العلَّامةُ الحافِظُ وجيهُ الدِّين أبو محمد عبد الرحمن بن علي الدَّيبع الشيباني العبدري الزَّبيدي الشافعي. قال في آخِرِ كتابه «بغية المستفيد بأخبار زبيد»: "كان مولدي بمدينة زَبيد المحروسةِ في يوم الخميس الرابِعَ مِن المحَرَّم الحرام سنةَ سِتٍّ وستين وثمانمائة في منزل والدي منها، وغاب والدي عن مدينةِ زبيدٍ في آخرِ السنة التي وُلِدتُ فيها ولم تَرَه عيني قطُّ، ونشأتُ في حجر جدِّي لأمِّي العلَّامة الصَّالح العارف بالله تعالى: شرف الدِّين أبي المعروف إسماعيل بن محمد بن مبارز الشافعي، وانتفعتُ بدعائه لي، وهو الذي ربَّاني- جزاه الله عنِّي بالإحسان، وقابله بالرَّحمة والرِّضوان". وكان ثقةً صالحًا حافظًا للأخبار والآثار، متواضِعًا، انتهت إليه رئاسةُ الرحلةِ في علم الحديث، وقَصَده الطلبةُ من نواحي الأرض, ومن مصنَّفاتِه «تيسير الوصول إلى جامع الأصول» في مجلدين, و«حدائق الأنوار ومطالع الأسرار في سيرة النبي المختار صلى الله عليه وعلى آله المصطفين الأخيار»، و«تمييز الطَّيِّب من الخبيث فيما يدور على ألسنة الناس من الحديث»، و«مصباح المشكاة»، و«شرح دعاء ابن أبي حربة»، و«غاية المطلوب وأعظم المنَّة فيما يغفِرُ الله به الذنوبَ ويوجِبُ به الجنَّة»، و«بغية المستفيد في أخبار مدينة زَبيد»، و«قرَّة العيون في أخبار اليمن الميمون»، إلى غير ذلك. ومِن شِعرِه قولُه في «صحيح» البخاري ومسلم:تنازع قومٌ في البخاري ومُسلِم لديَّ وقالوا: أيَّ ذينِ يقدَّم فقلتُ: لقد فاق البخاريُّ صَنعةً كما فاق في حُسنِ الصِّياغة مُسلِم . ولم يزَلْ على الإفادة وملازمةِ بيته ومسجدِه لتدريسِ الحديثِ والعبادة، إلى أن توفِّيَ ضُحى يوم الجمعة السادسَ والعشرين من رجب.
لما دخل السلطان أبو عبد الله محمد الشيخ السعدي إلى فاس سنة 956 وقبض على بني وطاس بها، فرَّ أبو حسون- أخو السلطان أبي العباس أحمد الوطاسي- إلى ثغر الجزائر حقنًا لدمه ومستعينًا بالعثمانيين على السعدي، وكان العثمانيون قد استولوا على المغرب الأوسط وانتزعوه من يد بني زيان، فلم يزل أبو حسون عندهم يفتلُ لهم في الغارات والسنام ويحسِّنُ لهم بلاد المغرب الأقصى ويعظِّمُها في أعينهم ويقول: "إن المتغلِّبَ عليها قد سلبني ملكي ومُلك آبائي، وغلبني على تراث أجدادي، فلو ذهبتم معي لقتاله لكنَّا نرجو الله تعالى أن يتيحَ لنا النصر عليه ويرزُقَنا الظَّفَر به ولا تعدِمونَ أنتم مع ذلك منفعةً مِن ملء أيديكم غنائِمَ وذخائِرَ". ووعدهم بمال جزيل فأجابوه إلى ما طلب وأقبلوا معه في جيشٍ كثيف تحت راية الباشا صالح التركماني المعروف بصالح رئيس، إلى أن اقتحموا حضرةَ فاس بعد حروب عظيمة ومعاركَ شديدة، وفَرَّ عنها محمد الشيخ السعدي إلى منجاتِه، وكان دخول السلطان أبو حسون إلى فاس ثالثَ صفر من هذه السنة, ولما دخلَها فرح به أهلُها فرحًا شديدًا، وترجل هو عن فرسه وصار يعانقُ الناس؛ كبيرًا وصغيرًا، شريفًا ووضيعًا، ويبكي على ما دهمَه وأهلَ بيته من أمر السعديين، واستبشر الناسُ بمقدَمِه وتيمَّنوا بطلعتِه، وقُبض على كبير فاس يومئذ القائد أبي عبد الله محمد بن راشد الشريف الإدريسي, واطمأنت بالسلطان أبي حسون الدارُ، ثم لم يلبث إلا يسيرًا حتى كثرت شكايةُ الناس إليه بالترك وأنهم مدُّوا أيديَهم إلى الحريم وعاثوا في البلاد، فبادر أبو حسون بدفع ما اتَّفق مع الترك عليه من المال وأخرجَهم عن فاس.
