بعد وفاةِ الملك الصالحِ نجمِ الدين أيوب قَدِمَ ابنُه المعظَّم توران شاه, وكان في حصنِ كيفا، فسار من حصنِ كيفا إلى دمشق، لإحدى عشرةَ ليلةً مضت من شهر رمضان، فنزل عانةً في خمسين فارسًا من أصحابه، يوم الخميس النِّصفَ من شهر رمضان وخرج منها يوم الأحدِ يريد دمشق على طريقِ السماوة في البرية فنَزَل القصيرَ في دهليز ضربه له الأميرُ جمال الدين موسى بن يغمور نائب دمشق يوم الجمعة لليلتين بَقِيَتا من شهر رمضان، ودخل المعظَّم توران شاه من الغد - وهو يوم السبتِ آخره - إلى دمشقَ، ونزل بقلعتِها، فكان يومًا مشهودًا وأفرَجَ عَمَّن كان بدمشق في حَبسِ أبيه، وأتته الرسلُ مِن حَماة وحَلَب تهنئه بالقدوم، ولأربع مضينَ من شوال سقطت البطائقُ إلى العسكر والقاهرة، بوصول الملك المعظَّم إلى دمشق وسلطته بها فضُرِبَت البشائر بالمعسكر وبالقاهرة، وسار السلطانُ توران شاه من دمشق يوم الأربعاء السابع عشر يريدُ مِصرَ، وقَدِمَ معه القاضي الأسعد شرف الدين هبة الله بن صاعد الفائزي، وكان مقيمًا بدمشقَ عند الأمير جمال الدين، وقَدِمَ معه أيضًا هبة الله بن أبي الزهر بن حشيش الكاتب النصرانيُّ، وقد وعده السلطان بوزارة مصر، فأسلم وتلقَّب بالقاضي مُعين الدين، وعندما تواترت الأخبارُ في القاهرة بقدوم السلطان، خرج قاضي القضاة بدر الدين السنجاري، فلَقِيَه بغزة وقَدِمَ معه وخرج الأميرُ حسام الدين بن أبي علي نائب السلطان إلى الصالحية، فلقيه بها يوم السبت لأربع عشرة ليلة بَقِيَت من ذي القعدة، ونزل السلطان المعظم توران شاه في قصر أبيه، ومنه يومئذٍ أعلن بموتِ الملك الصالحِ نجم الدين أيوب ولم يكنْ أحدٌ قبل هذا اليوم ينطق بموتِه، بل كانت الأمور على حالها، فتسَلَّم السلطان المعظم مملكةَ مصر، ثم إنه رحل من الصالحية ونزل تلبانة، ثم نزل بعدها منزلة ثالثةً، وسار منها إلى المنصورة، وقد تلقَّاه الأمراء المماليك، فنزل في قصرِ أبيه وجَدِّه يوم الخميس لتسعٍ بَقِينَ من ذي القعدة، فأوَّل ما بدأ أن أخذ مماليكَ الأمير فخر الدين بن شيخ الشيوخ الصغار بدون القيمة، ولم يعطِ ورثته شيئًا، وكان ذلك بنحوِ الخمسة عشر ألف دينار، وأخذ يسُبُّ فخر الدين ويقول: أطلق السكَّر والكتان، وأنفِقِ المال وأطلق المحابيسَ إيش ترك لي.
غَزَا مَسلَمةُ بن عبدِ الملك الرُّومَ فقَتَل منهم عددًا كبيرًا بسوسنة مِن ناحِيَة المَصِّيصة وفَتَح حُصونًا. وقِيلَ: إنَّ الذي غَزَا في هذه السَّنَة هِشامُ بن عبدِ الملك ففَتَح حِصْنَ بولق، وحِصْن الأخرم، وحِصْن بولس وقمقم، وقَتَل مِن المُتَعَرِّبَة نحوًا مِن ألفِ مُقاتِل وسَبَى ذُرِّيَّتَهم ونِساءَهم.
