كان رئيس الصومال محمد زياد بري قد أسَّس في مقديشو مكتبًا للمنظمة الديمقراطية الشعبية الأورومية المعارِضة في الحَبَشة لنظام منغستو ماريام رئيس الحبشة، فقامت الحَبَشة بمضاعَفة دَعْمها للمعارَضة الصومالية، ممَّا أدَّى إلى اشتداد القتال بين قوات الحكومة وفصائل المعارَضة التي زادت قوتها، وبان تفوقها، حتى اضطرَّ الرئيس محمد زياد بري إلى الهرب خارج الصومال في رجب 1411هـ / كانون الثاني 1991م، وتمكَّنت القوات المسلَّحة المعارِضة التي تتألَّف أكثريتُها من أفراد قَبيلة الهويه أنْ تدخُلَ مقديشو بقيادة العقيد محمد فارح عيديد، وتسلَّم علي مهدي محمد رئاسة الدولة مؤقتًا لمدة شهر، وعهِد إلى عمر عرتة برئاسة الحكومة المؤقتة، وهو من قَبيلة الهويه أيضًا، وهذا ما أثار القبائل الأُخْرى المشارِكة في المعارَضة، وزاد الأمرُ عندما أُبقيَ التسليح بيد قبائلِ الهويه فقطْ، حتى اشتدَّ الصراعُ بين الفصائلِ فاستقلَّ الشماليُّونَ وشكَّلوا جمهورية أرض الصومال برئاسة عبد الرحمن أحمد علي تور، وفي أقْصى الجنوب كان كِيان الحزب الاشتراكي الثوري المؤيِّد لزياد بري، وأُضرمت نارُ القتال بين الأطراف الصومالية، وانتشرت المجاعة والخوف وعدم الأمن على الأرواح والأعراض، وبدأ الناس يتساقطون مَوْتى، فمن نَجا من القتل قتلته المجاعةُ.
في سادس جمادى الآخرة، فتح أتابك عمادُ الدين زنكي بن آقسنقر مدينةَ الرَّها من الفرنج، وفتَحَ غَيرَها مِن حُصونِهم بالجزيرةِ أيضًا، وكان ضَرَرُهم قد عَمَّ بلادَ الجزيرة وشَرَّهم قد استطار فيها، ووصَلَت غاراتُهم إلى أدانيها وأقاصيها، وبلَغَت آمِدَ ونصيبين ورأسَ عَين والرقَّة، وكانت مملكَتُهم بهذه الديارِ مِن قَريبِ ماردين إلى الفُرات مثل الرَّها، وسروج، والبيرة، وسن ابن عطير، وحملين، والموزر، والقرادي، وغير ذلك. وكانت هذه الأعمالُ مع غيرِها ممَّا هو غَرْبَ الفرات لجوسلين، وكان صاحِبَ رأي الفرنجِ والمُقَدَّم على عساكِرِهم؛ لِما هو عليه من الشَّجاعةِ والمكرِ، وكان زنكي يَعلَمُ أنَّه متى قَصَد حَصْرَ الرَّها، اجتمع فيها مِن الفرنجِ مَن يَمنَعُها، فيتعَذَّر عليه مِلكُها لِما هي عليه من الحَصانةِ، فاشتغل بقِتالِ الملوك الأرتقيَّة بديارِ بَكرٍ ليُوهِمَ الفرنجَ أنَّه غيرُ مُتفَرِّغٍ لقَصدِ بلادِهم، فلمَّا رأَوْا أنَّه غيرُ قادر على تَرْكِ الملوك الأرتقيَّة وغيرِهم من ملوكِ ديارِ بَكرٍ، حيث إنَّه محارب لهم، اطمأنُّوا، وفارق جوسلين الرَّها وعبَرَ الفراتَ إلى بلاد الغربية، فجاءت عيونُ أتابك إليه فأخبَرَته فنادى العسكَرَ بالرحيلِ وألَّا يتخَلَّفَ عن الرَّها أحَدٌ مِن غَدِ يَومِه، وجمَعَ الأمراءَ عنده، وقال: قَدِّموا الطعامَ، وقال: لا يأكُلْ معي على مائدتي هذه إلَّا مَن يَطعنُ غدًا معي على بابِ الرَّها، فلم يتقَدَّمْ إليه غيرُ أميرٍ واحدٍ وصَبيٍّ لا يُعرَف؛ لِما يَعلَمونَ مِن إقدامِه وشجاعته، وأنَّ أحدًا لا يَقدِرُعلى مُجاراتِه في الحَربِ، فقال الأميرُ لذلك الصبي: ما أنت في هذا المقامِ؟ فقال أتابك: دَعْه فواللهِ إنِّي أرى وجهًا لا يتخَلَّفُ عني، وسار والعساكِرُ معه، ووصل إلى الرَّها، وكان هو أوَّلَ مَن حمل على الفرنجِ ومعه ذلك الصبيُّ، وحمَلَ فارِسٌ مِن خَيَّالة الفرنج على أتابك عرضًا، فاعتَرَضه ذلك الأميرُ فطَعَنَه فقَتَلَه، وسَلِمَ الشهيدُ، ونازل البَلَدَ، وقاتله ثمانيةً وعشرين يومًا، فزحَفَ إليه عِدَّةَ دَفعاتٍ، وقَدَّم النقَّابينَ فنَقَبوا سورَ البَلَدِ، وطَرَحوا فيه الحَطَب والنَّارَ فتهَدَّمَ، ودخلها فحاربهم، ولجَّ في قتالِه خَوفًا من اجتماعِ الفرنج والمسيرِ إليه واستنقاذِ البلد منه، فأخذ البَلَدَ عَنوةً وقهرًا، وحَصَرَ قلعةَ الرَّها فمَلَكها أيضًا, فنصَرَ اللهُ المُسلمينَ وغَنِموا غنائِمَ عَظيمةً، وخَلَّصوا أُسارى مُسلِمينَ يَزيدونَ على خمسِمئة. ونهب النَّاسُ الأموالَ وسَبَوا الذُّريَّةَ وقَتَلوا الرجالَ، فلمَّا رأى أتابك زنكي البلدَ أعجَبَه، ورأى أنَّ تَخريبَ مِثلِه لا يجوزُ في السِّياسة، فأمَرَ فنُودِيَ في العساكِرِ برَدِّ مَن أخذوه من الرِّجالِ والنِّساءِ والأطفالِ إلى بُيوتِهم، وإعادةِ ما غَنِموه من أثاثِهم وأمتِعَتِهم، فرَدُّوا الجميعَ عن آخِرِهم لم يُفقَدْ منهم أحَدٌ إلَّا الشَّاذُّ النَّادِرُ الذي أُخِذَ وفارَقَ مَن أخَذَه العَسكَرُ، فعاد البلدُ إلى حالِه الأوَّلِ، وجعَلَ فيه عسكرًا يَحفَظُه، وكان جمالُ الدين أبو المعالي فضلُ الله بن ماهان رئيسُ حرَّان هو الذي يحُثُّ أتابك في جميعِ الأوقاتِ على أخْذِ الرَّها، ويُسَهِّلُ عليه أمْرَها, ثمَّ رَحَل إلى سروجٍ ففَتَحَها، وهَرَب الفرنجُ منها، وتسَلَّمَ سائِرَ الأماكِنِ التي كانت بيَدِ الفِرنجِ شَرقيَّ الفُراتِ ما عدا البيرةَ؛ فإنَّها حصينةٌ مَنيعةٌ، وعلى شاطئِ الفُراتِ، فسار إليها وحاصَرَها، وكانوا قد أكثَروا مِيرتَها ورِجالَها، فبَقِيَ على حِصارِها إلى أن رحَلَ عنها عندما جاءَه الخبَرُ مِن المَوصِل أنَّ نَصيرَ الدِّينِ جقر نائبه بالموصِلِ قُتِلَ، فخاف عليها، وتَرَك البيرةَ بعد أن قارَبَ أخْذَها, وسار جِهةَ المَوصِلِ، ولَمَّا بلَغَ زنكي خبَرُ قَتْلِ مَن قَتَلَ جقر، سكَنَ جأشُه واطمأنَّ قَلبُه.
