المَوْلويُّ جلالُ الدينِ حقَّاني ولدَ عامَ 1939م، وهو قائدٌ سياسيٌّ وجِهاديٌّ سُنِّيٌّ، معروفٌ بقيادةِ قتالٍ واسعٍ ضدَّ العدوانِ السوفييتيِّ على أفغانستانَ في ثمانينيَّاتِ القرنِ العشرين الميلاديِّ، وقد كان قبلَ موتِه من قادةِ حركةِ طالبان الأفغانيةِ، وسبَقَ أنْ عيَّنَته الحركةُ وزيرًا للشؤونِ القَبَليَّةِ في حكومةِ إمارةِ أفغانستانَ الإسلاميةِ. ولقد دُعِي من طرَفِ حامد كرزاي لتولِّي منصبِ رئيسِ وزراءِ جمهوريةِ أفغانستانَ الإسلاميةِ. يُتقِن حقاني اللغةَ الفارسيةَ والعربيةَ والأردو ولغتَه الأمَّ الپاشتو.
هو الأميرُ الكبير فارس الدين التركي، أقطاي بن عبد الله الجمدار- حامل ملابس السلطان- الصالحي، النَّجمي، من كبار مماليك المَلِك الصالح نجم الدين أيوب. كان شجاعًا جَوادًا كريمًا مهابًا، وهابًا. ذكر شمس الدين الجزري في " تاريخه ": "أنه كان مملوكًا للزكي إبراهيم الجزري المعروف بالجبيلي، اشتراه بدمشق ورباه، ثم باعه بألف دينار، فلما صار أميرًا وأقطعوه الإسكندرية طَلَبَ من الملك الناصر إطلاقَ أستاذه المذكور، وكان محبوسًا بحمص، فأطلقه وأرسَلَه إليه، فبالغ في إكرامِه، وخلع عليه، وبعثَه إلى الإسكندرية، وأعطاه ألفي دينار. قلت(الذهبي): وكان طائشًا عاملًا على السلطنة، وانضاف إليه البحرية كالرشيدي وركن الدين بيبرس البندقداري الذي صار سلطانًا, وسار مرَّتين إلى الصعيد فظلم وعسَفَ وقتَلَ وتجَبَّرَ، وكان يركَبُ في دست يضاهي دست السَّلطنة ولا يلتفت على المَلِك المعز أيبك ولا يعده، بل يدخل إلى الخزائنِ ويأخُذُ ما أراد. ثمَّ إنه تزوج بابنة صاحب حماة، وبُعِثَت العروس في تجمُّل زائد، فطَلَب فارسُ الدين أقطاي القلعةَ من الملك المعز ليسكُنَ فيها وصَمَّم على ذلك، فقالت أم خليل شجرة الدر لزوجها المعِزِّ: هذا ما يجيءُ منه خير. فتعاملا على قَتلِه". فلما استفحل أمرُ الأمير الفارس أقطاي الجمدار وانحازت إليه البحريَّة، بحيث إذا ركب أقطاي من دارِه إلى القلعة شَغَل بين يديه جماعةً بأمره، ولا يُنكر هو ذلك منهم فكانوا يأخذون أموالَ الناس ونساءَهم وأولادَهم بأيديهم، فلا يقدِرُ أحدٌ على منعهم، وكانوا يدخُلونَ الحَمَّامات ويأخذون النِّساءَ منها غصبًا، وكَثُرَ ضَرَرُهم كثيرا، هذا والمعِزُّ يحَصِّل الأموال، وقد ثَقُل عليه أقطاي، فواعد طائفةً مِن مماليكه على قَتلِه، وبعث المعِزُّ إليه وقت القائلةِ مِن يوم الأربعاء ثالث شعبان، ليحضُرَ إليه بقلعة الجبل في مشورةٍ يأخذ رأيَه فيها، فركب أقطاي على غيرِ أُهبة ولا اكتراث، فعندما دخل من باب القلعة، وصار في القاعة أُغلِقَ باب القلعة، ومُنِعَ مماليكُه من العبور معه، فخرج عليه جماعةٌ بالدهليز قد أعدوا لقَتلِه وهم قطز وبهادر وسنجر الغنمي، فهبروه بالسُّيوفِ حتى مات، فوقع الصريخُ في القلعة والقاهرة بقَتلِه، فركب في الحالِ مِن أصحابه نحوُ السبعمائة فارس ووقفوا تحت القلعةِ، وفي ظنهم أنَّه لم يُقتَل وإنما قُبِضَ عليه، وأنهم يأخذونَه من المعِزِّ، وكان أعيانُهم بيبرس البندقداري، وقلاوون الألفي، وسنقر الأشقر، وبيسرى، وسكز، وبرامق، فلم يشعروا إلا ورأسُ أقطاي قد رمى به المعزُّ إليهم، فسُقِطَ في أيديهم وتفَرَّقوا بأجمعهم، وخرجوا في الليلِ مِن القاهرة وحَرَقوا باب القراطين، فعرف بعد ذلك بالباب المحروقِ، فمنهم من قصد المَلِكَ المغيث بالكرك، ومنهم من سار إلى الملك الناصِر بدمشق، ومنهم من أقام ببلاد الغورِ والبلقاء والكرك والشوبك والقدس، يقطَعُ الطريق ويأكل بقائِمِ سَيفِه. وهو غيرُ الأمير فارس الدين أقطاي المستعرب نائب السلطنة بالشام.