هو شيخ الإسلام شهاب الدين أبو العباس أحمد بن محمد بن علي بن حجر الهيتمي السعدي الأنصاري، ولد سنة 909 في محلة أبي الهيتم في إقليم الغربية بمصر، وإليه نسبته, ويقال هي محلة ابن الهيثم بالمثلثة فغيَّرتها العامة، تلقى علومَه بالأزهر فبلغ فيها مرتبة شيخ الإسلام عندهم، كان فقيهًا على الشافعي مذهبًا، الأشعريِّ عقيدةً، والمتصوف مسلكًا, وتعتبر ترجيحاته في المذهب معتبرة، وأقواله في المذهب معتبرة، بل يعتبرونه في مقام النووي في تحرير المذهب، وهو عندهم خاتمة المحرِّرين في المذهب الشافعي، وإليه المنتهى في الترجيح، له مصنفات عديدة، منها: تحفة المحتاج لشرح المنهاج، وهو في الفقه الشافعي، وله شرح على الأربعين النووية، والإعلام بقواطع الإسلام، والزواجر عن اقتراف الكبائر، والصواعق المحرقة في الرد على أهل البدع والزندقة، والفتاوى الكبرى الفقهية، وغيرها من الكتب، وكان يشنِّع على علماء أهل السنة المخالفين له في آرائه، خصوصًا شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم, لا سيما على شيخ الإسلام ابن تيمية؛ فقد اعترض عليه في عدد من القضايا المتعلقة بأصول الاعتقاد, فسبَّه سبًّا شديدًا كما في الفتاوى الحديثية" قال الإمام الشوكاني: "انتقل من مصر إلى مكة المشرفة، وسبب انتقاله أنه اختصر الروض للمقري، وشرع في شرحه، فأخذه بعضُ الحساد وفتَّتَه وأعدمه، فعظم عليه الأمر واشتد حزنه، وانتقل إلى مكة وصنف بها الكتب المفيدة، منها: الإمداد وفتح الجواد، شرحان على الإرشاد، الأول بسيط، والثاني مختصر، وتحفة المحتاج شرح المنهاج، والصواعق المحرقة، وشرح الهمزية، وشرح العباب، وكان زاهدًا متقللًا على طريقة السلف، آمرًا بالمعروف ناهيًا عن المنكر، واستمر على ذلك حتى مات في مكة" عن 65 عامًا.