خَرَج عبدُ اللَّه بنُ أُنيسٍ رَضي اللهُ عنه من المدينةِ يومَ الإثنَينِ لخمسٍ خَلَونَ من المُحرَّمِ على رأس خمسةٍ وثلاثين شهرًا من مُهاجَرِ رسولِ اللَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وبَلَغَ رسولَ اللَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّ سُفيانَ بنَ خالِدِ بن نُبَيحٍ الهُذليَّ ثم اللِّحيانيَّ -وكان يَنزِل عُرْنةَ وما والاها في أُناسٍ من قومِه وغيرِهم- يُريد أن يَجمَعَ الجُموعَ إلى رسولِ اللَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فضَوَى إليه بَشَرٌ كثيرٌ من أفناءِ الناسِ.
قال عبدُ اللَّه بنُ أُنيسٍ رضي اللَّه تعالى عنه: دَعاني رسولُ اللَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فقال: "إنَّه بَلَغني أنَّ سفيانَ بنَ خالدِ بنِ نُبَيحٍ يَجمَع لي الناسَ ليَغزوَني وهو بنَخلةَ أو بعُرْنةَ فأْتِه فاقْتُلْه". فقلتُ: يا رسول اللَّه، صِفْهُ لي حتى أعرِفَه. فقال: "آيةُ ما بَينَك وبَينَه أنَّك إذا رَأيتَه هِبتَه وفَرِقْتَ منه، ووَجَدْتَ له قُشَعْريرةً، وذَكَرْتَ الشَّيطانَ". قال عبد اللَّه: كنتُ لا أهابُ الرِّجالَ، فقلت: يا رسول اللَّه، ما فَرِقتُ من شيءٍ قطُّ. فقال: "بَلَى؛ آيةُ ما بَينَك وبَينَه ذلك: أن تَجِدَ له قُشَعْريرةً إذا رَأيتَه". قال: واستَأذَنتُ رسولَ اللَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أن أقولَ. فقال: "قُلْ ما بَدا لَكَ". وقال: "انتَسِبْ لخُزاعةَ". فأخَذتُ سَيفي ولم أزِدْ عليه وخرجتُ أعتَزي لخُزاعةَ حتى إذا كنتُ ببَطنِ عُرْنةَ لَقيتُه يمشي ووراءه الأحابيشُ. فلمَّا رَأيتُه هِبتُه وعَرَفتُه بالنَّعتِ الذي نَعَت لي رسولُ اللَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم. فقلتُ: صَدَقَ اللَّهُ ورسولُه، وقد دخل وقتُ العَصرِ حين رَأيتُه، فصَلَّيتُ وأنا أمشي أُومي برَأسي إيماءً. فلمَّا دَنَوتُ منه قال: "مَنِ الرَّجلُ؟". فقلتُ: "رجلٌ من خُزاعةَ سَمِعتُ بجَمعِكَ لمُحمَّدٍ فجِئتُكَ لأكونَ مَعَك عليه". قال: "أجلْ؛ إنِّي لَفي الجَمعِ له". فمَشَيتُ معه وحدَّثتُه فاستَحلَى حديثي وأنشَدتُه وقلتُ: "عَجَبًا لِمَا أحدَثَ مُحمَّدٌ مِن هذا الدِّينِ المُحدَثِ، فارَقَ الآباءَ وسَفَّه أحلامَهم". قال: "لم ألْقَ أحَدًا يُشبِهُني ولا يُحسِنُ قِتالَه". وهو يتوكَّأُ على عصًا يَهُدُّ الأرضَ، حتى انتَهَى إلى خِبائِه وتفرَّق عنه أصحابُه إلى منازِلَ قَريبةٍ منه، وهم يُطيفون به. فقال: هَلُمَّ يا أخا خُزاعةَ. فدَنَوتُ منه. فقال: اجلِسْ. فجَلَستُ معه حتى إذا هَدَأ الناسُ ونامَ اغتَرَرْتُه. وفي أكثرِ الرِّواياتِ أنه قال: فمَشَيتُ معه حتَّى إذا أمكَنني حَمَلتُ عليه السَّيفَ فقَتَلتُه وأخذتُ رأسَه. ثم أقبلتُ فصَعِدتُ جَبَلًا، فدَخَلتُ غارًا وأقبَلَ الطلبُ من الخيلِ والرجالِ تَمعَجُ في كلِّ وجهٍ وأنا مُكتَمِنٌ في الغارِ، وأقبل رجلٌ معه إداوَتُه ونعلُه في يدِهِ وكنتُ خائفًا، فوضع إداوَتَه ونعلَه وجلس يَبولُ قَريبًا من فَمِ الغارِ، ثم قال لأصحابِه: ليس في الغارِ أحدٌ، فانصَرَفوا راجِعين، وخرجتُ إلى الإداوةِ فشَرِبتُ ما فيها وأخذتُ النَّعلَين فلَبِستُهما. فكنتُ أسير الليلَ وأكمُنُ النهارَ حتى جِئتُ المدينة، فوَجَدتُ رسولَ اللَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في المسجد، فلمَّا رآني قال: "أفلَحَ الوَجهُ". فقلت: وأفلَحَ وَجهُكَ يا رسول اللَّه". فوَضَعتُ الرَّأسَ بين يَدَيه وأخبَرتُه خَبَري، فدَفَع إليَّ عصًا وقال: "تَخَصَّرْ بِها في الجَنَّةِ؛ فإنَّ المُتخَصِّرين في الجَنَّةِ قَليلٌ".