عندما توجه الملك الظاهر من دمشق، لملتقى عساكره العائدة من غزوة بلاد سيس، ونزل على قارا بين دمشق وحمص، أمر بنهب أهلها وقتلِ كبارهم، فنُهِبوا وقُتِل منهم جماعة لأنهم كانوا نصارى، وكانوا يسرِقونَ المسلمين ويبيعونَهم بالخُفيةِ إلى الفرنج، وأُخِذَت صبيانهم مماليكَ، فترَبَّوا بين الترك في الديار المصرية، فصار منهم أجنادٌ وأمراء.
طَرَقَ الفرنجُ ميناء طرابلس الشام في يوم السبت عاشِرَه، وأخذوا مركبًا فيه عدد كثير من المسلمين، وبضائع لها قيمة جليلة، وبينما هم في ذلك إذ قَدِمت مركب من دمياط فأخذوها أيضًا بما فيها وساروا، فلما ورد الخبر بذلك كتب بإيقاع الحوطة على أموال الفرنج الجنوية والكيتلان دون البنادقة، فأحيط بأموالهم التي بالشام والإسكندرية.
كانت غامبيا قطعةً صغيرة من السنغال لكِنَّها بَقِيَت تحت الحماية الإنجليزية، بينما باقي السنغال تحت الحماية الفرنسية، حصلت غامبيا على الاستقلال الذاتي وأصبحت دولةً مستقلَّةً ضِمنَ رابطة الشعوب البريطانية (الكومنولث) في 17 شوال 1384هـ / 18 شباط، وأصبح الحكمُ جمهوريًّا فيها في محرم 1390هـ/ نيسان 1970م، وغالبية سكَّان غامبيا من المسلمين.
سار كندفري ملك الفرنج بالشام -وهو صاحب بيت المقدس- إلى مدينة عكا بساحل الشام، فحصرها فأصابه سهم فقتله، وكان قد عمَرَ مدينة يافا وسلَّمَها إلى قمص -كبير القساوسة- من الفرنج اسمه طنكري، فلما قُتِل كندفري سار أخوه بغدوين إلى بيت المقدس في خمسمائة فارس وراجل، فبلغ الملك دقاق- صاحب دمشق- خبره، فنهض إليه في عسكره، ومعه الأمير جناح الدولة في جموعه، فقاتله، فنُصِر على الفرنج، ومَلَك الفرنجُ مدينةَ سروج من بلاد الجزيرة، وسببُ ذلك أن الفرنج كانوا قد ملكوا مدينة الرها بمكاتبة من أهلِها؛ لأن أكثرَهم أرمن، وليس بها من المسلمين إلا القليل، فلما كان الآن جمع سقمان بن أرتق التركماني بسروج جمعًا كثيرًا من التركمان، وزحف إليهم، فلَقُوه وقاتلوه، فهزموه في ربيع الأول. فلما تمَّت الهزيمة على المسلمين سار الفرنجُ إلى سروج، فحصروها وتسلَّموها، وقتلوا كثيرًا من أهلِها وسَبَوا حريمَهم، ونهَبوا أموالهم، ولم يسلَمْ إلَّا من مضى منهَزِمًا، وملك الفرنجُ مدينة حيفا، وهي بالقربِ مِن عكا على ساحل البحر، ملكوها عَنوةً، وملكوا أرسوف بالأمان، وأخرجوا أهلَها منها، وفي رجب ملكوا مدينة قيسارية بالسيف، وقتلوا أهلَها، ونهبوا ما فيها.
