هي أم المؤيد زينبُ بنت أبي القاسم عبد الرحمن بن الحسن بن أحمد بن سهل بن أحمد بن عبدوس الجرجاني الأصل النيسابوري الدار، الصوفي المعروف بالشعري- وتدعى حرة- وُلِدَت سنة 524 بنيسابور، وكانت عالمة، وأدركت جماعة من أعيان العلماء، وأخذت عنهم رواية وإجازة. سمعت من أبي محمد إسماعيل بن أبي القاسم ابن أبي بكر النيسابوري القارئ، وأبي القاسم زاهر وأبي بكر وجيه ابني طاهر الشحاميين، وأبي المظفر عبد المنعم بن عبد الكريم بن هوازن القشيري، وأبي الفتوح عبد الوهاب بن شاه الشاذياخي وغيرهم، وأجاز لها الحافظ أبو الحسن عبد الغافر بن إسماعيل بن عبد الغافر الفارسي، والعلامة أبو القاسم محمود ابن عمر الزمخشري صاحب " الكشاف " وغيرهما من السادات الحُفَّاظ. قال ابن خلكان: "ولنا منها إجازة كتبتها في بعض شهور سنة 610، ومولدي يوم الخميس بعد صلاة العصر حادي عشر شهر ربيع الآخر سنة 608 بمدينة إربل بمدرسة سلطانها الملك المعظم مظفر الدين بن زين الدين" توفيت الحرة سنة 615 في جمادى الآخرة بمدينة نيسابور" قال الذهبي: "حدثت أم المؤيد أكثر من ستين سنة، روى عنها: عبد العزيز بن هلالة، وابن نقطة، والبرزالي، والضياء، وابن الصلاح، والشرف المرسي، والصريفيني، والصدر البكري، ومحمد بن سعد الهاشمي، والمحب ابن النجار، وجماعة كثيرة. وسمعت بإجازتها على التاج بن عصرون، والشرف بن عساكر، وزينب الكندية. وكانت شيخة صالحة، عالية الإسناد معمرة، مشهورة، انقطع بموتها إسناد عال". قال ابن خلكان: "الشَّعْري بفتح الشين المثلثة وسكون العين المهملة وفتحها وبعدها راء، هذه النسبة إلى الشعر وعمله وبيعه، ولا أعلم من كان في أجدادها يتعاطاه فنسبوا إليه، والله أعلم".
هو الإمام العلَّامة، شيخ القرَّاء والأدباء، عَلَمُ الدين أبو الحسن علي بن محمد بن عبد الصمد بن عبد الأحد بن عبد الغالب الهمذاني المصري السخاوي، ثم الدمشقي المقرئُ النحوي شيخُ القراء بدمشق، ولد سنة 558 وقيل سنة تسع وخمسين. كان قد اشتغل بالقاهرةِ على الشيخِ أبي محمد القاسم الشاطبي المقرئ، وأتقن عليه علم القراءات والنَّحو واللُّغة، وشرح قصيدتَه الشاطبيَّة، كان إمامًا في العربية، بصيرًا باللغةِ، فقيهًا مفتيًا عالمًا بالقراءات وعِلَلِها، مجوِّدًا لها، بارعًا في التفسير. صنف وأقرأ وأفاد، وروى الكثير، وبَعُد صيتُه، وتكاثر عليه القراء. وختم عليه ألوفٌ من الناس، وله شرحُ المفصَّل للزمخشري, وله تفاسير وتصانيف كثيرة، ومدائح في رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانت له حلقةٌ بجامع دمشق، قال ابن خلكان: "رأيته بدمشقَ والناس يزدحمونَ عليه في الجامِعِ لأجل القراءة، ولا تصِحُّ لواحدٍ منهم نوبةٌ إلَّا بعد زمان، ورأيتُه مرارًا يركَبُ بهيمةً وهو يصعد إلى جبلِ الصالحين وحولَه اثنان وثلاثة وكل واحدٍ يقرأ ميعاده في موضعٍ غير الآخر، والكل في دفعةٍ واحدة، وهو يردُّ على الجميعِ، ولم يزل مواظبًا على وظيفته إلى أن توفِّيَ بدمشق" قال الذهبي: " وكان يترخَّصُ في إقراء اثنين فأكثَرَ، كل واحدٍ في سورة، وفي هذا خلافُ السنَّة، لأنَّنا أُمِرنا بالإنصاتِ إلى قارئٍ لنفهَمَ ونعقِلَ ونتدبر" ومع حلقته بجامع دمشق ولي مشيخةَ الإقراء بتربة أم الصالح، وبها كان مسكنُه ووفاته, وكان مع سعة علومِه وفضائله دَيِّنًا حَسَن الأخلاقِ، مُحبَّبًا إلى الناسِ، وافِرَ الحرمةِ، مُطَّرِحًا للتكلُّف، ليس له شغل إلا العلم ونشرُه. قال الإمام أبو شامة: "في ثاني عشر جمادى الآخرة، سنة 643، توفي شيخنا علم الدين علَّامة زمانه وشيخُ أوانه بمنزله بالتربة الصالحيَّة، وكان على جنازتِه هيبةٌ وجَلالةٌ وإخبات، ومنه استفدت علومًا جمة كالقراءات، والتفسير، وفنون العربية" ودُفِنَ بقاسيون، وهو غيرُ السخاوي المشهور بالحديث.
