قامت الحربُ بين إسماعيلَ بنِ أحمدَ الساماني وعمرو بن الليث بنِ يعقوبَ الصَّفار؛ وذلك أنَّ عمرَو بنَ الليث لَمَّا قَتلَ رافِعَ بن هرثمة وبعث برأسِه إلى الخليفةِ، سأل منه أن يُعطِيَه ما وراء النهرِ مضافًا إلى ما بيده من ولاية خُراسان، فأجابه إلى ذلك فانزعج لذلك إسماعيلُ بنُ أحمد الساماني نائبُ ما وراء النهر، وكتب إليه: إنَّك قد وُلِّيتَ دنيا عريضةً فاقتَنِعْ بها عمَّا في يديَّ مِن هذه البلاد، فلم يقبَلْ، فأقبل إليه إسماعيلُ في جيوشٍ عظيمةٍ جدًّا، فالتقيا عند بلخ فهُزِمَ أصحابُ عمرو، وأُسِرَ عمرٌو، فلما جيء به إلى إسماعيلَ بنِ أحمد قام إليه وقبَّلَ بين عينيه وغسَلَ وجهَه وخلع عليه وأمَّنَه وكتب إلى الخليفةِ في أمره، ويُذكَرُ أنَّ أهلَ تلك البلاد قد مَلُّوا وضَجِروا من ولايته عليهم، فجاء كتابُ الخليفة بأن يتسَلَّمَ حواصِلَه وأموالَه فسَلَبَه إيَّاها، فآل به الحالُ بعد أن كان مطبخُه يُحمَلُ على ستِّمائةِ جمل إلى القيدِ والسَّجنِ، ومن العجائب أنَّ عَمرًا كان معه خمسونَ ألف مقاتل لم يُصَب أحدٌ منهم ولا أُسِر سواه وحده، وهذا جزاءُ مِن غلب عليه الطَّمعُ، وقاده الحِرصُ حتى أوقعه في ذُلِّ الفَقرِ، وهذه سنَّةُ الله في كل طامعٍ فيما ليس له، وفي كلِّ طالبٍ للزيادةِ في الدُّنيا.
كان يعقوبُ بنُ اللَّيثِ الصَّفَّار قد قضى على الدَّولةِ الطاهريَّة، وأقام دولتَه على أنقاضِها، فأمر الخليفةُ أن يجهِّزَ جيشًا بقيادةِ أخيه الموفَّقِ؛ لِمُواجهة يعقوب، وذلك في عام 262هـ / 876م، ويشاءُ اللهُ أن تدور الدائرةُ على يعقوبَ فيُهزَم، ولكِنَّ المُعتَمِد يرى الاحتفاظَ بولائه للخلافةِ، فمِثلُه يمكِنُ الاعتماد عليه في مواجهةِ الثَّوراتِ والانتفاضات، فبعث إليه يستميلُه ويتَرضَّاه، ويقَلِّدُه أعمال فارس وغيرِها ممَّا هو تحت يديه، ويصِل رسولُ الخليفة إليه، وهو في مرَضِ الموت، ولكِنْ بعد أن كَوَّنَ دولةً، وبسط سلطانَه عليها. ويُظهِرُ أخوه (عمرو) من بعدِه ولاءَه للخليفة، فيولِّيه الخليفةُ خُراسان، وفارِسَ، وأصبهان، وسجستان، والسِّند، وكرمان، والشرطة ببغداد، وكان عمرٌو كأخيه ذا أطماعٍ واسعةٍ، فانتهز فرصةَ تحسُّن العلاقة بينه وبين الخليفةِ وراح يتَمِّمُ رسالة أخيه. فاتَّجَه بنظره إلى إقليم ما وراءَ النهر الذي كان يحكُمُه السامانيون، ولكِنَّ قُوَّتَهم لا يستهان بها، فكتب إلى الخليفة المعتَضِد ليساعِدَه على تملُّكِ هذا الإقليم، فهُزِمَ عمرُو بن الليث الصفار هزيمةً ساحقةً، ووقع أسيرًا في أيدي السامانيِّين، وأُرسل إلى بغداد ليُقضى عليه، فيقتل سنة 289هـ / 902م. ولم تكَدْ تمرُّ ثماني سنوات حتى كان السامانيُّون قد قَضَوا نهائيًّا على الصفاريِّين، واستولَوا على أملاكِهم
سار عسكر الخليفة الناصر لدين الله من خوزستان مع مملوكه سنجر، إلى جبال لرستان، وصاحبها يعرف بأبي طاهر، وهي جبال منيعة بين فارس وأصبهان وخوزستان، فقاتلوا أهلها وعادوا منهزمين، وسبب ذلك أن مملوكًا للخليفة اسمه قشتمر من أكابر مماليكه كان قد فارق الخدمة لتقصير رآه من الوزير نصير الدين العلوي الرازي، واجتاز بخوزستان، وأخذ منها ما أمكنه ولحق بأبي طاهر صاحب لرستان، فأكرمه وعظَّمه وزوجه ابنته، ثم توفِّي أبو طاهر فقوي أمر قشتمر، وأطاعه أهل تلك الولاية، فأمر سنجر بجمع العساكر وقصْده وقتاله، ففعل سنجر ما أمر به، وجمع العساكرَ وسار إليه، فأرسل قشتمر يعتذر، ويسأل ألا يقصد ولا يخرج عن العبودية، فلم يقبل عذره، فجمع أهل تلك الأعمال، ونزل إلى العسكر، فلَقيَهم، فهزمهم، وأرسل إلى صاحب فارس بن دكلا وشمس الدين إيدغمش، صاحب أصبهان وهمذان والري، يعرِّفُهما الحال، ويقول: إنني لا قوة لي بعسكر الخليفة، وربما أضيف إليهم عساكر أخرى من بغداد وعادوا إلى حربي، وحينئذٍ لا أقدر بهم، وطلب منهما النجدة، وخوَّفهما من عسكر الخليفة إن ملكوا تلك الجبال، فأجاباه إلى ما طلب، فقوي جنانه، واستمرَّ على حاله.
