أوقَعُ يمينُ الدَّولةِ محمودُ بنُ سبكتكين بجيبال ملِكِ الهند وقعةً عَظيمةً، وسببُ ذلك أنَّه لَمَّا اشتغَلَ بأمر خراسان ومَلِكِها، وفرغ منها ومِن قتال خلَفِ بنِ أحمد، وخلا وجهُه مِن ذلك؛ أحَبَّ أن يغزوَ الِهندَ غزوةً تكونُ كَفَّارةً لِما كان منه من قتالِ المُسلِمينَ، فثنى عنانَه نحو تلك البلادِ، فنزل على مدينة برشور، فأتاه عدوُّ الله جيبال مَلِكُ الهند في عساكِرَ كثيرةٍ، فالتَقَوا في المحرَّمِ مِن هذه السنة، فاقتتلوا، وصبَرَ الفريقان، فلما انتصَفَ النَّهارُ انهزم الهندُ، وقُتِلَ فيهم مقتلة عظيمة، وأُسِرَ جيبال ومعه جماعةٌ كثيرة من أهلِه وعَشيرتِه، وغَنِمَ المسلمون منهم أموالًا جليلةً، وغَنِموا خمسَمئة ألف رأسٍ من العبيد، وفَتَح من بلادِ الهند بلادًا كثيرةً، فلَمَّا فرغ من غزواته أحَبَّ أن يُطلِقَ جيبال ليراه الهنودُ في شِعارِ الذُّلِّ، فأطلقه بمالٍ قرَّرَه عليه، فأدَّى المال، ومن عادةِ الهندِ أنَّهم مَن حصَلَ منهم في أيدي المُسلِمينَ أسيرًا لم ينعَقِدْ له بعدها رئاسةٌ، فلما رأى جيبال حالَه بعد خلاصِه حلَق رأسَه، ثم ألقى نفسَه في النَّارِ، فلمَّا فرَغَ يمينُ الدولة مِن أمرِ جيبال رأى أن يغزوَ غَزوةً أخرى، فسار نحو ويهند، فأقام عليها مُحاصِرًا لها، حتى فتحها قهرًا، وبلغَه أنَّ جماعةً مِن الهند قد اجتمعوا بشِعابِ تلك الجبال عازِمينَ على الفسادِ والعناد، فسيَّرَ إليهم طائفةً مِن عَسكَرِه، فأوقعوا بهم، وأكثَروا القتلَ فيهم، ولم ينجُ منهم إلَّا الشَّريدُ الفريدُ، وعاد إلى غزنةَ سالِمًا ظافِرًا.
هو عَنْبَسَة بن سُحَيْمٍ الكَلْبِي -نِسْبَةً إلى قَبيلَة كَلْب اليَمانِيَّة، المَعروفَة بِتَأْيِيدِها للأُمَويِّين- والي الأَندَلُس، ومِن قادَةِ الدَّولَة الأُمَويَّة الأَفْذاذ، له فُتوحات واسِعَة في أوروبا، وقد أُصِيبَ بجِراحاتٍ في بَعضِ الوَقائِع مع الفِرِنْج، فكانت سَبَبَ وَفاتِه، رَحِمَه الله, وكانت وِلايَتُه على الأَندَلُس أربعَ سِنين وأربعة أَشهُر.
سيَّرَ الحكم بن هشام صاحِبُ الأندلس جيشًا مع عبد الكريم بنِ مغيث إلى بلاد الفرنج، فدخل البلادَ، وبثَّ السَّرايا فجازوا خليجًا من البحر كان الماءُ قد جَزَر عنه، وكان الفرنجُ قد جعلوا أموالَهم وأهليهم وراء الخليجِ؛ ظنًّا منهم أنَّ أحدًا لا يقدِرُ أن يعبُرَ إليهم، فجاءهم ما لم يكُنْ في حِسابهم، فغَنِمَ المسلمون جميعَ مالهم، وأسَروا الرجالَ وقَتَلوا منهم فأكثروا، وسَبَوا الحريمَ، وعادوا سالِمينَ إلى عبدِ الكريم. وسَيَّرَ طائفةً أخرى، فخَرَّبوا كثيرًا من بلاد فرنسيَّة، وغَنِمَ أموال أهلها، وأسَروا الرجال، فأخبَرَه بعض الأسرى أنَّ جماعةً مِن ملوك الفرنج قد سبقوا المُسلِمينَ إلى وادٍ وعْرِ المسلَكِ على طريقِهم، فجمع عبد الكريم عساكِرَه، وسار على تعبئةٍ، وجَدَّ السَّيرَ، فلم يشعُرِ الكُفَّارُ إلَّا وقد خالَطَهم المسلمون، فوَضَعوا السيفَ فيهم فانهزموا، وغَنِمَ ما معهم وعاد سالِمًا هو ومَن معه.