خرج فرديناند ملك قشتالة بحملته وعُدَّته، وقصد نحو حصن موجر فحاصره وقاتله قتالًا شديدًا، فاستولى عليه، ثم استولى على الحصون القريبة منه, ثم قصد مدينة بسطة أهم مدن الأمير أبي عبد الله الزغل في شرق غرناطة فنزل قريبًا منها فوجد بلدًا مقيمًا بالخيل والرجال والعدة والطعام، فكلما قرب من البلد وأراد قتال المسلمين رجع خاسرًا وقُتل منه خلق كثير ولم يقدر أن يمنع داخِلَها وخارجها كما فعل بغيرها من المدن، وكان يدخلها كل من جاءها من نجدة الفرسان والرجال فبقي محاذيًا لها شهر رجب وشعبان ورمضان والمسلمون قائمون ببلدهم غالبون لعدوهم، فكلما أراد الدنو من البلد قمعوه وردوه على عقبه خائبًا خاسرًا، ولم يقدر على نَصبِ نفط ولا عدة من آلة الحرب، فلما كان شهر شوال شدَّد عليهم الحصار وعمل على البلد سورًا من خشب وحفيرًا عظيما وجعل على ذلك الرجال والحرس؛ لئلا يدخل داخل من أنجاد الرجال إليهم الذين يأتون لنصرتِهم وإعانتهم على عدوهم، ولا من يجلب لهم الطعام، فلم يعبأ المسلمون بما صنع، بل كانوا يخرجون من النقب ويهبطون من على الأسوار ويقتلون العدو في حملتهم وفي كل مسلك يسلكونه، حتى قتلوا منهم خلقًا كثيرًا، وكان المسلمون الواردون عليهم لنصرتِهم يحملون معهم ما يحتاجون إليه من الطعام، فبقوا على هذه الحالة شهر شوال وذا القعدة وذا الحجة وفي آخر ذي الحجة تفقَّد أعيان البلد ما بقي في بلدهم من الطعام وذلك في خُفيةٍ من العامة فلم يجدوا إلَّا ما يقام به أيامًا قلائل فبعثوا لفرديناند وطلبوا منه الأمان على شروط اشترطوها فوجدوه راغبًا في ذلك فجعلوا بينهم هدنة والكلام يتردَّدُ بينهم في خفية من العامة فأجابهم بجميع ما طلبوه منه، فلما كان يوم الجمعة عاشر محرم سنة 895 أدخل قواد البلاد جمعًا من النصارى للقصبة على حين غفلة من العامة، فملكوا القصبة وقهروا من كان بالبلد من العامة وغيرهم، وسُقِطَ في أيديهم، ثم إنهم سرحوا من كان عندهم من أنجاد الرجال والفرسان الذين كانوا عندهم يعينونهم على نصرة عدوهم، فخرجوا مؤمَّنين بخيلهم وأسلحتهم وأمتعتهم كما شرط عليه قواد البلد، فساروا إلى مدينة وادي آش وأخلوا البلد للنصارى وخرجوا إلى الأرباض بما معهم من أموالهم وأمتعتهم مؤمَّنين، ولم يتركوا شيئًا إلا سقف المدينة خاصة، ثم إن فرديناند جعل في البلد قائدًا من قواده حاكمًا ورتَّبه وأشحنه بما يحتاج إليه من أطعمة وزاد وآلة حرب، وارتحل من مدينة بسطة يريد المرية، فلم يمر على حصن ولا على قرية إلا ودخل أهلها في ذمته وتحت طاعته من غير حصار ولا قتال, وكان الزغل قد عقد معاهدة سرية مع فرديناند نصَّ فيها على أن يستقر الزغل أميرًا في مدينة أندرش، وجنوده، ويكونون تابعين لملك قشتالة، وله أن يحضر أبناءه من غرناطة، وترجع له جميع أملاكه، لكنه لم يطق حياة الذل مدة طويلة، فتنازل عن جميع حقوقه، وجاز البحر إلى وهران، ثم إلى تلمسان حيث استقرَّ بها وعددٌ من قواده.
