هي رَمْلَةُ بنتُ أبي سُفيان، أُخْتُ مُعاوِيَة، أُمُّها صَفيَّةُ بنتُ أبي العاصِ بن أُمَيَّة، كانت تحت عُبيدِ الله بن جَحشٍ، خرجت معه مُهاجِرة إلى الحَبشةِ ومات زَوجُها هناك، فخطَبها وهي هناك النَّبِيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم، وزَوَّجَهُ إيَّاها النَّجاشيُّ وأَصدَقَ عنه، ثمَّ حُمِلَتْ إليه إلى المدينةِ، تُوفِّيَت في المدينةِ في خِلافَة أخيها مُعاوِيَة.
هي حَفصَةُ بنتُ عُمَر بن الخطَّاب، أُمُّها زينبُ بنتُ مَظعونِ بن حَبيبِ بن وَهْبٍ، كانت تحت خُنَيْس بن حُذافَة بن قيسِ بن عَدِيٍّ، هاجَرا سَوِيًّا للمدينةِ، ثمَّ تُوفِّي عنها بعدَ بدرٍ فتَزَوَّجَها النَّبِيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم، ثمَّ طَلَّقَها تَطليقَة ثمَّ ارْتَجَعَها، أَمَرَهُ جِبريلُ بذلك وقال: (إنَّ الله يَأمُرك أن تُرْجِعَها إنَّها صَوَّامَة قَوَّامَة، وإنَّها زَوجتُك في الجنَّة). توفِّيت في المدينةِ في خِلافَة مُعاوِيَة عام 45 هـ، ودُفِنَت في البَقيعِ رضي الله عنها وأرضاها.
خرَج الخَطيمُ، وهو يَزيدُ بن مالكٍ الباهليُّ، وسَهْمُ بن غالبٍ الهُجَيميُّ فحَكَما؛ فأمَّا سهمٌ فإنَّه خرَج إلى الأهوازِ فحَكَم بها، ثمَّ رجَع فاخْتَفى وطلَب الأمانَ فلم يُؤَمِّنْهُ زيادٌ وطلَبَهُ حتَّى أخذَهُ وقتَلَهُ وصَلَبَهُ على بابهِ، وأمَّا الخَطيمُ فإنَّ زِيادًا سَيَّرَهُ إلى البَحرَيْن ثمَّ أَقْدَمَهُ، وقال لمُسلمِ بن عَمرٍو الباهليِّ -والدِ قُتيبةَ بن مُسلمٍ-: اضْمَنْهُ. فأَبَى، وقال: إن بات خارِجًا عن بَيتِه أَعْلَمْتُكَ، ثمَّ أتاهُ مُسلمٌ فقال له: لم يَبِتْ الخَطيمُ اللَّيلةَ في بَيتِه، فأمَر به فقُتِلَ وأُلْقِيَ في باهِلَةَ.
عَزَل مُعاوِيَةُ بن أبي سُفيان مُعاوِيَةَ بن خَديجٍ عن أفريقيا، واسْتَعمل عليها عُقبةَ بن نافعٍ الفِهْريَّ، وكان مُقِيمًا بِبَرْقَةَ وزَوِيلَةَ مُذْ فتَحها أيَّام عَمرِو بن العاصِ، وله في تلك البِلادِ جِهادٌ وفُتوحٌ. فلمَّا اسْتَعمله مُعاوِيَةُ سَيَّرَ إليه عشرةَ آلاف فارسٍ، فدخَل أفريقيا وانْضافَ إليه مَن أَسلَم مِن البَرْبَر، فكَثُرَ جَمْعُهُ، ووضَع السَّيفَ في أهلِ البِلادِ لأنَّهم كانوا إذا دخَل إليهم أميرٌ أطاعوا وأَظهَر بعضُهم الإسلامَ، فإذا عاد الأميرُ عنهم نَكَثوا وارْتَدَّ مَن أَسلَم، ثمَّ رأى أن يَتَّخِذَ مدينةً يكون بها عَسكرُ المسلمين وأَهلُهُم وأَموالُهم لِيأمَنوا مِن ثَورةٍ تكونُ مِن أهلِ البِلادِ، فقصَد مَوضِعَ القَيْروان، وبَنَى المسجدَ الجامعَ، وبَنَى النَّاسُ مَساجِدَهم ومَساكِنَهم, فأَمِنُوا واطْمَأنُّوا على المَقامِ فثَبَتَ الإسلامُ في تلك البلادِ المفتوحةِ. ثمَّ إنَّ مُعاوِيَة بن أبي سُفيان اسْتَعمل على مِصْر وأفريقيا مَسلَمةَ بن مَخْلَد الأنصاريَّ، فاسْتَعمل مَسلَمةُ على أفريقيا مَوْلًى له يُقالُ له: أبو المُهاجِر، فقَدِم أفريقيا وعزَل عُقبةَ واسْتَخَفَّ به، وسار عُقبةُ إلى الشَّامِ وعاتَبَ مُعاوِيَةَ على ما فَعلَهُ به أبو المُهاجِر، فاعْتَذَر إليه ووَعَدَهُ بإعادتِه إلى عَمَلِه، فتُوفِّي مُعاوِيَةُ ووَلِيَ بعدَه ابنُه يَزيدُ، فاسْتَعمل عُقبةَ بن نافعٍ على البِلادِ سنة اثنتين وسِتِّين، فسار إليها.
