أجمع أهلُ حرمة- وهي بلدة في المجمعة- الغدرَ بأميرهم عثمان بن عبد الله، وكان رئيسُهم في الغدر جويسرَ الحسيني الذي اتَّفَق مع سويد بن محمد صاحب جلاجل وأحمد بن عثمان أمير المجمعة على الغدر بأتباع الدعوة في بلدانِهم, فلمَّا أجمعوا على إنجازِ ما اتَّفَقوا عليه، أرسلوا إلى كبار أتباع الدعوةِ في المجمعة ليأتوا إلى حرمة؛ ليُعَلِّموا أهلَها، فلما جاء بعضُهم حرمة، كان أمير حرمة عثمان في نخلٍ له خارِجَ البلدةِ، فأرسل جويسر من يخبِرُه بقدوم ضيوفٍ مِن المجمعة، فلما رجع اجتمع عليه ستةُ رجال منهم أخوه خضير بن عبد الله، وابن عمه عثمان بن إبراهيم، فقَتَلوه، ثم بادروا لمن جاء من المجمعة فحَبَسوهم, ثم ساروا إلى المجمعة ليستولوا على قلعتِها وقَتل من فيها من أتباع الدعوة، لكِنَّ أهل المجمعة تنبَّهوا لهم فتحصَّنوا في القلعة، فلم يستطيعوا اقتحامَها، فرجعوا خائبين, ثم أرسلَ أهل المجمعة إلى عبد العزيز لإخبارِه بما وقع لهم على يدِ أهل حرمة, فأمرَ ابنَه سعودًا أن يسيرَ إلى حرمة، فسار معه جميعُ أهل البلدان من العارض، فنزل بالهضبة المحيطة بحرمة، وبقي يقاتل أهلَها ليلًا ونهارًا مدَّةَ أيام، وقُتِلَ من الفريقين رجالٌ, فلما أجهد الحصارُ أهل حرمة طلبوا الصلحَ مِن سعود فقَبِلَ بشرط أن يُطلِقوا الأسرى الذين عندهم من أهلِ المجمعة وأن يرحَلَ جويسر الحسيني عن البلدة, فأطلقوا سراح المحبوسين ورحل جويسر إلى بغداد، ثم انتقل إلى مكة بعد أن ظهر ابنُ سعود في نجدٍ وما حولها، وصار جويسر مدافعًا عن الشيخ محمد بن عبد الوهاب ودعوتِه عند شريفِ مكة. واستعمل عليهم الأميرَ ناصر بن إبراهيم. ثم اتَّجه سعود إلى المجمعة واستلحق أحمدَ بن عثمان ورحل به وبعيالِه واستعمل على المجمعة أميرًا هو عثمان بن عثمان، ولما وصل جلاجل استلحقَ سويدًا بعياله، وأمر الجميع أن يقصدوا بلدَ القصب ثم نزلوا شقراء إلى أن أمَرَهم الإمام عبد العزيز أن ينزلوا جميعًا الدرعية بعيالهم.
هو شيخ القراء والعربية أبو عمرو العريان وقيل: زَبَّان بن العلاء بن عمار بن العُريان التميمي ثم المازني البصري، أحد القرَّاء السبعة، وُلد بمكة عام 68، وقيل 70, وأمه: من بني حنيفة. ونشأ بالبصرة، أحدُ التابعين، سمع من أنسِ بن مالك. قرأ القرآن على: سعيد بن جبير، ومجاهد، ويحيى بن يعمر، وعكرمة، وابن كثير، وطائفة, وكان من أئمَّة اللغة والأدب، ومن أعلَمِ الناسِ بالقرآن والعربية وأيَّامِ الناس، برز في الحروفِ وفي النحو، وتصدَّر للإفادةِ مُدَّة، واشتهر بالفصاحةِ والصدق وسَعةِ العلم، انتصب للإقراءِ أيامَ الحسَن البصري، كانت دفاترُه ملءَ بيتٍ إلى السقف، ثم تنسَّك فأحرقها، توفِّيَ في الكوفة.