رسم السلطانُ المَلِكُ الأشرف شعبان صاحِبُ مصر بإسقاط ما على الحَجِّ مِن المكوسِ بمكَّةَ في سائِرِ ما يُحمَلُ إليها من المتاجر، سوى الكارم- الأحجار الكريمة- وتجَّار الهند وتجار العراق، وأسقط المكسَ المتعَلِّق بالمأكولات، وكان المَكسُ يؤخذ من المأكولات بمكَّةَ مد حب جدي، على كل حمل من التمر اللبان الذي يصل إلى مكة، وثلاثة دنانير مسعوديَّة على كلِّ حِملِ تمر محشي يصِلُ إلى مكة، وستة مسعودية على كلِّ شاة يصل إليها، وسُدس وثمن ما يباعُ بمكَّةَ مِن السَّمن والعسل والخُضَر؛ وذلك أنه يحصى ثمنها مسعودية، فإذا عُرِفَ أخذ على كل خمسة دنانير دينار مسعودية، ويؤخذ -أيضًا- دينار مسعودية من ثمن سلة التمر إذا بيعت بالسوق من الثمار الذي باعها ليعيش منها، والمأخوذُ على التمر أولًا مِن جالبه إلى مكة، ويؤخَذُ شَيءٌ مما يباع في السوق من غيرِ ما ذكرناه، وكان الناس يقاسونَ شِدَّةً، فأزال الله تعالى جميعَ هذا بأمرِ السُّلطانِ الأشرف شعبان صاحِبِ مِصرَ، بتنبيه بعضِ أهل الخير له على ذلك، وعَوَّضَ صاحب مكَّةَ عن ذلك ثمانية وستين ألف درهم من بيت المال المعمور بالقاهرة، وألفَ أردب قمح، وقُدِّرَ ذلك في ديوان السلطان الأشرف، وأمضى ذلك الولاةُ بالديار المصرية فيما بعد.
وُلِدَ محمد علي كِلاي في 17 يناير 1942م في مدينةِ لويفيل بولايةِ كنتاكي، مِن عائلةٍ أمريكيَّةٍ سوداءَ مِن الطبَقةِ المتوسِّطةِ، واعتنَقَ الإسلامَ في عامِ 1964م، وكان اسمُه قبلَ إسلامِه (كاسيوس مارسيلوس كلاي جونيور) فغيَّرَه إلى مُحمَّد علي، واختار الانتماءَ في بادئِ أمرِه إلى جماعةِ أمَّةِ الإسلامِ، ولم يستمرَّ انضمامُه إليهم طويلًا؛ إذ كان يختلِفُ مع الكثيرِ مِن أفكارِهم، فاعتنَقَ الإسلامَ السُّنِّيَّ، ثم أنشأ أعمالَه الخيريَّةَ والدَّعَويَّة مُحاولًا تصحيحَ الصُّورة الخاطئة التي رسَخَت في أذهانِ الغَربِ عن الإسلامِ والمُسلمين، ورفض أنْ يَخدمَ في جيشِ الولاياتِ المُتَّحِدة في حربِه على فيتنام عامَ 1966م، وعَدَّ نفسَه مُعارِضًا للحَربِ، معلِّلًا بأنَّ هذه الحربَ ضِدُّ تعاليم القرآنِ. فاز كلاي ببطولةِ العالَم للوزنِ الثقيلِ ثلاثَ مرَّاتٍ على مدى عشرينَ عامًا، وأصيبَ في عامِ 1984 بداءِ باركنسون (الشلل الرَّعاشي). وفي عامِ 1999 تُوِّجَ بلقب "رياضيِّ القَرنِ". وفي عامِ 2005 مُنِحَ وسامَ الحرِّيَّة الرئاسيَّ -وهو أرفَعُ وسامٍ مَدَنيٍّ في الولاياتِ المُتَّحِدة الأمريكية- وقد تُوفِّيَ مُحمَّد علي -رحِمَه الله- في مستشفى فينيكس بولايةِ أريزونا عن عمرٍ ناهَزَ 74 عامًا. ودُفِنَ في مَسقطِ رأسِه؛ في مدينةِ لويفيل بولايةِ كنتاكي الأمريكيَّةِ.