جَهَّزَ مُعاوِيَةُ بن أبي سُفيان جيشًا عظيمًا بَرًّا وبَحْرًا لِغَزْوِ القُسطنطينيَّة، وكان قائدَ الجيشِ سُفيانُ بن عَوفٍ الأزديُّ، وقاد الأُسْطولَ بُسْرُ بن أَرْطاة, وكان في الجيشِ ابنُ عبَّاسٍ، وابنُ عُمَر، وأبو أَيُّوبَ، وابنُ الزُّبيرِ، والحُسينُ بن عَلِيٍّ رضي الله عنهم، انْضَمُّوا إلى هذه الحَملَةِ مُتَمَثِّلينَ أَمامَ أَعيُنِهم قولَ الرَّسولِ: (لَتُفْتَحَنَّ القُسطنطينيَّةُ فَلَنِعْمَ الأميرُ أَميرُها، وَلَنِعْمَ الجيشُ ذلك الجيشُ). آمِلِينَ أن يَتَحَقَّقَ فيهم قولُ الرَّسولِ، فقد ثبَت عن رسولِ الله: (أوَّلُ جيشٍ يَغْزون مَدينةَ قَيْصَر مَغفورٌ لهم). وقام الجيشُ بحِصارِ القُسطنطينيَّة، وجَرَتْ اشْتِباكاتٌ عَديدة بين الطَّرفين خَسِرَ فيها المسلمون الكَثيرَ، وقد جاءَهُم مَدَدٌ مِن الشَّام بقيادةِ يَزيدَ بن مُعاوِيَة ممَّا قَوَّى أَمرَهُم، وتُوفِّي هناك أبو أيُّوبَ ودُفِنَ عند سُورِها؛ ولكن لم يَتِم فتحُها مع شِدَّةِ الحِصارِ وقُوَّتِه؛ وذلك لِمَنَعَةِ المدينةِ، وقُوَّةِ أَسوارِها، ومَكانِها في البَرِّ والبَحرِ، وأُحْرِقَت كثيرٌ مِن سُفُنِ المسلمين.
هو أبو محمَّد الحسنُ بن عَلِيِّ بن أبي طالِب الهاشِميُّ القُرشيُّ، المَدنيُّ الشَّهيدُ، سِبْطُ رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم ورَيْحانَتُه مِن الدُّنيا, وكان أَكثَرَهُم شَبَهًا بِوَجْهِ رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم, وهو سَيِّدُ شَبابِ أهلِ الجنَّة، ابنُ فاطِمةَ بنتِ رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم، وأبوهُ أميرُ المؤمنين عَلِيٌّ رضي الله عنه. وُلِدَ الحسنُ رضي الله عنه في نِصف رَمضان سنة 3هـ، حَظِيَ بِرِعايَةِ المُصطفى صلَّى الله عليه وسلَّم ما يَقرُب مِن ثماني سَنوات، وكان النَّبِيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم يُحِبُّهُ حُبًّا جَمًّا، وقد تَوَلَّى النَّبِيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم تَربيتَه منذ اليومِ الأوَّلِ لوِلادَتِه؛ فسَمَّاهُ الحسنَ، وكان صلَّى الله عليه وسلَّم يُداعِبُه كثيرًا، ويُقبِّلُه ويُعانِقُه حُبًّا له وعَطْفًا عليه. قال عنه صلَّى الله عليه وسلَّم وهو على المِنبَرِ: (ابْنِي هذا سَيِّدٌ، ولَعَلَّ الله أن يُصْلِحَ به بين فِئَتينِ مِن المسلمين). وقد تَحَقَّقَت هذه النُّبوءَةُ بتَنازُلِ الحسنِ رضي الله عنه عن الخِلافَة لمُعاوِيَة رضي الله عنه حَقْنًا لدِماءِ المسلمين، وأَبرَم الصُّلْحَ معه بعدَ بِضعَةِ أَشهُر مِن مُبايَعَتِه للخِلافَة، فكان ذلك فاتحةَ خيرٍ على المسلمين؛ إذ تَوحَّدَت جُهودُهم، وسُمِّيَ عام 41هـ "عامَ الجَماعةِ". وقِيلَ: كانت وفاتُه في الثامن من محرم عام 50هـ.
