عبَرَ أبو أحمد الموفَّق إلى مدينة الفاجر بعد أن أوهى قُوَّتَه في مُقامِه بمدينة الموفَّقيَّة بحصاره والتضييقِ عليه، فلما أراد العبورَ إليها أمَرَ ابنه أبا العبَّاس بالقصد للموضِعِ الذي كان قصَدَه مِن رُكنِ مدينة الخبيث الذي يحوطُه بابنه وجِلَّةِ أصحابه وقوَّاده، وقصد أبو أحمد موضِعًا من السور- فيما بين النَّهرِ المعروف بمنكى، والنهر المعروف بابن سمعان- وأمر صاعدا وزيرَه بالقصد لفُوَّهة النهر المعروف بجري كور، وتقدَّمَ إلى زيرك في مناكفتِه وأمرَ مسرورًا البلخيَّ بالقصدِ لنهرِ ما يليهم من السورِ، وطلب منهم الموفَّق ألا يزيدوا على هدمِ السُّورِ، وألا يدخلوا مدينةَ الخبيث، ووكل بكل ناحيةٍ من النواحي التي وجَّه إليها القوَّاد شذوات فيها الرُّماة، وأمرهم أن يحمُوا بالسهامِ من يهدِمُ السورَ مِن الفَعَلة والرَّجَّالة الذين يخرجون للمدافعةِ عنهم، فثَلَم في السورِ ثُلَمًا كثيرة، ودخل أصحابُ أبي أحمد مدينةَ الفاجر من جميع تلك الثُّلَم، وجاء أصحاب الخبيث يحاربونَهم فهزمهم أصحابُ أبي أحمد وأتبعوهم حتى وغَلوا في طلَبِهم، إلَّا أن أصحاب الخبيث تراجعوا فشَدُّوا على أصحاب أبي أحمد وقتلوا منهم جماعةً، وأصاب أصحابُ الخبيثِ أسلحةً وأسلابًا، وثبت جماعةٌ من غلمان أبي أحمد فدافعوا عن أنفُسِهم وأصحابِهم، حتى وصلوا إلى الشذا، وانصرف أبو أحمد بمن معه إلى مدينة الموفَّقيَّة وأمر بجَمعِهم وعَذلِهم على ما كان منهم من مخالفةِ أمْرِه والافتياتِ عليه في رأيه وتدبيرِه، وتوعَّدَهم بأغلظِ العُقوبة إن عادوا لخلافِ أمْرِه بعد ذلك، وأمر بإحصاءِ المفقودين من أصحابِه فأُحصوا له، وأقَرَّ ما كان جاريًا لهم على أولادِهم وأهاليهم، فحَسُنَ مَوقِعُ ذلك منهم، وزاد في صِحَّة نيَّاتهم لِمَا رأَوا من حياطتِه خَلْفَ من أصيبَ في طاعتِه.
عظُمَ أمرُ القرامطةِ بالبحرين، وأغاروا على نواحي هجَر، وقَرُب بعضُهم من نواحي البصرةِ، فكتب أحمدُ الواثقيُّ يسألُ المدَدَ، فأمر المعتَضِدُ باختيار رجلٍ يُنفِذُه إلى البصرة، وعزَلَ العبَّاسَ بنَ عمرو عن بلاد فارس، وأقطعه اليمامةَ والبحرين، وأمَرَه بمحاربة القرامطة وضَمَّ إليه زُهاءَ ألفَي رجل، فسار إلى البصرةِ، واجتمع إليه جمعٌ كثيرٌ من المتطوِّعة والجُند والخَدَم، ثم سار إلى أبي سعيدٍ الجَنابي، فلَقُوه مساءً، وتناوشوا القتال، وحجز بينهم الليلُ، فلما كان الليلُ انصرف عن العبَّاسِ مَن كان معه من أعرابِ بني ضَبَّة، وكانوا ثلاثَمائة إلى البصرةِ، وتبعهم مطَوِّعةُ البصرة، فلما أصبح العبَّاسُ باكَرَ الحربَ، فاقتتلوا قتالًا شديدًا، ثم حمل نجاحٌ غلامُ أحمد بن عيسى بن الشيخ من ميسرةِ العبَّاسِ في مائة رجل على ميمنةِ أبي سعيدٍ، فتوغَّلوا فيهم، فقُتِلوا عن آخِرِهم، وحمل الجنابيُّ ومن معه على أصحابِ العبَّاس، فانهزموا وأُسِرَ العبَّاس، واحتوى الجنابيُّ على ما كان في عسكَرِه، فلما كان من الغدِ أحضر الجنابيُّ الأسرى فقَتَلهم جميعًا وحَرَقَهم، ثم سار الجنابيُّ إلى هجر بعد الوقعة، فدخلها وأمَّنَ أهلَها وانصرف مَن سَلِمَ من المنهزمين، وهم قليلٌ، نحو البصرة بغير زادٍ، فخرج إليهم من البصرة نحوُ أربعمائة رجلٍ على الرواحل، ومعهم الطعامُ والكسوة والماء، فلَقُوا بها المنهزمين، فخرج عليهم بنو أسَدٍ وأخذوا الرواحِلَ وما عليها وقَتَلوا من سَلِمَ من المعركة، فاضطربت البصرةُ لذلك، وعزم أهلُها على الانتقالِ منها فمَنَعَهم الواثقي، وبقيَ العبَّاسُ عند الجنابي أيامًا ثم أطلَقَه، وقال له: امضِ إلى صاحِبِك وعرِّفْه ما رأيت؛ وحَمَله على رواحِلَ، فوصل إلى بعضِ السواحل وركب البحرَ فوافى الأبُلَّة، ثم سار منها إلى بغدادٍ فوصَلَها في رمضان، فدخل على المعتَضِدِ فخلع عليه.
