هو السُّلطانُ المَلِكُ المجاهد سيف الدين أبو يحيى علي ابن السلطان الملك المؤيد هزبر الدين داود ابن السلطان الملك المظفر يوسف ابن السلطان الملك المنصور عمر بن نور الدين علي بن رسول، التركماني الأصل، اليمني المولد والمنشأ والوفاة، صاحب اليمن. كان مولِدُ المجاهد سنة 701 بتعز، ونشأ بها وحَفِظَ التنبيه في الفقه وبحَثَه وتخَرَّج على المشايخ، منهم: الشيخ الإمام العلامة الصاغاني، وتأدب على الشيخ تاج الدين عبد الباقي، وغيرهما، وشارك في علوم، وكان جيِّدَ الفهم وله فَوقٌ في الأدب، وله نظْمٌ ونثر، وطالت مدَّةُ المجاهد في مملكة اليمن، وفعل الخيراتِ وله مآثِرُ: عَمَّر مدرسة عظيمة بتعز وزيادة أخرى وغير ذلك، وعمر مدرسة بمكة المشرفة بالمسجد الحرام بالجانب اليماني مُشرِفَة على الحرم الشريف، توفي بعدن في يوم السبت الخامس والعشرين من شهر جمادى الأولى من هذه السنة، وقيل سنة أربع وستين، وولِيَ بَعدَه ابنُه الملك الأفضل عباس.
هو الشيخُ الإمام العلَّامة المحقِّق المدقِّق نور الدين أبو الحسن بن عبد الهادي السندي، من فقهاء الأحناف المشهورين. ولِدَ ببته قرية من بلاد السند ونشأ بها ثم ارتحل إلى تستر، وأخذ بها عن جملة من الشيوخ، كالسيد محمد البرزنجي، والملا إبراهيم الكوراني، وغيرهما، ودرَّس بالحرم الشريف النبوي، واشتهر بالفضل والذكاء والصلاح. استوطن المدينةَ المنورة، برع في علم الحديث، وألَّف مؤلفات نافعة من الحواشي، منها: حاشية على كل من سنن أبي داود والنسائي وابن ماجه، وعلى مسند أحمد، وعلى صحيحي البخاري ومسلم، وعلى البيضاوي، وغيرها من المؤلفات التي سارت بها الركبان، وكان شيخًا جليلًا عالِمًا عاملًا ورعًا زاهدًا، ماهرًا محققًا بالحديث والتفسير والفقه والأصول والمعاني والمنطق والعربية، وغيرها، أخذ عنه جملةٍ من الشيوخ، منهم: الشيخ محمد حياة السندي وغيره. كانت وفاته بالمدينة المنورة ثاني عشري شوال، وكان لوفاته مشهد عظيم حضره جمٌّ غفير من الناس حتى النساء، وغُلِّقت الدكاكين، وحمل الولاة نعشَه إلى المسجد النبوي الشريف، وصلِّي عليه به، ودُفِن بالبقيع، وكُثَر البكاءُ والأسفُ عليه.
محمد صفوت نور الدين أحمد مرسي وُلد في عام 1363هـ، بقرية "الملايقة" إحدى قرى مركز "بلبيس"، محافظة الشرقية في مصر، عمِلَ بالتربية والتعليم حتى صار مديرًا عامًّا، وشغَلَ منذ الثمانينيَّات وظيفةَ "أمين عام الدعوة"، زمنَ رئاسة الشيخ "محمد علي عبد الرحيم"، وتولَّى رئاسةَ جماعة أنصار السُّنة المحمدية بعدَ وفاة الشيخ محمد علي عبد الرحيم في 22 شعبان 1412هـ؛ ليكونَ سادسَ رؤساء الجماعة، كانت له مساهماتٌ كبيرةٌ في الكتابة في مجلة التوحيدِ، وأسهم في تطويرها، والكتابة فيها، والفُتْيا على صفحاتها، وكان آخر مؤتمرٍ برئاستِه هو المؤتمرُ الذي عُقد بالمركز الدولي لدعاة التوحيد والسُّنة بمسجد "العزيز بالله"، وللشيخ عدة أبحاثٍ، كرسالة "موقف أهل الإيمان من صفات عباد الرحمن" وأُخرى بعنوان "التربية بين الأصالة والتجديد"، وكتاب "المسجد الأقصى ودعوة الرسل"، وغير ذلك، تُوفيَ في يوم الجمُعة 13 رجب 1423هـ بعد صلاة الجمُعة في المسجد الحرام بمكَّة، وصُلِّيَ عليه في المسجد الحرام بعد صلاة المغرب، ودُفنَ في مقابر مكَّة، رحمه اللهُ.
