كانت كشمير تحت حكم المغول المسلمين، ثم سيطر الأفغانُ عليها بعد المغول، ثم بعد التدخُّل الإنجليزي استطاع السيخُ أن يتحكَّموا بالإقليم الكشميري، وكانت أيامُهم فيها من أسوأ الأيام على المسلمين من إراقة الدماء وهدمِ المساجِدِ، ثم أخذها الإنجليزُ مِن السيخ عام 1262هـ / 1846م ثم قاموا ببيعِها بموجِبِ اتفاقية أمريتسار (وهي المدينة التي تعد قاعدة السيخ) بمبلغ سبعة ملايين ونصف مليون روبية إلى أسرة الدوغرا الشيخية لمدة مائة عام من 1846 إلى 1946م، ولم ينس الإنجليز (لتمُرَّ هذه الصفقة على المسلمين) أن يجعَلوا أسرة الدوغرا تتعهَّدُ بأن تحكُمَ رعيتها المسلمةَ بالعدل، وكان -كما هو مشهور- حبرًا على ورق، وإلَّا فالواقع خيرُ شاهد على ما قام به الدوغرا تجاهَ المسلمين الذين ظلُّوا طيلة قرن من الزمن مكَبَّلين بأغلال العبودية والاضطهاد والتنكيل، رغم أنهم الأكثرية؛ فهم يشكلون ثمانين بالمائة من السكان!
بعد وفاة عيسى بن محمد السعدون سنة 1259هـ تولَّى بعده أخوه بندر فأخذ نحوًا من ثلاث سنين من ولايتِه وحكَمَهم في ابتداءٍ مِن الخلل، ثم مات ووَلِيَ بعده أخوه فهد، فلم تطُلْ مُدَّتُه، فقد مات قبل أن يتِمَّ سنة في رئاستِه, ثم مرج حكمُ المنتفق بعده، فتارةً في أولاد راشد السعدون، وتارةً في أولاد عقيل السعدون، وتارة في ولد عيسى السعدون، يتحاربون ويتقاتلون بينهم، حتى هلك منهم أممٌ؛ يأخذ الواحِدُ منهم مدة قليلة، ثم يأتيه المحارِبُ له فيُخرِجُه، فيشيخ مكانَه، ثم يذهب المُخرَجُ فيجمَعُ له قوة ويزيد الحُكَّام خراجًا، فيُظهِرون معه عسكرًا فيأتي صاحِبَه ويُخرِجُه. ودام ذلك بينهم إلى هذه السنة وأمرُهم في مروج، والثابتُ المستقِرُّ في الحكم هذا العام هم ولد راشد بن ثامر السعدون.
حاول عبدُ الرحمن بنُ فيصل أن يستعيدَ سُلطتَه على مناطِقِ القصيم، فاستنجد بأهالي القصيمِ ضِدَّ محمد ابن رشيد الذي لم يمهِلْ هذا الحِلفَ حتى ينضجَ، فجَرَّد حملةً عسكرية قويةً مِن البدو والحضر، واتجه لمحاصرة الرياضِ لإنهاء حُكمِ آل سعود، وانتهى الحصارُ بعد 40 يومًا بصُلحٍ حَضَره من قِبَلِ عبد الرحمن أخوه محمد، والشيخ عبد الله بن عبد اللطيف آل الشيخ قاضي الرياض، وحضر المفاوضاتِ الأميرُ عبد العزيز بن عبد الرحمن، وكان عمرُه لا يتجاوز 10 سنوات، ومن أهم بنود الصلح: فكُّ ابن رشيد حصارَه للرياضِ، والرحيل إلى حائل, وأن تكون السلطةُ الفِعليَّةُ في الرياضِ لآل سعود دون تدخُّلِ ابنِ رشيد، وإطلاقِ سَراحِ سالم بن سبهان من السِّجنِ.
قرَّر محمَّدُ ابن رشيد أن يصفِّيَ حساباتِه مع أهل بُرَيدة بعد فَشَل فتح الرياض، فأعَدَّ حملةً مِن عُربان شمر وحرب، والتقى بقواتِ القصيم في مكانٍ يدعى القرعا، وانتصر عليه أهلُ القصيم فاحتال عليهم وانسحب إلى سهلية، فلما لحق به أهلُ القصيمِ انقَضَّ عليهم وهزمهم وقَتَل منهم 1000 رجلٍ، وكان عبد الرحمن بن فيصل قد جهَّز جيشًا لمساعدة مؤيِّديه من أهل القصيم إلَّا أنه وصله خبَرُ هزيمتهم قبل أن يصِلَ إليهم، فرجع إلى الرياض وقرَّر الخروج منها لمعرفته بالنتيجةِ الحتميَّةِ أنَّ ابنَ رشيد لن يتأخَّرَ عن دخولِ الرياضِ والسيطرة عليها، فخرج بعائلته إلى الصحراء الشرقية قُربَ الأحساء, وعُرِفَت هذه المعركة بمعركة المليداء، وهي من أكبر المعارك التي مكَّنَت لابن رشيد من بَسطِ سيطرتِه على نجدٍ، ومهَّدَت لانهيارِ الدولة السعودية الثانية تمامًا.
