قامت وَقعةُ الوَلَجَةِ بين الفُرْس والمسلمين بقيادةِ خالدِ بن الوَليد رضِي الله عنه، والوَلَجَةُ مكان في العِراق، وسُمِّيت المعركة باسمه لوُقوع الأحداثِ فيه, لمَّا وقع الخبرُ بأَرْدَشِير بمُصابِ قارَنَ وأهلِ المَذارِ، جَنَّدَ المَلِكُ جيشًا عظيمًا مِن قبيلةِ بكرِ بن وائلٍ والقبائل الأُخرى المُواليةِ له, تحت قِيادةِ قائدٍ مشهور منهم يُدْعى الأندرزغر, وكان فارِسيًّا مِن مولدي السَّوادِ. وأرسل بهمن جاذُوَيْهِ في إثْرِهْ ليقودَ جُيوشَ المَلِكِ, وحشَرَ الأندرزغر مِن بين الحِيرَةِ وكَسْكَر ومِن عَربِ الضَّاحيَةِ, فلمَّا اجتمع للأندرزغر ما أراد واستتمَّ أَعجبَهُ ما هو فيه، وأَجْمَعَ السَّيْرَ إلى خالدٍ، ولمَّا بلغ خالدًا وهو بالقُرْبِ مِن نهرِ دِجْلة خبرُ الأندرزغر ونزوله الوَلَجَة، نادى بالرَّحيلِ، وخَلَّفَ سُوَيدَ بن مُقَرِّنٍ، وأَمرَهُ بِلُزومِ الحَفِيرِ، وتَقدَّم إلى مَن خَلَّفَ في أَسفلِ دِجْلة، وأَمَرَهُم بالحَذَرِ وقِلَّةِ الغَفْلَةِ، وتَرْك الاغْتِرارِ، وخرج خالدٌ سائرًا في الجُنود نحو الوَلَجَةِ، حتَّى نزَل على الأندرزغر بالوَلَجَةِ، فاقتتَلوا بها قِتالًا شديدًا، حتَّى ظن الفريقان أنَّ الصَّبرَ قد فَرَغَ، واسْتبطَأَ خالدٌ كَمينَهُ، وكان قد وضَع لهم كَمينًا في ناحيتين، عليهم بُسْرُ بن أبي رُهْمٍ، وسعيدُ بن مُرَّةَ العِجْليُّ، فخرَج الكَمينُ في وَجهينِ فانْهزمَت صُفوف الأعاجِم ووَلَّوْا، فأخذَهُم خالدٌ مِن بين أيديهم والكَمينُ مِن خَلفِهم، وكانت الهَزيمةُ كاملةً؛ ففَرَّ الفُرْسُ وفَرَّ العَربُ المُوالون لهم, بعد أن قتَل وأسَر منهم عددًا عظيمًا, ومضى الأندرزغر مُنهزمًا, فمات عَطَشًا في الفَلاةِ, وبذَل خالدٌ الأمانَ للفلَّاحين؛ فعادوا وصاروا أهلَ ذِمَّةٍ, وسَبَى ذراريَّ المُقاتِلة ومَن أَعانَهُم.
لمَّا بايَع النَّاسُ مَرْوانَ سار مِن الجابِيَة إلى مَرْج راهِط قريبا من دمشق وبها الضَّحَّاك بن قيسٍ ومعه ألفُ فارسٍ، وكان قد اسْتَمَدَّ الضَّحَّاكُ النُّعمانَ بن بَشيرٍ وهو على حِمْص فأَمَدَّهُ حَبيبَ بن ذي الكِلاعِ، واسْتَمَدَّ أيضًا زُفَرَ بن الحارثِ وهو على قِنَّسْرين فأَمَدَّهُ بأهلِ قِنَّسْرين، وأَمَدَّهُ ناتِل بأهلِ فِلَسْطين، فاجتمعوا عنده، واجتمع على مَرْوان كَلْبٌ وغَسَّانُ, والسَّكاسِك والسَّكون، وتَحارَب مَرْوانُ والضَّحَّاكُ بمَرْج راهِط عِشرين ليلةً، واقْتَتَلوا قِتالًا شَديدًا، فقُتِلَ الضَّحَّاكُ، قَتلَهُ دِحْيَةُ بن عبدِ الله، وقُتِلَ معه ثمانون رجلًا مِن أشرافِ أهلِ الشَّام، وقُتِلَ أهلُ الشَّام مَقتلَةً عَظيمةً، وقُتِلَت قَيسٌ مَقتلةً لم يُقْتَلُ مِثلُها في مَوطِن قَطُّ، وكان فيمَن قُتِلَ هانىءُ بن قَبيصةَ النُّمَيْريُّ سَيِّدُ قومِه، كان مع الضَّحَّاك، قَتلَهُ وازِعُ بن ذُؤالَة الكَلبيُّ، ولمَّا انْهزَم النَّاسُ مِن المَرْج لَحِقوا بأَجنادِهِم، فانتهى أهلُ حِمْص إليها وعليها النُّعمانُ بن بَشيرٍ، فلمَّا بَلغَهُ الخَبرُ خرَج هَربًا ليلًا ومعه امرأتُه نائِلةُ بنتُ عُمارةَ الكَلبيَّة وثَقَلُهُ وأوَّلادُه، فتَحَيَّرَ لَيلَتَهُ كُلَّها، وأصبَح أهلُ حِمْص فطلبوه، وكان الذي طَلبَهُ عَمرُو بن الجَلِيِّ الكَلاعيُّ، فقَتلَهُ ورَدَّ أهلَه والرَّأسَ معه، وجاءَت كَلْبٌ مِن أهلِ حِمْص فأخذوا نائِلةَ وولدَها معها، ولمَّا بَلغَت الهَزيمةُ زُفَرَ بن الحارثِ الكِلابيَّ بقِنَّسْرين هرَب منها فلَحِقَ بقَرْقِيسِيا وعليها عِياضٌ الحَرَشِيُّ، وكان يَزيدُ وَلَّاهُ إيَّاها، وهرَب ناتِلُ بن قيسٍ الجُذاميُّ عن فِلَسْطين فلَحِقَ بابنِ الزُّبيرِ بمكَّة، واسْتَعمَل مَرْوانُ بعده على فِلَسْطين رومَ بن زِنْباع، واسْتَوْثَق الشَّامُ لمَرْوان واسْتَعمَل عُمَّالَه عليها.