أوغلَ يَمينُ الدَّولة محمودُ بنُ سبكتكين في بلاد الهندِ، فغَنِمَ وقَتَل، حتى وصل إلى قلعةٍ على رأس جبَلٍ منيعٍ، ليس له مَصعدٌ إلَّا من موضعٍ واحدٍ، وهي كبيرةٌ تَسَعُ خلقًا، وبها خمسُمِئَة فيل، وفي رأسِ الجَبَلِ من الغَلَّات والمياه، وجميعِ ما يحتاجُ الناسُ إليه، فحصرهم يمينُ الدَّولة، وأدام الحِصارَ، وضَيَّق عليهم، واستمَرَّ القتال، فقُتِل منهم كثيرٌ، فلما رأَوا ما حلَّ بهم أذعنوا له، وطلبوا الأمان، فأمَّنَهم وأقَرَّ مَلِكَهم فيها على خراجٍ يأخُذُه منه، وأُهديَ له هدايا كثيرةٌ، منها طائِرٌ على هيئة القمريِّ مِن خاصيَّتِه إذا أُحضِرَ الطَّعامُ وفيه سُمٌّ دَمِعَت عينا هذا الطائِرِ وجرى منهما ماءٌ، ثم يتحَجَّرُ، فإذا حُكَّ وجُعِلَ على الجِراحاتِ الواسعةِ ألحَمَها.
هو الشيخ أبو الفلاح عبد الحي بن أحمد بن العماد العكبري، مؤرخ وفقيه حنبلي وعالم بالأدب، ولد في دمشق سنة 1032 ونشأ بها، وقرأ القرآن الكريم على بعض الشيوخ، وطلب العلم مشمِّرًا عن ساعد الجد والاجتهاد، فأخذ عن أعلام الأشياخ، وأجلُّهم الشيخ أيوب الخلْوَتي الصوفي. وتلقى الفقهَ قراءة وأخذًا عن ابن فقيه فُصَّة مفتي الحنابلة بالشام في عصره، ثم رحل إلى القاهرة وأقام بها مدة طويلة، فأخذ العلم عن أشياخها. ثم عاد إلى دمشق ولزم الإفادة والتدريس، وانتفع به كثيرٌ من أبناء عصره، وتوفي بمكة حاجًّا، من مصنفاته شذرات الذهب في أخبار من ذهب، وله معطية الأمان من حنث الأيمان، وغيرها من الكتب.
غزا جيشٌ من الدرعية العودة في سدير, وأميرهم هذلول بن فيصل، ومعه سعود بن عبد العزيز- وهذه أول غزوة غزاها سعود بن عبد العزيز- فدخلوا البلدة ليلًا وأعدوا كمينًا لم يشعُرْ به أحدٌ، فلما أصبحوا غار جيش الدرعية على أطراف البلد، فخرج أهلها إليهم ليقاتلوهم، فدخل الكمين البلدة، فلما علم الذين خرجوا من أهل البلدة بذلك عادوا إليها، وأرادوا دخول القلعة, فوجدوا جيشَ الدرعية قد استولَوا عليها، فجرى بينهم قتال حتى تمكَّن هذلول بن فيصل من السيطرة على البلدة، ونودي فيها بالأمان، واستعملَ الأميرُ عبد العزيز بن محمد منصورَ بنَ حماد أميرًا على بلدةِ العودة.