فكانتِ العصا عند عبدِ اللَّه بن أُنَيسٍ حتى إذا حضَرَته الوفاةُ أوصى أهلَه أن يُدرِجوا العصا في أكفانِه. ففَعَلوا ذلك. قال ابنُ عُقبةَ: "فيَزعُمون أنَّ رسولَ اللَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أخبَرَ بقتلِ عبدِ اللَّه بنِ أُنيسٍ سُفيانَ بنَ خالِدٍ قبلَ قُدومِ عبدِ اللَّه بنِ أُنَيسٍ رضي اللَّه تعالى عنه".
قامت في مالقة ثورة ولم يُفلح ملك بني نصر الأمير أبو الحسن علي بن سعد من إخمادها، وانتهت هذه الثورة بتقسيم المملكة إلى شطرين؛ شطر يملكه أبو الحسن، وشطر يملكه أخوه الثائر عليه أبو عبد الله محمد بن سعد الملقب بالزغل، وكان ملك قشتالة يبارك هذه الحروب؛ مما أمكنه من الاستيلاء على بعض المواقع والحصون القريبة من غرناطة.
وفيها أرخص اللهُ الأسعارَ وكَثُرت الأمطارُ وفاضت الآبارُ، فأول ما نزل الغيثُ في الموسم زرع عليه النَّاسُ، فلمَّا حُصِد الزَّرعُ ونُقِلَ في بيادره تتابَعَ الغيثُ فأعطنت الزروع، فلم يكن للناسِ شُغلٌ إلَّا نشرُها وجمعُها، واسوَدَّ التبن وتغَيَّر الحَبُّ، وأقام الناس على ذلك نحوًا من عشرين يومًا، كل يوم ينزل الحَيَا والسيلُ في آخِرِ النَّهارِ، وأوَّلُه صَحوٌ لم يُرَ عليها قزعة، فلما كبر البُسر وصار كالبندق أُصيب بدودةٍ تَضرِبُ البسرة عند القمعِ فتسقُط، وسقط ما في النخيل كله إلَّا أقلَّ قليل، وذلك في بلدان سدير وغيرها، وقُطِعت أكثَرُ عذوق النخل ولم يبقَ بها شيءٌ، والثمرة قبل ذلك في غاية الكثرة، واستمر ذلك في السنة التي تلتها، لكنه أخفُّ من التي قبلها، وظهرت أعراب الظفير على نجد، واكتالوا من بلدانِ سدير على عشرة أصواع بالريال.
ثمَّ لمَّا وَلِيَ المُفَضَّل بن المُهَلَّب خُراسان غَزَا باذغيس ففَتَحَها وأصاب مَغنمًا فقَسَّمَه، فأصاب كُلُّ رَجُلٍ ثماني مائة. ثمَّ غَزَا آخرون وشومان فغَنِمَ وقَسَّمَ ما أصاب، ولم يكُن للمُفَضَّل بيتُ مَالٍ، كان يُعطِي النَّاس كُلمَّا جاء شيءٌ، وإن غَنِمَ شَيئًا قَسَّمَه بينهم.