كتَبَ عامَّةُ الشيعة ببغداد، بأمرِ مُعِزِّ الدولة، على المساجِدِ ما هذه صورتُه: لعن الله معاوية بن أبي سفيان، ولعن من غصب فاطمة، رضي الله عنها، فدكًا، (يعنون أبا بكر الصديق رضي الله عنه) ومن منع من أن يُدفَن الحسن عند قبر جَدِّه، عليه السلام (يعنون مروان بن الحكم)، ومن نفى أبا ذرٍّ الغفاريَّ (يعنون عثمان بن عفان رضي الله عنه)، ومَن أخرج العبَّاس من الشورى (يعنون عمر بن الخطاب رضي الله عنه)، فأمَّا الخليفة فكان محكومًا عليه لا يقدِرُ على المنع، وأمَّا معز الدولة فبأمره كان ذلك، فلما كان الليلُ حَكَّه بعضُ النَّاسِ مِن السُّنَّة، فأراد معزُّ الدولة إعادته، وأشار عليه الوزير أبو محمَّد المهلبي بأن يكتب مكانَ ما محيَ: لعن اللهُ الظالمينَ لآل رسول الله، صلَّى الله عليه وسلَّم، ولا يذكر أحدًا في اللَّعنِ إلا معاوية، ففعل ذلك.
غزا سعودُ بن عبد العزيز حرمة واستنفر معه أهلَ البلدان مشاةً وركبانًا، ونزل على بلدة حرمة وحصرها حصارًا شديدًا، وقطع نخلَ قاضيها عبد الله بن المويس- ابن عم الشيخ المجدِّد، لكنه من ألدِّ أعداء الدعوة (ت1175)- ومَلَك الأمير سعود أكثَرَ نخلها وأقام عليها أيامًا يباكرهم القتالَ، فلما اشتد عليهم الحصارُ ألقى الله الرعب في قلوبهم، فأرسلوا إلى سعود وطلبوا الصلحَ فأبى إلا أن تكون بلدتُهم فيئًا، أو يزيل ما في البلدِ مِن المحذورِ ومِن الرجالِ وغيرِهم، فصالحهم على ذلك, ولَمَّا كتب لوالده الإمام عبد العزيز كتب إليه أنَّ أهلَ هذه القرية تكرَّر منهم نقضُ العهد، وهي محذورةٌ كلُّها، فاهدِمْها ودمِّرْها، فأمر سعود بهدمِها، فهدم سورَها وبعض بيوتِها، وأمَر على أناس من أهلِها ممن أثار الشرَّ على المسلمين أن يرحَلوا عنها، فارتحل كثيرٌ منهم المجمعة، والبعض الآخر إلى الزلفي.
في منتصف جمادى الآخرة حمل عبدُ الله بن سعود وقواته على قواتِ إبراهيم باشا حتى قربوا من محطة العسكر, فثوَّرَ الروم مدافعَهم فخَفَّ بعض البوادي مع عبد الله ومَن نزلوا قرب جبل ماوية قبالةَ الروم، فثبت الرومُ بواديهم لَمَّا رأوه نزل فوجه مدافِعَهم إلى المسلمين ورموهم فأثَّرت فيهم، فأمر عبد الله على بعض المسلمين أن يرحَلوا وينزلوا الماء، فلما هموا بالرحيل خفَّت البوادي فتتابعت فيهم الهزيمةُ ووقع الرعبُ في قلوبهم فاتَّصلت الهزيمة في جموع قوات عبد الله، واختلطت الجموعُ بَعضُها في بعضٍ وتَبِعَهم الروم والبوادي وقتلوا رجالًا وأخذوا كثيرًا من السلاح وغيره، سقط في الأرض من أهل الركائب وركب عبد الله في كتيبةٍ مِن الخيل وحمى ساقة قواتِه، وهلك في تلك الهزيمة بين القتل والأسر والظمأ نحو 200 رجل، وهذا أول وهَنٍ في الدولة السعودية الأولى.
