هو المُعتَضِدُ بالله أبو عَمرٍو عَبَّادُ بن الظَّافرِ المُؤَيَّدِ بالله أبي القاسمِ محمد قاضي إشبيلية بن أبي الوَليدِ إسماعيلَ بن قُريشِ بن عَبَّادِ بن عَمرِو بن أَسلمَ بن عَمرِو بن عَطَّافِ بن نُعيمٍ، اللخميُّ، مِن وَلَدِ النُّعمانِ بن المُنذِر اللخميِّ، آخر مُلوكِ الحِيرَةِ, لمَّا تُوفِّي محمدٌ القاضي سَنةَ 433هـ قامَ مَقامَه وَلَدُه عَبَّادٌ، قال أبو الحسنِ عليُّ بن بَسَّامٍ في حَقِّهِ: " ثم أَفضَى الأَمرُ إلى عَبَّادٍ ابنِه سَنةَ ثلاثٍ وثلاثين, وتَسمَّى أَوَّلًا بِفَخرِ الدولةِ ثم المُعتَضِد، قُطْبُ رَحَى الفِتنَةِ، ومُنتَهى غايةِ المِحْنَةِ، مِن رَجُلٍ لم يَثبُت له قائمٌ ولا حَصيدٌ، ولا سَلَّمَ عليه قَريبٌ ولا بَعيدٌ، جَبَّارٌ، أَبرمَ الأُمورَ وهو مُتناقِض، وأسد فرس الطلى وهو رابض، مُتهَوِّرٌ تَتحاماهُ الدُّهاةُ، وجَبَّارٌ لا تَأمَنُه الكماو، مُتَعَسِّفٌ اهتدى، ومنبت قطع فما أَبقَى، ثارَ والناسُ حَرْبٌ، وكل شيءٍ عليه إلب، فكَفَى أَقرانَه وهُم غيرُ واحدٍ، وضبط شانه بين قائمٍ وقاعد، حتى طالت يَدُه، واتَّسعَ بَلدُه، وكَثُرَ عَديدُه وعَدَدُه؛ افتَتحَ أَمرَهُ بِقَتلِ وَزيرِ أَبيهِ حبيب المذكور، طَعنةً في ثَغرِ الأيامِ، مَلَكَ بها كَفَّهُ، وجَبَّارًا مِن جَبابِرَةِ الأنامِ، شُرِّدَ به مَن خَلْفَه، فاستمر يَفرِي ويُخلِق، وأَخَذَ يَجمَعُ ويُفَرِّق، له في كل ناحيةٍ مَيدان، وعلى كل رابِيَةٍ خُوان، حَرْبُه سُمٌّ لا يُبطِئ، وسَهْمٌ لا يُخطِئ، وسِلْمُه شَرٌّ غيرُ مَأمون، ومَتاعٌ إلى أدنى حين". ولم يَزل المُعتَضِدُ في عِزِّ سُلطانِه واغتِنامِ مَسارِّهِ، حتى أَصابَتهُ عِلَّةُ الذَّبْحَة، فلم تَطُل مُدَّتُها، وتُوفِّي يومَ الاثنينِ غُرَّةَ جُمادى الآخرة، ودُفِنَ ثاني يوم بمَدينةِ إشبيلية، وقام بالمَملَكةِ بَعدَه وَلَدُه المُعتَمِدُ على الله أبو القاسمِ محمدٌ.
دَخَلَ السُّلطانُ ملكشاه بغدادَ في ذي الحجَّةِ، بعدَ أن فَتَحَ حَلَبَ وغَيرَها من بلادِ الشَّامِ والجَزيرةِ، وهي أَوَّلُ مَرَّةٍ يَدخُل فيها بغدادَ، ونَزلَ بدارِ المَملكةِ، وأَرسلَ إلى الخَليفةِ هَدايا كَثيرةً، فقَبِلَها الخَليفةُ، ومِن الغَدِ أَرسلَ نِظامُ المُلْكِ إلى الخَليفَةِ خَدمةً كَثيرةً، فقَبِلَها، وزارَ السُّلطانُ ونِظامُ المُلْكِ مَشهدَ موسى بن جَعفرٍ، وقَبْرَ مَعروفٍ، وأحمدَ بن حَنبلٍ وأبي حَنيفةَ، وغيرَها من القُبورِ المَعروفَةِ، وطُلِبَ نِظامُ المُلْكِ إلى دارِ الخِلافَةِ لَيلًا، فمَضَى في الزَّبْزَبِ-سفينة صغيرة- وعاد من لَيلتِه، ومَضَى السُّلطانُ ونِظامُ المُلْكِ إلى الصَّيدِ في البَرِّيَّةِ، فزارا مَشهدَ أَميرِ المؤمنينَ عَلِيٍّ، ومَشهدَ الحُسينِ، ودَخلَ السُّلطانُ البَرَّ، فاصطادَ شَيئًا كَثيرًا من الغِزلان وغَيرِها، وأَمرَ ببِناءِ مَنارةَ القُرونِ بالسبيعيِّ، وعاد السُّلطانُ إلى بغدادَ، ودَخلَ الخَليفةُ، فخَلَعَ عليه الخِلَعَ السُّلطانيَّةَ، ولمَّا خَرجَ من عندِه لم يَزَل نِظامُ المُلْكِ قائمًا يُقدِّم أَميرًا أَميرًا إلى الخَليفةِ، وكلَّما قَدَّمَ أَميرًا يقول: هذا العَبدُ فلان بن فلان، وأَقطاعُه كذا وكذا، وعِدَّةُ عَسكرِه كذا وكذا، إلى أن أتى على آخرِ الأُمراءِ، وفَوَّضَ الخَليفةُ إلى السُّلطانِ أَمْرَ البلادِ والعِبادِ، وأَمَرَهُ بالعَدلِ فيهم، وطَلَبَ السُّلطانُ أن يُقَبِّلَ يَدَ الخَليفةِ، فلم يُجِبهُ، فسأل أن يُقَبِّلَ خاتَمَه، فأَعطاهُ إيَّاهُ فقَبَّلَهُ، ووَضعَهُ على عَينِه، وأَمَرَهُ الخَليفةُ بالعَوْدِ فعادَ، وخَلَعَ الخَليفةُ أيضًا على نِظامِ المُلْكِ، ودَخلَ نِظامُ المُلْكِ إلى المدرسةِ النِّظاميَّةِ، وجَلسَ في خَزانَةِ الكُتُبِ، وطالَعَ فيها كُتُبًا، وسَمِعَ الناسُ عليه بالمدرسةِ جُزْءَ حَديثٍ، وأَمْلَى جُزءًا آخرَ، وأَقامَ السُّلطانُ ببغداد إلى صَفَر سَنةَ 480هـ وسارَ منها إلى أصبهان.
لما فرغ عماد الدين زنكي من أمرِ البلاد الشامية، حلب وأعمالها، وما ملكه، وقرَّر قواعده؛ عاد إلى الموصل، وديار الجزيرة؛ ليستريح عسكره، ثم أمرهم بالتجهُّز للغَزاة، فتجهزوا وأعدُّوا واستعدوا، وعاد إلى الشام وقَصَد حلب، فقَوِيَ عَزمُه على قصد حصن الأثارب ومحاصرته؛ لشدة ضرره على المسلمين، وهذا الحصن بين حلب وبين أنطاكية، وكان مَن به من الفرنج يقاسمون حلب على جميع أعمالها الغربية، وكان أهل البلد معهم في ضرٍّ شديد وضيق كل يوم؛ قد أغاروا عليهم، ونهبوا أموالهم. فلما رأى زنكي هذه الحالَ صَمَّم العزمَ على حصر هذا الحصن، فسار إليه ونازله، فلما علمَ الفرنج بذلك جمعوا فارِسَهم وراجِلَهم، وعلموا أن هذه وقعة لها ما بعدها، فحشدوا وجمعوا ولم يتركوا من طاقتهم شيئًا إلا استنفدوه، فلما فرغوا من أمرهم ساروا نحوه، ثم ترك عماد الدين الحصن وتقدم إليهم، فالتقوا واصطفُّوا للقتال، وصبر كلُّ فريق لخصمه، واشتدَّ الأمر بينهم، ثم إن الله تعالى أنزل نصره على المسلمين فظفروا، وانهزم الفرنج أقبحَ هزيمة، ووقع كثيرٌ من فرسانهم في الأَسْر، وقُتِل منهم خلق كثير، فلما فرغ المسلمون من ظَفَرِهم عادوا إلى الحصن فتسلَّموه عَنوةً، وقتلوا وأسروا كل من فيه، وأخربه عماد الدين، وجعله دكًّا، ثم سار منه إلى قلعة حارم، وهي بالقرب من أنطاكية، فحصرها، وهي أيضًا للفرنج، فبذل له أهلها نصف دخل بلد حارم وهادنوه، فأجابهم إلى ذلك،وعاد عنهم وقد استقوى المسلمون بتلك الأعمال؛ قال ابن الأثير تعليقًا على انتصارات زنكي في حصن الأثارب وقلعة حارم: "وضعفت قُوى الكافرين، وعلموا أن البلاد قد جاءها ما لم يكن لهم في حساب، وصار قصاراهم حِفظَ ما بأيديهم بعد أن كانوا قد طَمِعوا في ملك الجميع".
