هو أحمدُ بنُ محمَّدِ بنِ سلامة بن سلمة بن عبد الملك أبو جعفرٍ الأزدِيُّ الحجري المصريُّ الطحاوي، الفقيهُ الحنفيُّ، المحَدِّثُ الحافِظُ، أحدُ الأعلام، ولد سنة 239 بِطَحَا: قريةٍ مِن قُرى مِصرَ مِن ضواحي القاهرةِ بالوجه البحري، رحل إلى البلادِ، قال أبو إسحاق الشيرازي: انتهت إلى أبي جعفر رياسةُ أصحابِ أبي حنيفة بمصرَ، أخذ العلمَ عن أبي جعفرٍ أحمَدَ بن أبي عمران، وأبي حازم، وغيرهما، وكان إمامَ عَصرِه بلا مُدافعةٍ في الفِقهِ والحديثِ، واختلافِ العُلَماءِ، والأحكامِ، واللغة والنحو، وصَنَّف المصَنَّفاتِ الحسانَ، وصَنَّف اختلافَ العُلَماء، وأحكام القرآن، ومعاني الآثار، والشروط. وكان من كبارِ فُقَهاء الحنفيَّة، والمُزَنيُّ الشافعيُّ هو خالُ الطَّحاويِّ، وقِصَّتُه معه مشهورة في ابتداءِ أمره. قال الذهبي: " من نظَرَ في تصانيف أبي جعفرٍ رَحِمَه الله، علم محَلَّه من العلمِ وسَعةِ مَعرفتِه" كانت وفاته في مستهَلِّ ذي القَعدة، ودُفِنَ في القَرافة.
مَلَكَ عَسكرُ المُستَنصِر بالله العُبيديِّ، صاحِبِ مصر، مَدينةَ صور، وسَببُ ذلك ما كان سَنةَ 482هـ أن أَميرَ الجُيوشِ بَدرًا، وَزيرَ المُستَنصِر، سَيَّرَ العَساكِرَ إلى مَدينةِ صور، وغَيرِها، من ساحِلِ الشامِ، وكان مَن بها قد امتَنعَ مِن طاعَتِهم، فمَلَكَها، وقَرَّرَ أُمورَها، وجَعَلَ فيها الأُمراءَ، وكان قد وَلَّى مَدينةَ صور الأَميرَ الذي يُعرَف بمُنيرِ الدولةِ الجُيوشيِّ، فعَصَى على المُستَنصِر وأَميرِ الجُيوشِ، وامتَنعَ بصور، فسُيِّرَت العِساكرُ من مصر إليه، وكان أَهلُ صور قد أَنكَروا على مُنيرِ الدولةِ عِصيانَه على سُلطانِه، فلمَّا وَصلَ العَسكرُ المصريُّ إلى صور وحَصَروها وقاتَلوها ثارَ أَهلُها، ونادوا بشِعارِ المُستَنصِر وأَميرِ الجُيوشِ، وسَلَّموا البلدَ، وهَجمَ العَسكرُ المصريُّ بغَيرِ مانعٍ ولا مُدافِعٍ، ونَهَبَ من البلدِ شَيئًا كَثيرًا، وأُسِرَ مُنيرُ الدولةِ ومَن معه مِن أَصحابِه، وحُمِلُوا إلى مصر، وقُطِعَ على أَهلِ البلدِ سِتُّون ألف دِينارٍ، فأَجحَفَت بهم، ولمَّا وَصلَ مُنيرُ الدولةِ إلى مصر ومعه الأَسرَى قُتِلُوا جَميعُهم ولم يَعفُ عن واحدٍ منهم.