منذ أن دخلت بريطانيا إلى مصرَ وهي تعمَلُ على فصل السودان عن مصرَ، ولم تستطع إنجلترا أن تقمَعَ الثورات باسمِ المصريين، فقامت بإجلاء العساكِرِ المصرية من السودان بحُجَّةِ ولائِهم لأحمد عرابي لا للخديوي توفيق، وبصعوبةِ المواصلات للسودان، وأصَرَّ كرومر المندوبُ الإنجليزيُّ على إجبارِ الحكومة المصرية على قَبولِ الجلاء، ولكنَّه صار جلاءً مؤقَّتًا؛ ففي سنة 1896م جاءت حملةُ كتشنر التي انتهت بعد معركةِ أم درمان سنة 1898م برفع العلمِ الإنجليزي والمصري في الخرطوم، وفَرَضت في اتفاقية سنة 1899م نظامَ الحكم الثنائي المصري الإنجليزي، بمعنى دخولها شريكًا أساسيًّا في امتلاك البلادِ، وتقرَّرَ أن يكونَ تعيينُ حاكم عموم السودان بأمرِ الخديوي، ولكِنْ بترشيح بريطاني.
في يومِ الاحتفال بذِكرى حرْب رمضانِ، وفي يوم 8 ذي الحجة 1401هـ / 6 تشرين الأول 1981م، وبيْنما كان الرئيسُ أنور السادات على مَنصَّة الشرَفِ يَرتدي البِزَّة العسكريةَ، وحولَه أعوانُه، وتمرُّ أمامَه أرتالُ الجُند في العرْض العسكريِّ؛ تقدَّم مِن بيْنِهم الضابطُ خالد الإسلامبولي وأطلَقَ عليه النارَ فأرداه قَتيلًا، فكانت مدَّةُ رئاستِه تَزيدُ على أحد عشَرَ عامًا. وتولَّى رئاسةَ الجمهورية مؤقَّتًا رئيسُ مجلِس الأمَّة صوفي أبو طالب حسَبَ الدُّستورِ، ثم أصدَرَ في اليوم التالي قرارَ تَعيين محمد حسني مبارك نائبًا لِرَئيس الجمهوريةِ، وانقضَت إجازةُ عِيد الأضحى وتسلَّم بعدها محمد حسني مبارك مُهمةَ رئاسةِ الجمهوريةِ.
أخذ الشَّريفُ راجح بن قتادة مكَّةَ من الشريف جماز بن حسن، بغيرِ قتال، ثم أخذها ابنُه غانم بن راجح في ربيعٍ الأول بغير قتالٍ، فقام عليه الشَّريفُ أبو نمي بن أبي سعيد بن علي بن قتادة في شوال ومعه الشريفُ إدريس، وحارباه ومَلَكَا مكة، فقدم في خامس عشر ذي القعدة مبارز الدين الحسين بن علي بن برطاس من اليمن، وقاتَلَهما وغَلَبَهما، وحجَّ بالنَّاسِ.
بعد أن حقَّق محمد علي باشا عدةَ انتصارات في الحملةِ التي قادها بنفسِه لدعم جهودِ ابنِه طوسون في العمَلِ على إسقاط الدولة السعودية، اضطر أن يغادِرَ إلى مصر للقضاء على حركة تمرد استهدفت حكمه، فعيَّن حسين باشا الأرنؤطي واليًا على مكة، وأقام ابنَه أحمد طوسون قائدًا على القوات العسكرية في الحجاز, وبعد قضاء محمد علي على حركةِ التمَرُّدِ في مصر استأنف حربَه ضِدَّ السعوديين، فأرسل إليهم حملةً عسكرية أخرى بقيادة ابنِه إبراهيم باشا.
عليُّ بنُ الشَّيخِ أحمد علي السَّالوس، عالمٌ مصريٌّ في علمِ الاقتصادِ الإسلاميِّ، عَمِل في مجالِ التَّدريسِ بكليَّةِ الشَّريعةِ في جامعةِ قَطَر منذُ 1401هـ.
كان خبيرًا في الفِقهِ والاقتصادِ الإسلاميِّ، وشارَك في العديدِ من المؤتمَراتِ والنَّدَواتِ.
