هي حَفصَةُ بنتُ عُمَر بن الخطَّاب، أُمُّها زينبُ بنتُ مَظعونِ بن حَبيبِ بن وَهْبٍ، كانت تحت خُنَيْس بن حُذافَة بن قيسِ بن عَدِيٍّ، هاجَرا سَوِيًّا للمدينةِ، ثمَّ تُوفِّي عنها بعدَ بدرٍ فتَزَوَّجَها النَّبِيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم، ثمَّ طَلَّقَها تَطليقَة ثمَّ ارْتَجَعَها، أَمَرَهُ جِبريلُ بذلك وقال: (إنَّ الله يَأمُرك أن تُرْجِعَها إنَّها صَوَّامَة قَوَّامَة، وإنَّها زَوجتُك في الجنَّة). توفِّيت في المدينةِ في خِلافَة مُعاوِيَة عام 45 هـ، ودُفِنَت في البَقيعِ رضي الله عنها وأرضاها.
سار خوارزم شاه إلى خراسانَ بعد أن هزم سنجر، فقصد سرخس، فلمَّا وصَلَ إليها لَقِيَه الإمامُ أبو محمد الزيادي، وكان قد جمَعَ بين الزُّهدِ والعلم، فأكرَمَه خوارزم شاه إكرامًا عظيمًا، ورحل مِن هناك إلى مَرْو الشاهجان، فقصده الإمامُ أحمد الباخرزي، وشَفِعَ في أهلِ مَروٍ، وسأل ألَّا يتعَرَّضَ لهم أحَدٌ من العسكَرِ، فأجابه إلى ذلك، ونزل بظاهرِ البلد، واستدعى أبا الفَضلِ الكرمانيَّ الفقيهَ وأعيان أهلَها، فثار عامَّةُ مرو وقتلوا بعضَ أهل خوارزم شاه، وأخرجوا أصحابَه من البلد، وأغلقُوا أبوابه، واستعَدُّوا للامتناع، فقاتَلَهم خوارزم شاه، ودخل مدينةَ مَرْوٍ سابِعَ عَشرَ ربيع الأول، وقتل كثيرًا من أهلِها، ثم سارَ في شوال إلى نيسابور، فخرج إليه جماعةٌ مِن فُقَهائِها وعلمائها وزهَّادها، وسألوه ألَّا يفعلَ بأهلِ نيسابور ما فعل بأهلِ مَرو، فأجابهم إلى ذلك لكِنَّه استقصى في البَحثِ عن أموالِ أصحاب السُّلطان فأخذها، وقطع خُطبةَ السُّلطان سنجر، أوَّلَ ذي القعدة، وخطبوا له؛ فلمَّا تَرَك الخطيبُ ذِكْرَ السُّلطانِ سنجر وذَكَرَ خوارزم شاه، صاح النَّاسُ وثاروا، وكادت الفِتنةُ تثور والشَّرُّ يعود جديدًا، وإنما منع النَّاسَ مِن ذلك ذوو الرأي والعَقلِ؛ نظرًا في العاقبةِ، فقُطِعَت إلى أوَّلِ المحرم سنةَ سَبعٍ وثلاثين ثم أعيدَت خطبة السُّلطانِ سنجر، ثمَّ سَيَّرَ خوارزم شاه جيشًا إلى أعمالِ بيهق، فأقاموا بها يُقاتِلونَ أهلَها خمسةَ أيام، ثمَّ سار عنها ذلك الجيشُ يَنهبونَ البلاد، وعَمِلوا بخراسان أعمالًا عظيمةً، ومنع السُّلطانُ سنجر من مقاتلة أتسز خوارزم شاه خوفًا من قوةِ الخطا بما وراءَ النَّهرِ، ومجاورتهم خوارزمَ وغيَرها من بلادِ خُراسان.
