سَيَّرَ الخَليفةُ العبَّاسيُّ المُقتَفِي لأَمرِ الله عَسكرًا إلى تَكريتَ لِيَحصُروها، وأَرسلَ معهم مُقدَّمًا عليهم أبا البَدرِ بن الوَزيرِ عَوْنِ الدِّينِ بن هُبيرَة وتُرشُكَ، وهو مِن خَواصِّ الخَليفةِ، وغَيرَهما، فجَرَى بين أبي البَدرِ وتُرشُكَ مُنافرَةً فكَتَبَ ابنُ الوَزيرِ للخَليفةِ يشكو من تُرشكَ، فأَمرَ الخَليفةُ بالقَبضِ على تُرشكَ، فعَرَفَ ذلك، فأَرسلَ إلى مَسعودِ بِلال، صاحِبِ تَكريت، وصالَحَهُ وقَبَضَ على ابنِ الوَزيرِ ومَن معه مِن المُتَقدِّمينَ، وسَلَّمَهم إلى مَسعودِ بِلالٍ فانهَزمَ العَسكرُ وغَرَقَ منه كَثيرٌ، وسار مَسعودُ بِلالٍ وتُرشكُ من تَكريتَ إلى طَريقِ خراسان فنَهَبَا وأَفسَدا، فسار المُقتَفِي عن بغداد لدِفْعِهِما، فهَرَبا من بين يَديهِ، فقَصَدَ تَكريتَ، فحَصَرَها أَيامًا وجَرَى له مع أَهلِها حُروبٌ مِن وَراءِ السُّورِ، فقُتِلَ من العَسكرِ جَماعةٌ بالنُّشَّابِ، فعاد الخَليفةُ عنها، ولم يَملِكها.
جرت فتنةٌ مهولة ببغدادَ بين الناس وبين الرَّافضة، وقُتِلَ عدة من الفريقين، وعَظُم البلاء، ونهب الكرخ، فحنق ابن العلقمي الوزير الرافضي، وكاتَبَ هولاكو، وطَمَّعَه في العراق، فجاءت رسُلُ هولاكو إلى بغدادَ، وفي الباطِنِ معهم فرماناتٌ لغير واحد، وَصَلت جواسيس هولاكو إلى وزير الخليفة العباسي المستعصم بالله مؤيد الدين محمد بن العلقمي الرافضي ببغداد، وتحَدَّثوا معه ووعدوا جماعةً مِن أمراء بغداد مواعيدَ، والخليفةُ لا يدري ما يتمُّ، وأيَّامُه قد ولت ثم قَوِيَ قَصدُ هولاكو بن طولو بن جنكيزخان بغداد، وبعث يطلبُ الضيافةَ مِن الخليفة فكَثُرَ الإرجافُ ببغداد، وخرج الناسُ منها إلى الأقطار، ونزل هولاكو تجاهَ دار الخلافة وملك ظاهِرَ بغداد، وقتل من الناسِ عالَمًا كثيرًا.
هو أبو العباس أحمد بن علي بن إبراهيم بن محمد بن أبي بكر المقدسىُّ الأصل، الحسيني البدوي، يلقَّب بالسطوحي، والسيد صاحب الشهرة في الديار المصرية، الذي يَستغيثُ به كُفرًا وعُدوانًا كثيرٌ مِن المتصوفة اليوم، ويعتقدون فيه من النفع والضر ممَّا لا يملكه إلا الله، يُعرف بأبي اللثَّامين لملازمته اللثامَ صيفًا وشتاء، أصله من المغرب حيث وُلِدَ بفاس، سنة 596 طاف البلاد وأقام بمكة والمدينة، ودخل مصرَ في أيام الظاهر بيبرس، سافر إلى دمشقَ والعراق، عظُمَ شأنُه جدًّا في مصر حتى عدُّوه صاحب طريقة، ولقِّبَ بالسطوحي لأنه مكث على السطوح اثني عشر عامًا، نُسِبَت له كرامات، توفي في طنطا وبني عليه مسجد وقبره يزار من قبل الجَهَلة والمتصَوِّفة إلى اليوم!!!