قَصَد السلطانُ محمود بن محمد الخان، وهو ابن أخت السلطان سنجر، مَلِك خراسان بعده. سار محمود لحصار المؤيَّد أي أبه صاحب نيسابور بشاذياخ، وكان الغز الأتراك (التركمان) مع السلطان محمود، فدامت الحربُ إلى سنة 556, ثم إن محمودًا أظهر أنَّه يريدُ دُخولَ الحمَّام، فدخل إلى شهرستان، آخر شعبان، كالهارب من الغز، وأقاموا على نيسابورَ إلى آخرِ شوال، ثم عادوا راجعين، فعاثُوا في القرى ونَهَبوها، ونهبوا طوس نهبًا فاحشًا، فلما دخل السلطانُ محمود إلى نيسابور أمهلَه المؤيدُ إلى أن دخل رمضانُ من سنة 557 فأخذه وكحَّله وأعماه، وأخذ ما كان معه من الأموالِ والجواهرِ والأعلاقِ النفيسة، وكان يُخفيها خوفًا عليها من الغز لَمَّا كان معهم، وقطَعَ المؤيدُ خطبته من نيسابور وغيرِها ممَّا هو في تصَرُّفِه، وخطَب لنفسِه بعد الخليفة المستنجد بالله، وأخذ ابنَه جلالَ الدين محمدًا الذي كان قد ملَّكه الغز أمْرَهم قبل أبيه، وسجنهما، ومعهما جواريهما وحشمهما، وبقيا فيها فلم تطُل أيامهما، ومات السلطان محمود، ثم مات ابنُه بعده من شدة وجْدِه لموت أبيه.
ولَمَّا فَرَغ صلاح الدين من منبج سار إلى قلعة إعزاز، فنازلها ثالثَ ذي القعدة، وهي من أحصَنِ القلاع وأمنَعِها، فنازلها وحَصَرها، وأحاط بها وضَيَّقَ على من فيها ونَصَب عليها المجانيقَ، حتى فتحها وقُتِل عليها كثيرٌ من العسكر. فبينما صلاح الدين يومًا في خيمةٍ لأحد أمرائه يقال له جاولي، وهو مُقَدَّم الطائفة الأسدية، إذ وثب عليه باطنيٌّ إسماعيليٌّ فضَرَبه بسكينٍ في رأسِه فجَرَحه، فلولا فضلُ الله ثمَّ إنَّ المِغفَر الزند كانت تحت القلنسوةِ لقَتَله، فبقي الباطنيُّ يَضرِبُه في رقبته بالسكين، وكان عليه كزاغند فكانت الضَّرَباتُ تقع في زيق الكزاغند فتُقَطِّعُه، والزرد يمنَعُها من الوصول إلى رقبته، فجاء أمير من أمرائه اسمه يازكش، فأمسك السكينَ بكَفِّه فجرحه الباطنيُّ، ولم يُطلِقْها من يده إلى أن قُتِلَ الباطني، وجاء آخَرُ من الإسماعيليَّة فقُتِلَ أيضًا، وثالِثٌ فقُتِلَ، ثم لازم حصار إعزاز ثمانيةً وثلاثين يومًا، كل يوم أشد قتالًا مما قبله، وكَثُرَت النقوب فيها فأذعَنَ مَن بها، وسَلَّموا القلعة عليه، فتسَلَّمَها حاديَ عشر ذي الحجة.
