الموسوعة التاريخية

عدد النتائج ( 450 ). زمن البحث بالثانية ( 0.01 )

العام الهجري : 1338 العام الميلادي : 1919
تفاصيل الحدث:

بعد أن سيطر الحلفاء على استانبول وألقِيَ القبضُ على رئيس الوزراء، وحُلَّت جمعيةُ الاتحاد والترقي، واغتيلَ أكثَرُ أعضائها، وأُقيل مصطفى كمال من منصبِه، وأعلنت الحكومة تمرُّدَ مصطفى كمال الذي ظهر بمظهرِ البطل الثائر حتى لقَّب نفسه بالغازي، فتقدَّم إلى الغرب من الأناضول، وحاصر أسكي شهر فانسحب الإنجليزُ منها دون مقاومة، فدخلها بصورة الفاتح ودخل قونية، وأعلن إجراءَ انتخابات جديدة بحيث تكون أنقرة مقرًّا للمجلس الجديد، فنجح أنصاره، واجتمع المجلس وبدأ يعمل على تشكيل جيشٍ خاصٍّ، أما الحكومة فسيطرت على كافةِ المناطق وبَقِيَت أنقرة وحدها، وكادت تسقط، فأذاع الحلفاء في هذا الوقت شروطَ معاهدة سيفر التي وافق عليها الخليفةُ ورئيس الوزراء الداماد فريد باشا مرغَمَينِ، ولما فيها من إجحافٍ بحقِّ الدولة المهزومة فقد ثار الأهالي؛ إذ تنص المعاهدة على: إقامة دولة في استانبول، آخر الولايات العربية من الدولة، إعطاءُ الاستقلال لأرمينيا، إعطاء كردستان استقلالًا ذاتيًّا، تُعطى تراقيا وجزر بحر إيجة لليونان، توضع المضائق تحت إشراف دولي، يوجِّهُ الحلفاءُ الجيشَ ويحدَّدُ عدد أفراده، يحِقُّ للحلفاء السيطرة على المالية، فبدأت ثورة الأهالي على الحكومة لتوقيعها المعاهدة، وبدأ مصطفى كمال الهجومَ على الحكومة الذي أعلن أنها عميلة، وبدأت كِفَّتُه ترجح، ودعت إنجلترا لعقد مؤتمر في لندن لإعادة النظر في معاهدة سيفر، ثم قوِيَ أمر مصطفى كمال، واتفق مع الدول الأخرى؛ إذ اتفق مع اليونان على إعطاء أزمير استقلالًا ذاتيًّا تحت حكم نصراني، وتنازل لروسيا عن باطوم في جورجيا، وانسحبت فرنسا من كيليكيا جنوب الأناضول بتركيا، وانسحبت إيطاليا من أنطاكية، واستطاع أن يهزم اليونانَ واضطرَّهم للانسحاب من تركيا، فظهر مصطفى كمال بصورة البطل المغوار!!!

العام الهجري : 1356 الشهر القمري : ربيع الآخر العام الميلادي : 1937
تفاصيل الحدث:

في عام 1937م بدأت الظروفُ العالمية تُنذِرُ بنشوب الحرب العالمية الثانية فاتَّخَذت الدولُ الغربية بعضَ الاحتياطات ضِدَّ ألمانيا وإيطاليا واليابان والاتحاد السوفييتي، وكان من جملةِ التدابير المتَّخَذة عقد (ميثاق سعد آباد) في الثامن من يوليو عام 1937م في إيران، وساهم عقدُ هذا الميثاق في التقارب العراقي الإيراني، حيث عُقِدَت المعاهدة عام 1937بين العراق، تركيا، أفغانستان، وإيران تحت إشراف بريطانيا، ثم توالى عقدُ معاهدات أخرى، فعُقِدت معاهدة صداقة ومعاهدة حلِّ الاختلافات بالطرق السلمية. وأبرز ما جاء في المعاهدة: تعديلُ الحدود في شَطِّ العرب بمنحِ إيران سبعة كيلومترات وثلاثة أرباع الكيلو متر أمام عبادان. وحقَّقت المعاهدةُ لإيران حقَّ استخدام شطِّ العرب والانتفاع منه دون إذنٍ عراقيٍّ، كما كان قبل توقيعِ المعاهدة. ومنح الدولتين حق تقرير الضرائب المالية والفنية المتعلقة بشطِّ العرب، وتقضي المادة الثالثة من المعاهدة بتأليف لجنةٍ مشتركة من البلدين لنَصبِ دعائم الحدود التي كانت قد عيَّنَتْها اللجنة المشتركة عام 1914م. باشرت اللجنةُ الجديدة أعمالَها عام 1938م لكِنَّها توقَّفَت عام 1940م، ويبدو أنَّ اندلاع الحرب العالمية الثانية كان أحد أسباب توقُّف عمل اللجنة، وظلَّت مشكلة الحدود قائمة. وكان من آثار المعاهدة وأدُ كلِّ حركة تحرُّر كردية في مهدِها، فتقول إحدى موادِّه: إنَّ كلًّا من الأطراف الموقِّعة تتعهَّدُ باتخاذ التدابير اللازمة للحيلولة دون قيامِ أيِّ نشاط لعصابات مسلحة، أو جمعيات، أو منظمات تهدف إلى إطاحة المؤسسات الحالية، التي تتحمَّلُ مسؤولية المحافظة على النظام والأمن في أي جزء من حدود الأطراف الأخرى، علمًا أنَّه انتهى أثَرُ ذلك الميثاق بنشوب الحرب العالمية الثانية.

العام الهجري : 1376 الشهر القمري : شوال العام الميلادي : 1957
تفاصيل الحدث:

استمَرَّت المقاومة في موريتانيا ولم تهدأ رغمَ سُقوطِ الدولة العثمانية، ورغْم استطاعة الفرنسيين بَسْطَ سيطرتهم ونفوذِهم على البلاد بسبَبِ تفوُّقِهم العسكري في الرجال والسلاح. وفي أثناء أحداثِ الحرب العالمية الثانية بدأت بوادِرُ الدعوة للاستقلال بالظهور؛ إذ برز حزبان هما: حزب الاتحاد الوطني، وحزب منظمات الشباب. بعد ذلك انحصرت مطالِبُ الحزبين بالمطالبة بالاستقلال المباشر، فتوحَّدا في حزب واحد عام 1367هـ وهو حزب التفاهم الموريتاني، إلَّا أن الانقسامَ عاد من جديد فظهر حزب التفاهم الموريتاني بزعامة أحمد بن حرمة بابانا. وحزب الاتحاد التقدمي الموريتاني بزعامة المختار أنجاي. وأجريت انتخاباتٌ عامة لاختيار نائب في الجمعية الوطنية الفرنسية بباريس (حسب نص دستور فرنسا على أن يكون أعضاء مجلس الجمعية الوطنية من الوحدات الإقليمية) ففاز المختارُ أنجاي بالنيابة في عام 1376 هـ. أما أحمد بن حرمة فقد غادر موريتانيا ليعيشَ في المغرب بعد عودة الملك محمد الخامس من المنفى. بعد ذلك زادت المطالبةُ بالاستقلال؛ فعُقِد في منتصف عام 1379 /1958 مؤتمَرٌ في عاصمة مالي باماكو. وكان من مقرراته ضرورةُ اعتراف فرنسا بحق تقرير المصير؛ إذ كانت تخشى اندلاع الثورات كما حدث في الجزائر. فأصدر رئيس وزراء فرنسا «غي موليه» قانونَ الإصلاح الإداري عام 1376 / 1957 والذي نصَّ على إجراء انتخابات في كلِّ إقليم؛ لاختيار جمعية عامة تتولى تشكيل الحكومة. وفي 21 شوال 1376ه / 20 أيار 1957 تشكَّلت أولُ حكومة ذات استقلال ذاتي في موريتانيا. وأوجدت السلطاتُ الفرنسية نظامًا خاصًا أسمته استقلالًا داخليًّا؛ حيث عَيَّنَت إلى جانب الحاكم العام شخصًا موريتانيًّا اسمه نائب رئيس المجلس، وكانت الحكومةُ صوريَّةً.