بعدَ أن انْتَصر عُقبةُ بن نافعٍ في عِدَّةِ مَواقِع في فُتوحِه في أفريقيا على البَرْبَر رأى أن يَتَّخِذَ مدينةً يكونُ بها عَسكرُ المسلمين وأهلُهم وأموالُهم لِيَأمَنوا مِن ثَورَةٍ تكونُ مِن أهلِ البِلادِ، فقصَد مَوضِعَ القَيْروان، وكان أَجَمَةً مُشتبِكة بها مِن أنواعِ الحيوانِ، فأمَر ببِناءِ المدينةِ، فبُنِيَت، وبَنَى المسجدَ الجامعَ، وبَنَى النَّاسُ مَساجِدَهم ومَساكِنَهم، وكان دُورُها ثلاثة آلاف باعٍ وسِتِّمائة باع، وتَمَّ أَمرُها سنة خمسٍ وخمسين وسَكَنَها النَّاسُ، فكانت كمَحَطَّةٍ دائِمةٍ للمُجاهدين يبقون فيها مع أُسَرِهِم لا يَشْعرون بالغُربَةِ والسَّفَرِ، وتكونُ مُنْطَلَقَهم إلى البِلادِ لِيَفتَحوها. وكان في أثناءِ عِمارَةِ المدينةِ يَغْزو ويُرْسِل السَّرايا فتُغِيرُ وتَنْهَبُ، ودخَل كثيرٌ مِن البَرْبَر في الإسلامِ، واتَّسَعَت خُطَّةُ المسلمين، وقَوِيَ جَنانُ مَن هناك مِن الجُنودِ بمدينةِ القَيْروان، وأَمِنُوا واطْمَأنُّوا على المُقامِ فثَبَتَ الإسلامُ فيها.
هي صَفِيَّةُ بنتُ حُيَيِّ بن أَخْطَبَ، مِن وَلَدِ هارونَ النَّبِيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، وأُمُّها بَرَّةُ بنتُ سَمَوْأَل أُخْتُ رِفاعةَ، كانت تحت سَلَّامِ بنِ مِشْكَمٍ القُرَظيِّ، ثمَّ خلَف عليها كِنانةُ بن الرَّبيعِ بن أبي الحُقَيْقِ، سَباها النَّبِيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم مِن خَيبر وكانت عَروسًا، وأَعْتَقَها وتَزوَّجَها بعدَ مَرجِعِه مِن خَيبر، توفِّيت في المدينةِ ودُفِنت في البَقيعِ رضي الله عنها وأرضاها.
هو سعيدُ بن زيدِ بن عَمرِو بن نُفيلٍ، أَحَدُ العشرةِ المُبَشَّرين بالجنَّة، أَسلَم قديمًا قبلَ عُمَرَ، هو وامرأتُه فاطمةُ بنتُ الخطَّاب، وهي كانت سببَ إسلامِ عُمَر، وكان مِن المُهاجرين الأوَّلين، وآخَى رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم بينه وبين أُبَيِّ بن كعبٍ، صلَّى عليه عبدُ الله بن عُمَر، ونزَل في قَبرِه هو وسعدُ بن أبي وقَّاصٍ.