وله عديدٌ من الكُتُبِ والأبحاثِ في الفقهِ الإسلاميِّ والاقتصادِ الإسلاميِّ، منها "حُكمُ ودائعِ البنوكِ وشهاداتِ الاستثمارِ في الفقهِ الإسلاميِّ" و "معاملاتُ البنوكِ الحديثةُ في ضوءِ الإسلامِ".
توفِّيَ عن عُمرٍ يناهِزُ 89 عامًا في مدينةِ الدَّوحةِ بقَطَر.
هو الأمير سيف الدولة صدقة بن بهاء الدولة منصور بن ملك العرب دبيس بن علي بن مزيد الأسدي، الناشري العراقي صاحب الحلة السيفية. كان يتشيع هو وأهل بيته، ويقال له ملك العرب. وكان ذا بأس وسطوة، كريمًا ذا ذمام، عفيفًا من الزنا والفواحش، كأن عليه رقيبًا من الصيانة، ولم يتزوج على زوجته قطُّ ولا تسرَّى، وقيل: إنه لم يشرب مُسكِرًا ولا سَمِعَ غناءً ولا قصد التسوُّقَ في طعام، ولا صادر أحدًا من أصحابه، وكان تاريخ العرب الأماجد كرمًا ووفاءً، وكانت داره ببغداد حرمَ الخائفين. اختطَّ مدينة الحلة في سنة خمس وتسعين وأربع مائة، وسكنها الشيعة، وكان قد عَظُم شأن صدقة، وعلا قدره، واتسع جاهه، واستجار به صغار الناس وكبارهم، فأجابهم، وكان كثير العناية بأمور السلطان محمد، والتقوية ليده، والشدِّ منه على أخيه بركيارق، حتى إنه جاهر بركيارق بالعداوة، ولم يبرحْ على مصافاة السلطان محمد، وزاده محمد إقطاعًا، من جملته مدينة واسط، وأذن له في أخذ البصرة. ثم أفسد ما بينهما العميدُ أبو جعفر محمد بن الحسين البلخي، ثم إنه تعدى ذلك حتى طعن في اعتقاده، ونسبه وأهل بلده إلى مذهب الباطنية، وقيل: إنما كان مذهبه التشيع لا غير، ووافق أرغون السعدي أبا جعفر العميد، وأما سبب قتله فإن السلطان محمدًا قد سخط على أبي دلف سرخاب بن كيخسرو، صاحب ساوة وآبة، فهرب منه وقصد صدقة فاستجار به فأجاره، فأرسل السلطان يطلب من صدقة أن يسلِّمَه إلى نوابه، فلم يفعل، وظهر منه أمورٌ أنكرها السلطان, فأنفذ الخليفةُ المستظهر بالله إلى صدقة ينهاه عن الخروج على السلطان، وتردَّدت الرسل بين الخليفة وصدقة, فما سمع صدقة، واجتمع له عشرون ألف فارس، وثلاثون ألف راجل، فتوجَّه السلطان إلى العراق ليتلافى هذا الأمر، فالتقى الجمعان عند النعمانية، فرشقتهم عساكر السلطان بالسهام، فجرحت خيولهم، ثم ولَّوا، وبقي صدقة يجول بنفسه، فجُرِح فرسه المهلوب، وكان عديمَ المثَل، وهرب وزيره على فرس له، فناداه، فما ألوى عليه، ثم جاءته ضربةُ سيف في وجهه، وقُتِلَ صدقة، وحُمل رأسه إلى بغداد. وقتل من أصحابه ما يزيد على ثلاثة آلاف فارس، فيهم جماعة من أهل بيته، وأُسِرَ ابنه دبيس ووزيره وعِدَّةٌ من أهله، وكان عمره تسعًا وخمسين سنة، وكانت إمارته إحدى وعشرين سنة، وحُمِل فدفن في مشهد الحسين عليه السلام, ثم عاد السلطان إلى بغداد، ولم يَصِل إلى الحلة، وأرسل إلى البطيحة أمانًا لزوجة صدقة، وأمرها بالظهور فأصعدت إلى بغداد، فأطلق السلطان ابنها دبيسًا، وأنفذ معه جماعة من الأمراء إلى لقائها.
