نكث أميرُ بُريدة محمد بن عبد الله أبا الخيل عَهدَه مع الملك عبد العزيز بن سعود، واتَّفق مع أمير حائل سلطان الحمود بن رشيد على أن يكونا يدًا واحدةً عليه. كذلك ازداد أبا الخيل قوةً بقدوم فيصل الدويش زعيم قبيلة مطير إليه، الذي عاهده على الوقوفِ معه. وسارع الملك عبد العزيز في التحرُّك إلى القصيم، ووصل عُنيزةَ التي هَبَّ أهلُها إليه، وخرج لمهاجمة سلطان ابن رشيد في بُريدة، وحصلت مناوشات لم تسفِرْ عن دخول الملك عبد العزيز البلدة. وأقبل فيصل الدويش يناصر ابن رشيد وأبا الخيل. فتصدى له الملك عبد العزيز وهزمه وطارد فلوله حتى بلدة الطرفية، التي كان يخيِّمُ بها، واستولى على معسكره. وسار ابن رشيد وأبا الخيل مع فلول فيصل الدويش إلى مهاجمة الملك عبدالعزيز في الطرفية، فهزمهم، وعادوا منهزمين إلى بُريدة، وتشَتَّت شملهم. وبعد ذلك عاد سلطان الحمود بن رشيد إلى حائل، ورجع الملك عبدالعزيز إلى الرياض.
بُويِعَ خادمُ الحرَمَين الشريفَين المَلِكُ سَلمان بنُ عبد العزيز آل سعود مَلِكًا للمملكة العربيَّة السعوديَّة، وكان قد قضى أكثرَ من عامَين ونصفٍ وليًّا للعهد ونائبًا لرئيسِ مجلسِ الوُزراء، كما بَقِيَ حِينَها في منصبِهِ وزيرًا للدِّفاع. وُلِد سلمانُ بن عبدِ العزيز في الخامسِ من شوَّال سنةَ (1354هـ) المُوافِق (31 ديسمبر 1935م) في الرِّياض، وهو الابنُ الخامِسُ والعشرون لمؤسِّس المملكة العربيَّة السعودية المَلِك عبد العزيز آل سعود رحمه الله. تَمَّ تعيينُه بدايةً أميرًا لمِنطَقة الرياض بالنيابة وهو في التَّاسعةَ عشرةَ من العمرِ بتاريخ (11 رجب 1373هـ) الموافقِ (16 مارس 1954م)، وبعد عامٍ واحدٍ عُيِّن أميرًا لمنطقة الرياض برُتْبةِ وزيرٍ، وذلك بتاريخِ (25 شعبان 1374هـ) الموافق (18 إبريل 1955م)، واستمرَّ أميرًا لمِنطَقةِ الرِّياض لأكثرَ من خمسةِ عُقُود، ثم عُيِّن وليًّا للعهدِ ونائبًا لرئيسِ مجلسِ الوُزراء ووزيرًا للدِّفاعِ ثم ملكًا للمملكة العربية السعودية.
وُلِد المُلا أختر محمد منصور شاه محمد في قريةِ بندي تيمور (مُقاطعةِ ميواند) بولايةِ قندهارَ جنوبَ أفغانستانَ لعائلةٍ مِن البشتون. كان عُضوًا بارزًا في قيادةِ حركةِ طالبان، وعُيِّنَ عامَ 2001م وزيرًا للطيرانِ المَدَني والنقلِ في حركةِ "طالبان". وأُعيدَ إلى أفغانستان في عامِ 2006م بعدَ اعتقالِه في باكستانَ. وكان حاكمَ طالبان في قندهار حتى مايو 2007م، وشَغِلَ رئاسةَ الشُّؤونِ العسكريَّةِ في طالبان حتى عامِ 2010م. ونصَّبَه المُلا محمد عمر نائبًا له في عامِ 2010م، وشَغلَ مَنصِبَ نائبِ زعيمِ طالبان حتى يوليو 2015م، وقامَ بقيادةِ طالبان بالنيابةِ بشكلٍ فعليٍّ لمدةِ خَمسِ سنَواتٍ، وبعد إعلانِ وفاةِ المُلَّا عمر، اجتمَعَ أعضاءُ شورى أهلِ الحَلِّ والعَقدِ في طالبان والمشايخُ والعُلماءُ الأفغانُ، وبايعوا المُلَّا منصور أميرًا جديدًا لطالبان. واغتِيلَ -رحِمَه اللهُ- في هجومٍ لطائرةٍ أمريكيَّةٍ بدون طيَّارٍ، في المنطقةِ الحدوديَّةِ بين إيرانَ وباكستانَ بالقُربِ مِن الحدودِ الأفغانيَّةِ.