هو الإمامُ العلَّامةُ الحافِظُ الفقيهُ، شيخ الحنابلةِ وعالِمُهم، أبو بكر أحمدُ بنُ محمَّد بن هارون بن يزيد البغدادي المعروفُ بالخَلَّال. ولِدَ سنة 234، أو في التي تليها، ويجوز أن يكون رأى الإمامَ أحمد، ولكنَّه أخذ الفقهَ عن خلقٍ كثيرٍ مِن أصحابه، رحل إلى فارس وإلى الشَّام والجزيرةِ يتطلَّبُ فِقهَ الإمامِ أحمدَ وفتاويَه وأجوبتَه، وكتب عن الكِبارِ والصِّغارِ، حتى كتب عن تلامذتِه، ثمَّ إنَّه صَنَّف كتابَ "الجامِع في الفقه" من كلام الإمام. قال الخطيب: "جمعَ الخَلَّالُ علومَ أحمدَ وتطَلَّبَها، وسافر لأجلِها، وكَتَبَها، وصنَّفَها كُتبًا، لم يكن فيمن ينتحِلُ مذهب أحمد أحدٌ أجمَعُ لذلك منه". له التصانيفُ الدائرة والكتُب السائرة، من ذلك الجامِعُ، والعِلَل، والسُّنَّة، والعِلم، والطبقات، وتفسير الغريب، والأدب، وأخلاق أحمد، وغير ذلك. سمع مِن الحسَنِ بنِ عَرَفةَ، وسعدانَ بنِ نصر، ومحمد بن عوف الحمصي وطبقته، وصحِبَ أبا بكر المروذي إلى أن مات، وسمع جماعةً من أصحاب الإمام أحمد، منهم صالح وعبدالله ابناه، وإبراهيم الحربي، والميموني، وبدر المغازلي، وأبو يحيى الناقد، وحنبل، والقاضي البرني، وحرب الكرماني، وأبو زرعة، وخَلقٌ سواهم سمع منهم مسائِلَ أحمدَ، ورحل إلى أقاصي البلاد في جَمعِها وسماعِها ممَّن سَمِعَها من الإمامِ أحمد وممن سَمِعَها ممَّن سَمِعَها منه، وشَهِدَ له شيوخُ المذهبِ بالفَضلِ والتقَدُّم، حدَّث عنه جماعةٌ منهم أبو بكر عبدالعزيز، ومحمد بن المظفر، ومحمد بن يوسف الصيرفي، وكانت له حلقة بجامع المهدي، ومات يوم الجمعة لليلتين خلتا من شهر ربيعٍ الآخر.
الإمامُ، الحافظُ، المُجَوِّدُ، المُقرِئُ، الحاذِقُ، عَالِمُ الأندلُس، أبو عَمرٍو عُثمانُ بن سَعيدِ بن عُثمان الدَّاني، المعروف بابنِ الصَّيْرَفِيِّ، وبأبي عَمرٍو الدَّاني، مالِكي المَذهَب، وُلِدَ سنة 371هـ بدأ بِطَلَبِ العِلمِ في قُرطبة سَنةَ 386هـ, ثم رَحلَ إلى المَشرِق وسَمِعَ الحَديثَ في القَيروان ومصر، وهو أَحدُ الأَئِمَّة في عِلمِ القُرآن رِواياتِه، وقِراءاتِه، وتَفسيرِه، ومَعانِيه، وطُرُقِه، وإعرابِه، وإليه انتهى عِلمُ القِراءات وإتقانُ القُرآن، وجَمعَ في ذلك كُلِّهِ تَواليفَ حِسانًا مُفيدةً، وله مَعرِفَة بالحَديثِ وطُرُقِه، وأسماء رِجالِه ونَقَلَتِهِ، وكان حَسَنَ الخَطِّ، جَيِّدَ الضَّبطِ، مِن أهلِ الذَّكاءِ والحِفظِ، والتَّفنُّنِ في العِلمِ، دَيِّنًا فاضِلًا، وَرِعًا مُجابَ الدَّعوةِ. لم يكُن في عَصرِه ولا بَعدَ عَصرِه أحدٌ يُضاهيهِ في حِفظهِ وتَحقيقِه، وكان يقول: "ما رأيتُ شَيئًا قط إلا كَتبتُه، ولا كَتبتُه إلا وحَفِظتُه، ولا حَفِظتُه فنَسيتُه". وكان يُسألُ عن المَسأَلةِ مما يَتعلَّق بالآثارِ وكلامِ السَّلفِ، فيُورِدها بجميعِ ما فيها مُسنَدَةً من شُيوخِه إلى قائلِها. وله مُؤلَّفاتٌ تُعتَبر هي المرجِعُ في القِراءات مثل: ((التَّيسير في القِراءاتِ السَّبْعِ))، و((المقنع في رَسْمِ المصاحِف)) و((المُحكَم في نَقْطِ المصاحِف)) و((الاهتداء في الوقفِ والابتداء)) وغيرها، قال الذهبي: " كان بين أبي عَمرٍو الدَّاني، وبين أبي محمد بن حَزمٍ وَحشَةٌ ومُنافرَةٌ شَديدةٌ، أَفضَت بهما إلى التَّهاجي، وهذا مَذمومٌ مِن الأَقرانِ، مَوفورُ الوُجودِ، نَسألُ اللهَ الصَّفحَ, وأبو عَمرٍو أَقْوَمُ قِيلًا، وأَتْبَعُ للسُّنَّةِ، ولكنَّ أبا مُحمدٍ أَوسعُ دَائِرةً في العُلومِ، بَلغَت تَواليفُ أبي عَمرٍو مائةً وعِشرين كِتابًا". تُوفِّي في الأَندلُس عن 73 عامًا. ودُفِنَ ليومِه بعدَ العَصرِ بِمَقبرةٍ دانِيَةٍ، ومَشى سُلطانُ البَلدِ أمامَ نَعشِه، وشَيَّعَهُ خَلْقٌ عَظيمٌ.
هو أبو الحارثِ أرسلانُ بن عبدِ الله البساسيري مَملوكٌ تُركيٌّ، مُقَدَّمُ التُّركِ ببغداد، وهو الذي خَرجَ على الخَليفةِ القائمِ بأَمرِ الله ببغداد، وكان قد قَدَّمَهُ على جَميعِ التُّركِ، وقَلَّدَهُ الأمور بأَسرِها، وخُطِبَ له على مَنابرِ العِراقِ وخوزستان، فعَظُمَ أَمرُه وهابَتهُ المُلوكُ، ثم خَرجَ على الخَليفةِ القائمِ، في فِتنةٍ عَظيمةٍ شارَكهُ فيها قُريشُ بنُ بَدران العُقيليُّ، وخَطبَ البساسيري للمُستَنصِر العُبيدي الفاطِمي صاحبِ مِصر، ثم أَخرَج الخَليفةَ القائمَ بالله القائم بأمر الله إلى أَميرِ العَربِ مُحيي الدِّين أبي الحارثِ مهارش بن مجلي النَّدوي صاحبِ الحَديثَةِ وعانَة –أخو قُريشِ بنِ بَدران- فآواهُ وقام بجَميعِ ما يَحتاجُ إليه مُدَّةَ سَنَةٍ كاملةٍ حتى جاء طُغرلبك السلجوقي, فقاتل البساسيري, وقَتلهُ وعاد القائمُ بأَمرِ الله إلى بغداد، وكان دُخولُه إليها في مِثلِ اليَومِ الذي خَرجَ منها بعدَ حَوْلٍ كاملٍ، ثم حَملَ عَسكرُ طُغرلبك على البساسيري،حتى سَقطَ عن الفَرَسِ، ووَقعَ في وَجهِه ضَربةٌ، ودَلَّ عليه بَعضُ الجَرْحَى، فأَخذهُ كمشتكين دواتي عَميدُ المُلْكِ الكندريُّ وقَتلَهُ، وحَملَ رَأسَه إلى السُّلطانِ طُغرلبك، ودَخلَ الجُنْدُ في الظَّعْنِ، فساقُوهُ جَميعَه، وأُخذِت أَموالُ أَهلِ بغداد المَنهوبةُ وأَموالُ البساسيري مع نِسائِه وأَولادِه، وهَلكَ مِن النَّاسِ الخَلْقُ العَظيمُ، وأَمرَ السُّلطانُ بِحَملِ رَأسِ البساسيري إلى دارِ الخِلافةِ، فحُمِلَ إليها، فوَصلَ مُنتصفَ ذي الحجَّةِ سَنةَ إحدى وخمسين وأربعمائة، فنُظِّفَ وغُسِلَ وجُعِلَ على قَناةٍ وطِيفَ به، وصُلِبَ قُبالةَ بابِ النوبي، وكان في أَسْرِ البساسيري جَماعةٌ مِن النِّساءِ المُتَعَلِّقات بدارِ الخِلافةِ، فأُخِذْنَ، وأُكرِمْنَ، وحُمِلْنَ إلى بغداد. كان البساسيري من مماليك بهاءِ الدَّولةِ بن عَضُدِ الدَّولةِ البويهي، تَقَلَّبت به الأُمورُ حتى بلغَ هذا المقامَ المشهورَ، وهو مَنسوبٌ إلى بَسَا مدينةٍ بفارس.