بعد وفاة صفي الدين الأرْدَبيلي مؤسِّس الطريقة الصفوية خلَفَه في مشيخة الطريقة ابنه صدر الدين موسى مدةً طويلة بلغت تسعًا وخمسين عامًا, وكانت السلاطين تعتقِدُ فيه وتزوره، وممن زاره والتمس بركته تيمورلنك، فسأله أن يطلبَ منه أي شيء، فقال له موسى: أطلب منك أن تطلِقَ كل من أخذته من بلاد الروم من التركِ، فأجابه إلى سؤاله فأطلقَ جميع أسرى الترك، فصار أهل الروم يعتقدون في الشيخ صدر الدين والمشايخ من ذريتِه، ولما توفي صدر الدين تولى ابنُه خواجة علي مشيخةَ الطريقة مدة 36 سنة، وكان الخواجة علي يميل للتشييع, ولما مات سنة 830 تولى بعده ابنُه إبراهيم الذي كان تشيُّعه واضحًا، فقد أدخل أتباعَه بصراعات مع أهل السنة في داغستان, ولَمَّا توفي سنة 851 خلفَه ابنه الأصغر جنيد، وكان شيعيًّا جَلْدًا متعصبًا للشيعة الإمامية, فلمَّا كثر مريدوه وأتباعه خافه السلطان جهانشاه التركماني صاحب أذربيجان، فأخرجهم من أردبيل فتوجَّه جنيد مع بعض مريديه إلى ديار بكر، وقُتِلَ جنيد في إحدى حروبه في مدينة شيروان سنة 861، وخلَفه ابنه حيدر الذي تزوَّج من بنت حسن أوزون الطويل, وكانت أمُّها كاترينا ابنة كارلو يوحنا ملك مملكة طرابزون اليونانية النصرانية, وحيدر هذا هو أوَّلُ من أمر أتباعَ الطريقة الصفوية أن يضعوا على رؤوسِهم قلنسوة مخروطية الشكل مصنوعة من الجوخ الأحمر، وسُمُّوا بقزلباش، وهي كلمة تركية تعني الرأس الأحمر, ولما قتل حيدر سنة 893 كان له ثلاثة أولاد: علي، إبراهيم، وإسماعيل، سجنهم الأمير يعقوب أمير آق قونيلو، ثم أُطلِقَ سراحهم بعد وفاة يعقوب، فذهب إسماعيل بن حيدر إلى مدينة كيلان على بحر قزوين، وحاول منذ صِغَره تجميع الصوفية والقزلباشية حوله؛ من أجل الانتقام مِن قتَلَة أبيه وجده، فتوجه إلى أمير دولة التركمان "آق قونيلو" سنة 907، وقتله وجلس على ملكِه بعد أن بايعته كلُّ قبائل التركمان، وأعلن دولته الصفويَّة.
بعد انتِصارِ مُراد الأول في وقعة ماريتزا على التحالُفِ الصليبي العامَ الماضيَ، اضطرب ملوك النصارى المجاورون للدولةِ العَلِيَّة، وطلبوا من البابا أوربانوس الخامس أن يتوسط لدى ملوك أوروبا الغربيين لِيُساعدوهم على محاربة المسلمين وإخراجِهم من أوروبا خوفًا من امتداد الفتحِ العُثماني إلى ما وراء جبال البلقان؛ إذ لو اجتازوها بدونِ مُعارضة ومقاومة في مضايقِها، لم يقوَ أحد بعد ذلك على إيقاف تيار فتوحاتِهم ويُخشى بعدها على جميعِ ممالك أوروبا من العثمانيين، فلبى البابا استغاثَتَهم وكتب لجميع الملوك بالتأهُّب لمحاربة المسلمين، وحَرَّضهم على محاربتهم محاربةً دينيَّةً؛ حفظًا للدين المسيحي من الفتوحات الإسلامية، لكن لم ينتظر أوروك الخامس الذي عيِّنَ مَلِكًا على الصرب بعد دوشان القوي وصولَ المدد إليه من أوروبا، بل استعان بأمراء بوسنة والفلاخ وبعَدَدٍ عظيم من فرسان المجر وسار بهم لمهاجمةِ مدينة أدرنة عاصِمةِ الممالك العثمانية مُعَلِّلينَ النفس بالانتصارِ على العثمانيين ومؤمِّلينَ النصر عليهم؛ لاشتغال الملك مراد الأول بمحاصرة مدينة بيجا بالقُربِ من بورصة بآسيا الصغرى، فلما وصل خبَرُ تقَدُّمِهم إلى العثمانيين قابلوهم على شاطئ نهر ماريتزا وفاجؤوهم في ليلة مظلمة بقُوَّة عظيمة ألقت الرعبَ في قلوبهم واوقعتهم في حيص بيص ولم يلبثوا إلا قليلا حتى وَلَّوا الأدبار تاركين الثرى مُخَضَّبًا بدمائِهم، وكان ذلك في سنة 766 (1363م) أمَّا السلطان مراد فكان في هذه الأثناء مشتغلًا بالقتال في بلاد آسيا الصغرى حيث فتح عِدَّة مدن، ثم عاد إلى مقر سلطنته لتنظيم ما فتَحَه من الأقاليم والبلدان كما هو شأن الفاتح الحكيم الذي لا يكتفي بفَتحِ البلاد وضَرْبِ الذلة والمسكنة على سكانها، بل كان ينسِجُ على منوالِ أبيه وجده، أي: يستريح بضع سنين من عَناءِ الفتح ليُرَتِّبَ جيوشِه ويُكمِل مَن نَقَص منها مستشهدًا في ساحة النصر، ولَمَّا عَظُمَ شأن الدولة خَشِيَها مجاوروها خصوصًا الضعفاء منهم، فأرسلت جمهورية راجوزه في سنة 1365 إلى السلطان مراد رسلًا أمضوا معه صلحًا.