قَصَدت الكرجُ في جموعها ولايةَ خلاط من أرمينيَّة، ونهبوا وقتلوا، وأسَروا وسَبَوا أهلَها كثيرًا، وجاسُوا خلالَ الديار آمنين، ولم يخرُجْ إليهم من خلاط من يمنَعُهم فبَقُوا متصرفين في النهب والسبي، والبلادُ شاغرة لا مانع لها، لأنَّ صاحِبَها صبيٌّ، والمدبِّر لدولتِه ليست له تلك الطاعة على الجُندِ، فلما اشتَدَّ البلاء على الناس تذامَروا، وحَرَّض بعضُهم بعضًا، واجتمعت العساكِرُ الإسلاميَّة التي بتلك الولاية جميعها، وانضاف إليهم من المتطوِّعة كثيرٌ، فساروا جميعُهم نحو الكرج وهم خائفونَ، فوصلت الأخبارُ إلى الكرج، فعزموا على كبسِ المسلمين، فانتقلوا من موضِعِهم بالوادي إلى أعلاه، فنزلوا فيه ليكبِسوا المسلمين إذا أظلَمَ اللَّيلُ، فأتى المسلمين الخبَرُ، فقصدوا الكرج وأمسكوا عليهم رأسَ الوادي وأسفَلَه، وهو وادٍ ليس إليه غيرُ هذين الطريقين، فلما رأى الكرجُ ذلك أيقنوا بالهلاك، وسُقِطَ في أيديهم، وطَمِعَ المسلمون فيهم، وضايقوهم، وقاتلوهم، فقَتَلوا منهم كثيرًا، وأسَروا مِثلَهم، ولم يُفلِتْ مِن الكرجِ إلَّا القليلُ، وكفى الله المسلمينَ شَرَّهم بعد أن كانوا أشرفوا على الهَلاكِ.
وصَلَت الأخبارُ في المحَرَّم من بلاد الجزيرة وبلاد الشرق سنجار والموصل وماردين وتلك النواحي بغلاء عظيمٍ وفناء شديدٍ وقِلَّة الأمطار، والخوف من التتار، وعدمِ الأقواتِ وغلاءِ الأسعار، وقِلَّة النفقات، وزوال النِّعَم، وحلولِ النِّقَم، بحيث إنهم أكلوا ما وجدوه من الجماداتِ والحيواناتِ والميتاتِ، وباعوا حتى أولادَهم وأهاليهم، فبِيعَ الولد بخمسينَ دِرهمًا وأقل من ذلك، حتى إنَّ كثيرًا كانوا لا يشترون من أولادِ المسلمين، وكانت المرأةُ تُصَرِّحُ بأنها نصرانيَّة لِيُشتَرى منها ولَدُها لتنتَفِعَ بثَمَنِه ويحصُل له من يُطعِمُه فيَعيش، وتأمَن عليه من الهلاكِ، فإنا لله وإنا إليه راجعون، ووقعت أحوالٌ صعبة يطول ذِكرُها، وتنبو الأسماعُ عن وصفها، وقد ترَحَّلت منهم فرقة قريب الأربعمائة إلى ناحية مراغة فسقط عليهم ثلجٌ أهلَكَهم عن آخِرِهم، وصَحِبَت طائفةٌ منهم فِرقةً من التتار، فلما انتَهَوا إلى عقبة صعدها التتارُ ثم منعوهم أن يصعدوها لئلا يتكَلَّفوا بهم فماتوا عن آخِرِهم، فلا حولَ ولا قوَّةَ إلا بالله العزيزِ الحكيمِ.
استهل هذا العامُ وسُلطان البلاد المصرية والشاميَّة الملك الناصر ناصر الدين حسن بن الملك الناصر محمد بن قلاوون، ونائِبُه بالديار المصريَّة الأميرُ سَيفُ الدين يلبغا، ووزيرُه منجك، وقضاتُه عز الدين بن جماعة الشافعي، وتقي الدين الأخنائي المالكي، وعلاء الدين بن التركماني الحنفي، وموفَّق الدين المقدسي الحنبلي، وكاتِبُ سِرِّه القاضي علاء الدين بن محيي الدين بن فضل الله العمري، ونائب الشام المحروس بدمشق الأمير سيف الدين أرغون شاه الناصري، وحاجب الحجَّاب الأمير طيردمر الإسماعيلي، والقضاة بدمشق قاضي القضاة تقي الدين السبكي الشافعي، وقاضي القضاة نجم الدين الحنفي، وقاضي القضاة جلال الدين المسلاتي المالكي، وقاضي القضاة علاء الدين بن منجا الحنبلي، وكاتب سِرِّه القاضي ناصر الدين الحلبي الشافعي، وهو قاضي العساكر بحلب، ومدرس الأسديَّة بها أيضًا، مع إقامته بدمشق المحروسة.