كلف ملك البرتغال مانويل الأول فاسكو دي جاما القيامَ برحلة للبحث عن طريق آخر يوصل بالهند دون المرور على بلاد المسلمين، فقام فاسكو بالسير جنوبًا بمحاذاة السواحل الغربية ووصل إلى رأس الزوابع في جنوب أفريقيا وسماها رأس الرجاء الصالح، ثم استدار شمالًا إلى السواحل الشرقية فوصل إلى موزمبيق وماليندي، وكانوا قد التقوا بسفن عربية أدهشتهم صناعتها، وكذلك أدوات الملاحة التي مع بحاريها من بوصلة وخرائط والمزاول، فأراد الاستفادة منهم للوصول إلى الهند، وكان من أبرز نتائجِ هذا الاكتشاف إضعافُ المسلمين اقتصاديًّا بانقطاع مرور التجارة ببلادهم بين الشرق والغرب؛ مما أدى إلى تدهورِ اقتصاد الدولة المملوكية، وكان أحدَ أسباب سقوطِها. أما ما أُشيع من أن ابن ماجد أرشد قائد الأسطول البرتغالي فاسكو دي غاما إلى طريق الهند، فهو باطل؛ قال أحمد علاونة: "هو قول باطل مدارُه على النهروالي في كتابه (البرق اليماني في الفتح العثماني)، وقد ذكر هذه الأسطورةَ بعد ثمانين سنة من حدوثها، ولم يذكر أيُّ مؤرخ بعد النهروالي هذه الأسطورةَ، ثم جاء المستشرق فران عام 1922 ونفخ فيها من روحه، وتابعه عليها كثيرون، منهم الزِّرِكْلي". وقد أورد العلاونة بعضَ الأدلةِ على بطلان إرشاد ابن ماجد لدي غاما، منها: أ / أن ابن ماجد أرشد دي غاما وهو سكران، وهذا غير معقول أن يطمَئِنَّ قائدٌ عسكري لفاقد الوعي ليدُلَّه على طريق محفوف بالمخاطر. ب/ لم تكن لابن ماجد خبرة في الساحل الأفريقي. ج/ لم يَرِدْ ذكرُ هذه الحادثة في أيٍّ من أعمال ابن ماجد النثرية والشعرية. د/ كان ابن ماجد يَعرِفُ حقَّ المعرفة نوايا البرتغاليين وما يضمرونه من شر للمسلمين. هـ/ لا يوجد مؤرخ برتغالي ممن عاصروا دي غاما وعُنُوا بتاريخ رحلاته، أو ممن جاؤوا على أثارهم ذكروا أحمد بن ماجد. و/ عاصر وصول البرتغاليين إلى المحيط الهندي عددٌ من المؤرخين العرب، ومنهم من عاصر ابن ماجد، ولم يذكر أيٌّ منهم صلةَ ابن ماجد بالبرتغاليين.ا.