فتح العُثمانيون في هذه السنة مدينةَ أدرنة بعد أن حاصَروها، فسَلَّمَها القائِدُ الرومي بعد أن يَئِسَ من المقاومةِ، فنقل مراد الأوَّلُ عاصِمَتَه إليها لتكونَ على مقربة من أوروبا، وليكون الهجومُ على القُسطنطينية من جهة الغربِ، وكانت العاصمة قبل ذلك هي مدينة بورصة، وبَقِيَت هذه المدينة أدرنة عاصِمةً للعثمانيين حتى تمَّ فَتْح القسطنطينية عام 857هـ كما تمَّ الاستيلاءُ على مدُن أوروبية أخرى مثل فيلبه قاعدة بلاد الرومللي الشرقي جنوبي بلغاريا اليوم.
أمام هذا التحول المفاجئ من تدخُّل الإنجليز في وجهِ اتفاق العريش لجلاء الفرنسيين من مصر، لم يجد كليبر مفرًّا من وقف عملية الجلاء التي كان قد بدأها تنفيذًا لاتفاقية العريش، ثم أسرع في صبيحةِ اليوم بالزَّحفِ على رأس جيشِه لوقفِ تقدُّم العثمانيين الذين وصلت طلائعُهم إلى المطرية على مسافةِ ساعتين من القاهرة، فوقعت معركةُ عين شمس (هليوبوليس) التي امتدَّ ميدانُها من المطرية حتى جهات الصالحية، وهزم الفرنسيون فيها العثمانيين هزيمةً شَديدةً.
نزَلَ أفتكين التركي غلامُ مُعِزِّ الدولة- الذي كان قد خرج عن طاعتِه بسبَبِ الفِتنةِ التي جَرَت بين التُّرك والديلم وما بعدها، والتَفَّ عليه عساكِرُ وجُيوشٌ من الديلم والتركِ والأعرابِ- نزل في هذه السَّنةِ على دِمشقَ، وكان عليها مِن جِهةِ الفاطميِّينَ الطواشيُّ ريان الخادِمُ مِن جِهةِ المُعِزِّ الفاطميِّ، فلما نزل بظاهِرِها خرج إليه كُبَراءُ أهلِها وشيوخُها، فذكروا له ما هم فيه من الظُّلمِ والغشم ومخالفةِ الاعتقاد بسبَبِ الفاطميِّين، وسألوه أن يأخُذَها ليستنقِذَها منهم، فعند ذلك صَمَّم على أخذِها ولم يزَلْ حتى أخذها وأخرج منها ريانَ الخادِمَ، وكسَرَ أهلَ الشَّرِّ بها، ورفع أهلَ الخيرِ، ووضع في أهلِها العدلَ وقمَعَ أهلَ اللَّعِب واللَّهوِ، وكفَّ أيديَ الأعرابِ الذين كانوا قد عاثوا في الأرضِ فسادًا، وأخذوا عامَّةَ المَرجِ والغُوطة، ونهبوا أهلَها، ولَمَّا استقامت الأمورُ على يديه وصَلَحَ أمرُ أهل الشام، كتب إليه المعِزُّ الفاطميُّ يَشكُرُ سَعيَه ويَطلُبُه إليه ليخلَعَ عليه ويجعَلَه نائبًا من جِهتِه، فلم يُجِبْه إلى ذلك، بل قطع خُطبتَه من الشَّامِ، وخطَبَ للطائعِ العبَّاسي، ثم قصد صِيدا وبها خَلقٌ من المغاربةِ عليهم ابنُ الشيخ، وفيهم ظالِمُ بنُ موهب العقيلي الذي كان نائبًا على دمشق للمعزِّ الفاطميِّ، فأساء بهم السِّيرةَ، فحاصرهم ولم يَزَلْ حتى أخذ البلدَ منهم، ثم قصد طبريَّةَ ففعل بأهلِها مثلَ ذلك.