هو مجد الدين أبو السعادات المبارك بن أبي الكرم محمد بن محمد بن عبد الكريم بن عبد الواحد الشيباني، المعروف بابن الأثير الجزري كانت ولادته بجزيرة ابن عمر سنة 544 ونشأ بها، ثم انتقل إلى الموصل سنة خمس وستين, ثم عاد إلى الجزيرة، ثم الموصل، وتنقل في الولايات بها واتصل بخدمة الأمير مجاهد الدين قايماز بن عبد الله الخادم الزيني، فكتب له, ثمَّ اتصل بخدمة عز الدين مسعود بن مودود صاحب الموصل، وتولى ديوان رسائله وكتب له إلى أن توفي، ثم اتصل بولده نور الدين أرسلان شاه فحَظِيَ عنده، وتوفَّرت حرمتُه لديه، وكتب له مدة, ثم عرض له مرض كفَّ يديه ورجليه فمنعه من الكتابة مطلقًا، وأقام في داره يغشاه الأكابرُ والعلماء، وأنشأ رباطًا بقرية من قرى الموصل ووقفَ أملاكَه عليه وعلى داره التي كان يسكنها بالموصل، وقيل: إنه صنف كتبه كلَّها في مدة العطلة، وكان عنده جماعة يعينونه عليها في الاختيار والكتابة. كان ابن الأثير عالِمًا في عدة علوم مبرزًا فيها، منها: الفقه، والأصولان، والنحو، والحديث، واللغة، وله تصانيف مشهورة في التفسير والحديث، والنحو، والحساب، وغريب الحديث، وله رسائل مدوَّنة، وهو صاحب جامع الأصول في الحديث، وله كتاب غريب الحديث والأثر، وغيرها من المصنفات، وهو غير صاحب الكامل في التاريخ، فهذا أخوه. قال أبو البركات ابن المستوفي في تاريخ إربل في حقه: أشهر العلماء ذِكرًا، وأكبر النبلاء قدرًا، وأحد الأفاضل المشار إليهم، وفرْد الأماثل المعتمد في الأمور عليهم، أخذ النحوَ عن شيخه أبي محمد سعيد بن المبارك الدهان، وسمع الحديث متأخرًا، ولم تتقدَّم روايته. وله المصنَّفات البديعة والرسائل الوسيعة " توفي في آخر ذي الحجة.
هو العلامة أثير الدين أبو البقاء صالح بن يزيد بن صالح بن علي بن موسى بن أبي القاسم بن شريف النفزي الرندي من قبيلة نفزة البربرية أبو الطيب، شاعر أندلسي من أهل رندة من جزيرة الأندلس، ولِدَ برندة سنة 601, وهو من القضاة، وله علمٌ بالحساب والفرائض، وهو أحد الأدباء المجيدين من أهل الأندلس. أقام بمالقة شهرًا، وأكثر الترددَ إلى غرناطة يسترفد ملوكَها، قال عنه أبو عبد الله محمد المراكشي في الذيل والتكملة: "كان خاتمة أدباء الأندلس، بارع التصرف في منظوم الكلام ومنثوره، فقيهًا حافظًا فرَضيًّا متفنِّنًا في معارف جليلة، نبيل المنازع، متواضعًا مقتصدًا في أحواله، وله مقامات بديعة في أغراض شتى، وكلامه نظمًا ونثرًا مدون، وله تأليف في العَروض، وتأليف في صنعة الشعر سماه "الكافي في علم القوافي"، وأودعه جملة وافرة من نظمه" وهو الذي نظم القصيدة المشهورة في رثاء الأندلس والتي أولها:
لكل شيءٍ إذا ما تمَّ نقصانُ
فلا يُغَرَّ بطِيبِ العيش إنسانُ
رثى فيها الأندلس بعد انهيار دولة الموحدين في أعقاب هزيمتهم في معركة العقاب سنة 609 وانحسار المسلمين في غرناطة بعد أن استولى الفرنج على معظم مدن الأندلس الكبرى، كقرطبة وإشبيلية وبلنسية وغيرها، وعمل الفرنج على محو آثار الإسلام في هذه المدن, وكذلك عندما تنازل حاكم غرناطة الأمير محمد بن يوسف بن نصر لملك قشتالة الفونسو عن بعض المدن والحصون الإسلامية مصانعةً له, فأثارت هذه الأوضاع حميةَ أبي البقاء وغيَّرَتْه، فنظم هذه القصيدة المشهورة، والتي انتشرت في بلاد المسلمين وخاصة بلاد المغرب أرض العدوة، يرثي فيها حال المسلمين بالأندلس، ويستنجد بحكامها لإنقاذ إخوانهم في الأندلس.
