الموسوعة التاريخية

عدد النتائج ( 3316 ). زمن البحث بالثانية ( 0.013 )

العام الهجري : 815 الشهر القمري : شعبان العام الميلادي : 1412
تفاصيل الحدث:

بقي الخليفة العباسي المستعين بالله سلطانًا بعد خلع السلطان الناصر فرج أول السنة، ولكن الأمير شيخ المحمودي بيده كل شيء من أمر ونهي وعزل حتى تسمى بالأمير الكبير، ثم لما عَظُم أمره بعد موت بكتمر، وهو مقدم الألوف في الجيش، رأى شيخ المحمودي أن الجوَّ قد خلا له فلا مانع من سلطنته، فطلب الأمراء وكلَّمهم في ذلك، فأجاب الجميع بالسمع والطاعة طوعًا وكرهًا واتفقوا على سلطنته، فلما كان يوم الاثنين مستهل شعبان، وعمل الموكب عنده على عادته بالإسطبل السلطاني، واجتمع القضاة الأربعة، قام فتح الله كاتب السر على قدميه في الملأ وقال لمن حضر: إن الأحوال ضائقة، ولم يعهد أهل نواحي مصر اسم خليفة، ولا تستقيم الأمور إلا بأن يقوم سلطان على العادة، ودعاهم إلى الأتابك شيخ المحمودي، فقال الأمير شيخ: هذا لا يتم إلا برضا الجماعة، فقال من حضر بلسان واحد: نحن راضون بالأمير الكبير، فمدَّ قاضي القضاة جلال الدين عبد الرحمن البلقيني يدَه وبايعه، فلم يختلف عليه اثنان، وخُلِعَ الخليفة المستعين بالله العباس من السلطنة بغير رضاه، وبعد مبايعته بالسلطنة لُقِّب بالملك المؤيد شيخ، ثم جلس على كرسي الملك، وبعث إلى الخليفة القضاة ليسلِّموا عليه، ويشهدوا عليه أنه فوَّض إلى الأمير شيخ السلطنة على العادة، فدخلوا إليه وكلموه في ذلك، فتوقف في الإشهاد عليه بتفويض السلطنة توقفًا كبيرًا، ثم اشترط في أن يؤذَنَ له في النزول من القلعة إلى داره، وأن يحلف له السلطان بأنه يناصِحَه سرًّا وجهرًا، ويكون سِلمًا لمن سالمه وحَربًا لمن حاربه، فعاد القضاة إلى السلطان وردوا الخبر عليه، وحَسَّنوا له العبارة في القول، فأجاب: يُمهَل علينا أيامًا في النزول إلى داره، ثم يُرسَم له بالنزول، فأعادوا عليه الجواب بذلك وشهدوا عليه، وتوجَّهوا إلى حال سبيلهم، وأقام الخليفة بقلعة الجبل محتفظًا به على عادته أولًا خليفة، فكانت مدة سلطنته من يوم جلس سلطانًا خارج دمشق إلى يوم خلعه يوم الاثنين أول شعبان، سبعة أشهر وخمسة أيام، فلما حان يوم الاثنين مستهل شعبان حضر القضاة وأعيان الأمراء وجميع العساكر وطلعوا إلى باب السلسلة، وتقدم قاضي القضاة جلال الدين البلقيني وبايعه بالسلطنة، ثم قام الأمير شيخ من مجلسه ودخل مبيت الحراقة بباب السلسلة، وخرج وعليه خِلعة السلطنة السوداء الخليفتي على العادة، وركب فرس النوبة بشعار السلطنة، والأمراء وأرباب الدولة مشاة بين يديه، والقبة والطير على رأسه حتى طلع إلى القلعة، ونزل ودخل إلى القصر السلطاني، وجلس على تخت الملك، وقَبَّلت الأمراءُ الأرض بين يديه، ودُقَّت البشائر، ثم نودي بالقاهرة ومصر باسمه وسلطنته، وخُلِع على القضاة والأمراء ومن له عادة في ذلك اليوم.

العام الهجري : 819 الشهر القمري : شوال العام الميلادي : 1416
تفاصيل الحدث:

لما عُزِل الشريف حسن بن عجلان بالشريف رميثة في صفر من السنة الحالية، ودخل رميثة إلى مكة لم يتعرض إليه الشريف حسن، حتى بعث ابنه بركات، وقائده شكر إلى السلطان، فقدما فكتب السلطان بإعادة الشريف حسن إلى الإمرة في ثامن عشر شهر رمضان، وجهز إليه تشريفه وتقليده، فقدما عليه وهو بجدة في ثاني شوال، فبعث إلى القواد العمرية -وكانوا باينوه من شعبان ولحقوا برميثة في مكة- يرغبهم في طاعته، فأبوا عليه وجمعوا لحربه، فسار إلى مكة وعسكر بالزاهر ظاهِرَ مكة في يوم السبت الثاني والعشرين شوال، ومعه الأشراف: آل أبي نمي، وآل عبد الكريم، والأدارسة، ومعه الأمير الشريف مقبل بن مختار الحسني أمير ينبع بعسكره، ومعه مائة وعشرون من الأتراك، فبعث إلى العمرية يدعوهم إلى طاعته، فندبوا إليه ثلاثة منهم، فلما أتوه خوَّفهم عاقبة الحرب وحذرهم، ومضوا إلى مكة فلم يعودوا إليه؛ لتماديهم وقومهم على مخالفته، فركب يوم الاثنين الرابع والعشرين من الزاهر، وخيَّم بقرب العسيلة أعلى الأبطح، وأصبح يوم الثلاثاء زاحفًا في ثلاثمائة فارس وألف راجل، فخرج إليه رميثة في قدر الثلث من هؤلاء فلما بلغ الشريف حسن إلى المعابدة، بعث يدعوهم، فلم يجيبوه فسار إلى المعلَّى ووقف على الباب ورمى من فوقه فانكشفوا عنه، وأُلقِيَت فيه النار فاحترق، وانبث أصحابُ حسن ينقبون السور ويرمون من الجبل بالنشاب والأحجار أصحاب رميثة، ثم اقتحموا السور عليهم وقاتلوهم حتى كثرت الجراحات في الفريقين، فتقدَّم بعض بني حسن وأجار من القتال، فانكف عند ذلك حسن، ومنع أصحابه من الحرب، فخرج القضاة والفقهاء والفقراء بالمصاحف والربعات إلى حسن، وسألوه أن يكفَّ عن القتال، فأجابهم بشرط أن يخرج رميثة ومن معه من مكة، فمضوا إلى رميثة وما زالوا به حتى تأخر عن موضعه إلى جوف مكة، ودخل الشريف حسن بجميع عسكره، وخيم حول بركتي المعلى، وبات بها، وسار يوم الأربعاء السادس والعشرين وعليه التشريف السلطاني ومعه عسكره، إلى المسجد، فنزل وطاف بالبيت سبعًا، والمؤذِّنُ قائم على بئر زمزم يدعو له حتى فرغ من ركعتي الطواف، ثم مضى إلى باب الصفا فجلس عنده، وقرئ تقليده إمرة مكة هناك، ثم قرئ كتاب السلطان إليه بتسلُّم مكة من رميثة، وقد حضره عامة الناس، ثم ركب وطاف البلد، ونودي بالأمان، وأجَّل رميثة ومن معه خمسة أيام، فلما مضت سار بهم إلى جهة اليمن، واستقرَّ أمر الشريف حسن بمكة على عادته، وثبت من غير منازِع.