هو السلطانُ المنتصر أبو عبد الله محمد بن أبي عبد الله محمد بن أبي فارس ملك تونس وبلاد إفريقية من الغرب، تولى الملكَ بعد وفاة جَدِّه أبي فارس عبد العزيز بن أحمد سنة 837, وقام بمملكة تونس من بعده أخوه أبو عمرو عثمان، فقَتَل عدة من أقاربه وغيرهم، وكان من خبر المنتصر مع أخيه أبي عمر: أنه لما ثقل في مرضه حتى أقعد، وصار إذا سار يركب في عمَّاريَّة نوع من المحامل تُحمَل على بغل- وتردد كثيرًا إلى قصر بخارج تونس للتنزه به، إلى أن خرج يومًا ومعه أخوه أبو عمرو عثمان صاحب قسنطينة، وقد قدم عليه وولَّاه الحكم بين الناس، ومعه أيضًا القائد محمد الهلالي، وقد رفع منه حتى صار هو وأبو عمرو عثمان مرجِعَ أمور الدولة إليهما، وحَجَباه عن كل أحد، فلما صارا معه إلى القصر المذكور تركاه به، وقد أغلقا عليه، يوهمان أنه نائم، ودخلا المدينة، وعبرا إلى القصبة، واستولى أبو عمرو على تخت الملك، ودعا الناس إلى بيعته، والهلالي قائم بين يديه، فلما ثبتت دولته قبض على الهلالي وسجَنَه، وغيَّبَه عن كل أحد، ثم التفت إلى أقاربه، فقَتَل عمَّ أبيه الأمير الفقيه الحسين بن السلطان أبي العباس، وقتل معه ابنيه وقد فرَّ بهما إلى العرب، فنزل عندهم، فاشتراه منهم بمالٍ جَمٍّ، وقتل ابني عم أبيه الأمير زكريا بن العناب ابن أبي العباس، وقتل ابني الأمير أبي العباس أحمد صاحب بجاية، فنفرت عنه قلوب الناس، وخرج عليه الأمير أبو الحسن بن السلطان بن أبي فارس عبد العزيز، متولي بجاية، وحاربه، ووقع له معه أمور كثيرة، إلى أن مات أبو عمرو، وأما المنتصر فإنه قُتِلَ بعد خلعه بمدة، وقيل: مات من شدة القهر يوم الخميس الحادي والعشرين صفر بتونس، ولم يتهنَّ في ملكه؛ لطول مرضه وكثرة الفتن.
هو السلطان الأشرف سيف الدين أبو النصر إينال بن عبد الله العلائي الظاهري ثم الناصري، أصله شركسي الجنس، أُخذَ من بلاده، فاشتراه خواجا علاء الدين علي، وقدم به إلى القاهرة، فاشتراه الملك الظاهر برقوق، ودام إينال كتابيًّا بطبقة الزمام، إلى أن مَلَكه الملك الناصر فرج بن برقوق وأعتقه. وهو السادس والثلاثون من ملوك الترك. تولى السلطنة بعد أن خلع المنصور عثمان بن السلطان جقمق سنة 857. تسلَّط في أيامه مماليك السلطان الأجلاب وتعدوا على العامة نهبًا وقتلًا دون أن يعمل السلطان لهم ما يردعهم, ولما أصيب السلطان بمرض الموتِ يوم السبت ثالث جمادى الأولى لزم الفراش، وفي يوم الأربعاء الرابع عشر طلب السلطان إينال الخليفةَ والقضاة الأربعة إلى القلعة، وطلعت الأمراء والأعيان، واجتمع الجميع بقاعة الدهيشة، وكان الطلب لسلطنة ولده المقام الشهابي أحمد قبل موته، فلما تكامل الجمعُ خلع السلطان نفسَه من السلطنة بالمعنى؛ لأنه ما كان إذ ذاك يستطيع الكلامَ، بل كلَّمَهم بما معناه أن الأمر يكون من بعده لولدِه، فعلموا من ذلك أنه يريد خلعَ نفسه وسلطنة ولده، ففعلوا ذلك، وتوفي السلطان من الغد، وكانت مدة تملكه ثماني سنين وشهرين وستة أيام، فجُهز من وقته، وغُسل وكُفن، وصُلي عليه بباب القلة من قلعة الجبل، ودُفن من يومه بتربته التي عمرها بالصحراء، وقد ناهز الثمانين من العمر، أما السلطان الجديد المؤيد أبو الفتح أحمد بن إينال فتسلطن في يوم الأربعاء رابع عشر جمادى الأولى وتلقَّب بالمؤيد أحمد وانتدب كاتب السر لتحليف الأمراء، فحلف من حضر من الأمراء الأيمان المؤكدة، فلما انقضى التحليف وتمت البيعة قام كل أحد من الأمراء والخاصكية والأعيان وبادر إلى لبس الكلفتاة والتتري الأبيض، كما هي العادة، وأُحضِرت خِلعة السلطنة الخليفتية السوداء، ولُفَّت له عمامة سوداء حرير، وقام المقام الشهابي أحمد بن إينال ولبس الخلعة والعمامة على الفور.