بعد أن أصبح السلطان العزيز يوسف بن برسباي سلطانًا أصبح الأمير الكبير جقمق هو نظام الملك؛ فله الأمر والنهي، وبيده كل شيء، وليس للسلطان سوى الاسم، وكان في هذه السنة حصلت فتن بين المماليك الأشرفية التابعين للسلطان، وبين الأمير جقمق ومن معه من الأمراء والمماليك الظاهرية والمؤيدية، فعزز الأمير جقمق مركزه وعلا شأنُه، حتى لما كان يوم الأربعاء التاسع عشر ربيع الأول قام الأمير الكبير جقمق بخلع السلطان العزيز يوسف بعد أن دام في السلطنة مدة أربعة وتسعين يومًا، وذلك باتفاق الأمراء وأعيان المملكة على سلطنته، ولما تم أمره استُدعي الخليفة المعتضد بالله داود والقضاة الأربعة والأمير قرقماس أمير سلاح وسائر الأمراء وجميع أعيان الدولة إلى الحراقة -نوع من السفن فيها مرامي نيران يرمى بها العدو- بباب السلسلة من الإسطبل السلطاني، وجلس كل واحد في مجلسه، فافتتح الأمير قرقماس الكلام مع الخليفة والقضاة بأن قال: السلطان صغير، والأحوال ضائعة؛ لعدم اجتماع الكلمة في واحد بعينه، ولا بد من سلطان ينظر في مصالح المسلمين وينفرد بالكلمة، ولم يكن يصلح لهذا الأمر سوى الأمير الكبير جقمق هذا, فقال جقمق: هذا لا يتم إلا برضا الأمراء والجماعة، فصاح الجميع: نحن راضون بالأمير الكبير؛ فعند ذلك مد الخليفة يده وبايعه بالسلطنة، ثم بايعه القضاة والأمراء على العادة، ثم قام مِن فَورِه إلى مبيت الحراقة، ولبس الخلعة الخليفتية السوداء، وتقلد بالسيف، وخرج راكبًا فرسًا أُعِدَّ له بأبهة السلطنة وشعار الملك، فأصبح السلطان الجديد هو السلطان الملك الظاهر سيف الدين أبو سعيد جقمق العلائي الظاهري الشركسي.
هو السلطان الأشرف أبو النصر قانصوه بن بيبردى الغوري الجركسي الجنس, وهو من سلاطين المماليك البرجية. ولِدَ سنة 850 امتلكه الأشرف قايتباي وأعتقه وعيَّنه في عدة وظائف في خدمته. كان في أوائل الأمر أميًّا لا يعرف شيئًا؛ لأنه جُلب من بلاده وهو كبير قد شَرَع فيه الشيب، وصار السلطان قايتباي يرقِّيه لكونه أخًا لزوجته، وهي التي بذلت الأموال للجند ومكَّنَته من الخزائن حتى ملَّكوه بعد السلطان قايتباي، فاستمر سلطانًا سنة وسبعة أشهر، ثم خلعوه وكان قد تلقب بالأشرف وأخرجوه من المملكة سنة 905 وولي بعده أميران لم يثبت قدمُهما في السلطنة، ثم أجمع الأجناد على تولية السلطان قانصوه الغوري، وكان من أقَلِّ الأمراء شأنًا وأحقرهم مكانةً، لكن الأمراء الكبار تحامَوا الإقدام على السلطنة خوفًا من بعضهم البعض، فولوا قانصوه فقَبِلَ بعد أن شرَطَ عليهم أنهم لا يقتلونه إذا أرادوا خلعَه، فقبلوا منه ذلك فولي السلطنة سنة 906 وكان عظيم الدهاء قويَّ التدبير، فثبت قدمه في السلطنة ثباتًا عظيمًا، وما زال يقتل أكابِرَ الأمراء حتى أفناهم وصَفَت له المملكة ولم يبقَ له فيها منازعٌ، ولكنه مال إلى الظلم والعسف وانتهب أموال الناس وانقطعت بسببه المواريثُ، فضجَّ أهلُ مصر ومَن تحت طاعتِه؛ مِن أخذِه لأموالهم، فسلط الله عليه السلطان سليم الأول سلطانَ العثمانيين؛ فإنه غزاه إلى دياره ووقع بينهما مصاف، فقُتِل قانصوه الغوري تحت سنابك الخيل في معركةِ مرج دابق وعمرُه إذ ذاك يقارب الثمانين عامًا، وكانت مدة سلطنته ستة عشر سنة وعدة أشهر، فاختار المصريون سلطانًا جديدًا هو نائبه الذي تركه السلطان قانصوه على مصر: طومان باي، الذي تلقَّب بالملك الأشرف بعد أن أقسَمَ له الأمراء بالطاعة وبايعوه، وبايعه الخليفة كذلك.