كان الآزاذِبَةُ مَرْزُبان الحِيرَةِ أي حكام الحيرة, فلمَّا أَخرَب خالدٌ أَمْغِيشِيا عَلِم الآزاذبةُ أنَّه غيرُ مَتروكٍ، فأخذ في أَمْرهِ وتَهيَّأ لحربِ خالدٍ، لمَّا تَوجَّه خالدٌ إلى الحِيرَةِ وحمَل الرِّحالَ والأثقالَ في السُّفُنِ أَرسلَ الآزاذبةُ ابنَهُ لِيقطَعَ الماءَ عن السُّفُنِ, فتعَجَّلَ خالدٌ في خَيلٍ نحو ابنِ الأزاذبةِ فلَقِيَهُ على فُراتِ بادِقْلَى، فقتَلهُ وقتَل أصحابَهُ، وسار نحو الحِيرَةِ، فهرَب منه الآزاذبةُ، وكان قد بَلغَهُ مَوتُ أَرْدَشِير وقتلُ ابنِه، فهرَب بغيرِ قِتالٍ، فتَحصَّنَ أهلُ الحِيرَةِ فحصَرهُم في قُصورِهم. دخل خالدٌ الحِيرَةَ، وأَمَر بكلِّ قَصْرٍ رجلًا مِن قُوَّادِه يُحاصِر أهلَهُ ويُقاتِلهم، فعَهِدَ خالدٌ إلى أُمرائِهِ أن يَبدءوا بِدَعوَتِه إحدى ثلاثٍ، فإن قَبِلوا قَبِلوا منهم، وإن أَبَوْا أن يُؤَجِّلوهم يومًا، وقال: لا تُمَكِّنوا عَدُوَّكُم مِن آذانِكُم فيَتربَّصوا بِكُم الدَّوائرَ، ولكن ناجِزوهُم ولا تُرَدِّدوا المسلمين عن قِتالِ عَدُوِّهِم. فلمَّا دَعَوْهُم أَبَوْا إلَّا المُنابذَةِ, فنَشَبَ القِتالُ وأَكثرَ المسلمون القتلَ فيهم، فنادى القِسِّيسون والرُّهْبانُ: يا أهلَ القُصورِ، ما يقتلنا غيرُكم. فنادى أهلُ القُصورِ: يا مَعشرَ العربِ، قد قَبِلْنا واحدةً مِن ثلاثٍ، فادعوا بنا وكُفُّوا عَنَّا حتَّى تُبلِّغونا خالدًا. فخرَج قائدٌ مِن كلِّ قصرٍ، فأُرسلوا إلى خالدٍ، مع كلِّ رجلٍ منهم ثِقَةٌ، لِيُصالح عليه أهلَ الحِصْن، فخلا خالدٌ بأهلِ كلِّ قصرٍ منهم دون الآخرين، وقد حاوَر خالدُ بن الوَليد أحدَ رُؤسائِهم وهو عَمرُو بن عبدِ المَسيحِ ابنُ بُقَيْلَةَ، وكان مع خادمِه كِيسٌ فيه سُمٌّ، فأخَذهُ خالدٌ ونَثَرَهُ في يَدِهِ وقال: لِمَ تَستَصْحِب هذا؟ قال: خشيتُ أن تكونوا على غيرِ ما رأيتُ، فكان الموتُ أحبَّ إليَّ مِن مَكروهٍ أُدْخِلُه على قَومي.
