الموسوعة التاريخية

عدد النتائج ( 3431 ). زمن البحث بالثانية ( 0.012 )

العام الهجري : 743 الشهر القمري : جمادى الآخرة العام الميلادي : 1342
تفاصيل الحدث:

لَمَّا خُلِعَ السلطانُ الناصِرُ تحصَّن بالكركِ، فرَسَم السلطانُ الصَّالِحُ إسماعيلُ بإحضار المجرَّدين إلى الكرك وعيَّنَ عِوَضَهم تجريدةً أخرى إلى الكرك، وهي التجريدةُ السابعة، فيها الأميرُ بيبرس الأحمدي، والأمير كوكاي، وعشرون أمير طبلخاناه، وستة عشر أمير عشرة، وكتب بخروج عسكرٍ أيضًا من دمشق ومعهم المنجنيق والزحَّافات، وأرسل أيضًا مع الأحمدي أربعةَ آلاف دينار لِمن عساه ينزِلُ إليه من قلعة الكركِ طائعًا، وجهَّزَ معه تشاريفَ كثيرةً، وعُيِّنَت لهم الإقاماتُ، وكان الوقتُ شِتاءً، فقاسَوا من الأمطار مشقاتٍ كثيرة، وأقاموا نحو شهرين، فاستعَدَّ لهم المَلِكُ الناصر، وجمع الرجالَ وأنفق فيهم مالًا كثيرًا، وفَرَّق فيهم الأسلحةَ المُرصَدة بقلعة الكرك، ورَكِبَ المنجنيق الذي بها، ووقَعَ بينهم القتالُ والحصارُ، واشتَدَّ الحصارُ على المَلِك الناصر بالكرك، وضاقت عليه هو ومن معه لقِلَّة القوت، وتخلَّى عنه أهل الكرك، وضَجِروا من طولِ الحصار، ووعَدوا الأمراءَ بالمساعدة عليه، فحُمِلَت إليهم الخِلَع ومبلغَ ثمانين ألف درهم، هذا وقد استهَلَّ السلطان في أول سنة 745 بتجريدةٍ ثامنة إلى الكرك، وعيَّنَ فيها الأمير منكلي بغا الفخري والأميرَ قماري والأمير طشتمر طلليه؛ ولم يجِد السلطانُ في بيت المال ما ينفِقُه عليهم، فأخذ مالًا من تجارِ العَجَم ومن بنت الأمير بكتمر الساقي على سبيل القَرضِ، وأنفق فيهم، وخرج المجرَّدون في يوم الثلاثاء حادي عشر المحرم سنة 745، وهؤلاء نجدة لمن توجَّه قبلهم خوفًا أن يمَلَّ مَن كان توجَّه من القتال، فيجِدَ النَّاصِرُ فرجًا بعَودِهم عنه، وقُطِعَت الميرة عن الملك الناصر، ونَفِدَت أموالُه من كثرة نفقاته، فوقع الطَّمَعُ فيه، وأخَذَ بالغ- وكان أجَلَّ ثقات الناصر- في العمل عليه، وكاتَبَ الأمراء ووعدهم بأنه يُسَلِّمَ إليهم الكرك، وسأل الأمانَ، فكُتِب إليه من السلطانِ أمانٌ، وقَدِمَ إلى القاهرة ومعه مسعودٌ وابن أبي الليث، وهما أعيانُ مشايخ الكرك، فأكرمهم السلطان وأنعم عليهم، وكتب لهم مناشيرَ بجميع ما طلبوه من الإقطاعاتِ والأراضي، وكان من جملة ما طلبه بالِغ وحده نحو أربعمائة وخمسين ألف درهم في السنة، وكذلك أصحابُه، ثم أعيدوا إلى الكركِ بعدما حلفوا، ثم ركب العسكر للحرب، وخرج الكركيون فلم يكن غيرُ ساعة حتى انهزموا منهم إلى داخِلِ المدينة، فدخل العسكر أفواجًا واستوطنوها، وجَدُّوا في قتال أهل القلعةِ عِدَّة أيام، والناسُ تَنزِلُ إليهم منها شيئًا بعد شيءٍ حتى لم يبقَ عند الملك الناصر أحمد بقلعةِ الكرك سوى عشرة أنفُس، فأقام يرمي بهم على العسكر وهو يجِدُّ في القتال ويرمي بنفسِه، وكان قويَّ الرميِ شُجاعًا، إلى أن جُرِحَ في ثلاثة مواضع، وتمكَّنَت النقابة من البرج وعَلَّقوه وأضرموا النار تحته، حتى وقع، وكان الأميرُ سنجر الجاولي قد بالغ أشَدَّ مبالغة في الحصار، وبذل فيه مالًا كثيرًا، ثم هجم العسكرُ على القلعة في يوم الاثنين الثاني والعشرين من صفر سنة 745 فوجدوا الناصِرَ قد خرج من موضِعٍ وعليه زردية، وقد تنكَّب قَوسَه وشَهَر سَيفَه، فوقفوا وسَلَّموا عليه، فردَّ عليهم وهو متجَهِّم، وفي وجهِه جرحٌ وكَتِفُه أيضًا يسيلُ دمًا، فتقَدَّم إليه الأمير أرقطاي والأمير قماري في آخرين، وأخذوه ومَضَوا به إلى دهليز الموضِعِ الذي كان به وأجلَسوه، وطَيَّبوا قلبه وهو ساكِتٌ لا يجيبهم، فقَيَّدوه ووكَلوا به جماعة، ورتَّبوا له طعامًا، فأقام يومَه وليلته، ومن باكِرِ الغد يُقَدَّمُ إليه الطعام فلا يتناوَلُ منه شيئًا إلى أن سألوه أن يأكُلَ، فأبى أن يأكُلَ حتى يأتوه بشابٍّ يقال له عثمان، كان يهواه، فأتوَه به فأكل عند ذلك، وخرج الأميرُ ابن بيبغا حارس طير بالبشارةِ إلى السلطانِ الملك الصالح، وعلى يَدِه كتب الأمراء، فقَدِمَ قلعة الجبل في يوم السبت ثامن عشرين صفر، فدُقَّت البشائِرُ سبعة أيام، وأخرج السلطانُ منجك اليوسفي الناصريَّ السلاح دار ليلًا من القاهرة لقَتلِ الملك الناصر أحمد من غير مشاورةِ الأمراء في ذلك، فوصل إلى الكرك وأُدخِلَ على الملك الناصر وأخرَجَ الشابَّ مِن عنده، ثم خنَقَه في ليلة رابع شهر ربيع الأول، وقَطَع رأسه، وسار من ليلته ولم يَعلَمِ الأمراءُ ولا العسكَرُ بشيء من ذلك، حتى أصبحوا وقد قطع منجك مسافة بعيدةً، وقدم منجك بعد ثلاثةِ أيام قلعة الجبل ليلًا، وقَدَّم الرأسَ بين يدي السلطان- وكان ضخمًا مهولًا له شعر طويل- فاقشعَرَّ السلطان عند رؤيته وبات مرجوفًا، وطلب الأمير قبلاي الحاجب، ورسم له أن يتوجَّهَ لحفظ الكرك إلى أن يأتيَه نائبٌ لها، وكتب السلطانُ بعود الأمراء والعساكر المجردين إلى الكرك، فكانت مُدَّةُ حصار الملك الناصر بالكرك سنتين وشَهرًا وثلاثةَ أيام.