عزَّ على علماء الأندلس انتهاكُ الحكَمِ بنِ هشام للحُرُمات، وأْتَمَروا ليخلعوه، ثم جيَّشوا لقتاله، وجَرَت بالأندلس فتنةٌ عظيمة على الإسلام وأهلِه- فلا قوة إلا بالله- فلمَّا هَمَّ العُلَماءُ بخلعِ الحَكَمِ، قالوا: إنَّه غيرُ عدلٍ، ونكَثُوه في نفوس العوامِّ، وزعموا أنَّه لا يحِلُّ المُكثُ ولا الصبرُ على هذه السيرةِ الذَّميمةِ، وكان ممن تقدَّمَ العلماءَ في الدعوةِ لخلعِ الحكَمِ بن هشام يحيى بن يحيى الليثي، وطالوتُ المعافري, وعوَّلَ أهلُ العلم على تقديمِ أحدِ أهل الشورى بقرطبة، وهو أبو الشماس أحمد بن المنذر بن عبدالرحمن الداخل ابن عمِّ الحكم بن هشام؛ لِما عرفوا من صلاحِه وعَقلِه، ودينِه، فقصدوه، وعرَّفوه بالأمر، فأبدى الميلَ إليهم والبُشرى بهم، وقال لهم: أنتم أضيافي الليلةَ؛ فإنَّ الليلَ أستَرُ. وناموا، وقام هو إلى ابنِ عَمِّه الحكَمِ، فأخبَرَه بشأنهم، فاغتاظ لذلك، وقال: جئتَ لسَفكِ دمي أو دمائِهم، وهم أعلامٌ، فمن أين نتوصَّلُ إلى ما ذكرت? فقال: أرسِلْ معي من تثِقُ به ليتحقَّقَ. فوجَّه من أحبَّ، فأدخلهم أحمدُ في بيته تحت سِترٍ، ودخل الليلُ، وجاء القَومُ، فقال: خبِّروني مَن معكم? فقالوا: فلانٌ الفقيهُ، وفلانٌ الوزير. وعَدُّوا كبارًا، والكاتِبُ يكتب حتى امتلأ الرَّقُّ، فمَدَّ أحدُهم يدَه وراء السترِ، فرأى القومَ، فقام وقاموا، وقالوا: فعلْتَها يا عدوَّ الله. فمَن فَرَّ لحينِه نجا، ومن لا، قُبِضَ عليه، فكان ممَّن فَرَّ: عيسى بن دينار الفقيه، ويحيى بن يحيى الفقيه صاحِبُ مالك، وقرعوس بن العباس الثَّقفي, وقبض على ناس كمالك بن يزيد القاضي، وموسى بن سالم الخولاني، ويحيى بن مُضَر الفقيه، وأمثالهم من أهل العلمِ والدين، في سَبعةٍ وسبعين رجلًا، فضُرِبَت أعناقُهم وصُلِبوا, وأضاف إليهم الحكَمُ عَمَّيه؛ كُليبًا وأميَّة، فصُلِبا، وأحرق القلوبَ عليهم، وسار بأمرِهم الرِّفاقُ، وعَلِمَ الحكمُ أنَّه محقودٌ من الناس كلهم، فأخذ في جمعِ الجُنود والحشَمِ، وتهيَّأ، وأخذت العامَّةُ في الهياجِ، واستأسد النَّاسُ، وتنَمَّروا، وتأهَّبوا. واستفحل الشَّرُّ.
قَصَدت القرامِطةُ مدينةَ طَبَريَّة ليأخذوها من يدِ الإخشيدِ صاحِبِ مصرَ والشَّامِ، وطلبوا من سيفِ الدولة أن يُمِدَّهم بحديدٍ يتَّخِذونَ منه سلاحًا، فقلع لهم أبوابَ الرقَّة- وكانت من حديدٍ صامتٍ- وأخذ لهم من حديدِ النَّاسِ، حتى أخذ أواقيَ الباعةِ والأسواق، وأرسل بذلك كُلِّه إليهم، فأرسلوا إليه يقولون اكتَفَينا.
أُعلِن في بنغازي عن تأسيسِ "حزبِ التجمع الوطني من أجل العدالة والديمقراطية"، وذَكَر مؤسِّسوه أنهم يسعَون لتعبئةِ اللِّيبيِّين في سبيلِ إقامةِ مؤسَّساتِ دولةٍ مَدَنيَّة، تقوم على سيادةِ القانونِ والمُساواة. وأشارت مبادئُ وأهدافُ الحزبِ إلى أنَّه تجمُّعٌ لتحقيقِ العدالةِ والسَّعيِ إليها بين كلِّ الناس وكلِّ المدنِ والمناطِق.