العام الهجري : 1430 الشهر القمري : ذي القعدة العام الميلادي : 2009
تفاصيل الحدث:

قرَّر أعضاءُ المجلس الأعلى لاتِّحاد حُكَّام الإمارات، إعادةَ انتخابِ الشيخِ خليفةَ بنِ زايد آل نهيان، رئيسًا للدولة للسنواتِ الخمسِ القادمةِ؛ وَفقًا لأحكام دستور دولةِ الإمارات العربية المتحدة. وكان حُكَّامُ الإماراتِ قد اختاروا خليفةَ رئيسًا للدولةِ للمرَّة الأولى في الثَّالثِ من نوفمبر عامَ (2004م) خَلَفًا لوالِدِه الشَّيخِ زايد بن سلطان آل نهيان، وبعد أن أصبحَ حاكِمًا لإمارَةِ أبوظبي في الثَّاني من الشهرِ نفسِه. والشيخُ خليفةُ بن زايد هو ثاني رئيسٍ لدولةِ الإماراتِ، التي أُعلِن قيامُها في الثاني من ديسمبر عامَ (1971م)، وهو الحاكمُ السادسَ عشرَ لإمارة أبوظبي، كُبرى الإماراتِ السبعِ المكوِّنة للاتِّحاد. وُلد خليفة -أكبرُ أنجالِ الشيخِ زايد- عامَ (1948م)، في المِنطَقة الشرقية لإمارةِ أبو ظبي، وتلقَّى تعليمَه الأساسيَّ في مدينة العَين. وكان أولُ منصبٍ رسميٍّ يَشغَلُه هو "ممثِّل الحاكم في المنطقة الشرقية، ورئيس المحاكم فيها"، وذلك في (18 سبتمبر عام 1966م)، ثم عُيِّن وليًّا لعهدِ إمارة أبو ظبي في (الأوَّل من فبراير عام 1969م). وفي الأوَّل من يوليو عامَ (1971م) تولَّى الشيخُ خليفة رئاسةَ أولِ مَجلسِ وُزراءَ محلِّيٍّ لإمارة أبو ظبي، إضافةً إلى تقلُّدِ حقيبتَي الدَّفاع والماليَّة في هذا المجلسِ، وبعد إعلانِ الدولة الاتحاديَّةِ شَغَل -إلى جانبِ مسؤولياتِه المحليةِ- مَنصِبَ نائبِ رئيسِ مجلسِ الوُزَراء في الحكومةِ الاتحاديةِ، التي تمَّ تشكيلُها في ديسمبر عام (1973م). وفي فبراير من عام (1974م)، وبعد إلغاء مَجلس الوُزراء المَحليِّ أصبحَ خليفةُ أولَ رئيسٍ للمجلسِ التنفيذي الذي حلَّ محلَّ مجلسِ وُزراء الإمارة في اختصاصاتِه جَميعِها. وفي عهده أُجرِيَت أولُ انتخاباتٍ من نوعِها في دولة الإمارات؛ وذلك لاختيارِ نصفِ أعضاءِ المجلس الوطني الاتحاديِّ.

العام الهجري : 367 العام الميلادي : 977
تفاصيل الحدث:

لم يزلْ أفتكين الشَّرابيُّ مولى مُعِزِّ الدولة بن بُوَيه طُولَ مُقامِه بدمشق يكاتِبُ القَرامِطةَ ويكاتِبونَه بأنَّهم سائرون إلى الشام، إلى أن وافَوا دمشق بعد موتِ المعِزِّ الفاطمي في هذه السنة، وكان الذي وافى منهم: إسحاقُ، وكِسرى، وجعفر، فنزلوا على ظاهرِ دمشق، ومعهم كثيرٌ مِن العجم أصحابِ أفتكين الذين تشَتَّتوا في البلاد وقتَ وَقعتِه مع الديلم، فلَقُوهم بالكوفة في الموقعات، فأركبوهم الإبِلَ، وساروا بهم إلى دمشق، فكساهم أفتكين؛ فقَوِيَ عسكَرُه بهم وتلَقَّى أفتكين القرامِطةَ وحَمَل إليهم وأكرَمَهم وفَرِحَ بهم، وأمِنَ مِن الخوف، فأقاموا على دمشق أيامًا ثم ساروا إلى الرملةِ وبها أبو محمود إبراهيم بن جعفر فالتجأ إلى يافا، ونزل القرامطةُ الرملة، ونصبوا القتالَ على يافا حتى مَلَّ كُلٌّ مِن الفريقين القِتالَ، وصار يُحَدِّثُ بَعضُهم بعضًا. وجبى القرامطةُ المال فأمِنَ أفتكين من مصرَ، وظَنَّ أن القرامِطةَ قد كَفَوه ذلك الوجهَ، وعمِلَ على أخذ الساحل، فسار بمن اجتمَعَ إليه، ونزل على صيدا، وبها ابنُ الشيخ، ورؤساءُ المغاربة، ومعهم ظالم بن موهوب العقيلي، فقاتلوه قتالًا شديدًا، فانهزم عنهم أميالًا، فخرجوا إليه، فواقعهم وهَزَمهم وقتل منهم، وصار ظالمُ إلى صُور، فيقال إنَّه قتل يومئذٍ أربعة آلافٍ مِن عساكِرِ المغاربة، قُطِعَت أيمانُهم وحُمِلَت إلى دمشق، فطِيفَ بها. ونزل أفتكين على عكَّا، وبها جمَعَ مِن المغاربة، فقاتلوه، فسيَّرَ العزيز بالله القائِدَ جَوهرًا بخزائن السلاح والأموال إلى بلاد الشام في عسكرٍ عظيمٍ لم يَخرُجْ قَبلَه مثلُه إلى الشام، من كثرة الكراعِ والسِّلاح والمال والرجال، بلَغَت عِدَّتُهم عشرين ألفًا بين فارسٍ وراجل، فبلغ ذلك أفتكين وهو على عكَّا، والقرامطة بالرملة، فسار أفتكين مِن عكَّا ونزل طبَريَّة، وخرج القرامِطةُ مِن الرملة، ونزلها جوهرٌ. وسار إسحاق وكسرى مِن القرامطة بمن معهم إلى الأحساءِ؛ لقِلَّةِ مَن معهم من الرجالِ الذين يلقَونَ بها جوهرًا، وتأخَّرَ جعفر من القرامطة فلَحِقَ بأفتكين وهو بطبرية، وقد بعث في جمعٍ في حوران والبثنية، وسار جوهر من الرملة يريدُ طَبَريَّة، فرحل أفتكين، واستحَثَّ النَّاسَ في حَملِ الغَلَّة من حوران والبثنية إلى دمشقَ، وصار أفتكين إلى دمشقَ، ومعه جعفر القرمطي، فنزل جوهرٌ على دمشق لثمانٍ بَقِينَ مِن ذي القعدة فيما بين داريا والشماسية، فجمَعَ أفتكين أحداثَ البلد، وأمَّنَ مَن كان قد فزع منه، فاجتمع حُمَّال السِّلاح والذعار إليه، ورئيسُهم قسام التراب. وأخذ جوهرٌ في حفر خندقٍ عظيمٍ على عسكره، وجعل له أبوابًا، وكان ظالمُ بنُ موهوب معه، فأنزله بعسكَرِه خارج الخندق، وصار أفتكين فيمن جمعَ مِن الذعار، وأجرى لكبيرِهم قسَّام رِزقًا. ووقع النفيُ على قُبَّة الجامع والمنابر، وساروا فجرى بينهم وبين جوهرٍ وقائِعُ وحُروبٌ شديدة وقتالٌ عظيم، وقُتِلَ بينهم خلقٌ كثيرٌ مِن يوم عرفةَ، فجرى بينهم اثنتا عشرة وقيعةً إلى آخر ذي الحجة. ولم يزل إلى الحادي عشر من ربيع الأول سنة 367 فكانت بين الفريقينِ وقعةٌ عظيمة، انهزم فيها أفتكين بمَن معه، وهَمَّ بالهرب إلى أنطاكية، ثم إنَّه استظهر. ورأى جوهرٌ أنَّ الأموال قد تَلِفَت، والرجالَ قد قُتِلَت والشِّتاءَ قد هجم، فأرسل في الصُّلح،ِ فلم يُجِب أفتكين، وذلك أنَّ الحُسَين بن أحمد الأعصم القرمطيَّ بعَثَ إلى ابنِ عَمِّه جعفر المقيم عند أفتكين بدمشقَ: إنِّي سائِرٌ إلى الشام، وبلغ ذلك جوهرًا، فتردَّدَت الرسل بينه وبين أفتكين حتى تقرَّرَ الأمرُ أنَّ جوهرًا يرحل، ولا يتبَعُ عَسكَرَه أحد، فسُرَّ أفتكين بذلك، وبعَثَ إلى جوهرٍ بجِمالٍ ليَحمِلَ عليها ثِقْلَه؛ لقِلَّة الظهر عنده، وبقي من السلاح والخزائنِ ما لم يَقدِرْ جَوهرٌ على حَملِه، فأحرقه، ورحل عن دمشق في ثالث جمادى الأولى. وقَدِمَ البشيرُ مِن الحسن بن أحمد القرمطي إلى عمِّه جعفر بمجيئه، وبلغ ذلك جوهرًا، فجَدَّ في السَّيرَ، وكان قد هلك من عسكرِه ناسٌ كثير من الثَّلجِ، فأسرع بالمسيرِ مِن طبرية، ووافى الحسَنُ بنُ أحمد من البريَّة إلى طبرية، فوجد جوهرًا قد سار عنها، فبعث خلْفَه سريَّةً أدركَتْه، فقابلهم جوهرٌ، وقتل منهم جماعةً، وسار فنزل ظاهِرَ الرملة، وتَبِعَه القرمطي، وقد لَحِقَه أفتكين، فسارا إلى الرملة، ودخل جوهرٌ زيتون الرملة، فتحصَّنَ به، فلما نزل الحسنُ بنُ أحمد القرمطي الرملةَ هلك فيها، وقامَ مِن بعده بأمرِ القرامطةِ ابنُ عَمِّه أبو جعفر، فكانت بينه وبين جوهرٍ حروب كثيرة. ثم إنَّ أفتكين فسَدَ ما بينه وبين أبي جعفرٍ القرمطيِّ، فرجع عنه إلى الأحساءِ، وكان حسَّانُ بنُ علي بن مفرج بن دغفل بن الجراح الطائي أيضًا مع أفتكين على محاربةِ جَوهرٍ، فلم يرَ منه ما يحِبُّ، وراسله العزيزُ فانصرف عن أفتكين، وقَدِمَ القاهرة على العزيز، واشتدَّ الأمر على جوهر، وخاف على رجالِه، فسار يريدُ عسقلان، فتَبِعَه أفتكين. واستولى قَسَّام التراب على دمشقَ وخطَبَ للعزيز، فسار أبو تغلِبَ بنُ حمدان إلى دمشق، فقاتله قسَّام ومنعه، فسارَ إلى طبرية. وأدرك أفتكين جوهرًا، فكانت بينهما وقعةٌ امتدت ثلاثة أيام انهزم في آخرها جوهَرٌ، وأخذ أصحابَه السَّيفُ، فجَلوا عما معهم، والتحَقوا بعسقلان، فظَفِرَ أفتكين من عسكرِ جوهرٍ بما يَعظُمُ قَدرُه، واستغنى به ناسٌ كثيرون. ونزل أفتكين على عسقلانَ، فجَدَّ جوهرٌ حتى بلغ من الضُّرِّ والجَهدِ مَبلغًا عظيما، وغَلَت عنده الأسعارُ، فبلغ قفيزُ القمح أربعين دينارًا، وأخذت كتامة تسُبُّ جوهرًا وتنتَقِصُه، وكانوا قد كايَدوه في قتالهم، فراسل أفتكين يسألُه: ماذا يريدُ بهذا الحصار، فبعث إليه: لا يزولُ هذا الحصارُ إلا بمالٍ تؤدِّيه إليَّ عن أنفُسِكم. فأجابه إلى ذلك، وكان المالُ قد بقي منه شيءٌ يسير، فجمع من كان معه من كتامة، وجمع منهم مالًا، وبعث إليه أفتكين يقول: إذا أمَّنتُكم لابدَّ أن تخرجوا من هذا الحِصنِ مِن تحت السيفِ، وأمَّنَهم وعَلَّقَ السَّيفَ على باب عسقلان، فخرجوا من تحتِه. وسار جوهر إلى مصر، فكان مدَّة قتالهم على الزيتون وقَفلتِهم إلى عسقلان حتى خرجوا منها نحوًا من سبعة عشر شهرًا بقية سنة 366 إلى أن دنا خروجُ سنة 367. وقدم جوهرٌ على العزيز، فأخبره بتخاذُلِ كتامةَ، فغَضِبَ غضبًا شديدًا، وعذر جوهر في باطنه، وأظهر التنكير له، وعزَلَه عن الوزارة، وولَّى يعقوبَ بنَ كلس عوضَه في المحرم سنة 368.

العام الهجري : 663 الشهر القمري : جمادى الأولى العام الميلادي : 1265
تفاصيل الحدث:

رحل السلطانُ بيبرس إلى قريبِ عيونِ الأساور من وادي عارة وعرعرة، فلما كان بعد عشاءِ الآخرِ أمر العسكَرَ كُلَّه فلبسوا آلة الحرب، وركِبَ آخِرَ الليل وساق إلى قيسارية، فوافاها بكرةَ نهار الخميس تاسع جمادى الأولى على حين غفلةٍ مِن أهلها، وضرب عليها بعساكِرِه، وللوقت ألقى الناسُ أنفُسَهم في خندقها، وأخذوا سكك الحديدِ التي برسم الخيولِ مع المقاود والشبح، وتعلَّقوا فيها من كل جانبٍ حتى صعدوا، وقد نُصِبَت المجانيق ورمي بها، فحرقوا أبوابَ المدينة واقتحموها، فَفَرَّ أهلها إلى قلعتها، وكانت من أحصَنِ القلاع وأحسَنِها وتعرف بالخضراء، وكان قد حمل عليها الفرنجُ العُمُدَ الصوان، وأتقنوها بتصليبِ العُمُدِ في بنيانها، حتى لا تُعمَلَ فيها النقوبُ ولا تقَعُ إذا علقت، فاستمر الزحف والقتال عليها بالمجانيق والدبابات والزحَّافات ورمي النشَّاب، وخرجت جريدة- خَيْلٌ لا رَجَّالة فيها- من عسكر السلطان إلى بيسان مع الأمير شهاب الدين القيمري، فسَيَّرَ جماعة من التركمان والعربان إلى أبوابِ عكا، فأسروا جماعةً مِن الفرنج، هذا والقتال ملِحٌّ على قلعة قيسارية، والسلطانُ مقيمٌ بأعلى كنيسةٍ تجاه القلعة ليمنَعَ الفرنج من الصعودِ إلى علو القلعةِ، وتارة يركَبُ في بعضِ الدبَّابات ذوات العجل التي تجري حتى يصل إلى السور ليرى النقوبَ بنَفسِه، وأخذ السلطانُ في يده يومًا من الأيامِ تُرسًا وقاتل، فلم يرجِعْ إلَّا وفي ترسِه عِدَّةُ سِهامٍ، فلما كان في ليلةِ الخميس النصف من جمادى الأولى: سلَّم الفرنجُ القلعةَ بما فيها، فتسلق المسلمونَ من الأسوار، وحرقوا الأبواب ودخلوها من أعلاها وأسفَلِها، وأذِّنَ بالصبحِ عليها، وطلع السلطانُ ومعه الأمراء إليها، وقسَّمَ المدينة على الأمراء والمماليك والحلقة، وشرع في الهدمِ ونزل وأخذ بيَدِه قطاعةً وهدَمَ بنَفسِه، فلما قارب الفراغَ مِن هدم قيسارية بعث السلطانُ الأمير سنقر الرومي والأمير سيف الدين المستعرب في جماعة، فهدموا قلعةً كانت للفرنج عند الملوحة قريب دمشق، وكانت عاتية حتى دكُّوها دكًّا، وفي السادس عشر: سار السلطانُ جريدة إلى عثليث، وسير الأمير سنقرًا السلاح دار، والأمير عز الدين الحموي، والأمير سنقرًا الألفي إلى حيفا، فوصلوا إليها، ففر الفرنجُ إلى المراكب وتركوا قلعَتَها، فدخلها الأمراءُ بعد ما قتلوا عِدَّةً من الفرنج وبعد ما أسروا كثيرًا، وخربوا المدينة والقلعة وأحرقوا أبوابها في يومٍ واحد، وعادوا بالأسرى والرؤوس والغنائم سالمين، ووصل السلطانُ إلى عثليث فأمر بتشعيثِها وقطْع أشجارها، فقُطِعَت كلُّها وخربت أبنيتها في يوم واحد، وعاد إلى الدهليز بقيسارية، وكمَّل هَدْمَها حتى لم يدَعْ لها أثرًا، وقدمت منجنيقات من الصبيبة وزرد خاناه من دمشق، وورد عِدَّة من الفرنج للخدمة، فأكرَمَهم السلطان وأقطعهم الإقطاعات، وفي التاسع عشر: رحل السلطان من قيسارية، وسار من غير أن يَعرِفَ أحدٌ قَصْدَه فنزل على أرسوف مستهلَّ جمادى الآخرة، ونقل إليها من الأحطاب ما صارت حولَ المدينة كالجبال الشاهقة وعَمَل منها ستائر، وحفر سربين من خندق المدينة إلى خندق القلعةِ وسَقَفَه بالأخشاب، وعمل السلطان طريقًا من الخندقين إلى القلعة، وردمت الأحطابُ في الخندق، فتحَيَّل الفرنجُ وأحرقوها كلَّها، فأمر السلطان بالحفر من باب السربين إلى البحرِ، وعمل سروبًا تحت الأرض يكون حائطُ خندق العدو ساترًا لها، وعمل في الحائط أبوابًا يرمي التراب منها وينزل في السروب حتى تساوي أرضُها أرض الخندق، وأحضر المهندسين حتى تقَرَّر ذلك، وولي أمرَه للأمير عز الدين أيبك الفخري، فاستمر العمل، والسلطان بنفسِه ملازم العمل بيده في الحفرِ وفي جر المنجنيقات ورمي الترابِ ونَقلِ الأحجار، أسوةً لغيره من الناس، وكان يمشي بمفرده وفي يده ترسٍ، تارة في السَّرَب وتارة في الأبوابِ التي تفتح، وتارة على حافةِ البحر يرامي مراكِبَ الفرنج، وكان يجرُّ في المجانيق، ويطلع فوق الستائر يرمي من فوقها، ورمى في يوم واحد ثلاثمائة سهم بيده، وحضر في يومٍ إلى السرب وقُدَّ في رأسه خلف طاقة يرمي منها، فخرج الفرنج بالرماح وفيها خطاطيف ليجبذوه فقام وقاتلهم يدًا بيد وكان معه الأميرُ سنقر الرومي، والأمير بيسري، والأمير بدر الدين الخازندار، فكان سنقر يناوله الحجارةَ حتى قتل فارسين من الفرنج، ورجعوا على أسوأ حال، وكان يطوفُ بين العساكر في الحصار بمفردِه، ولا يجسِرُ أحد ينظر إليه ولا يشير إليه بإصبُعِه، بل كان الناسُ فيها سواءً في العمل، حتى أثرت المجانيق في هدمِ الأسوار، وفُرِغَ من عمل الأسربة التي بجانبي الخندق، وفتحت فيها أبواب متسعة، فلما تهيأ ذلك وقع الزحفُ على أرسوف في يوم الخميس ثامن رجب، ففتحها الله في ذلك اليوم عندما وقَعَت الباشورة – الباشورة حائط ظاهر الحصن يختفي وراءه الجند عند القتال- فلم يشعر الفرنج إلا بالمسلمين قد تسلقوا وطلعوا القلعة، ورفعت الأعلام الإسلامية على الباشورة، وحَفَّت بها المقاتلة وطُرِحَت النيران في أبوابها، هذا والفرنجُ تقاتل، فدفع السُّلطانُ سنجقه للأميرِ سنقر الرومي وأمَرَه أن يؤمِّنَ الفرنج من القتل، فلما رآه الفرنجُ تركوا القتالَ، وسلَّمَ السنجق للأمير علم الدين سنجر المسروري المعروف بالخياط الحاجب، ودُلِّيَت له الحبال من القلعة فربطها في وسطِه والسنجق معه، ورفع إليها فدخَلَها وأخذ جميعَ سيوف الفرنج وربَطَهم بالحبال وساقهم إلى السلطانِ والأمراء صفوف وهم ألوف، وأباح السلطانُ القلعة للناس، وكان بها من الغِلالِ والذخائر والمال شيءٌ كثير، وكان فيها جملةٌ من الخيول والبغال لم يتعرض السلطان لشيءٍ منه، إلا ما اشتراه ممَّن أخذه بالمال ووجد فيها عِدَّةً من أسرى المسلمين في القيود فأُطلِقوا، وقَيَّد الفرنجَ بقيودهم، وعيَّنَ السلطانُ جماعةً مع الأسرى من الفرنج ليسيروا بهم، وقسَّم أبراج أرسوف على الأمراء، وأمر أن يكون أسرى الفرنجِ يتولون هدم السورِ، فهُدِمَت بأيديهم، وأمرَ السلطان بكشف بلاد قيسارية وعمَل متحَصَّلِها، فعُمِلَت بذلك أوراقٌ، وطَلَبَ قاضي دمشق وعدوله ووكيل بيت المال، وتقدم بأن يملك الأمراءُ المجاهدون من البلاد التي فتحها الله عليه، وكتبت تواقيع كل منهم من غير أن يطَّلعوا على ذلك، فلما فرغت التواقيعُ فُرِّقَت على أربابها، وكتب بذلك مكتوبٌ جامع بالتمليك ورحل السلطانُ من أرسوف بعد استكمال هدمِها في يوم الثلاثاء الثالث عشر شهر رجب إلى غزة وسار منها إلى مصر ودخل السلطان من القاهرة في يوم الخميس حادي عشر شعبان والأسرى بين يديه.