لَمَّا مات سعدُ الدَّولةِ الحَمدانيُّ صاحِبُ حَلَب، سار الوزيرُ أبو الحسن المغربي من مَشهدِ عليٍّ إلى العزيز بمصرَ، وأطمَعَه في حلب، فسيَّرَ جيشًا وعليهم منجوتكين أحدُ أمرائه إلى حلب، فسار إليها في جيش ٍكثيفٍ فحَصَرها، وبها أبو الفضائلِ ولؤلؤٌ، فكتبا إلى بسيل مَلِكِ الرومِ يستَنجِدانِه، وهو يقاتِلُ البلغار، فأرسل بسيل إلى نائِبِه بأنطاكيةَ يأمُرُه بإنجاد أبي الفضائل، فسار في خمسينَ ألفًا، حتى نزل على الجسرِ الجديدِ بالعاصي، فلمَّا سَمِعَ منجوتكين الخبَرَ سار إلى الرومِ؛ ليلقاهم قبل اجتماعِهم بأبي الفضائلِ، وعبَرَ إليهم العاصي، وأوقعوا بالرُّومِ فهزموهم ووَلَّوا الأدبارَ إلى أنطاكيةَ، وكثُرَ القتلُ فيهم، وسار منجوتكين إلى أنطاكيةَ، فنهب بلَدَها وقُراها وأحرَقَها، وأنفذ أبو الفضائِلِ إلى بلَدِ حَلَب، فنَقَل ما فيه من الغِلالِ، وأحرق الباقيَ إضرارًا بعساكِرِ مِصرَ، وعاد منجوتكين إلى حلب فحصرها، فأرسل لؤلؤٌ إلى أبي الحسَنِ المغربي فبذل لهم مالًا ليَرُدُّوا منجوتكين عنهم هذه السَّنَة، بعِلَّةِ تَعَذُّرِ الأقوات، ففعلوا ذلك، وكان منجوتكين قد ضَجِرَ مِن الحرب، فأجابهم إليه وسار إلى دمشق، ولَمَّا بلغ الخبَرُ إلى العزيز، غَضِبَ وكتب بعَودِ العَسكرِ إلى حلب، وإبعاد المغربيِّ، وأنفذ الأقواتَ مِن مِصرَ في البحرِ إلى طرابلس، ومنها إلى العَسكرِ، فنازل العسكَرُ حَلَب، وأقاموا عليها ثلاثةَ عشَرَ شهرًا، فقَلَّت الأقواتُ بحَلَب، وعاد أبو الفضائِلِ إلى مراسلةِ مَلِك الرومِ والاعتضاد به، وقال له: متى أخِذَت حلب أخِذَت أنطاكية وعَظُم عليك الخَطبُ، وكان قد توسَّطَ بلادَ البلغار، فعاد وجَدَّ في السَّيرِ، وكان الزَّمانُ ربيعًا، وعسكَرُ مِصرَ قد أرسل إلى منجوتكين يعَرِّفُه الحال، وأتَتْه جواسيسُه بمِثلِ ذلك، فسار كالمنهَزِم عن حَلَب، ووصل مَلِكُ الرُّومِ، فنزل على باب حَلَب، وخرج إليه أبو الفضائلِ ولؤلؤ، وعاد إلى حَلَب، ورحَلَ بسيل إلى الشام، ففتح حِمصَ وشيزر ونهبَهما، وسار إلى طرابلس فنازَلَها، فامتنعت عليه، وأقام عليها نيفًا وأربعينَ يومًا، فلما أيِسَ منها عاد إلى بلادِ الروم، ولَمَّا بلغ الخبَرُ إلى العزيز عَظُم عليه، ونادى في النَّاسِ بالنَّفيرِ لِغَزوِ الروم، وبرز من القاهرةِ، وحدث به أمراضٌ مَنَعتْه، وأدركه الموتُ.