هو السلطان سليم الثاني بن سليمان القانوني بن سليم الأول بن بايزيد الثاني بن محمد الفاتح. ولِدَ سليم الثاني في 6 رجب سنة 930 وهو ابن روكسلان الروسية. تولَّى المُلك بعد موت أبيه سليمان القانوني, ولم يكن السلطان سليم متصفًا بما يؤهِّله للقيام بحفظ فتوحات أبيه، فضلًا عن إضافة شيء إليها! وكان لوجود الوزير الطويل محمد باشا صقللي المدرَّب على الأعمال الحربية والسياسية دور كبير في حفظ الدولة، فحُسنُ سياسته وعِظَم اسم الدولة ومهابتها في قلوب أعدائها حَفِظَتْها -بعد فضل الله- من السقوط مرةً واحدة. وفي عهد سليم تكبَّدت الدولة هزيمةً ساحقة أمام التحالف الأوربي الصليبي في معركة ليبانتو سنة 979 فقدت بعدها الدولةُ هيبتها العسكرية في البحر المتوسط. توفِّيَ في السابع والعشرين من شهر شعبان، بعد أن دام في الحكم ثمانية أعوام، ثمَّ تولى ابنه مراد الثالث الخلافة، ثم أمر بقتل إخوته الخمسةِ؛ خوفًا من نزاعِه على الملك.
هو السلطان سليمان الثاني بن إبراهيم الأول بن أحمد الأول بن محمد الثالث بن مراد الثالث بن سليم الثاني بن سليمان القانوني, السلطان الثاني والعشرون من سلاطين بني عثمان، ولد عام 1052هـ وتولى الحكم بعد أخيه محمد الرابع عام 1099هـ واستمر التدهور في الدولة العثمانية في عهده، وازدادت شراسة الأعداء على عهده، فاغتصبت النمسا كثيرًا من المواقع والمدن، ومنها بلجراد عام 1099هـ، كما احتلت البندقية سواحل دالماسيا والسواحل الشرقية لبحر الأدرياتيك وبعض الأماكن في اليونان، وتوالت الهزائم على الدولة، وتمرد الجند فقتلوا الصدر الأعظم سياوس باشا, فقيَّض الله للدولة رجلًا لهذا الفترة هو الصدر الأعظم مصطفى بن محمد كوبريلي الذي أعاد قوة الدولة وهيبتها. توفي سليمان الثاني في 26 رمضان عن غير عقب وعمره 50 سنة، بعد أن حكم ثلاث سنوات وثمانية أشهر، ودُفن في تربة جده السلطان سليمان الأول وتولى بعده أخوه أحمد الثاني.
بعد قَبولِ الإمام عبد العزيز سعدونَ بنَ عريعر في الدرعية، سار ثويني بن عبد الله شيخ المنتفق ومعه العساكرُ العظيمة من المنتفق وأهل الهجر وجميع أهل الزبير وعربان شمر وطي ومعه من العَدَد والعُدَّة ما يفوق الحصرَ، يريد غزوَ القصيم، فوصل التنومة وهي من قرى القصيم ونازلها بجموعِه وحاصَرَها وضربها بالمدافِعِ، لكِنَّه لم يتمكن من دخولهِا إلا بمكيدةٍ عن طريق عثمان آل حمد من أهل الزلفي، فدخلها عليهم خديعةً، ثم أخذ التنومة عنوةً واستأصل أهلَها قتلًا ونهبًا, ثم ارتحل منها وقصد بُريدة ونزل بها وحصل بينه وبين أهلِها شيءٌ من القتال وأثناء الحصارِ بلغه أنَّه وقع في أوطانه اختلافٌ وخلل، فاضطر أن يرجِعَ إلى بلده, وكان عبد المحسن بن سرداح رئيسُ بني خالد قد خرج بعربانِه من بني خالد يريدُ القصيم نصرةً لثويني، فلما بلغ الدهناءَ بلَغَه رجوعُ ثويني فرجع من حيث جاء وتفَرَّقت كَلِمتُهم ولم يتمَّ لهم ما أرادوا.