هو الأمير يحيى ابن الأمير الخير الفقيه يشبك المؤيدي سبط السلطان المؤيد شيخ، ولد في ربيع الأول سنة 842, وأمه الخوند آسية بنت السلطان شيخ كانت خيِّرة ديِّنة، عارفة بطرائق الخوندات، ولها شهرة وذكر. مات أبوها السلطان المؤيد وقد زادت على أربع سنين. فتزوجها أبوه الأمير الخير الفقيه يشبك وهو من موالى أبيها بعد موته، وكان لالتها - مربيها- نشأ يحي في عز, فقرأ القرآن واشتغل يسيرًا وجوَّد الكتابة عند البرهان الفرنوي وغيره، وتقدم فيها بحيث كتب بخطه أشياء بديعة، وكان مع ذلك متقدمًا في الفروسية بسائر أنواعها، كالرمح والسيف والدبوس والنشاب وسَوق الخيل، بحيث إنه ساق المحمل عدة سنين، مع حسن المحاضرة والشكالة ولطف العشرة والظرف وجودة الفهم ومزيد الإسراف على نفسه، وتزوج ابنة المحب بن الشحنة واستولدها ابنة ماتت في حياتهما ثم فارقها, وعظُمَ ميل أبيه إليه ومحبته فيه حتى إنه كان المستبدَّ بكثير من الأمور أيام مباشرته الدوادارية الكبرى مع شدة مبالغته في طواعية والده ومزيد خدمته له، وقد رقاه الظاهر خشقدم وأمره بعد سنطباي وغيره وصار أمير أربعين، وسافر في أيامه إلى الحجاز أمير الركب الأول وإلى البلاد الشامية لتقليد بعض النواب ورجع بمال كثير وابتدأ به التوعك من ثمَّ، بحيث أشرف على الموت وتحدَّث به الناس حتى بمكة, ونزل السلطان للسلام عليه وعالجه الأطباء خصوصًا المظفر محمود الأمشاطي حتى نجع ثم انتقض عليه بعد بمدة وتنوعت به الأمراض كالسل ونحوه، بل يقال إنه عرض له داء الأسد وأقام مدة واختلف الأطباء عليه وأكثروا له من الحقن إلى أن انتحل، وتخلى مما عسى أن يكون كل هذا سببًا للتكفير عنه. ومات يحيى وأبوه في دمياط وأمه تقالبه يوم الجمعة السادس عشر رمضان سنة ست وسبعين وصُلي عليه من الغد في جمع حافل جدًّا فيه السلطان، ودفن بالمؤيدية مدرسة جده، قال السخاوي: "بلغني عن المحب بن الشحنة أنه لم يخلف بعده في أبناء الترك مثله- سامحه الله وإيانا وعوضه وأبويه الجنة"
هو محمد أحمد بن عبد الله، المهدي السوداني الثَّائر، وقائدُ الحركة المهدية ومؤسِّسُها. كان لحركته أثرٌ كبير في حياة السودانِ السياسية. ولِدَ في جزيرةٍ تابعة لدنقلة سنة 1259هـ، من أسرةٍ اشتهر أنها حُسينية النَّسَبِ. وكان أبوه فقيهًا، فتعلَّم منه القراءةَ والكتابة، وحفِظَ القرآنَ وهو في الثانية عشرة من عمره. ومات أبوه وهو صغير، فعَمِلَ مع عمه في نجارةِ السُّفن مدةً قصيرةً، وذهب إلى الخرطوم، فقرأ الفِقهَ والتفسيرَ، وتصوَّفَ وانقطع في جزيرة أبا في النيل الأبيض مدة خمسة عشر عامًا للعبادة والدرسِ والتدريس. وكثُرَ مريدوه، واشتهر بالصلاحِ. وسافر إلى (كردفان) فنشر فيها (رسالة) من تأليفِه يدعو بها إلى تطهيرِ البلاد من مفاسِدِ الحكَّام, وجاءه عبد الله بن محمد التعايشي فبايعه على القيامِ بدعوتِه. وقَوِيَت عصبيَّةُ المهدي بقبيلة (البقَّارة) وقد تزوَّج منها, وتلقَّب سنة 1298هـ (1881 م) بالمهديِّ المنتظر، وكتب إلى فُقهاء السودان يدعوهم لنصرتِه. وانبَثَّ أتباعُه (ويُعرفون بالدراويش أو الأنصار) بين القبائِلِ يحضُّون على الجهادِ. حاولت الحكومةُ المصرية والإنجليزُ القضاءَ عليه وعلى حركتِه، لكِنَّ كثرةَ أتباعِه وحماسَهم لحركتِه التي تسعى لرفعِ الظلم الواقع على السودانيين كلَّف المصريين والإنجليز الكثيرَ من الدماء على رأسِها القائدُ الإنجليزي غوردون، عندما هاجم بعضُ أتباع المهدي (الخرطوم) وفيها غوردون باشا فقتلوه وحملوا رأسَه على حَربةٍ (سنة 1302هـ)، وانقاد السودان كلُّه للمهدي. أرسل إلى الخديوي والسلطان عبد الحميد ومَلِكة إنجلترا يشعِرُهم بدولته ومقر سلطنتِه، وضربَ النقودَ. ولكِنَّه لم يلبث أن مات بالجدري في (أم درمان) وقد أوصى بالخلافة من بعده لعبد الله التعايشي. كان المهدي طويلًا أسمرَ بخضرة، ضَخْمَ الجثة، عظيمَ الهامة، واسِعَ الجبهة، أقنى الأنف، واسعَ الفم والعينين، مستديرَ اللحية، خفيفَ العارِضَينِ، أسنانه كاللؤلؤ، يتعَمَّمُ على قلنسوة من نوعِ ما يتعمَّمُ عليه أهلُ مكة، وعمامتُه كبيرةٌ مُنفَرِجةٌ من الأمام، يُرسِلُ عذبةً منها على مَنكِبِه الأيسر.وكان فطِنًا فصيحًا قويَّ الحجة، إذا خطب خلبَ لُبَّ مَن يستمِعُ إليه.