لمَّا جاء أصحابُ الجَملِ إلى البَصرَةِ لِتَأليفِ الكَلِمَةِ والتَّوَصُّلِ بذلك إلى إقامةِ الحَدِّ على قَتَلَةِ عُثمانَ وينظروا في جمعِ طَوائفِ المسلمين، وضَمِّ تَشَرُّدِهِم حتَّى لا يَضْطَرِبوا فيَقتَتِلوا، حَرَّضَ مَن كان بها مِن المُتَأَلِّبِين على عُثمانَ النَّاسَ، وقالوا: اخْرُجوا إليهم حتَّى تَروا ما جاءوا إليه. فبعَث عُثمانُ بنُ حَنيفٍ -والي البَصرَةِ مِن قِبَلِ عَلِيِّ بن أبي طالبٍ- حَكيمَ بنَ جَبَلَةَ العَبديَّ -أحدَ قَتَلَةِ عُثمانَ بن عفَّانَ- لِيمنَعَ أصحابَ الجَملِ مِن دُخولِ البَصرَةِ، فلَقِيَهُم في الزَّابوقَةِ –مَوضِع قَريب مِن البَصرَةِ كانت فيه وَقعةُ الجَملِ في دورِها الأوَّلِ- فقام طَلحةُ ثمَّ الزُّبيرُ يَخْطُبانِ في أَنصارِ المُعَسْكَرَيْنِ، فأَيَّدهُما أصحابُ الجَملِ، ورفَضهُما أصحابُ عُثمانَ بن حَنيفٍ، ثمَّ قامت أُمُّ المؤمنين عائشةُ تَخطُب في المُعَسْكَرَيْنِ، فثبَت معها أَصحابُ الجَملِ، وانحازَت إليها فِرقةٌ مِن أَصحابِ عُثمانَ بن حَنيفٍ، وبَقِيَت فِرقةٌ أُخرى مع ابنِ جَبَلَةَ، واخْتَلف الفَريقان وكَثُرَ بينهما اللَّغَطُ، ثمَّ تَراموا بالحِجارَةِ، فقام حَكيمُ بن جَبلةَ بِتَأْجِيجِ الفِتنَةِ والدَّعوةِ إلى القِتالِ، وأخَذ يَسُبُّ أُمَّ المؤمنين عائشةَ، ويَقتُل كُلَّ مَن أَنكَر عليه مِن الرِّجالِ والنِّساءِ، وكان دُعاةُ أصحابِ الجَملِ يَدعون إلى الكَفِّ عن القِتالِ، فلمَّا لم يَسْتَجِبْ حَكيمُ بن جَبلةَ وأنصارُهُ لدَعْوَى الكَفِّ عن القِتالِ كَرَّ عليهم أصحابُ الجَملِ، فقُتِلَ حكيمُ بن جَبلةَ، ثمَّ اصْطَلح أصحابُ الجَملِ مع عُثمانَ بن حَنيفٍ على أن تَكونَ دارُ الإمارَةِ والمسجدُ الجامعُ وبيتُ المالِ في يَدِ ابنِ حَنيفٍ، ويَنزِل أصحابُ الجَملِ في أيِّ مكانٍ يُريدونَهُ مِن البَصرَةِ، وقِيلَ: إنَّ حَكيمَ بن جَبلةَ قُتِلَ بعدَ هذا الصُّلحِ لمَّا أَظهَر المُعارضةَ.
هو الإمام، الصَّادق، شيخ بني هاشم، أبو عبدالله جعفرُ بن محمد الباقر بن علي زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب، القرشي، الهاشمي، العلوي، النبوي، المدني، أحد الأعلام من التابعين, وكان يلقَّبُ بالصابر، والفاضِلِ، والطاهر، وأشهرُ ألقابه الصادِقُ، ولد سنة 80, وأمه أم فروة بنت القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق, وأمها: هي أسماء بنت عبد الرحمن بن أبي بكر، ولهذا كان يقول: ولدني أبو بكر الصديق مرتين. قال الذهبي: "كان يغضب من الرافضة، ويمقتهم إذا علم أنهم يتعرضون لجده أبي بكر ظاهرا وباطنا, ثم قال: هذا لا ريب فيه، ولكن الرافضة قوم جهلة، قد هوى بهم الهوى في الهاوية، فبعدا لهم" وقال: "أن الصادق رأى بعض الصحابة، أحسبه رأى: أنس بن مالك، وسهل بن سعد".حاول المنصورُ أن يظفَرَ به، لكنَّه لم يقدِرْ عليه وانثنى عن ذلك، كان من أجلَّاء التابعين؛ فقيهًا عالِمًا جوادًا كريمًا زاهدا عابدا، قال ابن خلكان: " أحد الأئمة الاثني عشر على مذهب الإمامية، وكان من سادات أهل البيت ولقب بالصادق لصدقه في مقالته وفضلُه أشهر من أن يذكر، وله كلام في صنعة الكيمياء والزجر والفأل". أورد الذهبيُّ بإسنادٍ قال إنه صحيح، عن سالم بن أبي حفصة قال: "سألتُ أبا جعفرٍ محمدَ بنَ عليٍّ وابنَه جعفرًا عن أبي بكرٍ وعمر، فقالا: يا سالمُ، تولَّهَما وابرأْ مِن عدُوِّهما؛ فإنهما كانا إمامَيْ هُدًى. وقال لي جعفرٌ: يا سالم، أيسُبُّ الرجُلُ جَدَّه؟! أبو بكرٍ جَدِّي، فلا نالَتني شفاعةُ محمَّدٍ يومَ القيامة إن لم أكنْ أتولَّاهما وأبرأُ من عدوِّهما!" توفِّي في المدينة ودُفِنَ في البقيعِ.