كان ابتداءُ أمر السلطان مولاي زين العابدين بن إسماعيل العلوي أنَّه قَدِم مكناسة في أيام أخيه مولاي المستضيء، فلما سمع به أمَرَ بسجنه وضربه، فضُرب وهو في قيده ضربًا وجيعًا أشرف منه على الموت، ثم أمر ببعثه مقيَّدًا إلى سجلماسة؛ كي يُسجَن بها مع بعض الأشراف المسجونين هنالك، فلما سمع بذلك قوَّاد رؤوسهم من العبيد، بعثوا مَن رَدَّه من صفرو إلى فاس، ثم بعثوا به إلى القائد أبي العباس أحمد الكعيدي ببني يازغة وأمروه أن يحتفظَ به مكرَّمًا مُبجَّلًا, ثم لَمَّا فَرَّ المستضيء عن مكناسة وراجع العبيد طاعةَ السلطان مولاي عبد الله بن إسماعيل، دخل مولاي زين العابدين مدينة فاس فاطمأنَّ بها وسُرَّ بولاية أخيه مولاي عبد الله، ثم سار إلى طنجة فقَدِمَ على صاحبها الباشا أحمد بن علي الريفي، فأكرم وفادتَه وأحسن مثواه واستمر مقيمًا عنده إلى أن كاتب عبيدُ الديوان في شأن زين العابدين ووافقوه على خلعِ مولاي عبد الله وبيعته، فبايعه الباشا أحمد وبايعه أهل طنجة وتطاوين والفحص والجبال، وخطبوا به على منابرهم، ثم هيأ له الباشا أحمد كتيبةً من الخيل من عبيد الديوان وغيرهم، وبعثهم معه إلى مكناسة، فدخلها وبُويع بها البيعةَ العامة، وقَدِمت عليه وفودُ القبائل والأمصار، فقابلهم بما يجِبُ وتمَّ أمره, وفرَّ السلطان مولاي عبد الله من رأس الماء ودخل بلاد البربر ولم يقدم على مولاي زين العابدين أحدٌ من الودايا ولا من أهل فاس، وكان فيه أناة وحلم لم يظهر منه عَسفٌ ولا امتدت يده إلى مالِ أحد إلَّا أنه لقلة ذات يده نقص العبيدَ من راتبهم فكان ذلك سببَ انحرافِهم عنه.
حصل خِلافٌ بين أهل عُنيزة وأميرهم جلوي بن تركي، فأخرجوه منها ونزل بُرَيدة وكاتَبَ أخاه الإمام فيصلًا، وأخبره بالأمر، وكتب أهلُ عنيزة إلى الإمام فيصل ينتَقِدون شِدَّةَ وطأة الأمير جَلَوي عليهم، وعدم مراعاته لذوي المقامات منهم، وتكليفهم بأمورٍ ليست من مقامهم، وأنه يتعمَّدُ اضطهاد الأعيان وإذلالَهم مِمَّا لم يسَعْهم الصبر عليه، وإنهم اختاروا له العزلةَ إلى أن يأتي أمرُه بإرسال من يَخلفُه، ولكنه فارق البلاد، ونحن لم نخرُج عن الطاعة، وما زلنا بالسمع والطاعة. ولكِنَّ الإمام أرجع الرسولَ ورسالتَه لم يقرأها، وكأنَّ عبد الله الفيصل قد أخذ يتدخَّلُ في الأمور، وكان يميلُ إلى الشدة في التعامُل معهم، فصَمَّم على حربهم، فلما كان في شهر ذي الحجة من هذه السنة خرج عبد الله ومعه غزوُ الرياض، والخرج، والجنوب، والمحمل، وسدير، والوشم، فأغار على وادي عُنيزة، فخرج إليه أهلُ عنيزة وحصل بينهم قتالٌ شديدٌ قُتِلَ فيه سعد بن محمد بن سويلم، أمير ثادق، فرحل عبد الله الفيصل ونزل العوشرية. ثم رحل ونزل روضةَ العربيين، ثم ركب الأميرُ عبد الله اليحيى السليم إلى الإمام فيصل وبسَطَ له الأمر، وقال: إنَّنا لا نزال على السمعِ والطاعة ولا نحتاجُ إلى تجريد الجيوشِ وأمرُك نافذ، فرَضِيَ عنهم، وكتب لابنِه عبد الله أن يرجِعَ مع عمه جلوي إلى الرياض، فرجعوا دون أن تكون مصادمةٌ غير الأولى، وبهذا رجع آل سليم إلى إمارة بلدِهم ولم يوجِدوا هذه الحركةَ إلَّا لهذا القصد؛ لأنهم خشُوا أن يطول الأمر فتكونَ عُنيزة مركزًا لإمارة القصيم من قِبَلِ الحاكم بدلًا من بُرَيدة فتضيعَ إمارتُهم بذلك.