شنَّت قواتُ الاحتلال الإسرائيلي عمليةَ اجتياح لمُخيَّم خان يونس جنوبَ قطاع غزَّةَ سمَّتها "الحديد البرتقالي"، دمَّرت خلالَها نحوَ أربعين منزلًا تدميرًا كليًّا، وشرَّدت نحوَ خمسينَ عائلةً يَزيدُ عدد أفرادها عن أربع مئة فردٍ. وسيطَرَت على مقبرة الشهداء في المدينة، وكانت هذه العملية على حدِّ زعمهم تهدُف إلى منع إطلاق قذائف هاون من هذا المُخَيَّم على المستوطَنات اليهودية القريبة.
هو القاضي محمَّد بن خلَف بن حيَّان بن صدقة بن زياد البغدادي أبو بكرٍ الضَّبِّيُّ، المعروفُ بوَكيعٍ، وكان عالِمًا بأخبار النَّاسِ وغيرها، وله تصانيفُ حَسَنةٌ. قال الدارقطني: "كان نبيلًا فصيحًا فاضِلًا، من أهل القرآنِ والفِقهِ والنحو، له تصانيفُ كثيرة" مات وكان يتقلَّدُ قضاءَ كور الأهوازِ كُلِّها.
هو الحكَمُ بنُ هشامٍ ابنُ الداخل عبد الرحمن بن معاوية بن هشام بن عبد الملك بن مروان ابن الحَكَم الأُموي، المرواني، أبو العاصِ، أميرُ الأندلس، وابنُ أميرِها، وحفيدُ أميرها. ويلقَّب: بالمرتضَى، ويعرف: بالربضي؛ لِما فعلَ بأهلِ الربض. بويعَ بالمُلك عند موت أبيه- في صفر سنة ثمانين ومائة- وكان من جبابرةِ الملوك وفُسَّاقهم ومتَمَرِّديهم، وكان فارسًا شجاعًا فاتِكًا، ذا دهاءٍ وحَزمٍ، وعُتُوٍّ وظُلمٍ، تملَّكَ سبعًا وعشرين سنة. وكان في أوَّلِ أمْرِه على سيرةٍ حميدةٍ، تلا فيها أباه، ثم تغيَّرَ وتجاهر بالمعاصي. كان يأخذُ أولادَ النَّاسِ المِلاح، فيُخصيهم ويُمسِكُهم لنَفسِه. وله شِعرٌ جَيِّد. وكان يقرِّبُ الفُقَهاء وأهلَ العلمِ. وكَثُرت العلماء بالأندلُسِ في دولته، حتى قيل: إنَّه كان بقُرطبة أربعةُ آلاف متقَلِّس- أي: مُتزَيِّينَ بزيِّ العلماء- فلما أراد اللهُ فناءهم، عَزَّ عليهم انتهاكُ الحكَمِ بن هشام للحُرُمات، وأْتَمَروا ليخلَعوه، ثم جيَّشوا لقتاله، وجرت بالأندلسِ فِتنةٌ عظيمةٌ على الإسلام وأهله- فلا قوَّةَ إلا باللهِ- على يدِ الحَكَمِ بن هشام، قُتل فيها عشراتُ الآلافِ مِن العُلَماء والعامَّة خاصةً في وقعة الربض بقُرطبة، ثم توفِّيَ الحَكَمُ بن هشام. وهو أوَّلُ من جَنَّد بالأندلُسِ الأجنادَ المُرتَزِقة، وجمع الأسلحةَ والعُدَد، واستكثَرَ من الحشَمِ والحواشي، وارتبَطَ الخيولَ على بابه، وشابَهَ الجبابرةَ في أحوالِه، واتَّخذ المماليكَ، وجعَلَهم في المرتَزِقة، فبلغت عِدَّتُهم خمسةَ آلاف مملوك، وكانوا يُسَمَّون الخُرسَ؛ لعُجمةِ ألسنتِهم، وكانوا يوميًّا على باب قَصرِه. وكان يطَّلِعُ على الأمور بنفسه، ما قَرُب منها وبَعُد، وكان له نفَرٌ مِن ثقاتِ أصحابِه يُطالِعونَه بأحوالِ النَّاس، فيرُدُّ عنهم المظالِمَ، ويُنصِفُ المظلومَ، وهو الذي وطَّأَ لعَقِبه المُلْكَ بالأندلس، وولِيَ بعده ابنُه عبدالرحمن بن الحكَم.