بينما أيبك البدريُّ في أمْرِه ونَهْيِه بمصرَ، ورد عليه الخبَرُ بعصيان نوَّاب الشامِ، ففي الحال علَّق أيبك جاليش السفر في التاسع عشر من ربيع الأوَّل ورسم للعساكر بالتجهيز إلى سفر الشام وأسرع بالنفقةِ على العساكر وتجهَّزَ في أسرع وقت وخرج الجاليش من القاهرة إلى
الريدانية في السادس والعشرين من ربيع الأول، وهم خمسةٌ من أمراء الألوف ومائةُ مملوك من المماليك السلطانية، ومائةُ مملوك من مماليك الأتابك أيبك، وفي التاسِعِ والعشرين من ربيع الأول خرج طلَبُ السلطان الملك المنصور، ثم استقَلُّوا بالمسير قاصدينَ البلاد الشامية، وساروا حتى وصلوا بلبيس، ثم رجعوا على أعقابِهم بالعساكر إلى جهة الديار المصرية، وخبَرُ ذلك أن قطلوخجا أخا أيبك مُقَدَّم الجاليش بلغه أنَّ الجماعة الذين معه مخامِرون، وأنهم أرادوا أن يكبِسوا عليه، فاستقَصَّ الخبَرَ حتى تحققه، فرَكِبَ مِن وقته وساعته وهرب في الحال، وهو في ثلاثةِ أنفس، عائدًا إلى أخيه أيبك فاجتمع به وعَرَّفه الخبر، ففي الحال أخذ أيبك السلطانَ ورجع به إلى نحو القاهرة حتى وصلها في يوم الاثنين ثالث شهر ربيع الآخر، وطلع به إلى قلعةِ الجبل، وأنزل الأتابك أيبك السلطانَ المَلِكَ المنصور إلى الإسطبل السلطاني، وجاءه بعض أمراء من أصحابه، ثم أخذ أيبك في إصلاحِ أمْرِه، وبينما هو في فلك بلَغَه أنَّ الأمير قطلقتمر العلائي الطويل والأمير ألطنبغا السلطاني، وكانا رجَعا معه من بلبيس، ركبا بجماعَتِهما في نصف الليل، ومعهما عِدَّة من الأمراء وسائر المماليك السلطانية، وخرج الجميعُ إلى قبة النصر موافَقةً لِمن كان من الأمراءِ بالجاليش، فجهز أيبك الأمير قطلوخجا في مائتي مملوك لقتال هؤلاء، فخرج بهم قطلوخجا إلى قبة النصر، فتلقَّاه القوم وحملوا عليه، فانكسر ومُسِكَ، فلما بلغ أيبكَ ذلك، جهَّز الأمراء الذين كانوا بقلعة الجبل، وأرسلهم إلى قُبَّةِ النصر، هذا وقد ضعف أمر أيبك وخارت قواه؛ فإنه بلغه أنَّ جميع العساكر اتَّفَقَت على مخالفته، حتى إنَّه لم يعلم من هو القائِمُ بهذا الأمر لكثرةِ من خرج عليه، فلما رأى أمرَه في إدبار، ركب فَرَسَه ونزل من الإسطبل السلطاني من غير قتال، وهرب إلى ناحيةِ كيمان مصر، ولما استولت الأمراءُ على القلعة ألزموا واليَ القاهرة ومصر بإحضاره، فنُودِيَ عليه بالقاهرة