قبل مبايعة الشريف غالب بايع أهلُ المدينة الإمام سعود على دين الله ورسوله والسمع والطاعة، وهُدِّمت جميعُ القباب التي على القبور والمشاهد, وذلك أنَّ آل مضيان ورؤساء حرب ومن تبِعَهم من عُربانهم كانوا قد أحبُّوا الدعوة وأتباعها، فوفدوا على الإمام عبد العزيز في عهدِه وبايعوه, وأرسل معهم عثمان بن عبد المحسن أبا حسين يعلِّمُهم فرائض الدين ويقرِّرُ لهم التوحيد، فاجتمعوا على حرب المدينة ونزلوا عواليَها ثم أمرهم الإمام عبد العزيز ببناء قصرٍ فيها فبَنَوه وأحكموه واستوطنوه، وتَبِعَهم أهل قبا ومن حولهم وضيَّقوا على أهل المدينة وقطَعوا عنهم السوابل وأقاموا على ذلك سنين، وأرسل إليهم سعود وهم في موضِعِهم ذلك الشيخ العالم قرناس بن عبد الرحمن صاحب بلد الرس في القصيم, فأقام عندهم قاضيًا ومعلِّمًا كل سنة يأتي إليهم في موضِعِهم ذلك، فلما طال الحصار على أهل المدينة وقعت مكاتبات هذا العام بينهم وبين الإمام سعود وبايعوه هذه السنة.
أمر الإمام سعود عبدَ الوهاب أبا نقطة وجميعَ رعاياه من تهامة وسالم بن شكبان ورعاياه من أهل بيشة ونواحيها وعثمان المضايفي بجميع أهل الحجاز بالمسير إلى مكة، فينزلون ويضيقون على أهلِها، وأمرهم بانتظار الحاج الشاميِّ وأن يمنعوه إذا كان محاربًا، فسارت تلك الجموع إلى مكة فاشتدَّ الأمر على الشريف غالب، وبلغ منه الجَهدُ، وطلب منهم الصلحَ ومواجهة الإمام سعود ومبايعته على دين الله ورسوله والسَّمعِ والطاعة فصالحوه وأمهلوه، ومشت السوابِلُ والقوافل إلى مكة، ودخلها عبد الوهاب والمضايفي ومن معهم وحجُّوا واعتمروا، واجتمع عبد الوهاب مع الشريف غالب وفاوضه الحديثَ وتهادَوا فأجاز الشريف غالب عبد الوهاب بجوائِزَ سَنية، وأعرضوا عن الحاجِّ الشامي, وانصرف عبد الوهاب ومن معه من الأمراء والأتباع إلى أوطانهم, وأرسل الشريف إلى الإمام سعود أهلَ نجايب وطلب إتمام الصلحِ والمبايعة فأجابه إليها، وأَمِنَت السبُلُ ومَشَت السابلةُ إلى مكة من جميع النواحي، ورخصت الأسعار في الحرمين وغيرِها.
نكث أميرُ بُريدة محمد بن عبد الله أبا الخيل عَهدَه مع الملك عبد العزيز بن سعود، واتَّفق مع أمير حائل سلطان الحمود بن رشيد على أن يكونا يدًا واحدةً عليه. كذلك ازداد أبا الخيل قوةً بقدوم فيصل الدويش زعيم قبيلة مطير إليه، الذي عاهده على الوقوفِ معه. وسارع الملك عبد العزيز في التحرُّك إلى القصيم، ووصل عُنيزةَ التي هَبَّ أهلُها إليه، وخرج لمهاجمة سلطان ابن رشيد في بُريدة، وحصلت مناوشات لم تسفِرْ عن دخول الملك عبد العزيز البلدة. وأقبل فيصل الدويش يناصر ابن رشيد وأبا الخيل. فتصدى له الملك عبد العزيز وهزمه وطارد فلوله حتى بلدة الطرفية، التي كان يخيِّمُ بها، واستولى على معسكره. وسار ابن رشيد وأبا الخيل مع فلول فيصل الدويش إلى مهاجمة الملك عبدالعزيز في الطرفية، فهزمهم، وعادوا منهزمين إلى بُريدة، وتشَتَّت شملهم. وبعد ذلك عاد سلطان الحمود بن رشيد إلى حائل، ورجع الملك عبدالعزيز إلى الرياض.
