صاحِبُها محمَّدُ بن واسول قد تلقَّبَ بالشَّاكر لله، ويُخاطَبُ بأمير المؤمنين، وضَرَب السِّكَّة باسمه، وهو على ذلك سِتَّ عشرة سنة، فلما سَمِعَ بجوهر هرب، ثم أراد الرجوعَ إلى سجلماسة، فلَقِيَه أقوام، فأخذوه أسيرًا، وحَمَلوه إلى جوهر وسلك تلك البلادَ جَميعَها فافتتحها وعاد إلى فاس، فقاتلها مدَّةً طويلة، حتى كان فتحُها في رمضان سنة ثمان وأربعين وثلاثمائة.
هو شَيخُ الشِّيعةِ، وصاحِبُ التَّصانيفِ، أبو جَعفرٍ محمدُ بن الحسنِ بن عليٍّ الطُّوسيُّ، فَقيهُ الإِمامِيَّة وعالِمُهُم، انتَقلَ مِن خُراسان إلى بغداد وأقامَ فيها أربعين سَنةً، تَفَقَّهَ فيها أوَّلًا للشافعيِّ, ثم أَخذَ الكلامَ وأُصولَ الشِّيعةِ عن الشيخِ المُفيدِ رَأسِ الإماميَّةِ ولَزِمَهُ حتى تَحوَّل رافِضِيًّا، وعَمِلَ التَّفسيرَ، وأَملَى أحاديثَ ونَوادِرَ في مُجلَّدينِ، عامَّتُها عن شَيخِه المُفيدِ، ثم رَحلَ إلى النَّجفِ واستَقرَّ بها حتى تُوفِّي فيها، أُحرِقَت كُتبُه عِدَّةَ مَرَّاتٍ، له مِن التَّصانيفِ ((البيان الجامع لعلوم القرآن))، و((الاستبصار فيما اختُلِفَ فيه من الأخبار))، و((الاقتصاد في الاعتقاد))، وله أمالي وغيرُ ذلك، قال الذهبيُّ: "أَعرضَ عنه الحُفَّاظُ لِبِدعَتِه، وقد أُحرِقَت كُتبُه عِدَّةَ نُوَبٍ في رَحْبَةِ جامعِ القَصْرِ، واستَتَر لمَّا ظَهَرَ عنه مِن التَّنَقُّصِ بالسَّلَفِ، وكان يَسكُن بالكرخِ، مَحَلَّةِ الرَّافِضَةِ، ثم تَحوَّل إلى الكوفةِ، وأقامَ بالمَشهَدِ يُفَقِّهُهم, وكان يُعَدُّ مِن الأذكياءِ لا الأزكياءِ" تُوفِّي بمَشهدِ عليِّ بن أبي طالبٍ ودُفِنَ فيهِ، عن 75 عامًا.
هو تقيُّ الدين أبو الحسن علي بن زين الدين عبد الكافي بن علي بن تمام بن يوسف بن موسى بن تمام بن حامد بن يحيى بن عمر بن عثمان بن علي بن سوار بن سليم الأنصاري السبكي الشافعي، توفِّيَ بشاطئ النيل في ليلة الاثنين رابع جمادى الآخرة؛ ومولِدُه في شهر صفر سنة 683 بسبك الثلاث، وهي قرية بالمنوفية من أعمال الديار المصريَّة بالوجه البحري، كان إمامًا عالِمًا بالفقه والأصلينِ، والحديث والتفسير، والنحو والأدب، ولِيَ الإفتاء والقضاء بالقاهرة ثم انتقل إلى دمشق، فلما اعتَلَّ عاد إلى القاهرة، وهو والد تاج الدين السبكي, وله من المصنَّفات مختصر طبقات الفقهاء، ومجموع فتاوى، والابتهاج شرح المنهاج، ورفع الشقاق في مسألة الطلاق، وقد تناظر فيها كثيرًا مع ابن القيم، وكان بينهم بسبب ذلك مناظرات، وله كشف الغمة في ميراث أهل الذمة، وله كشف الدسائس في هدم الكنائس، وغيرها.