ومصر، وهدِّدَ من أخفاه بأنواعِ النَّكال، فخاف كلُّ أحد على نفسه من تقريبه، فلم يجِدْ أيبك بدًّا من طلب الأمان من الأميرِ يلبغا الناصري فأمَّنَه بعد مدة، فطلع أيبك إليه، فحالَ وقَعَ بَصَرُ القوم عليه قبضوه، وأرسلوه مقَيَّدًا إلى سجن الإسكندرية، وكان ذلك آخِرَ العهد به، أما الأمراءُ فإنهم لما بلَغَهم هروب أيبك من قلعة الجبل رَكِبَ الجميع من قبة النصر وطلعوا إلى الإسطبلِ السلطاني من القلعة، وصار المتحدث فيهم قطلقتمر العلائي الطويل، وضرب رنكه على إسطبل شيخون بالرميلة تجاه باب السلسلة، وأقام ذلك اليومَ مُتحَدِّثًا، فأشار عليه مَن عنده من أصحابه أن يسلطنَ سلطانًا كبيرًا يرجِعُ الناس إلى أمْرِه ونهيه، فلم يفعَلْه وقال: حتى يأتيَ إخوانُنا- يعني الأمراء الذين كانوا بالجاليش مع قطلوبغا- ثم حضرت الأمراءُ الذين كانوا بالجاليش إلى الإسطبل السلطاني، وهم جمعٌ كبير ممن أنشأه أيبك وغيرُهم، وتكَلَّموا فيمن يكون إليه تدبيرُ الملك، واشتوروا في ذلك، فاختلفوا في الكلام، وظهر للقادمينَ الغَدرُ مِمَّن كان بالإسطبل السلطاني، فقبضوا على جماعة منهم وقَيَّدوا الجميع، وأُرسلوا إلى الإسكندرية صحبة جمال الدين عبد الله بن بكتمر الحاجب، واتفقوا على أن يكون المتكَلِّم في المملكة الأمير يلبغا الناصري، فصار هو المتحَدِّثَ في أحوال الملك، وسكن الإسطبلُ السلطاني، وأُرسِلَ بإحضار الأمير طشتمر العلائي الدوادار نائب الشام، ثمَّ في يوم الأحد تاسع شهر ربيع الآخر، لما تزايد الفَحصُ على أيبك حضر أيبك بنفسه إلى عند الأمير بلاط، فطلع به بلاط إلى يلبغا الناصري بعد أن أخذ له منه الأمانَ حَسَب ما تقدَّمَ ذِكرُه، ولم تطُلْ أيام يلبغا الناصري في التحدث، وظهر منه لِينُ جَنب، فاتفق برقوق وبركة- وهما حينذاك من أمراء الطبلخانات، لهما فيها دون الشهرين - مع جماعةٍ أُخَرَ وركبوا في سادس عشر شهر ربيع الآخر، وركبت معهم خشداشيتهم- زملاء المهنة- من المماليك اليلبغاوية، ومسكوا دمرداش اليوسفي، وتمرباي الحسني، وآقبغا آص الشيخوني، وقطلوبغا الشعباني، ودمرداش التمان تمري المعلم، وأسندمر العثماني، وأسنبغا تلكي، وقُيِّدوا وأرسلوا إلى سجن الإسكندرية فسُجِنوا بها، فصار برقوق العثماني هو متولي السَّلطنةِ، فسكن القصر وكان هذا بدايةَ التمَكُّن للماليك الشَّراكِسةِ.