العام الهجري : 1021 العام الميلادي : 1612
تفاصيل الحدث:

استغَلَّ الشاه عباس الصفوي انشغالَ الدولة العثمانية بالثورات الداخلية والحروب مع أوربا، بالإضافة للضعف الذي دبَّ فيها، فباشر في تخليصِ عراق العجم, واسترجع شمالَ العراق وتبريز ووان، واستطاع أن يحتلَّ بغداد والأماكن المقدَّسة الشيعية في النجف وكربلاء والكوفة، وكانت الجيوشُ العثمانية أضعفَ من أن تقاوم الجيوشَ الصفوية، فاضطر السلطان العثماني أحمد الأول أن يعقِدَ صلحًا مع الصفويين في عام 1013هـ استرجع فيه الصفويون كلَّ المناطق التي كان قد ضَمَّها السلطان سليمان القانوني، بما في ذلك بغداد، وكان هذا بداية التراجع للدولة العثمانية. وقد زارها الشاه عباس الصفوي وسَطَ مظاهر الإجلال والتقديس، وقد أورد بعضُ المؤرخين أنه قضى عشرة أيام في زيارته للنجف؛ حيث قام بنفسِه بخدمة الحُجَّاج في ذلك المكان، كما يذكرون أيضًا أنَّه إمعانًا في إعلان تمسُّكِه بالمذهب الشيعي وولائِه للرفض، وعلى الرغمِ من تعصُّبه الشديد للمذهب الشيعي إلَّا أنه رفع أيدي رجال الدينِ عن التدخُّل في شئون الحكم والسياسة، ومارس نوعًا من السلطة المُطلَقة في حكم البلاد، وقد أنزل الشاه عباس الصفوي أقسى أنواعِ العقاب بالسنَّة الذين يعتبرهم أعداءً للدولة، فإما أن يُقتَلوا أو تُسمَل عيونُهم، ولم يكن يتسامحُ مع أيٍّ منهم إلا إذا تخلى عن مذهبِه السني وأعلن ولاءه للمذهب الشيعي، واضطرت الدولةُ العثمانية نتيجةً لمعاهدة مع الصفويين أن تترك للدَّولة الصفوية الرافضية الشيعية جميعَ الأقاليم والبلدان والقلاع والحصون التي فتحها العثمانيون في عهد السلطان الغازي سليمان الأول بما فيها مدينة بغداد! وهذه أول معاهدة تركت فيها الدولةُ بعضَ فتوحاتِها، وكانت فاتحةَ الانحطاط والضَّعفِ، وأوَّلَ المعاهدات التي دلَّت على ضعف الدولة العثمانية! لقد بالغ الشاه عباس الصفوي في عدائه للمذهب السُّني، وإمعانًا في ضرب الدولة العثمانية حاميةِ المذهب السنِّي اتصل بملوك النصارى، وعقَدَ اتفاقات تعاوُن مشترك معهم؛ من أجلِ تقويض أركان الدولة العثمانية السُّنية، وقدَّم العديد من التنازلات لهذه الدول الأوروبية النصرانية تأكيدًا لتعاونِه معهم انطلاقًا من عدائِه للدولة العثمانية، وعامل الشاه عباس الصفوي النصارى في إيران معاملةً حسنةً على عكس معاملته لأهل السنَّة، وقد كان لمعاملته المتميِّزة للنصارى أن نشِطَت الحركة التنصيرية في إيران، كما شجع التجار الأوربيين في عقد صفقات تجارية كبيرة مع التجَّار في إيران، وأصبحت إيران سوقًا رائجًا للتجارة الأوروبية، ثم توَّج تسامحه مع النصارى بأن أعلن في عام 1007هـ أوامِرَه بعدم التعرضِ لهم، والسماح لهم بحرية التجوُّل في ربوع الدولة الصفوية، وأعطاهم امتيازاتٍ ببناء الكنائس في كبرى المدن الإيرانية، وهذه المعاملة للنصارى كانت نكايةً في الدولة العثمانية السُّنِّية!!

العام الهجري : 1339 الشهر القمري : ذي الحجة العام الميلادي : 1921
تفاصيل الحدث:

كان فيصل بن الحسين ثالثُ الأبناء قد نُصبَ ملكًا على سوريا الجزءِ الأكبر من بلاد الشام، لكِنَّه لم يلبث أن طُرِدَ في العاشر من ذي القعدة 1338هـ / 25 تموز 1920م عندما دخل الفرنسيون إلى سوريا، وكانت إنجلترا بعد أن نكَثَت كلَّ العهود التي أعطتها للشريف حسين ظنَّت أنَّ فيصلًا أنسب أبنائه لحُكمِ العراق التي كانت تحت سيطرتها، فكتب وزيرُ الخارجية الإنجليزي كرزون إلى نائب الحاكِمِ الملكي في العراق يسألُه عن هذا الرأي، فرد النائب باقتراح أحدِ هؤلاء: هادي العمري، نقيب أشراف بغداد، عبد الرحمن الكيلاني، أحد أبناء الحسين بن علي، أحد أفراد الأسرة الخديوية في مصر. مع ترشيحِه هو لهادي العمري، كان تفضيل بريطانيا لفيصل ابن الشريف حسين ليكونَ ملكًا على العراق لعدَّةِ أسباب: منها تهدئة خواطر العرب الذين أُصيبوا بخيبةِ أملٍ بعد عزم دول الحُلَفاء بفرضِ سياسة الانتداب على البلاد العربية التي كانت تحت حُكمِ الدولة العثمانية، ووعد بلفور الذي يهدِّدُ مستقبل فلسطين، وكذلك اطمئنان الإنجليز من شِدَّةِ ولاء الشريف حسين وأبنائه للإنجليز واستعدادهم لتنفيذ سياساتها في المنطقة بكلِّ إخلاص. لذلك دعت الحكومةُ البريطانية فيصلًا لزيارة لندن، وقابل الملك جورج الخامس الذي عَرَض عليه مُلكَ العراق، لكن فيصل أبدى اعتراضًا، وهو أن أخاه عبد الله رشَّحه الشاميون لمُلك العراق، فقام لورنس بالتفاوض مع عبد الله على أن يكون هو ملكًا على شرق الأردن، ويترك مُلْك العراق لأخيه فيصل، فوافق، ثم قام برسي كوكس ممثِّل الحكومة البريطانية في العراق بتشكيل حكومةٍ وطنية، فكُوِّنت بمساعدة عبد الرحمن الكيلاني، وكُوِّن مجلس شورى، ثم قَبْلَ تنصيبِ الملك فيصل على العراق ساومه ونستون تشرشل على أن يكونَ بينهما معاهدة -يعني بين العراق وإنجلترا- تقوم مقامَ الانتداب وتؤدِّي غرضَه، يعني: في تحقيق مصالح إنجلترا في العراق، ثم ليبدوَ الأمر ليس مفروضًا على العراق؛ لأن المرشَّحين لمنصب الملك على العراق كُثُر، ومع أنه اقترح غير النظام المَلَكي، لكنَّ إنجلترا رأت أنَّ النظام الملكي حاليًّا أنسب لوضع العراق، ثم أخذت بإشاعةِ الخبر والدعاية لفيصل في العراق، ثم صرحت الحكومةُ البريطانية بموافقتها على ترشيحه، وبعد أن انتهت التمهيداتُ سافر فيصل إلى العراق على متنِ الباخرة البريطانية نورث بروك في ميناء البصرة في السابع عشر من شوال 1339هـ / 23 حزيران 1921م فاستُقبِلَ استقبالًا حارًّا، ثم سافر إلى بغداد، وكلما مرَّ على قرية عُمِلت له الاحتفالات، ووصل إلى بغداد في 23 شوال 1339هـ / 29 حزيران 1921م وبايعه مجلس الوزراء في الخامس من ذي القعدة من العام نفسه / 5 تموز، وأعدت وزارة الداخلية صورةً لمضبطه يُعلِنُ فيها الأهالي تأييدَهم، وتُوِّجَ مَلِكًا على العراق في يوم 18 ذي الحجة 1339هـ / 23 آب 1921م.