في يومِ الأربعاء الثالث عشر من يونيو 1906م كانت قرية دنشواي تعيشُ في هدوء حتى دخَلَها على غير موعدٍ عددٌ من أفرادِ كتيبةٍ إنجليزيَّةٍ كانت تتحَرَّك من القاهرة إلى الإسكندرية، وبدؤوا في اصطياد الحمام الذي يربِّيه الأهالي، وبجوارِ أجران القمح -موضع يُداس فيه القَمحُ- التي لا تخلو من وجودِ أصحابها بجوارِها، وبينما هم كذلك أصابت رصاصةٌ زوجةَ مؤذِّن القرية (صاحب أحدِ الأجران) وأشعلت رصاصةٌ ثانيةٌ النَّارَ في جرن القمحِ، فهبَّت القريةُ كُلُّها في وجهِ الغُرَباءِ الذين اعتَدَوا على قريتِهم وأشعلوا فيها النيرانَ، وجرت مواجهةٌ محدودةٌ بين الأهالي والغرباءِ أصيب على إثرِها عددٌ من الأهالي، بينما فرَّ أحَدُ الضباطِ هاربًا تحت الشمسِ الحارقة وأصابته ضربةُ شمس أودت بحياتِه. طار الخبَرُ إلى أهل الحُكمِ وبلغت الأنباءُ الكتيبةَ الإنجليزيةَ التي كانت على مَقرُبة من موقع الحادث، فصدرت الأوامِرُ إليها بالتحرُّكِ لنجدة أفرادها، وتقدَّموا إلى دنشواي في هجومٍ انتقاميٍّ على أهالي القرية العزَّلِ، وجرت الاعتقالاتُ العشوائيةُ، وتم نصبُ المشانِقِ قبل المحاكَمةِ نَفسِها، وتجلَّت مظاهرُ انتقام جيشِ الاحتلال من قريةٍ مِصرية عَزلاءَ حاولت الدفاعَ عن نفسها ضِدَّ غرباءَ دخلوها بلا استئذانٍ، وعاثوا فيها فسادًا ولهوًا وعبثًا! حتى صدر في العشرين من يونيو قرارُ وزير الحقَّانية النَّصراني بطرس غالي باشا بتشكيل المحكمة لمحاكمة 59 متهمًا وترأَّس المحاكَمةَ بُطرس غالي نفسُه، وكان عضوًا بها أحمد فتحي بك زغلول (شقيق سعد زغلول) مع ثلاثة قضاة من الإنجليز، وقام إبراهيمُ الهلباوي بدور المدَّعي العام، وبعد أسبوع من تاريخه صدرت الأحكامُ القاسية بإعدامِ أربعةٍ مِن أهالي دنشواي والسجنِ المؤبَّد لاثنين، والأشغال الشاقة لمُدَد أخرى مع جَلدِ عدَدٍ من المتهمين، وتم التنفيذ بطريقةٍ غاية في البشاعةِ والهمجيَّة؛ حيث تمَّ حَشدُ الأهالي لمشاهدة المجزرة البَشِعة، ثمَّ إن مصطفى كامل قام بأكبر حملةٍ في أوروبا يفضحُ فيها جرائِمَ الإنجليز في مصرَ، ويطالب بالجلاءِ والاستقلال، ومِمَّا كتبه في هذه الفترة مقالٌ نشرته (الفيجارو) الفرنسية.