جرَت اتِّصالاتٌ سَريعةٌ بين الحكومتينِ اللِّيبيةِ والتُّونسية في 18 ذي الحجةِ / 12 يناير؛ حيث وقَّع الزعيمُ التُّونسي الحبيب بُوْرقيبة والعقيدُ اللِّيبي معمَّر القذَّافي على "بيان جربة"؛ لتَوحيدِ البلدينِ تحت رايةِ جُمْهورية واحدةٍ تُسمَّى بـ"الجُمهورية العربيَّة الإسلاميَّة" تكونُ وَفْقَ سُلْطةٍ تَنفيذيَّة وتشْريعية وقَضائيةٍ ودُسْتورية واحدةٍ، على أنْ يكون بُورقيبة رئيسًا لها، والقذَّافي نائبًا له، أو وزيرًا أوَّلَ في حُكومة الوَحْدة، لكنَّ هذه الوَحدةَ لم يطُلْ عُمرُها أكثرَ من 48 ساعةً، فانفصلَت عُراها وفشَلَت الوَحدةُ بسُرعةٍ، وأُقِيل وزير الشُّؤون الخارجية التُّونسي محمَّد المصْمودي في 21 ذي الحَجة / 14 كانون الثاني. كان هَدَفُ بُورقيبةَ مِن الوَحدةِ الاستفادةَ من نِفْط لِيبيا، بينما كان القذَّافي يَطمَع في رِئاسة الوَحدةِ بعْدَ بُورقيبة، ومِن أبْرز أسبابِ فَشَل الوَحدةِ عَدَمُ دعْم جماعةِ بُورقيبة له في الوَحدة، وخاصَّةً الوزير الأوَّل الهادي نُويرة الذي كان مُسافِرًا إلى طَهرانَ وقْت عقْدِ الوَحدةِ.
خرج الأسوَدُ العَنْسيُّ -واسمُه عَبهلةُ بنُ كَعبِ بنِ غَوثٍ- في آخِرِ حياةِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في سَبْعِمائةِ مقاتلٍ، فكَتَب إلى عمَّالِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: أيُّها المتمَرِّدون علينا، أمسِكوا علينا ما أخَذْتُم مِن أرضِنا، ووفِّروا ما جمعتُم؛ فنحن أَولى به، وأنتم على ما أنتم عليه، ثمَّ توجَّه مع مقاتِلِيه إلى نجرانَ فأخَذَها، ثمَّ قَصَد صنعاءَ، فخرج إليه شَهرُ بنُ باذامَ فتقاتلا، فغَلَبه الأسوَدُ وقتَلَه وتزوَّج بامرأةِ شَهرِ بنِ باذامَ، وهي ابنةُ عَمِّ فيروز الدَّيلميِّ، واسمُه آزاذُ، وكانت مؤمنةً باللهِ ورَسولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ومِن الصَّالحاتِ، واحتَلَّ العَنسيُّ صنعاءَ، فذهب معاذُ بنُ جبَلٍ وأبو موسى الأشعريِّ إلى حَضرَموتَ، وانحاز عُمَّالُ رَسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إلى الطَّاهِرِ، ورجَعَ عُمَرُ بنُ حرامٍ وخالِدُ بنُ سعيدِ بنِ العاصِ إلى المدينةِ، واستوثقَت اليمَنُ للأسودِ العَنسيِّ، وجَعَل أمرُه يستطيرُ استطارةَ الشَّرارةِ، واشتَدَّ مُلكُه، واستغلظ أمرُه، وارتَدَّ خَلقٌ مِن أهلِ اليَمَنِ، وعامَله المسلمون الذين هناك بالتَّقِيَّةِ فبعث رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم حين بلغَه خَبَرُ الأسودِ العَنسيِّ كِتابَه مع قيسِ بنِ مكشوحٍ يأمرُ فيه المسلمين الذين هناك بمُقاتلةِ العَنْسيِّ ومُصاولتِه، فقام معاذُ بنُ جَبَلٍ بهذا الكتابِ أتمَّ قيامٍ، واتَّفَق معاذُ بنُ جبَلٍ ومَن التَفَّ حولَه مِن أهلِ اليَمَنِ، وقيسُ بنُ عبدِ يغوثَ أميرُ جندِ الأسوَدِ، وفَيروز الدَّيلميُّ؛ على الفتكِ بالأسوَدِ وقَتْلِه، وتعاقدوا عليه، فلمَّا كان الليلُ دَخَلوا عليه البيتَ؛ تقَدَّم إليه