العام الهجري : 754 الشهر القمري : جمادى الآخرة العام الميلادي : 1353
تفاصيل الحدث:

كَثُرَ عَبَثُ العُربان ببلاد الصعيد بقيادة الأحدب محمد بن واصل شيخ عرك، فجمع جمعًا كبيرًا، وتسمَّى بالأمير، فقَدِمَ الخبر في شعبان بأنهم كَبَسوا ناحيةَ ملوي، وقتلوا بها نحو ثلاثمائة رجل، ونهبوا المَعاصِرَ، وأخذوا حواصِلَها وذَبحوا أبقارَها، وأنَّ عَرَب منفلوط والمراغة وغيرهم قد نافقوا، وقَطَعوا بعض الجسور بالأشمونين، فوقع الاتفاقُ على الركوب عليهم بعد تخضيرِ الأراضي بالزراعة، وكُتِبَ إلى الولاة بتجهيز الإقامات برًّا وبحرًا، فأخذَ العرب حِذْرَهم، فتفَرَّقوا واختَفَوا، وقَدِمَت طائفة منهم إلى مصر، فأُخِذوا، وكانوا عشرة، فقُبِضَ ما وجد معهم من المال، وحَمل الأمير جندار، فإنهم كانوا فلَّاحيه، وأُتلِفوا، فلما برز الحاجُّ إلى بركة الحجَّاج ركب الأمير شيخو، وضرب حلقةً على الركب، ونادى مَن كان عنده بدويٌّ وأخفاه، حَلَّ دَمُه، وفَتَّش الخيام وغيرها، فقَبض على جماعة، فقتل بعضهم وأفرج عن بَعضٍ، ثمَّ لما عاد السلطان إلى الجيزة كُبِسَت تلك النواحي، وحُذِّرَ الناس من إخفاء العربان، فأُخِذَ البحري والبري، وقُبِضَت خيول تلك النواحي وسيوفُ أهلها بأسْرِها، وعُرِضَت الرجال، فمن كان معروفًا أُفرج عنه، ومن لم يعرف أقِرَّ في الحديد وحُمِل إلى السجنِ، ورُسِمَ أنَّ الفلاحين تبيعُ خُيولَهم بالسوق، ويوردون أثمانَها ممَّا عليهم من الخراجِ فبِيعَت عِدَّةُ خيول، وأُورِدَ أثمانها للمُقطِعين، والفَرَس الذي لم يُعرَف له صاحِبٌ حُمِلَ إلى إسطبل السلطان، وكُتِبَ للأمير عز الدين أزدمر، الكاشِفِ بالوجه البحري، أن يركَبَ ويكبِسَ البلادَ التي لأرباب الجاه، والتي يأويها أهلُ الفسادِ، فقَبَض على جماعةٍ كثيرة ووسَّطَهم، وساق منهم إلى القاهرةِ نحو ثلاثمائة وخمسين رجلًا، ومائة وعشرين فرسًا، وسلاحًا كثيرًا، ثم أحضَرَ الأميرُ أزدمر من البحيرة ستمائة وأربعين فرسًا، فلم يبقَ بالوجه البحري فرس، ورُسِمَ لقضاة البر وعُدولِه بركوب البغال والأكاديش، ثم كُبِسَت البهنسا وبلاد الفيوم، فركِبَ الأميران طاز وصرغتمش، بمن معهما إلى البلاد، وقد مَرَّ أهلها، واختفى بعضهم في حفائِرَ تحت الأرض، فقبضوا النِّساء والصبيان، وعاقبوهم حتى دلوهم على الرجال، فسَفَكوا دماء كثيرين، وعُوِقَب كثيرٌ من الناس بسبب من اختفى، وأُخِذَت عدة أسلحة، فحَشَد الأحدب بن واصل شيخ عرك جموعَه، وصَمَّم على لقاء الأمراء، وحَلَف أصحابه على ذلك، وقد اجتمع معه عرَبُ منفلوط، وعَرَبُ المراغة وبني كلب وجهينة وعرك، حتى تجاوزت فرسانُه عشرة آلاف فارس تحمِلُ السلاح، سوى الرجَّالة المعَدَّة، فإنَّها لا تعَدُّ ولا تحصى لكثرتِها، ثم رحل الأمير شيخو عن أسيوط، وبعث الأمير مجد الدين الهذبانى ليؤمِّنَ بنى هلال أعداء عرك، ويُحضِرَهم ليقاتلوا عرك أعداءَهم، فانخدعوا بذلك، وفَرِحوا به، وركبوا بأسلحتِهم، وقَدِموا في أربعمائة فارس، فما هو إلا أن وصلوا إلى الأمير شيخو فأمر بأسلحَتِهم وخيولهم فأُخِذَت بأسْرِها، ووضَعَ فيهم السَّيفَ، فأفناهم جميعًا، ثم قاتلوا العَرَبَ الباقين على دفَعات يقتلونهم، وأسَروا منهم الكثيرَ واستَرَقُّوا الأولادَ والحريم، وهلك من العرب خلائقُ بالعطش، ما بين فرسان ورجَّالة وجَدَّ المجَرَّدون في طلبهم، فسَلَبوهم، وصَعِدَ كثيرٌ منهم إلى الجبال، واختَفَوا في المغائر، فقَتَلَ العسكرُ وأَسَر، وسبى عددًا كثيرًا، وارتَقَوا إلى الجبال في طَلَبِهم، وأضرَموا النيران في أبواب المغائر، فمات بها خلقٌ كثير من الدخان، وخرج إليهم جماعةٌ، فكان فيهم من يُلقي نَفسَه من أعلى الجبل ولا يُسَلِّم نَفسَه، ويرى الهلاكَ أسهَلَ مِن أخذ العدوِّ له، فهلك في الجبالِ أُمَمٌ كثيرة وقُتِلَ منهم بالسيف ما لا يُحصى كثرةً، حتى عُمِلَت عدة حفائر ومُلِئَت من رمَمِهم، وأَنتَنَت البرِّيَّةُ من جِيَفِ القتلى ورِمَمِ الخَيلِ، وكان الأحدَبُ قد نجا بنفسِه، فلم يُقدَرْ عليه، ومن حينئذ أَمِنَت الطرقات برًّا وبحرًا، فلم يُسمَعْ بقاطع طريق بعدها، ووقع الموتُ فيمن تأخَّرَ في السجون من العُربان، فكان يموتُ منهم في اليوم من عشرين إلى ثلاثين، حتى فَنُوا إلا قليلًا، وفي شهر ربيع الأول قَدِمَ الأحدب محمد بن واصل، شيخ عرك من بلاد الصعيد، طائعًا، وكان من خَبَرِه أنه لما نجا وقت الهزيمة، وأُخِذَت أمواله وحَرَمُه، ترامى بعد عَودِ العسكر على الشَّيخِ المعتقد أبى القاسم الطحاوي، فكتب الشيخ في أمره إلى الأمير شيخو، يسأل العفوَ عنه وتأمينَه، على أنَّه يقومُ بدَركِ البلاد، ويلتَزِمُ بتحصيل جميع غِلالِها وأموالِها، وما يحدُثُ بها من الفَسادِ فإنَّه مُؤاخَذٌ به، وأنَّه يقابِلُ نواب السلطان من الكُشَّاف والولاة، فكُتِب له أمانٌ سُلطاني، وكُوتِبَ بتطييب خاطِرِه وحضوره آمنًا، فسار ومعه الشيخ أبو القاسم، فأكرم الأمراءُ الشَّيخَ، وأكرموا لأجله الأحدَبَ، وكان دخولُه يومًا مشهودًا، وتمثَّل الأحدَبُ بين يدي السلطان، وأنعم عليه السلطانُ وألبسه تشريفًا وناله من الأمراءِ إنعامٌ كثيرٌ، وضَمِنَ منهم درك البلاد على ما تقدَّمَ ذِكرُه، فرُسِمَ له بإقطاعٍ، وعاد الأحدب إلى بلاده بعد ما أقام نحو شهرٍ.