العام الهجري : 465 الشهر القمري : ربيع الأول العام الميلادي : 1072
تفاصيل الحدث:

هو سُلطانُ العالَم عَضُدُ الدَّولةِ أبو شُجاعٍ، المُلَقَّبُ بالعادِل محمد، ألب أرسلان بن جغريبك داود بن ميكائيل بن سلجوق بن دقاق بن سلجوق التُّركيُّ, واسمُه بالعربي محمدُ بنُ داودَ وألب أرسلان اسمٌ تُركيٌّ مَعناهُ شُجاع أَسَد، فألب: شُجاع، وأرسلان: أَسَد. وهو ابنُ أخي السُّلطانِ طغرلبك، أَصلُه من قَريةٍ يُقال لها: النور. وُلِدَ سَنةَ 424هـ, وَجَدُّهُ دقاق، هو أَوَّلُ مَن دَخلَ في الإسلامِ, وألب أرسلان أَوَّلُ مَن ذُكِرَ بالسُّلطانِ على مَنابِرِ بغداد, وكان مَلِكًا عادِلًا، مَهِيبًا، مُطاعًا، مُعَظَّمًا. وَلِيَ السَّلْطَنَةَ بعدَ وَفاةِ عَمِّهِ طغرلبك بن سلجوق في سَنةِ 457هـ. لمَّا ماتَ السُّلطانُ طُغرلبك نَصَّ على تَوْلِيَةِ الأَمرِ لسُليمانَ بنِ داودَ أخي ألب أرسلان، ولم يَنُصَّ على ألب أرسلان؛ لأنَّ أُمَّ سُليمانَ كانت عنده فتَبِعَ هَواها في وَلَدِها، فقام سُليمانُ بالأَمرِ وثارَ عليه أَخوهُ ألب أرسلان، وجَرَت بينهم خُطوبٌ فلم يَتِمَّ لِسُليمانَ الأَمرُ، وكانت النُّصرةُ لألب أرسلان. فاستَولَى على المَمالِكِ، وعَظُمَت مَملكَتُه ورُهِبَت سَطوتُه، وفَتحَ من البِلادِ ما لم يكُن لِعَمِّهِ طُغرلبك مع سِعَةِ مُلْكِ عَمِّهِ، وقَصدَ بِلادَ الشامِ فانتَهَى إلى مَدينةِ حَلَب، وهو أَوَّلُ مَن عَبَرَ الفُراتَ من مُلوكِ التُّركِ. وكاد أن يَتَمَلَّكَ مصر. أَعزَّ الله بهِ الإسلامَ وأَذَلَّ الشِّرْكَ. كان ألب أرسلان مِن أَعدَلِ الناسِ، وأَحسَنِهم سِيرَةً، وأَرغَبِهِم في الجِهادِ وفي نَصرِ الدِّينِ. وعَظُمَ أَمرُ السُّلطانِ ألب آرسلان، وخُطِبَ له على مَنابرِ العِراقِ والعَجَمِ وخُراسان، ودانَت له الأُمَمُ، وأَحَبَّتْهُ الرَّعايا، ولا سيما لمَّا هَزَمَ العَدُوَّ، طاغِيةَ الرُّومِ أرمانوس في مَعركةِ ملازكرد سَنةَ 463هـ, وقَنعَ من الرَّعِيَّةِ بالخَراجِ في قِسطَينِ، رِفْقًا بهم, وكان كَثيرَ الصَّدَقاتِ، يَتَفقَّد الفُقراءَ في كلِّ رَمضانَ بأَربعةِ آلافِ دِينارٍ ببَلخ، ومَرو، وهراة، ونيسابور، ويَتَصدَّق بحَضرَتِه بعشرةِ آلافِ دِينارٍ. كَتبَ إليه بَعضُ السُّعاةِ في نِظامِ المُلْكِ وَزيرِهِ، وذَكَرَ مالَه في مَمالِكِه فاستَدعاهُ فقال له: خُذْ إن كان هذا صَحيحًا فهَذِّبْ أَخلاقَك وأَصلِح أَحوالَك، وإن كَذَبَ فاغْفِر له زَلَّتَهُ. وكان شديدَ الحِرصِ على حِفْظِ مالِ الرَّعايا، بَلَغَهُ أنَّ غُلامًا من غِلمانِه أَخذَ إِزارًا لبَعضِ أَصحابِه فصَلَبَهُ فارتَدعَ سائرُ المَماليكِ به خَوفًا من سَطوتِه. في أَوَّلِ سَنةِ 465هـ قَصدَ السُّلطانُ ألب أرسلان، ما وَراءَ النَّهرِ، وصاحبُه شَمسُ المُلْكِ تكين، فعَقدَ على جيحون جِسْرًا وعَبرَ عليه في نَيِّفٍ وعِشرينَ يومًا، وعَسكرُه يَزيدُ على مائتي ألف فارسٍ، فأَتاهُ أَصحابُه بمُسْتَحْفِظِ قَلعَةٍ يُعرفُ بيُوسُف الخوارزمي، في سادس شهرِ رَبيعٍ الأوَّل، وحُمِلَ إلى قُرْبِ سَريرِه مع غُلامَينِ، فقال له يُوسفُ: يا مُخَنَّث! مِثلي يُقتَل هذه القِتلَة؟ فغَضِبَ السُّلطانُ ألب أرسلان، وأَخذَ القَوْسَ والنِّشابَ، وقال للغُلامَينِ: خَلِّيَاهُ! ورَماهُ بِسَهمٍ فأَخطَأهُ، ولم يكُن يُخطِئ سَهمَه، فوَثبَ يُوسفُ يُريدُه، والسُّلطانُ على سُدَّةٍ، فلمَّا رأى يُوسفَ يَقصِدُه قام عن السُّدَّةِ ونَزلَ عنها، فعَثَرَ، فوَقعَ على وَجهِه، فبَرَكَ عليه يُوسفُ وضَربَهُ بسِكِّينٍ كانت معه في خاصِرَتِه، وكان سعدُ الدَّولةِ واقِفًا، فجَرَحَهُ يُوسفُ أيضًا جِراحاتٍ، ونَهضَ ألب أرسلان فدَخَل إلى خَيمةٍ أُخرَى، وضَرَبَ بَعضُ الفَرَّاشِين يُوسفَ بِمِرْزَبَّةٍ على رَأسِه، فقَتَلَه وقَطَّعَهُ الأتراكُ، ولمَّا جُرِحَ السُّلطانُ قال: ما مِن وَجهٍ قَصدتُه، وعَدُوٍّ أَردتُه، إلَّا استَعنتُ بالله عليه، ولمَّا كان أَمسُ صَعدتُ على تَلٍّ، فارتَجَّت الأرضُ تحتي مِن عِظَمِ الجَيشِ وكَثرَةِ العَسكرِ، فقلتُ في نفسي: أنا أَملِكُ الدُّنيا، وما يَقدِر أَحَدٌ عَلَيَّ، فعَجَّزَني الله تعالى بأَضعفِ خَلْقِه، وأنا أَستَغفِرُ الله تعالى، وأَستَقيلُه من ذلك الخاطرِ. فتُوفِّي عاشرَ رَبيعٍ الأوَّلِ من السَّنَةِ، فحُمِلَ إلى مَرو ودُفِنَ عند أَبيهِ. تُوفِّي عن إحدى وأربعين سَنَةً، وكانت مُدَّةُ مُلكِه منذ خُطِبَ له بالسَّلْطَنَةِ إلى أن قُتِلَ تِسعَ سِنينَ وسِتَّةَ أَشهُر وأيامًا، ولمَّا وَصلَ خَبرُ مَوتِه إلى بغداد جَلسَ الوَزيرُ فَخرُ الدَّولةِ بن جهير للعَزاءِ به في صَحنِ السَّلامِ. تَركَ ألب أرسلان من الأولادِ ملكشاه، وإياز، ونكشر, وبوري برس, وأرسلان، وأرغو، وسارة، وعائشة، وبِنتًا أُخرى, وتَولَّى بعده ابنُه ملكشاه.