هو محمد علي جناح أول حكام باكستان المستقِلَّة في 8 ذي القعدة (11 أيلول 1948م)، لقَّبه مواطنوه بلقب "قائد أعظم" وهو مؤسس دولة باكستان. ولد في 27 ديسمبر سنة 1876، وكان أبوه تاجرًا متوسط الثراء، وعضوًا في أسرة من الخوجات تعيش في كراتشي. وتلقى محمد تعليمَه الأول في بومباي، ثم في مدرسة الإسلام السندية، وفي المدرسة العليا لجماعة المبعوثين المبشرين في كراتشي. ولَمَّا حصل على إجازة القبول في الجامعة بُعِث إلى إنجلترا سنة 1892 حيث نال شهادة القانون سنة 1896 من كلية لنكولن. وعاش في لندن في الأيام الأخيرة للأحرارِ على مذهب غلادستون، وأظهر في هذه الأثناء اهتمامًا شديدًا بالحياة العامة، وفي هذه المرحلة أيضًا اتخذ سمة الإنجليز في الظاهر -وقد جرى حتى السنة الأخيرة من حياته على لُبس اللباس الإنجليزي الخالص، وكان يُلقي جميع أحاديثه الهامة بالإنجليزية حتى الكلمة التي ألقاها في الإذاعة بمناسبة قبول خطة التقسيم، ثم ترجمها آخرون إلى الأوردية -حتى أصبح "مستر جناح" الذي عاد إلى الهند سنة 1896م، وبدأ في السنة التالية يمارس مهنة المحاماة في بومباي. ولم يلبث بعد عدة سنوات عجاف أن أصبح من أئمة رجال المحاماة في بومباي. وكانت استجابة الجماهير لجديته واستقامته، وليس لحرارة كلماته. وكانت أوَّلُ مشاركة لجناح في السياسة الهندية هي عضويتَه للمؤتمر الوطني الهندي، وقد حضر دورة انعقاد سنة 1906 بوصفه كاتِبَ سر خاص لنوروجي الذي كان في حينها رئيسًا للمؤتمر الوطني. وبعد ذلك بثلاث سنوات -أي في يناير سنة 1910- اتخذ مقعده عضوًا في أول مجلس تشريعي ليمثِّلَ مُسلِمي بومباي، وكان أول عضو غير رسمي يحقِّقُ سَنَّ قانون تشريعي، وكان في هذه الحالة قانونًا يصَحِّحُ وضع الأوقاف الإسلامية. وفي سنة 1913 انضم جناح إلى الرابطة الإسلامية، وهو باق شخصية مؤثرة في المؤتمر الإسلامي, وفي سنة 1919 استقال من المجلس التشريعي؛ احتجاجًا على توسيع سلطة الشرطة في القمع. وكان جناح قد تزوَّج للمرة الأولى وهو بَعدُ طفل قَبلَ رحيله إلى إنجلترا سنة 1892، ولكن زوجته توفيت وهو في خارج البلاد، وكان زواجُه الثاني من ابنة سَريٍّ من سراة اليارسيين سنة 1918. ولم يكن زواجًا موفَّقًا، فانفصل الطرفان فكانت أخته فاطمة ترعى شؤونه المنزلية معظم حياته. ولعب جناح دورًا في الحياة الهندية العامة ما بين سنتي 1920 و 1931. وقد انتُخِبَ في جمعية مركزية، وكان مندوبًا في المؤتمرين الأولين للمائدة المستديرة (سنة 1930 - 1931). وفي هذه المرحلة بدأ يعمل في المجلس الخاص للمحامين، وأقام دارًا في لندن، وأصبح لا يزور الهندَ إلا زيارات متقطعة. وكانت عودتُه الأخيرة سنة 1935 بعد تنفيذ الأحكام الدستورية الجديدة، وقد نظَّم وقاد حركة باكستان، وأصبح أول حاكم عام للدولة الجديدة. فإن الرابطة في انتخابات سنة 1946 قد كسبت جميع مقاعد المسلمين تقريبًا، ولم يستطع أحد إنكار موقف جناح