هو سنجر شاه بن غازي بن مودود بن زنكي بن آقسنقر، صاحب جزيرة ابن عمر، وهو ابن عم نور الدين، صاحب الموصل، قتله ابنه غازي، وسبب ذلك أن سنجر كان سيئَ السيرة غشومًا ظلومًا لرعيته وجندِه وحَرَمِه وولَدِه، كثيرَ القهر لهم والانتقام منهم، فاقِدَ الشفقة على بنيه حتى غرَّب ابنيه محمودًا ومودودًا إلى قلعة فرح من بلاد الزوزان لتوهُّمٍ توهَّمه فيهما, ثم أخرج ابنه غازي إلى دار بالمدينة, ووكل به فساءت حاله، وكانت الدار كثيرة الخشاش فضَجِرَ من حاله, فأعمل غازي الحيلة حتى نزل من الدار التي كان قد حبسه أبوه بها واختفى، ثمَّ إن غازي بن سنجر تسلَّقَ إلى دار أبيه، واختفى عند بعضِ سراريِّه، وعلم به أكثَرُ من بالدار، فسَتَرت عليه بغضًا لأبيه، وتوقعًا للخلاصِ منه لشِدَّتِه عليهن، فبقي كذلك، وترك أبوه الطَّلبَ له ظنًّا منه أنَّه بالشام، فاتفق أنَّ أباه، في بعض الأيام شرب الخمر بظاهرِ البلد مع نُدَمائه، فلم يزل كذلك إلى آخر النهار، وعاد إلى داره، فلما دخل الخلاءَ، دخل عليه ابنه غازي فضربه بالسكينِ أربع عشرةَ ضربةً، ثم ذبحَه، وتركه مُلقًى، فاتفق أن بعض الخدم الصغار خرج إلى البابِ وأعلم أستاذ دار سنجر الخبَرَ، فأحضر أعيان الدولة وعرَّفَهم ذلك، وأغلق الأبوابَ على غازي، واستحلف الناسَ لمحمود بن سنجر شاه، وأرسل إليه فأحضره من قلعةِ فرح ومعه أخوه مودود، فلما حلفَ الناس وسكنوا فتحوا باب الدارِ على غازي، ودخلوا عليه ليأخُذوه، فمانعهم عن نفسِه، فقتلوه وألقَوه على باب الدار، فأكلت الكلابُ بعضَ لحمه، ثم دُفِنَ باقيه، ووصل محمودٌ إلى البلد ومَلَكَه، ولُقِّبَ بمعز الدين، لَقَب أبيه، فلما استقَرَّ عمد الى الجواري اللواتي واطأنَ على قتل أبيه فغرَّقَهن في دجلةَ.
سار الأميرُ طرنطاي النائبُ إلى بلاد الصعيد ومعه عسكرٌ كبيرٌ، فوصل إلى طوخ تجاهَ قوص، وقَتَل جماعةً من العربان، وحرق كثيرًا منهم بالنار، وأخذ خيولًا كثيرة وسلاحًا ورهائنَ مِن أكابرهم، وعاد بمائة ألف رأسٍ مِن الغنم، وألفٍ ومائتي فرس، وألف جمل، وسلاحٍ لا يقع عليه حصرٌ.
هو محمد السابع المستعين بن أبي الحجاج يوسف الثاني ملك بني نصر -بني الأحمر- في غرناطة بالأندلس، وقام بالأمر بعده أخوه أبو الحجاج يوسف الثالث الناصر، وكان معتقَلًا في سجن قلعة شلوبانية الحصينة القريبة من ثغر المنكب، والذي كان قد حبسه هو أخوه الملك محمد السابع هذا، وقام الملك الجديد أبو الحجاج بتجديد الهدنة مع ملك قشتالة لمدة تنتهي سنة 813.