العام الهجري : 1355 الشهر القمري : محرم العام الميلادي : 1936
تفاصيل الحدث:

بعد أن رأى الكثيرُ من السوريين أنَّ الكفاحَ المسلَّحَ لا يتكافأُ مع القوات الفرنسية لجؤوا إلى الكفاح الدبلوماسيِّ، فبدأت تظهَرُ الكتلة الوطنية والجمعية التأسيسية التي دعت لوضع دستورٍ للبلاد، وعمَلِ انتخابات نيابية حُرَّة، وإلغاءِ الأحكام العرفية، ثم حصلت تطوراتٌ في إصدار دساتير عديدة، أحدها لدولة سوريا، وآخر لدولة العلويين في اللاذقية، وثالث للدروز، ثمَّ حُلَّت الحكومة المؤقتة، وعملت انتخابات جديدة، وحصل محمد علي العابد على رئاسة الجمهورية، ولكِنْ في أواخر سنة 1935م قام إضرابٌ عام في دمشق استمر خمسين يومًا، وحصلت اضطراباتٌ، واستقالت أكثَرُ من وزارة، وبسبب ذلك تم الاتفاقُ على معاهدة تضع حدًّا للانتداب، فشُكِّلَ وَفدٌ سوريٌّ مكَلَّفٌ بالتفاوضِ مع الحكومة الفرنسية برئاسة هاشم الأتاسي، وعضوية كلٍّ من فارس الخوري، جميل مردم، سعد الله الجابري: ممثِّلين عن الكتلة الوطنية، ومصطفى الشهابي، إدمون حمصي: ممثلين عن الحكومة، ونعيم أنطاكي سكرتيرًا، والقائم مقام أحمد اللحام أحد ضباط الجيش العربي سابقًا خبيرًا ومستشارًا عسكريًّا، التقى الوفدُ بسياسي وزارة خارجية فرنسا، وكانت العقبةُ الأساسية الأولى التي اختلف عليها الطرفان هي قضية توحيد الأراضي؛ فقد أصرَّ الجانِبُ السوري المفاوِضُ على وَحدة الأراضي السورية بالشَّكلِ الذي كانت عليه في عهد العثمانيين، وتوصَّل الطرفان المتفاوضان إلى حَلٍّ وَسطٍ يقضي بقيام دولتين مستقلَّتين في المنطقة سورية ولبنان، وأن يبقى لبنانُ ضِمنَ حدوده الراهنة، مقابِلَ موافقة الوفد الفرنسي على إعادة توحيد إقليمي جبل الدروز وجبل العلويين مع سورية، وأمَّا بالنسبة لسنجق الإسكندرونة فقد أقرَّت فرنسا بتبعيته لسورية، ولكنْ بشرط أن يكون له وضعٌ خاصٌّ يُتَّفَق عليه فيما بعد. وكانت العقبةُ الثانية أمام نجاح المفاوضات هي المتعلقة بالقوات السورية الخاصة بعد توقيع المعاهدة، وأصرَّ الوفدُ السوري على استعادة القوات فورًا؛ نظرًا لأنَّ نفقاتِها كانت من الموازنة السورية طيلةَ السنوات العشر الأخيرة، أمَّا الجانب الفرنسي فكان يرغَبُ بإبقائها تحت قيادة ضباط فرنسيين خلالَ فترة معينة يمكِنُ بعدها تسليمُها إلى الحكومة السورية بعد توقيع اتفاق عسكري معها، فتَمَّ الاتفاق على أنه يجوز للحكومة الفرنسية أن تحتَفِظَ ولمدة خمس سنوات ببعض القوات خارج المدن وبمطارين، وبقوات محدودةٍ ضِمنَ محافظتي جبل الدروز ومنطقة العلويين، على أن تعترف المعاهدةُ باستقلال سوريا. لكِنَّ المعاهدة لم يُنفَّذ منها شيء؛ لأنها لم تُعرَض على البرلمان الفرنسي، واقترح إضافة ملاحق جديدة على المعاهدة، منها إعطاءُ حكم ذاتي للدروز والنصيريين وسكان الجزيرة الفراتية حكمًا ذاتيًّا، وتعدى الاتفاق العسكري الذي يوجِبُ جلاء الجيش الفرنسي عن البلاد بحيث يصبِحُ هذا الوجود دائمًا.

العام الهجري : 648 الشهر القمري : محرم العام الميلادي : 1250
تفاصيل الحدث:

كان لسقوط بيت المقدس في أيدي المسلمين سنة642 هـ (1244م) صدى كبير في أوروبا فأخذت أوروبا تجَهِّزُ لحملة صليبيةٍ جديدةٍ كبيرةٍ هي الحملةُ الصليبية السابعة للاستيلاءِ على مصر, حيثُ إنهم أدركوا بعد هزيمةِ حَملتِهم الصليبية الخامسةِ على مصر، ثم هزيمتهم في معركة الحربيَّة عند غزة، وضياع بيت المقدس منهم، أنَّ مِصرَ هي التي تمثل مركزَ قُوَّة المسلمين وقلعة التصدِّي لطموحاتِهم في الاستيلاءِ على بيتِ المقدسِ والشَّرق, وكان لويس التاسع ملك فرنسا الذي عُرِفَ لاحقًا بالقديس لويس، من أشد المتحمِّسين لقيام تلك الحملة، فراح يروِّجُ لها في أنحاء أوروبا. خرج لويس التاسع قاصدًا الديار المصرية في جموعٍ عظيمة فسار عن بلاده بأموالٍ جزيلة وأُهبة عظيمة، وأرسى بعكَّا وانبثَّ أصحابُه في جميع بلاد الساحل. فلمَّا استراحوا جاؤوه حاشدينَ حافلين وساروا في البحرِ إلى دمياط ومَلَكوها بغيرِ تَعَب ولا قتالٍ؛ لأنَّ أهلَها لَمَّا بلَغَهم ما الفرنجُ عليه من القوة والكثرة والعُدَّة الكاملة هالهم أمرُهم فرحلوا عنها مخفِّين. فوصل إليها الفرنجُ ولَقُوها خالية عن المقاتلين مليئةً بالأرزاق والسِّلاح، فدخلوها وغَنِموا ما فيها من الأموال. وكان الملكُ الصالح أيوب بن الملك الكامل صاحبُ مصر يومئذ بالشَّامِ يحاصر مدينة حمص. فلمَّا سَمِعَ بمقدم الفرنج رحل عن حمصَ وسار مسرعًا إلى الديار المصرية ومرض في الطريقِ وعند وصوله إلى المنصورة وافاه مقدَّمو دمياط الذين أخلوها منهزمين، فلما قيل له ما صنعوا لأنَّهم فرُّوا عنها من غير أن يباشروا حربًا وقتالًا، عظم ذلك عليه فأمر بصَلبِهم وكانوا أربعة وخمسين أميرًا فصُلِبوا كما هم بثيابِهم ومناطِقِهم وخفافِهم. ثم مات من الغدِ في الخامس عشر من شعبان. وتولَّى تدبير المملكة الأمير عزُّ الدين المعروف بالتركمانيِّ، وهو أكبر المماليك الترك. وكان مرجعه في جميع ذلك ممَّا يعتمده من الأمور إلى حظيَّة الملك الصالح أيوب المسمَّاة شجرة الدرِ،ّ وكانت تركية داهيةَ الدَّهرِ لا نظير لها في النساءِ حُسنًا، وفي الرجال حزمًا. فاتفقا على تمليك الملك المعظم توران شاه بن الملك الصالح. وكان يومئذٍ بحِصن كيفا من ديارِ بكر, فسار إلى الدِّيار المصريَّة وبايعوه وحَلَفوا له وسَلَّموا إليه مُلكَ أبيه. وفي مطلع سنة 648 سيَّرَ لويس التاسع ألفي فارس نحو المنصورة ليجسَّ بهم ما عليه المصريون من القوَّة. فلَقِيَهم طرفٌ مِن عسكر المسلمينَ فاقتتلوا قتالًا ضعيفًا فانهزم المسلمون بين أيديهم فدخل الفرنجُ المنصورةَ ولم ينالوا منها نيلًا طائلًا؛ لأنهم حَصلوا في مضايق أزقَّتِها وكان العامَّةُ يقاتلونهم بالحِجارة والآجُرِّ والتراب وخيولهم الضَّخمة لم تتمكَّن من الجولان بين الدُّروبِ، وكان القائد لعسكر المسلمين فخر الدين عثمان المعروف بابن شيخ الشيوخ أحد الأمراء المصريين شيخًا كبيرًا، أحاط به الفرنجُ وهو في الحمام يصبغُ لحيَتَه فقتلوه هناك. وعادوا إلى لويس التاسع وأعلموه بما تمَّ لهم مع ذلك العسكر وبالمدينة. فزاد طمعه وطمَعُ من معه من البطارقة ظانِّينَ أنه إذا كان الالتقاء خارج الجدران بالصحراء لم يكن للمسلمين عليهم مقدرة. فعبَّى جيوشه وسار بهم طالبًا احتلال أرض مصر. فصبر المصريون إلى أن عبر الفرنج الخليجَ مِن النيل المسمى أشموم طناح وهو بين البرَّين: برِّ دمياط وبرِّ المنصورة. في ليلة الأربعاء الثالث من محرم رحل الفرنج بأسرِهم من منزلتهم وانحدرت مراكِبُهم في البحر قبالةَ المسلمين، فركب المسلمونَ أقفيَتَهم، بعد أن عَدَّوا برَّهم واتبعوهم، فطلع صباحُ نهار يوم الأربعاء وقد أحاط بهم المسلمون، وبَلَوا فيهم سيوفَهم، واستولوا عليهم قتلًا وأسرًا، وكان معظمُ الحرب في فارسكور، فبلغت عدة القتلى عشرةَ آلاف في قَولِ المقِلِّ، وثلاثين ألفًا في قولِ المكثر، وأُسِرَ من خيَّالة الفرنج ورجالتهم المقاتلة، وصناعهم وسُوقتِهم، ما يناهِزُ مائة ألف إنسان، وغَنِمَ المسلمون من الخيل والبغال والأموال ما لا يحصى كثرةً، واستُشهِدَ من المسلمين نحو مائة رجل، وأبلت الطائفةُ البحرية لاسيما بيبرس البندقداري في هذه النوبة بلاءً حسنًا، وبان لهم أثرٌ جميل، والتجأ الملك الفرنسيُّ وعِدَّة من أكابر قومه إلى تل المنية، وطلبوا الأمانَ فأمَّنهم الطواشي جمال الدين محسن الصالحي، ونزَلوا على أمانه، وأُخِذوا إلى المنصورة، فقُيِّد الملك الفرنسي بقيدٍ مِن حديدٍ واعتُقِلَ في دار القاضي فخر الدين إبراهيم بن لقمان كاتبِ الإنشاء، التي كان ينزل بها من المنصورةِ ووكَلَ بحفظه الطواشي صبيح المعظمي، واعتُقِلَ معه أخوه، وأجرى عليه راتبًا في كل يوم، وتقَدَّم أمر الملك المعظم توران شاه لسيف الدين يوسف بن الطودي أحد من وصل معه من بلاد الشرق بقَتلِ الأسرى من الفرنج، وكان سيفُ الدين يُخرِجُ كُلَّ ليلة منهم ما بين الثلاثمائة والأربعمائة ويَضرِبُ أعناقَهم ويرميهم في البحر، حتى فَنُوا بأجمعهم، ورحل السلطانُ من المنصورة، ونزل بفارسكور وضرب بها الدهليزَ السلطاني، وعَمِلَ فيه برجًا من خَشَبٍ.