كان رضا خان بهلوي من ضباط الجيش القاجاري، وسرعان ما أبدى كفاءةً عالية فأصبح قائدًا لفرقة القوزاق، وكان طموحًا جدًّا وفي غاية الذكاء. وكانت البلاد تترنَّح، فصمَّم على إنقاذها، فقام بانقلاب عسكري، وأسقط الوزارة سنة 1340 هـ/1921م وأسندها لسياسيٍّ إيراني شهير هو ضياء الدين طباطبائي، وذلك ليحكُمَ مِن ورائه، وتتوارى أهدافُه الديكتاتورية. فتولى وزارة الحربية ثمَّ رئاسة الوزراء، ثم خطا رضا خان خطوتَه الكبيرة في ربيع الأول عام 1344ه فأسقط الأسرةَ القاجارية، ونصَّب نفسه شاهًا لإيران، وهو أول ملوك الدولة البهلوية في إيران، وامتدت فترة حكمه من 1925 حتى 1941، وغيَّرَ اسم الدولة من فارس إلى إيران، وتنازل عن عرشه عام 1941؛ بسبب رفضه الانحيازَ للحلفاء في الحرب العالمية الثانية.
احتلَّت إيطاليا الحبشة عام 1354هـ / 1935م رغم مُعارضة الأمم المتحدة وفَرْض العقوبات الاقتصادية، ثم لَمَّا قامت الحرب العالمية الثانية قامت الثورات في الحبشة ضِدَّ الطليان بتحريضٍ مِن البريطانيين وباقي الحلفاء، وزحفت القوات البريطانية من السودان إلى الحبشة، وخرج الطليان من البلاد ودخل الإنجليز أديس أبابا عام 1360هـ / 1941م، وأعيد الإمبراطور هيلا سيلاسي من منفاه في العام نفسِه، وبعد أن استسلمت آخِرُ الحاميات الإيطالية في غوندار عام 1361هـ / 1942م أعلنت الحبشةُ الحرب على دول المحور، ووقفت بجانب الحلفاء، وانتهت الحرب، وفَصَلت الأمم المتحدة التي تشكلت بعد الحرب بين الحبشة وأريتريا، فعادت الحبشة دولةً مستقلةً، وهكذا لم تخضع الحبشةُ للاستعمار إلا لمدة سبع سنوات، بخلاف ما حدث لبقية الدول الأوربية وما ذلك إلا لنصرانيَّتِها.
بقي عِصمت إينونو على نَهجِ سَلَفِه مصطفى كمال؛ إذ إنَّ حِزبَه الذي أسَّسه مصطفى -حزب الشعب الجمهوري- حكم البلادَ وتعَسَّف وأساء حتى كَرِهَه الناس، وكرهوا بقاءَ التمجيد للهالِكِ أتاتورك، ولَمَّا انتهت الحرب العالمية الثانية وأعطِيَ النَّاسُ بعض الحرية حصل خلافٌ بين رئيس الجمهورية عصمت إينونو وبين محمود جلال بايار أدَّى إلى الانشقاقِ في داخِلِ الحزب الذي ينتميان إليه، وهو الحِزبُ الحاكمُ حِزبُ الشعب الجمهوري، فقام محمود بتشكيلِ حِزبٍ جديد سمَّاه الحزب الديمقراطي، ورغم أنَّهما مِن مِشكاةٍ واحدة لكِنْ كُرهُ الناس لحزب الشعب أدَّى إلى فوز الحزب الديمقراطي عندما أُجرِيَت الانتخابات الرئاسية في (أيار 1950م) فنجح محمود جلال بايار فأصبح رئيسًا لتركيا.
بعد وفاة أحمد حلمي -رئيس حكومة عمومِ فلسطين، وممثل فلسطين لدى الجامعة العربية- صدر قرارٌ باختيار أحمد الشقيري لهذا المنصب، وأكَّد القرار أنَّ الشعب الفلسطيني هو صاحب الحقِّ الشرعي في فلسطين، وأن من حقِّه أن يستردَّ وطنَه، ويقرِّرَ مصيره، ويمارسَ حقوقه الوطنية الكاملة، وأنَّ الوقتَ قد حان ليتولى أهلُ فلسطين أمرَ قضيتهم، وأنَّ مِن واجب الدول العربية أن تتيحَ لهم الفرصةَ لممارسة هذا الحق. وبادر الشقيري بتسهيلات من الحكومة المصرية إلى زيارة عمان ودمشق وبيروت وقطاع غزة، وأعلن تأسيسَ منظمة التحرير الفلسطينية عام 1384هـ / 1964 بعد انعقاد المؤتمر العربي الفلسطيني الأوَّل في القدس؛ نتيجةً لقرار الجامعة العربية في اجتماعها الأول بالقاهرة عام 1964.