رأى القائِدُ الفرنسي نابليون بونابرت أنَّ السيطرةَ على فلسطين ضرورةٌ حيوية لحمايةِ وتأمين مصالحِ الإمبراطورية الفرنسية، فهي من جِهةٍ تأخُذُ لفرنسا نصيبَها من تركة الخلافةِ العثمانية التي كانت تُحتَضَر آنذاك، ومن جهةٍ أخرى تمكِّنُه من الفوز في السباقِ مع منافِستِه بريطانيا، كما تحَقِّقُ له حلمَه الكبيرَ في السيطرة على مصرَ التي كان يعتبِرُها أهمَّ بلد في العالم. وكان نابليون أولَ زعيم أوروبي يعرِضُ على اليهود إقامةَ وطنٍ لهم في فلسطين إذا ما ساعَدوه في حملتِه على مصرَ وفلسطين، بحيثُ تقام لهم دولة يهودية تكونُ تابعةً للنفوذ الفرنسي. ولقد وَجَّه نابليون إلى اليهود-ليُوظِّفَهم في مشروعِه الاستعماري- رسالةً يستَحِثُّهم فيها على الانضمام إليه، ويَعدُهم فيها ويمَنِّيهم. وقد اتَّضح أنَّ هذا البيانَ الذي ادُّعيَ أنَّه صادِرٌ عن قيادة نابليون في القُدسِ لم يكن أكثَرَ مِن زَهوٍ حربي؛ لأن نابليون لم يقترب بفرقتِه قَطُّ من القدس، بل تقهقرت من فلسطينَ إلى مصر بحرًا بعد هزيمتِه في عكَّا، ولم يكن هناك أيُّ أمل في أن يفيَ بوعده الذي قطعَه في بيانه. لكن هذا لا يعني أنَّ البيان كان التفاتةً خالية من المعنى، فهو: "يعَدُّ بمثابةِ اعتراف دولي بوجودٍ قوميٍّ لليهود، واعتقاد ببعث أمةٍ يهودية في فلسطين، فملايينُ اليهود المشتَّتين في أوروبا يجب أن يُجمَّعوا في نهاية المطاف في دولةٍ يهودية في فلسطين تخدمُ المصالحَ الاستعماريَّةَ الفرنسيَّةَ"!
هو بِشرُ بنُ غِياثِ بنِ أبي كريمةَ العَدَويُّ، مولاهم، البغداديُّ، المِرِّيسيُّ. شيخُ المعتزلة، وأحدُ من أضَلَّ المأمونَ، كان والِدُ بِشرٍ يهوديًّا، وصنَّف بِشرٌ كِتابًا في التَّوحيدِ، وكِتابَ (الإرجاء)، وكِتابَ (الرَّدُّ على الخوارجِ)، وكِتاب (الاستطاعة)، و(الرَّدُّ على الرَّافضةِ في الإمامةِ)، وكِتاب (كُفرُ المُشَبِّهة)، وكِتاب (المعرفة)، وكِتابُ (الوعيد) .نظَر في الفقهِ أوَّلَ أمرِه فأخذ عن القاضي أبي يوسُفَ، وروى عن حمَّادِ بنِ سَلَمةَ، وسُفيانَ بنِ عُيَينةَ. ثُمَّ نظر في عِلمِ الكلامِ، فغلب عليه، ودعا إلى القولِ بخلقِ القرآنِ، حتى كان عينَ الجَهْميَّةِ في عصرِه وعالِمَهم، فمقَتَه أهلُ العلمِ، وكفَّره عِدَّةٌ منهم، ولم يُدرِكْ جَهْمَ بنَ صَفوانَ، بل تلقَّف مقالاتِه من أتباعِه . ومات بِشرٌ سنةَ 218هـ.