من حيث هو المتحَدِّث باسم الأغلبية الساحقة. وقد اشترك جناح اشتراكًا فعَّالًا في المفاوضات التي أدت إلى قيام مشروع التقسيم، وكان لا يكُفُّ عن الإلحاح بأن المسلمين يجِبُ أن يُسمَحَ لهم بأن يختاروا لأنفُسِهم دولة مستقلة. وفي يونيه سنة 1947 تحقق غرضه وقامت دولة باكستان في منتصف ليلة 14 - 15 أغسطس سنة 1947. وتولى هو منصِبَ الحاكِم العام لها ورئيس الجمعية التأسيسية. وقد وجه جناح جهوده الأولى نحو إنهاء سَفكِ الدم والحقد الجماعي. وما وافى هذا الوقت حتى كان جناح قد بلغ السبعين من عمره، وكانت صحَّتُه تبدو عليها أمارات الانهيار. ومع ذلك فقد رأسَ إقامة الجهاز الحكومي وكان مسيطرًا سيطرة فعالة على تدبير الأمور. وفي خلال سنة 1948 ازدادت صحتُه وَهْنًا على وَهنٍ، وأدركته المنية في 11 سبتمبر. وكان جناح رجلا غيَّرَ مجرى التاريخ، صحيحٌ أنه كان ثمة شعور قومي إسلامي قبله، لكنه أسبغ عليه الثقة بالنفس، وكان جناح رجلًا نزيهًا لا يحيد، وربما كان من العسير على المرء أن يحِبَّه غيرَ أنه يحمل المرءَ على الإعجاب به. كان وطنيًّا مُسلِمًا، وإن لم يكن في أعماقه رجلَ دين. وعنده أنَّ التراث الإسلامي حضارة وثقافة وكيان قومي. ثم هو قد أسس دولة ثابتة الأركان، قيل إنه كان إسماعيليًّا، وفي قول آخر أنَّه كان شيعيًّا، وبغَضِّ النظر عن انتمائه الطائفي فإنه لم يظهر أي أثر للطائفية في عَمَلِه في باكستان، بل قيل إنه أوصى أحد علماء السنة أن يصلِّيَ عليه بعد موته، وبعد وفاة جناح تم تعيينُ الخواجا نظام الدين الذي كان رئيسًا لحكومة البنغال قبل استقلال باكستان.
بدَأ المُختارُ بن أبي عُبيدٍ الثَّقفيُّ بالدَّعوَةِ لابنِ الحَنَفيَّة ظاهرًا؛ ولكنَّه تَبَيَّنَ أنَّه يدعو لِنَفسِه، فقد كَوَّنَ حوله جيشًا قاتَل فيه عُبيدَ الله بن زيادٍ، وكان المُختارُ يُصانِع ابنَ الزُّبير حينًا لِيَتَقَوَّى به على جُيوشِ عبدِ الملك بن مَرْوان، وحصلت مَعركةٌ بين جَيشِه وجَيشِ الشَّام عند نَهْرِ الحازر، قُتِلَ فيها ابنُ زيادٍ، والحُصينُ بن نُميرٍ، وشُرَحْبيل بن زيادٍ، ثمَّ حصل اقْتِتال بين المُختارِ وبين مُصعَبِ بن الزُّبير، والْتَقى الطَرَفان وهُزِمَ المُختارُ وتَراجَع إلى الكوفَةِ، وقُتِلَ فيها وانْتَهت فِتْنَتُه بذلك.
أفسد الأكرادُ والعرَبُ بأرض المَوصِل وطريقِ خُراسان، وكان عبدُ الله بن حَمدان يتولَّى الجميعَ وهو ببغداد، وابنُه ناصر الدولة بالموصِل، فكتب إليه أبوه يأمُرُه بجمع الرجال، والانحدارِ إلى تكريت، ففعل وسارَ إليها، فوصل إليها في رمضانَ، واجتمعَ بأبيه، وأحضر العَرَب، وطالبهم بما أحدثوا في عمَلِه بعد أن قتَلَ منهم، ونكَّلَ ببعضهم، فردُّوا على الناس شيئًا كثيرًا، ورحل بهم إلى شَهرزور، فوطئَ الأكراد الجلالية فقاتلهم، وانضاف إليهم غيرُهم، فاشتدَّت شَوكتُهم، ثمَّ إنَّهم انقادوا إليه لَمَّا رأوا قوَّته، وكفُّوا عن الفساد والشرِّ.