تُوفِّي الشيخُ ملا محمد عزيزي -رحمه الله- عن عمرٍ ناهَزَ الثَّمانين، بعد معاناةٍ طويلةٍ مع المرضِ، وتمَّ تشيِيعُ جُثمانه في جموعٍ حاشدةٍ من الطَّلَبة والعلماءِ وغيرِهم، وذلك في مسقط رأسِه، قرية "برده رش" من توابِعِ مدينة "بانه" في مديرية "نمشير". وكان من المُجتَهدين في الدعوة، في محافظةِ كُردستان الإيرانية. وقد وُلد في سنةِ (1349هـ) من أسرةٍ عُرِفت بالتديُّن والالتزام. وكان والدُه الشيخ عبد القادر من عُلَماء المِنطَقة، وكان يهتمُّ كثيرًا بتربِيَةِ ولدِه تربيةً إسلامية، وبتلقِّيه العلومَ الشرعية. وأقبل الشيخُ عزيزي -بعد إكمالِه الدراسةَ الشرعيةَ- إلى النَّشاطات العِلميَّة والدَّعويَّة في المنطقة؛ حيث ألَّف كثيرًا من الرسائلِ والكتب باللُّغَتين الكُردية والفارسِيَّة، بالإضافةِ إلى نشاطاتِه الدعويَّةِ والثقافيَّة، ومنها: تخريجُ عددٍ كبيرٍ من الطَّلبةِ والدُّعاةِ، ومكافحةِ البِدَعِ والخُرافات وسائر المُحرَّمات الشرعيةِ.
وُلِدَ إسلام كريموف في مدينةِ سَمَرقند في أوزبكستانَ عامَ 1938، ودرَسَ الهندسةَ والاقتصادَ، وعَمِلَ مهندسًا في الطيرانِ مِن 1961 إلى 1966، ثمَّ تولَّى بعدها مناصِبَ حكوميَّةً، وفي عامِ 1989 تولَّى الحُكمَ في أوزباكستانَ، ومُدِّدَت ولايتُه إلى عامِ 2000 بموجِب استفتاءٍ، وفاز في انتخاباتٍ أُجرِيَت في تلك السَّنة دون مُنافِسٍ، وفي استفتاءِ عامِ 2002م مُدِّدَت فترةُ ولايتُه من 5 إلى 7 سنَواتٍ، وفاز بفترتَي ولايةٍ أُخرَيَين عقِبَ انتخاباتٍ أُجرِيَت في عامِ 2007م، وفي مارس 2015م. ويوصَفُ حُكمُ كريموف بالقسوةِ الشَّديدةِ تجاهَ مُعارِضيه، وقد أعلَنَت حكومةُ أوزبكستان رسميًّا وفاةَ الرئيسِ إسلام كريموف -رحمه اللهُ- في اليومِ الأولِ من هذا الشهرِ؛ لإصابته بجَلطةٍ دِماغيَّةٍ عن عمرٍ يناهزُ 78 عامًا، ودُفِنَ في سَمَرقند.
وقَع انفجارٌ هائل في مَرفَأ بَيروت؛ ممَّا جعَل وَسائلَ الإعلام تُطلِق عليه مُصطلَح "بيروتشيما" تَشبيهًا له بما جَرى لمدينة هِيروشيما جرَّاء الانفجارِ النَّووي عامَ 1945 م، وقد وقَع الانفجارُ الضَّخم على مَرحلَتَين نتجَت عنه سحابةٌ دُخانيةٌ ضخْمةٌ على شاكلةِ سَحابة الفِطْر، ترافَقت مع مَوجةٍ صادمة هزَّت العاصمةَ بَيروت، مما أدَّى إلى أضرارٍ كبيرة في المَرْفَأ وتَهشيم الواجهاتِ الزُّجاجية للمباني والمنازل في مُعظَم أحياء العاصمةِ اللُّبنانية بَيروت، وكان عددُ الجرحى كبيرًا جدًّا، مات فيه المئاتُ، وأُصيب الآلافُ، وتَشرَّد فيه عشراتُ الآلافِ، وبلَغَت الخسائرُ أكثرَ من 10 مليار دولارٍ أمريكي.
وكان سَببُ الانفجار "موادَّ شَديدةَ الانفجار" كانت مُخزَّنةً في المَرْفَأ منذ أكثر مِن ستِّ سَنواتٍ، وأُشِيرت أصابعُ الاتِّهام وقْتَها لحزبِ الله اللُّبناني.