العام الهجري : 96 العام الميلادي : 714
تفاصيل الحدث:

كان الوَليدُ بن عبدِ الملك قد بَدَأَ بِتَأْسِيس البِناء للمَسجِد الأُمَوي في 87هـ إلى أن اكْتَمَل بِناؤُه في هذه السَّنَة, وكان أَصْلُ مَوضِع هذا الجامِع قَديمًا مَعْبَدًا بَنَتْهُ اليُونان الكُلْدَانِيُّون الذين كانوا يُعَمِّرون دِمَشْق، وهُم الذين وَضَعوها وعَمَّروها أوَّلًا، فَهُم أوَّلُ مَن بَناها، وقد كانوا يَعبدون الكَواكِب السَّبعَة المُتَمَيِّزَة، ثمَّ إنَّ النَّصارَى حَوَّلوا بِناءَ هذا المَعْبَد الذي هو بِدِمَشق مُعَظَّمًا عند اليُونان فجَعَلوه كَنيسَةَ يُوحَنَّا، وكان المسلمون والنَّصارَى يَدخُلون هذا المَعْبَد مِن بابٍ واحِد، وهو باب المَعْبَد الأَعلى مِن جِهَة القِبْلَة، مَكانَ المِحْراب الكَبير الذي في المَقْصورَة اليومَ، فيَنْصَرِف النَّصارَى إلى جِهَة الغَربِ إلى كَنيسَتِهم، ويَأخُذ المسلمون يَمْنَةً إلى مَسجِدِهم، ولا يَستَطيع النَّصارَى أن يَجْهَروا بِقِراءَة كِتابِهِم، ولا يَضْرِبوا بِناقُوسِهِم، إِجلالًا للصَّحابَة ومَهابَةً وخَوْفًا، ثمَّ قام الوَليدُ بِتَوسيعِها آخِذًا القِسْمَ النَّصراني وحَوَّلَه إلى مَسجِد كما هو معروف اليوم، وأَنْفَق في ذلك الأَموالَ الكَثيرَة جِدًّا، واسْتَعمَل العُمَّال والبَنَّائِين المَهَرَة, والمَقصود أنَّ الجامِع الأُمَوي لمَّا كَمُلَ بِناؤُه لم يكُن على وَجْهِ الأَرضِ بِناءٌ أَحْسَن منه، ولا أَبْهَى ولا أَجْمَل منه، بحيث إنَّه إذا نَظَر النَّاظِرُ إليه أو إلى جِهَةٍ منه أو إلى بُقْعَةٍ أو مَكانٍ منه تَحَيَّر فيها نَظَرُهُ لِحُسْنِه وجَمالِه، ولا يَمَلُّ نَاظِرُهُ؛ بل كُلمَّا أَدْمَنَ النَّظَرَ بانَت له أُعْجوبَة ليست كالأُخرَى.

العام الهجري : 198 العام الميلادي : 813
تفاصيل الحدث:

همَّت الرُّوم بما لم ينالوا من طلَبِ الثغور، فنكَثوا العهدَ، فتجهَّزَ الحكَمُ بن هشامٍ إليهم حتى جاز جبلَ السارة شماليَّ طليطلة، ففرَّت الرومُ أمامه حتى تجمَّعوا بسمورة، فلما التقى الجمعانِ، نزل النصرُ وانهزم الكفرُ، وتحصَّنوا بمدينة سمورة، وهي كبيرة جدًّا، فحصرها المسلمون بالمجانيق، حتى افتَتَحوها عَنوةً، وملكوا أكثَرَ شوارعِها، واشتغل الجندُ بالغنائم، وانضمَّت الرومُ إلى جهة من البلد، وخرجوا على حمية، فقتلوا خلقًا في خروجهم، فكانت غزوةُ الحكَمِ من أعظم المغازي، لولا ما طرأ فيها من تضييعِ الحَزْم، فقد رامت الرومُ السِّلْم، فأبى عليهم الحكَمُ، ثم خرج من بلادهم خوفًا من الثلوجِ، فلمَّا كان العامُ الآتي، استعدَّ أعظَمَ استعداد، وقصَدَ سمورة، فقتل وسَبى كلَّ ما مر به، ثم نازلها شهرينِ، ثم دخلوها بعد جَهدٍ، وبذلوا فيها السَّيفَ إلى المساء، ثم انحاز المسلمونَ، فباتوا على أسوارها، ثم صَبَّحوهم من الغد، لا يُبقُونَ على مُحتَلِمٍ. فقُتِلَ في سمورة ثلاثمائة ألف نفس، فلما بلغ الخبَرُ مَلِك روميَّة، كتبَ إلى الحكَمِ يرغَبُ في الأمان، فوضع الحكَمُ على الرُّوم ما كان جده عبدالرحمن الداخل وضع عليهم، وزاد عليهم أن يجلِبوا من ترابِ مدينةِ روميَّة نفسِها ما يُصنَعُ به أكوامٌ بشرقيَّ قُرطبة؛ صَغارًا لهم، وإعلاءً لِمَنارِ الإسلام.