العام الهجري : 204 الشهر القمري : رجب العام الميلادي : 820
تفاصيل الحدث:

هو أبو عبدالله محمَّد بن إدريس بن العبَّاس بن عثمان بن شافع بن السائب بن عبيد بن عبد يزيد بن هشام بن المطلب بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب، الإمامُ عالِمُ العَصرِ ناصِرُ الحديثِ، فقيه المِلَّة، ثم المطَّلبيُّ الشافعيُّ، المكِّي، الغزي القرَشِيُّ، أحَدُ الأئمَّة الأربعة المشهورينَ في الفقه، ولِدَ في غزَّة عام 150هـ فعادت به أمُّه إلى مكة، وهو ابن سنتين، فنشأ بها، وأقبل على الأدبِ والعربيَّة والشعر، فبرع في ذلك. وحُبِّبَ إليه الرميُ حتى فاق الأقرانَ، وصار يصيبُ من العِشرةِ تِسعةً. ثم كتَبَ العِلمَ. قال الشافعي: "أقمتُ في بطونِ العَرَب عشرينَ سنةً آخُذُ أشعارَها ولغاتِها، وحَفِظتُ القرآنَ، فما علِمتُ أنَّه مَرَّ بي حرفٌ إلَّا وقد عَلِمتُ المعنى فيه، ما خلا حرفينِ، إحداهما: دسَّاها" وكان من أفصَحِ النَّاسِ وأحفَظِهم، رحل إلى المدينةِ وسَمِعَ من الإمام مالك, قال الشافعي: "أتيتُ مالِكًا وأنا ابنُ ثلاث عشرة سنة، وكان ابنُ عمٍّ لي واليَ المدينة، فكلَّمَ لي مالكًا فأتيته. فقال: اطلُبْ من يقرأُ لك، فقلت: أنا أقرأُ، فقرأت عليه. فكان ربَّما قال لي لشيء: أعِدْه, فأُعيدُه حِفظًا, وكأنَّه أعجَبَه". ثم رحل لليمَنِ، ثمَّ سُيِّرَ إلى العراق إلى الرشيدِ وبَقِيَ فيها وتفَقَّه، وتكررت رحلتُه إلى العراق أكثَرَ مِن مرَّة، ثم إلى مصرَ، وله مِن المؤلَّفات: الرِّسالة، والأم، واختلاف الحديث، وله ديوان شعر، انتشر مذهبُه بسبب كثرة ترحُّلِه وجَمْعِه بين طريقةِ المحَدِّثين وطريقة الفقهاء، وكان أحمدُ بن حنبل يدعو له في صلاتِه نحوًا من أربعينَ سنةً، قال يونس الصدفي: "ما رأيتُ أعقَلَ من الشافعيِّ؛ ناظرتُه يومًا في مسألةٍ ثمَّ افتَرَقنا ولَقِيَني، فأخذ بيدي ثم قال: يا أبا موسى ألا يستقيمُ أن نكونَ إخوانًا وإن لم نتَّفِقْ في مسألةٍ؟ قلت: هذا يدُلُّ على كمالِ عَقلِ هذا الإمامِ وفِقهِ نفسِه، فما زال النُّظَراءُ يَختَلِفونَ". توفِّيَ في مصر ودُفِنَ بالقرافة الصغرى، وله أربعٌ وخمسون سَنةً.

العام الهجري : 555 الشهر القمري : صفر العام الميلادي : 1160
تفاصيل الحدث:

هو حاكِمُ مصر الفائزُ بنَصرِ الله أبو القاسمِ عيسى بن الظَّافِرِ إسماعيلَ بن الحافِظِ عبدِ المَجيدِ بن محمدِ بن المُستَنصِر بالله العُبيديُّ، المصريُّ الفاطِميُّ. كانت مُدَّةُ حُكمِه سِتَّ سِنين ونحوَ شَهرينِ؛ وكان عُمرُه لمَّا وَلِيَ خمسَ سِنين، قال الذَّهبيُّ: "لمَّا اغتَالَ عبَّاسٌ الوَزيرُ الظَّافِرَ، أَظَهَرَ القَلقَ، ولم يكُن عَلِمَ أَهلُ القَصرِ بمَقتَلِه, فطَلَبوه في دُورِ الحَرَمِ فما وَجَدوهُ، وفَتَّشُوا عليه وأَيِسُوا منه، وقال عبَّاسٌ لأَخوَيهِ: أَنتُما الذين قَتَلتُما مولانا، فأَصَرَّا على الإنكارِ، فقَتَلَهُما نَفْيًا للتُّهمَةِ عنه, واستَدعَى في الحالِ عيسى هذا، وهو طِفلٌ له خَمسُ سِنين, وقِيلَ: بل سَنَتانِ. فحَمَلهُ على كَتِفِه، ووَقَفَ باكِيًا كَئيبًا، وأَمَرَ بأن تَدخُل الأُمراءُ، فدَخَلوا, فقال: هذا وَلَدُ مَولاكُم، وقد قَتَلَ عَمَّاهُ مَولاكُم، فقَتَلتُهُما به كما تَرَونَ، والواجِبُ إِخلاصُ النِّيَّةِ والطَّاعةُ لهذا الوَلَدِ، فقالوا كلُّهم: سَمْعًا وطاعَةً، وضَجُّوا ضَجَّةً قَوِيَّةً بذلك، ففَزِعَ الطِّفلُ، ولَقَّبوهُ الفائِزَ، وبَعَثوهُ إلى أُمِّهِ، واختَلَّ عَقلُه من حينئذٍ، وصار يَتَحرَّك ويُصرَع، ودانَت الممالِكُ لعبَّاسٍ. وأمَّا أَهلُ القَصرِ، فاطَّلَعوا على باطِنِ القَضِيَّةِ، فكاتَبُوا طَلائِعَ بنَ رزيك الأرمنيَّ الرَّافِضيَّ، والِيَ المنية" كان ابنُ رزيك ذا شَهامَةٍ وإِقدامٍ, فسَألوهُ الغَوْثَ، والأَخذَ بالثَّأْرِ من عبَّاسٍ الوَزيرِ لقَتْلِه الظَّافِرَ وأَخَوَيْهِ, فلَبِسَ الحِدادَ، وكاتَبَ أُمراءَ القاهرةِ، وهَيَّجَهُم على طَلَبِ الثَّأْرِ، فأَجابوهُ, فسار إلى القاهرةِ، وكان عبَّاسٌ في عَسكرٍ قَليلٍ. فخارَت قُواهُ وهَرَبَ هو وابنُه نَصرٌ ومَماليكُه والأَميرُ ابنُ مُنقِذٍ, واستَولَى الصَّالِحُ طَلائعُ بن رزيك على دِيارِ مصر بلا ضَربَةٍ ولا طَعنَةٍ، فنَزلَ إلى دارِ عبَّاسٍ، ثم استَدعَى خادِمًا كَبيرًا، وقال له: مَن هاهنا يَصلُح للحُكمِ؟ فقال: هاهنا جَماعةٌ؛ وذَكَرَ أَسماءَهُم، وذَكَرَ له منهم إِنسانٌ كَبيرُ السِّنِّ، فأَمَرَ بإحضارِهِ، فقال له بَعضُ أَصحابِه سِرًّا: لا يكون عبَّاسٌ أَحزَمَ منك حيث اختارَ الصَّغيرَ وتَرَكَ الكِبارَ واستَبَدَّ بالأَمرِ؛ فأَعادَ الصالحُ الرَّجُلَ إلى مَوضِعِه، وأَمَرَ حينئذٍ بإحضارِ العاضِدِ لدِينِ الله أبي محمدٍ عبدِ الله بن يوسفَ بن الحافظِ، ولم يكُن أَبوهُ حاكِمًا، وكان العاضِدُ في ذلك الوَقتِ مُراهقًا قارَبَ البُلوغَ، فبايَعَ له بالحُكمِ.