في شهر ذي الحجة من سنة اثنتي عشرة وثمانمائة قاتل (الأمير شيخ المحمودي) نوروزًا ودمرداش، سبعة أشهر وحاصرهما بحماة، ووقع بينهم في هذه المدة المذكورة حروب وخطوب يطول شرحها، وقُتِل بينهم خلائق لا تُحصى، واشتد الأمر على نوروز وأصحابه بحماة، وقلَّت عندهم الأزواد وقاسوا شدائد حتى وقع الصلح بينه وبين الأمير شيخ، وذلك عندما سمعوا بخروج الملك الناصر فرج إلى البلاد الشامية، وخاف نوروز إن ظفر به الملك الناصر لا يبقيه، فاحتاج إلى الصلح، وحلف كل من نوروز والأمير شيخ لصاحبه، وأما السلطان الملك الناصر فإنه أخذ في التجهيز إلى السفر نحو البلاد الشامية، وعَظُم الاهتمام في أول محرم هذه السنة، وأما الأمير شيخ فإنه لما بلغه خروج السلطان من الديار المصرية لم يَثبُت، وداخَلَه الخوف، وخرج من دمشق في يوم الثلاثاء السادس والعشرين من شهر ربيع الأول بعساكره ومماليكه، وتبعه الأمير جانم نائب حماة، فدخل بكتمر جلق إلى الشام من الغد في يوم السابع والعشرين -على حين غفلة- حتى يطرق الأمير شيخًا، ففاته الأمير شيخ بيوم واحد، لكنه أدرك أعقابه وأخذ منهم جماعةً، ونهب بعض أثقال الأمير شيخ، ثم دخل السلطان الملك الناصر إلى دمشق بعد عشاء الآخرة من ليلة الخميس الثامن والعشرين، وقد ركب من بحيرة طبرية في عصر يوم الأربعاء على جرائد الخيل ليكبسَ الأمير شيخًا، ففاته بيسير، وكان الأمير شيخ قد أتاه الخبر وهو جالس بدار السعادة من دمشق، فركب من وقته وترك أصحابه، ونجا بنفسه بقماش جلوسه، فما وصل إلى سطح المزة إلا وبكتمر جلق داخل دمشق؟ ومر الأمير شيخ على وجهه منفردًا عن أصحابه، ومماليكه وحواشيه في أثره، والجميع في أسوأ ما يكون من الأحوال، وسار السلطان بعساكره إلى جهة حلب حتى وصلها في قصد الأمير شيخ ونوروز بمن معهما من الأمراء، ثم كتب السلطان لنوروز والأمير شيخ يخيِّرُهما، إما الخروج من مملكته، أو الوقوف لمحاربته، أو الرجوع إلى طاعته، فأجابه الأمير شيخ بأنه ليس بخارج عن طاعته، ويعتذر عن حضوره بما خامر قلبه من شدة الخوف والهيبة عندما قبض عليه السلطان مع الأتابك يشبك الشعباني في سنة 810، وأنه قد حلف لا يحارب السلطان ما عاش، من يوم حلفه الأمير الكبير تغري بردي في نوبة صرخد، وكرَّر الاعتذار عن محاربته لبكتمر جلق، حتى قال: وإن كان السلطان ما يسمح له بنيابة الشام على عادته، فينعم عليه بنيابة أبلستين، وعلى الأمير نوروز بنيابة ملطية، وعلى يشبك بن أزدمر بنيابة عينتاب، وعلى غيرهم من الأمراء ببقية القلاع؛ فإنهم أحق من التركمان المفسدين في الأرض، فلم يرضَ السلطان بذلك، وصمَّم على الإقامة ببلاد الشام، وبينما السلطان بحلب ورد عليه الخبر بأن الأمير شيخًا ونوروزًا وصلا عينتاب، وسارا على البرية إلى جهة الشام، فركب السلطان مسرعًا من حلب على حين غفلة في الثالث والعشرين شهر رجب ببعض عساكره، وسار حتى دخل دمشق في أربعة أيام، وأما الأمير شيخ ونوروز، فإنهما لما سار السلطان عن أبلستين خرجا من قيسارية بمن معهم، وجاؤوا إلى أبلستين فمنعهم أبناء دلغادر وقاتلوهم، فانكسروا منهم وفروا إلى عينتاب، فلما قربوا من تل باشر تمزقوا، وأخذت كل طائفة جهة من الجهات، فلحق بحلب ودمشق منهم عدة وافرة، واختفى منهم جماعة، ومرَّ الأمير شيخ ونوروز بحواشيهما على البرية إلى تدمر فامتاروا منها، ومضَوا مسرعين إلى صرخد وتوجَّهوا إلى البلقاء ودخلوا بيت المقدس، ثم توجهوا إلى غزة وأقاموا بها حتى أخرج السلطان إليهم بكتمر جلق على عسكر كبير، فسار إلى زرع، ثم كتب للسلطان يطلب نجدة، فأخرج إليه السلطان من دمشق بعسكر هائل من الأمراء والمماليك السلطانية، فلما وصل بكتمر جلق بمن معه من الأمراء إلى غزة، وبلغه توجه الأمير شيخ ونوروز إلى جهة مصر، إلى أن وصلوا إلى مصر في يوم الأحد ثامن شهر رمضان ودخل معهم إلى القاهرة خلائق من الزعر، وبني وائل -من عرب الشرقية - والأمير سعيد الكاشف هو معزول، وأصبح الأمير شيخ أقام رجلًا في ولاية القاهرة فنادى بالأمان، ووعد الناس بترخيص الأسعار، وبإزالة المظالم، فمال إليه جمع من العامة، وأقاموا ذلك اليوم، وملكوا مدرسة الملك الأشرف شعبان التي كانت بالصوة تجاه الطبلخاناة السلطانية، هذا والقتال مستمر بينهم وبين أهل القلعة، ثم طلبوا من الأمراء الذين بالقلعة فتح باب القلعة لهم، قالوا: ما لنا غرض في النهب، وإنما نريد أن نأخذ ابن أستاذنا -يعنون بابن أستاذنا: الأمير فرج ابن السلطان الملك الناصر فرج- فقال كافور الزمام: وأيش أصاب السلطان حتى تأخذوا ولده؟ فقالوا: لو كان السلطان حيًّا ما كنا هاهنا -يعنون أنهم قتلوا السلطان، وساروا إلى الديار المصرية ليسلطنوا ولده- فلم يمش ذلك على كافور ولا على غيره، وطال الكلامُ بينهم في ذلك، فلم يلتفت كافور إلى كلامهم، فهددوه بإحراق الباب، فخاف وبدأ يماطلهم؛ لعلمه بمجيء العسكر المصري من الشام، وبينما كافور الزمام في مدافعتهم لاحت طلائع العسكر السلطاني لمن كان الأمير شيخ أوقفه من أصحابه يرقبهم بالمآذن بقلعة الجبل، وقد ارتفع العجاج، وأقبلوا سائقين سوقًا عظيمًا جهدهم، فلما بلغ الأمير شيخ وأصحابه ذلك لم يثبتوا ساعةً واحدةً، وركبوا من فورهم ووقفوا قريبًا من باب السلسلة، فدهمهم العسكر السلطاني فولَّوا هاربين نحو باب القرافة، والعسكر في أثرهم، فكبا بالأمير شيخ فرسُه عند سوق الخيم بالقرب من باب القرافة، فتقنطر من عليه، فلم يستطع النهوض ثانيًا؛ لعظم روعه وسرعة حركته، فأركبه بعضُ أمراء آخوريته وركب الأمير شيخ ولحق بأصحابه، فمروا على وجوههم على جرائد الخيل، وتركوا ما أخذوه من القاهرة، وأيضًا ما كان معهم، وساروا على أقبح وجه بعد أن قبض عسكر السلطان على جماعة من أصحاب الأمير شيخ، ودخل الأمير بكتمر جلق بعساكره، وأرسل الأمير سودون الحمصي فاعتقل جميع من أمسك من الشاميين، وأخذ يتتبَّعُ من بقي من الشامية بالقاهرة، ثم نادى في الوقت بالأمان، وقدم عليه الخبر في ليلة الأربعاء حادي عشر من شهر رمضان بأن الأمير شيخًا نزل إطفيح وأنهم افترقوا فرقتين؛ فرقة: رأسها الأمير نوروز الحافظي، ويشبك بن أزدمر، وسودون بقجة، وفرقة: رأسها الأمير شيخ المحمودي، وسودون تلي المحمدي، وسودون قراصقل، وكل فرقة منهما معها طائفة كبيرة من الأمراء والمماليك، وأنهم لما وصلوا إلى الشوبك دفعهم أهلها عنها، فساروا إلى جهة الكرك وبها سودون الجلب، فتضرعوا له حتى نزل إليهم من قلعة الكرك، وتلقاهم وأدخلهم مدينة الكرك، وأنهم استقروا بالكرك، واستمر السلطان بدمشق إلى يوم سابع عشر ذي القعدة، وخرج منها إلى قبة يلبغا، ورحل من الغد بأمرائه وعساكره يريد الكرك بعدما تحقق نزول الأمراء بالكرك، وأما الأمير شيخ ونوروز وجماعتهما، فإنهم أقاموا بالكرك أيامًا، واطمأنوا بها، ثم أخذوا في تحصينها، وأما السلطان الملك الناصر فإنه سار من مدينة دمشق حتى نزل على مدينة الكرك في يوم الجمعة الرابع والعشرين ذي القعدة، وأحاط بها ونصَب عليها الآلات، وجَدَّ في قتالها، وحصرها وبها الأمير شيخ ونوروز وأصحابهما، واشتدَّ الحصار عليهم بالكرك، وأخذ الملك الناصر يلازم قتالهم حتى أشرفوا على الهلاك والتسليم، ثم أخذ الأمير شيخ ونوروز والأمراء يكاتبون الأمير تغري بردي ويتضرعون إليه، وهو يتبرَّم من أمرهم والكلام في حقهم، ويوبخهم بما فعله الأمير شيخ مع بكتمر جلق بعد حَلِفِه في واقعة صرخد، فأخذ الأمير شيخ يعتذر ويحلف بالأيمان المغلظة أن بكتمر جلق كان الباغي عليه والبادئ بالشر، وأنه هو دفع عن نفسه لا غير، وأنه ما قَصْدُه في الدنيا سوى طاعة السلطان، ولا زالوا حتى تكلم تغري بردي مع السلطان في أمرهم، ثم تردَّدت الرسل بينهم وبين السلطان أيامًا حتى انعقد الصلح، على أن يكون تغري بردي نائب الشام، وأن يكون الأمير شيخ نائب حلب، وأن يكون الأمير نوروز نائب طرابلس، وكان ذلك بإرادة الأمير شيخ ونوروز، فإنهما قالا: لا نرضى أن يكون بكتمر جلق أعلى منا رتبة بأن يكون نائب الشام، ونحن أقدم منه عند السلطان، فإن كان ولا بد، فيكون الأمير الكبير تغري بردي في نيابة الشام، ونكون نحن تحت أوامره، ونسير في المهمات السلطانية تحت سنجقه، وأما بكتمر ودمرداش فلا، وإن فعل السلطان ذلك لا يقع منا بعدها مخالفة أبدًا، ولما بلغ الأمراء والعساكر هذا القول أعجبهم غاية الإعجاب، وقد ضجر القوم من الحصار، وملوا من القتال، فلا زالوا بالسلطان حتى أذعن ومال إلى تولية تغري بردي نيابة الشام، وكان السلطان قد شرط على الأمراء شروطًا كثيرة فقبلوها، على أن يكون تغري بردي نائب دمشق.
