قام مصطفى كمال أتاتورك -الذي كانت بيده مقاليدُ الأمور في تركيا- بإلغاء السَّلْطَنة العثمانية، ونفيِ السلطان عبد المجيد الثاني، وكان ذلك تمهيدًا لإلغاءِ الخلافة الإسلامية التي أصدر قرارًا بإلغائها سنة 1924م!! ونفى جميعَ أسرة آل عثمان التي حكمت العالم الإسلاميَّ خمسة قرون. وبذلك نجحت الجهودُ الغربية الاستعمارية في تدمير الرباطِ الرُّوحيِّ بين المسلمين بعد عشراتِ السنواتِ مِن التآمُرِ والمكائد لإسقاط الخلافة!!!
جرت الانتخاباتُ المحلية في غينيا عام 1377هـ / 1957م إثرَ مؤتمر باماكو الذي ضَمَّ ممثِّلي أفريقيا الغربية، وكان من مقرراته اعترافُ فرنسا بحَقِّ تقرير المصير لشعوب المنطقة، وفاز في غينيا حزبُ غينيا الديمقراطي، واحتفلت غينيا باستقلالها في 19 ربيع الأول / 2 أكتوبر بعد استعمارٍ دام قرنًا من الزمن، وكان أوَّلُ رئيس لغينيا الرئيس أحمد سيكوتورى، وغينيا من دول أفريقيا ذات الأغلبية المسلمة.
اتَّفَق معارِضون سوريون يُقيمون في الخارج خلالَ اجتماعٍ في بروكسلَ على إنشاء جبهة موحَّدة للإطاحة بالرئيس بشار الأسد بالوسائل الديمقراطية، على رأسهم عبد الحليم خدام النائب السابق للرئيس، والذي انشقَّ على الأسد، وقد ضمَّت مفاوَضات بروكسلَ 17 سياسيًّا من الحركات المعارِضة من قوميِّين، ولِيبراليِّين، وإسلاميِّين، وأكراد وشيوعيِّين، وكان من ضِمنِهم المراقبُ العامُّ للإخوانِ المسلمينَ في سوريا علي صدر الدين البيانوني.
خَرَج الجُنَيْدُ المُرِّيُّ غازِيًا يُريدُ طَخارِسْتان، فوَجَّه عُمارَةَ بن حُرَيْم إلى طَخارِسْتان في ثمانِيَة عَشر ألفًا، ووَجَّهَ إبراهيمَ بن بَسَّام اللَّيْثِيَّ في عَشرةِ آلافٍ إلى وَجْهٍ آخَر، وجاشَت التُّرْكُ فأتوا سَمَرْقَنْد وعليها سَوْرَةُ بن الحُرِّ، فكَتَب سورةُ إلى الجُنَيْدِ: إنَّ خاقان جاشَ التُّرْكَ فخَرَجتُ إليهم فلم أَطِقْ أن أَمنَع حائِطَ سَمَرْقَنْد، فالغَوْثَ الغَوْثَ. وعَبَرَ الجُنيدُ فنَزَل كِشَّ وتَأَهَّبَ للمَسيرِ، وبَلَغ التُّرْك فغَوَّرُوا الآبارَ التي في طَريقِ كِشٍّ فأَخَذ الجُنيدُ طَريقَ العَقَبَة فارْتَقى في الجَبَلِ ودَخَل الشِّعْبَ، فصَبَّحَهُ خاقان في جَمعٍ عَظيمٍ، وزَحَف إليه أَهْلُ الصُّغْدِ وفَرْغانَة والشَّاش وطائِفَة مِن التُّرْك، فحَمَل خاقان على المُقَدِّمَة وأَخَذ الرَّايَة ابنُ مَجاعَة فقُتِلَ، وتَداوَلَها ثمانية عشر رَجُلًا فقُتِلوا، وصَبَر النَّاسُ يُقاتِلون حتَّى أَعْيوا، فكانت السُّيوف لا تَقطَع شَيْئًا، فقَطَع عَبيدُهُم الخَشَب يُقاتِلون به حتَّى مَلَّ الفَريقان، فكانت المُعانَقَة ثمَّ تَحاجَزوا فبَيْنا النَّاسُ كذلك إذ أَقْبَل رَهَجٌ وطَلَعَت فُرْسانٌ، فنادَى الجُنيدُ: الأرضَ الأرضَ! فتَرَجَّلَ وتَرَجَّل النَّاسُ، ثمَّ نادَى: لِيُخَنْدِق كُلُّ قائِدٍ على حِيالِه. فخَنْدَقوا وتَحاجَزوا ثمَّ طَلَب الجُنيدُ النَّجْدَة فعَرَفت التُّرْك بذلك فكَمُنَت له وقَتَلَته، فخَرَج مِن الشِّعْب واشْتَدَّ الأَمْرُ حتَّى قال الجُنيدُ: كُلُّ عَبدٍ قاتَل فهو حُرٌّ. فقاتَلوا قِتالًا عَجِبَ منه النَّاسُ حتَّى انْكَشَف العَدُوُّ ورَجَع الجُنيدُ إلى سَمَرْقَنْد.