في يوم الأثنين الثاني عشر محرم نودي بشوارع القاهرة أن أحدًا من الأعيان لا يستخدم ذميًّا في ديوانه من الكَتَبة وغيرهم، فمنعت هذه المناداة أهل الذمة قاطبةً من التصرف والمباشرة بقلم الديوان بوجه من الوجوه في أعمال مصر، وكُتِب بذلك إلى سائر الأقطار، ثم عقد السلطان بالصالحية ببين القصرين مجلسَ بالقضاة الأربعة، وحضره الدوادار الكبير، وجماعة من الأعيان، وقُرئت العهود المكتوبة قديمًا على أهل الذمة، فوجدوا في بعضِها أن أحدًا من أهل الذمة لا يباشِرُ بقلم الديوان عند أحد من الأعيان، ولا في عمل من الأعمال، وأشياء من هذه المقولة، إلى أن قال فيها: ولا يلفُّ على رأسه أكثر من عشرة أذرع، وأن نساءَهم يتميزن من نساء المسلمين بالأزرق والأصفر على رؤوسهن في مشيهن بالأسواق، وكذلك بشيء في الحمامات، فحكم قاضي القضاة علم الدين صالح البلقيني الشافعي بإلزام أهل الذمة بذلك جميعه، ما عدا الصرفَ والطبَّ بشروطه، وصمَّم السلطان على هذا الأمر، وفرح المسلمون بذلك قاطبةً، فأسلم بسبب ذلك جماعةٌ من أهل الذمة من المباشرين، وعظُمَ ذلك على أقباط مصر، ودام ذلك نحو السنة، وعاد كل شيء على حالِه أولًا، وبلغ السلطان ذلك فلم يتكلَّم بكلمة واحدة!!
في نهاية القرن التاسع الهجري اكتُشف طريق رأس الرجاء الصالح، وتابع البحَّار فاسكو دي جاما الرحلات البرتغالية عبر المحيط الهندي، وشهد شرقي أفريقيا صراعًا دمويًّا شنَّه البرتغاليون ضِدَّ الإمارات والمدن الإسلامية على طول سواحل شرقي أفريقيا، ودمَّروا مدينة كلوة ومساجدها الثلاثمائة، ودمَّروا مدن لامو وباتي. واستمَرَّ الصراع بين المسلمين والبرتغاليين قرابة قرنين تدور رحاه في سواحل شرقي أفريقيا, واستطاع العمانيون وقف التقدُّم البرتغالي، بل أنهوا نفوذ البرتغال في معظم سواحل شرقي أفريقيا، وأسس أحمد بن سعيد سلطنة عمانية ضَمَّت معظم شرقي أفريقيا إلا أن البرتغاليين تمسَّكوا بموزمبيق ودام احتلالهم من القرن العاشر الهجري حتى الاستقلال في سنة 1395 (1973م)، ونشطت البعثات التنصيرية في ظل الاحتلال البرتغالي، وقاوم المسلمون نشاطَ هذه البعثات، وكان همُّ البرتغاليين منصَرِفًا إلى الحصول على ذهب موزمبيق مقابل الأقمشة والخرز، والرقيق مقابل الأسلحة الحديثة. ورغم تحدي البرتغاليين إلا أن الإسلام وصل إلى نياسالاند (ملاوي) وبحيرة تنجانقا في داخل أفريقيا، غير أن الدعوة الإسلامية اصطدمت بعقبات كثيرة.