توجَّه الأميرُ بيدمر نائِبُ الشام في تاسع عشر من ذي القعدة بعساكِرِ حَلَب إلى سيس، وهي كرسي الأرمن فنازلها، وحصر التكفور متمَلِّكَها مدةَ شهرين حتى طلب الأمانَ؛ مِن فَناءِ أزوِدَتِهم، وعَجْزِهم عن العسكر، فتسَلَّمَ الأمير أشَقتمُر قلعَتَها، وأعلن في مدينةِ سيس بكلمة التوحيد، ورتَّبَ بها عسكرًا، وأخذ التكفورَ وأمراءَه، من أجناد وعاد إلى حلب، وجَهَّزَهم إلى القاهرة، فبعث السلطانُ الأميرَ يعقوب شاه لنيابة سيس، وأزال الله منها دولة الأرمن عُبَّاد الصليب، وقال الأدباء في ذلك شعرًا كثيرا. وفي العشرين منه سقط الطائِرُ بالبشارة بفَتحِ سيس بعث به الأميرُ بيدمر نائب الشام، ثم قَدِمَ من الغد البريد من النوَّاب بذلك، فدُقَّت البشائر بقلعة الجبل ثلاثة أيامٍ بمِصرَ، وحُمِلَ إلى الأمير أشَقتمُر المارديني نائِبِ حلب تشريفٌ جليل.
كانت إسبانيا بقيادة الكاردينال شيسيروس بدأت بمحاولة احتلت مدينة وهران المرسى الكبير من سنة 910 (1504م) حيث شنَّت عدة هجمات على المدينة انتهت بسقوطها هذا العام, فأعمل الإسبان السيف في سكان المدينة، كما قاموا بتحويل جوامعها إلى كنائس. كانت مدينة وهران تمثِّل بالنسبة للإسبان نقطة ارتكاز للاستيلاء على باقي البلاد. إلا أن النتائج جاءت مخيِّبة. ولم يأت احتلال المدينة الذي دام طويلًا بأي نتائج للإسبان. فقد كانت مقاطعة أهل البلاد لهم وقطع الموارد عنهم أجبرتهم على طلب المؤونة من إسبانيا، وكان الإسبان يتوقعون سهولة الحصول عليها بعد نهب المناطق المجاورة, وعلى الرغم من استمرار سياسة الإسبان في اضطهاد أهل وهران؛ فما منهم إلا أسير أو قتيل، إلا أن الله أعادها للإسلام على يد الأتراك في حدود سنة 1120
لما توفِّيَ أبو عبد الله محمد السعدي حاكِمُ المغرب اجتمع الناسُ على بيعة ابنه ووليِّ عهده السلطان أبي العباس الأعرج من سائر الآفاق، وآتوه طاعتهم عن رضًا منهم، فاستقام أمره وصرف عزمه إلى تمهيد البلاد واقتناء الأجناد، وتعبئة الجيوش إلى الثغور وشن الغارات على العدو في الآصال والبكور، في أحواز تيلمست وآسفي وغيرهما. وكان النصارى قد خيَّموا بشاطئ البحر وعاثُوا في تلك السواحل فأجلاهم عنها وطهَّر تلك البقاع من رِجسِهم، وأراح أهلَها مِن شؤمهم ونحسِهم، وهنا بَعُدَ صيتُه وانتشر في البلاد ذِكرُه، وهُرِع الناسُ إليه من كل جانب، ودخلت في طاعته سائرُ البلاد السوسية، فعند ذلك كاتَبه أمراء هنتاتة ملوك مراكش يخطبون أمرَه ويرومون الدخولَ في طاعته، فأجاب داعيَهم، وانتقل إلى مراكش فدخلها واستولى عليها.
كان لأمراء بني عبد الحميد العروسيين- أصحاب قصر كتامة- رياسةٌ وسياسةٌ وجهادٌ في العدوِّ إلى أن انقرض أمرُهم, وأخبر غيرُ واحد من فقهاء قصر كتامة أنَّ الشيخ أبا الرواين المحجوب جاء إلى القصر وصاحَبَه يومئذ القائدُ عبد الواحد العروسي في عصبةٍ من أقاربه أولاد عبد الحميد، فصعد أبو الرواين صومعةَ المسجد ثم نادى بأعلى صوتِه: يا بني عبد الحميد، اشتروا مني القصرَ وإلَّا خرجتُم منه في هذه السنة، فسمع القائدُ عبد الواحد ذلك، فقال: إن كان القصرُ له أو بيده فلينزِعْه منَّا، ما بقي لنا إلا كلامُ الحمقى نلتفت إليه! ومِن الغد خرج الشيخ أبو الرواين من البلد وهو يقول: القائدُ عبد الواحد وأهله يخرجون من القصرِ ولا يعودون إليه أبدًا، فكان كذلك بقدرةِ الله تعالى.