العام الهجري : 504 الشهر القمري : ربيع الآخر العام الميلادي : 1110
تفاصيل الحدث:

احتلَّ الفرنج مدينة صيدا من ساحل الشام. وسبب ذلك أنه وصل في البحر إلى الشام ستون مركبًا للفرنج مشحونة بالرجال والذخائر مع بعض ملوكهم؛ ليحُجَّ بيت المقدس، وليغزو –بزعمه- المسلمين؛ فاجتمع بهم بغدوين ملك القدس، وتقررت القاعدة بينهم أن يقصِدوا بلاد الإسلام، فرحلوا من القدس ونزلوا مدينة صيدا ثالث ربيع الآخر من هذه السنة، وضايقوها برًّا وبحرًا، وكان الأسطول المصري مقيمًا على صور، فلم يقدِرْ على إنجاد صيدا، فعمل الفرنج برجًا من الخشب وأحكموه وجعلوا عليه ما يمنع النارَ عنه والحجارة، وزحفوا به، فلما عاين أهل صيدا ذلك ضَعُفت نفوسهم، وأشفقوا أن يُصيبَهم مثل ما أصاب أهل بيروت، فأرسلوا قاضيَها ومعه جماعة من شيوخها إلى الفرنج، وطلبوا من ملكهم الأمان فأمَّنَهم على أنفسهم وأموالهم والعسكر الذي عندهم، ومن أراد المقام بها عندهم أمَّنوه، ومن أراد المسيرَ عنهم لم يمنعوه، وحلف لهم على ذلك، فخرج الوالي وجماعة كثيرة من أعيان أهل البلد في العشرين من جمادى الأولى إلى دمشق، وأقام بالبلد خلق كثير تحت الأمان، وكانت مدة الحصار سبعة وأربعين يومًا، ورحل بغدوين عنها إلى القدس، ثم عاد إلى صيدا بعد مدة يسيرة، فقرر على المسلمين الذين أقاموا بها عشرين ألف دينار، فأفقرهم واستغرق أموالَهم.

العام الهجري : 584 الشهر القمري : رجب العام الميلادي : 1188
تفاصيل الحدث:

بعد أن فتح صلاحُ الدين حِصنَ برزية رحل عنه من الغَدِ، فأتى جسرَ الحديد، وهو على النهرِ العاصي، بالقُربِ مِن أنطاكيةَ، فأقام عليه حتى وافاه من تخَلَّفَ عنه من عسكره، ثم سار عنه إلى قلعة درب ساك، فنزل عليها ثامِنَ رجب، وهي مِن معاقِلِ الداوية الحصينةِ وقلاعِهم التي يدَّخِرونَها لحماياتهم عند نزول الشدائد، فلما نزل عليها نصَبَ المجانيقَ، وتابع الرميَ بالحجارة، فهَدَمَت من سورِها شيئًا يسيرًا، فلم يبالِ مَن فيه بذلك، فأمر بالزَّحفِ عليها ومهاجَمتِها، فبادرها العسكرُ بالزَّحفِ وقاتلوها، وكشَفوا الرجالَ عن سورها، وتقَدَّم النقَّابون فنقبوا منها برجًا وعَلِقوه- حازوه- فسَقَط واتَّسعَ المكان الذي يريد المقاتِلةُ أن يدخلوا منه، وعادوا يومَهم ذلك، ثم باكروا الزَّحفَ من الغد، وكان مَن فيه قد أرسلوا إلى صاحِبِ أنطاكية يستنجِدونَه، فصبروا، وأظهروا الجَلَد، وهم ينظرونَ وصولَ جوابه إمَّا بإنجادِهم وإزاحةِ المسلمين عنهم، وإما بالتخلِّي عنهم ليقومَ عُذرُهم في التسليم، فلمَّا عَلِموا عَجزَه عن نصرتهم، وخافوا هجومَ المُسلِمينَ عليها، وأخْذَهم بالسيف، وقَتْلَهم وأسْرَهم، ونهْبَ أموالهم، طلبوا الأمان، فأمَّنَهم على شرط أن لا يخرج أحدٌ إلَّا بثيابه التي عليه بغيرِ مالٍ ولا سلاحٍ، ولا أثاثِ بَيتٍ، ولا دابةٍ، ولا شيءٍ مما بها، ثم أخرجَهم منه وسَيَّرَهم إلى أنطاكية، وكان فتحُه تاسع عشر رجب.

العام الهجري : 806 الشهر القمري : محرم العام الميلادي : 1403
تفاصيل الحدث:

في هذا الشهر كانت واقعة الفرنج بطرابلس، وذلك أنهم نزلوا على طرابلس في ثلاثين شينيًا -سفينة كبيرة- وقراقر، وكان الأمير دمرداش غائبًا عن البلد، فقاتلهم الناس قتالًا شديدًا في يوم الثلاثاء ثاني عشره إلى الغد، فبلغ دمرداش وهو بنواحي بعلبك الخبر، فاستنجد الأمير شيخ المحمودي نائب الشام، وتوجه إلى طرابلس، فقَدِمَها يوم الخميس عشرينه، ونودي في دمشق بالنفير، فخرج الناس على الصعب والذلول، فمضى الفرنج إلى بيروت بعدما قاتلهم دمرداش قتالًا كبيرًا، قُتِل فيه من المسلمين اثنان وجُرح جماعة، فوصل الأمير شيخ إلى طرابلس وقد قضى الأمر، فسار إلى بيروت، فقدمها وقت الظهر من يوم الجمعة الحادي والعشرين، والقتال بين المسلمين وبين الفرنج من أمسه، وقتلى الفرنج مطروحون على الأرض، فحرق تلك الرمم، وتبع الفرنجَ وقد ساروا إلى صيدا بعدما حرقوا مواضع وأخذوا مركبًا قدم من دمياط ببضائع لها قيمة كبيرة، وقاتلوا أهل صيدا، فطرقهم الأمير شيخ وقت العصر وقاتلهم وهم في البر، فهزمهم إلى مراكبهم، وساروا إلى بيروت فلحقهم وقاتلهم، فمضَوا إلى جهة طرابلس، ومرُّوا عنها إلى جهة الماغوصة، فركز الأمير شيخ طائفة ببيروت، وطائفة بصيدا، وعاد إلى دمشق في ثاني صفر.