لمَّا كان السُّلطانُ ببغداد قَدِمَ إليه أَخوهُ تاجُ الدولةِ تتش من دِمشقَ، وقَسِيمُ الدولةِ أتسز من حَلَب، وبوزان من الرها، فلمَّا أَذِنَ لهم السُّلطانُ في العَوْدِ إلى بِلادِهم أَمَرَ قَسِيمُ الدولةِ وبوزان أن يَسِيرا مع عَساكِرهِما في خِدمَةِ أَخيهِ تاجِ الدولةِ، حتى يَستولِيَ على ما للمُستَنصِر الفاطميِّ حاكمِ مصر بساحِلِ الشامِ، من البلادِ، ويَسيرُ، وهُم معه، إلى مصر لِيَملِكَها، فساروا أجمعون إلى الشامِ، ونَزلَ على حِمصَ، وبها ابنُ ملاعب صاحبُها، وكان الضَّرَرُ به وبأَولادِه عَظيمًا على المسلمين، فحَصَروا البلدَ، وضَيَّقوا على مَن بِه، فمَلَكَهُ تاجُ الدولةِ، وأَخَذَ ابنَ ملاعب ووَلدَيهِ، وسار إلى قَلعةِ عرقة فمَلَكَها عُنوةً، وسار إلى قَلعةِ أفامية فمَلَكَها أيضًا، وكان بها خادِمٌ للمُستَنصِر، فنَزلَ بالأمانِ فأَمَّنَهُ، ثم سار إلى طرابلس فنازَلَها، فرأى صاحبُها جلالُ المُلْكِ ابنُ عمَّارٍ جَيشًا لا يُدفَعُ إلا بِحِيلَةٍ، فأَرسلَ إلى الأُمراءِ الذين مع تاجِ الدَّولةِ، وأَطمَعَهم لِيُصلِحوا حالَه، فلم يَرَ فيهم مَطمَعًا، وكان مع قَسيمِ الدولةِ أتسز وَزيرٌ له اسمُه زرين كمر، فراسَلَهُ ابنُ عمَّارٍ فرأى عنده لِينًا، فأَتحَفَهُ وأَعطاهُ، فسَعَى مع صاحبِه قَسيمِ الدولةِ في إصلاحِ حالِه لِيَدفَعَ عنه، وحَمَلَ له ثلاثين ألف دينارٍ، وتُحَفًا بمِثلِها، وعَرَضَ عليه المَناشِيرَ التي بِيَدِه من السُّلطانِ بالبلدِ، والتَّقَدُّم إلى النُّوَّابِ بتلك البلادِ بمُساعَدتِه، والشَّدَّ بيَدِه، والتَّحذيرَ من مُحارَبَتِه، فقال أتسز لتاجِ الدولةِ تتش: لا أُقاتِلُ مَن هذه المَناشيرُ بِيَدِه. فأَغلَظَ له تاجُ الدولةِ، وقال: هل أنت تابِعٌ لي؟ فقال أتسز أنا أُتابِعُك إلَّا في مَعصِيَةِ السُّلطانِ، ورَحَلَ من الغَدِ عن مَوضِعِه، فاضطرَّ تاجُ الدولةِ إلى الرَّحيلِ، فرَحَلَ غَضبانًا، وعاد بوزان أيضًا إلى بلاده، فانتُقِضَ هذا الأَمرُ.
كان صنجيل الفرنجي قد لقي قلج أرسلان بن سليمان بن قتلمش، صاحب قونية، وكان صنجيل في مائة ألف مقاتل، وكان قلج أرسلان في عدد قليل، فاقتتلوا، فانهزم الفرنجُ وقُتِلَ منهم وأُسِرَ الكثير، وعاد قلج أرسلان بالغنائم والظَّفَر الذي لم يحسَبْه. ومضى صنجيل مهزومًا في ثلاثمائة، فوصل إلى الشام، فأرسل فخر الملك بن عمار، صاحب طرابلس، إلى الأمير ياخز، خليفة جناح الدولة على حمص، يقول: من الصواب أن يُعاجل صنجيل إذ هو في هذه العدة القريبة، فخرج الأمير ياخز بنفسه، وسيَّرَ دقاق ألفي مقاتل، وأتتهم الأمداد من طرابلس، فاجتمعوا على باب طرابلس، وصافُّوا صنجيل هناك، فأخرج مائةً من عسكره إلى أهل طرابلس، ومائة إلى عسكر دمشق، وخمسين إلى عسكر حمص، وبقي هو في خمسين. فأما عسكر حمص فإنهم انكسروا عند المشاهدة، وولَّوا منهزمين، وتبعهم عسكر دمشق. وأما أهل طرابلس فإنهم قاتلوا المائة الذين قاتلوهم، فلما شاهد ذلك صنجيل حمل في المائتين الباقيتين، فكسروا أهل طرابلس، وقتلوا منهم الكثير، ونازل صنجيل طرابلس وحصرها. وأتاه أهلُ الجبل فأعانوه على حصارها، وكذلك أهل السواد، وأكثرهم نصارى، فقاتل مَن بها أشدَّ قتال، فقتل من الفرنج ثلاثمائة، ثم إنَّه هادنهم على مال وخيل، فرحل عنهم إلى مدينة أنطرسوس، وهي من أعمال طرابلس، فحصرها وفتحها وقتل مَن بها من المسلمين، ورحل إلى حصن الطوبان، وهو يقارب رفنية، ومُقَدَّمُه يقال له ابن العريض، فقاتلهم، فنُصِر عليه أهل الحصن، وأسر ابن العريض منه فارسًا من أكابر فرسانه، فبذل صنجيل في فدائه عشرة آلاف دينار وألف أسير، فلم يجِبْه ابن العريض إلى ذلك.