العام الهجري : 9 الشهر القمري : رجب العام الميلادي : 630
تفاصيل الحدث:

تَبوكُ مَوضِعٌ بين وادي القُرى والشَّامِ، قال أبو موسى الأَشعريُّ رضي الله عنه: (أَرسلَني أَصحابي إلى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم أَسأَلُه الحُمْلانَ لهم إذ هُم معه في جَيشِ العُسْرَةِ، وهي غَزوةُ تَبوكَ..). وحديث أبي موسى رضي الله عنه فيه دِلالةٌ على ما كان عليه الصَّحابةُ مِنَ العُسْرِ الشَّديدِ في المالِ والزَّادِ والرَّكائِبِ، كما رَوى مُسلمٌ أيضًا عن أبي هُريرةَ رضي الله عنه ما وقع للمسلمين في طَريقِ هذه الغَزوةِ مِن نَقْصٍ في الزَّادِ حتَّى مَصُّوا النَّوَى وشَرِبوا عليه الماءَ، وفي رِوايةٍ أُخرى لمُسلمٍ: أنَّهم اسْتأذَنوا الرَّسولَ صلى الله عليه وسلم في نَحْرِ مَطاياهُم لِيأكُلوا. وقد قال الله تعالى: {لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ} [التوبة: 117]. قال ابنُ كَثيرٍ: فعزَم رسولُ الله صلى الله عليه وسلم على قِتالِ الرُّومِ؛ لأنَّهم أَقربُ النَّاسِ إليه؛ وأَوْلى النَّاسِ بالدَّعوَةِ إلى الحقِّ لقُربِهِم إلى الإسلامِ وأَهلِه، وقد قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ} [التوبة: 123]. وقد بَيَّنَ صلى الله عليه وسلم وِجْهَةَ هذه الغَزوةِ، فعن مُعاذٍ رضي الله عنه: أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: (سَتأْتون غدًا إن شاء الله عَيْنَ تَبوكَ، وإنَّكم لن تَأْتوها حتَّى يَضْحى النَّهارُ، فمَن جاءَها مِنكم فلا يَمَسَّ مِن مائِها شيئًا حتَّى آتي). والمشهورُ والرَّاجحُ أنَّ جَيشَ تَبوكَ كان ثلاثين ألفًا، ولكنَّ الرَّسولَ صلَّى الله عليه وسلَّم لم يَلْقَ حَربًا مِنَ الأعداءِ، فرجَع إلى المدينةِ مُنتصِرًا بعدَ أن أقامَ بتَبوكَ عِشرين ليلةً.

العام الهجري : 35 الشهر القمري : ذي الحجة العام الميلادي : 656
تفاصيل الحدث:

بعدَ أن جاءَ وَفدٌ مِن مِصْرَ مُظْهِرين العُمرَةَ، وجاؤوا المدينةَ وناقَشوا عُثمانَ في بعضِ الأَمْرِ وأظْهَروا الشَّكْوى والتَّأَفُّفِ منه حتَّى أَقنَعهُم بما يَراهُ حتَّى خرجوا مِن عندِه راجِعين لمِصْرَ، ثمَّ جاءَ وَفدٌ مِن مِصْرَ وتَواعَدوا مع وَفدِ الكوفةِ ووَفدِ البَصرَةِ في المدينةِ؛ ولكنَّ عددًا مِن الصَّحابةِ على رأسهم عَلِيُّ بن أبي طالبٍ قام بمُواجَهَتِهم قبلَ دُخولِ المدينةِ ممَّا أخافَهُم، فأظهروا الرُّجوعَ إلى أَمْصارِهم، ولكن لم يَلبَثْ أهلُ المدينةِ بعدَ عَودةِ عَلِيٍّ ومَن معه إلَّا وهؤلاء في المدينةِ يُكَبِّرون وقد قاموا بمُحاصَرةِ دارِ عُثمانَ، وزَعَموا أنَّ عُثمانَ بعَث كِتابًا بقَتْلِ وَفدِ مِصْرَ، ورجَع الباقون معهم تَضامُنًا، وكان الحِصارُ في بِدايَتِهِ يَسيرًا، يَخرُج عُثمانُ فيُصلِّي بالنَّاسِ، ويَأتِيهِ مَن يَأتِيهِ مِن الصَّحابةِ، ثمَّ اشْتَدَّ الحِصارُ وأراد الصَّحابةُ في المدينةِ قِتالَ هؤلاء المُنحَرِفين؛ ولكنَّ عُثمانَ أَبَى عليهم ذلك، ولم يُرِدْ أن يَحدُثَ شيءٌ بِسَببِه يكونُ فيه سَفْكٌ للدِّماءِ، واشْتَدَّ الحِصارُ حتَّى مَنعوهُ حتَّى الماءَ، ثمَّ وَصلَت الأخبارُ أنَّ إمْداداتٍ جاءت لِنَجْدَةِ الخَليفةِ، فاسْتعجَلَ المُنحرِفون الأَمْرَ فأرادوا الدُّخولَ على عُثمانَ فمَنَعَهم الحسنُ بن عَلِيٍّ وعبدُ الله بن الزُّبيرِ وغيرُه، فتَسَوَّرُوا الدَّارَ ودَخلوهُ عَنْوَةً فقَتلوا عُثمانَ بن عفَّانَ رضِي الله عنه في دارهِ آمِنًا، وقَتلوا معه غُلامَيْن له، وأُصيبَتْ زَوجتُه نائِلةُ، ونُهِبَتْ الدَّارُ، ونَهَبوا كذلك بيتَ المالِ، وكانت مُدَّةُ خِلافَتِه اثنتي عشرةَ سَنةً إلَّا أيَّامًا، فجَزاهُ الله عن المسلمين خيرَ الجزاءِ، وهو أحدُ العشرةِ المُبَشَّرِين بالجنَّةِ، ذو النُّورَيْنِ، سُمِّيَ بذلك لأنَّه تَزوَّج ابنتي النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم رُقَيَّةَ وأُمَّ كُلثومٍ.

العام الهجري : 94 الشهر القمري : رمضان العام الميلادي : 713
تفاصيل الحدث:

هو سَعيدُ بن جُبَير بن هِشام الأَسَدِيُّ الوالِبِيُّ مَوْلاهُم الكوفيُّ، أبو محمَّد، كان وِعاءًا مِن أَوْعِيَة العِلْم, قال خُصَيف: كان أَعْلَمَهم بالقُرآن مُجاهِد، وأَعْلَمَهم بالحَجِّ عَطاء، وأَعْلَمَهم بالحَلال والحَرام طاووس، وأَعْلَمَهم بالطَّلاق سَعيد بن المُسَيِّب، وأَجْمَعَهم لِهذه العُلوم سَعيد بن جُبير. لقد مات سَعيد بن جُبَير وما على ظَهْر الأرضِ رَجُل إلَّا يَحتاجُ إلى عِلْمِ سَعيد, وكان ابنُ جُبَير يقول بعدَ أن تَخَفَّى عن الحَجَّاج: (وَدِدْتُ لو أنَّ النَّاس أَخَذوا ما عِندي مِن العِلْم فإنَّه ممَّا يُهِمُّني). كان سَبَبَ قَتْلِ الحَجَّاج لابنِ جُبَير خُروجُه مع عبدِ الرَّحمن بن محمَّد بن الأشعث، وكان الحَجَّاج قد جَعَله على عَطاء الجُنْد حين وَجَّه ابنَ الأشعث إلى مَلِك التُّرْك رتبيل لِقِتالِه، فلمَّا خَلَعَ ابنُ الأَشعث الحَجَّاجَ كان سَعيدُ بن جُبَير فيمَن خَلَعَ، فلمَّا هُزِمَ ابنُ الأشعث ودَخَل بِلادَ رتبيل هَرَب سَعيد بن جُبَير إلى أَصْبَهان، فكَتَب الحَجَّاجُ إلى عامِلِهِ بِأَخْذِ سَعيد بن جُبَير، فخَرَج العامِل مِن ذلك بأن أَرسَل إلى سَعيد يُعَرِّفُه ذلك ويَأمُره بمُفارَقَتِه، فسارَ عنه فأَتَى أَذْرَبِيجان فطالَ عليه القِيامُ فاغْتَمَّ بها، وقد تَخَفَّى ابنُ جُبَير عن الحَجَّاج اثنا عَشَر سَنَةً، كان يَحُجُّ ويَعْتَمِر في كُلِّ سَنَةٍ فَتْرَةَ تَخفِّيه إلى أن خرج في مكَّة, فكان بها إلى أن وَلِيَها خالدُ بن عبد الله القَسري، فأشار مَن أشار على سَعيد بالهَرَب منها، فقال سَعيدٌ: والله لقد اسْتَحْيَيْتُ مِن الله، مم أَفِرُّ، ولا مَفَرَّ مِن قَدَرِهِ. فأَرسلَه خالدٌ القَسري إلى الحَجَّاج، ثمَّ إنَّ الحَجَّاج قَتَلَه، وقِصَّتُه مَشهورَة، ولم يَبْقَ الحَجَّاج بعدَ قَتلِه كَثيرًا، وكان يقول بعدَ ذلك: مالي ولابنِ جُبَير. فرَحِمَ الله سَعيدَ بن جُبَير.