الأتابِكةُ جَمعُ أتابك، وهي كَلِمةٌ مُرَكَّبةٌ مِن لفظينِ تُركيِّينِ «أتا» أي: الأبُ، أو المُرَبِّي، و«بِك» أي: الأمير، فيكون معنى الكلمة «مربي الأمير» ثم صارت مع الأيام تُستعمَلُ لدَلالاتٍ أخرى، بينها: المَلِك، والوزير الكبير، والأُمَراء البارزون الذين يَمُتُّون بصلةِ القَرابةِ إلى السلاجقةِ والأُمراء الأقوياء. كذلك أُطلِقَت في عهد المماليك على من تُعهَدُ إليه إمارةُ العَسكَرِ، ومنه شاع لَقَبُ «أتابِك العسكر». وأوَّلُ مَن لُقِّبَ بهذا اللَّقَبِ نِظامُ الملك وزيرُ السُّلطان ملك شاه السلجوقي، حين فُوِّضَ إليه تدبيرُ المملكةِ سنة 465 فإذا ولَّى السُّلطانُ أحدَ أبنائه حُكْمَ مدينةٍ أو ولاية، أرسَلَ معه أتابِكَه ليكونَ عَونًا له في الحُكمِ. وكثيرًا ما كان الأتابكُ ينزِعُ إلى استِغلالِ نُفوذِه والتسَلُّط على الأمير، وقد استفاد هؤلاء الأتابكةُ مِن ضَعفِ الدَّولةِ وتنازُعِ أبناءِ الأُسرة السلجوقيَّة؛ للاستِئثارِ بالسَّلطَنةِ فعَمِلوا من أجلِ الانفِرادِ بالمناطِقِ التي تحت حُكمِهم، والتوسُّع والسَّيطرة على الأراضي المُجاورة، كما أنَّهم عَمِلوا على توريثِ هذه المناطِقِ لأبنائِهم، فنَشَأت ضِمنَ السَّلطنةِ السلجوقيَّة دُوَيلاتٌ كثيرةٌ مُتَناثِرةٌ عُرِفَت باسمِ دُوَل الأَتابكةِ، وأخذَ نُفوذُها بالازديادِ. وكان الأتابِكةُ يَستَغِلُّونَ نُفوذَهم بين الحينِ والآخَرِ في تحريضِ أفراد البيتِ السُّلجوقي، وإِطماعِهم بالسُّلطةِ. كان الأتابكةُ حتى عَهدِ السُّلطانِ مسعود بنِ مُحمَّد 527-547 يستَتِرونَ وراء السَّلاطين، وبعد وفاتِه أخَذَ نَجمُ هؤلاء الأتابِكةِ بالصُّعودِ، وسَيطَروا على مقاليدِ الأمورِ، وصار سلاطينُ السَّلاجقة أدواتٍ في أيديهم يأتَمِرونَ بأوامِرِهم ويُنَفِّذونَ رَغَباتِهم. وفي الوَقتِ ذاتِه كانت الأتابكيَّات تتنافَسُ فيما بينها وتتصارَعُ؛ مِمَّا مَهَّد السَّبيلَ للمَغولِ لاجتياحِ أقاليمِ بلادِ ما وراءَ النَّهرِ وفارس والعراق وأذربيجان وغيرِها.
هو السُّلطانُ الكَبيرُ، غِياثُ الدِّينِ، أبو الفَتحِ مَسعودُ بنُ مُحَمَّد بن ملكشاه أحَدُ مُلوكِ السُّلجوقيَّة المشاهير، نشأ بالمَوصِل مع أتابك مودود، ورَبَّاه، ثم مع آقسنقر البرسقي، ثمَّ مع خوش بك صاحِبِ المَوصِل، فلمَّا مات والِدُه، حَسَّنَ له خوش بك الخروجَ على أخيه محمود، فالتَقَيا، فانكسر مسعودٌ، ثم تنقلت به الأحوالُ، واستقل بالسَّلطَنةِ سنة 528، وقَدِمَ بغداد. كان عادِلًا لَيِّنًا، كبيرَ النَّفسِ، فَرَّقَ مَملَكَتَه على أصحابِه، وما ناوأه أحَدٌ إلا وظَفِرَ به، وقَتَلَ خَلقًا مِن كبار الأُمراء والخليفتَينِ المُستَرشِدَ والرَّاشِدَ, وكان قد خلَعَ الرَّاشدَ وأقام المُقتَفيَ، كما جرت بينه وبين عَمِّه سنجر منازعةٌ، ثم تصالحَا. قال ابنُ الأثير: كان كثيرَ المزاحِ، حسَنَ الخلُقِ، كريمًا، عفيفًا عن أموالِ الرعيَّةِ، مِن أحسَنِ السَّلاطينِ سِيرةً، وأليَنِهم عريكةً. قلت: أبطَلَ مُكوسًا ومَظالِمَ كَثيرةً، وعَدَلَ، واتَّسَعَ مُلكُه، وكان يَميلُ إلى العُلَماءِ والصَّالحينَ، ويتواضع لهم. أقبل مسعودٌ على الاشتغالِ باللَّذاتِ والانعكافِ على مُواصَلةِ وُجوهِ الرَّاحات، مُتَّكِلًا على السَّعادةِ تَعمَلُ له ما يُؤثِرُه، إلى أن حَدَثَ له القَيءُ والغثيان، واستمَرَّ به ذلك إلى أن توفِّيَ في حادي عشر جمادى الآخرة، وقيل يوم الأربعاء، الثاني والعشرين بهمذان, ومات معه سعادةُ البيت السلجوقي لم يَقُمْ لهم بعدَه رايةٌ يُعَتَدُّ بها ولا يُلتَفَتُ إليها، وكان مسعودٌ عَهِدَ إلى ملكشاه بن أخيه السُّلطانِ محمود، فلمَّا توفِّيَ مَسعودٌ خُطِبَ لملكشاه بالسَّلطنةِ، ورَتَّبَ له الأمورَ الأميرُ خاص بك بن بلنكري، وقَرَّرَها بين يديه، وأذعَنَ له جميعُ العَسكَرِ بالطَّاعةِ، ثم جاء أخوه السُّلطانُ مُحمَّدٌ وانتزع المُلْكَ منه، وكانت مُدَّةُ سَلطنةِ مسعود إحدى وعشرين سنة تقريبًا.