العام الهجري : 914 العام الميلادي : 1508
تفاصيل الحدث:

على الرغم من فشل محاولات البرتغال من بناء مدينة لهم في ثغور المغرب على ساحل البريجة سنة 907 بسبب مقاومة المسلمين لهم, إلا أنهم خططوا للعودة إلى هذا الموضع فانتهوا إليه هذا العام وتحيَّنوا غفلة أهل البلاد وشرعوا في بناء حصن مربع على كل ربعٍ منه برج وثيق، ودأبوا في العمل ليلًا ونهارًا، فلم تمض مدة يسيرة حتى فرغوا منه وامتنعوا على المسلمين به، ثم شرع البرتغال بعد الفراغ من هذا الحصن في إدارة سور المدينة على أوثق وجه وأحكمِه, ثم أداروا خارج السور خندقًا فسيحًا وجعلوا عمقَه أربعة عشر شبرًا بحيث بلغوا به الماء، وإذا فاض البحر ملأ ما بين جوانبه واتخذوا للمدينة ثلاثة أبواب أحدها للبحر، واثنان للبر، وجعلوا أمامهما قنطرتين بالعمل الهندسي بحيث تُرفعان وتُوضعان وقت الحاجة إلى ذلك, فصارت المدينة بهذا كلِّه في غاية المناعة، وجعلوا داخل المدينة خمس حارات وسمَّوا كل حارة باسم كبير من قدمائهم على عادتهم في ذلك. واتخذوا بها أربع كنائس واتخذوا المخازن والأهراء للاختزان وسائر المرافق, وأوطنوها بأهلِهم وعيالهم، وكان فيها جماعة من أشرافهم وذوي بيوتاتهم من أهل أشبونه وغيرها، وكانوا يعدون فيها أربعة آلاف نفس ما بين المقاتِلة والعيال والذرية، وكانوا يأملون الاستيلاءَ منها على مراكش.

العام الهجري : 953 العام الميلادي : 1546
تفاصيل الحدث:

هو القائد العثماني خيرُ الدين خضر بن يعقوب بن يوسف أحدُ أكبرِ قادة الأساطيل العثمانية، وأحد رموزِ الجهاد البحري، لقَّبه السلطان سليم الأول بخير الدين باشا، وعُرِف لدى الأوروبيين ببربروسا، أي: ذي اللحية الحمراء، ولِدَ سنة 871 ويذكَرُ أن والده يعقوب أصلُه من بقايا الفاتحين المسلمين الأتراك الذين استقرُّوا في جزيرة مدللي إحدى جزر الأرخبيل، وأمه سيدة مسلمة أندلسية كان لها الأثرُ على أولادها في تحويل نشاطِهم شطرَ بلاد الأندلس التي كانت تئِنُّ في ذلك الوقت من بطش الإسبانِ والبرتغاليين، عاش هو وأخوه عروج في جربة التونسية، وجعلاها مركزًا لعملياتهم العسكرية في البحر المتوسط، والتصدي للقراصنة الصليبيين, فحقَّق هو وأخوه عروج باشا كثيرًا من الانتصارات ضِدَّ النصارى القراصنة، ثم تحالف خير الدين مع العثمانيين لمواصلة نشاطه الجهادي المميَّز، وقد أُعجِب به السلطان العثماني سليمان القانوني حتى عيَّنه أميرَ البحار، وخاض مع العثمانيين كثيرًا من الحروب البحرية الهامَّة، خاصةً في سواحل شمال إفريقيا والسواحل الأوروبية, ثم عُيِّنَ واليًا على الجزائر، وكان شعلةً من النشاط في القتال والجهاد البحري, فاكتسب شهرةً واسعة حتى في أوروبا التي أصبحت تخافُه, وتنسِبُ كلَّ شر يصيبها إلى خير الدين بربروسا. توفي في الجزائر.

العام الهجري : 1272 الشهر القمري : جمادى الآخرة العام الميلادي : 1856
تفاصيل الحدث:

أصدر السُّلطانُ العثماني عبد المجيد الأول فرمانًا (قانونًا) عُرِفَ باسم "إصلاحات خط همايوني" حول أوضاع النصارى في الدولةِ العثمانية، وقد تعرَّض هذا الفرمان لانتقاداتٍ كبيرة داخل الدولة. وقد تضَمَّن البنودَ التالية: المساواة بين كل مواطِني الدولة العثمانية في الحقوقِ والواجبات مهما كانت أديانُهم ومذاهبُهم. عدم إجبار أي شخص على تركِ دينه. إلغاء نظام الالتزام (جباية الأموال والضرائب من عامة الشعب لإرسالها إلى السلطان العثماني) والقضاء على الرشوة والفساد. إلزام كل المواطنين في الدولة بالخدمة العسكرية. حق التعيين في مناصب الدولة المدنية والعسكرية مكفولٌ للكفاءات بدون تمييز ديني. محو كل الألفاظ التي تمَسُّ فئة من المواطنين، سواء كانت دينية أو مذهبية. إعفاء الكنائس من الضرائب والمصروفات. يُنتخب بطاركة الكنائس من كل المِلل، وتكون فترة انتخابهم حتى وفاتِهم. لا يحق لأحدٍ نَزعُ سلطة البابا إلَّا من كنيست. تشكيل مجلس مكوَّن من رجال الكنيسة (كهنة ورهبان) ورجال من خارج الكنيسة (نصارى ليسوا رهبانًا أو كهنة) لإدارة شئون المِلَّة. السلطان شخصيًا وفقط هو من له الحَقُّ في ترخيص بناءِ وترميم الكنائس والمقابر الخاصة لغير المُسلمين. الدعاوى القضائية بين النصارى والمسلمين تُعقد في دواوين (محاكم) خاصة، ويرأسها قُضاةٌ من الطرفين.

العام الهجري : 1403 الشهر القمري : ذي الحجة العام الميلادي : 1983
تفاصيل الحدث:

بدَأ المسلمونَ في السُّودان يطالِبون بتَعديل الدُّستور، وتَقييد صلاحياتِ السُّلطات المطلَقة للرئيسِ، ثم بدَأَت المظاهراتُ سخطًا على غزْو الرُّوس لأفغانستانَ، وأخذَت المظاهراتُ تُنادي بتَطبيقِ الشريعة؛ إذ أيَّد ذلك قِيامُ الثَّورة الخُمينية في إيرانَ التي كانت تُعلِن تطبيقَ الشريعةِ في ظاهرِ الأمر، ثم زاد السَّخطُ بزِيارة الساداتِ للقُدس لِمُفاوضة اليهودِ، وازداد الإلحاحُ على تَطبيق الشريعةِ؛ لإنقاذِ الوضْع السُّوداني، وخاصةً بعد أنْ أفلسَتِ القوانينُ الوضعية؛ مِن رأسماليةٍ، واشتراكيةٍ، وشُيوعيةٍ، ولم تَنجَحْ أيٌّ منها في إصلاحِ الأحوال، فتَشكَّلت لجنةٌ لِتَعديل القوانينِ؛ حتى تَتماشى مع الشريعة الإسلاميةِ، حتى انتهَت مِن مُهِمَّتها، وبدَأ تَطبيقُ الشريعةِ الإسلامية يَنفُذ مِن شهرِ ذي الحجة 1403هـ / أيلول 1983م، فأثار هذا الأمرُ الأعداءَ شرقًا وغرْبًا، فتحرَّك اتِّحادُ الكنائسِ العالمي، والإرسالياتُ التَّنصيرية، وإسرائيلُ، وأصحابُ العصبيَّات، وحذَّر الرئيس السودانيُّ مِن مَغبَّة هذا الأمرِ، فأعلَنَ تَغيير الوزارةِ، لكنَّ أمْرَه لم يَدُمْ طويلًا؛ إذ قامت حركةٌ ضِدَّه، وأطاحت بنِظامه، وبقِيَ المسلمون يَعمَلون على استمرارِ تطبيقِ الشريعةِ، بينما أخَذ أعداؤهم مِن الرَّأسماليينَ، والشُّيوعيينَ، والعلمانيينَ، والصَّليبيين، واليهودِ يُحارِبونهم باستمرارٍ، حتى دَعَموا حركةَ التمرُّد في الجنوب للتخلُّص مِن تَطبيق الشريعةِ الإسلامية.