طرد الخليفةُ الرَّجَّالةَ وهم المُشاة من الجيش الذين كانوا بدارِ الخلافةِ عن بغداد، وذلك أنَّه لَمَّا رَدَّ المُقتَدِر إلى الخلافة شَرَعوا ينفسونَ بكلامٍ كثيرٍ عليه، ويقولون: من أعان ظالِمًا سَلَّطَه اللهُ عليه، ومن أصعد الحِمارَ على السَّطحِ يقدِرُ أن يُطيحَه، فأمر بإخراجِهم ونفيِهم عن بغداد، ومن أقام منهم عُوقِبَ، فأُحرِقَت دورٌ كثيرةٌ مِن قراباتِهم، واحتَرَق بعضُ نسائهم وأولادهم، فخرجوا منها في غايةِ الإهانةِ، فنزلوا واسِطَ وتغَلَّبوا عليها وأخرجوا عامِلَها منها، فرَكِبَ إليهم مؤنِسٌ الخادِمُ فأوقع بهم بأسًا شديدًا، وقتل منهم خلقًا كثيرًا، فلم يَقُم لهم بعد ذلك قائمةٌ.
قام أهلُ صور بالثَّورةِ على الحاكِمِ الفاطميِّ لَمَّا لَحِقَهم مِن جُندِه المغاربة البَربرِ الظُّلمُ والجَورُ، وأخذ الحريم من الحَمَّامات والطُّرُق, فقام أهلُ صور عليهم, بعد أن استنجَدوا بالإمبراطورِ البيزنطيِّ باسيل الثاني، فأمَدَّهم بأسطول. فقتلوا المغاربةَ البَربرَ، فأرسل جيشُ ابنِ الصمصامة جيشًا مِن مصر بقيادةِ أبي عبد الله الحسن بن ناصر ومعه ياقوت الخادِمُ, كما أرسل الحاكِمُ أسطولًا إلى طرابلسَ، فحاصر الجيشُ مدينةَ صور واشتبَكَ أسطولُ الحاكِمُ بالأسطولِ البِيزنطيِّ في معركةٍ عنيفةٍ كانت نتيجتُها هزيمةَ البيزنطيِّينِ والقضاءَ على ثورةِ أهلِ صورٍ.
استتابَ القادِرُ باللهِ الخَليفةُ فُقَهاءَ المُعتَزِلةِ، فأظهروا الرُّجوعَ وتبَرَّؤوا من الاعتزالِ والرَّفضِ والمقالاتِ المُخالِفةِ للإسلام، وأُخِذَت خطوطُهم بذلك، وأنَّهم متى خالفوا أحلَّ فيهم مِن النَّكالِ والعُقوبةِ ما يَتَّعِظُ به أمثالُهم. قال ابن كثير: "وامتَثَل محمودُ بنُ سبكتكين أمْرَ أميرِ المؤمنينَ في ذلك، واستَنَّ بسُنَّتِه في أعمالِه التي استخلَفَه عليها مِن بلادِ خُراسان وغيرها، في قَتلِ المُعتَزِلةِ والرَّافِضةِ، والإسماعيليَّةِ والقرامِطة، والجَهميَّة والمُشَبِّهة، وصَلَبَهم وحبَسَهم ونفاهم، وأمَرَ بلَعْنِهم على المنابِرِ، وأبعَدَ جَميعَ طوائِفِ أهلِ البِدَعِ، ونفاهم عن ديارِهم، وصار ذلك سُنَّةً في الإسلامِ"
كان الطَّاعونُ ببِلادِ الهِندِ والعَجَمِ، وعَظُمَ إلى الغاية، وكان أكثَرُه بغُزنة وخراسان وجرجان والريِّ وأصبهان ونواحي الجَبَل إلى حلوان، وامتَدَّ إلى المَوصِل والجزيرة وبغداد، ثمَّ امتَدَّ إلى شيراز، وتَبِعَه غلاءٌ شديد، واستسقى النَّاسُ فلم يُسْقَوا، وكان عامًّا في جميعِ البلادِ، وكَثُرَ المَوتُ، فدُفِنَ في أصبهانَ في عِدَّةِ أيَّامٍ أربعونَ ألفَ مَيِّتٍ، وكَثُرَ الجُدريُّ في النَّاسِ فأُحصي بالموصِلِ أنَّه مات به أربعةُ آلاف صبي، ولم تخْلُ دارٌ مِن مصيبةٍ لعُمومِ المصائِبِ وكثرةِ الموت، وممَّن أُصيبَ بالجُدريِّ الخليفةُ القائِمُ بأمرِ اللهِ ثمَّ سَلِمَ.