هو السلطان نور الدين محمد جهانكير بن أكبر بن همايون بن بابر الكوركاني المغولي، من سلالة تيمورلنك سلطان الهند، ولِدَ في ربيع الأول سنة 977 بأكبر آباد، وتولى المملكة بعد والده يوم الخميس لأربع عشرة خلت من جمادى الآخرة سنة 1014، وكان اسمُه سليمًا، سماه به والده على اسم الشيخ سليم بن بهاء الدين السيكروي؛ لأن الشيخ بشَّر به والده قبل ولادته ودعا له، فلما استقلَّ بالملك لقَّب نفسَه نور الدين محمد جهانكير، وافتتح أمرَه بالعدل والسخاء، وقرَّب إليه العلماء، وكان صحيح العقيدة خلافًا لوالده، سمع الحديث من الشيخ محمد سعيد الهروي المشهور بمير كلان، وقرأ عليه شيئًا من العلم بأمر والده، وسمع أيضًا من المفتي صدر جهان البهانوي. تزوج بمهر النساء بنت غياث الدين الطهراني، وكانت عشيقته، فخطبها بعد ما قَتَل بعلها شيرافكن خان، فأبت ثم رضيت، فتزوج بها ولقَّبها نور جهان بيكم، فحُبِّبت إليه وملكت فؤادَه حتى ألقى زمام السلطنة بيدها، فدبَّرت لخَتنها شهريار بن جهانكير من زوجته الأخرى ليولِّيه الملك، ورغَّبت زوجها جهانكير عن ابنه شاهجهان الذي دبَّر الملك لولايته بالمُلك بعده، فوقع الخلافُ بينهما وآل إلى الحرب، وتوفي جهانكير ساخطًا عنه. وكان جهانكير رحيمًا حليمًا كريمًا شاعرًا لطيف الطبع، حسن المعاشرة ظريف المحاضرة، حسن الصورة سليم الذهن، باهر الذكاء فصيح العبارة، له يد بيضاء في التحرير والتحبير، صنَّف كتابًا في أخباره وسماه "تزك جهانكيري" وهو مقبول متداول في أيدي الناس، وصنف في أخباره معتمد خان كتابَه: إقبال نامه، ومرزا كامكار الملقب بعزت خان كتابه مآثر جهانكيري، ومن مصنفات جهانكير بندنامه بالفارسية في أوراق عديدة صنفه لأبنائه، وأمر الشيخ محمد ابن الجلال الحسيني الكجراتي أن يترجم القرآن الكريم بالفارسية ولا يباشر فيه التصنع، ولا يزيد على الترجمة اللفظية حرفًا من جانبه. توفي لثلاث بقين من صفر سنة ست وثلاثين وألف، وكانت مدت حكمه إحدى وعشرين سنة وثمانية أشهر وثلاثة عشر يومًا.
أقام شارل الخامس (شارلكان) ملك إسبانيا محكمةَ تفتيش بغرناطة مهمتُها القبض على المسلمين في حال قيامِهم بأحد الأنشطة التالية: الاتجاه للقبلة (وهذا يعني مجرد الصلاة), أو ذبح الماشية على الطريقة الإسلامية, أو التكلم باللغة العربية, أو ارتداء الملابس العربية، وغيرها من الأشياء الأخرى، وكلها قاضية بقمع الهُوية الإسلامية نهائيًّا في إسبانيا ظاهرًا وباطنًا!
كثُرت الأحزاب السيرالونية حتى بلغت تسعةَ أحزاب أجمعت كلُّها على المطالبة بالاستقلال من الحماية البريطانية، وشَكَّلت وفدًا سافر إلى لندن عام 1380هـ / 1960م، وقد شكل أعضاؤه بعد عودتهم حكومةً ائتلافية استطاعت أن تظفَرَ بالاستقلال في 12 ذي القعدة 1380هـ / 27 نيسان ضِمنَ رابطة الشعوب البريطانية، وسيراليون من دول غرب أفريقيا ذات الأغلبية المسلمة.
أقرَّ كنيست دولةِ الاحتلالِ الإسرائيليِّ قانونَ مَنعِ الأذانِ بمُكَبِّراتِ الصوتِ في فِلَسطينَ من الساعةِ 11 ليلًا إلى الساعةِ 7 صباحًا!! وهذا يعني مَنعَ أذانِ الفَجرِ بمكبِّراتِ الصوتِ، وعَدَّ الفلسطينيُّون مَنْعَ الأذانِ في مُكبِّراتِ الصوتِ بمنزلةِ إعلانِ حربٍ على الإسلامِ والمسلمين وعلى الفلسطينيين أهلِ البِلادِ الأصليِّين، وتَصدَّوا لهذا القرارِ ولم يَلتَزِموا به.