كان الأمير تنم الحسني قد تغلَّب على دمشق أيام موت السلطان الظاهر برقوق، ثم إن السلطان الناصر فرج بن برقوق أقرَّه وأعطاه نيابة دمشق، وأجيز بإخراج من أراد من السجون، فأخرج عدة أمراء من السجون، وزاد أمره فأراد تملُّك أكثر من دمشق، كحلب وحمص وطرابلس وغيرها، ثم إن أيتمش لما هرب في الفتنة التي حصلت بينه وبين يشبك -في شهر صفر من هذه السنة- جاء إلى دمشق الأمير تنم هو ومن معه من الأمراء في خامس ربيع الآخر، فخرج الأمير تنم إلى لقائه، وبالغ في إكرامه وإكرام من معه، وعَظُم شأن الأمير تنم بقدوم أيتمش عليه، وأطاعه من خالف عليه، وفي ثامنه قَدِمَ عليه كتابُ الملك الناصر بمَسكِ أيتمش ومن معه وقدومه إلى مصر، فأحضر الكتاب وحامله إلى عند أيتمش، وأعلمه بذلك، ثم جهَّز أيتمش وتغري بردي قصادهما إلى نائب حماة، ونائب حلب، بدعواهما إلى ما هم عليه، فأجابا بالسمع والطاعة في خامس عشر جمادى الأولى، ورُدَّ الخبر بخروج الأمير تنم نائب الشام، وأيتمش، بمن معهما من دمشق إلى جهة غزة، فرسم السلطان فرج بالتجهيز للسفر؛ ففي السابع عشر اجتمع الأمراء والمماليك بمجلس السلطان، فحثَّهم على السفر في أول جمادى الآخرة، وأن يخرج ثمانية أمراء من الألوف بألف وخمسمائة من المماليك المشتراوات وخمسمائة من المستخدمين، فاختلف الرأي؛ فمنهم من أجاب، ومنهم من قال: لا بدَّ من سفر السلطان، وانفضُّوا على غير شيء، ونفوسُهم متغيرةٌ من بعضهم على بعض، ثم في شهر رجب في رابعه يوم الجمعة: نزل السلطان من القلعة إلى الريدانية ليتوجه إلى قتال أيتمش ونائب الشام، فأقام بمخيَّمه، وتلاحق به الأمراء والعساكر والخليفة وقضاة القضاة، وفي ثامنه: رحل السلطان ببقية العسكر، وعِدَّةُ من سار أولًا وثانيًا نحو سبعة آلاف فارس، وأما الأمير تنم نائب الشام فإنه وجَّه نائب حلب بعسكره إلى جهة مصر في ثامنه، وخرج في تاسعه ومعه الأمير أيتمش وبقية العساكر، ومن انضَمَّ إليهم من التركمان، وخيَّم على قبة يلبغا خارج دمشق، حتى لحقه بقية العسكر ومن سار معه من القضاة، وعمل الأمير جركس أبو تنم نائب الغيبة، وفي الحادي عشر رحل الأمير تنم من ظاهر دمشق، وتبعه ابن الطبلاوي في الثاني عشر، وسار نائب طرابلس بعسكره ساقة، ثم إن الأمير تنم نزل على الرملة بمن معه، وكان لما قدم عليه من انكسر من عَسكرِه على غزة شَقَّ عليه ذلك، وأراد أن يقبِضَ على بتخاص والمنقار، ففارقاه ولحقا بالسلطان، وأن السلطان بعث إليه من غزة بقاضي القضاة صدر الدين المناوي في يوم الثلاثاء التاسع عشر، ومعه ناصر الدين محمد الرماح أمير أخور، وطغاي تمر مُقدَّم البريدية، وكتب له أمانًا، وأنَّه باق على كفالته بالشام إن أراد ذلك، وكتب الأمراء إلى الأمير تنم يقولون له: أنت أبونا وأخونا، وأنت أستاذنا، فإن أردتَ الشام فهي لك، وإن أردت مصر كنَّا مماليكك وغلمانك، فصُنِ الدماء. وكان الأمراء والعسكر في غاية الخوف منه؛ لقوَّتِه وكثرة عدده، وتفرُّقِهم واختلافِهم، فسار إليه القاضي وحَدَّثه في الصلح ووعظه، وحذَّره الشقاق والخروج عن طاعة السلطان، فقال الأمير تنم: ليس لي مع السلطان كلام، ولكن يرسل إلى الأمير يشبك وسودون طاز وجركس المصارع، وجماعة عَيَّنهم، ويعود الأمير أيتمش كما كان هو وجميع الأمراء الذين معه، فإن فعل ذلك وإلا فما بيني وبينهم إلا السيف، وثبت على ذلك، فقام القاضي ليخرجَ، فخرج الأمير تنم معه بنفسِه إلى خارج الخيمة، وأركبه فرسًا في غاية الحُسنِ، وعضده لما ركب، فقدم القاضي يوم