اجتمع الشَّاكرية وأصحابُ الفروض إلى دار محمَّد بن عبدالله بن طاهر أميرِ العراق يطلبونَ أرزاقَهم، فكتب إلى أمير المؤمنين بذلك، فكتب الخليفة في الجواب: إن كنتَ تريد الجندَ لنفسِك فأعطِهم أرزاقَهم، وإن كنتَ تريدُهم لنا فلا حاجة لنا فيهم؛ فشَغَّبوا عليه، وأخرجَ لهم ألفي دينارٍ، ففُرِّقَت فيهم فسكتوا، ثم اجتمعوا مرَّةً أخرى بالسِّلاح والأعلام والطبول، وجمع محمَّد أصحابَه في داره, واجتمع إلى أولئك (المشغِّبين) خلقٌ كثير، وكان رئيسَهم أبو القاسم عبدون بن الموفَّق، وكان من نوَّاب عبيدالله بن يحيى بن خاقان، فحثَّهم على طلب أرزاقِهم، فحصل بينهم وبين أصحابِ محمدٍ قتالٌ، وظهروا على أصحابِه، ولَمَّا رأى ابن طاهر أنَّ الجندَ قد ظهروا على أصحابِه أمرَ بالحوانيت التي على باب الجِسرِ أن تُحرَق، فاحترق للتجَّار متاعٌ كثير، فحالت النارُ بين الفريقين، ورجع الجندُ إلى مُعسكرهم, ثم إنَّ ابنَ طاهر أتاه في بعض الأيامِ رجُلان من الجند، فدلَّاه على عورةِ القومِ، فأمر لهما بمئتي دينارٍ، وأمر الشاه بن ميكال وغيرَه من القواد في جماعةٍ بالمسيرِ إليهم، فسار إلى تلك الناحية، وكان أبو القاسم، وابن الخليل- وهما المقَدَّمان على الجند- قد خافا مُضِيَّ ذَينك الرجُلين، وقد تفرق الناسُ عنهما، فسار كلُّ واحد منهما إلى ناحية، وأما ابن الخليل فإنَّه لقي الشاه بن ميكال ومن معه، فصاح بهم، وصاح أصحابُ محمد، وصار في وسَطِهم، فقُتِل، وأما أبو القاسم فإنَّه اختفى فدُلَّ عليه، فأُخذ وحُمل إلى ابن طاهر، وتفَرَّق الجند من باب حرب، ورجَعوا منازِلَهم، وقُيِّدَ أبو القاسِم وضُرِبَ ضربًا مبرِّحًا فمات منه.
دَخَلَ السُّلطانُ ملكشاه بغدادَ في ذي الحجَّةِ، بعدَ أن فَتَحَ حَلَبَ وغَيرَها من بلادِ الشَّامِ والجَزيرةِ، وهي أَوَّلُ مَرَّةٍ يَدخُل فيها بغدادَ، ونَزلَ بدارِ المَملكةِ، وأَرسلَ إلى الخَليفةِ هَدايا كَثيرةً، فقَبِلَها الخَليفةُ، ومِن الغَدِ أَرسلَ نِظامُ المُلْكِ إلى الخَليفَةِ خَدمةً كَثيرةً، فقَبِلَها، وزارَ السُّلطانُ ونِظامُ المُلْكِ مَشهدَ موسى بن جَعفرٍ، وقَبْرَ مَعروفٍ، وأحمدَ بن حَنبلٍ وأبي حَنيفةَ، وغيرَها من القُبورِ المَعروفَةِ، وطُلِبَ نِظامُ المُلْكِ إلى دارِ الخِلافَةِ لَيلًا، فمَضَى في الزَّبْزَبِ-سفينة صغيرة- وعاد من لَيلتِه، ومَضَى السُّلطانُ ونِظامُ المُلْكِ إلى الصَّيدِ في البَرِّيَّةِ، فزارا مَشهدَ أَميرِ المؤمنينَ عَلِيٍّ، ومَشهدَ الحُسينِ، ودَخلَ السُّلطانُ البَرَّ، فاصطادَ شَيئًا كَثيرًا من الغِزلان وغَيرِها، وأَمرَ ببِناءِ مَنارةَ القُرونِ بالسبيعيِّ، وعاد السُّلطانُ إلى بغدادَ، ودَخلَ الخَليفةُ، فخَلَعَ عليه الخِلَعَ السُّلطانيَّةَ، ولمَّا خَرجَ من عندِه لم يَزَل نِظامُ المُلْكِ قائمًا يُقدِّم أَميرًا أَميرًا إلى الخَليفةِ، وكلَّما قَدَّمَ أَميرًا يقول: هذا العَبدُ فلان بن فلان، وأَقطاعُه كذا وكذا، وعِدَّةُ عَسكرِه كذا وكذا، إلى أن أتى على آخرِ الأُمراءِ، وفَوَّضَ الخَليفةُ إلى السُّلطانِ أَمْرَ البلادِ والعِبادِ، وأَمَرَهُ بالعَدلِ فيهم، وطَلَبَ السُّلطانُ أن يُقَبِّلَ يَدَ الخَليفةِ، فلم يُجِبهُ، فسأل أن يُقَبِّلَ خاتَمَه، فأَعطاهُ إيَّاهُ فقَبَّلَهُ، ووَضعَهُ على عَينِه، وأَمَرَهُ الخَليفةُ بالعَوْدِ فعادَ، وخَلَعَ الخَليفةُ أيضًا على نِظامِ المُلْكِ، ودَخلَ نِظامُ المُلْكِ إلى المدرسةِ النِّظاميَّةِ، وجَلسَ في خَزانَةِ الكُتُبِ، وطالَعَ فيها كُتُبًا، وسَمِعَ الناسُ عليه بالمدرسةِ جُزْءَ حَديثٍ، وأَمْلَى جُزءًا آخرَ، وأَقامَ السُّلطانُ ببغداد إلى صَفَر سَنةَ 480هـ وسارَ منها إلى أصبهان.