في سنةِ 1391هـ وقعَت مُحاولةٌ لاغتيالِ الملِك الحسن الثاني في القصْر، وهو في حَفلة عِيد ميلادِه الـ(42)، ولكنها فشَلت، وفي 7 رجب / 16 آب من هذا العامِ عندما كان الملك عائدًا من فرنسا على متْن طائرةٍ، وقعَت مُحاولةٌ ثانية لاغتيالِه بتَدْبيرٍ من اللِّواء محمَّد أوفقير؛ حيث انطلَقَت 6 طائراتٍ هُجومية مِن قاعدة القُنَيطرة المغربيةِ، وبدَأت بضَرْبِ طائرة الملِك، ونَفِدت ذَخائرُ طائرتينِ، وأما طائرةُ قائد الهجومِ فقد اختَلَّ مَدْفَعه فاضطرَّ للهبوطِ المِظَلِّي بنفْسِه، وقد قُبِضَ عليه هو واللِّواء كويرة، واستطاعت طائرةُ الملِكِ أنْ تَهبِطَ سالمةً في مطار سلا بالرِّباط، على الرَّغم مِن تعرُّضها لإصاباتٍ خطيرة، ولمَّا عَلِم المتمرِّدون بنَجاةِ الملِك هاجموا المطارَ لمدَّة ساعةٍ، وهاجموا القصْر الملكيِّ، لكنهم فَشَلوا أيضًا في اغتيالِه، وقُبِض على المتمرِّدين، وعُرِف أن قائِدَهم هو اللِّواء محمَّد أوفقير الذي أنقَذ الملِكَ من الاغتيالِ في السَّنة الماضية، وقد تمَّ قتل أوفقير بخمْسِ رُصاصاتٍ في مساءِ يوم مُحاوَلةِ الاغتيال في القصْر الملكي.
وُلِد المشيرُ محمَّد حُسَين طنطاوي، القائِدُ العامُّ السَّابقُ للقوَّاتِ المُسلَّحةِ المِصريَّةِ عام 1935. عَمِل وزيرًا للدِّفاعِ والإنتاجِ الحربيِّ. وكان من أُسرةٍ نوبيَّةٍ. تخرَّج في الكُلِّيَّةِ الحربيَّةِ المصريَّةِ سنة 1956م، ثمَّ كليةِ القادةِ والأركانِ. شارك في حرِب 1967م، وحربِ الاستنزافِ، وحربِ أكتوبر 1973م؛ حيث كان قائِدَ وحدةِ مُقاتلةٍ بسلاحِ المُشاةِ. وبعد الحربِ حصل على نُوطِ الشَّجاعةِ العَسكريِّ، ثمَّ عَمِل في عام 1975 مُلحَقًا عسكريًّا لمصرَ في باكستانَ، ثمَّ في أفغانستانَ. تدرَّج في المناصِبِ حتى أصبح وزيرَ الدِّفاعِ والقائِدَ العامَّ لـلقُوَّاتِ المُسلَّحةِ في عام 1991م، وحصل على رُتبةِ المشيرِ في 1993م.
تولَّى رئاسةَ مِصرَ مُؤقَّتًا بصِفتِه رئيسَ المجلِسِ الأعلى للقُوَّاتِ المُسَلَّحةِ بعد تنحِّي الرَّئيسِ السَّابقِ حُسني مبارك في 11 فبراير 2011م، وظلَّ حتى تسلَّم الرَّئيسُ محمَّد مرسي منصِبَه في 1 يوليو 2012م.
أُحيل للتَّقاعُدِ في 12 أغسطس 2012، ومُنِح قِلادةَ النِّيلِ، وعُيِّنَ مُستشارًا لرئيسِ الجُمهوريَّةِ.