وقد وقَف العُلَماءُ منه موقفًا شديدًا، ونُقِل عن كثيرٍ تكفيرُه، ومنهم: سفيانُ بنُ عُيَينةَ، وعبدُ اللهِ بنُ المبارَكِ، وعبَّادُ بنُ العوَّامِ، وعليُّ بنُ عاصمٍ، ويحيى بنُ سعيدٍ، وعبدُ الرَّحمنِ بنُ مَهديٍّ، ووكيعٌ، وأبو النَّضرِ هاشِمُ بنُ القاسِمِ، وشبابةُ بنُ سوارٍ، والأسودُ بنُ عامرٍ، ويزيدُ بنُ هارونَ، وبِشرُ بنُ الوليدِ، ويوسُفُ بنُ الطَّبَّاعِ، وسُليمانُ بنُ حسَّانَ الشَّاميُّ، ومُحمَّدٌ ويَعلَى ابنا عُبَيدٍ الطَّنافسيَّانِ، وعبدُ الرَّزَّاقِ بنُ همَّامٍ، وأبو قتادةَ الحرَّانيُّ، وعبدُ الملِكِ بنُ عبدِ العزيزِ الماجِشونُ، ومُحمَّدُ بنُ يوسُفَ الفِريابيُّ، وأبو نُعَيمٍ الفضلُ بنُ دُكَينٍ، وعبدُ اللهِ بنُ مَسلَمةَ القَعْنبيُّ، وبِشرُ بنُ الحارثِ، ومُحمَّدُ بنُ مُصعَبٍ الزَّاهِدُ، وأبو البَختريِّ وَهبُ بنُ وَهبٍ السَّوائيُّ المدنيُّ قاضي بغدادَ، ويحيى بنُ يحيى النَّيسابوريُّ، وعبدُ اللهِ بنُ الزُّبَيرِ الحُمَيديُّ، وعليُّ بنُ المدينيِّ، وعبدُ السَّلامِ بنُ صالحٍ الهَرَويُّ، والحَسَنُ بنُ عليٍّ الحلوانيُّ .وسبَبُ هذا الموقِفِ الشديدِ تجاهَه أنَّ الأصولَ والمناهِجَ التي سلكها المِرِّيسيُّ أصولٌ ومناهِجُ كُفريَّةٌ تقومُ على التلبيسِ والخِداعِ اللَّفظيِّ، وذلك أنَّه قد توسَّع في بابِ التأويلاتِ وصَرفِ النُّصوصِ، وخاض فيها أكثَرَ ممَّن سبقه من الجَهْميَّةِ، فآراؤه ومقالاتُه تمثِّلُ المرحلةَ الثَّالثةَ من مراحلِ الجَهْميَّةِ وأطوارِها بَعدَ الجَعْدِ والجَهْمِ؛ لأنَّ المِرِّيسيَّ نهَج نهجًا أكثَرَ تلبيسًا وتمويهًا وخُبثًا من أسلافِه، حيث كان منهَجُ الجَعْدِ والجَهْمِ يصادِمُ النُّصوصَ بعُنفٍ، أمَّا المِرِّيسيُّ فقد سلك مسلَكَ التأويلِ، وعَرَض مَذهَبَ الجَهْميَّةِ بأسلوبٍ ماكرٍ، ولديه شيءٌ من العِلمِ والفقهِ، يُلبِّسُ به على النَّاسِ. ومن وُجوهِ خُطورةِ فِكرِه أنَّ توسُّعَه في بابِ التأويلاتِ صار نهجًا لكثيرٍ من المُتكلِّمين بَعدَه، كابنِ فُورَك، والبغداديِّ، والشَّهْرَستانيِّ، والجُوَينيِّ، والرَّازيِّ، والماتُريديِّ، وأتباعِهم من متأخِّري الأشاعِرةِ والماتُريديَّةِ.