وقعت هذه المعركة في يناير 1931م بعد ما أمضى الإيطاليون ستة أشهر وهم يعدُّون جيشًا قويًّا من أجل الزحف على مناطق الكفرة جنوب شرق ليبيا. وبعد إتمام تجهيز هذه القوة عَمَد قائدها إلى إطلاقها من عدةِ أماكن؛ فقد انطلقت القوة الرئيسية من أجدابيا شرق ليبيا في 20 ديسمبر 1930م عبر أوجلة جنوب بنغازي، والقوة الثانية انطلقت من زلة عبر تازربو، وانطلقت قوة ثالثة مسانِدة من الوادي الكبير، بلغ إجمالي هذه القوات الزاحفة صوب الكفرة أكثَرَ من أربعة آلاف جندي، وكانت قافلة الإبل وحدها تضم 5517 رأسًا من الجمال عدا السيارات والآليات. وكانت أولى المعارك في هذه الحملة معركةُ الهواري التي جرت يوم 19 يناير 1931م، حيث تصَدَّى فيها المجاهِدون لقوات تفوقهم عددًا وعُدة. وأمر غراتسياني باستخدام الطيران على أوسع نطاق ممكن، ورغم ذلك استطاع المجاهِدون أن يكبِّدوا الطليان خسائِرَ فادحة. ولَمَّا لم يكن في مقدورهم التصدي لمثل هذه القوة تحوَّلوا إلى واحة الهويويري وواصلوا قتالهم ضِدَّ القوات الإيطالية. وكان بمقدور المجاهدين التصدِّي للقوة الإيطالية لولا نيران الطائرات المعادية التي كانت تُغيرُ عليهم بمعدَّل تسع هجمات بطائرات من نوع "رو" في اليوم الواحد. وتعترف المصادر الإيطالية بأن المجاهدين لم يكونوا ليتزحزحوا لولا تدخُّل الطيران الإيطالي. وما إن سيطرت القوات الإيطالية على مناطِقِ الوسط والجنوب والغرب -إضافة للوجود الإيطالي في مناطق بنغازي وما حولها- حتى بدأت بالاستعداد العسكري لاحتلال منطقة الكفرة. وتمثِّلُ السيطرةُ على هذه الواحات أهميةً خاصة في الاستراتيجية الحربية الاستعمارية الإيطالية حينذاك، خاصةً بعد تحوُّل القسم الباقي من المجاهدين عَقِبَ احتلال منطقة الخليج والمناطق الصحراوية المجاورة، واتخاذهم واحة تازربو قاعدةً لبعض تحركاتهم، ومهاجمة المناطق الواقعة تحت سيطرة الاحتلال. كما تعتبر واحةُ الكفرة مركزًا اقتصاديًّا مهمًّا؛ حيث كانت تمرُّ بها القوافِلُ من زلة وتازربو، مرورًا بواحات الكفرة ثم إلى منطقة الجغبوب قبل احتلالها ثم إلى سيوه.
أمَرَ الملِكُ عبد العزيز بوضعِ نظامٍ لتولية العرش مِن بعدِه، فانعقد مجلِسَا الوكلاء والشورى، وأبرمَا قرارًا في 16 محرم 1352هـ الموافق 11/ 5 / 1933م بمبايعةِ كبير أبنائه الأمير سعود وليًّا للعهد،ثم أبرق الملِكُ على الأثرِ إلى سعود برقيةً جاء فيه: " تفهَمُ أنَّنا نحن والناس جميعًا ما نُعِز أحدًا ولا نذِلُّ أحدًا، وإنما المعِزُّ والمذِلُّ اللهُ هو سبحانه وتعالى، ومن التجأ إليه نجا، ومن اغتَرَّ بغيره عياذَ اللهِ وقع وهلك، موقِفُك اليومَ غيرُ موقفك بالأمس؛ ينبغي أن تعقِدَ نيَّتَك على ثلاثةِ أمور: أولًا/ نية صالحة، وعزمٌ على أن تكونَ حياتُك وديدنك إعلاءَ كلمة التوحيد، ونصر دين الله، وينبغي أن تتَّخِذَ لنفسِك أوقاتًا خاصة لعبادة الله والتضَرُّع بين يديه في أوقات فراغك. تعبَّدْ إلى الله في الرخاء تجِدْه في الشدة، وعليك بالحرصِ على الأمر بالمعروف، والنهيِ عن المنكر، وأن يكون ذلك كلُّه على برهانٍ وبصيرة في الأمر، وصِدقٍ في العزيمة، ولا يصلُحُ مع الله سبحانه وتعالى إلا الصدقُ، وإلا العَمَلُ الخفيُّ الذي بين المرء وربه. ثانيًا/ عليك أن تجِدَّ وتجتهِدَ في النظر في شؤون الذين سيولِّيك الله أمْرَهم بالنصحِ سرًّا وعلانيةً، والعدلِ في المحبِّ والمُبغَض، وتحكيم الشريعة في الدقيق والجليل، والقيام بخدمتها باطنًا وظاهرًا، وينبغي ألَّا تأخُذَك في الله لومة لائم. ثالثًا/ عليك أن تنظُرَ في أمر المسلمين عامةً، وفي أمر أسرتِك خاصةً، اجعل كبيرَهم والدًا، ومتوسِّطَهم أخًا، وصغيرهم ولدًا، وهنْ نفسَك لرضاهم، وامحُ زلَّتَهم، وأقِل عَثرتَهم، وانصح لهم، واقضِ لوازِمَهم بقدر إمكانك، فإذا فهمت وصيتي هذه، ولازمت الصدق والإخلاص في العمل؛ فأبشر بالخير، وأوصيك بعلماء المسلمين خيرًا. احرص على توقيرِهم ومجالستِهم، وأخذِ نصيحتِهم. واحرِصْ على تعليم العِلمِ؛ لأنَّ الناس ليسوا بشيءٍ إلَّا بالله ثم بالعلم ومعرفة هذه العقيدة. احفَظِ الله يحفظك. هذه مقدمة نصيحتي إليك، والباقي يصلك إن شاء الله في غير هذا".