اتجه النضال في طرابلس نحو العمل السياسي والمطالبة بوحدة أراضيه والاستقلال، فأنشئ النادي السياسي الأول عام 1362هـ / 1943م في مدينة طرابلس، وافتتح فروعًا له في النواحي. وازداد نفوذ النادي حتى تمكَّن بعد عامين من تنظيم مظاهرة كبرى أزالت اللافتاتِ الفاشية من الشوارع. وتقَدَّم بعضُ الذين سبق لهم التعاونُ مع الإيطاليين بعرائض طالبوا فيها بوصاية بريطانية. ونشأ كرَدِّ فعل لهذه الحركة الحزبُ الوطني عام 1364هـ/ 1945م برئاسة (علي بن حسن الفقيه، وسالم بن منتصف. ونَشَر الحزب الوطني ميثاقَه في أول شعبان 1364هـ /1944م دعا فيه إلى مقاومة عودة إيطالية، والعمل على إلغاء القوانين الإيطالية، ومنع هجرة الإيطاليين إلى طرابلس. وعلى الرغم من أهداف الحزب المعتدلة فإن الإدارة العسكرية البريطانية لم تعترفْ به إلا في عام 1365 وضاق بعض الأعضاء وعلى رأسهم رئيس الحزب باعتدال الحزب، فانشَقُّوا وشكلوا في الكتلة الوطنية الحرة، وأرادت الإدارة العسكرية البريطانية إضعاف هذين الحزبين، فشكلت في 10 مايو حزبا ثالثًا من المتعاونين أيام الاحتلال مع الإيطاليين برئاسة سالم المنتصف، وعضوية الشيخ محمد أبو الإسعاد مفتي طرابلس في العهد الإيطالي، وسمي الحزب بالجبهة الوطنية المتَّحدة، وأعضاء الجبهة ينتمون إلى أسر كبيرة عُرِفوا بتعاونهم مع السلطات الإيطالية. وانشَقَّ عن الكتلة الوطنية الحرة ثلاثة أعضاء وشكَّلوا في 16 ديسمبر 1365 حزب الاتحاد المصري الطرابلسي برئاسة علي رجب الذي دعا إلى الاتحاد مع مصر. كذلك ألَّف العمال حزبًا في شوال 1366هـ، وشكَّل صادق بن زارع وكيل الحزب الوطني حزبَ الأحرار في الأول من جمادى الأول 1367هـ!!
تَزوَّج رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عائشةَ الصِّدِّيقةَ رضي الله عنها وهي بنتُ سِتِّ سِنينَ, وبَنى بها بالمدينةِ في شَوَّال في السَّنةِ الثانية مِن الهِجرةِ وهي بنتُ تِسعِ سِنينَ, وكانت أَحظى أزواجِه عنده وأحبَّهُم إليه, ولمْ يتزوَّجْ بِكرًا غيرَها.
كان الفِداءُ بالثغورِ بين المسلمينَ والرومِ على يدِ نَصرِ الثملي أميرِ الثغور لسيفِ الدولة بن حمدان، وكان عدة الأسرى 2480 أسيرًا مِن ذكَرٍ وأنثى، وفضَلَ للرُّومِ على المُسلِمينَ مائتان وثلاثون أسيرًا لكثرةِ مَن معهم من الأسرى، فوفاهم ذلك سيفُ الدولة.
سار الأميرُ عِمادُ الدين عُمَر بن الحسين الغوري، صاحبُ بلخ، إلى مدينةِ ترمذ، وهي للأتراكِ الخطا الكُفَّار، فافتتحها عَنوةً، وجعل بها ولَدَه الأكبر، وقَتَل مَن بها من الخطا، ونقل العَلَويينَ منها إلى بلخ، وصارت ترمذ دارَ إسلام، وهي من أمنَعِ الحُصونِ وأقواها.