فيروز الدَّيلميُّ، وكان الأسوَدُ نائمًا على فراشٍ من حريرٍ، قد غَرِقَ رأسُه في جَسَدِه، وهو سَكْرانُ يَغطُّ، والمرأةُ جالسةٌ عنده، فعاجله وخالَطَه، وهو مِثلُ الجَمَلِ، فأخَذَ رأسَه، فدَقَّ عُنُقَه ووَضَع رُكبتَيه في ظَهْرِه حتى قَتَلَه، وجلس قيسٌ وداذويه وفيروز يأتمرونَ كيف يُعلِمونَ أشياعَهم، فاتَّفَقوا على أنَّه إذا كان الصَّباحُ ينادون بشِعارِهم الذي بينهم وبين المسلمين، فلمَّا كان الصَّباحُ قام أحَدُهم -وهو قيس- على سُورِ الحِصنِ، فنادى بشِعارِهم، فاجتمع المسلِمون والكافِرون حول الحِصنِ، فنادى قيسٌ: أشهَدُ أنَّ محمَّدًا رسولُ اللهِ، وأنَّ عَبهلةَ كذَّابٌ، وألقى إليهم رأسَه، فانهزم أصحابُه، وتَبِعَهم النَّاسُ يأخُذونهم ويرصُدونهم في كلِّ طريقٍ يأسِرونَهم، وظهر الإسلامُ وأهلُه، وتراجَعَ نوَّابُ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إلى أعمالِهم، واتَّفَقوا على معاذِ بنِ جَبَلٍ يصلِّي بالنَّاسِ، وكتبوا بالخَبَرِ إلى رَسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وكانت مُدَّةُ مُلكِه منذ ظهر إلى أن قُتِلَ ثلاثةُ أشهُرٍ أو أربعةُ أشهرٍ.
								 زاد النشاطُ الإسلاميُّ في تُركيا أيامَ حُكومة فخري ثابت كوروتورك، والذي أظهَرَه حِزب السلامة الوطني برئاسة نَجم الدِّين أرْبكان، وهذا ما أخاف الدوائرَ الاستعماريةَ، فكان لا بُد مِن إجراء عمل يحدُّ من نَشاط الإسلاميين، مع الخوف أيضًا من انتشارِ الشُّيوعية وسَيطرتها على الحُكْم، فتَحرَّك الجيش بقيادةِ رئيس الأركان كنعان إيفرين في 3 ذي القعدة 1400هـ / 12 أيلول بانقلابٍ عَسكري ضدَّ الحكومة المدنية المنتخَبةِ، وكان هذا الانقلابُ ثالثَ انقلابٍ عسكري بعد انقلاب 27 أيار / مايو 1960م على عَدنان مندريس، وانقلابِ المذكِّرة في 12 أذار / مارس 1971م، وكانت الفكرةُ التي قام عليها هذا الانقلابُ هي حِماية المبادئ العلمانيةِ التي وضَعها أتاتورك أساسًا للجمهورية التُّركية، فتخوَّف العسكرُ مِن الصعود الملحوظِ للتَّيار الإسلاميِّ في الانتخابات القادمةِ؛ لذلك حصَل هذا الانقلابُ بدعْمٍ من أمريكا بعْد أنْ فقَدَت حليفَها في المنطقة بعدَ الثَّورة الإيرانية 1979م، ومن أهمِّ أسباب الانقلابِ: فشَلُ حِزب الشعب الجمهوري (حزب أتاتورك العلماني) في إدارة البلادِ. شكَّل هذا الانقلابُ ملامحَ تُركيا لثلاثةِ عُقود قادمةٍ، كما يُعدُّ هذا الانقلابُ الأكثرَ دَمويةً؛ لذلك اتَّخذ مجلسُ الأمن القومي -الذي كان يَرأسه الجِنرال كنعان إيفرين، مع عددٍ من الضُّباط الكبار في الجيشِ والقوات المسلحة التُّركية- بعد الانقلاب في 12 أيلول 1980 قراراتٍ عديدةً تتعلَّق بسياسةِ تُركيا وقتها لغاية الانتخابات العامة التي تمَّت عام 1983، والتي أسفَرَت عن انتخابِ إيفرين رئيسًا لِتُركيا في نوفمبر 1982 بنسبةِ 90% من الأصواتِ، ثم قام بعرْضِ دُستور جديد على الاستفتاءِ، قام فيه بتَحصينِ نفْسه وجِنرالات الانقلاب مِن