العام الهجري : 594 العام الميلادي : 1197
تفاصيل الحدث:

عبَرَ كُفَّارُ الخطا الترك نهرَ جيحون إلى ناحية خراسان، فعاثُوا في البلاد وأفسَدوا، فلَقِيَهم عسكر غياث الدين الغوري وقاتلَهم فانهزم الخطا، وكان سَبَبُ ذلك أنَّ خوارزم شاه تكش كان قد سار إلى بلد الري، وهمذان وأصفهان وما بينهما من البلادِ، ومَلَكَها وتعرض إلى عساكر الخليفة، وأظهر طَلَبَ السلطنة والخطبة ببغداد، فأرسل الخليفةُ إلى غياث الدين ملك الغور وغُزنة يأمُرُه بقَصدِ بلاد خوارزم شاه ليعودَ عن قَصدِ العراق، وكان خوارزم شاه قد عاد إلى خوارزم، فراسَلَه غياث الدين يُقَبِّحُ له فِعْلَه، ويتهَدَّدُه بقَصدِ بلاده وأخْذِها، فأرسل خوارزم شاه إلى الخطا الكُفَّار يشكو إليهم من غياثِ الدين، فساروا وعبروا جيحون في جمادى الآخرة، وكان الزمان شتاءً، وكان شهاب الدين الغوري أخو غياث الدين ببلاد الهند، والعساكِرُ معه، وغياث الدين به من النقرسِ ما يمنَعُه من الحركة، إنما يُحمَلُ في محفَّة، والذي يقود الجيشَ ويباشِرُ الحروب أخوه شهاب الدين، فلما وصل الخطا الترك إلى جيحون سار خوارزم شاه إلى طوس، عازمًا على قَصدِ هراة ومحاصَرتِها، وعبَرَ الخطا النهر، ووصلوا إلى بلاد الغور وقَتَلوا وأسروا ونهبوا وسَبَوا كثيرًا لا يحصى، فاستغاث النَّاسُ بغياث الدين، فلم يكُنْ عنده من العساكر ما يلقاهم بها، فراسل الخطا بهاء الدين سام ملك باميان يأمرونَه بالإفراج عن بلخ، أو أنَّه يَحمِلُ ما كان مِن قبَلِه يحمِلُه من المالِ، فلم يجِبْهم إلى ذلك، وعظُمَت المصيبة على المسلمين بما فعله الخطا، فانتدبَ الأمير محمد بن جربك الغوري، وهو مقطع الطالقان من قِبَل غياث الدين، وكان شجاعًا، وكاتب الحُسَين بن خرميل، وكان بقلعة كرزبان، واجتمع معهما الأميرُ حروش الغوري، وساروا بعساكِرِهم إلى الخطا، فبَيَّتوهم، وكبسوهم ليلًا، فأتاهم هؤلاء الغوريَّة وقاتلوهم، وأكثروا القتلَ في الخطا، وانهزم مَن سَلِمَ منهم من القتل، ثم قَوِيَت قلوبهم، وثَبَتوا واقتتلوا عامَّةَ نَهارِهم، فقتل من الفريقين خلقٌ عظيم، ولَحِقَت المتطوعة بالغوريِّينَ، وأتاهم مَدَدٌ من غياث الدين وهم في الحرب، فثبت المسلمونَ، وعَظُمَت نكايتُهم في الكفار.

العام الهجري : 602 الشهر القمري : شعبان العام الميلادي : 1206
تفاصيل الحدث:

هو السُّلطانُ شِهابُ الدين أبو المظفَّر محمَّد بن سام الغوري، مَلِكُ غزنة وبعض خراسان. كان ملكًا شجاعًا غازيًا، عادلًا حَسَنَ السيرة، يحكُمُ بما يوجِبُه الشرع، يُنصِفُ الضعيفَ والمظلوم، وكان يَحضُرُ عنده العُلَماءُ. لما مات أخوه السلطان غياث الدين، قَبَضَ شهاب الدين على جماعةٍ مِن خواصِّ أخيه وأتباعه وصادرهم. قُتِلَ شهاب الدين بعد عودته من لهاوور، بمنزلٍ يقال له دميل، وقتَ صلاة العشاء، وكان سبَبُ قتله أن نفرًا من الكُفَّار الكوكرية لَزِموا عسكره عازمينَ على قتله، كما فعَلَ بهم من القَتلِ والأسر والسَّبيِ، فلما كان هذه الليلة تفَرَّق عنه أصحابُه، وكان معه من الأموالِ ما لا يُحصى، فإنَّه كان عازمًا على قصد الخطا والاستكثار مِن العساكِرِ، وتفريق المال فيهم، وكان على نيَّةٍ جيدة من قتال الكُفَّار، وبقي وحده في خركاه، فثار أولئك النفر، فقَتَل أحَدُهم بعضَ الحُرَّاس بباب سرادق شهاب الدين، فلما قَتَلوه صاح، فثار أصحابُه من حول السرادق لينظُروا ما بصاحِبِهم، فأخلَوا مواقِفَهم، وكَثُرَ الزحام، فاغتَنَم الكوكرية غفلَتَهم عن الحفظ، فدخلوا على شهابِ الدين وهو في الخركاه، فضَرَبوه بالسكاكين اثنتين وعشرين ضربةً فقتلوه، فدخل عليه أصحابُه، فوجدوه على مصلَّاه قتيلًا وهو ساجِدٌ، فأخذوا أولئك الكُفَّار فقتلوهم، وقيل: إنما قتَلَه الإسماعيليَّةُ؛ لأنهم خافوا خروجه إلى خراسان، فلمَّا قُتِلَ اجتمع الأمراء عند وزيره مؤيد الملك بن خوجا سجستان، فتحالَفوا على حِفظِ الخزانة والملك، ولزوم السَّكينة إلى أن يظهَرَ من يتولاه، وتقَدَّمَ الوزير إلى أمير داذ العسكر بإقامةِ السياسة، وضَبط العسكر.  وصيَّروا السلطان في محفَّة، وحَفُّوها بالجسم والصناجق يوهمون أنه حيٌّ, وكانت الخزانةُ على ألفين ومائتي جَمَل، وساروا إلى أن وصلوا إلى كرمان، وكاد يتخَطَّفُهم أهلُ تلك النواحي، فخرج إليهم الأميرُ تاج الدين ألدز، فجاء ونزل وقَبَّل الأرض، وكَشَف المحَّفة، فلما رأى السلطان ميتًا، شَقَّ ثيابه وبكى، وبكى الأمراءُ وكان يومًا مشهودًا. وكان ألدز من أكبَرِ مماليكه وأجَلِّهم، فلمَّا قُتِلَ شهاب الدين طَمِعَ أن يَملِكَ غزنة، وحُمِل السلطان إلى غزنة، فدُفِن في التربة التي أنشأها.