بُويِعَ خادمُ الحرَمَين الشريفَين المَلِكُ سَلمان بنُ عبد العزيز آل سعود مَلِكًا للمملكة العربيَّة السعوديَّة، وكان قد قضى أكثرَ من عامَين ونصفٍ وليًّا للعهد ونائبًا لرئيسِ مجلسِ الوُزراء، كما بَقِيَ حِينَها في منصبِهِ وزيرًا للدِّفاع. وُلِد سلمانُ بن عبدِ العزيز في الخامسِ من شوَّال سنةَ (1354هـ) المُوافِق (31 ديسمبر 1935م) في الرِّياض، وهو الابنُ الخامِسُ والعشرون لمؤسِّس المملكة العربيَّة السعودية المَلِك عبد العزيز آل سعود رحمه الله. تَمَّ تعيينُه بدايةً أميرًا لمِنطَقة الرياض بالنيابة وهو في التَّاسعةَ عشرةَ من العمرِ بتاريخ (11 رجب 1373هـ) الموافقِ (16 مارس 1954م)، وبعد عامٍ واحدٍ عُيِّن أميرًا لمنطقة الرياض برُتْبةِ وزيرٍ، وذلك بتاريخِ (25 شعبان 1374هـ) الموافق (18 إبريل 1955م)، واستمرَّ أميرًا لمِنطَقةِ الرِّياض لأكثرَ من خمسةِ عُقُود، ثم عُيِّن وليًّا للعهدِ ونائبًا لرئيسِ مجلسِ الوُزراء ووزيرًا للدِّفاعِ ثم ملكًا للمملكة العربية السعودية.
وُلِد المُلا أختر محمد منصور شاه محمد في قريةِ بندي تيمور (مُقاطعةِ ميواند) بولايةِ قندهارَ جنوبَ أفغانستانَ لعائلةٍ مِن البشتون. كان عُضوًا بارزًا في قيادةِ حركةِ طالبان، وعُيِّنَ عامَ 2001م وزيرًا للطيرانِ المَدَني والنقلِ في حركةِ "طالبان". وأُعيدَ إلى أفغانستان في عامِ 2006م بعدَ اعتقالِه في باكستانَ. وكان حاكمَ طالبان في قندهار حتى مايو 2007م، وشَغِلَ رئاسةَ الشُّؤونِ العسكريَّةِ في طالبان حتى عامِ 2010م. ونصَّبَه المُلا محمد عمر نائبًا له في عامِ 2010م، وشَغلَ مَنصِبَ نائبِ زعيمِ طالبان حتى يوليو 2015م، وقامَ بقيادةِ طالبان بالنيابةِ بشكلٍ فعليٍّ لمدةِ خَمسِ سنَواتٍ، وبعد إعلانِ وفاةِ المُلَّا عمر، اجتمَعَ أعضاءُ شورى أهلِ الحَلِّ والعَقدِ في طالبان والمشايخُ والعُلماءُ الأفغانُ، وبايعوا المُلَّا منصور أميرًا جديدًا لطالبان. واغتِيلَ -رحِمَه اللهُ- في هجومٍ لطائرةٍ أمريكيَّةٍ بدون طيَّارٍ، في المنطقةِ الحدوديَّةِ بين إيرانَ وباكستانَ بالقُربِ مِن الحدودِ الأفغانيَّةِ.