هو الحاجُّ محمد أمين بنُ محمد طاهر بن مصطفى الحُسيني مفتي القدس. وُلد في القدسِ سنة 1897م، تربَّى في بيت والدِه الشيخِ طاهر الحسينيِّ مفتي القدس، عُرِف بالحاج أمين الحسينيِّ بعد أن حجَّ برفقة والدتِه. تلقَّى علومه الابتدائيَّة والثانوية في مدارسِ القدسِ، ثم التحق بكلية الفرير بالقدس لتعلُّم اللغةِ الفرنسية، بعدها التحق بجامعة الأزهر، وكان يتردَّد على (دار الدعوة والإرشاد) التي أنشأها الشيخُ محمد رشيد رضا حيث تأثَّر به وبفكره الإصلاحيِّ، ومن خلال معرفته به عرف الكثير عنِ الصهيونية وأطماعِها في فلسطين، وبعدَ نُشوب الحرب العالمية الأولى التحق بكلية الأستانةِ العسكرية وتخرَّج منها ضابطًا، والتحق بالجيش العثماني في ولاية أزمير، وعمل فيه حتى نهاية الحرب؛ مما أكسبه خبرة جيِّدة كان لها الأثرُ الأكبر في شخصيتِه وحياتِه. بعدَ نهاية الحرب عاد الحسينيُّ إلى القدس وهو برتبة ضابطٍ، ملِمًّا بالفكر الإسلاميِّ، والعلوم المفيدةِ، والخبرة العسكريةِ، ويعرفُ منَ اللغات الأجنبية التركيةَ والفرنسيةَ، بالإضافة إلى ذلك كلِّه كان بحكم انتمائه إلى أسرة آل الحسيني مهيَّأً ليكون زعيمًا وداعيةً مسموع الكلمةِ. عندما احتلَّ الإنجليز فلسطين انصرف الحُسينيُّ إلى تنظيم الفلسطينيين في حركة وطنية شاملة ضدَّ الاستعمار والصهيونية، فكوَّنوا في القدس أوَّل منظمة سياسيَّة عرفتها فلسطين هو (النادي العربي)، وانتُخب الحسينيُّ رئيسًا له، وكان لهذا النادي أثر كبير في انطلاق الحركة الوطنية الفلسطينية، وقيام المظاهرات ضد الاحتلالِ. تسلَّم الحسينيُّ منصبَ الإفتاء رسميًّا، فأعاد تنظيم المحاكم الشرعية، واختار لها القضاة، ونظَّم الأوقاف، وأخذ يعمل على تقوية المدارس الإسلامية وتنظيم أمورها، كما شارك في تأسيس مجلس شرعي إسلامي لفلسطين تألَّف من مجموعة من العلماء، وعُين الحسيني رئيسًا لهذا المجلس الذي سُمي (المجلس الإسلامي الأعلى) الذي أصبح على مرِّ الأيام أقوى قوة وطنية إسلامية فلسطينية. كان الحاج أمين القوة الدافعة للحركة الوطنية، ومركز الثقل في المقاومة الفلسطينية؛ مما حفَّز الإنجليز واليهود إلى مقاومته والتخلُّص منه، فخرج الحاجُّ من فلسطين إلى لبنانَ بعد رفضه لقرار التقسيم 1937م وتحريضه للفلسطينيين ضدَّ الاحتلالِ، ومكث في لبنان عامين، ثم فرَّ منها إلى العراق، ولما سمع الحاج بالمآسي التي حلَّت بالشعب البوسني المسلم اجتمع بزعماءِ البوسنة والهرسك في ألمانيا؛ للعمل على منع وقوع المذابحِ فيهم، فحصَل على موافقةِ الحكومة الألمانية على تجنيدِ الشبَّان منهم وتسليحِهم للدفاع عن أنفسهِم وعائلاتهم، وكذلك اتَّفق مع السلطات الألمانية على إنشاء معهد للأئمة؛ لتوزيعِهم على وَحدات الفرق البوسنيَّة الذين زاد عددُهم عن 100 ألف مقاتل مع دول المحورِ، ولما زحف الحلفاء على ألمانيا عام 1945م انتقل الحاج أمين إلى باريس، ومنها إلى مصر، وفي مصر شكَّل الهيئة العربية العليا لفلسطين برئاسته؛ حيثُ نظَّم الحركة الوطنية الفلسطينية تنظيمًا حديثًا، بل ومدَّ نشاطه إلى الدائرة الإسلامية؛ حيث كان يرأس مؤتمرات إسلامية في مكة نشأت عنها مؤسسة دائمة باسم (مؤتمر العالم الإسلامي) برئاسته، وظل يشغل هذا المنصب طيلة حياته إلى أن تُوفي رحمه الله في بيروت ودُفن في مقبرة الشهداء بالحرج.