العام الهجري : 707 الشهر القمري : شوال العام الميلادي : 1308
تفاصيل الحدث:

وفي شوال مِن هذه السنة شكا الصوفيَّةُ بالقاهرة على الشيخِ تقيِّ الدين ابن تيميَّةَ, وكلامه في ابنِ عربي وغيرِه إلى الدولة، فردُّوا الأمرَ في ذلك إلى القاضي الشافعيِّ ابن صصرى، فعُقِد له مجلسٌ وادعى عليه ابنُ عطاء بأشياءَ فلم يثبُتْ عليه منها شيءٌ، لكنَّه قال: لا يُستغاثُ إلَّا بالله، لا يُستغاثُ بالنبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم؛ فالاستغاثةُ بمعنى العبادة، فبعضُ الحاضرين قال: ليس عليه في هذا شَيءٌ, ورأى القاضي بدر الدين بن جماعة أنَّ هذا فيه قِلَّةُ أدَبٍ!! فحضرت رسالةٌ إلى القاضي أن يعملَ معه ما تقتضيه الشريعةُ، فقال القاضي: قد قلتُ له ما يقالُ لِمِثله، ثمَّ إنَّ الدولة خيَّروه بين أشياء إمَّا أن يسيرَ إلى دمشقَ أو الإسكندريةِ بشُروطٍ أو الحبسِ، فاختار الحبسَ فدخل عليه جماعةٌ في السَّفَرِ إلى دمشق ملتَزِمًا ما شُرِط، فأجاب أصحابَه إلى ما اختاروا جبرًا لخواطِرِهم، فركب خَيلَ البريد ليلة الثامِنَ عشر من شوال ثم أرسلوا خلفَه من الغَدِ بريدًا آخرَ، فردوه وحضر عند قاضي القضاة ابنِ جماعة وعنده جماعةٌ مِن الفقهاء، فقال له بعضُهم: إن الدولةَ ما ترضى إلا بالحبسِ، فقال القاضي: وفيه مَصلحةٌ له، واستناب شمسُ الدين التونسي المالكي وأذِنَ له أن يحكُمَ عليه بالحبسِ فامتنع، وقال: ما ثبت عليه شيءٌ، فأذن لنور الدين الزواوي المالكي فتحَيَّرَ، فلما رأى الشيخُ توقُّفَهم في حبسه قال: أنا أمضي إلى الحبسِ وأتَّبِعُ ما تقتضيه المصلحةُ، فقال نور الدين الزواوي: يكون في موضعٍ يصلُحُ لمِثلِه، فقيل له: الدولة ما ترضى إلا بمسمَّى الحبس، فأُرسِلَ إلى حبس القضاةِ في المكان الذي كان فيه تقي الدين ابن بنت الأعزِّ حين سُجن، وأُذِنَ له أن يكون عنده من يخدُمُه، وكان ذلك كلُّه بإشارة نصر المنبجي لوجاهته في الدولةِ، فإنَّه كان قد استحوذ على عَقلِ بيبرس الجاشنكير الذي تسلطن فيما بعدُ، وغيرِه من الدولة، والسلطانُ مقهورٌ معه، واستمر الشيخُ في الحبس يُستفتى ويقصِدُه الناسُ ويزورونه، وتأتيه الفتاوى المُشكِلة التي لا يستطيعُها الفُقَهاءُ من الأمراءِ وأعيانِ النَّاسِ، فيكتُب عليها بما يحيرُ العُقولَ من الكتاب والسنَّة، ثم عُقِدَ للشيخ مجلسٌ بالصالحية بعد ذلك كُلِّه، ونزل الشيخُ بالقاهرة بدار ابن شقير، وأكَبَّ الناس على الاجتماعِ به ليلًا ونهارًا.

العام الهجري : 1214 العام الميلادي : 1799
تفاصيل الحدث:

بعد رحيلِ نابليون بونابرت إلى فرنسا أقبلَ كليبر على تصريفِ الأمورِ بكُلِّ همَّةٍ، فأعَدَّ تنظيمَ الحكومةِ وقَسَّم القُطرَ المصريَّ إلى ثمانية أقاليم إدارية، وبادر بالكتابةِ إلى الصدر الأعظم ينفي رغبةَ فرنسا في انتزاعِ مِصرَ مِن تركيا، ويذكُرُ الأسبابَ التي جعلت فرنسا تُرسِلُ حَملتَها إلى مصرَ، وهي محاولةُ إلقاء الرُّعبِ في قلوبِ الإنجليز، وتهديدُ ممتلكاتهم في الهندِ، وإرغامُهم على قَبولِ الصلح مع فرنسا، بالإضافةِ إلى الانتقامِ ممَّا لحِقَ بالفرنسيين من أذًى على أيدي المماليك، وتخليصِ مِصرَ مِن سيطرة البكوات وإرجاعِها إلى تركيا، ثمَّ طلبَ كليبر من الصدر الأعظم فتحَ باب المفاوضات من أجلِ جلاء الفرنسيين عن مصر، وقد جرت هذه المفاوضاتُ بالفعل في مدينة العريش، وأسفَرَت عمَّا يسمَّى باتفاقية العريش (24 يناير 1800م) التي نصَّت على: جلاء الفرنسيين عن مصر بكامِلِ أسلحتِهم وعَتادِهم، وعودتهم إلى فرنسا. هدنةٌ ثلاثةَ شهور قد تطولُ مدتها إذا لزم الأمر، ويتم خلالَها نقلُ الحملة. الحصولُ من الباب العالي أو حلفائه- أي الإنجليز وروسيا- على بلادِه على أن تتعهَّدَ تركيا وحلفاؤُها بعدم التعرُّضِ لهذا الجيش بأيِّ أذًى. غيرَ أن الحكومة البريطانية عندما بلغَتْها أنباءُ مفاوضات العريش كانت قد اتخَذَت موقفًا من شأنِه تعطيلُ اتفاقية العريش عن إبرامِها؛ إذ كانت تخشى من أن يعودَ جيشُ فرنسا المحاصَر في مصر إلى ميادين القتالِ في أوروبا، فترجَحَ كِفَّةُ الجيوش الفرنسية ويختَلَّ ميزان الموقِفِ العسكري في القارة. ولَمَّا كان من المعتقد في ضوء رسائِلِ الضباط والجنود الفرنسيين إلى ذويهم في فرنسا- والتي وقعت في أيدي رجالِ البحرية البريطانية- أنَّ الحملةَ الفرنسيَّةَ تمضي ببطء داخِلَ الأراضي المصرية؛ فقد فضَّلت حكومة لندن أن يبقى الفرنسيون في مصرَ أو يُسَلِّموا أنفُسَهم كأسرى حرب؛ ولذلك أصدرت في 15 ديسمبر 1799م أوامِرَ صريحة إلى اللورد سدني سميث القائِدِ العام للأسطول البريطاني في البحر المتوسط برَفضِ أي اتفاق أو معاهدة بشأن الجلاءِ عن مصر، طالما كان هذا الاتفاقُ لا ينصُّ على ضرورة أن يسلِّمَ الفرنسيون أنفسهم كأسرى حرب تسليمًا مُطلقًا دون قيدٍ أو شرط، فأعَدَّ سدني سميث رسالةً بهذا المعنى إلى كليبر وصَلَتْه في أوائل مارس 1800م.