لما توفي أسد الدين شيركوه كان معه صلاح الدين بن أخيه أيوب بن شاذي قد سار معه على كُرهٍ منه للمسير، وأما كيفيَّة ولايته، فإنَّ جماعة من الأمراء النورية الذين كانوا بمصر طلبوا التقدُّمَ على العساكر، وولاية الوزارة العاضدية بعده، منهم عينُ الدولة الياروقي، وقطب الدين، وسيف الدين المشطوب الهكاري، وشهاب الدين محمود الحارمي، وهو خالُ صلاح الدين، وكُلُّ واحد من هؤلاء يخطُبها، وقد جمع أصحابه ليغالَ عليها، فأرسل العاضد إلى صلاح الدين فأحضرَه عنده، وخلعَ عليه، وولَّاه الوزارة بعد عَمِّه، وكان الذي حمله على ذلك أن أصحابَه قالوا: ليس في الجماعة أضعَفُ ولا أصغَرُ سنًّا من يوسف بن أيوب (صلاح الدين)، والرأيُ أن يولَّى، فإنَّه لا يخرجُ من تحت حُكمِنا، ثم نضَعُ على العساكر من يستميلُهم إلينا، فيصير عندنا من الجنود من نمنَعُ بهم البلاد، ثم نأخذ يوسف أو نخرِجُه، فلما خلع عليه لقب الناصر لم يُطِعْه أحد من أولئك الأمراء الذين يريدونَ الأمرَ لأنفُسِهم، ولا خَدَموه، وكان الفقيهُ عيسى الهكاري مع صلاح الدين، فمَيَّل الأمراء الذين كانوا قد طمعوا بالوزارة إلى الانقيادِ إليه، فأجابوا سوى عين الدولة الياروقي؛ فإنه امتنع، وثبتَ قَدَمُ صلاح الدين، ومع هذا فهو نائب عن نور الدين محمود، واستمال صلاحُ الدين قلوبَ النَّاسِ، وبذل الأموال، فمالوا إليه وأحبُّوه وضَعُف أمر العاضد، ثم أرسل صلاحُ الدين يطلُب من نور الدين أن يرسِلَ إليه إخوتَه وأهلَه، فأرسلهم إليه، وشرعَ عليهم طاعتَه والقيامَ بأمره ومساعدته، وكلُّهم فعل ذلك، وأُخِذت إقطاعات الأمراء المصريين فأعطاها أهله والأمراء الذين معه، وزادهم، فازدادوا له حبًّا وطاعةً.
كان أوَّل الغورية هو محمد بن الحسين قد صاهر بهرام شاه بن مسعود صاحِبَ عزنة من آل سبكتكين، ثم قتله بهرام شاه خشيةً من غدره، وقد جاءه يظهِرُ الطاعة ويُبطِنُ الغدر، فولى بعده ملكَ الغورية أخوه سورى وسار إلى غزنة في طلب ثأرِ أخيه وقاتَلَ بهرام شاه فظفر به وقتله أيضًا. ثم ملك أخوهما علاء الدين الحسين بن الحسين، وسار إلى غزنة، فانهزم عنها بهرام شاه، فاستوى عليها علاء الدين الحسين وأقام بغزنة أخاه سيف الدين شاه، ورجعَ إلى الغور، فكاتب أهل غزنة بهرام شاه فقاتَلَ سيف الدين الغوري فظَفِرَ بسيف الدين فقتَله وملك بهرام شاه غزنة، ثم توفِّي بهرام شاه. وملك ابنُه خسرو شاه وتجهَّز علاء الدين ملك الغورية إلى غزنةَ فمَلَكَها شهاب الدين سنة تسع وسبعين وخمسمائة بعد حصار، وأمنَ خسرو شاه فحضر فأكرمه، وبلغ غياث الدين ذلك فطلب من شهاب الدين إنفاذَ خسرو شاه إليه فأمَرَه شهاب الدين بالتوجُّه إليه، فقال خسرو شاه: أنا ما أعرف أخاك فطَيَّبَ خاطره وأرسله، وأرسل ابن خسرو شاه أيضًا معه مع عسكر يحفظونهما فرفعهما غياثُ الدين إلى بعض القلاع ولم يرهما، فكان آخِرَ العهد بهما, وخسرو شاه بن بهرام شاه بن مسعود بن إبراهيم بن مسعود بن محمود بن سبكتكين هو آخر ملوك آل سبكتكين، ابتداءُ دولتهم سنة 366، وملكوا مائتي سنة وثلاث عشرة سنة تقريبًا، فانقراض دولتهم سنة 578، وكانوا من أحسن الملوك سيرةً.