تُوفِّيَ الشيخُ عبدُ الفتاح بنُ عبدِ الغني بن محمد القاضي، المولودُ في دمنهور البحيرة بمصرَ في 14/10/1907م. وهو عالِمٌ مُبرَّزٌ في القِراءات وعُلومها، التحقَ بالمعهدِ الأزهريِّ بالإسكندرية بعدَ أن حفِظَ القرآنَ الكريم، وتدرَّجَ في التعليمِ حتى حصَل على شَهادة التخصُّص القديمِ (الدكتوراه حاليًّا) عامَ 34/1935م. تَتلمذَ على كِبار عُلماء عصْره بالإسكندرية والقاهرةِ؛ منهم الشيخُ محمد تاج الدينِ في التفسيرِ، والشَّيخُ شحاتة منيسي في البلاغةِ، والشَّيخُ حسن الشريف في الحديثِ الشريفِ، والشَّيخُ أمين محمود سرور في التوحيدِ، وحضَر المنطِقَ وأدب البحثِ على الشيخِ مَحمود شلتوت شيخِ الأزهر، وعبد الله دِراز، وعبد الحليم قادوم، والشَّيخ محمد الخضر حُسين. عُيِّنَ في عدة مَناصبَ: مدرِّسًا ثانويًّا عقِبَ التخرُّجِ، ورئيسًا لِقِسمِ القِراءات بكُلية اللُّغة العربية بالأزهرِ، ومفتِّشًا عامًّا بالمعاهد الأزهريةِ، وشيخًا للمَعهدِ الأزهريِّ بدُسوق، ثم المعهدِ الأزهريِّ بمَدينة دَمنهور، ووَكيلًا عامًّا للمعاهد الأزهريةِ، ثم مديرًا عامًّا لها، ثم رئيسًا لِقِسمِ القراءات بكُلِّية القرآنِ الكريم والدِّراسات الإسلامية بالجامعةِ الإسلامية بالمدينةِ النَّبويةِ، وقد عُيِّن رئيسًا للجنةِ تَصحيحِ المصاحِف بالأزهرِ، وخطيبًا بمسجدِ الشَّعراني بالقاهرة، وعُضوًا في لَجنةِ اختبار القُراء بالإذاعة المصريةِ. مرِضَ بالمدينةِ النبويةِ -على ساكنِها الصلاة والسلامُ- وسافَرَ إلى القاهرة للعلاجِ، وتُوفِّي رحمه الله بها وقتَ آذانِ الظُّهر يوم الاثنين 1/11/1982م، ودُفِنَ بالقاهرةِ.
حُنينُ: وادٍ إلى جَنبِ ذي المَجازِ، قريبٌ مِنَ الطَّائفِ، وبينه وبين مكَّةَ بضعةَ عشرَ مِيلًا مِن جِهَةِ الشرائع والسيل الكبير، وقِيلَ سُمِّيَ بِحُنَيْنٍ؛ نِسبَةً إلى رَجلٍ يُدعَى: حُنينَ بنَ قابِثَةَ بنِ مَهْلائِيلَ.
وكان النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم قد أقامَ بمكَّةَ 19 يومًا، حتَّى جاءَتْ هَوازِنُ وثَقيفٌ فنزلوا بحُنينٍ يُريدون قِتالَ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، وكانوا قد جمَعوا قبلَ ذلك حين سَمِعوا بمَخرجِ رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم مِنَ المدينةِ، وهُم يَظنُّون أنَّه إنَّما يُريدُهم، فلمَّا أَتاهُم أنَّه قد نزَل مكَّةَ، أخَذوا في الاسْتِعدادِ لِمُواجهَتِه، وقد أَرادوها مَوقِعَةً حاسِمةً، فحَشدوا الأموالَ والنِّساءَ والأَبناءَ حتَّى لا يَفِرَّ أَحدُهم ويَترك أهلَهُ ومالَهُ، وكان يَقودُهم مالكُ بنُ عَوفٍ النَّضْريُّ، واسْتنفَروا معهم غَطَفانَ وغيرَها. فاسْتعَدَّ الرَّسولُ صلى الله عليه وسلم لِمُواجَهتِهم، فاسْتَعارَ مِن يَعْلى بنِ أُميَّةَ ثلاثين بَعيرًا وثلاثين دِرْعًا، واسْتَعارَ مِن صَفوانَ بنِ أُميَّةَ مائةَ دِرْعٍ، واسْتعمَل عَتَّابَ بنَ أَسِيدِ بنِ أبي العاصِ أَميرًا على مكَّةَ، وقد ثبَت في