بدأت الحملة الصليبية السادسة سنة 625 (1227م)كمحاولة لإعادة السيطرة على بيت المقدس. بدأت بعد سبع سنوات فقط من فشل الحملة الصليبية الخامسة التي ترأسها الإمبراطور فريدريك الثاني هوهنشتاوفن الألماني الذي نذر النذر الصليبي للحملة السابقة ولم يف به حينها، وأراد الإمبراطور أن يحقق مقاصده دون أن يسحب سيفه من غمده، فتزوج في صيف سنة 622 (1224م) من ابنة ملك بيت المقدس يوحنا دي بريان (يولاندي والمعروفة أيضًا باسم إيزابيلا) وتزوج كذلك من ماريا من مونتفيرات، وأخذ يطالب بعرش مملكة زالت من الوجود من زمان في فلسطين، واستغل الحرب بين الأيوبيين الملك الكامل صاحب مصر مع أخيه الملك المعظم صاحب دمشق ودخل في مفاوضات مع السلطان الكامل، الأمر الذي أثار غضب روما، وقيَّم البابا أونوريوس الثالث مسلك فريدريك الثاني بكل قساوة واتهمه بإهمال قضية الرب؛ بل إنه هدده بالحرمان من الكنيسة وفرض غرامة مقدارها 100 ألف أوقية من الذهب إذا لم تقم الحملة الصليبية في آخر المطاف، وقد أرجئ البدء بها إلى 624 (1226م) وبدأ فريدريك الثاني ببناء السفن واستأنفت روما في الدعوة إلى الحرب المقدسة، ولكن الدعوات قوبلت باللامبالاة، وفي هذه الأثناء، وقبل خمسة أشهر من الموعد المعين، توفي البابا أونوريوس الثالث. وفي صيف 624 (1226م) تجمع بضع عشرات من الآلاف من المجندين، معظمهم من ألمانيا والبقية من فرنسا وإنجلترا وإيطاليا في معسكر قرب برنديزي والبعض الآخر في أبحر صقلية، ولكن الأمراض وقلة المؤن ومرض فريدريك الثاني أدى إلى إرجاء الحملة، ولكن البابا الجديد غريغوريوس التاسع أصدر صك حرمان من الكنيسة بحق فريدريك الثاني، وتشفيًا بالبابا أبحر الإمبراطور فريدريك إلى سوريا 626 (1228م)، فكان من البابا أن منع الحملة الصليبية، ووصف فريدريك بأنه قرصان، وبأنه يريد سرقة مملكة القدس، فكانت أول حملة صليبية لا يباركها البابا، ولكن فريدريك الثاني لم يأبه فاستولى على قبرص ووصل إلى عكا، حيث بدأ المفاوضات مع السلطان الكامل أسفرت سنة 627 (1229م) عن صلح لمدة 10 سنوات تنازل بمقابله الملك الكامل عن بيت المقدس باستثناء منطقة الحرم، وبيت لحم والناصرة وجميع القرى المؤدية إلى القدس، وقسم من دائرة صيدا وطورون (تبنين حاليًّا)، وعزز الإمبراطور الألماني بعض الحصون والقلاع وأعاد تنظيمها، ووقع مع مصر عدّة اتفاقيات تجارية، وتعهد فريدريك الثاني بمساعدة الملك الكامل ضد أعدائه أيًّا كانوا، مسلمين أم نصارى، وضمن عدم تلقي القلاع الباقية خارج سيطرته أية مساعدة من أي مكان. ووقع الاتفاق الذي عرف باتفاق يافا.
انتهت الحربُ العالمية الأولى ووُضِعَت العراق تحت الانتداب البريطاني، فأظهر الإنجليزُ الفساد من مجاهرة لشرب الخمور، وممارسة الزنا والاختلاط والسير في الطرقات بدون حشمة، بالإضافة لنظرة الاستعلاء بزعمهم أنَّهم جاؤوا ليرفعوا مستوى السكَّان والأخذ بأيديهم نحو الاستقلالِ، ولكن العراقيين (غير اليهود والنصارى الذين صاروا يصِرُّون على أن يبقوا تحت رعاية بريطانيا) كانوا ينظرون إلى الإنجليز نظرةَ ازدراء وكراهية ورغبة في الانتقام والثورة، فحدثت في بعض المناطق هنا وهناك عملياتٌ مثل ما حدث في النجف؛ حيث قُتِلَ مارشال قائد القوات الإنجليزية، وقُتِلَ في