العام الهجري : 156 العام الميلادي : 772
تفاصيل الحدث:

سار عبد الرحمن الداخل إلى حرب شقنا، وقصدَ حصنَ شيطران، فحصَرَه وضيَّقَ عليه، فهرب إلى المفازة كعادته، وكان قد استخلف على قرطبة ابنَه سُليمان، فأتاه كتابُه يخبِرُه بخروج أهل إشبيلية مع عبد الغفار وحيوة بن ملابس عن طاعتِه، وعصيانِهم عليه، واتَّفَق مَن بها من اليمانية معهما، فرجع عبد الرحمن ولم يدخُل قرطبة، وهاله ما سَمِعَ من اجتماعِهم وكثرتِهم، فقدَّمَ ابنَ عمه عبد الملك بن عمر (كان شهاب آل مروان)، وبقي عبد الرحمن خَلفَه كالمَدَدِ له، فلما قارب عبد الملك أهل إشبيلية قدَّمَ ابنَه أمية ليعرف حالهم، فرآهم مستيقظينَ، فرجع إلى أبيه، فلامَه أبوه على إظهارِ الوهَنِ، وضرَبَ عُنُقَه، وجمعَ أهل بيته وخاصَّته، وقال لهم: طُرِدْنا من المشرق إلى أقصى هذا الصِّقع، ونُحسَدُ على لقمةٍ تُبقي الرَّمَق؛ اكسروا جفون السيوف، فالموتُ أولى أو الظَّفَر، ففعلوا، وحمل بين أيديهم، فهزَمَ اليمانية وأهلَ إشبيلية، فلم تقُمْ بعدها لليمانية قائمةٌ، وجُرِحَ عبد الملك. فأتاه عبد الرحمن وجُرحُه يجري دمًا، وسيفه يقطُرُ دمًا، وقد لصِقَت يدُه بقائمِ سَيفِه، فقَبَّله بين عينيه، وقال: يا ابنَ عَمِّ، قد أنكحتُ ابني وولي عهدي هشامًا ابنتَك فلانة، وأعطيتُها كذا وكذا، وأعطيتُك كذا وأولادَك كذا، وأقطعتُك وإياهم، وولَّيتكم الوزارة. وعبد الملك هو الذي ألزم عبد الرحمن بقَطعِ خُطبة المنصور، وقال له: تقطعُها وإلَّا قتلتُ نفسي, وكان قد خطبَ له عشرةَ أشهُر، فقطعها. وكان عبد الغفار وحيوة بن ملابس قد سَلِمَا من القتل. فلما كانت سنة 157 سار عبد الرحمن إلى إشبيلية، فقتل خلقًا كثيرًا ممَّن كان مع عبد الغفار وحيوة ورجع. وبسبَبِ هذه الوقعة وغِشِّ العرب، مال عبد الرحمن إلى اقتناءِ العبيد.

العام الهجري : 290 العام الميلادي : 902
تفاصيل الحدث:

أقبل يحيى بن زكرَوَيه بن مهرويه أبو قاسم القرمطي المعروفُ بالشيخ في جحافلِه، فعاث بناحية الرقَّة فسادًا، فجهز إليه الخليفةُ جيشًا نحو عشرة آلاف فارس، وكان قد سار يحيى بن زكرويه إلى دمشق وحاصرها، فقُتِلَ على باب دمشق، زرَقَه رجلٌ من المغاربةِ بِمزراقِ نارٍ- المزراقُ رُمحٌ قصير أو خفيفٌ يُقْذَف باليد- فقَتَله، ففَرِحَ الناس بقتله، وكان هذا المغربيُّ من جملة جيش المصريين، فقام بأمرِ القرامطةِ مِن بعده أخوه الحُسَين وتسمَّى بأحمد وتكنَّى بأبي العباس وتلقَّب بأمير المؤمنين، وأطاعه القرامطة، فحاصر دمشقَ فصالحه أهلُها على مال، ثم سار إلى حمصَ فافتتحها وخُطِبَ له على منابِرِها، ثمَّ سار إلى حماة ومعرَّة النعمان فقهر أهلَ تلك النواحي واستباح أموالَهم وحريمَهم، وكان يقتُلُ الدوابَّ والصِّبيانَ في المكاتب، ويُبيحُ لِمَن معه وطء النِّساء، فربما وطئَ الواحدةَ الجماعةُ الكثيرةُ مِن الرجال، فإذا ولَدَت ولدًا هنأَ به كلُّ واحدٍ منهم الآخَرَ، فكتب أهل الشامِ إلى الخليفة ما يلقَونَ مِن هذا اللعين، فجهَّز إليهم جيوشًا كثيفة، وأنفق فيهم أموالًا جزيلة، وركب في رمضان فنزل الرقَّةَ وبَثَّ الجيوشَ في كلِّ جانبٍ لقتال القرامطة، وكان القرمطي هذا يكتُبُ إلى أصحابه: "مِن عبد الله المهديِّ أحمد بن عبد الله المهدي المنصور الناصر لدين الله القائم بأمر الله الحاكم بحكم الله، الداعي إلى كتاب الله، الذابِّ عن حريم الله، المختار من ولد رسول الله" وكان يدَّعي أنَّه من سلالة علي بن أبي طالب من فاطمة، وهو كاذِبٌ أفاكٌ أثيمٌ- قبَّحه الله- فإنَّه كان من أشدِّ الناس عداوةً لقريش، ثم لبني هاشم، دخل سلميةَ فلم يدَعْ بها أحدًا من بني هاشم حتى قتَلَهم، وقتل أولادَهم، واستباح حريمَهم.

العام الهجري : 292 الشهر القمري : صفر العام الميلادي : 905
تفاصيل الحدث:

سار محمَّدُ بن سليمان إلى حدودِ مِصرَ لحرب هارونَ بنِ خمارَوَيه بن أحمد بن طولون، وسببُ ذلك أنَّ محمَّدَ بنَ سُلَيمان لَمَّا تخلَّفَ عن المكتفي، وعاد عن محاربةِ القرامطة، واستقصى محمَّد في طلَبِهم، فلما بلغ ما أراد عزمَ على العودِ إلى العراق، أتاه كتابُ بدرٍ الحمامي غلامِ ابن طولون، وكتابُ فائق، وهما بدمشق، يدعوانِه إلى قصد البلاد بالعساكِرَ يُساعدانه على أخذها، فلما عاد إلى بغداد أنهى ذلك إلى المُكتفي، فأمره بالعَودِ، وسيَّرَ معه الجنود والأموال، ووجَّه المكتفي دميانة غلامَ بازمار، وأمره بركوبِ البحر إلى مصر، ودخول النيل، وقطْع الموادِّ عن مصر، ففعل وضَيَّق عليهم، وزحف إليهم محمَّدُ بنُ سليمان في الجيوش في البَرِّ، حتى دنا من مصرَ وكاتَبَ مَن بها من القوَّاد، وكان أوَّلَ من خرج إليه بدرٌ الحمامي، وكان رئيسَهم، فكَسَرهم ذلك، وتتابعه المُستأمَنة من قوَّاد المصريين، وفي بعض الأيام ثارت عصبيَّةٌ، فاقتتلوا فخرج هارون يسَكِّنُهم، فرماه بعضُ المغاربة بمزراق معه فقَتَله، فلما قُتِلَ قام عمُّه شيبان بالأمر من بعده، وبذلَ المالَ للجُند، فأطاعوه وقاتلوا معه، فأتَتهم كتُبُ بدرٍ يدعوهم إلى الأمانِ، فأجابوه إلى ذلك، فلما عَلِمَ محمد بن سليمان الخبَرَ سار إلى مصر، فأرسل إليه شيبانُ يطلُبُ الأمان، فأجابه، فخرج إليه ليلًا، ولم يعلَمْ به أحد من الجند، فلما أصبحوا قصَدوا داره ولم يجدوه، فبَقُوا حيارى، ولما وصل محمَّد مصرَ دخلها واستولى على دورِ طولونَ وأموالهم، وأخذَهم جميعًا وهم بضعةَ عشرَ رجُلًا فقيَّدَهم، وحبسهم واستقصى أموالَهم، وكتب بالفتحِ إلى المكتفي، فأمره بإشخاصِ آلِ طولون وترحيلِهم من مصر والشام إلى بغداد، ولا يَترُك منهم أحدًا ففعل ذلك، وعاد إلى بغداد، وولَّى معونةَ مصرَ عيسى النوشري، فكانت مدَّةُ الدولة الطولونية 38 عامًا مِن حكم أحمد بن طولون.

العام الهجري : 296 العام الميلادي : 908
تفاصيل الحدث:

اجتمع جماعةٌ مِن القوَّادِ والجُند والأُمَراء على خَلعِ المُقتَدِر وتوليةِ عبدِ الله بن المعتَزِّ الخلافةَ، فأجابهم ابنُ المعتَزِّ على ألَّا يُسفَكَ بسَبَبِه دَمٌ، وكان المقتَدِرُ قد خرج يلعَبُ بالصولجان، فقصد إليه الحُسَينُ بن حمدان يريد أن يفتِكَ به، فلما سمع المقتَدِرُ الصَّيحةَ بادر إلى دارِ الخلافةِ فأغلقها دونَ الجيشِ، واجتمع الأمراءُ والأعيانُ والقُضاة في دارِ المخرمي فبايعوا عبدَ الله بن المعتَزِّ، وخوطب بالخلافة، ولُقِّبَ بالمرتضي بالله، واستوزر أبا عُبَيد الله محمَّد بن داود وبعث إلى المقتَدِر يأمُرُه بالتحَوُّلِ من دار الخلافةِ إلى دار ابنِ طاهرٍ لينتَقِلَ إليها، فأجابه بالسَّمعِ والطاعة، فركِبَ الحُسَين بن حمدان من الغَدِ إلى دار الخلافةِ ليتسَلَّمَها فقاتله الخدَمُ ومَن فيها، ولم يُسَلِّموها إليه، وهَزَموه فلم يقدِرْ على تخليصِ أهلِه ومالِه إلَّا بالجَهدِ، ثم ارتحلَ مِن فَورِه إلى الموصِل وتفَرَّقَ نظامُ ابنِ المعتَزِّ وجماعتِه، فأراد ابنُ المعتز أن يتحوَّلَ إلى سامرَّا لينزِلَها، فلم يتْبَعْه أحدٌ من الأمراء، فدخل دارَ ابنِ الجصَّاص فاستجار به فأجاره، ووقع النَّهبُ في البلد واختبط النَّاسُ، وبعث المقتَدِرُ إلى أصحابِ ابنِ المعتَزِّ فقُبِض عليهم وقُتِلَ أكثرُهم، وأعاد ابنَ الفرات إلى الوزارةِ، فجَدَّد البيعةَ إلى المقتَدِر، وأرسل إلى دار ابنِ الجصَّاص فتسَلَّمَها، وأحضر ابنَ المعتَزِّ وابنَ الجصاص فصادر ابنَ الجصَّاص بمالٍ جزيلٍ جِدًّا، نحوُ ستة عشر ألفَ ألف درهم، ثم أطلَقَه واعتقل ابن المعتَزِّ، فلما دخل في ربيع الآخر ليلتان ظهَرَ للنَّاسِ مَوتُه وأُخرِجَت جُثَّتُه، فسُلِّمَت إلى أهله فدُفِن، وصَفَحَ المُقتَدِر عن بقيَّةِ مَن سعى في هذه الفتنةِ حتى لا تفسُدَ نيَّاتُ الناس، قال ابن الجوزي: "ولا يُعرَفُ خليفةٌ خُلِعَ ثم أعيدَ إلَّا الأمينُ والمُقتَدِر".

العام الهجري : 330 العام الميلادي : 941
تفاصيل الحدث:

كانت أذربيجان بيَدِ ديسمَ بنِ إبراهيمَ الكُرديِّ، وكان مُعظَمُ جيوشِه الأكراد، إلَّا نفرًا يسيرًا من الديلم، من عسكرِ وشمكير، أقاموا عنده حين صَحِبوه إلى أذربيجان، ثمَّ إنَّ الأكراد تقَوَّوا، وتحكَّموا عليه، وتغلَّبوا على بعضِ قلاعِه وأطرافِ بلاده، فرأى أن يستظهِرَ عليهم بالدَّيلم، فاستكثر ذلك منهم، وكان وزيرُه أبا القاسم علي بن جعفر، وهو مِن أهل أذربيجان، فسعى به أعداؤه، فأخافه ديسم، فهرب إلى محمَّد بن مسافر بن السلار، فلما وصلَ عليُّ بن جعفر إلى ابنِ مسافر رأى ابنيه هسوذان والمرزبان قد استوحشا من والدِهما، واستوليَا على بعضِ قلاعه، وكان سببُ وَحشتِهما منه سوءَ معاملتِه معهما ومع غيرِهما، ثمَّ إنهما قبضا على أبيهما محمَّد بن مسافر، وأخذا أموالَه وذخائِرَه، وبقِيَ في حصنٍ آخَرَ وحيدًا فريدًا بغيرِ مالٍ ولا عُدَّة، فرأى عليُّ بن جعفر الحالَ فتقَرَّبَ إلى المرزبان وخَدَمِه وأطمَعَه في أذربيجان، وضَمِنَ له تحصيلَ أموال كثيرةٍ يَعرِفُ هو وجوهَها، فقَلَّدَه وزارتَه، وكان عليُّ بن جعفرٍ مِن دعاة الباطنية، والمرزبان مشهورٌ بذلك، وكان ديسم يذهَبُ إلى مذهَبِ الخوارج في بُغضِ عليٍّ- رضي الله عنه- فنفَرَ عنه مَن عِندَه من الديلم، وابتدأ عليُّ بن جعفر فكاتبَ مَن يعلم أنَّه يستوحِشُ من ديسم يستميلُه، إلى أن أجابه أكثَرُ أصحابِه، وفسَدَت قلوبُهم على ديسم، وخاصَّةً الديلم، وسار المَرزبان إلى أذربيجان، وسار ديسم إليه، فلما التقَيَا للحرب عاد الدَّيلم إلى المرزبان، وتَبِعَهم كثيرٌ من الأكرادِ مستأمِنينَ، فحمَلَ المرزبان على ديسم، فهرَبَ في طائفةٍ يسيرةٍ مِن أصحابه إلى أرمينيَّة، واعتصَمَ بحاجيق بن الديراني؛ لمودًّةٍ بينهما، فأكرمه واستأنف ديسم يؤلِّفُ الأكراد، وكان أصحابُه يشيرون عليه بإبعادِ الديلم لمخالفتِهم إيَّاه في الجنسِ والمذهب، فعصاهم ومَلَك المرزبان أذربيجان، واستقام أمرُه إلى أن فسَدَ ما بينه وبين وزيرِه عليِّ بن جعفرٍ.