لما توفِّيَ عزُّ الدين مسعود بن آقسنقر البرسقي صاحِبُ الموصل، أشار الوزير أنوشروان على السلطان محمود أن يولِّيَ الأتابك عماد الدين زنكي الموصِلَ وما حولَها؛ لحاجة الناس إلى من يقوم بإزاء الفرنج, وخاصةً أن الفرنج قد استولوا على أكثر الشام، فاستحسن ذلك السلطان ومال إلى توليته؛ لما يعلمه من كفايته لما يليه، فأحضره وولَّاه البلاد كلها، وكتب منشورةً بها، وسار عماد الدين فبدأ بالبوازيج ليملكها ويتقوى بها ويجعلها ظهرَه؛ لأنه خاف من جاولي سقاوو أنه ربما صدَّه عن البلاد، ثم تملَّك الموصل ثم ترك نائبًا له فيها هو نصر الدين جقر, وسار هو إلى حلب مفتتحًا في طريقه جزيرة ابن عمر وبها مماليك البرسقي، فامتنعوا عليه، فحصرهم وراسلهم، وبذل لهم البذولَ الكثيرة إن سَلَّموا، فلم يجيبوه إلى ذلك، فجد في قتالهم حتى استلَمَها، ثم سار إلى نصيبين وفيها حسام الدين تمرتاش، فلما ملك نصيبين سار عنها إلى سنجار، فامتنع مَن بها عليه، ثم صالحوه وسلَّموا البلد إليه، ثم سار إلى حران، وهي للمسلمين، وكانت الرها، وسروج، والبيرة، وتلك النواحي جميعها للفرنج، وأهل حران معهم في ضرٍّ عظيم، وضيقٍ شديدٍ؛ لخلو البلدِ مِن حامٍ يذُبُّ عنها، وسلطان يمنَعُها، فلما قارب حران خرج أهل البلد وأطاعوه وسَلَّموا إليه، فلما ملَكَها أرسل إلى جوسلين الفرنجي، صاحب الرها وتلك البلاد، وراسله وهادنه مدة يسيرة، وكان غرضه أن يتفرغ لإصلاح البلد، وتجنيد الأجناد، وكان أهم الأمور إليه أن يعبُرَ الفرات إلى الشام، ويملك مدينة حلب وغيرها من البلاد الشامية، فاستقرَّ الصلح بينهم، وأمِنَ الناس، ثم مَلَك حلب في أول السنة التالية من محرم.
وقَعَت الفِتنةُ بدمشقَ بين صاحِبِها شِهابِ الدِّينِ محمود بن تاج الملوك بوري والجند. وسبَبُ ذلك أنَّ الحاجِبَ يوسف بن فيروز كان أكبَرَ حاجِبٍ عند أبي شِهابِ الدين وجَدِّه، ثمَّ إنَّه خاف أخاه شمسَ الملوك، وهرب ابنُ فيروز منه إلى تدمُر، فلمَّا كانت هذه السَّنةُ سأل أن يَحضُرَ إلى دمشق، وكان يخاف جماعةَ المماليك؛ لأنَّه كان أساء إليهم وعامَلَهم أقبَحَ مُعاملةٍ، فلما طلبَ الآن الحضورَ إلى دمشق أُجيبَ إلى ذلك، فأنكر جماعةُ الأمراء والمماليكِ قُربَه وخافوه أن يفعَلَ بهم مثلَ فِعلِه الأوَّلِ، فلم يزَل ابنُ فيروز يتوصَّلُ معهم حتى حلَف لهم واستحلَفَهم وشَرَط على نفسِه أنَّه لا يتولى من الأمورِ شَيئًا، ثمَّ إنَّه جعل يُدخِلُ نَفسَه في كثيرٍ مِن الأمور، فاتَّفَق أعداؤه على قَتلِه، فبينما هو يسيرُ مع شمس الملوك في الميدانِ وإلى جانِبِه أميرٌ اسمه بزاوش يحادِثُه، إذ ضرَبَه بزاوش بالسَّيفِ فقَتَله، فحُمِلَ ودُفِنَ عند تربة والده بالعقيبة، ثمَّ إنَّ بزاوش والمماليك خافوا شمسَ الملوك، فلم يدخُلوا البلد، ونزلوا بظاهِرِه، وأرسلوا يَطلُبونَ قواعِدَ استطالوا فيها، فأجابهم إلى البَعضِ، فلم يَقبَلوا منه، ثمَّ ساروا إلى بعلبك، وبها شمسُ الدولة محمد بن تاج الملوك صاحِبُها، فصاروا معه، فالتحق بهم كثيرٌ مِن التُّركمان وغيرِهم، وشَرَعوا في العَبَث والفَسادِ، واقتَضَت الحالُ مُراسَلتَهم وملاطَفتَهم وإجابتَهم إلى ما طلبوا، واستقَرَّت الحالُ على ذلك، وحَلَف كُلٌّ منهم لصاحبه. فعادوا إلى ظاهِرِ دمشق ليدخُلوا البلد، وخرج شهابُ الدين صاحِبُ دمشق إليهم، واجتمَعَ بهم وتجَدَّدَت الأيمانُ، وصار بزاوش مُقَدَّم العسكَرِ وإليه الحَلُّ والعَقدُ، وذلك في شعبان، وزال الخُلفُ، ودخلوا البلدَ.