لما رأى أهل المغرب ما وقع بين السلطان أبي العباس أحمد الوطاسي صاحب فاس وأبي العباس أحمد السعدي المعروف بالأعرج صاحب مراكش من الاقتتال على الملك، والتهالك عليه، وفناء الخلق بينهم- دخلوا في الصلح بينهم والتراضي على قسمة البلاد، وحضر لذلك جماعةٌ من العلماء والصلحاء، منهم أبو حفص عمر الخطاب، وأبو الرواين المحجوب، وكان صاحب حالٍ وجذبٍ، فجعل الناس يوصونه بالسكوت مخافةَ أن يُفسِدَ عليهم أمرَهم، فلما دخلوا على أبي العباس الأعرج السعدي وأخيه ووزيره محمد الشيخ وتكلموا فيما جاؤوا لأجله، وجدوا فيهما شدةً وغلظة وامتناعًا من مساعدتهم على ما أرادوا، فحلف أبو حفص الخطاب لا دخلوها يعني فاسًا ما دمتُ على وجه الأرض فما دخلها السعديون حتى مات بعد مدة, وقد أُبرِمَ الصلح بين الطائفتين على أنَّ للسعديين من تادلا إلى السوس، ولبني وطاس من تادلا إلى المغرب الأوسط، وإن ممن حضر الصلح قاضيَ الجماعة بفاس أبا الحسن علي بن هارون المطغري، والإمامَ الشهير أبا مالك عبد الواحد بن أحمد الوانشريسي وغيرهما من مشايخ فاس, ولما تواطأت كلمةُ الحاضرين على الصلح وعقدوا شروطه وهدأت الأصوات وسكن اللجاج، أُتى بدواة وقرطاس ليكتب الصلح, فوضعت الدواةُ بين يدي أحد الفقهاء الحاضرين فوجم وانقبض ودفعَها عن نفسه استحياءً في ذلك المحفل أن يكتُب, فأنشأ أبو مالك الوانشريسي في الحين خطبةً بليغة ونسج الصلحَ على منوال عجيب، واخترع أسلوبًا غريبًا تحير فيه الحاضرون، وعجبوا من ثبات جأشه وجموم قريحته في مثل ذلك المشهد العظيم الذي تخرس فيه ألسن الفصحاء هيبةً وإكبارًا! فقام قاضي الجماعة وقبَّله بين عينيه، وقال: جزاك الله عن المسلمين خيرًا.
هو السلطان سليمان بن سليم الأول بن بايزيد الثاني بن محمد الفاتح بن مراد الثاني، عاشر سلاطين بني عثمان، وثاني من حمل لقب أمير المؤمنين، ولد في غرة شعبان سنة 900هـ في طرابزون, وهو من أشهر سلاطين آل عثمان؛ حيث تميَّز عصره بالقوة والنفوذ، كان الغرب يلقِّبه بسليمان العظيم، وفي الشرق يلقب بسليمان القانوني, وبلغت الدولة العثمانية في مدته أعلى درجات الكمال. وكانت باكورةُ أعماله بعد توزيع النقود على الانكشارية تعيين مربِّيه قاسم باشا مستشارًا خاصًّا، وإبلاغ توليته على عرش الخلافة العظمى إلى كافة الولاة وأشراف مكة والمدينة بخطابات مفعمة بالنصائح والآيات القرآنية المبيِّنة فضل العدل والقسط في الأحكام، ووخامة عاقبة الظلم، وكان يستهِلُّ خطاباته بالآية الشريفة (إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم) تولى السلطنة عام 926هـ وأضاف للدولة العثمانية الكثيرَ من الولايات والأراضي الواسعة التي شملت عددًا من عواصم الحضارات والدول، كأثينا وصوفيا وبغداد ودمشق وإسطنبول وبودابست وبلغراد والقاهرة وبوخارست وتبريز, حيث قاد القانوني الجيوشَ العثمانية لغزو معاقل وحصون الأوروبيين في أغلب أراضي المجر قبل أن يتوقَّف عند أسوار فيينا, كما ضمَّ أغلب مناطق البلاد العربية أثناء صراعه مع الصفويين ومناطق من شمال فريقيا حتى الجزائر، وسيطرت أساطيلُه على بحار المنطقة من البحر المتوسط إلى البحر الأحمر حتى الخليج العربي. تلقَّب بالقانوني؛ لأنَّه جمع الشرائع المؤسَّسية على أصل إسلامي، ورتبها في مجموعة ظلَّت بموجبها الشريعة الوحيدة المعمول بها، توفي في أثناء حصاره إحدى القلاع في النمسا في العشرين من صفر من هذا العام، بعد أن دامت مدة حكمه قرابة ثمانٍ وأربعين سنة، وتولى العرش بعده ابنه سليم وبدأ عصر الضعف في الدولة العثمانية.