الصَّحيحين أنَّ الطُّلقاءَ قد خرَجوا معه إلى حُنينٍ. واسْتقبَل الرَّسولُ صلى الله عليه وسلم بجَيشِه وادِيَ حُنينٍ في عَمايَةِ الصُّبْحِ، وانْحَدروا فيه، وعند دُخولِهم إلى الوادي حَملوا على هَوازِنَ فانْكشَفوا، فأَكَبَّ المسلمون على ما تَركوهُ مِن غَنائِمَ، وبينما هُم على هذه الحالِ اسْتقبَلَتْهُم هَوازِنُ وأَمطَرتْهُم بِوابِلٍ مِنَ السِّهامِ، ولم يكنْ المسلمون يَتوقَّعون هذا فضاقَتْ عليهم الأَرضُ بما رَحُبَتْ، فوَلَّوْا مُدْبِرين لا يَلْوِي أحدٌ على أحدٍ، وانْحازَ الرَّسولُ صلى الله عليه وسلم ذاتَ اليَمينِ وهو يقولُ: (أين النَّاسُ؟ هَلُمُّوا إليَّ، أنا رسولُ الله، أنا رسولُ الله، أنا محمَّدُ بنُ عبدِ الله). وأمَر الرَّسولُ صلى الله عليه وسلم عَمَّهُ العبَّاسَ -وكان جَهْوَرِيَّ الصَّوتِ- أن يُنادِيَ النَّاسَ بالثَّباتِ، وخَصَّ منهم أصحابَ بَيعةِ الرِّضوانِ، فأَسرَعوا إليه، ثمَّ خَصَّ الأَنصارَ بالنِّداءِ، ثمَّ بني الحارثِ بنِ الخَزرجِ، فطاروا إليه قائِلِين: لَبَّيْكَ، لَبَّيْكَ. ودارت المَعركةُ قَويَّةً ضِدَّ هَوازِنَ، وقال الرَّسولُ صلى الله عليه وسلم عندما رأى المَعركةَ تَشْتَدُّ: (هذا حين حَمِيَ الوَطيسُ). ثمَّ أخَذ حَصَياتٍ -أو تُرابا- فرَمى به وُجوهِ الكُفَّارِ وهو يقولُ: (شاهَتِ الوُجوهُ). فما خلَق الله تعالى منهم إنسانًا إلَّا مَلأَ عَينَيْهِ تُرابًا بتلك القَبضةِ، فوَلَّوْا مُدْبِرين، والرَّسولُ صلى الله عليه وسلم يقولُ: (انْهزَموا ورَبِّ محمَّدٍ)، وفي رِوايةٍ أُخرى: (انْهزَموا ورَبِّ الكَعبةِ, انْهزَموا ورَبِّ الكَعبةِ). وقد رُوِيَ: أنَّ قَتْلى بني مالكٍ مِن ثَقيفٍ لِوَحدِها قد بلَغ 70 قَتيلًا، وقُتِلَ بأَوْطاسٍ مِن بني مالكٍ 300، وقُتِلَ خُلَقٌ كَثيرٌ مِن بني نَصرِ بنِ مُعاوِيَةَ ثمَّ مِن بني رِئابٍ، ورُوِيَ: أنَّ سَبْيَ حُنينٍ قد بلَغ 6000 مِنَ النِّساءِ والأَبناءِ. بينما قُتِلَ مِنَ المسلمين أربعةٌ.
تُعدُّ مُعاهدةُ السلامِ بين مصرَ وإسرائيلَ عام 1979 أوَّلَ خَرْقٍ عربيٍّ للموقف العربيِّ مِن إسرائيل؛ حيث تعهَّدت الدَّولتانِ بمُوجِب هذه المعاهدةِ على إنهاءِ حالة الحرْبِ وإقامة عَلاقاتٍ وُديَّةٍ بينهما؛ تَمْهيدًا للتسويةِ التي تقومُ على مَبدأ (الأرض مُقابِل السلام)؛ فتَنسحِبُ إسرائيلُ مِن سيناء التي احتلَّتْها عام 1967، مُقابلَ اعترافِ مِصرَ بإسرائيلَ، وتنصُّ المعاهدةُ على: (أنَّ حُكومتي جُمهورية مصرَ العربية ودَولة إسرائيلَ، اقتِناعًا منهما بالضرورةِ الماسَّةِ لإقامةِ سلامٍ عادلٍ وشاملٍ ودائمٍ في الشرْق الأوسَطِ، وَفقًا لقرارَيْ مجلس الأمن 242 و338، إذ تُؤكِّدانِ من جديدٍ الْتزامَهما "بإطار السلامِ في الشرق الأوسط المتَّفَق عليه في كامَب دِيفيد" المؤرَّخ في 17 سبتمبر (أيلول) 1978، وإذ تُلاحظانِ أنَّ الإطارَ المشار إليه إنما قُصِدَ به أن يكونَ أساسًا للسلامِ ليس بين مصرَ وإسرائيلَ فحسْبُ، بل أيضًا بيْن