ملك العادل أبو بكر بن أيوب بلد الخابور ونصيبين، وحصر مدينة سنجار، والجميع من أعمال الجزيرة، وهو بيد قطب الدين محمد بن زنكي بن مودود، وسببُ ذلك أن قطب الدين كان بينه وبين ابنِ عَمِّه نور الدين أرسلان شاه بن مسعود بن مودود، صاحب الموصل، عداوةٌ مستحكمة، وكان لنور الدين وزراء يحبون أن يشتغل عنهم، فحسَّنوا له مراسلة العادل والاتفاق معه على أن يقتسما بالبلاد التي لقطب الدين، وبالولاية التي لولد سنجر شاه بن غازي بن مودود، وهي جزيرة ابن عمر وأعمالها، فيكون مُلك قطب الدين للعادل، وتكون الجزيرةُ لنور الدين، فوافق هذا القولُ هوى نور الدين، فأرسل إلى العادل في المعنى، فأجابه إلى ذلك مستبشرًا، فبادر العادلُ إلى المسير من دمشق إلى الفرات في عساكره، وقصد الخابور فأخذه، فلما سمع نور الدين بوصوله كأنَّه خاف واستشعر، هذا والعادل قد ملك الخابورَ ونصيبين، وسار إلى سنجار فحصرها، فبينما الأمرُ على ذلك إذ جاءهم أمر لم يكن لهم في حساب، وهو أن مظفر الدين كوكبري، صاحب إربل، أرسل وزيره إلى نور الدين يبذُلُ من نفسه المساعدةَ على منع العادل عن سنجار، وأنَّ الاتفاق معه على ما يريده، فوصل الرسولُ ليلًا فوقف مقابل دار نور الدين وصاح، فعبَرَ إليه سفينة عبر فيها، واجتمع بنور الدين ليلًا وأبلغه الرسالة، فأجاب نور الدين إلى ما طلب من الموافقة، وحلفَ له على ذلك، وعاد الوزيرُ من ليلته، فسار مظفر الدين، واجتمع هو ونور الدين، ونزلا بعساكِرِهما بظاهر الموصل، ولما وصل مظفر الدين إلى الموصل، واجتمع بنور الدين، أرسلا إلى الملك الظاهرِ غازي بن صلاح الدين، وهو صاحِبُ حلب، وإلى كيخسرو بن قلج أرسلان، صاحب بلاد الروم، بالاتِّفاق معهما، فكلاهما أجاب إلى ذلك، فتواعَدوا على الحركة وقصْد بلاد العادل إن امتنع من الصلحِ والإبقاء على صاحب سنجار، وأرسلا أيضًا إلى الخليفة الناصر لدين الله ليرسِلَ رسولًا إلى العادل في الصلح أيضًا، فقويت حينئذ نفس صاحب سنجار على الامتناع، ووصلت رسلُ الخليفة إلى العادل وهو يحاصر سنجار، فأجاب أولًا إلى الرحيل، ثم امتنع عن ذلك، وغالط، وأطال الأمر لعله يبلغ منها غرضًا، فلم ينلْ منها ما أمَّله، وأجاب إلى الصلح على أن يكون له ما أخذ وتبقى سنجار لصاحبها، واستقرَّت القاعدة على ذلك، وتحالفوا على هذا كلُّهم، وعلى أن يكونوا يدًا واحدة على الناكثِ منهم؛ ورحل العادل عن سنجار إلى حران، وعاد مظفر الدين إلى إربل، وبقي كل واحد من الملوك في بلده.