الخميس الحادي والعشرين منه ومعه أحد خاصكية السلطان ممن كان عند الأمير تنم، وعوقه نحو أربعة أشهر عن الحضور، وأعاد الجواب فاتفق الجميعُ على محاربته، فلما كان يوم السبت الثالث والعشرين منه: ورد الخبر أن الأمير تنم ركب ممن معه يريد الحرب، فسار السلطان بعساكره من غزة إلى أن أشرف على الجينين قريب الظهر، فعاين الأمير تنم قد صفَّ عساكره، ويقال إنهم خمسة آلاف فارس وستة آلاف راجل، فتقدمت عساكر السلطان إليهم وقاتلوهم، فلم يكن غير يسير حتى انهزمت عساكِرُ الأمير تنم، ووقع في الأسر الأميرُ تنم نائب الشام، وأقبغا نائب حلب، ويونس نائب طرابلس، وأحمد ابن الشيخ علي، وفارس حاجب الحُجَّاب وبيغوت، وشادي خجا، وبيرم رأس نوبة أيتمش، وجلبان نائب حلب، ومن أمراء الطبلخاناه والعشرات ما ينيف على مائة أمير، وفرَّ أيتمش، وتغري بردي، ويعقوب شاه، وأرغون شاه، وطيفور، في ثلاثة آلاف إلى دمشق ليملِكوها، وعندما قُبِضَ على الأمير تنم كتب إلى دمشق بالنصرة ومَسْك تنم، فوصل البريدُ بذلك يوم الثلاثاء السادس والعشرين منه على نائب الغيبة بدمشق، فنودي بذلك, ثم قدم الأمير أيتمش إلى دمشق يوم الأربعاء السابع والعشرين منه، فقبض عليه، وعلى تغري بردي، وطيفور، وأقبغا اللكاش، وحُبسوا بدار السعادة، ثم مُسِك بعد يومين أرغون شاه، ويعقوب شاه، وتقدم القاضي سعد الدين إبراهيم بن غراب إلى دمشق، فقدمها في يوم السبت آخره، دخل السلطان بأمرائه وعساكره إلى قلعة دمشق، فكان يومًا مشهودًا وسُرَّ الناس به سرورًا كبيرًا, وفي ليلة الخميس رابع رمضان قُتِل الأمير تنم نائب الشام، والأمير يونس الرماح نائب طرابلس بقلعة دمشق خنقًا بعد أن استصفيت أموالهما، ولم يبقَ لهما شيء، ثم سُلِّما إلى أهلهما، فدُفِن الأمير تنم بتربته بميدان الحصى خارج دمشق، ودُفِن يونس بالصالحية، فكانت مدة ولاية الأمير تنم نيابة الشام سبع سنين وستة أشهر ونصفًا، وولاية يونس طرابلس نحو ست سنين.
هو الأمير سيف الدولة صدقة بن بهاء الدولة منصور بن ملك العرب دبيس بن علي بن مزيد الأسدي، الناشري العراقي صاحب الحلة السيفية. كان يتشيع هو وأهل بيته، ويقال له ملك العرب. وكان ذا بأس وسطوة، كريمًا ذا ذمام، عفيفًا من الزنا والفواحش، كأن عليه رقيبًا من الصيانة، ولم يتزوج على زوجته قطُّ ولا تسرَّى، وقيل: إنه لم يشرب مُسكِرًا ولا سَمِعَ غناءً ولا قصد التسوُّقَ في طعام، ولا صادر أحدًا من أصحابه، وكان تاريخ العرب الأماجد كرمًا ووفاءً، وكانت داره ببغداد حرمَ الخائفين. اختطَّ مدينة الحلة في سنة خمس وتسعين وأربع مائة، وسكنها الشيعة، وكان قد عَظُم شأن صدقة، وعلا قدره، واتسع جاهه، واستجار به صغار الناس وكبارهم، فأجابهم، وكان كثير العناية بأمور السلطان محمد، والتقوية ليده، والشدِّ منه على أخيه بركيارق، حتى إنه جاهر بركيارق بالعداوة، ولم يبرحْ على مصافاة السلطان محمد، وزاده محمد إقطاعًا، من جملته مدينة واسط، وأذن له في أخذ البصرة. ثم أفسد ما بينهما العميدُ أبو جعفر محمد بن الحسين البلخي، ثم إنه تعدى ذلك حتى طعن في اعتقاده، ونسبه وأهل بلده إلى مذهب الباطنية، وقيل: إنما كان مذهبه التشيع لا غير، ووافق أرغون السعدي أبا جعفر العميد، وأما سبب قتله فإن السلطان محمدًا قد سخط على أبي دلف سرخاب بن كيخسرو، صاحب ساوة وآبة، فهرب منه وقصد صدقة فاستجار به فأجاره، فأرسل السلطان يطلب من صدقة أن يسلِّمَه إلى نوابه، فلم يفعل، وظهر منه أمورٌ أنكرها السلطان, فأنفذ الخليفةُ المستظهر