احتلَّ الفرنج طرابلس، وسبب ذلك أن طرابلس كانت قد صارت في حكم العُبيديين في مصر ونائبهم فيها، والمدد يأتي إليها منه، فلما كانت هذه السنة أول شعبان وصل أسطولٌ كبير من بلد الفرنج في البحر، ومُقدَّمهم قمص كبير القساوسة- اسمه ريمند بن صنجيل، ومراكبه مشحونة بالرجال والسلاح والميرة، فنزل على طرابلس، وكان نازلًا عليها قبله السرداني ابن أخت صنجيل، فجرى بينهما فتنة أدت إلى الاقتتال بينهما، فوصل طنكري صاحب أنطاكية إليها؛ معونةً للسرداني، ووصل الملك بغدوين، صاحب القدس، في عسكره، فأصلح بينهما، ونزل الفرنج جميعهم على طرابلس، وشرعوا في قتالها، ومضايقة أهلها، من أول شعبان، وألصقوا أبراجهم بسورها، فلما رأى الجند وأهل البلد ذلك سُقِط في أيديهم، وذلَّت نفوسهم، وزادهم ضعفًا تأخُّرُ الأسطول المصري عنهم بالميرة والنجدة، ومد الفرنج القتال عليها من الأبراج والزحف، فهجموا على البلد وملكوه عَنوة وقهرًا يوم الاثنين لإحدى عشرة ليلة خلت من ذي الحجة، ونهبوا ما فيها، وأسروا الرجال، وسَبَوا النساء والأطفال، ونهبوا الأموال، وغنموا من أهلها من الأموال والأمتعة وكُتُب دور العلم الموقوفة ما لا يُحَدُّ ولا يحصى، فإن أهلها كانوا من أكثر أهل البلاد أموالًا وتجارة، وسَلِمَ الوالي الذي كان بها وجماعةٌ من جندها كانوا التمسوا الأمان قبل فتحها، فوصلوا إلى دمشق، وعاقب الفرنج أهلها بأنواع العقوبات، وأُخِذَت دفائنهم وذخائرهم في مكامنِهم.
تجدَّدت الفِتنةُ الطائفية في بلاد الشامِ؛ إذ اعتدى الموارنة على الدروز عام 1276هـ، فقام الدروز يأخُذونَ بالثأرِ، وامتَدَّ اللهيبُ مِن جبل لبنان إلى طرابلس وصيدا وزحلة ودير القمر واللاذقية ودمشق، وأسرعت الدولةُ فأرسلت فؤاد باشا وقضى على الفتنةِ، وعاقب المسؤولين عنها كلًّا بما يستحِقُّ، واحتَجَّت الدُّولُ الأوربية وهدَّدت بالتدخُّلِ، وكانت متفرقةَ الرأي ثم اجتمعت أو اتَّفَقت على أن ترسِلَ فرنسا ستة آلاف جندي لمساعدة الدولةِ فيما إذا عجزت عن إطفاءِ الفتنةِ -حسب زعمهم- وأنزلت فرنسا قوتَها في بيروت في الثاني والعشرين من محرَّم من عام 1277هـ، وهذا يُعَدُّ تدخلًا في شؤون الدولة العثمانية التي أحسَنَت القيامَ بمهمتها، لكن كان القصدُ تقوية النصارى وإظهارُهم بمظهرِ القوة، وأن أوربا كُلَّها من خَلْفِهم لتزدادَ قُوَّتُهم ويخشى خصومُهم بأسَهم، وجرى الاتفاقُ مع فؤاد باشا على أن يعوَّضَ النصارى على ما خسروه، ويُمنَحَ أهلُ الجبل حكومةً مُستقلَّةً تحت سيادة الدولةِ، وأن يرأس هذه الحكومةَ رجل نصراني لمدة ثلاث سنوات، ولا يحِقُّ عزلُه إلَّا برأي الدول الأوروبية، وتقترحه الدولةُ وتوافِقُ عليه أوروبا، وقد اختير أوَّلُ حاكم وهو داود الأرمني، ويذكَرُ أن هذا التساهل ألزم فرنسا بالانسحابِ مِن الشام إذ أخلَت المناطِقَ التي دخلَتْها في السابع والعشرين من ذي القعدة عام 1277هـ أي: بعد عشرة أشهر وخمسة أيام من دخولِها.