كانت الموصِل جزءًا من الدولة العثمانية حتى نهاية الحرب العالمية الأولى، عندما احتلَّتْها بريطانيا، وبعد حرب الاستقلال التركية، اعتبرت تركيا الموصل من القضايا الحاسمة المحدَّدة في الميثاق الوطني التركي. وعلى الرغم من المقاومة المستمرة تمكَّنت بريطانيا من طرح هذه القضية في الساحة الدولية، كمشكلة حدود بين تركيا والعراق. فقرَّر مجلسُ عصبة الأمم في جلسته المنعقدة في الثالث من ربيع الأول عام 1343هـ / الأول من تشرين الأول 1924م أن يتولى بنفسِه تعيينَ الحدود بين تركيا والعراق، وإنهاء الخلاف بين الحكومتين على ولاية الموصل، وأرسل مجلِسُ عصبة الأمم لجنةً مؤلفة من ثلاثة أعضاء وصلت إلى بغداد في العشرين من جمادى الآخرة 1343هـ / 15 كانون الثاني 1925م، وكانت إنجلترا ترى أن المنطقةَ المتنازَعَ عليها تضُمُّ مجموعاتٍ نصرانيةً وأخرى يهودية، وكذلك مجموعة يزيدية، وبما أنهم سيوطَّنون تحت دولة مسلمة فلا بد من اتخاذ الإجراءات الكفيلة بحمايتهم تمامًا، وخاصة أنهم رغم بقائهم بكلِّ أمن وسلام فترة عيشهم في ظل الدولة العثمانية إلا أنهم عند اندلاع الحرب العالمية الأولى أظهروا ما تُخفي صدورهم من الحقد الصليبي، فكانوا شرًّا وبيلًا على المسلمين من قَتلٍ وترويع ونهب؛ فلذا رفض الأتراك أن يكون الآشوريون على الحدود، فقامت إنجلترا ومن خلال جمع التبرعات لهم بإسكانِهم في مناطق أخرى في الوسَط، وطُلِب من الحكومة العراقية منحُهم أراضيَ مقابل التي تركوها في الموصل، وإعفاؤهم من الضرائب، واعترفت الحكومةُ بالبطريك مار شمعون بطريقًا لهم، أمَّا الأكراد الذين كانوا جيرانًا للآشوريين فلم يَسلَموا أيضا من أذاهم أيامَ اندلاع الحرب بحكم أن الأكراد يخالفونهم في العقيدة، فهو مسلمون، وزاد أذاهم لهم لَمَّا احتل الإنجليز العراق، وبعد رفع الأمر لمحكمة لاهاي وإرسال اللجان التي درست المنطقة قرَّر مجلس عصبة الأمم أن تكون الحدودُ بين العراق وتركيا كما في قرار الأول من ربيع الثاني 1343هـ ولم توافق تركيا طبعًا فعرض الإنجليز على تركيا اتفاقًا تتعهَّدُ فيه المحافظة على سلامة أملاكها مقابِلَ بقاء الموصل للعراق وأن تُجرَّدَ الموصِلُ من وسائل الدفاع وتُعَدُّ حيادية، وتعطى تركيا قرضًا بقيمة عشرة ملايين جنيه وتتنازل عن جزء من السليمانية، ورفضت أيضًا تركيا ذلك، ثمَّ عُقِدَ مؤتمر ثلاثي عراقي تركي إنجليزي وُقِّعَت فيه معاهدة شَمِلَت رسم الحدود وجنسية سكان المناطق التي كانت موضِعَ خلافٍ، وموضوعَ استثمارِ النِّفطِ، وتعهدت إنجلترا بدفع عشرة بالمائة من عائدات النفط لمدة خمسة وعشرين سنة.