العام الهجري : 831 الشهر القمري : جمادى الأولى العام الميلادي : 1428
تفاصيل الحدث:

في شهر جمادى الأولى كانت الفتنة الكبيرة بمدينة تعز من بلاد اليمن؛ وذلك أن الملك المنصور عبد الله بن أحمد لما توفي في جمادى الأولى السنة الفائتة، أقيم بعده أخوه الملك الأشرف إسماعيل بن أحمد الناصر بن الملك الأشرف إسماعيل بن عباس، فتغيَّرت عليه نيات الجند كافةً؛ من أجل وزيره شرف الدين إسماعيل بن عبد الله بن عبد الرحمن بن عمر العلوي، نسبةً إلى علي بن بولان العكي؛ فإنه أخَّر صرف جوامكهم -مخصَّصاتهم- ومرتَّباتهم، واشتد عليهم، وعنف بهم، فنفرت منه القلوب، وكثُرت حُسَّاده؛ لاستبداده على السلطان، وانفراده بالتصرف دونه، وكان يليه في الرتبة الأمير شمس الدين علي بن الحسام، ثم القاضي نور الدين علي المحالبي مشد -ضابط- الاستيفاء، فلما اشتد الأمر على العسكر وكثرت إهانة الوزير لهم، واطِّراحه جانبهم، ضاقت عليهم الأحوال حتى كادوا أن يموتوا جوعًا، فاتفق تجهيز خزانة من عدن، وبرز الأمر بتوجه طائفة من العبيد والأتراك لنقلِها، فسألوا أن يُنفَق فيهم أربعة دراهم لكلٍّ منهم يرتفق بها، فامتنع الوزير ابن العلوي من ذلك، وقال: ليمضوا غصبًا إن كان لهم غرضٌ في الخدمة، وحين وصول الخزانة يكون خير، وإلا ففَسَح الله لهم، فما للدهر بهم حاجة، والسلطان غني عنهم، فهيج هذا القول حفائِظَهم، وتحالف العبيد والترك على الفتك بالوزير، وإثارة فتنة، فبلغ الخبر السلطان، فأعلم الوزير، فقال: ما يسووا شيئًا، بل نشنق كل عشرة في موضع، وهم أعجَزُ من ذلك، فلما كان يوم الخميس تاسع جمادى الآخرة هذا قبيل المغرب، هجم جماعةٌ من العبيد والترك دار العدل بتعز، وافترقوا أربع فرق؛ فرقة دخلت من باب الدار، وفرقة دخلت من باب السر، وفرقة وقفت تحت الدار، وفرقة أخذت بجانب آخر، فخرج إليهم الأمير سنقر أمير جندار، فهبروه بالسيوف حتى هلك، وقتلوا معه علي المحالبي مشد المشدين، وعدة رجال، ثم طلعوا إلى الأشرف -وقد اختفى بين نسائه وتزيَّا بزيهن- فأخذوه ومضوا إلى الوزير ابن العلوي، فقال لهم: ما لكم في قتلي فائدة؟ أنا أنفق على العسكر نفقة شهرين، فمضوا إلى الأمير شمس الدين علي بن الحسام بن لاجين، فقبضوا عليه، وقد اختفى، وسجنوا الأشرف وأمَّه وحظيَّته في طبقة المماليك، ووكلوا به، وسجنوا ابن العلوي الوزير وابن الحسام قريبًا من الأشرف، ووكلوا بهما، وقد قيدوا الجميع، وصار كبير هذه الفتنة برقوق من جماعة الترك، فصعد هو في جماعة ليُخرِجَ الظاهر يحيى بن الأشرف إسماعيل بن عباس من مدينة ثعبات بتعز، فامتنع أمير البلد من الفتح ليلًا، وبعث الظاهر إلى برقوق بأن يتمهَّل إلى الصبح، فنزل برقوق ونادى في البلد بالأمان والاطمئنان والبيع والشراء، والأخذ والعطاء، وأن السلطان هو الملك الظاهر يحيى بن الأشرف، هذا وقد نهب العسكر عند دخولهم دار العدل جميعَ ما في دار السلطان، وأفحَشوا في نهبهم، فسلبوا الحريم ما عليهن، وانتهكوا ما حرَّم الله، ولم يَدَعوا في الدار ما قيمتُه الدرهم الواحد، وأخذوا حتى الحُصُر، وامتلأت الدار وقت الهجمة بالعبيد والترك والعامة، فلما أصبح يوم الجمعة عاشره اجتمع بدار العدل الترك والعبيد، وطلبوا بني زياد وبني السنبلي والخدم، وسائر أمراء الدولة والأعيان، فلما تكامل جمعهم ووقع بينهم الكلام فيمن يقيموه، قال بنو زياد: ما تمَّ غير يحيى، فاطلَعوا له هذه الساعة، فقام الأمير زين الدين جياش الكاملي والأمير برقوق، وطلعا إلى مدينة ثعبات في جماعة من الخدام والأجناد، فإذا الأبوابُ مغلقة، وصاحوا بصاحب البلد حتى فتح لهم، ودخلوا إلى القصر، فسلموا على الظاهر يحيى بالسلطنة وسألوه أن ينزل معهم إلى دار العدل، فقال: حتى يصل العسكر أجمع، ففكُّوا القيد مِن رِجلَيه، وطلبوا العسكرَ بأسرِهم، فطلعوا بأجمعهم، وأطلعوا معهم بعشرة جنائب من الإسطبل السلطاني في عدة بغال، فتقدَّم الترك والعبيد وقالوا للظاهر: لا نبايعك حتى تحلفَ لنا أنَّه لا يحدث علينا منك سوءٌ بسبب هذه الفعلة، ولا ما سبقَ قبلها،، فحلف لهم ولجميع العسكر، وهم يعيدون عليه الأيمانَ، ويتوثَّقون منه، وذلك بحضرة قاضي القضاة موفق الدين علي بن الناشري، ثم حلفوا له على ما يحبُّ ويختار، فلما انقضى الحلف، وتكامل العسكر، ركب ونزل إلى دار العدل في أهبة السلطنة، فدخلها بعد صلاة الجمعة، فكان يومًا مشهودًا، وعندما استقر بالدار أمر بإرسال ابن أخيه الأشرف إسماعيل إلى ثعبات، فطلعوا به، وقيدوه بالقيد الذي كان الظاهر يحيى مُقيَّدًا به، وسجنوه بالدار التي كان مَسجونًا بها، ثم حُمل بعد أيام إلى الدملوه، ومعه أمه وجاريته، وأنعم السلطان الملك الظاهر يحيى على أخيه الملك الأفضل عباس بما كان له، وخلع عليه وجعله نائب السلطة كما كان في أول دولة الناصر، وخمدت الفتنة، وكان الذي حرَّك هذا الأمر بني زياد، فقام أحمد بن محمد بن زياد الكاملي بأعباء هذه الفتنة، لحنقه على الوزير ابن العلوي؛ فإنه كان قد مالأ على قتل أخيه جياش، وخذل عن الأخذ بثأره وصار يمتَهِنُ بني زياد، ثم ألزم الوزير ابن العلوي وابن الحسام بحمل المال، وعُصِرا على كِعابهما وأصداغهما، ورُبطا من تحت إبطهما، وعُلِّقا منكسَينِ، وضُرِبا بالشيب والعصا، وهما يوردان المال، فأُخِذَ من ابن العلوي -ما بين نقد وعروضٍ- ثمانون ألف دينار، ومن ابن الحسام ثلاثون ألف دينار، وظهر من السلطان نبل وكرم وشهامة ومهابة، بحيث خافه العسكر بأجمعهم؛ فإن له قوة وشجاعة، حتى إن قوسه يعجز من عندهم من الترك عن جَرِّه، وبهذه الحادثة اختَلَّ مُلكُ بني رسول.