نشب النزاعُ بين الصالحَينِ إسماعيلَ ونجمِ الدين أيوب مرة أخرى، ووقف الناصرُ داود بن الملك المعظَّم هذه المرة مع الصالح إسماعيل، واتفقا على الاستعانة بالصليبيين ضِدَّ إخوانهم المسلمين، ولم يجدِ الصالح أيوب قُوَّةً تَقِفُ إلى جواره غيرَ الخوارزمية الذين تَفَرَّقت بهم السبل بعد انهيار دولتِهم ومقتل سلطانهم جلال الدين خوارزم شاه، فاستجابوا لدعوته، وقَدِموا بأعدادٍ كبيرة إلى الشام، فقطعوا الفراتَ، ومُقَدَّموهم: الأمير حسام الدين بركة خان، وخان بردى، وصاروخان، وكشلوخان، وهم زيادة على عشرة آلاف مقاتل، فسارت منهم فرقة على بقاع بعلبك، وفرقة على غوطة دمشق، وهم ينهبون ويقتُلون ويَسْبُون، فانجفل الناسُ من بين أيديهم، وتحصَّنَ الصالح إسماعيل بدمشق، وضمَّ عساكره إليه، بعدما كانت قد وصلَت غزة, واتَّجه الخوارزمية إلى دمشقَ فوجدوها قويَّة التحصين فتركوها، واستولوا على طبرية ونابلس، وواصلوا سيرَهم حتى دخلوا مدينة بيت المقدس في الثالثِ من صفر واستولوا عليها دون مقاومةٍ، وبذلوا السيفَ فيمن كان به من النصارى، حتى أفنوا الرِّجالَ، وسَبَوا النساء والأولاد، وهدموا المبانيَ التي في قمامة، ونبشوا قبورَ النصارى، وأحرقوا رِمَمَهم، وكانت هذه آخرَ مرة يسترد فيها المسلمونَ بيت المقدس في عصرِ الحروب الصليبيَّة، وظَلَّت بأيدي المسلمين حتى سقطت في قبضة اليهود في عصرنا الحديثِ، وبعدَ أن استَرَدَّ الخوارزميون بيت المقدس واصلوا سيرَهم إلى غزة واجتمعوا مع الجيشِ المصري الذي أرسله الصالحُ أيوب لمحاربة قوات الشام ومن ناصرها من القواتِ الصليبيَّة، سير الخوارزمية إلى الملك الصالح نجم الدين أيوب في صفر يخبرونَه بقدومهم، فأمرهم بالإقامةِ في غزة، ووعدهم ببلادِ الشامِ، بعدما خلع على رُسُلِهم.
كان الخليفةُ المستكفي بالله قد أوصى بالخلافةِ مِن بعده لابنه أحمد، لكِنَّ السلطانَ النَّاصِرَ لم يُمضِ للسلطان عهده, وكان قد بايع لإبراهيمَ بن محمد المستمسك بن أحمد الحاكم بأمر الله ولَقَّبَه بالواثق بالله, وفي يوم الاثنين خامس عشر شعبان طلب الناصِرُ إبراهيمَ الواثق بالله، وأجلسه بجانِبِه وحادَثَه، ثم قام إبراهيم وخرج معه الحُجَّاب بين يديه، ثم طلع إلى السلطانِ في يوم الاثنين ثالث عشر رمضان، وقد اجتمع القضاةُ بدار العدل على العادة، فعَرَّفَهم السلطان بما أراد من إقامةِ إبراهيم في الخلافةِ وأمَرَهم بمبايعته، فأجابوا بعَدَمِ أهليَّتِه، وأنَّ المستكفيَ عَهِدَ إلى ولده أحمَدَ بشَهادةِ أربعين عدلًا وحاكِمِ قوص، ويحتاج إلى النَّظَرِ في عهده، فكتب السلطانُ بطلب أحمد وعائلةِ أبيه، وأقام الخُطَباء بديار مِصرَ والشام نحو أربعة أشهر لا يذكُرونَ في خُطَبِهم الخليفة، فلما قَدِمَ أحمد من قوص لم يُمضِ السُّلطانُ عَهْدَه، وطلب إبراهيمَ وعَرَّفَه قُبحَ سِيرتِه، فأظهَرَ التوبةَ منها والتزم بسلوكِ طَريقِ الخير، فاستدعى السلطانُ القضاةَ في يوم الاثنين وعَرَّفَهم أنه أقام إبراهيم في الخلافة، فأخذ قاضي القضاة عز الدين عبد العزيز بن جماعة يُعَرِّفُه سوءَ أهليَّتِه للخلافة، فأجاب بأنه قد تاب، والتائِبُ من الذنبِ كَمَن لا ذَنبَ له، وقد ولَّيتُه فاشهَدوا عليَّ بولايتِه، ورتَّبَ له السلطانُ ما جرت به العادة، وهو ثلاثة آلاف وخمسمائة وستون درهمًا وتسعة عشر أردب شعير في كل شهر، فلم يعارِضْه أحَدٌ، وخُطِبَ له في يوم الجمعة سادس ذي القعدة، ولُقِّبَ بالواثق بالله أبي اسحاق، فكانت العامَّةُ تسميه المستعطي؛ فإنَّه كان يستعطي من النَّاسِ ما يُنفِقُه، وشُهِرَ بارتكابٍ أمورٍ غَيرِ مَرضِيَّة.