أثناء معركة هليوبوليس كان فريقٌ مِن جيش الصدر الأعظم وبعضِ عناصر المماليك قد تسلَّلوا إلى داخِلِ القاهرة وأثاروا أهلَها على الفرنسيين، فكانت ثورةُ القاهرة الثالثة التي استمَرَّت مدة شهر تقريبًا، ولم يستطع كليبر إخماد الثورة إلَّا بعد التجائه إلى العنف، فدَكَّ القاهرة بالمدافع من كلِّ جانب، وشدَّد الضربَ على حي بولاق، حيث تركَّزت الثورة، فاندلعت ألسنة النيران في كل مكانٍ منه، والتهمت الحرائقُ عددًا كبيرًا من المحلَّات والخانات، فلم يجِدْ سكان بولاق مفرًّا من التسليم، وتلاهم سكان الأحياء الأخرى، وتولى مشايخُ الأزهر الوساطةَ وأخذوا من كليبر العفوَ الشامِلَ والأمان، ولكِنَّه ما لَبِث أن غدر بالمسلمين بعد أن خُمدت الثورة، وكان اقتصاصُه منهم رهيبًا شديدًا، فأعدم بعضَهم وفرضَ غرامات فادحةً على كثير من العلماء والأعيان، كما فرض المغارمَ على أهل القاهرة جميعًا، ولم يستثنِ منهم الطبقات الشعبية الكادحة، وعَهِد كليبر إلى المعلم "يعقوب" أن يفعل بالمسلمين ما يشاء، وممَّا يُذكَر أن بطريرك الأقباط لم يقرَّ يعقوب على تصرُّفاته، وكثيرًا ما بذل له النصحَ بالعدول عن خطته، ولكنَّ يعقوب كان يُغلِظُ له القول، وكان يدخل الكنيسة راكبًا جوادَه ورافعًا سلاحَه، ولم يزدَدْ إلا إمعانًا في تأييدِ الفرنسيين.
كان عامر شرف الدين الشيوعي رئيسًا للحكومة ووزيرًا للدفاع في أندونيسيا، ولكنه أُقيل من منصبه بعد الضَّغطِ الشعبي على الرئيس أحمد سوكارنو الذي عيَّنه بنفسه، فثار الشيوعيون، وألف الحزبُ الشيوعي الأندونيسي مجلسًا للثورة وقيادة عليا وقَدَّم أحدهم هو عيديد مذكرةً للحكومة للمطالبة بالتبادل السياسي مع الدول الشيوعية، وبالتأميم، ومصادرة الأملاك، وإقالة الحكومة، والسير مع الدول الماركسية، والانضمام إلى المعسكر الشيوعي تحت لواء الكرملين، وبدؤوا أيضا باختطاف الضباط من الجيش، وقاموا بأعمال تخريبية، وقتلوا بعض القياديين المسلمين، وهاجموا مراكزَ الشرطة، ثم في 16 من ذي القعدة 1367هـ / 19 أيلول أعلنت إذاعةُ ماديون عن قيام جمهورية أندونيسيا السوفيتية التي يتولى رئاسةَ حكومتِها عامر شرف الدين، فأصبح في أندونيسيا على هذا حكومتان، فأعلن المسلمون الجهادَ وتحَرَّك الجيش الأندونيسي واستطاع القضاء على هذه الثورة الشيوعية التي كان من نتائجِها قَتلُ ألف وخمسمائة من العلماء وأساتذة المدارس الإسلامية، وإحراق جثثهم بعد إعدامهم، وكُوِيَت أعيُنُ عدد كبير من الأطفال، ثم سيقَ زعماء الثورة الشيوعية وقُدِّموا للمحاكمة، وأعدِمَ عَدَدٌ منهم رميًا بالرصاص، وفي مقدمتهم عامر شرف الدين.
كانت تنزانيا الحالية تتكون من منطقتين؛ المنطقة الأولى هي تانجانيقا، والأخرى زنجبار، فأما تانجانيقا وهو الساحل الجنوبي الشرقي فقد كان تحت الاحتلال الألماني، وعرفت باسم أفريقيا الشرقية الألمانية، وقد تمكنت إنجلترا بعد الحرب العالمية الأولى من انتزاع تانجانيقا من ألمانيا، ووُضعت تحت وصاية عصبة الأمم، ثم أصبحت بريطانيا هي الوصية عليها بتصديق من عصبة الأمم عام 1341هـ / 1922م، فاتبع فيها نظام الانتداب، ثم أعلنت إنجلترا في عام 1376هـ / 1956م أنها ستمنح تانجانيقا حكومة ذات استقلال داخلي، وجرت أول انتخابات عامة في ربيع الأول 1378هـ / أيلول 1958م وجرت الانتخابات وفاز حزب الاتحاد الوطني الإفريقي، واتخذت الأمم المتحدة قرارًا بإنهاء الوصاية وبعدها أصبحت تانجانيقا مستقلة ضمن رابطة الشعوب البريطانية في 2 رجب 1381هـ / 9 ديسمبر, وانتُخِب يوليوس نيريري رئيسًا للجمهورية، ثم بعد أن انضمَّت زنجبار إلى تانجانيقا في عام 1383هـ / 1964م أصبحتا دولة واحدة والرئيس هو نفسه يوليوس، وسمِّيَ الاتحاد الجديد تانزانيا، وذلك في 1384هـ / 1964م، وتنزانيا من دول شرق أفريقيا وفيها نسبة عالية من المسلمين خاصة زنجبار فأهلها كلهم مسلمون.