هو الغازي أرطغرل بك بن سليمان شاه القايوي التركماني كان مع والده سليمانَ شاه عندما انتقلَ من موطنهم الأصلي باتجاه الغربِ على أثر الاجتياحِ التتري إلى أن غَرِقَ والده سليمان في الفراتِ فرجع أخويه سنقور تكين وكون طوغدي إلى الشرق, ومكث أرطغرل في ذلك الموضِعِ يجاهِدُ الكُفَّار، ثم أرسل ابنَه صارو بالي إلى علاء الدين السلجوقي يستأذِنُه في الدخول إلى بلادِه، ويطلب منه موضعًا ينزِلُ فيه فأذِنَ له وعَيَّنَ له جبالَ طومالج وأرمنك وما بينهما، فأقبل أرطغرل مع أربعمائة خركاه- خيمة- من قومِه فتوطَّنوا في قرة جه طاغ، وكان أرطغرل شجاعًا فشَمَّرَ ساعد الجِدِّ في خدمة السلطانِ علاء الدين كيقباد بن كيخسرو بن قلج أرسلان بن طغرل السلجوقي، ولَمَّا قصد علاءُ الدين غزوَ الكُفَّارِ أقبل أرطغرل إليه نجدةً له، فازداد عند السلطان مكانةً وقربًا, فأقطعه جزءًا كبيرًا من الأرضِ مقابِلَ الروم مكافأةً له مِن جهةٍ، ومن جهة أخرى يكون ردءًا له من الروم، فاستقَرَّت هذه الأسَرُ التركمانيَّةُ في تلك الناحية قريبًا من بحر مرمرة التابع للبحر الأسود قريبًا من مدينة بورصة، فلما نازل السلطانُ علاء الدين سنة 685 قلعةَ كوتاهيه وقد كانت للكُفَّار، فلما قرب مِن أخذِ القلعة بلغه أنَّ التَّتارَ يَطرُقُ بعضَ بلاده، فنهض إلى طرَفِ العدو وفوَّضَ أمرَ القلعة إلى أرطغرل بك وتركه بها مع بعضِ العسكَرِ. ولم يزل حتى فتحها عَنوةً وغَنِمَ شيئًا كثيرًا، ولم يزَلْ بعد ذلك يجاهد، وفُتِحَت على يديه بلادٌ كثيرة من بلاد الكُفَّارِ حتى توفِّيَ في شهور هذه السنة، فلمَّا سمع علاء الدين بوفاتِه تأسَّفَ عليه, وكتب لعثمانَ بنِ أرطغرل بالسَّلطنةِ، وأرسل إليه خِلعةً وسَيفًا ونقارةً، وخَصَّه بالغزوِ على الكُفَّار.
لَمَّا رجعت طائفةٌ مِن الجيش من بلاد سيس بسَبَبِ المرض الذي أصاب بعضَهم، فجاء كتابُ السلطان بالعَتبِ الأكيدِ والوعيد الشديد لهم، وأن الجيش يخرج جميعًا صحبةَ نائِبِ السلطنة قبجق إلى هناك، ونصَبَ مَشانِقَ لِمن تأخر بعُذرٍ أو غيره، فخرج نائبُ السلطنة الأميرُ سيف الدين قبجق وصحبته الجيوش، وخرج أهل البلد للفرجة على الأطلابِ على ما جرت به العادة، فبرز نائبُ السَّلطنة في أبَّهة عظيمة، فدعت له العامة وكانوا يحبُّونَه، واستمَرَّ عسكر الجيش سائرين قاصدين بلاد سيس، فلمَّا وصلوا إلى حمص بلغ الأميرَ سيفَ الدين قبجق وجماعةً من الأمراء أنَّ السلطانَ قد تغَلَّت خاطرُه بسببِ سَعيِ منكوتمر فيهم؛ فإن السلطان لاجين لَمَّا تولى السلطنة خلَفَ بوَعدِه للأمراء أنَّه لن يلي مملوكُه منكوتمر شيئًا، ولكنه أمَّرَه بل جعَلَه نائبَه الأوَّلَ، بل انقاد لرأيِه في الأمراءِ؛ حيث إنَّ منكوتمر أمَّلَ أن يكونَ وليَّ عهد السلطان لاجينَ خاصَّةً أن السلطان كان قد مَرِضَ ولم يكن له ولَدٌ ذكَرٌ وليًّا لعهده، فعَمِلَ على إبعاد مُنافِسيه من الأمراء الذين بمصرَ، وتمكَّنَ من السعي بهم والقَبض ِعليهم، وبدا أنَّ السلطانَ يميلُ إلى الاحتجاب وتفويضِ أمورِ السلطنة إلى منكوتمر، وبَقِيَ عليه إزاحةُ أمراء الشامِ وإقامةِ غَيرِهم من مماليك السلطانِ في مصر والشام ليتمكَّنَ مِن مراده، وعَلِموا أن السُّلطانَ لا يخالفه لمحبَّتِه له، فاتفق جماعةٌ منهم على الدخول إلى بلاد التتر والنجاةِ بأنفُسِهم، فساقوا من حمص فيمن أطاعهم، وهم قبجق وبزلي وبكتمر السلحدار (رتبة عسكرية) والأيلي، واستمرُّوا ذاهبين، فرجع كثيرٌ من الجيش إلى دمشق، وتخبَّطَت الأمور وتأسَّفَت العوامُّ على قبجق لحسن سيرته، وذلك في ربيع الآخِر من هذه السَّنة.