هو الشريف أبو الحسن علي بن عجلان بن رميثة، واسمُ رُميثة منجد بن أبي نمي بن أبي سعد حسن بن علي بن قتادة بن إدريس بن مطاعن بن عبد الكريم بن عيسى بن عيسى بن حسين بن سليمان بن علي بن عبد الله بن محمد بن موسى بن عبد الله المحض بن موسى بن الحسن السبط بن الحسن بن علي بن أبي طالب المكي الحسني، أمير مكة المشرفة، وَلِيَها ثماني سنين ونحو ثلاثة أشهر مستقلًّا بالإمارة، غير سنتين أو نحوهما؛ فإنه كان فيهما شريكًا لِعَنان بن مغامس بن رميثة، ووقع له أمورٌ بمكة مع الأشراف ووقائع، وآخِرَ الأمر توجَّه أخوه الشريف حسن بن عجلان إلى القاهرة يريد إمرة مكة، فقبض عليه السلطان وحبسه، وبعث إلى أخيه علي هذا باستمراره على إمرة مكة، فاستمَرَّ على إمرتها إلى أن وقع بينه وبين بعض القوَّاد، وخرج إليهم عليٌّ، فبدره بعضُهم وسايرَه وهو راكب على راحلته، والشريف عليٌّ على الفرس، فرمى القائد بنفسه على الشريف عليٌّ وضربَه بجنبية كانت معه، فوقعا جميعًا على الأرض، فوثب عليه عليٌّ وضربه بالسيف ضربةً كاد منها يهلك، وولى عليٌّ راجعًا إلى الحلة، فأغرى به شخصٌ يقال له أبو نمي غلام لصهره حازم بن عبد الكريم جنديًّا، وعتبة وحمزة وقاسمًا، فوثبوا عليه وقتلوه وقطَّعوه وبعثوا به إلى مكة، فدُفِن بالمعلَّاة مع أبيه عجلان، وكان قتلُه يوم الأربعاء سابع شوال، ووَلِيَ إمرة مكة بعده أخوه حسن بن عجلان.
هو السلطان الأشرف أبو النصر قانصوه بن بيبردى الغوري الجركسي الجنس, وهو من سلاطين المماليك البرجية. ولِدَ سنة 850 امتلكه الأشرف قايتباي وأعتقه وعيَّنه في عدة وظائف في خدمته. كان في أوائل الأمر أميًّا لا يعرف شيئًا؛ لأنه جُلب من بلاده وهو كبير قد شَرَع فيه الشيب، وصار السلطان قايتباي يرقِّيه لكونه أخًا لزوجته، وهي التي بذلت الأموال للجند ومكَّنَته من الخزائن حتى ملَّكوه بعد السلطان قايتباي، فاستمر سلطانًا سنة وسبعة أشهر، ثم خلعوه وكان قد تلقب بالأشرف وأخرجوه من المملكة سنة 905 وولي بعده أميران لم يثبت قدمُهما في السلطنة، ثم أجمع الأجناد على تولية السلطان قانصوه الغوري، وكان من أقَلِّ الأمراء شأنًا وأحقرهم مكانةً، لكن الأمراء الكبار تحامَوا الإقدام على السلطنة خوفًا من بعضهم البعض، فولوا قانصوه فقَبِلَ بعد أن شرَطَ عليهم أنهم لا يقتلونه إذا أرادوا خلعَه، فقبلوا منه ذلك فولي السلطنة سنة 906 وكان عظيم الدهاء قويَّ التدبير، فثبت قدمه في السلطنة ثباتًا عظيمًا، وما زال يقتل أكابِرَ الأمراء حتى أفناهم وصَفَت له المملكة ولم يبقَ له فيها منازعٌ، ولكنه مال إلى الظلم والعسف وانتهب أموال الناس وانقطعت بسببه المواريثُ، فضجَّ أهلُ مصر ومَن تحت طاعتِه؛ مِن أخذِه لأموالهم، فسلط الله عليه السلطان سليم الأول سلطانَ العثمانيين؛ فإنه غزاه إلى دياره ووقع بينهما مصاف، فقُتِل قانصوه الغوري تحت سنابك الخيل في معركةِ مرج دابق وعمرُه إذ ذاك يقارب الثمانين عامًا، وكانت مدة سلطنته ستة عشر سنة وعدة أشهر، فاختار المصريون سلطانًا جديدًا هو نائبه الذي تركه السلطان قانصوه على مصر: طومان باي، الذي تلقَّب بالملك الأشرف بعد أن أقسَمَ له الأمراء بالطاعة وبايعوه، وبايعه الخليفة كذلك.