هو الإمامُ المنصور نجاح الدين أبو الحسن علي بن صلاح بن علي بن محمد بن علي بن أحمد بن منصور بن حجَّاج بن يوسف الحسني، الرسي المدعو بأمير المؤمنين، إمامُ الزيدية ورأسُهم.
صاحبُ صنعاء باليمن، أقام في الإمامة بعد أبيه ستًّا وأربعين سنة وثلاثة أشهر، وأضاف إلى صنعاء وصعدة عدة من حصون الإسماعيلية، أخذها منهم بعد حروب وحصار. مات في سابع صفر، فقام بعده ابنه الإمام الناصر صلاح الدين محمد بعهده إليه وبيعة الجماعة له، فمات بعد ثمانية وعشرين يومًا في الخامس والعشرين شهر ربيع الأول، فأجمع الزيدية بعده على رجل منهم يقال له صلاح بن علي بن محمد بن أبي القاسم وبايعوه، ولقَّبوه بالمهدي، وهو من بني عم الإمام المنصور، وقام بأمره قاسم ابن سنقر على أن يكون الحُكمُ له، فعارضه الإمام وصار يحكُمُ بما يؤدي إليه اجتهاده، ولا يلتفت إلى ابن سنقر، فثار عليه بعد ستة أشهر رجل يقال له محمد بن إبراهيم الساودي، وأعانه ابن سنقر، وقبضا عليه وسجناه في قصر صنعاء، ووكل به محمد بن أسد الأسدي، وقام قاسم بالأمر، فدبرت زوجةُ الإمام المهدي في خلاصِه، ودفعت إلى الأسدي الموكل به ثلاثة آلاف أوقية، فأفرج عنه، وخرج به من القصر، وسار إلى معقل يسمى ظفار، وفيه زوجة المهدي، ومضى الأسدي إلى معقل يسمى دمر، وهو من أعظم معاقل الإسماعيلية التي انتزعها الإمام المنصور علي بن صلاح، وأقام المهدي مع زوجته بظفار، ثم جمع الناس وسار إلى صنعاء، فوقع بينه وبين ابن سنقر وقعة، انكسر فيها الإمامُ وتحصَّن بقلعة يقال لها تلى، فلما بلغ ذلك زوجته ملكت صعدة، وأطاعها من بها من الناس، فاضطرب أمر ابن سنقر، وكان الناس مخالفين عليه، فأقام ولدًا صغيرًا وهو ابن بنت الإمام المنصور علي وأبوه من الأشراف الرسية، فازداد الناس نفورًا عنه وإنكارًا عليه، واستدعَوا الإمام المهدي إلى صعدة، فقدمها وبايعه الأشراف بيعة ثانية، حتى تم أمره، وبعث إلى أهل الحصون يدعوهم إلى طاعته، فأجابوه، وانفرد ابن سنقر بصنعاء وحدها على كرهٍ من أهلها، وبُغضٍ له.