هو الشيخُ الفقيه المحقِّق أحمد بن يحيى بن سالم الذويد بن على بن محمد بن موسى الصعدي اليمني، أخذ عن السيد محمد بن عز الدين المفتي، وعبد العزيز بن محمد بن بهران، وسمع الأمهَّات الستَّ، واستجاز فيها من الحافظ محمد بن محمد المصري, وأجلُّ تلامذة الفقيه أحمد الذويد: الإمامُ القاسم بن محمد، والفقيه مهدي الشعيبي، وغيرهما, وكان فقيهًا محدِّثًا قليل النظير في المعقولات والصفات، إمامًا في الشرعيات على الإطلاق، وكان آيةً من آيات الله، وله في كل علم قدَمٌ راسخة، وبلغ في علمِ الطبِّ والرمل وحل السحر وغيرها مبلغًا عظيمًا، وقرأ في التوراة، وكان من أهل الثروة والمال، واجتمع له من الكتُبِ خزانة ملوكية مع مكارم أخلاق، وتوفِّيَ بصَعدة.
بعث الباشا إبراهيمُ عَسكرًا إلى الأحساءِ نحو مائتين وأربعين، مقَدَّمُهم محمد كاشف، فساروا إليه مع عبد الله بن عيسى بن مطلق صاحب الأحساء، وأمرهم الباشا بجَمعِ بيت المال وجميعِ ما كان لآل سعود في الأحساءِ، فقَدِموا وأخذوا أموالًا، وقتلوا رجالًا، وصادروا ما كان لآل سعود فيه وطوارفهم، وقُتِلَ رجالٌ مِن أئمة مساجد الأحساء مِن أهل نجد، وأمسكوا عبد الرحمن بن نامي وحبسوه وأخذوا أمواله وقتلوه، وهرب سيفُ بن سعدون رئيس السياسب من الأحساء، وهرب معه رجالٌ من أتباعه ومن الأعيان، ركبوا البحر، وخرج آلُ عريعر منه، ولم يبقَ لهم فيه أمرٌ ولا نهيٌ، وقصدوا الشمال بعرَباتِهم وبَقِيَت العساكِرُ في الأحساء وعاثوا فيه إلى قريبِ ارتحال الباشا من نجد.
وفيها أرخص اللهُ الأسعارَ وكَثُرت الأمطارُ وفاضت الآبارُ، فأول ما نزل الغيثُ في الموسم زرع عليه النَّاسُ، فلمَّا حُصِد الزَّرعُ ونُقِلَ في بيادره تتابَعَ الغيثُ فأعطنت الزروع، فلم يكن للناسِ شُغلٌ إلَّا نشرُها وجمعُها، واسوَدَّ التبن وتغَيَّر الحَبُّ، وأقام الناس على ذلك نحوًا من عشرين يومًا، كل يوم ينزل الحَيَا والسيلُ في آخِرِ النَّهارِ، وأوَّلُه صَحوٌ لم يُرَ عليها قزعة، فلما كبر البُسر وصار كالبندق أُصيب بدودةٍ تَضرِبُ البسرة عند القمعِ فتسقُط، وسقط ما في النخيل كله إلَّا أقلَّ قليل، وذلك في بلدان سدير وغيرها، وقُطِعت أكثَرُ عذوق النخل ولم يبقَ بها شيءٌ، والثمرة قبل ذلك في غاية الكثرة، واستمر ذلك في السنة التي تلتها، لكنه أخفُّ من التي قبلها، وظهرت أعراب الظفير على نجد، واكتالوا من بلدانِ سدير على عشرة أصواع بالريال.
لما بلغ فيصلًا خَبَرُ مقتل والده، جمع الأمراء والرؤساء الذين معه في الغزو، وهم رئيس جبل شمر: عبد الله بن علي بن رشيد، ورئيس بريدة: عبد العزيز بن محمد، ورئيس الحريق: تركي الهزاني، وحمد بن يحي أمير بلدان سدير، وغيرهم من الرؤساء والرجال، ورؤساء العربان، أخبَرَهم بمقتل والده فوعَظَهم وذكَّرَهم، فبايعوه جميعًا على السمعِ والطاعةِ، ثم رحل مِن الأحساء بجنوده وأمرائِه إلى الرياض فدخلها وحاصَرَ مشاري في قصرِ الرياضِ، حتى تمكَّن من قَتلِه بعد أن تخاذَلَ عنه كثيرٌ مِن أهل الرياض، فلمَّا قُتِلَ مشاري دخل فيصل القصرَ وجلس على سريرِ المُلكِ، فوفد عليه أمراء البلدان ورؤساء العربان من كلِّ جهةٍ، فبايعوه، وأقر القضاةَ على أعمالِهم في بلدانهم.