بالله إلى صدقة ينهاه عن الخروج على السلطان، وتردَّدت الرسل بين الخليفة وصدقة, فما سمع صدقة، واجتمع له عشرون ألف فارس، وثلاثون ألف راجل، فتوجَّه السلطان إلى العراق ليتلافى هذا الأمر، فالتقى الجمعان عند النعمانية، فرشقتهم عساكر السلطان بالسهام، فجرحت خيولهم، ثم ولَّوا، وبقي صدقة يجول بنفسه، فجُرِح فرسه المهلوب، وكان عديمَ المثَل، وهرب وزيره على فرس له، فناداه، فما ألوى عليه، ثم جاءته ضربةُ سيف في وجهه، وقُتِلَ صدقة، وحُمل رأسه إلى بغداد. وقتل من أصحابه ما يزيد على ثلاثة آلاف فارس، فيهم جماعة من أهل بيته، وأُسِرَ ابنه دبيس ووزيره وعِدَّةٌ من أهله، وكان عمره تسعًا وخمسين سنة، وكانت إمارته إحدى وعشرين سنة، وحُمِل فدفن في مشهد الحسين عليه السلام, ثم عاد السلطان إلى بغداد، ولم يَصِل إلى الحلة، وأرسل إلى البطيحة أمانًا لزوجة صدقة، وأمرها بالظهور فأصعدت إلى بغداد، فأطلق السلطان ابنها دبيسًا، وأنفذ معه جماعة من الأمراء إلى لقائها.
ملك العادل أبو بكر بن أيوب بلد الخابور ونصيبين، وحصر مدينة سنجار، والجميع من أعمال الجزيرة، وهو بيد قطب الدين محمد بن زنكي بن مودود، وسببُ ذلك أن قطب الدين كان بينه وبين ابنِ عَمِّه نور الدين أرسلان شاه بن مسعود بن مودود، صاحب الموصل، عداوةٌ مستحكمة، وكان لنور الدين وزراء يحبون أن يشتغل عنهم، فحسَّنوا له مراسلة العادل والاتفاق معه على أن يقتسما بالبلاد التي لقطب الدين، وبالولاية التي لولد سنجر شاه بن غازي بن مودود، وهي جزيرة ابن عمر وأعمالها، فيكون مُلك قطب الدين للعادل، وتكون الجزيرةُ لنور الدين، فوافق هذا القولُ هوى نور الدين، فأرسل إلى العادل في المعنى، فأجابه إلى ذلك مستبشرًا، فبادر العادلُ إلى المسير من دمشق إلى الفرات في عساكره، وقصد الخابور فأخذه، فلما سمع نور الدين بوصوله كأنَّه خاف واستشعر، هذا والعادل قد ملك الخابورَ ونصيبين، وسار إلى سنجار فحصرها، فبينما الأمرُ على ذلك إذ جاءهم أمر لم يكن لهم في حساب، وهو أن مظفر الدين كوكبري، صاحب إربل، أرسل وزيره إلى نور الدين يبذُلُ من نفسه المساعدةَ على منع العادل عن سنجار، وأنَّ الاتفاق معه على ما يريده، فوصل الرسولُ ليلًا فوقف مقابل دار نور الدين وصاح، فعبَرَ إليه سفينة عبر فيها، واجتمع بنور الدين ليلًا وأبلغه الرسالة، فأجاب نور الدين إلى ما طلب من الموافقة، وحلفَ له على ذلك، وعاد الوزيرُ من ليلته، فسار مظفر الدين، واجتمع هو ونور الدين، ونزلا بعساكِرِهما بظاهر الموصل، ولما وصل مظفر الدين إلى الموصل، واجتمع بنور الدين، أرسلا إلى الملك الظاهرِ غازي بن صلاح الدين، وهو صاحِبُ حلب، وإلى كيخسرو بن قلج أرسلان، صاحب بلاد الروم، بالاتِّفاق معهما، فكلاهما أجاب إلى ذلك، فتواعَدوا على الحركة وقصْد بلاد العادل إن امتنع من الصلحِ والإبقاء على صاحب سنجار، وأرسلا أيضًا إلى الخليفة الناصر لدين الله ليرسِلَ رسولًا إلى العادل في الصلح أيضًا، فقويت حينئذ نفس صاحب سنجار على الامتناع، ووصلت رسلُ الخليفة إلى العادل وهو يحاصر سنجار، فأجاب أولًا إلى الرحيل، ثم امتنع عن ذلك، وغالط، وأطال الأمر لعله يبلغ منها غرضًا، فلم ينلْ منها ما أمَّله، وأجاب إلى الصلح على أن يكون له ما أخذ وتبقى سنجار لصاحبها، واستقرَّت القاعدة على ذلك، وتحالفوا على هذا كلُّهم، وعلى أن يكونوا يدًا واحدة على الناكثِ منهم؛ ورحل العادل عن سنجار إلى حران، وعاد مظفر الدين إلى إربل، وبقي كل واحد من الملوك في بلده.