إقليم زاخو في الشمال النقيب بعسن الذي أراد رفع النصارى فوق المسلمين، وقُتِلَ الحاكم الإنجليزي في العمادية وتكَرَّرت مثل هذه العمليات، وخاصة بين العشائر، سواء في الشمال في منطقة الأكراد، أو في الجنوب في لواء المنتفق، حتى كانت بعضُ الاحتفالات يُلقى فيها الخطب الحماسية أو بعض الأشعار الحماسية التي تُشعِلُ نار الثورة فتتحَرَّك، وبقيت هكذا تغلي نفوس العراقيين حتى اندلعت ثورةُ العشرين حين اعتُقِل الشيخ شعلان أبو الجون شيخ قبائل بني حجيم، فهاجمت القبيلة مقرَّ الحاكم وخلَّصت الشيخ شعلان منهم، وكانت هذه الحادثة الشرارةَ لاندلاع الثورة العراقية. مرت الثورة في مراحل ثلاث: أولاها: تتمثل في الأحداث التي مهَّدت للثورة، وهي الأحداث التي جرت في بغداد وكربلاء ودير الزور وتلعفر والموصل، والثانية: تتمثل في الثورة المسلَّحة التي انطلقت في الرميثة في الثلاثين من حزيران 1920 ثم عمَّت منطقة الفرات الأوسط. أما الثالثة: فتتمثل في انتشار الثورة في مناطِقِ العراق الأخرى كديالي والغراف وغيرهما. وتعَدُّ الثورة في منطقة الفرات الأوسط بمثابة العمود الفقري لثورة العشرين كلها؛ ففي هذه المنطقة حصلت الانتصاراتُ الكبرى للثورة، كما أنَّ هذه المنطقة هي التي تحمَّلت العبءَ الأكبر من التضحيات في الأنفس والأموال، وصمدت للقتال فترة طويلة نسبيًّا نحو ثلاثة أشهر، وبعد أن عمَّت الثورة منطقةَ الفرات الأوسط أقام العراقيون سلطاتٍ محلية، ثم انتقلت إلى بعقوبة وديالي وأربيل وكركوك وخانقين، وقد تمكن الإنجليز من القضاء عليها بسهولة وفي خلال وقت قصير. هاجم رجال القبائل الكوفةَ واستولوا على قرية الكفل، وقتل الثوارُ مئةً وثمانين مستعمرًا وأسَروا مئة وستين، كما استولوا على عتادٍ حربيٍّ وذخيرة، وأغرقوا الباخرةَ فلاي في شطِّ الكوفة، كما سيطر رجالُ القبائل على المسيب وكربلاء والنجف وسدة الهندية، والجديرُ بالذِّكرِ أنَّ هذه الثورة التي عمَّت أرجاء القطر العراقي شارك فيها على السواء السُّنَّة والشيعة. أخذت النجدات الإنجليزية تصِلُ إلى العراق حتى وصل من القوات الغازية 133 ألف مقاتل، وبدأت تستعيد المدن شيئًا فشيئًا حتى أنهوا تلك الثورةَ، وبعد ثلاثة أشهر أعلِنَ العفوُ العامُّ.
أرسل هولاكو وهو نازلٌ على حلب جيشًا مع أميرٍ مِن كبار دولته يقال له كتبغانوين، فوردوا دمشقَ في آخر صفر فأخذوها سريعًا من غير ممانعة ولا مدافع، بل تلقَّاهم كبارها بالرَّحبِ والسعة، وقد كتب هولاكو أمانًا لأهل البلد، فقُرئ بالميدانِ الأخضر ونودي به في البلد، فأمِنَ الناس على وجَلٍ مِن الغدر، كما فعل بأهلِ حلب، هذا والقلعةُ ممتنعةٌ مستورة، وفي أعاليها المجانيقُ منصوبة والحالُ شديدة، فأحضر التتارُ منجنيقًا يُحمَلُ على عجل والخيولُ تجُرُّه، وهم راكبون على الخيلِ وأسلحتهم على أبقار كثيرة، فنصب المنجنيقَ على القلعة من غربيها، وخرَّبوا حيطانًا كثيرةً وأخذوا حجارتَها ورَموا بها القلعةَ رميًا متواترًا كالمطر المتدارك، فهدموا كثيرًا من أعاليها وشرفاتها وتداعت للسقوطِ فأجابهم متوليها في آخِرِ ذلك النهارِ للمصالحة، ففتحوها وخَرَّبوا كل بدنة فيها، وأعالي بروجِها، وذلك في نصف جمادى الأولى من هذه السنة، وقتلوا المتوليَ بها بدر الدين بن قراجا، ونقيبَها