أعلَنَت الولاياتُ المتحدةُ الأمريكيةُ عن قَتلِ أسامةَ بنِ لادن زعيمِ تنظيمِ القاعدةِ في أبوت آباد الواقعةِ على بُعد (120كم) عن إسلام أباد، عَبْرَ عمليةِ اقتحامٍ استغرَقَت (40) دقيقةً. بعد أن داهَمَت مجمعًا سكنيًّا كان يُقيمُ به ابنُ لادن مع بعضِ زَوجاتِه وأبنائِه.
سار الفرنج من بلادهم إلى نواحي حلب، فملكوا بزاعة وغيرها، وخربوا بلد حلب ونازلوها، ولم يكن بحلب من الذخائر ما يكفيها شهرًا واحدًا، وخافهم أهلها خوفًا شديدًا، ولو مُكِّنوا من القتال لم يبقَ بها أحد، لكنهم مُنعوا من ذلك، وصانع الفرنج أهل حلب على أن يقاسموهم على أملاكهم التي بباب حلب. فأرسل أهل البلد إلى بغداد يستغيثون ويطلبون النجدة، فلم يُغاثوا، وكان الأمير إيلغازي، صاحب حلب، ببلد ماردين يجمع العساكر والمتطوِّعة للغزاة، فاجتمع عليه نحو عشرين ألفًا، وكان معه أسامة بن المبارك بن شبل الكلابي، والأمير طغان أرسلان بن المكر، صاحب بدليس وأرزن، وسار بهم إلى الشام عازمًا على قتال الفرنج، فلما علم الفرنج قوة عزمهم على لقائهم، وكانوا ثلاثة آلاف فارس، وتسعة آلاف راجل، ساروا فنزلوا قريبًا من الأثارب بموضع يقال له تل عفرين، بين جبال ليس لها طريق إلا من ثلاث جهات، وفي هذا الموضع قُتل شرف الدولة مسلم بن قريش، وظن الفرنج أن أحدًا لا يسلك إليهم لضيق الطريق، فأخلدوا إلى المطاولة، وكانت عادة لهم إذا رأوا قوة من المسلمين، وراسلوا إيلغازي يقولون له: لا تُتعِب نفسك بالمسير إلينا؛ فنحن واصلون إليك، فأعلم أصحابه بما قالوه، واستشارهم فيما يفعل، فأشاروا بالركوب من وقته، وقَصْدِهم، ففعل ذلك وسار إليهم، ودخل الناس من الطرق الثلاثة، ولم تعتقد الفرنج أن أحدًا يَقدَم عليهم؛ لصعوبة المسلك إليهم، فلم يشعروا إلا وأوائل المسلمين قد غشيتهم، فحمل الفرنج حملة منكرة، فولوا منهزمين، فلقوا باقي العسكر متتابعة، فعادوا معهم، وجرى بينهم حرب شديدة، وأحاطوا بالفرنج من جميع جهاتهم، وأخذهم السيفُ من سائر نواحيهم؛ فلم يُفلِت منهم غيرُ نفر يسير، ووقع الجميعُ في القتل، أو الأسر، وكان من جملة الأسرى نيف وسبعون فارسًا من مقدَّميهم، وحُملوا إلى حلب، فبذلوا في نفوسهم ثلاثمائة ألف دينار، فلم يُقبَل منهم، وغنم المسلمون منهم الغنائم الكثيرة، وأما سيرجال، صاحب أنطاكية، فإنه قُتِل وحُمل رأسه، وكانت الوقعة منتصف شهر ربيع الأول، ثم تجمَّع من سلم من المعركة مع غيرهم، فلَقِيَهم إيلغازي أيضًا فهزمهم، وفتح منهم حصن الأثارب وزردنا، وعاد إلى حلب، وقرَّر أمرها، وأصلح حالها، ثم عبر الفرات إلى ماردين، ويُعرَف السهل الذي تمت فيه المعركة بسهل بلاط، وهو اليوم عرف بسهل الحلقة، أما الصليبيون فيسمونه ساحة الدم؛ لكثرة ما أُريق من الدماء فيه.