المحاكمة في المادة (15)، وعزَّز الدستورُ من دَور الجيش في الحياة المدنية بذَريعة حِماية الجُمهورية والعلمانية في المادتين (35) و(85) مِن الدُّستور التركي. كما أقدَمَ إيفرين على إغلاقِ كافَّة الأحزاب السياسية، وتمَّ اتخاذ قرارِ مُراقبة زُعماء الأحزاب بشكلٍ دقيقٍ، ومِن ثَم تمَّت مُحاكمتهم، وبالإضافةِ إلى ذلك قامت السُّلطات المَعْنية بأمرٍ من إيفرين كنعان بسحْب الجِنسية التركية من 14 ألفَ شخصٍ، وإعلانِ الأحكام العُرْفية التي استمرَّت 7 سنوات؛ حيث تمَّت مُحاكمة 230 ألف شخصٍ ضمن 210 دعوة قَضائية، وحُكِم على 517 شخصًا بالقتل، وأُعيد تَصميم السياسة التُّركية من جديدٍ بعد ذلك، ومِن بين الآثار السَّلبية لانقلابِ أيلول العسكري: طَرْدُ ما يُقارب 30 ألف شخصٍ من أعمالهم من دون وُجود مُبرِّرات قانونية تَستوجِب عَزْلَهم عن أعمالهم، وإغلاق عددٍ كبير مِن الجمعيات والمؤسسات الإنسانيةِ في البلادِ. أمَّا على الصَّعيد الإعلاميِّ فقد تمَّ منْعُ 937 فيلمًا سينمائيًّا من العرْض، ولم يَستطِعْ ما يقارب مِن 300 صحيفة ممارسةَ أعمال النشْر والطِّباعة، وبعد مُرور 30 عامًا على الانقلابِ، واستجابةً لمطالِب عددٍ كبير من متضرِّري الانقلاب؛ قرَّرت حُكومة رجب طيب أردوغان فتْحَ ملف تحقيقٍ بحقِّ مَسؤولين رَفيعِي المستوى الذين قادوا انقلابَ 12 أيلول، فتَمكَّن حِزب العدالة والتنمية الذي يَقوده أردوغان مِن تعديلِ عشَرات الموادِّ من ذلك الدستور، بما فيها حَصانة العسكرِ، الأمر الذي سمَحَ للمحاكم بمُتابعة الانقلابيينَ، وإصدار حُكم المؤبَّد في حقِّهم.
 			
هو أبو الملوكِ السلطانُ الغازي فخرُ الدين عثمانُ بك خان الأول بن أرطغرل بن سليمان شاه القايوي التُركماني، لما توفِّيَ أرطغرل سنة 687 هـ ( 1288م) تولى عُثمانُ زعامةَ القبائِلِ التُّركمانيَّة في المقاطعة التي منحهم إيَّاها السلطان علاء الدين السلجوقي والتي كانت قريبةً من بحر مرمرة التابع للبحرِ الأسود بالقُربِ من مدينة بورصة، كان عثمان قد تمكَّن في البلاد حتى إنَّه بدأ يدعو أمراءَ الروم في آسيا الصغرى إلى الإسلامِ أو الجزيةِ أو الحَربِ؛ ممَّا أدى إلى استعانتهم بالمغول للقضاءِ عليه، ولكنَّه كان قد هيأ جيشًا بإمرة ابنه أورخان فسَيَّرَه لقتال المغول فشَتَّت شَملَهم وعاد فاتَّجَه إلى بورصة فاستطاع أن يدخُلَها عام 717, وكانت بورصة تعَدُّ من الحصون الروميَّة المهمَّة في آسيا الصغرى، فأمَّنَ أهلَها وأحسَنَ إليهم فدفعوا له ثلاثين ألفًا مِن عملتهم الذهبيَّة وأسلمَ حاكِمُها أفرينوس فمنحه عثمانُ لَقَب بيك، وأصبحَ مِن القادة البارزين، ثمَّ إن عثمان توفي في 21 رمضان من هذه السنة بعد معاناتِه من مرض النقرس، وكان قد عَهِدَ لابنه أورخان بالحكم وكان عمرُه تسعة وثلاثين عامًا وليس هو بأكبر أولادِ عثمان، وكان أكبَرُهم علاء الدين الذي رضي بأن يكون وزيرًا لأخيه فاهتَمَّ بالشؤون الداخليَّة وأما أورخان فاهتَمَّ بالشؤون الخارجيَّة.