لَمَّا بلغ الأمير فاروق سن الرابعة عشرة طلب السير مايلز لامبسون من الملك فؤاد ضرورةَ سفر ابنه الأمير فاروق إلى بريطانيا لمواصلةِ الدراسة وأصَرَّ على ذلك بشدة رافضًا أيَّ محاولة من الملك فؤاد لتأجيل سفره حتى يبلغ سن السادسة عشرة، فتقرَّر سفرُ فاروق إلى بريطانيا ولكن دون أن يلتحِقَ بكلية إيتون، بل تم َّإلحاقه بكلية وولتش للعلوم العسكرية؛ ونظرًا لكونه لم يبلغ الثامنة عشرة -وهو أحد شروط الالتحاق بكلية وولتش- فقد تم الاتفاق على أن يكون تعليمُه خارج الكلية على يد معلِّمين من نفس الكلية، وقد رافق فاروق خلال سفرِه بعثةٌ مُرافِقةٌ له برئاسة أحمد حسنين باشا؛ ليكون رائدًا له -والذي كان له دور كبير في حياته بعد ذلك- بالإضافة إلى عزيز المصري الذي كان نائبًا لرئيس البعثة وكبيرًا للمعلمين، بالإضافة إلى عمر فتحي حارسًا للأمير وكبير الياوران فيما بعد، وكذلك الدكتور عباس الكفراوي كطبيب خاص، وصالح هاشم أستاذ اللغة العربية، بالإضافة إلى حسين باشا حسني كسكرتير خاص، والذي كان وجوده عاملًا مساعدًا للأمير على الانطلاق؛ فقد شجَّعه على الذهاب إلى المسارح والسينما ومصاحبة النساء ولعب القمار، بينما كان عزيز المصري دائم الاعتراض على كل تلك التصرفات، وكان فاروق بحُكمِ ظروف نشأته القاسية والصارمة يميل إلى حسين باشا ويتمرَّدُ على تعليمات وأوامر عزيز المصري، وفي تلك الفترة كان المرض قد اشتَدَّ على الملك فؤاد، وأصبح على فراش الموت، فاقترحت بريطانيا تشكيل مجلس وصاية مكوَّن من ثلاثة أعضاء، هم: الأمير محمد علي توفيق؛ ابن عم الأمير فاروق، وقد كان ذا ميول إنجليزية، وكان يرى دائمًا أنه أحق بعرش مصر، والثاني: هو محمد توفيق نسيم باشا، رئيس الوزراء الأسبق، وهو من رجال القصر، والثالث: هو الإمام الأكبر الشيخ المراغي، وعندما علم الأمير فاروق بشدَّةِ مرض والده ورغبته في أن يرى ابنه، طلب العودةَ إلى مصر لرؤية والده ووافقت بريطانيا بعد تردُّد على عودة فاروق إلى مصر في زيارة ليعودَ بعدها لاستكمال دراسته إلَّا أنه وقبل أن يسافر فاروق إلى مصر لرؤية والده كان والده الملك فؤاد الأول قد لقِيَ ربه في 28 أبريل 1936م. وعاد فاروق إلى مصر وقطع دراستَه ليجلس على كرسي العرش.
في يوم الجمعة الثالث والعشرين جمادى الآخرة وصل رسول صاحب قبرص جاك، وأخبر أنه أخذ مدينة الماغوصة وقلعتها من يد الفرنج، وأنَّه سلمها للأمير جانبك الأبلق المقيم بجزيرة قبرص بمن بقيَ معه من المماليك السلطانية، فأساء جانبك السيرةَ في أهل الماغوصة، ومدَّ يده لأخذ الصبيان الحِسان من آبائهم وهم أعيانُ أهل الماغوصة، فشق ذلك عليهم، وقالوا: نحن سلَّمناكم البلد بالأمان، وقد حلفتم لنا أنَّكم لا تفعلوا معنا بعد أخذكم المدينة إلا كل خير، وأنتم مسلمون، فما هذا الحال؟ فلم يلتفت جانبك الأبلق إلى كلامِهم، واستمرَّ على ما هو عليه، فأرسل أهل الماغوصة إلى جاك عرفوه الخبر، فأرسل جاك إلى جانبك ينهاه عن هذه الفعلة، فضرب جانبك القاصِدَ بعد أن أوسعه سبًّا، فأرسل إليه قاصدًا آخر، فضربه جانبك بالنشَّاب، فركب جاك إليه من الأفقسية مدينة قبرص، وجاء إليه وكلَّمه، فلم يلتفت إليه، وخشَّن عليه الكلام، فكلمه جاك ثانيًا، فضربه بشيءٍ كان في يده، فسقط جاك مغشيًّا عليه، فلما رأت الفرنج ذلك مدَّت أيديها إلى جانبك ومن معه من المسلمين بالسيوفِ، فقُتِلَ جانبك وقُتِل معه خمسة وعشرون مملوكًا من المماليك السلطانية، واستولى جاك على الماغوصة على أنَّه نائب بها عن السلطان، فعيَّن السلطان سودون المنصوري الساقي وتوجَّه لقبرص مع يعقوب قاصد جاك.