انتَظَمَت جَميعُ بلادِ المُسلِمين في الأندلسِ تحت مُلْكِ يوسفَ بنِ تاشفين، وانقَرضَ عَهدُ مُلوكِ الطَّوائفِ منها أَجمَع كأنْ لم يكُن، واستَولَى على العَدوَتَينِ، وتَسَمَّى بأَميرِ المسلمين، وخاطَبَ المُستَنصِر العبَّاسيَّ الخَليفةَ لِعَهْدِه ببغداد، وبَعثَ إليه عبدَ الله بنَ محمدِ بنِ العَربِ على يَدِ المعافري الإشبيلي ووَلَدَه القاضي أبا بكرٍ، فتَلَطَّفا في القَولِ وأَحسَنا في الإبلاغِ، وطَلَبا من الخَليفةِ أن يَعقِدَ له على المَغربِ والأندَلسِ، فعَقَدَ له وتَضَمَّن ذلك مَكتوبُ الخَليفةِ بذلك مَنقولًا في أَيدِي الناس، وانقَلَبا إليه بتَقليدِ الخَليفةِ وعَهْدِه على ما إلى نَظَرِه مِن الأَقطارِ والأَقاليم.
تكامَلَ استيلاءُ التتر على إقليم أرمينية وخلاط وسائر ما كان بيد الخوارزمي، فوصلوا إلى شهزور فاهتَمَّ الخليفة المستنصر بالله غايةَ الاهتمام، وسيَّرَ عِدَّة رسل يستنجد الأشرفَ مِن مصر، ويستنجد العربان وغيرهم، وأخرج الخليفةُ الأموال، فوقع الاستخدام في جميع البلاد لحركة التتر، فندب الخليفةُ صاحب إربل مظفر الدين كوكبري بن زين الدين، وأضاف إليه عساكِرَ مِن عنده، فساروا نحوهم فهربت منهم التتار وأقاموا في مقابلتهم عدةَ شهور، ثم تمَرَّض مظفر الدين وعاد إلى بلده إربل، وتراجَعَت التتار إلى بلادِها.
فوض ملك التتار إلى علاء الدين صاحب الديوان ببغداد النظرَ في تستُرَ وأعمالِها، فسار إليها ليتصَفَّحَ أحوالها فوجد بها شابًّا من أولاد التجَّار يقال له "لي" قد قرأ القرآنَ وشَيئًا من الفقه والإشارات لابن سينا، ونظر في النجوم، ثمَّ ادعى أنه عيسى ابن مريم، وصَدَّقه على ذلك جماعةٌ من جهلة تلك الناحية، وقد أسقَطَ لهم من الفرائِضِ صلاةَ العصر وعِشاء الآخرة!! فاستحضره وسأله عن ذلك فرآه ذكيًّا، إنما يفعل ذلك عن قصدٍ، فأمر به فقُتِلَ بين يديه، جزاه الله خيرًا، وأمر العوامَّ فنهبوا أمتعَتَه وأمتعة العوامِّ ممَّن كان اتبعه.
بعد أن انتقل أورخان بن عثمان إلى بورصة وجعَلَها عاصمَتَه وضَرَبَ العملةَ الفضيَّة والذهبيَّة ثمَّ بدأ بتأسيسِ جيشِ يني تشري- يعني الجيش الجديد الذي عرف فيما بعد بالإنكشارية- الذي كانت نَواتُه أبناءَ الأَسرى والصِّغار الذين يَقَعون في الأسرِ فيُرَبَّونَ في ثُكناتِ عَسكريَّة تربيةً إسلاميَّةً ويُدَرَّبونَ تَدريبًا عسكريًّا ويتخَرَّجونَ لا يَعرِفونَ إلَّا القتالَ والحياةَ العَسكريَّة والإسلامَ والجِهادَ في سبيلِ الله، وليس الرَّوابط القَبَليَّة والعشائريَّة؛ إذ لا يعرفون إلا السُّلطانَ سَيِّدًا لهم وقائدًا، فكانوا بذلك أكبَرَ قُوَّة ساهمت في ضرب خُصومِ العُثمانيين ومَدَّت الفتوحاتِ في البلاد.