العام الهجري : 1330 العام الميلادي : 1911
تفاصيل الحدث:

كانت حملات التنصير قد وصلت إلى البحرين عام 1893م وتأسَّست أولُ مدرسة للتعليم بالأسلوب الغربي الحديث في البحرين على يدِ البعثة، وفي عام 1894 افتتحت الإرساليةُ الأمريكية مكتبةً عامةً لها بالمنامة وبدأت عمَلَها في تقديم بعضِ الصُّحُفِ والكتُبِ لروَّادِها، ثم أنشأت الإرساليةُ الأمريكيةُ مستشفى ماسون التذكارية، ودكانًا لبيع الإنجيل، وحينها كان مجلِسُ الشيخ إبراهيم بن محمد آل خليفة ابن حاكم البحرين يُعَدُّ من أهم المنتديات الثقافية في البحرين آنذاك، كما كان مُقبِل بن عبد الرحمن الذكير واحدًا من أهمِّ مُثقَّفي البحرين المشاركين والفعَّالين في المجلس، وحينها رأى كلٌّ مِن مقبل الذكير، ويوسف كانو ضرورةَ تأسيس نادي أدبي إسلامي، واستضافة أحد العلماء الكبار؛ لمقاومة هذه الحَمَلات التخريبية في البلادِ، من خلال أنشطة هذا النادي، فتوصَّلا بعد تحرٍّ إلى أن أفضَلَ من يمكنه تسلم إدارة النادي هو الشيخ العلامة محمد بن عبد العزيز المانع الوهيبي التميمي، وأنه لا بدَّ من العمل على إحضاره من مقر إقامته بالبصرة، وبعد أسابيع من المراسلات حضر الشيخ المانع من البصرة حاملًا معه خبرةَ أساتذته في مقاومة التبشير، الذين تتلمذ على أيديهم في مِصرَ والعراق، أمثال الشيخ محمد رشيد رضا. تسلم الشيخ المانع منصِبَه كمدير للنادي الأدبي الإسلامي بمجرد وصوله، وقد عَرَض عليه مقبل الذكير أن يجعَلَ له مدرسة للتعليم الإسلامي تكون مُلَحقةً بالنادي الإسلامي، فكان النادي في بداية تأسيسه عبارةً عن صفين دراسيين لتدريس العلوم الشرعية وبعض العلوم الحديثة، كما توفر في النادي غرفةُ مطالعة ومكتبة، فكان للشيخ المانع دورٌ فاعل في نشر العلوم الإسلامية في المنامة، وظلَّ الشيخ هناك أربع سنوات يدرِّس شباب "النادي الإسلامي" جُلَّ العلوم الإسلامية؛ مِن قرآنٍ، وفقه، ولغة، ورياضية كالعلوم الفلكية والفرائض، وأصبح النادي ملتقًى لرواد العلم والمثقفين في المنامة والبلدان المجاورة لها، كما أصبح مكانًا يتدارس فيه الأهالي أساليبَ التبشير وسُبُلَ مقاومته، ولم يكن النادي الإسلامي مجردَ مكان للثقافة والنقاشات الأدبية فحسب، بل كان مقرًّا للتواصل الفكري والعلمي مع الشعوب الإسلامية، والمراسَلات بين المفكِّرين والمثقَّفين والعلماء في البحرين والشارقة والقاهرة.

العام الهجري : 1 الشهر القمري : رمضان العام الميلادي : 623
تفاصيل الحدث:

أرسل النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم سَريَّةً إلى سِيفِ -ساحِلِ- البحرِ، أمَّر عليها حمزةَ بنَ عبد المطلب، وبعثه في ثلاثين راكبًا مِن المُهاجِرين، وكان لِواءُ حَمزةَ أولَ لواءٍ عَقَده رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وكان أبيضَ، وكان حامِلُه أبا مِرثَدٍ كَنَّازَ بنَ حُصينٍ الغَنويَّ رَضي اللهُ عنه، وكان هدفُ هذه السَّريَّةِ اعتِراضَ عِيرٍ لقُريشٍ جاءتْ من الشامِ، وفيها أبو جهلِ بنُ هشامٍ في ثلاثِ مئةِ رجلٍ، فبَلَغوا سِيفَ البحرِ من ناحيةِ العيصِ -اسمُ موضِعٍ قُربَ المدينةِ على ساحِلِ البحرِ- فالْتَقَوا واصطَفُّوا للقتالِ، فمَشَى مَجْديُّ بن عَمرٍو الجُهنيُّ -وكان حليفًا للفَريقَينِ جميعًا- بين هؤلاءِ وهؤلاءِ، حتى حَجَز بينهم، فلم يَقتَتِلوا. وقد كانتْ سريَّةُ حمزةَ رَضي اللهُ عنه في وَقتٍ واحدٍ مع سريَّةِ عُبيدةَ بنِ الحارِثِ رَضي اللهُ عنه إلى رابِغٍ.

العام الهجري : 3 الشهر القمري : جمادى الأولى العام الميلادي : 624
تفاصيل الحدث:

أَصبحَ مُشرِكو مكَّةَ بعدَ هَزيمَتِهم في غَزوةِ بدرٍ، يَبحَثون عن طريقٍ أُخرى لِتِجارتِهم للشَّامِ، فأشارَ بعضُهم إلى طريقِ نَجْدِ العِراقِ، وقد سَلكوها بالفعلِ، وخرج منهم تُجَّارٌ، فيهم أبو سُفيانَ بنُ حَربٍ، وصَفوانُ بنُ أُميَّةَ، وحُوَيْطِبُ بنُ عبدِ العُزَّى، ومعهم فِضَّةٌ وبضائعُ كثيرةٌ، بما قيمتُه مائةُ ألفِ دِرهمٍ؛ فبلغ ذلك رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بواسطةِ سَليطِ بنِ النُّعمانِ رضي الله عنه، فبعَث زيدَ بنَ حارِثةَ في مائةِ راكبٍ لِاعتِراضِ القافلةِ، فلَقِيَها زيدٌ عند ماءٍ يُقالُ له: القَرَدَةُ، وهو ماءٌ مِن مِياهِ نَجْدٍ، فَفَرَّ رجالُها مَذعورين، وأصاب المسلمون العِيرَ وما عليها، وأَسَروا دَليلَها فُراتَ بنَ حيَّانَ الذي أَسلمَ بين يَدي النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، وعادوا إلى المدينةِ، فخَمَّسَها رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ووَزَّعَ الباقيَ بين أَفرادِ السَّرِيَّةِ.