سيطر الجيشُ الانكشاري على السلطان مراد الرابع في أول أمره لصغره، ثم إنَّه لم يلبث أن عرف أمور الحكم حتى بدأ بالقضاء على طغاة العسكر الذين قتلوا أخاه السلطان عثمان الثاني، وأَعدم جميع المتأسِّدين في إستانبول وفي جميع أنحاء الدولة، وأسَّس تشيكلات قوية للمخابرات وثبَّت من خلالها أسماء جميع المستبدين في الدولة، وكان إذا صادف بلدًا في أسفاره يدعو مستبديها بأسمائهم ويعدمهم، ومنع في عهده الخمر والتدخين وأعدم كلَّ مرتدٍّ عن الإسلام.
هو أمير المؤمنين في الحديث قاضي القضاة، شيخُ الإسلام، حافظ العصر، رحلة الطالبين، مفتي الفِرَق، شهاب الدين أبو الفضل أحمد ابن الشيخ نور الدين علي بن محمد بن علي بن أحمد بن حجر، المصريُّ المولدِ والمنشأِ والدار والوفاة، العسقلانيُّ الأصلِ، الشافعيُّ، قاضي قضاة الديار المصرية وعالِمُها وحافظها وشاعرها، ولد في 23 شعبان بالقاهرة سنة 773. مات والده وهو حَدَث السن، فكفَلَه بعض أوصياء والده إلى أن كبرَ وحفظ القرآن الكريم، واشتغل بالمتجر، وتولَّع بالنظم، وقال الشعر الكثير المليح إلى الغاية, ثم حَبَّب الله إليه طلبَ الحديث فأقبل عليه وسَمِعَ الكثير بمصر وغيرها، ورحل وانتقى، وحصَّل وسَمِع بالقاهرة من شيخ الإسلام سراج الدين عمر البلقيني، والحافظين ابن الملقِّن والعراقي، وأخذ عنهم الفقه، ورحل إلى اليمن بعد أن جاور بمكة، وأقبل على الاشتغال والتصنيف، وبرع في الفقه والعربية، وصار حافظَ الإسلام، علَّامة في معرفة الرجال واستحضارهم، والعالي والنازل مع معرفةٍ تامة بعلل الأحاديث وغيرِها. وصار هو المعوَّلَ عليه في هذا الشأن في سائر أقطار الأرض، وقدوةَ الأمة، علَّامة العلماء، حجَّة الأعلام، مُحيي السنة، انتفع به الطلبة وحضر دروسَه جماعة من علماء عصره وقضاة قضاتِه، وقرأ عليه غالبُ فقهاء مصر، وأملى بخانقاه بيبرس نحوًا من عشرين سنة, ولَمَّا عُزِل عن منصب القضاة بالشيخ شمس الدين محمد القاياتي انتقل إلى دار الحديث الكاملية ببين القصرين، واستمَرَّ على ذلك، وناب في الحكم في ابتداء أمرِه عن قاضي القضاة جلال الدين عبد الرحمن البلقيني مدة طويلة، ثم عن الشيخ ولي الدين العراقي، ثم تنزَّه عن ذلك وتولى مشيخة خانقاه بيبرس الجاشنكير في دولة الملك المؤيد شيخ، وصار إذ ذاك من أعيان العلماء، وتصدر للإقراء والتدريس إلى أن ولَّاه الملك الأشرف برسباي قضاءَ القضاة الشافعية بالديار المصرية عوضًا عن قاضي القضاة علم الدين صالح البلقيني بعد عزلِه، وذلك في السابع والعشرين محرم سنة 827، فاستمَرَّ في المنصب ثم عُزِلَ عن القضاء وأعيد إليه، ثم عُزِلَ وأعيد أكثر من مرة. إلى أن طلب وأعيد عوضًا عن الشيخ ولي الدين محمد السفطي، وذلك في يوم الاثنين ثامن ربيع الآخرة سنة 852, وكان لولايته في هذه المرة يوم مشهود، فدام في المنصب إلى أن عزل نفسه في الخامس والعشرين جمادى الآخرة من هذه السنة، وولي من الغد عوضَه قاضي القضاة علم الدين صالح البلقيني، وهذه آخِرُ ولايته للقضاء, وانقطع شيخ الإسلام ابن حجر في بيته ملازمًا للاشغال