هو الشيخ الفاضل محمد بن علي بن حامد بن صابر بن الفاروقي التهانوي الهندي الحَنَفي: أحدُ رجال العلم، اشتُهر بكتابه الشهير: كشاف اصطلاحات الفنون. عاش التهانوي في عصر سلاطين الدولة المغولية في الهند، فأدرك طَرَفًا من عهد الإمبراطور أورنغ زيب عالمكير الذي عرفت الهندُ في عصره حركةً علمية ثقافية نَشِطةً بتشجيعه لها. وقد قيل: إن التهانوي كان قاضيًا في قريته تهانة في عصر هذا الإمبراطور. نشأ التهانوي في بيئة علمية، نهل من ينابيعها؛ إذ كان والده من كبار العلماء حتى لُقِّب بقطب الزمان، في هذا الجوِّ المفعم بالزاد والنشاط العلميين عاش التهانوي، فنهل من ينابيع المعرفة وبحار العلم. وجال على الحواضِرِ يلتقي العلماءَ ويستمع إليهم يأخُذُ عنهم وينكبُّ على بحثِه, فلا عجب أن أورد في تقديمه الكشاف قوله: "لَمَّا فرغت من تحصيل العلوم العربية والشرعية من حضرة جناب أستاذي ووالدي، شمَّرت عن ساق الجِدِّ إلى اقتناء ذخائر العلوم الحكمية الفلسفية من الحكمة الطبيعية والإلهية والرياضية كعِلم الحساب والهندسة والهيئة والإسطرلاب ونحوها. فلم يتيسر لي تحصيلًا من الأساتذة، فصرفت شطرًا من الزمان إلى مطالعة مختصراتها الموجودة عندي، فكشفها الله عليَّ، فاقتبست منها المصطلحات وسطَّرتُها على حدة في كل بابٍ يليق بها" كان قرأ النحوَ والعربية على والده وتفَقَّه عليه, ثم طَفِق يقتني ذخائِرَ العلوم الحكمية، فجمع الكتب، ولم يتَّفِقْ له تحصيلُها على الأساتذة، فصرف شطرًا من الزمان في مطالعة الكتب الموجودة عنده, فجمع في مصنَّفِه الكشَّاف- الذي يعتبر معجمًا لغويًّا فنيًّا- مصطلحاتِ العلوم وتعريفَها، وشرَحَ الموضوعات العلمية الاصطلاحية حسب العلم ورتبه أبجديًّا. وقد فرغ من تصنيفه سنة 1158, وقد اختُلف في تاريخ وفاته، والمتَّفق عليه أنَّه توفي بعد سنة 1158.
هو الخليفةُ العثماني السلطان محمود خان الثاني بن عبد الحميد الأول بن أحمد الثالث بن محمد الرابع بن إبراهيم الأول بن أحمد الأول بن محمد الثالث بن مراد الثالث بن سليم الثاني بن سليمان القانوني بن سليم الأول بن بايزيد الثاني. تولى السلطنةَ في 20 يوليو 1785م، وكان السلطان الثلاثين للدولة العثمانية، شَهِدَ عَصرُه خطواتِ إصلاحٍ واسِعةً، وقد اتَّسم عهدُه بالتوجه للغرب العلماني، وهو الذي أمَرَ محمد علي باشا مصرَ أن يجهِّزَ الجيوش على الدَّولةِ السعودية الأولى بعد أن ضَمَّت بلاد الحجاز لحُكمِها، فأغار عليها الباشا محمد علي بجيوشِه المتتالية حتى قضى عليها ودمَّر الدرعيَّةَ مَقَرَّ الحكمِ فيها، ولا تزال جيوشُه تتابع على غزو نجد بعد استرجاعِ الإمام تركي بن عبد الله الحُكمَ السعودي في نجد. والسلطانُ محمود هو الذي تخلَّصَ من الانكشارية لَمَّا وقفوا ضِدَّ الإصلاحات والتنظيمات المدنية والعسكرية التي تبنَّاها، فقضى عليهم تمامًا عام 1240هـ، وفي عهده استقَلَّت اليونان عن الدولة العثمانية بدعمٍ وتأييدٍ فرنسي وروسي وبريطاني، كما أنهكت الدولةَ العثمانية كثرةُ الحروبِ مع روسيا، ومحمد علي باشا والي مصر الطَّموح الذي يتطَلَّعُ إلى ضَمِّ بلاد الشام إلى ولايته، ووقعت الجزائِرُ تحت الاحتلال الفرنسي في سنة 1245 هـ 1830م. تعَرَّض السلطان محمود للإصابةِ بعدوى السل، ولَمَّا اشتَدَّ به المرض نُقِلَ إلى إحدى ضواحي استانبول للاستشفاء بهوائها النقي، ثم لم يلبَثْ أن عاجلته المنية، فتوفي في التاسع عشر من ربيع الثاني من هذا العام عن عمر أربع وخمسين سنة، بعد أن دام في الحُكمِ ثلاثًا وعشرين سنة وعدة أشهر، وتولَّى ابنُه عبد المجيد الأول خلَفًا له، وعمرُه دون الثامنة عشرة.