معركةُ العَلَمين الثانية هي المعركة التي وقعت في العلمين التي تبعد 90 كيلومترًا عن الإسكندرية، وكانت بين القوات الألمانية والإيطالية بقياده إرفين رومل، وبين القوات البريطانية بقيادة برنارد مونتغمري، وتُعَدُّ هذه المعركة من أهم معارك التحَوُّل في الحرب العالمية الثانية، كما أنها كانت من أهم معارك الدبَّابات على مدار التاريخ، وبعد انتصار القوات الألمانية في معارك الصحراء، وكان الفرقُ بين قوات الجانبين يتمثل في: 1/ عدد الجنود: 195,000 جندي بريطاني ومن الحلفاء، مقابل 104,000 جندي من قوات المحور. 2/ الدبابات: 1029 دبابة للبريطانيين مقابل 489 للمحور. 3/ المَدافع: 2311 مِدفَعًا للبريطانيين مقابل 1219 للمحور. 4/ الطائرات: 750 طائرة للبريطانيين مقابل 675 للمحور. إضافة إلى ذلك كان طريق الإمدادات قصيرًا بالنسبة للبريطانيين؛ حيث يَبعُد ميناء الإسكندرية حوالي 110 كم عن الجبهة، ويبعد ميناء السويس حوالي 345 كم عن الجبهة. أما بالنسبة للمحور فإن أقرب ميناء وهو طبرق يَبعُد أكثر من 590 كم عن الجبهة، كما يبعُد ميناء بنغازي أكثر من 1050 كم، ويبعد ميناء طرابلس أكثر من 2100 كم. فضلًا على أن طريق الإمدادات بالنسبة لقوات المحور يتعَرَّض للغارات من جزيرة مالطا، ومن الفدائيين في الصحراء, وأدى النقصُ الكبير في الوَقود عند الألمان بسب إغراق البريطانيين لحاملة النفطِ الإيطالية إلى شَلَلٍ في حركة تقَدُّم الدبَّابات، فاستطاعت القواتُ البريطانية طرْدَ الألمان إلى ليبيا، ثم مِن كُلِّ أفريقيا وصولًا إلى مالطة. وهذه المعركةُ هي التي شهدت بداية الخسائر التي ألحقت بالألمان، التي خَسِرَ فيها الألمان المئاتِ من الدبابات، بالإضافة إلى آليات أخرى وعتاد وذخائر، وكان من الأسباب التي أدت لخسارة الألمان نجاح البريطانيين في فكِّ شفرة الاتصالات الألمانية، وهو خَلَلٌ في القيادة الألمانية التي ظَلَّت تحارب 6 سنوات بدون تغييرِ شَفرةِ الإرسال التي اعتَقَدوا أنها مُعَقَّدة وغير قابلة للكشف. وأصبح الحلفاءُ في ميدان المعركة على عِلمٍ بكل التحركات الألمانية قبل حدوثِها، وهو ما ساعد مونتغمري على اكتشافِ خطة رومل قبل بدء المعركة.
كانت المنظماتُ الصهيونيةُ تُصعِّد ضغوطَها منذ عام 1960م لاستصدار وثيقةٍ من الفاتيكان بتبرئة اليهود من دمِ المسيح، وقد صَدَرت بالفعل وثيقة فاتيكانية بعنوان (نوسترا ايتاتي) تعلن أن موت السيد المسيح -على زعمهم- لا يمكن أن يُعزَى عشوائيًّا إلى جميع الذين عاشوا في عهده أو إلى يهود اليوم. وكان البابا يوحنا الثالث والعشرون قد ألغى من الصلاة الكاثوليكية مقطعًا يتحدَّث عن اليهود الملعونين، كما ألغى من النصوصِ الدينية جُرْمَ قَتْل الرب، على اعتبار أن الوثيقة المذكورة نصَّت أيضًا على ألا يُنظَرَ إلى اليهود كمنبوذين من الرب وملعونين، كما لو جاء ذلك في الكتاب المقدس. وسَعَت الجماعاتُ اليهودية والصهيونية إلى استثمار سريع لوثيقة 1965م، ولكِنَّ عدوان يونيو 1967م ووقوع القدس في القبضة اليهودية أوجد متغيَّرًا جديدًا أمام الفاتيكان، فركَّز منذ ذلك الوقت على تدويل القدس، وأظهر تعاطفًا مع الكفاح الفلسطيني، وبدأت تظهرُ أيضًا تعبيرات الشعب اليهودي في تصريحاته، والإشارة إلى ما تحمَّله (الشعب اليهودي) من مآسٍ. وبعد عشرين عامًا خطا البابا يوحنا بولس الثاني الخطوةَ التالية في الاتجاه نفسه، فألغى عمليًّا التعديلات التي سبق أن أُدخِلت على الوثيقة الأصلية بتأثير اعتراضات الكنائس المسيحية في البلدان العربية في حينه، وأصدر في 24/6/1985م وثيقة لجنة الفاتيكان للعَلاقات الدينية التي تضمنت تبرئة سائر أجيال اليهود من دمِ المسيح، كما تضمَّنت الربطَ الوثيق بين اليهود وإسرائيل؛ توطئةً لما قام لاحقًا من علاقات مباشرة ودبلوماسية بينهما. ورافق إصدارَ الوثيقة تعميمٌ جديد يقضي بمزيد من تعليمات الفاتيكان لسائر الكنائس الكاثوليكية؛ لتعديل ما ينبغي تعديلُه من نصوص الصلوات والمناهج المدرسية وغيرها، وفقًا للنصوص البابوية. وزاد على ذلك في 13/4/1986م قيام يوحنا بولس الثاني بزيارة كنيس يهودي في روما، وذلك لأول مرة في تاريخ الكنيسة الكاثوليكية؛ حيث خاطب سَدَنَتَه بقوله: الأحبَّاء الأعزَّاء والإخوة الكبار، وكان بينهم الحاخام الأكبر في الكنيس اليهودي، وقد اعتُبرت خطوةً رئيسة لمزيد من التقارب مع اليهود.