العام الهجري : 1344 العام الميلادي : 1925
تفاصيل الحدث:

بعد أن استقَرَّ الوضعُ في الحجاز للملك عبد العزيز بدأ بإدخال التنظيمات الحديثة في إدارة مملكة الحجاز ونجد وملحقاتها، مستفيدًا من بعض الشخصيات العربية الموجودة في الحجاز، كما استقطب شخصياتٍ أخرى من عدد من الدول العربية ذات خبرة إدارية وسياسية وإعلامية؛ فتأسَّست عام 1343هـ إدارة الأمن العام، ثم أصبحت مديرية الشرطة العامة لحماية الأخلاق والتفتيش والمحاسبة ومراقبة الأجانب، ولها إداراتٌ في كل مدينة وناحية،كما تمَّ في هذا العام إنشاء مصلحة الصحة العامة، ثم أصبح في كلِّ مدينة وإقليم إداراتٌ للصحة، وفي عام 1344هـ أنشئت مديرية الشؤون الخارجية، وبلدية مكة المكرمة، ثم إدارة لشؤون الخزانة في الرياض، ويتبع لها في كلِّ مدينة إدارةٌ لجباية الزكاة محاسَبةٌ أمام الملك، ثم في عام 1345هـ أنشئت المديرية المالية العامة، وفي عام 1347هـ أصبحت وكالة، وفي عام 1351هـ تحوَّلت إلى وزارة مالية لها صلاحيات واسعة، ورُبِطَت بالوزارة إداراتُ التموين والحج والزراعة والأشغال العامة والنفط والمعادن الأخرى، وكان فيها خبراءُ مِن عدة جنسيات عربية، وفي عام 1350هـ أنشئت مديرية خفر السواحل في جُدة، وأُوكِلَ لها شؤونُ الموانئ وخفر السواحل، ومكافحة التهريب وتنظيم الملاحة، وفي عامي 1344 و1345 صدرت أوامِرُ مَلَكية لإنشاء نظام قضائي موحَّد للدولة، وتأسَّست في الحجاز ثلاثةُ أنواع من المحاكم: المستعجلة، والكبرى، والاستئناف، وكان أول ظهور لدوائر كتاب العدل في الحجاز عام 1345هـ، وفي عام 1344 تأسَّس في جدة المجلِسُ التجاري الذي تحوَّل في عام 1349ه إلى محاكم تجارية تعمَلُ وَفقَ نظام التجارة الذي وُضِعَ على نمط الدولة العثمانية، واستُثنيَت منه القضايا التي تخضع لأحكام الشرع, وبعد توحيد المملكة عام 1351هـ أصبحت الإدارة في حالِ تشكُّل مؤقَّت إلى حين وضعِ تشكيلات جديدة للمملكة، وقد كُلِّف مجلس الوزراء في الحجاز بوضعِ النظام الأساسي (الدستور) ونظامِ الحُكم والإدارات. وكان يتِمُّ اختيار الأشخاص للمهامِّ السياسية والإدارية حسَبَ المعرفة الشخصية أو الكفاءة والثقة؛ بحيث يظلُّ المسؤولون والوزراء عدَّةَ سنوات، مثل عبد الله السليمان نجدي، ويوسف ياسين:سوري، وحافظ وهبة: مصري، مستشارونَ للملك في الشؤون الخارجية، والأول: سكرتير للملك، ثم وزير للدولة، والثاني: مديرٌ للمعارف، وممثِّلٌ للسعودية في إيطاليا، ثم سفيرٌ في لندن، وعبد الله الدملوجي: عراقي، يجيد التحدث بالإنجليزية والفرنسية، مستشارٌ للملك، ويقوم باستقبال الضيوف في البلاط الملكي، ثم أصبح ممثلًا للملك في جدة، ونائبًا لوزير الخارجية، وفؤاد حمزة: فلسطيني، عمل في وزارة الخارجية كمستشار للملك.

العام الهجري : 1353 الشهر القمري : صفر العام الميلادي : 1934
تفاصيل الحدث:

بعد أن توقَّف زحفُ الجيش السعودي على اليمن بقيادة الأمير سعود والأمير فيصل، استدعى الملكُ عبد العزيز عبدَ اللهِ ابنَ الوزير إلى الطائِفِ، وأطلَعَه على برقية الإمام يحيى -التي أرسلها بعد انهيار قوات جيشه- ثمَّ أملى الملك عبد العزيز على ابن الوزير ومن حضر من المستشارين السعوديين فقراتٍ أشبَهَ بالمواد التي تُبنى عليها معاهدةٌ للصلح، فتولى المستشارون وابن الوزير صياغتَها، فكانت معاهدة الطائف، ثم جرى توقيعها في جدة -بعد أن اطَّلع الإمامُ يحيى على نصها- في 6 صفر 1353ه - 21/ 5/ 1934م. على أن تكون الحُديدة لليمن، وجازان ونجران وعسير وتوابعها للسعودية، وقد وقَّعه نيابةً عن الملك عبد العزيز ابنُه الأمير خالد بن عبد العزيز، ونيابة عن الإمام يحيى عبدُ الله بن أحمد الوزير، وقد نصت المعاهدة على 23 مادة وملحق فيه خمس مواد، وممَّا ورد في هذه المعاهدة:
1/ تنتهي حالة الحرب القائمة بين البلدين بمجرَّد توقيع المعاهدة، وتنشأ فورًا بينهما حالةُ سلم دائم وصداقة وطيدة، وأُخوَّة إسلامية عربية دائمة.
2/ يعترف كل منهما للآخر باستقلالِ كُلٍّ من المملكتين استقلالًا تامًّا مطلقًا، ويُسقِطُ كلٌّ منهما أيَّ حَقٍّ يدعيه في قسم أو أقسام من بلاد آخر خارج الحدود القطعية المبينة في صلب هذه المعاهدة.
3/ خطُّ الحدود الذي يفصل بين بلاد كلٍّ مِن الفريقين المتعاقدين موضَّحٌ بالتفصيل الكافي كما هو في نص المعاهدة، ويعتبر هذا الخط حدًّا فاصلا قطعيًّا بين البلاد التي تخضع لكل منهما.
4/ نظرًا لرغبة الفريقين في دوام السلم والطمأنينة يتعهدان تعهدًا متقابلًا بعدم إحداث أي بناء لحصون في مسافة خمسة كيلومترات في كل جانب من جانبي الحدود في كل المواقع والجهات على طول خط الحدود.
5/ يتعهَّدُ كل من الفريقين بأن يسحب جندَه فورًا عن البلاد التي أصبحت بموجِبِ هذه المعاهدة تابعة للفريق الآخر، مع صون الأهلين والجند عن كل ضرر.
6/ يتعهد كل من الفريقين بأن يمنع كُلٌّ منهما أهاليَ مملكته عن كلِّ ضَررٍ وعدوان على أهالي المملكة الأخرى في كل جهةٍ وطريق، وبأن يمنعَ الغزوَ بين أهل البوادي من الطرفين، ويَرُدَّ كلَّ ما ثبت أخذه بالتحقيق الشرعي من بعد إبرام هذه المعاهدة، وضمان ما تَلَف وبما يلزم بالشَّرعِ فيما وقعَ من جناية قَتلٍ أو جرحٍ، بالعقوبة الحاسمة على من ثبت منهم العدوان.
7/ يتعهد كل من الفريقين تعهدًا متقابلًا بأن يمتنعا عن الرجوع للقوة لحلِّ المشكلات بينهما، وبأن يعملا جهدَهما لحلِّ ما يمكنُ أن ينشأ بينهما من الاختلاف، سواء كانت سببه ومنشؤه هذه المعاهدة، أو تفسير كل أو بعض موادها، أم كان ناشئًا عن أي سبب آخر بالمراجعات الودِّية.

العام الهجري : 1395 الشهر القمري : ربيع الأول العام الميلادي : 1975
تفاصيل الحدث:

هو المَلِك فيصل بنُ عبدِ العزيز بنِ عبد الرحمن الفيصل آل سعودٍ، الابنُ الثالث لوالده الملك المؤسِّس عبد العزيز رحمهما الله. وُلِد في مدينة الرياض في 14 صفر سنة 1324هـ / 1906م في عام انتصار والده على ابن رشيد في القصيم. شارك في سنٍّ مبكِّرة في المعارك والأحداث التي واكبت نُشوء المملكة؛ ففي عام 1345هـ- 1927م ندبه والده لينوبَ عنه في المباحثاتِ مع بريطانيا التي انتهت بالتوقيع على معاهدة جدَّة في 18 شوال 1345هـ / 20 مايو 1927م التي اعترفت بريطانيا بمقتضاها بحكومةِ الملك عبدِ العزيز بعد ضمِّه للحجاز، ثم قام بعدَها بزيارة معظمِ دول أوروبا وآسيا، ممثلًا بلادَه في مختلِف المؤتمراتِ، وكان هذا الحضور عاملًا لبلورة مَلَكة القيادةِ لديه التي برزت في أخذه المملكة نحوَ آفاق التطوير المدنيِّ والعلميِّ الحديث أثناء تولِّيه رئاسة الحكومة في مملكة الحجازِ، ونيابته عن والدِه، أو رئاسته لمجلس الشورى، أو تولِّيه وزارة الخارجية أو رئاسة مجلس الوكلاء، ثم رئاسة مجلس الوزراء، إلى أن بويعَ بولاية العهد في 11 ربيع الأول 1373 هـ / 9 نوفمبر 1953م، وفي يوم الاثنين 27 جمادي الآخرة عام 1384هـ / 3 نوفمبر 1964 بايع الشعب العربيُّ السعوديُّ بالإجماع الملكَ فيصل بنَ عبدِ العزيز ملكًا شرعيًّا على المملكة العربية السعودية, وكان طوال عهده عُرف بعداوته للتوجُّهات اليسارية الشيوعية سواء كانت في أشخاصٍ أو تياراتٍ أو أنظمة؛ ولهذا السبب كان خلافُه مع جمال عبد الناصر. في صباح يوم الثلاثاء 13 ربيع الأول 1395هـ الموافق 25 مارس كان الملك فيصل يستقبل زوَّارَه بمقرِّ رئاسة الوزراء بالرياض، وكان في غرفة الانتظار وزيرُ النفط الكويتي الكاظمي، ومعه وزير البترول السعودي أحمد زكي يماني. ووصل في هذه الأثناءِ الأميرُ فيصل بنُ مساعد بنِ عبد العزيز أخو الأمير الشاعرُ عبد الرحمن بنُ مساعد، طالبًا الدخول للسلام على عمِّه. وعندما همَّ الوزيرانِ بالدخول على الملك فيصل دخل معهما ابنُ أخيه الأمير فيصل بن مساعد. وعندما همَّ الملك فيصل بالوقوف له لاستقبالِه كعادته مع الداخلينَ عليه للسلامِ، أخرجَ الأميرُ فيصل بن مساعد مسدَّسًا كان يُخفيه في ثيابِه، وأطلق منه ثلاثَ رصاصاتٍ أصابت الملكَ في مقتلٍ في رأسِه. ونُقِل الملك فيصل على وجه السرعةِ إلى المستشفى المركزيِّ بالرياض، ولكنَّه توفِّيَ من ساعته رحمه الله، أما القاتلُ فقد قُبِض عليه، وأودِعَ السجن. وبعد التحقيق معه نُفِّذ فيه حكمُ القِصاصِ قتلًا بالسيفِ في مدينة الرياض، بعد 82 يومًا من قَتلِه للملك فيصل في يوم الأربعاء 9 جمادى الآخرة الموافق 18 يونيه، ثم تولى المُلْك بعده ولي العهد الملك خالد بن عبد العزيز.