هو الشيخُ أبو عبد الله محمد بن الشيخ المفتي زين الدين عمر بن مكي بن عبد الصمد المعروف بابن المرحل وبابن الوكيل شيخِ الشافعية في زمانه، وأشهَرُهم في وقته بكثرة الاشتغالِ والمطالعة والتحصيل والافتنان بالعلوم العديدة، وقد أجاد معرفةَ المذهب والأصلين، ولم يكن بالنحوِ بذاك القويِّ، وكان يقع منه اللَّحنُ الكثير، مع أنه قرأ منه المفَصَّل للزمخشري، وكانت له محفوظاتٌ كثيرة، ولد في شوال سنة 665، وسمِعَ الحديث على المشايخ، من ذلك مسند أحمد على ابن علان، والكتب الستَّة، وكان يتكَلَّم على الحديث بكلام مجموعٍ من علوم كثيرة، من الطبِّ والفلسفة وعلم الكلام، وليس ذلك بعلمٍ، وعلوم الأوائل، وكان يكثر من ذلك، وكان يقول الشعرَ جَيِّدًا، وله ديوانٌ مجموع مشتَمِلٌ على أشياء لطيفة، وكان له أصحابٌ يحسدونه ويحبُّونه، وآخرون يحسدونه ويُبغِضونه، وكانوا يتكَلَّمون فيه بأشياء ويرمونه بالعظائِمِ، وقد كان مسرفًا على نفسِه، قد ألقى جلبابَ الحياءِ فيما يتعاطاه من القاذورات والفواحش، وكان أحَدَ خصومِ شَيخِ اسلام ابن تيمية ينصِبُه العداوة ويناظِرُه في كثير من المحافل والمجالس، وكان يعترف للشيخ تقي الدينِ بالعلوم الباهرةِ ويُثني عليه، ولكِنَّه كان يجاحِفُ عن مذهبه وناحيته وهواه، وينافِحُ عن طائفته، وقد كان شيخُ الإسلام ابن تيمية يثني عليه وعلى علومِه وفضائِلِه ويشهَدُ له بالإسلامِ إذا قيل له عن أفعالِه وأعماله القبيحة، وكان يقول: "كان مخَلِّطًا على نفسِه مُتَّبِعًا مراد الشيطان منه، يميلُ إلى الشهوة والمحاضرة، ولم يكنْ كما يقول فيه بعضُ أصحابه ممن يحسده ويتكَلَّم فيه هذا أو ما هو في معناه، وحين بلغ شيخَ الإسلام ابن تيمية وفاتُه قال: أحسن الله عزاء المسلمين فيك يا صدرَ الدينِ" وقد درَّس بعِدَّة مدارس بمصر والشام، ودرس بدمشق بالشاميتين والعذراوية ودار الحديث الأشرفية، وولي في وقت الخطابة أيامًا يسيرة، ثم قام الخلقُ عليه وأخرجوها من يَدِه، ولم يَرْقَ مِنبَرَها، ثم خالط نائِبَ السلطنة الأفرم فجَرَت له أمور لا يمكِنُ ذِكرُها ولا يحسن من القبائحِ، ثم آل به الحالُ على أن عزم على الانتقالِ مِن دمشق إلى حلب لاستحواذه على قلب نائبِها، فأقام بها ودرَّس، ثم استقر به المنزل بمصر ودرس فيها بمشهد الحسين إلى أن توفي بها بكرة نهار الأربعاء رابع عشرين ذي الحجة بداره قريبا من جامع الحاكم، ودفن من يومه قريبا من الشيخ محمد بن أبي جمرة بتربة القاضي ناظر الجيش بالقرافة، ولما بلغت وفاته دمشق صلي عليه بجامعها صلاة الغائب, ورثاه جماعة منهم ابن غانم علاء الدين، والقجقازي والصفدي، لأنهم كانوا من عشرائه.