حدثت أزمة حدودية بين نجد والكويت حول واحة البلبول جنوب الكويت والتي تبعد عن ميناء الجبيل عشرين ميلا عند ما بنى فيها سالم الصباح حاكم الكويت حصنا فاحتج الملك عبدالعزيز وكتب لابن الصباح يؤكد فيها أن البلبول ضمن أراضيه ويطلب منه وقف التوسع في بناء الحصون لكن ابن صباح رفض هذا التحذير فبنى الملك عبدالعزيز قرية بالقرب من البلبول وعلى الرغم من حدوث سلسلة من المراسلات والاتصالات التي توسطت بها بريطانيا بين الطرفين إلا أن المواجهة العسكرية قد حدثت بين الطرفين في الجهراء عندما هجم فيصل الدويش زعيم مطير وأحد قادة الإخوان (إخوان من أطاع الله) على الجهراء -قرية كبيرة في الكويت- ومعه أربعة آلاف مقاتل من الإخوان ووصل الدويش إلى الصبيحة شمالا وهجموا على قوات ابن الصباح الذين تقهقروا إلى القصر الأحمر، وقرر الإخوان الانسحاب والعودة إلى الصبيحة وعدم التوغل في الكويت، فطلب ابن الصباح نجدة السلطات البريطانية فوصلت طائرات بريطانية من العراق وحلقت فوق قوات الإخوان وألقت عليهم المنشورات تأمرهم بالتراجع عن الصبيحة فانسحب الدويش بقواته لما أدرك تصميم السلطات البريطانية على حماية الكويت، وأرسل برسي كوكس المعتمد البريطاني في الخليج إلى الملك عبدالعزيز يحتج على اعتداء الإخوان على الكويت وطلب منه أن يسحب قواته إلى أراضيه فوافق الملك عبدالعزيز وتعهد بعدم الهجوم على الكويت إذا ما كف سالم بابن الصباح عن التآمر على نجد والتعاون مع خصومه وخاصة ابن رشيد. ثم ارسل الملك عبدالعزيز إلى كوكس يؤكد له أنه لم يأمر الدويش بالهجوم على الجهراء وإنما تحشد سالم ابن الصباح قواته زاد من توتر الموقف ثم أغارت قوات ابن الصباح على أتباعه وسلبت الأموال والجمال وقتلت الرجال ثم عادت إلى الجهراء.
هو الشيخُ المجاهِدُ عُمَرُ بنُ مختار بن عمر المنفي، نسبةً إلى قبيلة منفة في بادية برقة بليبيا، تعلم في الزوايا السنوسية، وجعله محمد المهدي السنوسي شيخًا على زاوية القصور بالجبل الأخضر، خرج لجهادِ الطليان بعد أن احتلُّوا مدينة بنغازي عام 1329هـ وصَمَد للعدو صمودًا منقَطِعَ النظير جعَلَه في أوائل الأبطال في الجهاد الليبي ضِدَّ الطليان، كانت منطقة المختار برقة ثابتةً منيعةً. وتهادن الإيطاليون والطرابلسيون سنة 1340هـ، ودبَّ الخلافُ في زعماء طرابلس وبرقة، وتجدَّدت المعركة مع الإيطاليين، فتولى عمَرُ قيادة الجبل الأخضر وتلاحقت به القبائِلُ، واتفق الرؤساءُ على أن يكون هو القائِدَ العامَّ والرئيس الأعلى للمجاهدين. وهاجمتهم القوى الإيطالية، فردُّوا هجومها، وغَنِموا منها آلاتٍ حربية ومؤنًا غير قليلة. وأشهر ما نشب من المعارك معركة الرحيبة وعقيرة المطمورة وكرِسة، يقول غراتسياني القائد العام الإيطالي في بيان له عن الوقائع التي نشبت بين جنوده والسيد عمر المختار: إنها "كانت 263 معركةً في خلال عشرين شهرًا" هذا عدا ما خاضه المختار من المعارك في خلال عشرين سنة قبلَها. وبينما هو في سرية من رجالِه تُقدَّر بخمسين فارسًا بناحية سلطنة بالجبل الأخضر يستطلع مواقِعَ العدو فوجئ بقوةٍ مِن الأعداء أحاطت به فقاتَلَها، واستُشهِدَ أكثَرُ من كان معه، وأصيب هو بجراحٍ بعد أن عُقِرَ جَوادُه، فانقض عليه الطليان وحُمِل أسيرًا وهو لا يُعرَف، ثم حمل إلى سوسة فعرفوه، فنقل بطراد إلى بنغازي وسُجِنَ أربعة أيام ثم حقَّقوا معه، ثم أُعدِمَ شنقًا في مركز سلوق ببنغازي في 4 جمادى الأولى وعمره يومها خمسة وسبعون عامًا، ومع ذلك كان يجاهِدُ على جواده يقوم بنفسه بالاستطلاع، فرَحِمَه اللهُ وقَبِلَه عنده في الشهداءِ.