انتُخِب علي عزت بيجوفيتش أوَّلَ رئيسِ جمهوريةٍ للبوسنةِ والهرسكِ، بعد انتهاء الحرب الرهيبة في البوسنة، وُلد في مدينة بوسانا كروبا البوسنيةِ، لأسرةٍ بُسنويةٍ عريقةٍ في الإسلامِ بمدينةِ "بوسانسكي شاماتس"، واسمُ عائلته يمتدُّ إلى أيام الوجود التركي بالبوسنةِ، فالمقطع (بيج) في اسم عائلته هو النطق المحلي للقب (بك) العثماني، ولقبُه (عزت بيجوفيتش) يعني ابن عزت بك.
تعلَّم في مدارس مدينة سراييفو، وتخرَّج في جامعتِها في القانون، عمِل مستشارًا قانونيًّا خلال 25 سنةً، ثم اعتزلَ وتفرَّغ للبحث والكِتابة.
نشأ علي عزت بيجوفيتش في وقت كانت البوسنةُ والهرسكُ جزءًا من مملكةٍ تحكمُها أسرةٌ ليبراليةٌ، ولم يكن التعليمُ الديني جزءًا من المناهج الدراسية، فاتَّفَق هو وبعض زملائه في المدرسة أن يُنشِئوا ناديًا مدرسيًّا للمناقَشات الدينية سمَّوْه (ملادي مسلماني)، أي (الشبان المسلمين) التي تطوَّرت فيما بعدُ فلم تقتصرْ في نشاطها على الاجتماعات والنِّقاشات، وإنَّما امتدَّت إلى أعمال اجتماعية وخيريَّة، وأنشأ بها قسمًا خاصًّا بالفتيات المسلمات، واستطاعت هذه الجمعية أثناءَ الحرب العالمية الثانية أنْ تقدِّمَ خِدْماتٍ في مجال إيواء اللاجئين، ورعاية الأيتام، والتخفيف من وَيْلات الحرب.
لمَّا فتَح أبو عُبيدةَ الجابِيَةَ مِن أعمالِ دِمشقَ وقِنَّسرينَ وحاصَر أهلَ مَسجدِ إيليا -أي بيت المَقدِس- فأَبَوْا أن يَفتَحوا له، وسَألوه أن يُرْسِلَ إلى صاحِبِه عُمَرَ لِيَقْدُمَ فيكون هو الذي يَتوَلَّى مُصالحَتَهُم، فكتَب بذلك إلى عُمَرَ فاسْتخلفَ علِيَّ بن أبي طالبٍ على المدينةِ, ثمَّ قَدِمَ للشَّامِ, وكتَب إلى أُمراءِ الأجنادِ أن يُوافُوه بالجابِيَةِ ليومٍ سَمَّاهُ لهم في المُجَرَّدَةِ، ويَستخلِفوا على أعمالِهم، وكان أوَّلَ مَن لَقِيَهُ فيها أبو عُبيدةَ, فلمَّا دخَل الجابِيَةَ قال له رجلٌ مِن اليَهودِ: يا أميرَ المؤمنين، إنَّك لا تَرجِع إلى بِلادِك حتَّى يفتحَ الله عليك إيلياء. فبينما عُمَر مُعسكرٌ بالجابِيَةِ فزَع النَّاسُ إلى السِّلاحِ، فقال: ما شَأنُكم؟ فقالوا: ألا ترى إلى الخيلِ والسُّيوفِ؟ فنظَر فإذا جَمْعٌ يلمعون بالسُّيوفِ. فقال عُمَرُ: مُسْتَأْمِنَةً فلا تُراعُوا، فأَمِّنُوهُم. وإذا أهلُ إيلياء، فصالَحهُم على الجِزيةِ, وعلى أن لا يَهْدِمَ كَنائِسَها، ولا يُجْلِيَ رُهْبانَها، ففَتَحوها له، وبَنَى بها مَسجِدًا، وأقام أيَّامًا ثمَّ رجَع إلى المدينةِ.