إسرائيلَ وأيِّ مِن جِيرانها العرَبِ -كلٌّ فيما يَخُصُّه على مَبدأ (الأرض مُقابِل السلامِ)- ممن يكونُ على استعدادٍ للتفاوُضِ من أجْلِ السلامِ معها على هذا الأساسِ؛ ورغبةً منهما في إنهاء حالةِ الحرْب بينهما، وإقامةِ سلامٍ تَستطيع فيه كلُّ دولةٍ في المنطقة أن تعيشَ في أمْنٍ، واقتناعًا منهما بأنَّ عقْدَ معاهدةِ سلامٍ بين مصرَ وإسرائيلَ يُعدُّ خُطوةً مُهمَّةً في طريق السلامِ الشاملِ في المنطقةِ، والتوصُّلِ إلى تَسويةٍ للنِّزاع العربي الإسرائيليِّ بكافَّة نَواحيه، وإذ تَدْعوان الأطرافَ العربيةَ الأخرى في النِّزاع إلى الاشتراكِ في عملية السلامِ مع إسرائيلَ، على أساسِ مَبادئ إطار السلامِ المشارِ إليها آنفًا، واسْتِرشادًا بها، وإذ تَرْغبان أيضًا في إنماءِ العَلاقات الوُدِّية والتعاوُن بينهما وَفقًا لِميثاقِ الأُمَم المتحدةِ، ومَبادئ القانون الدوليِّ التي تَحكُم العَلاقات الدولية في وقْتِ السِّلمِ).
وكان الموقِّعون عن الجانبِ المصري: محمَّد أنور السادات رئيسُ جمهورية مصرَ العربية. وعن الجانبِ الإسرائيليِّ: مناحيم بيغن رئيسُ الوزراء الإسرائيليُّ. وشهِدَ التوقيعَ: جيمي كارتر رئيسُ الولايات المتحدة الأميركية.
تاريخُ التوقيعِ: 26 مارس (آذار) 1979- 27 ربيع الثاني 1399هـ.
هو الشَّيخُ الإمامُ العلَّامة الناقِدُ في فنون العلوم: شمس الدين أبو عبد الله محمد بن الشيخ عماد الدين أحمد بن عبد الهادي بن عبد الحميد بن عبد الهادي بن يوسف بن محمد بن قدامة المقدسي الحنبلي، من تلاميذ شيخِ الإسلامِ ابنِ تيميَّةَ. كان مولِدُه في رجب سنة 705. توفي ولم يبلغِ الأربعين، وكان قد حَصَّل من العلومِ ما لا يَبلُغُه الشُّيوخُ الكبار، وتفَنَّنَ في الحديث والنحو والتصريف والفقه والتفسير والأصلين، والتاريخ والقراءات، وله مجاميعُ وتعاليقُ مُفيدة كثيرة, وكان حافِظًا جيِّدًا لأسماءِ الرجال وطُرُقِ الحديث، عارفًا بالجَرحِ والتعديل، بصيرًا بعِلَلِ الحديث، حَسَن الفَهمِ له، جَيِّد المذاكرة، صَحيحَ الذِّهنِ مُستقيمًا على طريقةِ السَّلَفِ، واتِّباع الكِتابِ والسنَّة، مثابرًا على فِعلِ الخيرات، ومن مصنَّفاته كتاب العلل، وهو مؤلِّفُ كِتاب العقود الدريَّة في مناقب شيخِ الإسلامِ ابنِ تيميَّة، وله كتاب قواعد أصول الفقه، وفضائل الشام، والأحكام في الفقه، وغيرها كثير, وكان قد مَرِضَ قريبًا من ثلاثة أشهر بقُرحة وحُمَّى سُل، ثم تفاقم أمرُه وأفرط به إسهالٌ، وتزايد ضَعفُه إلى أن توفِّيَ يوم الأربعاء عاشرَ جمادى الأولى قبل أذانِ العصر، وكان آخِرَ كلامِه أنْ قال: أشهَدُ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ وأشهَدُ أنَّ مُحمَّدًا رَسولُ الله، اللهُمَّ اجعَلْني من التوَّابينَ واجعَلْني من المتطَهِّرينَ، فصُلِّيَ عليه يومَ الخميس بالجامِعِ المظفري وحضر جنازتَه قُضاةُ البلد وأعيانُ الناس من العلماء والأمراء والتجَّار والعامة، وكانت جنازتُه حافلةً، ودُفِن بالروضة.