هو أبو المعالي محمَّدُ بن علي بن عبد الواحد بن عبد الكريم، الزملكاني الأنصاري السماكي الدمشقي الشافعي قاضي قضاة دمشق، انتهت إليه رياسةُ المذهب تدريسًا وإفتاء ومناظرة، ويقالُ في نسبه السماكي نسبة إلى أبي دجانة سماك بن خَرشة، وُلِدَ ليلة الاثنين ثامن شوال 666، وسمع الكثير واشتغل على الشيخ تاج الدين الفزاري، وفي الأصولِ على القاضي بهاء الدين بن الزكي، وفي النحوِ على بدر الدين بن ملك وغيرهم، وكان من خصومِ شَيخِ الإسلام ابن تيمية؛ قال ابن كثير: "برع وحَصَّل وساد أقرانَه من أهل مذهبه، وحاز قَصَب السَّبقِ عليهم بذِهنِه الوقَّاد, وعبارتِه التي هي أشهى من كلِّ شيء مُعتاد، وخَطِّه الذي هو أنضَرُ مِن أزاهير الوِهاد، وقد درَّسَ بعِدَّة مدارس بدمشق، وباشر عِدَّةَ جِهات كبار، كنظر الخزانة، ونظر المارستان النوري، وديوان الملك السعيد بن الظاهر بيبرس، ووكالة بيت المال، له تعاليقُ على قطعة كبيرة من شرح المنهاج للنووي، ومجلَّد في الرد على الشيخ تقي الدين ابن تيمية في مسألة الطلاق، ومسألة زيارة القبور، وغير ذلك، وأما دروسُه في المحافل فلم أسمع أحدًا من الناس درَّس أحسن منه ولا أحلى من عبارته، وحُسن تقريره، وجودةِ احترازاته، وصِحَّة ذهنه وقوَّة قريحتِه وحُسن نَظْمه، وقد درَّسَ بالشاميَّة البرَّانية والعذراوية الجوَّانية والرواحية والمسرورية، فكان يعطي كلَّ واحدة منهن حقها بحيث كان يكاد ينسَخُ بكل واحد من تلك الدروس ما قبله مِن حُسنِه وفصاحته، ولا يهيلُه تَعدادُ الدروس وكثرة الفقهاء والفضلاء، بل كلما كان الجمعُ أكثَرَ والفضلاءُ أكبَرَ، كان الدرس أنضرَ وأبهر وأحلى وأنصح وأفصَحَ, ثم لما انتقل إلى قضاء حلب وما معه من المدارس العديدة عامله معاملةً مثلها، وأوسع بالفضيلةِ جميعَ أهلها، وسَمِعوا من العلوم ما لم يسمعوا هم ولا آباؤهم, ثم طُلب إلى الديار المصرية ليولَّى الشامية دار السنة النبويَّة فعاجلته المنيَّةُ قبل وصوله إليها، فمَرِضَ وهو سائر على البريد تسعةَ أيام، ثم عقب المرض بحراق الحِمامِ فقَبَضه هادمُ اللذات، وحال بينه وبين سائر الشَّهوات والإرادات، والأعمالُ بالنيَّات, وكان من نيَّتِه الخبيثة إذا رجع إلى الشَّامِ متَوَلِّيًا أن يؤذِيَ شيخَ الإسلام ابن تيمية فدعا عليه، فلم يبلغ أمَلَه ومُرادَه، فتوفِّيَ في سحر يوم الأربعاء سادس عشر شهر رمضان بمدينة بلبيس، وحُمِلَ إلى القاهرة ودُفِنَ بالقرافة ليلة الخميس جوار قبة الشافعي تغَمَّده الله برحمتِه"