هو السردارُ محمد داود ابن عمِّ الملك محمد ظاهر شاه، وزوج شقيقتِه، ضابط في الجيش الأفغانيِّ، درس في مدينة كابول، وأتمَّ دراستَه العسكريةَ في فرنسا، عُيِّن عام 1350هـ أيام محمد نادر خان حاكمًا على مقاطعة قندهار، وبعدَ خمس سنواتٍ عُيِّن قائدًا لقوات المنطقة الوسطى، ومديرًا للكلية الحربيةِ، وعُهد إليه برئاسة الوزارة عام 1373هـ فاحتفظ لنفسِه بحقيبتي وزارتي الداخلية والدفاع إضافة إلى رئاسة الحكومة، فحكم البلادَ مدَّة عشر سنواتٍ، ولما عُرف بميوله تجاه الروس وأطماعه بالحكم نُحِّيَ عن رئاسةِ الحكومة عام 1383هـ، ثم قاد الانقلابَ في 17 /6 / 1393هـ 17 /7 / 1973م بدعم من الشيوعيِّين الأفغان الذين جاءتهم الأوامرُ من موسكو بدعم محمد داود، ونجح الانقلاب. كان هدفُ محمد داود من الانقلاب الوصولَ للسلطة والمحافظة عليها؛ لذلك تقرَّب من روسيا وعمِلَ على خنق الدعوة الإسلامية لإرضائها، بينما روسيا لم تكن ترى داود سوى مرحلة -لأنَّه لم يكن شيوعيًّا- لتضعَ الشيوعية يدها على أفغانستان بعد أن يقضيَ على الدعوة الإسلاميةِ، وفي ربيع الأول 1397هـ أعلن تشكيل حكومةٍ مدنية ونهاية الحكم العسكريِّ، فأخذ السُّخط يتزايد عليه خاصَّة من أفراد القوات المسلحةِ، ولما أحسَّ داود بترجُّح كفَّة الشيوعيين خاصَّةً مع وجود 350 خبيرًا من الخبراء الروس الذين جلبهم إلى أفغانستانَ لدعم حكومتِه، بدأ بتصفية الشيوعيِّين والتقرُّب للدول الإسلامية، وفي 19 جمادى الأولى اغتُيل أحد زعماء حزب برشام الشيوعيِّ بتدبير من حزب محمد تراقي الشيوعي، واتُّهم محمد داود بالتآمر على قتلِه، فوقع انقلاب شيوعيٌّ في 22 جمادى الأول 1398هـ على داود، فأُودع السجن مع أفراد أسرتِه واغتُيل في يوم الانقلاب 15 ألفًا، وسلَّم الشيوعيون الرئاسة لأنور محمد تراقي زعيمِ حزب الشعبِ الشيوعيِّ, فأمر محمد تراقي بإخراج محمد داود من السجن، فقُتِل محمد داود وباقي أفراد أُسرته.
الملكُ فهدُ بنُ عبدِ العزيزِ هو الابنُ التاسعُ من أبناء الملك عبدِ العزيزِ آلَ سعودٍ الذكور -رحمهما اللهُ- وهو خامسُ ملوك المملكة العربية السعودية، وأولُ مَن تلقَّب بخادم الحرمَينِ الشريفَينِ رسميًّا بإعلانه ذلك في المدينة المنورة، تولَّى مقاليدَ الحُكم في 21 شعبان 1402هـ الموافق13 يونيو 1982م، وذلك بعد وفاة أخيه غير الشقيق الملك خالد بن عبد العزيز، تعرَّض الملك فهد إلى جَلْطة في عام 1995م، وتولَّى الأمير عبد الله بن عبد العزيز إدارة شؤون الحكم اليومية نظرًا لمرض الملك، وُلد الملك فهدٌ في الرياض عامَ 1921م 1340هـ، ووالدتُه هي الأميرة حصَّة بنت أحمد بن محمد السديري، وهو الأخ الشقيق للأمراء السبعة: سلمان، ونايف، وسلطان، وأحمد، وعبد الرحمن، وتركي الثاني، وفي عام 1954م تولَّى الأمير فهد بن عبد العزيز وزارةَ التعليم، كما أصبح الأميرُ فهدُ بنُ عبد العزيز يتولَّى المباحثات من الجانب السعودي خلالَ انعقاد جامعة الدول العربية، كما تولَّى وزارةَ الداخلية في عهد الملك فَيْصل، تميَّز عهدُه بصدور النظام الأساسي للحُكم، ونظام مجلس الشورى، ونظام المناطق في 26 رجب 1412 هجرية الموافق 31 يناير 1992م، أسهم الملك فهد بن عبد العزيز في حل الكثير من الأزمات العربية في عهده، وأهمُّها: اتفاق الطائف الذي وحَّد لُبنان وأنْهى الحرب الأهلية فيها، كما قدَّم دعمًا ماديًّا وسياسيًّا لإنهاء اضطهاد المسلمين في البوسنة خلال حرب البَلْقان، أُعلن عن وفاته رسميًّا في يوم الاثنين 25 جمادى الثانية 1426هـالموافق 1 أغسطس 2005م في مستشفى الملك فَيْصل التخصصي بمدينة الرياض، بعدَ إصابته بالتهابٍ رِئويٍّ حادٍّ، ودُفن الملك فهد -رحمه الله- في مقبرة العود في الرياض، وتمَّ تنصيبُ الأمير عبد الله بن عبد العزيز خلفًا له، والأمير سلطان بن عبد العزيز وليًّا للعهد.