خرج المهديُّ بنفسِه إلى تونُسَ وقرطاجَنَّة وغيرِهما يرتادُ موضعًا على ساحِلِ البحر يتَّخِذُ فيه مدينةً، وكان يجِدُ في الكتُبِ خروجَ أبي يزيدَ على دولته، ومن أجلِه بنى المهديَّةَ، فلم يجِدْ مَوضِعًا أحسَنَ ولا أحصَنَ مِن موضع المهديَّة، وهي جزيرةٌ متَّصِلةٌ بالبَرِّ كهيئة كفٍّ متَّصِلةٍ بزِندٍ، فبناها وجعلها دار مُلكِه، وجعل لها سورًا مُحكَمًا وأبوابًا عظيمةً، وزْنُ كُلِّ مِصراعٍ مائةُ قنطارٍ، وكان ابتداءُ بنائها يوم السبت لخمسٍ خَلَونَ مِن ذي القعدة سنة ثلاث وثلاثمائة، فلَّما ارتفع السورُ أمَرَ راميًا أن يرميَ بالقوس سهمًا إلى ناحية المغرب، فرمى سهمَه فانتهى إلى موضِعِ المُصلَّى، فقال: إلى موضعِ هذا يَصِلُ صاحِبُ الحِمارِ، يعني أبا يزيدَ الخارجيَّ؛ لأنّه كان يركب حمارًا، وكان يأمُرُ الصُّنَّاعَ بما يعملون، ثمَّ أمر أن يُنقَرَ دار صناعة في الجبلِ تَسَعُ مائةَ شيني- مركب بَحَري- وعليها بابٌ مُغلَقٌ؛ ونقَرَ في أرضِها أهراءً للطعامِ، ومصانِعَ للماء، وبنى فيها القصورَ والدُّورَ، فلما فرغ منها قال: "اليومَ أمَّنتُ على الفاطميَّات"، يعني بناتِه، وارتحل إليها، ولَمَّا رأى إعجابَ الناس بها، وبحصانتها، كما يقول: هذا لساعةٍ مِن نهار، وكان كذلك لأنَّ أبا يزيد وصل إلى موضعِ السهم، ووقف فيه ساعةً، وعاد ولم يظفَرْ.