والتصنيف إلى أن توفي بعد أن مرض أكثر من شهر. قال ابن تغري بردي: "كان رحمه الله حافِظَ المشرق والمغرب، أميرَ المؤمنين في الحديث، انتهت إليه رئاسةُ علم الحديث من أيام شبيبتِه بلا مُدافَعةٍ، بل قيل: إنه لم يَرَ مِثلَ نفسه، قلتُ: وهذا هو الأصح. وكان ذا شيبةٍ نيرة ووقار وأبَّهة، ومهابة، هذا مع ما احتوى عليه من العقل والحكمة والسكون والسياسة، والدربة بالأحكام ومداراة الناس قبل أن يخاطب الشخصَ بما يكره، بل كان يحسِنُ لمن يسيء إليه ويتجاوز عمن قَدَر عليه, وكانت صفته ذا لحيةٍ بيضاء ووجه صبيحٍ، للقِصَرِ أقرب، وفي الهامةِ نحيف، جيدِّ الذكاء، عظيم الحذق لمن ناظره أو حاضره، راويةً للشعر وأيامِ من تقدمه وعاصره، فصيح اللسان، شجيَّ الصوت، هذا مع كثرة الصوم ولزوم العبادة، واقتفائِه طرق من تقَدَّمه من الصلحاء السادة، وأوقاته للطلبة مقسمة تقسيمًا لمن ورد عليه آفاقيًّا كان أو مقيمًا، مع كثرة المطالعة والتأليف والتصدي للإفتاء والتصنيف. وأما مصنفاته فإن أسماءها تستوعب مجلدًا كاملًا صغير الحجم" مات رحمه الله ولم يخلِّفْ بعده مثله شرقًا ولا غربًا، ويكفيه شهرة أنه مؤلِّفُ كتاب: "فتح الباري في شرح صحيح البخاري" الذي لا يكاد يستغني عنه أحد، وله "تغليق التعليق" وكتاب "الإصابة في تمييز الصحابة" وكتاب "تقريب التهذيب" و "تهذيب التهذيب" و "لسان الميزان" و "بلوغ المرام في أدلة الأحكام"، وفي التاريخ: "رفع الإصر عن قضاة مصر" وكتاب "الإعلام فيمن ولي مصر في الإسلام" وغيرها من الكتب, وكلها تدل على سعة علمه في الحديث والرجال والعلل والفقه والخِلاف؛ مما أكسبه اسم الحافظ بحقٍّ. توفي في ليلة السبت الثامن والعشرين ذي الحجة، وصلِّيَ عليه بمصلاة المؤمني، وحضر السلطان الظاهر جقمق الصلاةَ عليه، ودفِنَ بالقرافة، ومشى أعيان الدولة في جنازته من داره بالقاهرة من باب القنطرة إلى الرملة، وكانت جنازته مشهودة إلى الغاية، حتى قال بعض الأذكياء: إنه حزر من مشى في جنازته نحو الخمسين ألف إنسان، وكان لموته يومٌ عظيم على المسلمين، وحتى على أهل الذمَّةِ.
خرج الراضي أميرُ المؤمنينَ إلى المَوصِل لمحاربةِ ناصرِ الدولة الحسَنِ بنِ عبد الله بن حمدان نائبِها، وبين يديه بجكم أميرُ الأمراء، وقاضي القضاة أبو الحُسَين عمر بن محمد بن يوسف، وقد استخلف على بغداد ولَده القاضيَ أبا نصر يوسف بن عمر، في منصبِ القضاء، عن أمرِ الخليفةِ بذلك، ولما انتهى بجكم إلى الموصل ومعه الخليفةُ. واقَعَ الحسَن بن عبد الله بن حمدان فهزم بجكم ابنَ حمدان، وقرَّرَ الخليفة الموصِلَ والجزيرة، وولَّى فيها، فاغتنم محمَّد بن رائق غيبةَ الخليفةِ عن بغداد ليستَرِدَّ منصب أمير الأمراء فاستجاش بألفٍ مِن القرامطة وجاء بهم فدخل بغدادَ، فأكثر فيها الفساد، غيرَ أنَّه لم يتعَرَّضْ لدار الخلافة، ثم بعث إلى الخليفةِ يطلُبُ منه المصالحةَ والعفوَ عما جنى، فأجابه إلى ذلك، وبعث إليه قاضيَ القضاة أبا الحسين عمر بن يوسف، وترحَّلَ ابنُ رائق عن بغداد ودخَلَها الخليفةُ في جمادى الأولى، ففرح المسلِمونَ بذلك.