لَمَّا مَلَك قُطبُ الدين مودود المَوصِلَ بعد أخيه سيف الدين غازي، كان أخوه الأكبَرُ نورُ الدين محمود بالشَّامِ، وله حَلَب وحَماة، فكاتبه جماعةٌ مِن الأمراء وطَلَبوه، وفيمن كاتَبَه المُقَدَّم عبدُ الملك والد شمس الدين محمد، وكان حينئذٍ مُستَحفظًا بسنجار، فأرسَلَ إليه يستدعيه ليتسَلَّمَ سنجار، فسار نور الدين جريدة- الجريدة خَيْلٌ لا رَجَّالةَ فيها- في سبعينَ فارِسًا مِن أُمَراءِ دَولتِه، فوصَلَ إلى ماكسين في نَفَرٍ يَسيرٍ قد سَبَق أصحابَه، ولحِقَ به باقي أصحابِه، ثم سار إلى سنجار، فوصَلَها وليس معه سوى ركَّابي وسلاح دار، ونزل بظاهرِ البلد وأرسل إلى المُقَدَّم يُعلِمُه بوصوله، فرآه الرسولُ وقد سار إلى الموصِلِ وتَرَك ولده شمس الدين مُحمَّدًا بالقلعة، فأعلَمَه بمسيرِ والده إلى المَوصِل، وأقام مَن لَحِقَ أباه بالطريقِ، فأعلمه بوصولِ نور الدين، فعاد إلى سنجار فسَلَّمَها إليه، فدخَلَها نور الدين، وأرسل إلى فخرِ الدِّينِ قرا أرسلان، صاحِبِ الحصن يستدعيه إليه؛ لِمَودَّةٍ كانت بينهما، فوصلَ إليه في عَسكَرِه، فلَمَّا سمع أتابك قطب الدين، وجمال الدين وزين الدين بالمَوصِلِ بذلك جَمَعوا عساكِرَهم وساروا نحو سنجار، فوصلوا إلى تل يعفر، وترَدَّدَت الرسُلُ بينهم بعد أن كانوا عازمينَ على قَصدِه بسنجار، فقال لهم جمالُ الدين: ليس مِن الرأيِ مُحاقته وقِتالُه، وأشار بالصُّلحِ، وسار هو إليه فاصطلح وسَلَّمَ سنجار إلى أخيه قُطب الدين، وسَلَّم مدينةَ حِمص والرحبة بأرضِ الشَّامِ، وبَقِيَ الشام له، وديارُ الجزيرة لأخيه، واتفقا، وعاد نور الدين إلى الشَّامِ، وأخذ معه ما كان قد ادَّخَره أبوه أتابك الشَّهيد فيها من الخزائِنِ، وكانت كثيرةً جِدًّا.