تقع جزرُ القمر (القمر الكبرى وأنجوان وموحلي ومايوت) في المحيط الهنديِّ على مقرُبةٍ من الساحلِ الشرقيِّ لإفريقيا، وأقربُ الدول إليها موزمبيق وتنزانيا ومدغشْقَر وسيشل. أصبحتْ جزرُ القمرِ تحت الحماية الفرنسيةِ بسبب استعانةِ بعض السلاطينِ على بعضِهم بالفرنسيِّين، فأصبحوا يتعاهدون مع الفرنسيِّين ضدَّ بعضهم، واستطاعت فرنسا أن تجعلَ الجزر تحت حمايتِها، ثم ألحقَت جزر القمر بجزيرة مدغشقر المحتلَّة من قِبَل فرنسا أيضًا وبقِيَت عامينِ على هذا، ثم رجعت مستعمَرة فرنسيةً لا ترتبط بغيرها، واستمرَّ الوضعُ على ذلك حتى الحرب العالميَّة الثانية، ثم فرضت إنجلترا سيطرتَها على الجزُرِ في أثناءِ الحرب بعدَ هزيمة فرنسا أمام الألمانِ، وبعدَ الحرب عادت لفرنسا، ثم أيَّدت الجزر دستورَ ديغول الخاصِّ بالدول المستعمرةِ الفرنسية، وبالتالي مُنحت الجزر الحكم الذاتيَّ مع بقاء المطالبةِ بالاستقلال التامِّ عن فرنسا. في عام 1392هـ / 1972م قرَّر المجلس النيابي إصدار بيان يطالبُ فيه بالاستقلالِ التامِّ والانفصال عن فرنسا التي أجرت استفتاءً في ذي الحجة من عام 1394هـ / ديسمبر 1974م؛ حيثُ أيَّد الغالبيةُ العظمى الاستقلالَ التامَّ والانفصال عن فرنسا، ثم أُعلن الاستقلال في 27 جمادى الآخرة 1395هـ / 6 تموز، وأُعلن عن اختيارِ أحمد عبد الله رئيسًا للدولة الجديدةِ، ووافقت فرنسا على استقلالِ الجزرِ عدا جزيرة مايوت؛ فقد كان معظمُ سكَّانها ضد الاستقلال التامِّ أيامَ الاستفتاءِ، ووعدتها فرنسا أنها ستبقى ضمنَ إطار المجموعة الفرنسيةِ، ثم طُولب بوحدةِ جزر القمر كلِّها، ولم تعترف فرنسا باستقلال جزيرة مايوت، ثم تمَّ قبول دولة جزر القمر بالأممِ المتَّحدةِ في عام 1396هـ / 1976م ورضخت فرنسا للأمر الواقع، واعترفت باستقلال الجزرِ جميعها.