وَهَن أمرُ الخلافةِ والسَّلطَنةِ ببغداد، حتى إنَّ بَعضَ الجُندِ خَرَجوا إلى قريةِ يحيى، فلَقِيَهم أكراد، فأخَذوا دوابَّهم، فعادوا إلى حَقلِ الخليفةِ القائِمِ بأمر الله، فنَهَبوا شيئًا من ثَمَرتِه، وقالوا للعاملينَ فيه: أنتم عَرَفتم حالَ الأكرادِ ولم تُعلِمونا، فسَمِعَ الخليفةُ الحالَ، فعَظُمَ عليه، ولم يَقدِرْ جلال الدَّولة البويهيُّ على أخذِ أولئك الأكراد لعَجزِه ووَهَنِه، واجتهدَ في تسليمِ الجُندِ إلى نائبِ الخليفة، فلم يُمكِنْه ذلك، فتقَدَّم الخليفةُ إلى القُضاةِ بتَركِ القَضاءِ والامتناعِ عنه، وإلى الشُّهودِ بتَركِ الشهادةِ، وإلى الفُقَهاءِ بترك الفتوى، فلمَّا رأى جلالُ الدَّولة ذلك سأل أولئك الأجنادَ ليُجيبوه إلى أن يحمِلَهم إلى ديوانِ الخلافة، ففعلوا، فلمَّا وصلوا إلى دار الخلافةِ أُطلِقوا، وعَظُمَ أمرُ العيَّارين– العَيَّارون لصوصٌ يَمتَهِنونَ النَّهبَ والدعارةَ - وصاروا يأخُذونَ الأموالَ ليلًا ونهارًا، ولا مانِعَ لهم؛ لأنَّ الجُندَ يَحمونَهم على السُّلطانِ ونُوَّابه، والسلطان عاجِزٌ عن قَهرِهم، وانتشر العربُ في البلادِ فنهبوا النواحيَ، وقطعوا الطريقَ، وبلغوا إلى أطرافِ بغداد، حتى وصلوا إلى جامِعِ المنصور، وأخذوا ثيابَ النساءِ مِن المقابرِ.
طلب اللورد كرومر المندوب السامي البريطاني بمصرَ مِن الضابط تشارلز جورج غوردون الإشرافَ على إخلاء السودان من القواتِ المصرية تمهيدًا لاحتلالها، ولكن غوردون رفض ذلك الطلبَ وأعلن أنَّ القواتِ الإنجليزيةَ والمصريةَ المشتركة بالخرطوم سوف تتحَرَّكُ للقضاء على الثورة المهدية، وكان ذلك منه غطرسةً وتكبُّرًا دفع ثمنَهما حياتَه؛ تحرَّكت قواتُ المهدي باتجاه الخرطوم أواخِرَ سنة 1301هـ 1884م، وأرسل المهديُّ مندوبًا من عنده يطلُبُ من غوردون تسليمَ الخرطوم، فرفض وأبى واستكبر بشدة، فضرب المهديون حصارًا شديدًا على المدينة، وعندها تحرَّكت الحكومة الإنجليزية برئاسةِ جلادستون وأرسلت قواتٍ لنجدة الحاميةِ المصرية في السودانِ، وذلك في أوائل سنة 1302هـ 1885م، وعندها قرَّر المهديون اقتحامَ المدينة فاقتحموها في 12 ربيع الآخر سنة 1302هـ، وكان رأسُ غوردون هو أوَّلَ رأسٍ قُطِعَ في هذه المعركة التي أصبحت بعدها السودان كلُّها خاضعةً للحركة المهدية، وكان لسقوطِ الخرطوم ومقتَل غوردون صدًى عظيمًا في إنجلترا، ولكِنَّ ثمار الحركة لم تكتَمِلْ؛ إذ مات زعيمُها بعد ذلك بقليلٍ.