تمَّت معاهدةُ جُدة بين حكومة بريطانيا وحكومة ملك الحجاز وملحقاتِها؛ لتوطيد العلاقة بينهما، وتأمين مصالحهما، وقد مثَّل بريطانيا جلبرت فلكنجهام كلايتن، بينما مثَّل حكومة ملك الحجاز وملحقاتها الأميرُ فيصل بن عبد العزيز نائب الملك في الحجاز، وأهم ما جاء في هذه المعاهدة: اعترافُ الحكومة البريطانية بالاستقلال التام لعبد العزيز آل سعود ملكًا على الحجاز ونجد، وتعهَّد الجانبان بالحفاظ على السلام والصداقة بينهما، وتعهَّد الملك عبد العزيز بتسهيل مهمَّة الحجاج من الرعايا البريطانيين إلى الديار المقدسة أسوةً بباقي الحجاج، واعترفت بريطانيا بالجنسية الحجازية النجدية لجميعِ رعايا هذه البلاد وملحقاتها خلالَ وجودِهم في بريطانيا أو في محميَّاتها، وتعهَّد الملك عبد العزيز بالحفاظ على العلاقات السِّلمية مع الكويت والبحرين ومشيخات ساحل عمان ومسقط وعُمان، الذين يرتبطون بمعاهدات مع بريطانيا، وأن يتعاونَ الطرفان للقضاء على تجارة الرقيق في الحجاز، وتم إلحاقُ الكتب التي تبودِلَت بين الملك عبد العزيز وكلايتون بالمعاهدة، خاصةً فيما يتعلَّقُ برغبة عبد العزيز في شراء وتوريد جميع الأسلحة والأدوات العسكرية والذخيرة من الأمور والحاجيات العسكرية التي يحتاجها؛ فقد أكد كلايتون أنَّ الحكومة البريطانية لا ترى ضرورةَ إيرادها في نص المعاهدة بعد أن تمَّ إلغاء قرار تحريم تصدير الأسلحة إلى المنطقة؛ وعليه فإن الملك عبد العزيز يمكن أن يستورد من السلاح ما يشاء على أنَّ بريطانيا تفَضِّل أن يتم الاتفاق مباشرة مع المنتجين البريطانيين للأسلحة. وبعد أن أصدر الملك عبد العزيز قرارَ تصديق المعاهدة وكذلك ملك بريطانيا جورج الخامس تبادل مديرُ الشؤون الخارجية الدكتور عبد الله الدملوجي مع القنصل البريطاني في جدة قراراتِ التصديق في 17 سبتمبر، وأصبحت المعاهدةُ نافذةَ المفعول من تاريخ التصديق لمدة سبع سنوات قابلة للتجديد على أساس الموافقة المتبادلة بينهما. وقد رحَّب العديد من الأوساط السياسية والصحفية العربية والبريطانية بعقد معاهدة جدة، وتم في المعاهدة إلغاءُ نظام الحماية والتبعية والقيود التي فرضتها معاهدةُ العقير عام 1915م. كان هَمُّ الملك عبد العزيز في هذه المعاهدة انتزاعَ اعتراف بريطانيا بسيادتِه على جميع المناطق التي ضمَّها تحت حُكمِه، وقد تحقَّق له ذلك كما تمَّ إلغاءُ الامتيازات الأجنبية في الحجاز والتي كان يتمتع بها الرعايا الأجانب دونَ غيرهم في القضاء والقانون الجنائي والمدني، ووضعت المعاهدة أساسًا جديدًا للمساواة في تطبيق القانون بين الأقليات في الحجاز. كما حصلت بريطانيا على استقرارِ الأمن والاستقلال في الساحل الشرقي بالحفاظ على علاقات سلام مع الكويت والبحرين وقطر وعمان التي تربطها ببريطانيا معاهدات حماية، كما ضَمِنَت بريطانيا بموجِبِ هذه المعاهدة سلامةَ حجِّ رعاياها في جميع مستعمراتها.