حاول عبدُ الرحمن بنُ فيصل أن يستعيدَ سُلطتَه على مناطِقِ القصيم، فاستنجد بأهالي القصيمِ ضِدَّ محمد ابن رشيد الذي لم يمهِلْ هذا الحِلفَ حتى ينضجَ، فجَرَّد حملةً عسكرية قويةً مِن البدو والحضر، واتجه لمحاصرة الرياضِ لإنهاء حُكمِ آل سعود، وانتهى الحصارُ بعد 40 يومًا بصُلحٍ حَضَره من قِبَلِ عبد الرحمن أخوه محمد، والشيخ عبد الله بن عبد اللطيف آل الشيخ قاضي الرياض، وحضر المفاوضاتِ الأميرُ عبد العزيز بن عبد الرحمن، وكان عمرُه لا يتجاوز 10 سنوات، ومن أهم بنود الصلح: فكُّ ابن رشيد حصارَه للرياضِ، والرحيل إلى حائل, وأن تكون السلطةُ الفِعليَّةُ في الرياضِ لآل سعود دون تدخُّلِ ابنِ رشيد، وإطلاقِ سَراحِ سالم بن سبهان من السِّجنِ.
دعت الحكومةُ البريطانية كُلًّا من نجد والعراق وشرق الأردن والحجاز إلى تسويةِ القضايا الحدوديَّةِ في مؤتمر عُقدَ في الكويت برئاسة الكولونيل نوكس وزير البحرية الأميركية، اشترط الملك عبدالعزيز على نوكس أن يتِمَّ تعيينُ الحدود بين نجدٍ والحجاز وشرق الأردن من جهة، وعدم اشتراك مندوبِ العراق مع حكومتي الحجاز وشرق الأردن في المباحثات المشتركة، وأن يتِمَّ تناول المشكلات بين نجدٍ وتلك الحكومات بصورة منفردة، فأبلغ نوكس الملك عبدالعزيز موافَقةَ الحكومة البريطانية على الشروطِ التي عرضها. مثَّلَ جانِبَ نجد في المؤتمر حمزة غوت وأحمد الثنيان وعبد الله الدملوجي، وشرق الأردن مثَّلَه علي خلقي، والعراق مثَّلَه صبيح نشأت، وبدأت جلساتُ المؤتمر دون حضورِ مَن يمثِّلُ الحجاز، ولم يتوصَّل الأطراف الثلاثة إلى اتفاقٍ محدَّد بينهم.
وُلد محمد خاتمي في مدينة أردكان في إيرانَ، نشأ خاتمي في كنَف أسرةٍ تُركمانيةٍ مُتديِّنةٍ، ودخلَ مدرسةَ قُمَّ الدينيةَ عامَ 1961م، بعد إنهائه دراستَه الابتدائية، ودرس الفلسفةَ، وحصلَ على إجازة البكالوريوس في الفلسفة من جامعة أصفهانَ، واستكملَ دراستَه الدينيةَ بعد ذلك في معهد قُمَّ، وفي العام 1970م عاد ليدرسَ العلوم التربوية في جامعة طهرانَ، وعاد بعدَها إلى قُمَّ لدراسة علم الاجتهاد.
في عهد الشاه كان لخاتمي نشاطاتٌ سياسيةٌ معارضةٌ، فشارَكَ في نشر البيانات الصادرة عن مؤسس الجمهورية الإيرانية آية الله الخُميني، كان عضوًا ناشطًا في اتحاد الطلبة في الجامعة، كما أنَّه كان قريبًا من محمد منتظري وأحمد الخُميني، كما أنه ترَأَّس مركزَ هامبورج الإسلامي في ألمانيا في المدةِ التي سبَقَت انتصار الثورة في إيرانَ عامَ 1979م.
وتمَّ انتخابُ خاتمي ليكونَ خامسَ رئيسٍ للجمهورية.
الدكتور مصطفى كمال محمود حُسين آل محفوظ، وُلِد عامَ (1921م)، وكان توأمًا لأخٍ توفِّي في العامِ نفسِه، وهو طبيبٌ وكاتبٌ من مواليدِ شبين الكوم بمحافظة المنوفية، درس الطبَّ وتخرَّج عامَ (1953م)، ولكنه تفرَّغ للكتابةِ والبحثِ عامَ (1960م)، تزوَّج مرَّتَين، وانتهى كلا الزواجَين بالطلاق. ألَّف (89) كتابًا، منها الكتبُ العلميةُ والدينيَّةُ والفلسفية والاجتماعيةُ والسياسيَّةُ والحِكاياتُ والمَسرَحياتُ وقَصَص الرِّحْلاتِ، بالإضافة إلى برنامَجِه التلفزيونيِّ (العلم والإيمان). له عددٌ من الكتبِ فيها كثير من الشَّطَحات والفلسفات التَّشكيكيَّةِ، منها: كتاب (الله والإنسان) وكتاب (الشفاعة) وكتاب (محاولة لفهمٍ عصري للقرآن)، وقد أُصيب بجلطةٍ مُخِّيَّة عامَ (2003م) وعاش مُنعزلًا وحيدًا، وتُوفِّي بعد معاناةٍ طويلةٍ مع المرض ظلَّ خلالَها طريحَ الفراشِ.