هو السلطان مراد الرابع بن أحمد بن محمد الثالث بن مراد الثالث بن سليم الثاني بن سليمان القانوني بن سليم الأول، هو السلطان العثماني السابع عشر، ولد بإستانبول سنة 1021 جلس للحكم بعد عمه باتفاق من الأركان على عزل عمه مصطفى الأول، يوم الأحد الرابع عشر ذي القعدة سنة 1032 وله من العمر أحد عشر عامًا، فبايعه الأعيان، ثم فرق إنعامات الجلوس عليهم, وقد عمل السلطان مراد على استعادة هيبة الدولة وقوتها، فتولى هو ووزراؤه قيادة الجيوش وحقق عددًا من الانتصارات, وكان السلطان مراد يجيد التحدث باللغة العربية والفارسية فضلًا عن التركية، ويكتب قصائد تحت اسم مرادي. مرض السلطان مراد الرابع بن أحمد الأول سنة 1640م, وكان يُخشى عليه من الموت ولكن شفي, ثم مرض من جديد وتوفي في هذا العام؛ بسبب مرض النقرس بعد أن دام حكمه 16 سنة و11 شهرًا، ولم يكن قد عقب ولدًا ذكرًا، ولم يكن بقي من نسل آل عثمان غير أخيه إبراهيم بن أحمد الأول، فتولى الخلافة بعده، والذي كان مسجونًا مدة سلطنة أخيه، ولما توفي أخوه أسرع كبار المملكة إلى مكان الحبس ليخبروه بذلك، فعندما قدموا عليه ظنَّ أنهم قادمون لقتله، فخاف وذعر ولم يصدِّقْ ما قالوه له؛ ولذلك لم يفتح لهم باب السجن، فكسروه ودخلوا عليه يهنئونه، فظن أنهم يحتالون عليه للاطِّلاع على ضميره، فرفض قبَول الملك بقوله: إنه يفضل الوَحدةَ التي هو بها على مُلك الدنيا، ولَمَّا أن عجزوا عن إقناعه حضرت إليه والدته وأحضرت له جثة أخيه دليلًا على وفاتِه، وحين ذلك جلس على سرير السلطنة، ثم أمر بدفن جثة أخيه باحتفال وافر.
هو رفاعةُ رافع بن بدوي بن علي الطهطاوي، ولِدَ سنة 1216هـ - 1801م، بطهطا إحدى مدن محافظة سوهاج بصعيد مصر, وقصد القاهرةَ سنة 1223هـ - 1817م، فتعلم في الأزهر, وبعد تخرُّجه منه عام 1824م خدم كإمام في الجيشِ النظامي الجديد, ثم أرسلَته الحكومة المصرية سنة 1826م إمامًا للصلاة والوعظ مع بعثةٍ مِن الشبان أوفدتهم إلى فرنسا لتلقِّي العلوم الحديثة، فدرس الفرنسيَّةَ والجغرافية والتاريخ، وفُتِنَ بالحضارةِ الغربية، وانبهر بقوانين الفرنسيين وسلوكياتهم، فكان عاملًا من عوامل التغريبِ بما حمله من أفكارٍ بعيدة عن تعاليم الإسلامِ!! وقد عاش في باريس خمس سنوات من سنة 1826 إلى سنة 1831م، وهناك تعرَّف على طائفة من المستشرقين من أمثال جوبير Jaubert وجومار Jomard وسلفستر دي ساسي، وكوسان دي يرسيفال. وقد نشر وصف ما رأى وعَلِم من باريس في كتابه "تخليص الأبريز في تلخيص باريز"، ولَمَّا عاد إلى مصر ولِّيَ رئاسة الترجمة في المدرسة الطبية، وأنشأ جريدةَ (الوقائع المصرية) وألَّف وترجم عن الفرنسية كتبًا كثيرة، منها (قلائد المفاخر في غرائب عادات الأوائل والأواخر)، وأصله لدبنج Depping، و(المعادن النافعة لفيرارد Ferard، ومبادئ الهندسة، وأنوار توفيق الجليل في تاريخ مصر، وتعريب القانون المدني الفرنساوي، وتاريخ قدماء المصريين، وبداية القدماء وجغرافية ملطبرون Malte - Brun، وجغرافية بلاد الشام رسالة في 53 ورقة، والتعريفات الشافية لمريد الجغرافية، ونجح في إقناع محمد علي بإنشاء مدرسة للمترجمين سُمِّيَت مدرسة الترجمة ثم عُرِفَت فيما بعد بمدرسة الألسُن، ويعتبر الطهطاوي أوَّلَ من أنشأ متحفًا للآثار في تاريخ مصر، وتوفِّيَ بالقاهرةِ.