بعد أن رأى الكثيرُ من السوريين أنَّ الكفاحَ المسلَّحَ لا يتكافأُ مع القوات الفرنسية لجؤوا إلى الكفاح الدبلوماسيِّ، فبدأت تظهَرُ الكتلة الوطنية والجمعية التأسيسية التي دعت لوضع دستورٍ للبلاد، وعمَلِ انتخابات نيابية حُرَّة، وإلغاءِ الأحكام العرفية، ثم حصلت تطوراتٌ في إصدار دساتير عديدة، أحدها لدولة سوريا، وآخر لدولة العلويين في اللاذقية، وثالث للدروز، ثمَّ حُلَّت الحكومة المؤقتة، وعملت انتخابات جديدة، وحصل محمد علي العابد على رئاسة الجمهورية، ولكِنْ في أواخر سنة 1935م قام إضرابٌ عام في دمشق استمر خمسين يومًا، وحصلت اضطراباتٌ، واستقالت أكثَرُ من وزارة، وبسبب ذلك تم الاتفاقُ على معاهدة تضع حدًّا للانتداب، فشُكِّلَ وَفدٌ سوريٌّ مكَلَّفٌ بالتفاوضِ مع الحكومة الفرنسية برئاسة هاشم الأتاسي، وعضوية كلٍّ من فارس الخوري، جميل مردم، سعد الله الجابري: ممثِّلين عن الكتلة الوطنية، ومصطفى الشهابي، إدمون حمصي: ممثلين عن الحكومة، ونعيم أنطاكي سكرتيرًا، والقائم مقام أحمد اللحام أحد ضباط الجيش العربي سابقًا خبيرًا ومستشارًا عسكريًّا، التقى الوفدُ بسياسي وزارة خارجية فرنسا، وكانت العقبةُ الأساسية الأولى التي اختلف عليها الطرفان هي قضية توحيد الأراضي؛ فقد أصرَّ الجانِبُ السوري المفاوِضُ على وَحدة الأراضي السورية بالشَّكلِ الذي كانت عليه في عهد العثمانيين، وتوصَّل الطرفان المتفاوضان إلى حَلٍّ وَسطٍ يقضي بقيام دولتين مستقلَّتين في المنطقة سورية ولبنان، وأن يبقى لبنانُ ضِمنَ حدوده الراهنة، مقابِلَ موافقة الوفد الفرنسي على إعادة توحيد إقليمي جبل الدروز وجبل العلويين مع سورية، وأمَّا بالنسبة لسنجق الإسكندرونة فقد أقرَّت فرنسا بتبعيته لسورية، ولكنْ بشرط أن يكون له وضعٌ خاصٌّ يُتَّفَق عليه فيما بعد. وكانت العقبةُ الثانية أمام نجاح المفاوضات هي المتعلقة بالقوات السورية الخاصة بعد توقيع المعاهدة، وأصرَّ الوفدُ السوري على استعادة القوات فورًا؛ نظرًا لأنَّ نفقاتِها كانت من الموازنة السورية طيلةَ السنوات العشر الأخيرة، أمَّا الجانب الفرنسي فكان يرغَبُ بإبقائها تحت قيادة ضباط فرنسيين خلالَ فترة معينة يمكِنُ بعدها تسليمُها إلى الحكومة السورية بعد توقيع اتفاق عسكري معها، فتَمَّ الاتفاق على أنه يجوز للحكومة الفرنسية أن تحتَفِظَ ولمدة خمس سنوات ببعض القوات خارج المدن وبمطارين، وبقوات محدودةٍ ضِمنَ محافظتي جبل الدروز ومنطقة العلويين، على أن تعترف المعاهدةُ باستقلال سوريا. لكِنَّ المعاهدة لم يُنفَّذ منها شيء؛ لأنها لم تُعرَض على البرلمان الفرنسي، واقترح إضافة ملاحق جديدة على المعاهدة، منها إعطاءُ حكم ذاتي للدروز والنصيريين وسكان الجزيرة الفراتية حكمًا ذاتيًّا، وتعدى الاتفاق العسكري الذي يوجِبُ جلاء الجيش الفرنسي عن البلاد بحيث يصبِحُ هذا الوجود دائمًا.