جمال الدين بن الصيرفي الحلبي، وسَلَّموا البلد والقلعة إلى أميرٍ منهم يقال له إبل سيان، وكان- لعنه الله- مُعظِّمًا لدين النصارى، فاجتمع به أساقفتُهم وقسوسهم، فعظَّمَهم جدًّا، وزار كنائِسَهم، فصارت لهم دولةٌ وصولة بسببه، وذهب طائفةٌ من النصارى إلى هولاكو وأخذوا معهم هدايا وتحفًا، وقَدِموا من عنده ومعهم أمانٌ مِن جهته، ودخلوا من بابِ توما ومعهم صليبٌ منصوب يحملونه على رؤوسِ النَّاسِ، وهم ينادون بشعارِهم ويقولون: ظهر الدين الصحيح دين المسيح، ويذمُّون دينَ الإسلام وأهله، ومعهم أوان فيها خمرٌ لا يمرون على باب مسجد إلا رشُّوا عنده خمرًا، وقماقم ملآنة خمرًا يرشون منها على وجوه الناس وثيابهم، ويأمرون كل من يجتازونَ به في الأزقَّة والأسواق أن يقوم لصليبِهم، ودخلوا من دربِ الحَجَر فوقفوا عند رباط الشيخِ أبي البيان، ورشوا عنده خمرًا، وكذلك على باب مسجدِ درب الحجر الصغير والكبير، واجتازوا في السوقِ حتى وصلوا درب الريحان أو قريبًا منه، فتكاثر عليهم المسلمونَ فردُّوهم إلى سوق كنيسة مريم، فوقف خطيبُهم إلى دكة دكان في عطفة السوق فمدح دينَ النصارى وذمَّ دين الإسلام وأهله، ثم دخلوا بعد ذلك إلى كنيسة مريمَ وكانت عامرة، ولكن هذا سببُ خرابها، وضربوا بالناقوسِ في كنيسة مريم ودخلوا إلى الجامع بخمرٍ وكان في نيَّتِهم إن طالت مدة التتار أن يخرِّبوا كثيرًا من المساجد وغيرها، ولما وقع هذا في البلد اجتمع قضاةُ المسلمين والشهود والفقهاء فدخلوا القلعةَ يشكون هذا الحالَ إلى متسِلِّمِها إبل سيان فأُهينوا وطُردوا، وقَدَّم كلامَ رؤساء النصارى عليهم، وهذا كان في أول هذه السَّنة وسلطان الشام الناصر بن العزيز مقيمٌ في وطأة برزة، ومعه جيوشٌ كثيرة من الأمراء وأبناء الملوك ليناجِزوا التتار إن قَدِموا عليهم، وكان في جملة من معه الأمير بيبرس البندقداري في جماعةٍ مِن البحرية، ولكِنَّ الكلمة بين الجيوش مختلفةٌ غير مؤتلفة، لِما يريدُه الله عزَّ وجلَّ، وقد عَزَمت طائفةٌ من الأمراء على خلعِ الناصر وسَجنِه ومبايعة أخيه وشقيقِه الملك الظاهِرِ علي، فلما عرف الناصِرُ ذلك هرب إلى القلعةِ وتفَرَّقت العساكر شذَرَ مَذَرَ، وساق الأمير ركن الدين بيبرس في أصحابِه إلى ناحية غزة، فاستدعاه الملك المظفَّر قطز إليه واستقدمه عليه، وأقطعه قليوبَ، وأنزله بدار الوزارة وعَظَّم شأنَه لديه.
هو أحمد طوسون بن محمد علي باشا المعروف بـ"طوسون باشا" الابن الأكبر لمحمد علي باشا والي مصر، وُلِدَ سنة 1208هـ، قاد الحملة الأولى جهةَ نجدٍ ضِدَّ الدولة السعودية الأولى، وخاض فيها عدة معارك انتصر في بعضِها وهُزِم في البعض الآخرِ منها. أصيبَ بجراحٍ في معركة تربة التي هُزم فيها, فنُقِل إلى جُدَّة للعلاج, ثم نُقِل إلى مصر, ومات فيها متأثرًا بجراحِه عن عمر 33 سنة.
وقعت هذه المعركة بين قوات الملك عبد العزيز وحاكم حائل عبد العزيز بن متعب بن رشيد، بمحافظة الشنانة بالقصيم، وبدعمٍ مِن أهل الشنانة انتصرت فيها قوات الملك عبد العزيز، وكانت هذه المعركة قاصمةَ الظهر لابن رشيد الذي تحوَّل بعدها من الهجوم إلى الدفاع. وقد قام ابن رشيد وقواته بتخريبِ الشنانة وقطْع نخيلها وتعذيب أهلها نظيرَ وقوفِهم في وجهِه ودعْمِهم للملك عبد العزيز.