بعد أن أقدم اليهودُ على إحراقِ المسجِدِ الأقصى، واستاء العالمُ الإسلامي جميعًا من هذا الفعلِ المُجرِم، بادر الملِكُ الحسن الثاني مَلِكُ المغرب بتوجيهِ دعوةٍ إلى رؤساء العالم الإسلامي للاجتماعِ في الرِّباطِ عاصمةِ المغرب؛ للاتفاقِ على خِطَّةِ عَمَلٍ إسلامية موحَّدة تهدف إلى الدِّفاعِ عن القدس الشريف، وحمايةِ البِقاع المقَدَّسة ومعالمه الحضارية؛ فعُقِدَ بالفعلِ أوَّلُ مؤتمر قمة إسلامي في الرباط في الفترة من 9 إلى 12 رجب سنة 1389هـ / 22 إلى 15 أيلول، دُعِيَ إليه 35 بلدًا إسلاميًّا, بَيْدَ أن 25 بلدًا فقط أرسلت وفودَها, علمًا بأنَّ عشرة بلدان فحسب مثَّلت برؤساءِ دُوَلِها، وحضرته منظمةُ التحرير الفلسطينية بصفةِ مراقب، وأعلن المؤتمَرُ في ختامه إدانةَ العملِ الإجرامي، والمطالبةَ بانسحاب إسرائيل من جميع الأراضي العربية التي احتلَّتْها إسرائيلُ في حرب 1967م، وتأكيدَ عودةِ القدس إلى وَضعِها السَّابقِ قبل حرب حزيران 1967م، وتأكيدَ تضامُنِ الدول الإسلامية مع الدول العربية في صراعِها مع العدُوِّ الإسرائيلي، ومساندةَ المؤتمر وتأييدَه الكامل للشعب الفلسطيني؛ من أجلِ استعادة حقوقِه المغتَصَبة، وتحرير أرضه من براثنِ الصهيونية. وقرَّر المؤتمِرون ضرورةَ عقد اجتماعٍ لوزراء خارجية الدُّوَل المشاركة بجدة في شهر مارس 1970م؛ وذلك لبحثِ نتائج العَمَل المشترك الذي قامت به الدُّوَل المشاركة على الصعيد الدولي في موضوعِ القرارات الواردةِ في إعلان مؤتمر القِمَّة الإسلامي بالرباط، وإقامة أمانة دائمة يكونُ من جملة واجباتها الاتصالُ مع الحكومات الممثلة في المؤتمر والتنسيق بين أعمالها، وبعد حرب 1973 أخذ يتزايدُ في المؤتمرات الإسلامية الاهتمامُ بقضايا التعاوُن الاقتصادي والإجراءات المشتركة ضِدَّ أعمال إسرائيل التوسُّعية العدوانية, ودعْم حقوقِ الشعب العربي الفلسطيني.
لمَّا أَرادَ الوَليدُ بن عبدِ المَلِك أن يَنْزِع أَخاهُ سُليمان مِن وِلايَة العَهْد ويَجعَل بَدَلَه ابنَه عبدَ العَزيز، أَجابَه إلى ذلك الحَجَّاجُ وقُتيبةُ على ما تَقَدَّم، فلمَّا مات الوَليدُ ووَلِيَ سُليمانُ خافَهُ قُتيبةُ، وخاف أن يُوَلِّي سُليمانُ يَزيدَ بن المُهَلَّب خُراسان، فكَتَب قُتيبةُ إلى سُليمانَ كِتابًا يُهَنِّئُه بالخِلافَة، ويَذكُر بَلاءَهُ وطاعَتَه لِعبدِ الملك والوَليدِ، وأنَّه له على مِثلِ ذلك إن لم يَعْزِله عن خُراسان، وكَتَب إليه كِتابًا آخَر يُعلِمه فيه فُتوحَه ونِكايَتَه، وعِظَمَ قَدْرِهِ عند مُلوكِ العَجَم وهَيْبَتَه في صُدورِهِم، وعِظَمَ صَوْلَتِه فيهم، ويَذُمُّ أَهلَ المُهَلَّب ويَحلِف بالله لَئِن اسْتَعمَل يَزيدَ على خُراسان لَيَخْلَعَنَّه. وكَتَب كِتابًا ثالِثًا فيه خَلْعُه، ثمَّ أَعلَن قُتيبةُ خَلْعَ سُليمان، ثمَّ صار بينه وبين قُوَّادِ جُيوشِه خِلافٌ، فقام وَكيعُ بن حَسَّان التَّميمي بِقَتْلِه وقَتَلَ معه أَحَدَ عشر مِن أَهلِ بَيتِه.