سار يوسُفُ بنُ أبي الساج من أذربيجان إلى الرَّيِّ، فحاربه أحمدُ بن عليٍّ أخو صعلوك، فانهزم أصحابُ أحمد وقُتِلَ هو في المعركة، وأنفذ رأسَه إلى بغداد؛ وكان أحمدُ بن عليّ قد فارق أخاه صعلوكًا، وسار إلى المقتَدِر فأُقطِعَ الريِّ، ثمّ عصى، وهادن ماكان بنَ كالي وأولاد الحسن بن علي الأطروش، وهم بطبرستان، وجُرجان، وفارق طاعةَ المقتَدِر وعصى عليه، ووصل رأسُه إلى بغداد، وكان ابنُ الفرات يقعُ في نصر الحاجب، ويقول للمقتَدِر إنَّه هو الذي أمر أحمدَ بنَ عليٍّ بالعصيان لمودَّةٍ بينهما، وكان قتلُ أحمدَ بنِ عليٍّ آخر ذي القعدة، واستولى ابنُ أبي الساج على الرَّيِّ، ودخلها في ذي الحجَّة، ثمَّ سار عنها في أوَّل سنة ثلاث عشرة وثلاثمائة إلى همذان، واستخلف بالريِّ غُلامَه مُفلحًا، فأخرجه أهل الريِّ عنهم، فلَحِقَ بيوسُف، وعاد يوسفُ إلى الريِّ في جُمادى الآخرة سنة ثلاث عشرة وثلاثمائة واستولى عليها.
لَمَّا استدعى المقتَدِرُ يوسفَ بنَ أبي الساج إلى واسط كتبَ إلى السعيدِ نصرِ بنِ أحمد السامانيِّ بولاية الرَّيِّ، وأمَرَه بقَصدِها، وأخذها من فاتك، غلامِ يوسُف، فسار نصر بن أحمد إليها، أوائِلَ هذا العام، فوصل إلى جبلِ قارن، فمنعه أبو نصرٍ الطبريُّ من العبورِ، فأقام هناك، فراسله وبذل له ثلاثين ألف دينارٍ حتَّى مكَّنَه من العبور، فسار حتَّى قارب الرَّيَّ، فخرج فاتك عنها، واستولى نصر بن أحمد عليها في جمادى الآخرة، وأقام بها شهرَينِ، وولَّى عليها سيمجور الدواتيَّ وعاد عنها. ثمَّ استعمل عليها محمَّد بن عليٍّ صعلوك، وسار نصر إلى بُخارى، ودخل صعلوك الرَّيَّ، فأقام بها إلى أوائِلِ شعبان سنة ست عشرة وثلاثمائة فمَرِضَ، فكاتب الحسنَ الدَّاعي، وماكان بن كالي في القدومِ عليه ليسلِّمَ الريَّ إليهما، فقَدِما عليه، فسلَّم َالريَّ إليهما وسار عنها، فلمَّا بلغ الدامغان مات.
هو المَلِكُ المُعظَّم فخر الدين شمس الدولة توران شاه بن أيُّوب أخو السلطان صلاح الدين. كان أكبَرَ من صلاح الدين في السنِّ. وكان يرى في نفسه أنَّه أحقُّ بالمُلك من صلاح الدين يوسف، وكان يبدو منه كلامٌ يقدح في صلاح الدين وتبلغه عنه، ومع ذلك كان صلاح الدين يُحسِنُ إليه. شهد معه مواقِفَ مشهودة محمودة، وهو الذي افتتح بلادَ اليمن عن أمر صلاح الدين، فمكث فيها حينًا واقتنى منها أموالًا جزيلة، ثم عاد من اليمن، فاستنابه صلاح الدين على دمشق مدة، ثم سار إلى مصر فاستنابه على الإسكندرية فلم توافقْه، وكانت تعتريه القوالنج، فمات في هذه السنة، ودفن بقصر الإمارة فيها، ثم نقلته أختُه ست الشام بنت أيوب فدفنته بتربتها التي بالشامية البرانية, ولَمَّا بلغ موته أخاه صلاح الدين بن أيوب وهو مخيِّم بظاهر حمص، حَزِن عليه حزنًا شديدًا. كان توران شاه شجاعًا جوادًا مُمَدَّحًا حَسَن الأخلاق.