في شهر جمادى الآخرة، أوله الثلاثاء، وفيه مرض السلطان الملك المنصور، وفي يوم الجمعة رابعه: عادت الخيول من الربيع، وظهر بين أهل الدولة حركة، فكَثُرت القالة، وبات المماليك تسعى بعضها إلى بعض، فظهر الملك الناصر في بيت الأمير سودن الحمزاوي، وتلاحق به كثير من الأمراء والمماليك، ولم يطلع الفجر حتى ركب السلطان بآلة الحرب، وإلى جانبه ابن غراب، وعليه آلة الحرب، وسار بمن اجتمع إليه يريد القلعة، فقاتله سودن المحمدي أمير أخور، وإينال باي بن قجماس، وبيبرس الكبيري، ويشبك بن أزدمر، وسودن المارديني، قتالًا ليس بذاك، ثم انهزموا، وصعد السلطان إلى القلعة، فكانت مدة عبد العزيز سبعين يومًا، فعاد السلطان الملك الناصر زين الدين فرج ابن الملك الظاهر برقوق إلى الملك ثانيًا؛ وذلك أنه لما فُقِد من القلعة وصار إلى بيت سعد الدين بن غراب، ومعه بيغوت، قام له بما يليق به، وأعلم الأمير يشبك به، فخفي على أهل الدولة مكانه، ولم يعبؤوا به، وأخذ ابن غراب يدبر في القبض على الأمير إينال باي، فلم يتمَّ له ذلك، فلما تمادت الأيام قرر مع الطائفة التي كانت في الشام من الأمراء، وهم يشبك، وقطلو بغا الكركي، وسودن الحمزاوي في آخرين، أنه يخرج إليهم السلطان، ويعيدونه إلى المُلك؛ لينفردوا بتدبير الأمور؛ وذلك أن الأمير بيبرس الأتابك قويت شوكته على يشبك، وصار يتردد إليه، ويأكل على سماطه، فعزَّ عليه وعلى أصحابه ذلك، فما هو إلا أن أعلمهم ابن غراب بالخبر، فوافقوه على ذلك، وواعد بعضهم بعضًا، فلما استحكم أمرهم، برز الناصر نصف ليلة السبت خامس جمادى الآخرة من بيت ابن غراب، ونزل بدار الأمير سودن الحمزاوي، واستدعى الناس، فأتوه من كل جهة، وركب وعليه سلاحه، وابن غراب إلى جانبه، وقصد القلعة، فناوشه من تأخر عنه من الأمراء قليلًا، ثم فرُّوا، فملك السلطان القلعة بأيسر شيء؛ وذلك أن صوماي رأس نوبة كان قد وكل بباب القلعة، فعندما رأى السلطان فتح له، فطلع منه، وملك القصر، فلم يثبت بيبرس ومن معه، ومرُّوا منهزمين، فبعث السلطان بالأمير سودن الطيار في طلب الأمير بيبرس فأدركه خارج القاهرة، فقاتله وأخذه وأحضره إلى السلطان، فقيَّده وبعثه إلى الإسكندرية فسُجِن بها، واختفى الأمير إينال باي بن قجماس، والأمير سودن المارديني.
دَعَا أَشْرَسُ بن عبدِ الله السُّلَمِي نائِبُ خُراسان أَهلَ الذِّمَّة بِسَمَرْقَنْد ومَن وَراء النَّهْر إلى الدُّخولِ في الإسلامِ، ويَضَع عنهم الجِزْيَة فأَجابوه إلى ذلك، وأَسلَم غالبُهم، ثمَّ طالَبَهم بالجِزْيَة فنَصَبوا له الحَرْب وقاتَلوه، ثمَّ كانت بينه وبين التُّرْك حُروبٌ كَثيرَة.
أجرى الأميرُ باشاه- دوادار الأمير بركة- عينَ الأزرق المستمَدَّة من عين ثقبة، وعين ابنَ رَخَم من عرفة إلى البركتين خارج باب المعلَّاة بمكة المشَرَّفة, وجدد الميضأةَ عند باب بني شيبة، والرَّبع والحوانيت، وأصلح زمزمَ والحِجرَ والميزابَ، وسَطْح الكعبة.