وقعت فتنةٌ ببغداد بين محمَّد بن أوس البلخي ومن تَبِعَه وبين الشاكريَّة والجند وغيرهم من العامَّة والرَّعاع، فوثبت الشاكريَّة ببغداد بمحمد بن أوس، والسببُ في ذلك أنَّ محمَّد بن أوس قَدِمَ بغداد مع سليمانَ بنِ عبد الله بن طاهر، وهو على الجيش القادم من خراسان، ومع سليمان الصعاليكُ الذين تألَّفَهم سليمانُ بالرَّيِّ، ولم تكن أسماؤهم في ديوانِ السُّلطان بالعراق، والجُند والشَّاكرية يصيحون في طلبِ مال البيعة, وكان الحسينُ بن إسماعيل يحرِّضُ العامَّة على محمد بن أوس ومن قدم مع سليمان أنهم يقصِدون أخذَ أموالِهم والفوزَ بها دونهم، حتى امتلأت قلوبُهم غيظًا, فاجتمع من العامَّةِ نحوُ مائة ألف، وكان بين الناس قتالٌ بالنِّبال والرماح والسَّوط، فقُتِلَ خَلقٌ كثير، ثم انهزم محمد بن أوس وأصحابُه، فنَهَبت العامَّةُ ما وجدوا من أموالِه، وهو ما يعادل ألفَي ألف أو نحو ذلك، ثم اتَّفقَ الحالُ على إخراج محمد بن أوس من بغداد إلى أين أراد، فخرجَ منها خائفًا طريدًا؛ وذلك لأنَّه لم يكن عند الناسِ مرضِيَّ السِّيرة.
كان إبراهيم بن محمَّد بن يحيى بن عبد الله بن محمد بن أبي طالب المعروف "بابن الصوفي العَلَوي" قد ظهر بمصر سنة ست وخمسين، فدعا لنفسه ثم هرب إلى الواحات، ثم عاد هذا العام، فدعا الناسَ إلى نفسه، فتَبِعَه خلق كثير، وسار بهم إلى الأشمونين، فوُجِّه إليه جيش عليهم قائد يعرف بابن أبي الغيث، فوجده قد أصعد إلى لقاء أبي عبد الرحمن العمري، فلما وصل العَلَوي إلى العُمري التقيا، فكان بينهما قتالٌ شديد، أجْلَت الوقعةُ عن انهزام العلوي، فولى منهزمًا إلى أسوان، فعاث فيها وقطع كثيرًا من نَخلِها. فسيَّرَ إليه ابن طولون جيشًا، وأمرهم بطلبه أين كان، فسار الجيش في طلبه، فولى هاربًا إلى عيذاب، وعبَرَ البحر إلى مكَّة، وتفَرَّق أصحابه، فلما وصل إلى مكة بلغ خبَرُه إلى واليها فقبض عليه وحبَسَه، ثم سيَّرَه إلى ابن طولون، فلما وصلَ إلى مصر أمر به فطِيفَ به في البلد، ثم سجَنَه مُدَّة وأطلقه، ثم رجع إلى المدينة فأقام بها إلى أن مات.