هو اللواءُ تشارلز جورج غوردون المعروف بلقب (غوردون الصين) و(غوردون باشا) و(غوردون الخرطوم). ولِدَ بلندن عام 1833م.كان غوردون ضابطًا وإداريًّا في الجيش البريطاني، وتنقَّلَ في عدد من المهام القيادية العسكرية البريطانية، فعُيِّن في سلاحِ الهندسة الملكية، واشترك في حربِ القرم وعمُرُه واحد وعشرون عامًا، ثم اشترك في حربِ الصين؛ حيث أسهم في الاستيلاء على بكِّين، ثم تولى قيادة الجيش الصيني
الذي قمع ثورة تيبنج. وفي سنة (1874 م) عيَّنه الخديوي إسماعيل حاكمًا عامًّا للسودان، وظَلَّ في منصبه سبع سنوات، وعندما طلب منه المندوبُ السامي البريطاني بمصر اللورد كرومر الانسحابَ مِن مصر رفَضَ وأبى واستكبر بشدة، فبدأت جيوشُ المهدية بحصار الخرطوم، وكان غوردون عَمِلَ على تحصين المدينة بالأسلاك الشائكة وتقوية القلاع وزرع الألغام. وكانت حاميةُ الخرطوم مكونة من مصريين وأتراك وبعض السودانيين، فجاء المهدي بجمعٍ يقَدَّرُ بأكثر من مائة ألف مقاتل، وكان غوردون قبل أن يشتدَّ عليه الحصار أرسل إلى حكومتِه طالبًا حملة تفتح الطريقَ بينه وبين مصر لسَحبِ الحاميات، ثم اضطره الحصار للمناداة بحملةِ إنقاذٍ؛ حيث تحرَّكت حملة الإنقاذ من القاهرة بقيادة اللورد ولزلي وعندما عَلِمَت قوات المهدية بهذه الحملة عَمِلَت دون تمكينها مِن الوصول إلَّا حين تحرِّرُ الخرطوم، وفي 25يناير 1885 بدأ أنصارُ المهدي يَعبُرون النيل الأبيض للَّحاقِ بجيش عبد الرحيم النجومي الذي كان يحاصِرُ الخرطوم من جهة الجنوب، وفي صباح يوم 26 يناير تمكَّنت قوات المهدية من دخول الخرطوم عَنوةً وقَتْل غوردون داخِلَ ساحة القصر. وكان لسقوط الخرطومِ ومقتل غوردون صدًى عظيمًا في بريطانيا عمومًا، وفي مجلس العموم خصوصًا.
ساءت أحوالُ المحاكم الشرعيةِ في مصر، بعد أن بدأ محمد علي باشا وخلفاؤه في تغييرِ الوضع القضائي المستقِرِّ في البلاد منذ مئات السنين، بإيجاد كيانٍ جديدٍ لا يعتَمِدُ على القضاء الشرعيِّ، بل يتَّجِهُ إلى التَّقنين الأوربيِّ الحديث، وانحصر دورُ المحاكم الشرعية في نظَرِ قضايا الأحوال الشخصيَّة والمواريث والوقفِ، وتسلَّل إليها الفسادُ بعد أن أدارت لها الدولةُ ظَهرَها ولم تقَدِّمْ إليها يدَ العون. وظل الأمرُ على هذا النحو من الإهمال إلى أن قامت نظارةُ الحقانية (العدل) بانتدابِ محمد عبده لتفَقُّد أحوال المحاكِمِ الشرعية، ومعرفة أدوائها، ووضْعِ أفضلَ السبل لعلاجِها. فقدَّم تقريرًا لِما وصلت إليه أحوالُ تلك المحاكِمِ من سوء الحال في الأماكِنِ والمباني والأثاث، وضَعْف في مستوى القُضاة والكَتَبة، وقصورِ المرافعاتِ فيها. وفي الوقتِ نفسِه كشَفَ التقريرُ عن تقصير الحكومةِ تجاه هذه المحاكِمِ، وإهمالها لشأنها حتى وصلت إلى ما هي عليه من ضَعفٍ وفسادٍ. وتضَمَّن التقريرُ وسائل النهوض بتلك المحاكِمِ مِن توسيع اختصاصاتِها، وعدمِ تقييدها في إصدارِ الأحكامِ بالمذهبِ الحنفيِّ، والنهوض بمستوى القُضاة وتحسين مرتَّباتهم، وانتقاء العناصِرِ الجيدة للعمل في هذا الميدان، وتسهيلِ إجراءات التقاضي، وخُتِمَ التقريرُ بطلب إنشاء معهدٍ خاص يُختارُ طَلَبتُه ممن يدرسونَ في الأزهر، ويُعَدَّوُن إعدادا خاصا لتولي منصب القضاء. ثمَّ تشكَّلت لجنةٌ برئاسة ناظر الحقانية (وزير العدل) وعضوية قاضي البلاد، وشيخ الجامع الأزهر، والمفتي، وأحد أعضاء محكمة مصر العليا؛ للنظر في التقرير, فصدر منشورٌ في 16 صفر بإنشاء مدرسةِ القضاء الشرعي، وانقسمت المدرسةُ إلى قسمين: الأول: لتخريج الكَتَبة، والثاني: لتخريجِ القُضاة والمحامين. وظلت المدرسةُ قائِمةً حتى ألغيت في سنة (1347هـ / 1928م) وأُلحِقَت بالجامعة الأزهرية الناشئة.