هو السُّلطانُ محمدُ بن محمودِ بن محمدٍ، كان مَولِدُه سَنةَ 522هـ، وكان كَريمًا عاقِلًا، وهو الذي حاصَرَ بغدادَ طالِبًا السَّلْطَنَةَ وعادَ عنها، فأَصابَهُ سُلٌّ، وطالَ به فماتَ ببابِ همذان، فلمَّا حَضَرَهُ الموتُ أَمَرَ العَساكرَ فرَكِبَت وأَحضرَ أَموالَه وجَواهِرَه وحَظَاياهُ ومَمَاليكَهُ، فنَظَرَ إلى الجَميعِ مِن طَيَّارَةٍ تشرف على ما تحتها، فلمَّا رَآهُ بَكَى، وقال: هذه العَساكرُ والأَموالُ والمَماليكُ والسَّراري ما أرى يَدفَعون عَنِّي مِقدارَ ذَرَّةٍ، ولا يَزيدون في أَجَلِي لَحظةً. وأَمَرَ بالجَميعِ فرُفِعَ بعدَ أن فَرَّقَ منه شَيئًا كَثيرًا. وكان له وَلَدٌ صَغيرٌ، فسَلَّمَهُ إلى آقسنقر الأحمديلي وقال له: أنا أَعلمُ أن العَساكرَ لا تُطيعُ مِثلَ هذا الطِّفلِ، وهو وَديعةٌ عندك، فارحَل به إلى بِلادِك. فرَحَلَ إلى مراغة، فلمَّا ماتَ اختَلَفَت الأُمراءُ، فطائِفةٌ طَلَبوا ملكشاه أَخاهُ، وطائِفةٌ طَلَبوا عَمَّهُ سُليمانَ شاه، وهُم الأَكثرُ، وطائِفةٌ طَلَبوا أرسلان الذي مع إيلدكز؛ فأَمَّا ملكشاه فإنه سار من خوزستان، ومعه دكلا صاحِبُ فارسن وشملة التُّركمانيُّ وغَيرُهما، فوَصلَ إلى أصفهان، فسَلَّمَها إليه ابنُ الخجندي، وجَمَعَ له مالًا أَنفَقَهُ عليه، وأَرسلَ إلى العَساكرِ بهمذان يَدعُوهم إلى طاعَتِه، فلم يُجيبوهُ لعدم الاتِّفاقِ بينهم، ولأنَّ أَكثرَهُم كان يُريدُ عَمَّهُ سُليمانَ شاه, وكان مَسجونًا بالمَوصِل فأُفرِجَ عنه وانعَقَدَت له السَّلطَنَةُ، وخُطِبَ له على مَنابرِ تلك البِلادِ سِوَى بغدادَ والعِراقِ.
سار يوسُفُ بن عبد المؤمن إلى إفريقيَّةَ، وملك قفصة، وكان سبب ذلك أنَّ صاحِبَها علي بن عبد المعز بن المعتز لَمَّا رأى دخولَ الترك إلى إفريقيَّة واستيلاءهم على بعضها، وانقياد العرب إليهم؛ طَمِعَ أيضًا في الاستبدادِ والانفراد عن يوسف وكان في طاعته، فأظهر ما في نفسه وخالفه وأظهر العِصيان، ووافقه أهلُ قفصة، فقتلوا كلَّ من كان عندهم مِن الموحِّدين أصحابه، وكان ذلك في شوال سنة 572، فأرسل والي بجاية إلى يوسفَ بن عبد المؤمن يخبِرُه باضطراب أمور البلاد، واجتماعِ كثيرٍ من العرب إلى بهاء الدين قراقوش القائد الأيوبي الذي دخل إلى إفريقيَّة, فشرع يوسف بن عبد المؤمن في سدِّ الثغور التي يخافُها بعد مسيره، فلما فرغ من جميع ذلك جهَّز العسكر وسار نحو إفريقيَّة سنة خمس وسبعين، ونزل على مدينة قفصة وحَصَرها ثلاثة أشهر وهي بلدة حصينة، وأهلها أنجاد، وقطَعَ شَجَرَها، فلما اشتد الأمرُ على صاحبها وأهلها خرج منها مستخفيًا وطلب عفوَ أمير المؤمنين واعتذر، فَرَقَّ له يوسف فعفا عنه وعن أهل البلد، وتسلم المدينة أول سنة ست وسبعين وسيَّرَ علي بن المعز صاحِبَها إلى بلاد المغرب، فكان فيها مُكرمًا عزيزًا، وأقطعه ولايةً كبيرة؛ ورتَّب يوسف لقفصة طائفةً من أصحابه الموحِّدين.