هو السُّلطانُ العثماني مرادُ الثالث بن سليم الثاني بن سليمان القانوني بن سليم الأول بن بايزيد الثاني بن محمد الفاتح بن مراد الثاني. ولِدَ سنة 951. قال عبد الملك العصامي المكي: "نشأ مرادٌ في ظِلِّ والده وجَدِّه على مهاد العِزِّ والسلطان في حجرِ الخلافةِ، راضعًا ثديَ العلم والعرفان، ولم تُعلَم له صبوةٌ مع توفُّرِ دواعيها، ولم يتناول شيئًا من المحرَّمات، بل ولا مِن المكروهات؛ فهو منذ ترعرع في شبابه صانه اللهُ عن المحاربة والمخاصمة الناشئة عن حظوظِ النفسِ وحبِّ الرئاسة، واستعمل نفسَه في العلم والعمل، ثم في الاستعداد للخلافة الإسلاميةِ، مع كمال النزاهة والعفَّة والنفاسة، ومنها أنَّ طريقته في الملبس والمأكل والمشرب والمركب طريقةُ الصالحين والزهَّاد ما عدا ما فيه خَلَل لنظام المُلك أو ضرر للعباد، وكان جلوسُه على تخت الخلافة الإسلامية في ثامِنِ شهر رمضان في اليوم الذي توفِّي أبوه فيه من عام 982، فجلس جلوسًا جامعًا لفضل الزمان والمكان، ومنحه الله تعالى من كثرة الخَراجِ والخزائن والعساكر ما لم يجمَعْه أحدٌ من أسلافه الأكابر، فإذا عزم على فتحِ أعظمِ الممالك جهَّزَ شرذمةً من عساكره المنصورة، ففتح كلَّ صعبِ المسالك، ومن النعمة العظمى إتمامُ عمارة المسجد الحرامِ الذي بُدئ بترميمِه في زمان جَدِّه السلطان سليمان سنة 980 وتمام التعمير في زمانه" توفِّيَ مراد الثالث عن عمر يناهز 49 عامًا، ودفن في فناء أيا صوفيا، فكانت مدةُ حكمه عشرين سنة وثمانية أشهر، ثم تولى بعده ابنُه محمد الثالث الذي جلس على سرير السلطنة بعد وفاة والده باثني عشر يومًا؛ لأنَّه كان مقيمًا في مغنيسا.
هو اللواءُ تشارلز جورج غوردون المعروف بلقب (غوردون الصين) و(غوردون باشا) و(غوردون الخرطوم). ولِدَ بلندن عام 1833م.كان غوردون ضابطًا وإداريًّا في الجيش البريطاني، وتنقَّلَ في عدد من المهام القيادية العسكرية البريطانية، فعُيِّن في سلاحِ الهندسة الملكية، واشترك في حربِ القرم وعمُرُه واحد وعشرون عامًا، ثم اشترك في حربِ الصين؛ حيث أسهم في الاستيلاء على بكِّين، ثم تولى قيادة الجيش الصيني
الذي قمع ثورة تيبنج. وفي سنة (1874 م) عيَّنه الخديوي إسماعيل حاكمًا عامًّا للسودان، وظَلَّ في منصبه سبع سنوات، وعندما طلب منه المندوبُ السامي البريطاني بمصر اللورد كرومر الانسحابَ مِن مصر رفَضَ وأبى واستكبر بشدة، فبدأت جيوشُ المهدية بحصار الخرطوم، وكان غوردون عَمِلَ على تحصين المدينة بالأسلاك الشائكة وتقوية القلاع وزرع الألغام. وكانت حاميةُ الخرطوم مكونة من مصريين وأتراك وبعض السودانيين، فجاء المهدي بجمعٍ يقَدَّرُ بأكثر من مائة ألف مقاتل، وكان غوردون قبل أن يشتدَّ عليه الحصار أرسل إلى حكومتِه طالبًا حملة تفتح الطريقَ بينه وبين مصر لسَحبِ الحاميات، ثم اضطره الحصار للمناداة بحملةِ إنقاذٍ؛ حيث تحرَّكت حملة الإنقاذ من القاهرة بقيادة اللورد ولزلي وعندما عَلِمَت قوات المهدية بهذه الحملة عَمِلَت دون تمكينها مِن الوصول إلَّا حين تحرِّرُ الخرطوم، وفي 25يناير 1885 بدأ أنصارُ المهدي يَعبُرون النيل الأبيض للَّحاقِ بجيش عبد الرحيم النجومي الذي كان يحاصِرُ الخرطوم من جهة الجنوب، وفي صباح يوم 26 يناير تمكَّنت قوات المهدية من دخول الخرطوم عَنوةً وقَتْل غوردون داخِلَ ساحة القصر. وكان لسقوط الخرطومِ ومقتل غوردون صدًى عظيمًا في بريطانيا عمومًا، وفي مجلس العموم خصوصًا.