هو أحمدُ بنُ يحيى بن إسحاق الراوندي نسبةً إلى راوند بلدةٍ مِن أصبهان، ولد عام 210, فيلسوف مجاهرٌ بالإلحاد، له مناظراتٌ ومجالسُ مع علماء الكلام، انفرد بمذاهِبَ نُقِلَت عنه في كتبه، كالقول بالحُلوليَّة، وتناسُخ رُوح الإله في الأئمَّة، وكان يلازِمُ الرافضةَ والملاحِدةَ، فإذا عوتِبَ قال: "أنا أريدُ أن أعرِفَ مذاهبَهم"، ثم كاشَفَ وناظَرَ، وصنَّف في الزندقة- لعنه اللهُ- قيل: إنَّ أباه كان يهوديًّا فأظهَرَ الإسلامَ، قال ابن حجر: "كان أوَّلًا مِن متكَلِّمي المعتَزِلة، ثم تزندقَ واشتَهَر بالإلحادِ" وقيل: إنه كان لا يستقِرُّ على مذهبٍ ولا يَثبُتُ على شيءٍ، ويقال: كان غايةً في الذكاءِ، قال الإمام أبو الفرج بن الجوزي: "كنتُ أسمع عنه بالعظائمِ، حتى رأيتُ له ما لم يَخطُرْ مِثلُه على قلبٍ" وهو أحدُ مشاهير الزنادقة، طلبه السلطانُ فهرب إلى ابن لاوي اليهودي بالأهواز، وصَنَّفَ عنده مصنَّفات، منها كتاب "الدامغ للقرآن" وضعه ليطعنَ به في القرآنِ، وفي النبيِّ صلَّى الله عليه وسلم. ثمَّ لم يلبث إلَّا أيامًا حتى مرِضَ ومات, وكتابٌ في الرَّدِّ على الشريعةِ سمَّاه "الزمردة"، قال ابن عقيل: "عجبي كيف لم يُقتَلْ وقد صنَّف «الدامغ»" قال بعضُ اليهودِ للمُسلمينَ: لا يُفسِدَنَّ عليكم هذا كتابَكم، كما أفسَدَ أبوه علينا التوراةَ". واختُلِفَ في موته، فقيل: مات وهو عند اليهوديِّ، وقيل: بل صُلِبَ، عاش أكثَرَ مِن ثمانين سنة، فلا رَحِمَه الله. وجازاه بما يستحِقُّه.
هو السلطان عز الدين قلج أرسلان بن مسعود بن قلج أرسلان بن سليمان بن قتلمش بن سلجوق السلجوقي التركماني، ملك الروم. فيه عَدلٌ في الجملة، وسداد وسياسة، وهو والدُ زوجة الخليفة الناصر لدين الله الست سلجوقي خاتون المعروفة بالخلاطية. كان له من البلاد قونية وأعمالها، وأقصرا، وسيواس، وملطية، وغير ذلك من البلاد، وقد امتَدَّت أيام ملكه نحو تسع وعشرين سنة، وقيل: بضعًا وثلاثين سنة, وغزواته كثيرة في بلاد الروم، ولما كَبِرَ فَرَّق بلاده على أولاده، فاستَضعَفوه، ولم يلتَفِتوا إليه، وحَجَر عليه ولَدُه قطب الدين، وكان قلج أرسلان قد استناب في تدبير ملكه رجلًا يعرف باختيار الدين حسن، فلما غَلَب قُطبُ الدين على الأمرِ قَتَلَ حَسنًا، ثم أخذ والِدَه وسار به إلى قيسارية ليأخُذَها من أخيه الذي سَلَّمَها إليه أبوه، فحصرها مدَّة، فوجد والِدُه قلج أرسلان فرصةً، فهرب ودخل قيسارية وحدَه، فلما عَلِمَ قطب الدين ذلك عاد إلى قونية وأقصرا فمَلَكَهما، ولم يزل قلج أرسلان يتحوَّلْ من ولد إلى ولد، وكل منهم يتبَرَّم منه، حتى مضى إلى ولده غياث الدين كيخسرو، صاحب مدينة برغلوا، فلما رآه فَرِحَ به، وخَدَمَه، وجمع العساكِرَ، وسار هو معه إلى قونية، فمَلَكَها، وسار إلى أقصرا ومعه والِدُه قلج أرسلان، فحصرها، فمَرِضَ أبوه، فعاد به إلى قونية, وتوفِّيَ ودفن بها في منتصف شعبان، وبَقِيَ ولده غياث الدين في قونية مالكًا لها، حتى أخَذَها منه أخوه ركن الدين سليمان.