ظهر رجلٌ بظاهر البصرة زعمَ أنَّه عليُّ بن محمد بن أحمد بن عيسى بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، ولم يكنْ صادِقًا، وإنما كان أجيرًا من عبد القيس، واسمُه علي بن محمد بن عبد الرحيم، وأمُّه قرَّة بنت علي بن رحيب بن محمد بن حكيم من بني أسد بن خزيمة، وأصلُه من قرية من قرى الريِّ، والتَفَّ عليه خلقٌ من الزنج الذين يكسحونَ السِّباخ، فعبَرَ بهم دجلةَ فنزل الديناري، وكان يزعُمُ لبعضِ من معه أنَّه يحيى بن عمر أبو الحسين المقتولُ بناحية الكوفة، وكان يدَّعي أنه يحفظُ سورًا من القرآن في ساعةٍ واحدة جرى بها لسانُه لا يحفَظُها غيره في مدَّة دهرٍ طويل، وهنَّ سبحان والكهف وص وعمَّ، وزعم أنَّه فكَّر يومًا وهو في البادية إلى أيِّ بلدٍ يسير فخوطِبَ من سحابة أن يقصِدَ البصرة فقصَدَها، فلمَّا اقترب منها وجد أهلَها متفرِّقينَ على شُعبَتين، سعدية وبلالية، فطَمِعَ أن ينضَمَّ إلى إحداهما فيستعينَ بها على الأخرى فلم يقدِرْ على ذلك، فارتحل إلى بغداد فأقام بها سنةً، وانتسب بها إلى محمد بن أحمد بن عيسى بن زيد، وكان يزعُمُ بها أنَّه يعلم ما في ضمائِرِ أصحابه، وأنَّ الله يُعلِمُه بذلك، فتَبِعَه على ذلك جهلةٌ من الطَّغامِ، وطائفةٌ من الرَّعاعِ العوامِّ, ثم عاد إلى أرض البصرة في رمضان فاجتمع معه بشَرٌ كثيرٌ، ولكِنْ لم يكُنْ معهم عُدَدٌ يُقاتِلونَ بها فأتاهم جيشٌ من ناحية البصرة فاقتَتلوا جميعًا، ولم يكنْ في جيشه هذا الخارجي سوى ثلاثة أسياف، وأولئك الجيشُ معهم عَددٌ وعُدَدٌ ولَبُوسٌ، ومع هذا هزمَ أصحابُ الزنجي ذلك الجيشَ، وكانوا أربعةَ آلاف مقاتل، ثم مضى نحو البصرةِ بمن معه فأهدى له رجلٌ من أهل جبى فرسًا فلم يجِدْ لها سرجًا ولا لجامًا، وإنما ألقى عليها حبلًا وركِبَها، ثم صادرَ رجلًا وتهدَّده بالقتل فأخذ منه مئةً وخمسين دينارا وألف درهم، وكان هذا أوَّلَ مال نهبه من هذه البلاد، وأخَذَ من آخر ثلاثةَ براذين، ومِن موضعٍ آخرَ شيئًا من الأسلحة والأمتعة، ثم سار في جيشٍ قليل السلاح والخيول، ثم جرت بينه وبين نائبِ البصرة وقعاتٍ مُتعددةً يَهزِمُهم فيها، وفي كل مرة يقوى ويعظُم أمرُه ويزداد أصحابُه ويكثُر جيشُه، وهو مع ذلك لا يتعَرَّض لأموال الناس ولا يؤذي أحدًا، وإنما يُريدُ أخْذَ أموال السلطان. وقد انهزم أصحابُه في بعض حروبه هزيمةً عظيمة ثم تراجعوا إليه واجتَمعوا حولَه، ثمَّ كَرُّوا على أهل البصرة فهزموهم وقَتلوا منهم خلقًا وأسَروا آخرين، وكان لا يؤتى بأسيرٍ إلَّا قتله ثم قوِيَ أمرُه وخافه أهلُ البصرة، وبعث الخليفةُ إليها مددًا ليقاتلوا صاحِبَ الزنج قبَّحَه الله، ثم أشار عليه بعضُ أصحابه أن يهجُم بمن معه على البصرةِ فيَدخُلوها عَنوةً فهَجَّن آراءهم وقال: بل نكونُ منها قريبًا حتى يكونوا هم الذين يطلبونَنا إليها ويخطبونَنا عليها.