وُلد الشيخُ سنةَ (1352هـ) في إحدى قرَى القويعيةِ، ونشأَ في بلدة الرين، وابتَدَأ بالتعلُّمِ في عام (1359هـ). وأتقن القرآنَ وسِنُّه اثنا عشر عامًا، وتعلَّم الكتابةَ وقواعِدَ الإملاء، ثم ابتَدَأ في الحفظِ وأكمَلَه في عام (1367هـ). وكان قد قرأ قبلَ ذلك في مبادئِ العلومِ؛ ففي النحو قرأ على أبيه أوَّلَ "الآجرومية"، وكذا متنَ "الرَّحبيَّة في الفرائض"، وفي الحديثِ "الأربعين النووِيَّة" حفظًا، و"عُمدة الأحكام" بحفظِ بَعضِها. وبعد أن أكمَلَ حِفظَ القرآنِ ابتدَأَ في القِراءةِ على شيخِه الثاني بعد أبيه وهو الشيخ عبدُ العزيز بنُ محمدٍ الشثري، المعروفُ بأبي حبيبٍ، وكان جلُّ القراءة عليه في كتبِ الحديثِ ابتداءً بـ"صحيح مسلم"، ثم بـ"صحيح البخاري"، ثم "مختصر سنن أبى داود"، وبعض "سنن الترمذي" مع شَرحِه "تحفة الأحوذِيِّ". كما قرأ في كتبٍ أخرى في الأدبِ والتاريخِ والتَّراجمِ. واستمَرَّ إلى أوَّلِ عامِ أربعٍ وسبعين؛ حيث انتَقَل مع شيخِه أبي حبيبٍ إلى الرياضِ وانتظم طالبًا في معهدِ إمام الدعوةِ العلميِّ؛ فدَرَس فيه القِسمَ الثانويَّ في أربعِ سنواتٍ وحَصَل على الشهادةِ الثانويَّة عامَ (1377هـ)، ثم انتَظَم في القسمِ العالي في المعهد المذكور ومدَّتُه أربعُ سنواتٍ، ومُنِح الشهادةَ الجامعية عامَ (1381هـ)، وعُدِّلت هذه الشهادةُ بكليَّة الشريعة. وفي عام (1388هـ) انتَظَم في معهدِ القضاءِ العالي ودَرَس فيه ثلاثَ سنواتٍ، ومُنِحَ شهادَةَ الماجستير عامَ (1390هـ)، وبعد عشرِ سنين سجَّل في كلية الشريعة بالرياضِ للدكتوراه وحَصَل على الشَّهادةِ في عام (1407هـ) بتقدير ممتازٍ مع مرتبة الشرف، وأثناءَ هذه المُدَّةِ وقبلَها كان يقرأ على أكابِرِ العُلَماءِ، ويحضُر حَلَقاتِهم. وجاءت وفاةُ الشيخِ بعد معاناةٍ طويلةٍ مع المرضِ، سافَرَ خلالَها في رحلةٍ علاجيةٍ إلى ألمانيا، ثم عاد إلى المستشفى التخصُّصي بالرياض حيث وافَتْه المنيةُ؛ فرَحِمه الله تعالى.
هو الشيخُ شُعيبُ بنُ مُحرَّمٍ الألبانيُّ الأرناؤوطُ، وُلِدَ عامَ 1928 في العاصمةِ السوريةِ دمشقَ، وهو يَنحدِرُ من أسرةٍ ألبانيَّةِ الأصلِ، هاجرَتْ إلى دِمَشقَ سنةَ 1926، وكان والدُه من أهلِ العِلمِ. درَسَ اللغةَ العربيةَ في سِنٍّ مُبكِّرةٍ، وتعلَّم مبادئَ الإسلامِ، وحفِظَ أجزاءً كثيرةً من القرآنِ الكريمِ. تتلمَذَ في علومِ العربيةِ على كِبارِ أساتِذَتِها وعُلمائِها في دمشقَ آنَذاكَ، منهم الشيخُ صالحٌ الفَرفورُ، والشيخُ عارفٌ الدوجيُّ اللذان كانا من تلاميذِ علَّامةِ الشامِ في عَصرِه الشيخِ بَدرِ الدينِ الحَسَنيِّ. وبعدها اتَّجَهَ لدراسةِ أصولِ الفقهِ، خاصَّةً فيما يتعلَّقُ بالمذهَبِ الحَنَفيِّ، إضافةً إلى دراستِه تفسيرَ القرآنِ الكريمِ، والحديثَ، وكُتُبَ الأخلاقِ، إلى أنْ تخصَّصَ في عِلمِ السُّنَّةِ والحديثِ، واشتغَلَ بتحقيقِ التُّراثِ العربيِّ الإسلاميِّ، وكانت بِدايتُه الأولى في المكتَبِ الإسلاميِّ بدِمَشقَ عامَ 1958؛ حيثُ ترأَّسَ فيه قِسمَ التحقيقِ والتصحيحِ مُدَّةَ عِشرين عامًا، حقَّق فيها أو أَشرَفَ على تحقيقِ عشَراتِ المُجَلَّداتِ من أُمَّهاتِ كُتبِ التراثِ في شتَّى العلومِ. ومن أهمِّ أعمالِه تحقيقُ الكتُبِ التاليةِ: ((شَرحِ السُّنَّةِ للبَغَويِّ))، و((رَوضةِ الطَّالِبِينَ)) للنَّوَويِّ، بالاشتراكِ مع الشيخِ عبدِ القادرِ الأَرنَؤُوط، و((سِيَرِ أَعلامِ النُّبَلاءِ)) للذَّهَبيِّ، و((الإحسانِ في تقريبِ صَحيحِ ابنِ حِبَّانَ))، و((سُنَنِ النَّسائيِّ الكُبرى))، بالاشتراكِ مع حسن شلبي، و((مُسنَدِ الإمامِ أحمدَ بنِ حَنبَلٍ)). وقد تخرَّجَ على يدِ الشيخِ شُعَيبٍ في التحقيقِ عَددٌ من طَلَبةِ العلمِ، منهم: محمد نعيم العرقسوسي، وإبراهيم الزيبق، وعادل مرشد، وأحمد برهوم، ورضوان العرقسوسي، وغيرُهم. تُوفِّي الشيخُ شُعَيبٌ -رَحِمَه اللهُ- في العاصمةِ الأُردنيَّة عَمَّانَ عن عُمرٍ تجاوزَ 90 سنةً.