كان من جملة أمراء خوارزم شاه تكش والد خوارزم شاه محمد, أميرٌ اسمُه أبو بكر، ولقَبُه تاج الدين، وكان في ابتداءِ أمرِه جمَّالًا يكري الجمالَ في الأسفار، ثم جاءته السعادة، فاتصل بخوارزم شاه، وصار سيروانَ جمالِه، فرأى منه جلدًا وأمانةً، فقَدَّمَه إلى أن صار من أعيانِ أمراءِ عَسكَرِه، فولَّاه مدينة زوزن، وكان عاقلًا ذا رأي وحزمٍ وشجاعة، فتقَدَّم عند خوارزم شاه تقدمًا كثيرًا، فوَثِقَ به أكثَرَ مِن جميع أمراء دولتِه، فقال أبو بكر لخوارزم شاه: إنَّ بلاد كرمان مجاورةٌ لبلدي، فلو أضاف السلطانُ إليَّ عسكرًا لملكتُها في أسرع وقت، فسيَّرَ معه عسكرًا كثيرًا فمضى إلى كرمان، وصاحبها اسمه حرب بن محمد بن أبي الفضل الذي كان صاحِبَ سجستان أيَّامَ السلطان سنجر، فقاتَلَه، فلم يكُنْ له به قوة، وضَعُفَ، فملك أبو بكر بلادَه في أسرع وقت، وسار منها إلى نواحي مكرانَ فملكها كلها إلى السند، من حدودِ كابل، وسار إلى هرمز، مدينةٍ على ساحلِ بحر مكران، فأطاعه صاحبُها، واسمه ملنك، وخطَبَ بها لخوارزم شاه، وحملَ عنها مالًا، وخطبَ له بقلهات، وبعض عمان؛ لأن أصحابها كانوا يطيعون صاحِبَ هرمز. وقيل إنَّ ملك خوارزم شاه لكرمان ومكران والسند كان في السنةِ التي قبلها أو بعدها بقليلٍ.
هو ملك التتار، وصاحِبُ العراق والجزيرة وخراسان وغير ذلك، أبغا بن هولاكو بن تولي بن جنكيزخان, ويقال: اسمه أباقا، كان مقدامًا شجاعًا، عالي الهمة، لم يكن في إخوتِه مِثلُه، وهو على دينِ التتار لم يدخل في الإسلام، وكان ذا رأيٍ وحزم وخبرةٍ بالحرب، ولما توجَّه أخوه منكوتمر بالعساكِرِ إلى الشام لم يكن ذلك بتحريضِه، بل أشير عليه فوافق. قال الذهبي: "كان كافِرَ النفس، سفاكًا للدماء، قتل في الروم خلقًا كثيرًا؛ لكونهم دخلوا في طاعة الملك الظاهرِ، وفرحوا بمجيئه إليهم، وقد نفذ الملك الظاهر إليه رسُلَه وهديه" قال ابن عبد الظاهر في السيرة: "وصِفَتُه أنه شاب أسمر أكحل، ربع القامة، جهوري الصوت، فيه بحة يسيرة، عليه قباء نفطي رومي، وسراقوج بنفسجي، تزوج زوجةَ أبيه ألجي خاتون وهي كهلة" هلك أباقا بنواحي همذان عن نحو خمسين سنة، منها مدة ملكه سبع عشرة سنة، وقام في الملك بعده أخوه تكدار بن هولاكو، الذي اعتنق الإسلامَ بعد ذلك وتسمَّى بأحمد ولَقَّب نفسه بالسلطان فانقلبت بعد ذلك سياسةُ الدولة الإيلخانية ناحية بلاد الإسلام، وكان قد أرسل رسالة إلى السلطان قلاوون يُعلِمُه بإسلامه وما قام به من بناء المساجد والمدارس والأوقاف وتجهيز الحُجَّاج، وطلب منه كذلك العمَلَ على اجتماع الكلمة لإخماد الحروب والفِتَن والتحالُفِ ضدَّ الصليبيينَ.