هي مَيمونَةُ بنتُ الحارِثِ بن حَزْنِ بن بُجيرِ بن الهُزَمِ، وأُمُّها هِندُ بنتُ عَوفِ بن زُهيرٍ، كانت تحت مَسعودِ بن عَمرِو بن عبدِ نائلٍ الثَّقفيِّ في الجاهليَّة وفارَقَها، ثمَّ خلَف عليها أبو رُهْمِ بن عبدِ العُزَّى بن أبي قيسِ بن عبدِ وُدٍّ فتُوفِّي عنها فتَزوَّجها النَّبِيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم في عُمرَةِ القَضاءِ، وهي آخِرُ نِسائِه تَزْوِيجًا، توفِّيت في سَرِفَ قُربَ مكَّة في المكان الذي بَنَى عليها النَّبِيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم، وقِيلَ: بل توفِّيت في مكَّة ونُقِلَت إلى سَرِفَ، صلَّى عليها ابنُ عبَّاسٍ.
خرَج زيادُ بن خِراشٍ العِجليُّ -ثائِرٌ مِن الحَروريَّة على مُعاوِيَة بن أبي سُفيان- في ثلاثمائةِ فارسٍ، فأتى أرضَ مَسْكِن مِن السَّوادِ، فسَيَّرَ إليه زيادُ بن أَبيهِ خَيلًا عليها سعدُ بن حُذيفةَ أو غيرُه، فقَتَلوهم وقد صاروا إلى ماه، ونَشَبَت مَعاركُ انتهَت بقَتلِ زيادٍ العِجليِّ. ثمَّ خرَج على زيادِ بن أَبيهِ أيضًا رجلٌ مِن طَيِّء يُقالُ له: مُعاذ، فأتى نَهْرَ عبدِ الرَّحمن ابنِ أُمِّ الحَكَمِ في ثلاثين رجلًا هذه السَنَةَ، فبعَث إليه زيادٌ مَن قتَلَه وأصحابَهُ، وقِيلَ: بل حَلَّ لِواءَهُ واسْتَأمَنَ. ويُقالُ لهم: أَصحابُ نَهْرِ عبدِ الرَّحمن.
افتَتَح المسلمون وعليهم جُنادةُ بن أبي أُمَيَّة "جَزيرةَ رُودِس" فأقام بها طائفةٌ مِن المسلمين، كانت أشدَّ شيءٍ على الكُفَّار، يَعتَرِضون لهم في البَحرِ ويَقطَعون سَبيلَهم، وكان مُعاوِيَة يَدِرُّ عليهم الأرزاقَ والأُعْطِيات الجَزيلةَ، وكانوا على حَذَرٍ شَديدٍ مِن الفِرنْج، يَبِيتون في حِصْنٍ عَظيمٍ فيه حَوائِجُهم ودَوابُّهُم وحَواصِلُهم، ولهم نَواطِير على البَحرِ يُنذِرونَهُم إن قَدِمَ عَدُوٌّ أو كادَهُم أَحَدٌ، وما زالوا كذلك حتَّى كانت خِلافَة يَزيدَ بن مُعاوِيَة بعدَ أبيهِ، فحَوَّلَهم مِن تلك الجزيرةِ، وقد كانت للمسلمين بها أَموالٌ كثيرةٌ وزِراعاتٌ غَزيرةٌ.
كان هذا الحِصارُ في هذه المَرَّةِ بقِيادَة فَضالَةَ بن عُبيدٍ الأنصاريِّ، وعلى الأُسْطولِ البَحريِّ عبدُ الله بن قيسٍ الحارثيُّ، وجُنادةُ بن أبي أُمَيَّة، وأمَّا أسطولُ الشَّام فكان بإمْرَةِ يَزيدَ بن شَجَرَة الرُّهاويِّ، ودام هذا الحِصارُ إلى عام 57 هـ، احْتَلُّوا فيها عِدَّةَ جُزُرٍ قريبة كأَرْواد وكزيكوس، واتُّخِذَت قَواعِد عَسكريَّة, ولم تَسْتطِعْ هذه الحَمْلةُ الثَّانية اقْتِحامَ القُسطنطينيَّة بسببِ مَناعَةِ أسوارِها، وما كان يُطْلِقُهُ البِيزَنطيُّون على سُفُنِ الأُسْطولِ الإسلاميِّ مِن نِيران، فانْتَهى الأمرُ بعَقْدِ صُلْحٍ بين المسلمين والبيزَنْطيِّين.