بعد فوزِ الاتحاديِّين بأغلبيةٍ كبيرةٍ وإعلان الدستور أرادوا أن يُتِمُّوا خطَطَهم الراميةَ إلى خلع الخليفة، فبدؤوا يثيرونَ الفوضى والقلاقِلَ في الدولة بطُرُق غير مباشرة، وادَّعى رجال الاتحاد أنَّ الدستورَ معرَّضٌ للإلغاء والحريةَ مهدَّدةٌ؛ لذا فقد تقَدَّم الجيشُ المرابط في سلانيك بإمرةِ محمود شوكت لحماية الدستورِ والمجلس النيابي، عِلماً أنه كان فيه عناصِرُ أجنبية ترتدي الزيَّ العسكري، ووصل الجيشُ إلى العاصمة، فألقى الحصارَ عليها، ثمَّ سار إلى مقر إسماعيل حقي رئيس الجيش النظامي فقتَلوه ومَن معه، ثم ساروا إلى قصر يلدز مقَرِّ السلطان، فقاموا فيه بمذبحة بلا سببٍ ونهبوا القصرَ، ثم شكَّل المجلِسُ النيابيُّ مجلِسًا أطلقوا عليه اسمَ المجلس الملكي، فاجتمع مع مجلسِ الحركة وقَرَّروا خَلْعَ السلطان عبد الحميد باستصدار فتوى من شيخِ الإسلام، واستدعى المجلِسُ الصدر الأعظم توفيق باشا لتكليفِه بإبلاغ القرار إلى الخليفة فرفَضَ، فكلف المجلسُ وفدًا من الفريق البحري عارف حكمت، وآرام الأرمني، وعمانوئيل قره صو اليهودي، وأسعد طوبطاني، وذهب الوفد إلى الخليفة، وقرأ الفتوى، فتقَبَّل السلطان ذلك مع إنكارِه إحضارَهم عمانوئيل اليهودي معهم، خاصَّةً أن عمانوئيل هذا سبق أن زار السلطانَ مع هرتزل في وفدٍ يهوديٍّ يستأذنونه في الهجرةِ إلى فلسطين، فرفض طلبهم وإغراءَهم له، وأمر بطردِهم، فتوعَّد عمانوئيل السلطانَ بأنَّ هذا الرفض سيكَلِّفُه كثيرًا. نُقِلَ السلطانُ إلى سلانيك مع أسرته ومرافقيه، وبقي تحت حراسةِ الاتحاديين حتى حرب البلقان، ثم نُقِلَ إلى قصر بكلربكي في استانبول، وبقي فيه إلى أن توفي عام 1336هـ وكانت مُدَّةُ خلافته أكثر من ثلاث وثلاثين سنة، وتسلَّم الحكمَ صوريًّا أخوه محمد رشاد.
كان اليمنُ الجنوبي يمثِّل مجموعةً من المحميات الخاضعة للاحتلال البريطاني، وتنقَسِمُ إلى محميَّات غربية عاصمتها عدن، ومحميَّات شرقية عاصمتها المكلا، وفي حوالي سنة 1960م بدأ يظهرُ حزبُ البعث العربي الاشتراكي باليَمَن الجنوبي متأثرًا بالمدِّ الاشتراكي القومي العربي: مذهبِ جمال عبد الناصر! وتوسَّع في صفوفِ العُمَّال العَدَنيين، وكان يطالِبُ بالاستقلال التام، وبدأ يَقوَى حتى اجتاح البلادَ بالمظاهراتِ والاصطداماتِ مع القوى البريطانية، ثمَّ بعد سنة ونصف انفجرت الثورةُ في اليمن الشمالي وتَبِعَها اليمنُ الجنوبي؛ فقامت المظاهراتُ الدامية في عَدَن، وبدأت حربُ العصابات في الجبال، وعَقَدت بريطانيا مؤتمرًا في لندن سنة 1964م لحكَّام الجنوب، فرفضت المعارضةُ الحضور، فقرَّر المؤتمرُ تحديدَ موعد الاستقلال في سنة 1968م، وتطوير نطام الحُكم، والسماح للأحرار بالعودة للبلاد، ولكِنْ بسبب تزايُد حدة الاضطرابات قُدِّم الموعِدُ إلى 20 نوفمبر 1967م، وأُعلِنَت فيه جمهوريةُ اليمن الجنوبية الشعبية، وكانت هناك جبهتان، هما: جبهةُ تحرير الجنوب العربيِّ التي قامت على أساسِ حِزبِ البعث الاشتراكي، وجبهةٌ قوميَّةٌ ذاتُ ميول وطنية تطالِبُ باستقلال اليمن وتوحيدِه، وتنافست الجبهتانِ على قيادة الحركة الوطنية والثورة، وانتصرت الجبهةُ القومية، واستطاعت بعد معارِكَ دامية أن تَكونَ القوةَ الشعبيَّةَ الأولى والوحيدةَ في البلاد، وفاوض الإنجليزُ رئيسَها قحطان الشعبي الذي أصبح فيما بعدُ رئيسًا للجمهورية، وانسحبت بريطانيا عن اليمن بعد تدخُّل كلٍّ من الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي، وتمَّ الجلاء عن القواعد العسكرية من بحريةٍ وجوية، وتسليم كافة الجُزُر للجنوبيين. وبعد انسحاب بريطانيا من جنوب اليمن حدثت تحوُّلاتٌ اجتماعية متأثِّرةً بالمد الماركسي، فاضطرَّ كثيرٌ من أُسَرِ اليمن الجنوبي إلى الهرب إلى السعودية حتى قبل إعلان الاستقلال.