أثار الرُّكود الاقتصاديُّ موجةً من الاضطراباتِ الاجتماعية التي تمثَّلت في المظاهراتِ التي تجوبُ الشوارعَ، وإضراباتِ العُمَّال، والاغتيالاتِ السِّياسية، كما تمَّ تَشكيلُ حركاتٍ عُمَّالية وطُلابية يساريةٍ تُعارِضُها الجماعاتُ اليَمِينية القوميةُ المسلَّحة والإسلاميَّة، وبحُلولِ يناير 1971 عَمَّت الفوضى أرجاءَ تركيا، وتوقَّفت الجامعاتُ عن العملِ، وأضربت المصانع، وقام الطُّلاب بسَرِقة البنوكِ، وخطْف الجُنود الأمريكانِ، ومُهاجَمة أهدافٍ أمريكية، وأصبَحت الحركةُ الإسلاميَّة أكثَرَ نشاطًا، وقام حِزْبُها -حزبُ النِّظام الوطني- برفْض فِكرة عَلْمانيةِ أتاتورك، والفِكْر الكَماليِّ بشَكْل عَلَني؛ مما أثار غضَب القواتِ المسلَّحةَ، فقام رئيسُ هيئة الأركان العامة التُّركية مَمدوح تاجماك بتَسليمِ رئيس الوزراءِ مُذكِّرةً تصِلُ إلى حَدِّ إنذارٍ أخير من القواتِ المسلَّحة، وطالَبَ فيها "بتَشكيل حُكومةٍ قويةٍ ذاتِ مِصداقيةٍ في إطار المبادئِ الديمقراطية تضَعُ حدًّا للوضْعِ الفَوضوي الحاليِّ، وتُطبَّق من خلال وجهاتِ نَظَر أتاتورك القوانينُ الإصلاحية المنصوصُ عليها في الدُّستور، وإذا لم تتِمَّ تلبيةُ هذه المطالِب فإنَّ الجيش سوف يُمارِس واجِبَه الدُّستوري ويَتولى السُّلطة"، فقدَّمَ الرئيسُ سليمان ديميريل استقالتَه بعد اجتماعٍ استمرَّ ثلاثَ ساعات مع حُكومته، واستنكَر زعيمُ المعارَضة والسياسيُّ المخضْرم عصمت إينونو بشِدةٍ أيَّ تدخُّل عسكريٍّ في السِّياسة، وكان بعض كبارِ الضُّباط يروا أنه مِن المستحيلِ أن يَحدُثَ تقدُّم في نِظام ديمقراطي لِيبراليٍّ، وأنَّ التسلُّطَ سيَجعلُ مِن تركيا أكثرَ مُساواةً واستِقْلالية و"عصْرية"، بينما رأى ضُباط آخَرون ضَرورةَ التدخُّل، ولو لإحباطِ هذه العناصر فقط، وعُرِف هذا الانقلابُ (بانقلاب المذكِّرة)؛ نَتيجةً لِما أحدَثَته المذكِّرةُ التي سلَّمها رئيسُ هيئة الأركان العامة لِرَئيس الوزراء التُّركي، فحدَث الانقلابُ دونَ تدخُّلٍ عَسْكري.
غزا رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يُريدُ قُريشًا، واستَعمَلَ على المدينةِ عبدَ الله بنَ أُمِّ مَكتومٍ رَضي اللهُ عنه، حتى بَلَغ بُحرانَ مِن ناحيةِ الفُرْعِ. وسَبَبُها: أنَّه بَلَغَ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّ بها جَمعًا كثيرًا من بني سُلَيمِ بنِ مَنصورٍ؛ فخَرَج في ثَلاثِمئةِ رجلٍ من أصحابِه، ولم يُظهِر وَجهًا للسَّيرِ؛ حتى إذا كان دونَ بُحرانَ بليلةٍ لَقيَ رجلًا من بني سُلَيمٍ فأخبَرَهم أنَّ القَومَ افتَرَقوا فحَبَسَه مع رَجلٍ، وسار حتى وَرَد بُحرانَ وليس به أحدٌ، فأقام أيامًا ثم رَجَع ولم يَلْقَ كيدًا وأرسل الرَّجُلَ. ثم انصرف راجعًا إلى المدينةِ.