بعد قَتلِ مُدَّعي النُّصَيرية المهديَّة بساحل الشامِ رسم أن يُبنى بقرى النصيريَّة في كل قريةٍ مَسجِدٌ، وتُعمَل له أرضٌ لعمل مصالحه، وأن يُمنَعَ النُّصيريَّة من الخطابِ وهو أن الصبيَّ إذا بلغ الحُلُمَ عندهم عُمِلَت له وليمةٌ، فإذا اجتمع الناسُ وأكلوا وشَرِبوا حلَّفوا الصبيَّ أربعين يمينًا على كتمانِ ما يُودَعُ مِن المذهب، ثم يُعلِمونَه مذهَبَهم وهو إلهيَّةُ علي بن أبي طالب، وأن الخمر حلالٌ، وأن تناسخ الأرواحِ حَقٌّ، وأن العالمَ قديمٌ، والبعث بعد الموت باطل، وإنكار الجنَّة والنار، وأن الصَّلواتِ خَمسٌ، وهي إسماعيل وحسن وحسين ومحسن وفاطمة، ولا غُسلَ من جنابة، بل ذِكرُ هذه الخمسة يغني عن الغسل وعن الوضوء! وأن الصيام عبارة عن ثلاثين رجلًا وثلاثين امرأة ذَكَروهم في كتبهم، وأنَّ إلهَهم علي بن أبي طالب خلق السموات والأرض، وهو الربُّ، وأن محمدًا هو الحجاب، وسلمان هو الباب، إلى غير ذلك من عقائدهم الفاسدةِ المعروفة في كُتُبِهم وكُتُبِ غَيرِهم ممن كَشَف حقائقَهم!
هو السلطان أبو سعيد عثمان بن السلطان أبي العباس أحمد ابن السلطان أبي سالم إبراهيم ابن السلطان أبي الحسن علي بن عثمان بن يعقوب بن عبد الحق المريني الفاسي ملك الغرب وصاحب فاس. توفي قتيلًا في ليلة الثالث عشر شوال، قتله وزيره عبد العزيز اللباني، وكانت مدته ثلاثًا وعشرين سنة وثلاثة أشهر، وأقيم ولده عبد الحق خلفًا له مع أنه ما يزال صبيًّا، وكان الوصيُّ عليه الوزير أبا زكريا يحيى الوطاسي، فكان هو الحاكم، ويعتبر أبو سعيد آخر ملوك بني مرين؛ ففي ذي الحجة سار أبو زيان محمد بن أبي طريق محمد ابن السلطان أبي عنان من تازي، وكان ابن الأحمر قد بعث به من الأندلس لأخذ فاس، فنزل عليها وبايعه الشيخ يعقوب الحلفاوي الثائر بمدينة فاس، بمن اجتمع معه من أهل البلد، وقاتلوا اللباني أربعة أشهر.
وُلِد محمد حسني مُبارَك عامَ 1347هـ/ 1928م، بمُحافظةِ المُنوفية، أصبَح الرئيسَ الرابع لجُمهورية مِصر العربيةِ خلَفًا لمحمَّد أنور السَّادات عامَ 1401هـ / 1981م. تنحَّى عن الحكْم عامَ 1432هـ / 2011م تحْت ضُغوطٍ شَعبية وسلَّم السُّلطة للمجلِس الأعلى للقوَّات المسلَّحة. حصَل على التعليمِ العسْكريِّ في مِصرَ، وتخرَّج من الكُلِّية الجويَّة عامَ 1370هـ/1950م، وترقَّى في المناصبِ العسكريةِ حتى وصَل إلى مَنصبِ رئيسِ أركان حرْب القواتِ الجويَّةِ، ثم قائدًا للقوَّات الجوية، وقادَ القواتِ الجويةَ المصريةَ أثناءَ حرْب أكتوبر 1973. وفي عامِ 1395هـ / 1975م اختارَه محمَّد أنور السَّادات نائبًا لرئيسِ الجمهورية، وعقِبَ اغتيال السَّادات تقلَّد رِئاسةَ الجمهورية، وجُدِّدت مُدَّة ولايتِه عدةَ مراتٍ حتى حصَلَت ثورةُ 25 يناير 1432هـ / 2011م. تُوفِّي عن عُمرٍ ناهَزَ 91 عامًا، وشُيِّع في جنازةٍ عَسكرية بحُضور رَئيس الجمهورية عبد الفتاح السِّيسي.