هو أبو محمد عبد الحق بن إبراهيم بن محمد بن نصر بن محمد بن نصر بن محمد بن سبعين، القرشي، المخزومي، بن قطب الدين المقدسي الصوفي الرقوطي، نسبة إلى رقوطة بلدة قريبة من مرسية بالأندلس. المشهور بابن سبعين، ولِدَ سنة أربع عشرة وستمائة، واشتغل بعلم الأوائل والفلسفة، فتولَّدَ له من ذلك نوع من الإلحاد، وصنَّفَ فيه، وكان يعرف السيميا، وكان يلَبِّسُ بذلك على الأغبياء من الأمراء والأغنياء، ويزعُمُ أنه حال من أحوال القوم، وله المصنفات منها كتاب البدوي، وكتاب الهو، رسالة النصيحة النورية، عهد ابن سبعين، الإحاطة، الرسالة الفقيرية، الحكم والمواعظ، الرسالة القبرصية, وقد أقام بمكة واستحوذ على عقل صاحبها أبي نمي بن أبي سعد. وشاع صيتُه وكثر أتباعه بين أهل مكة بسبب سخائه وعِلمِه، وقد ظل ابن سبعين في مكَّة حتى توفي به، وجاور في بعض الأوقاتِ بغار حراء يرتجي فيما يُنقَلُ عنه أن يأتيه فيه وحيٌ، كما أتى النبيَّ صلى الله عليه وسلم!! بناء على ما يعتقده من العقيدة الفاسدة من أن النبوة مكتسبة، وأنها فيض يفيض على العقل إذا صفا، فما حصل له إلا الخزي في الدنيا والآخرة، إن كان مات على ذلك, وقد كان إذا رأى ابن سبعين الطائفينَ حول البيت يقول عنهم كأنهم الحميرُ حول المدار، وأنهم لو طافوا به كان أفضَلَ من طوافهم بالبيتِ، وقد نُقِلَت عنه عظائم من الأقوال والأفعال. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "فصار بعضُهم يرى أن باب النبوة مفتوح لا يمكن إغلاقُه فيقول كما كان ابن سبعين يقول: "لقد زرَّب ابن آمنة حيث قال: لا نبي بعدي" أو يرى لكونه أشد تعظيمًا للشريعة أن باب النبوة قد أغلق فيدعي أن الولاية أعظم من النبوة، وأن خاتم الأولياء أعلم بالله من خاتم الأنبياء، وأن خاتم الأنبياء بل وجميع الأنبياء إنما يستفيدون معرفة الله من مشكاة خاتم الأولياء!! ويقول إنه يوافق النبي في معرفة الشريعة العملية؛ لأنه يرى الأمر على ما هو عليه فلا بد أن يراه هكذا، وإنه أعلم من النبي بالحقائق العلمية؛ لأنه يأخذ من المعدن الذي يأخذ منه الملك الذي يوحى به إلى الرسول!! وهذا بناء على أصول هؤلاء الفلاسفة الكفار الذين هم أكفر من اليهود والنصارى". وقال شيخ الإسلام: "ابن سبعين أحد أئمة الاتحادية ومحققيهم وأذكيائهم، أنه قال عن كلام ابن عربي: "فلسفة مخموجة" وكلامه هو أدخل في الفلسفة وأبعد عن الإسلام، ولا ريب أن هؤلاء من جنس الملاحدة الباطنية القرامطة، وهؤلاء الفلاسفة مشتركون في الضلال ومذاهب هؤلاء الفلاسفة في الإلهيات من أشد المذاهب اضطرابًا وتناقضًا وقولًا لا حقيقة له، فلما كان مذهبهم المقارنة التي هي في الحقيقة تعطيل الصنع والخلق والإبداع وإن كانوا يدَّعون أنهم يثبتون واجبًا غير العالم، فهذا دعواهم، وإلا ففي الحقيقة يلزمهم ألا يكون ثَمَّ واجِبُ الوجود غير العالم، وهذا حقيقة قول الاتحادية وهو الذي أظهره إمام هؤلاء فرعون؛ فإن الاتحادية تنتحله وتعظمه والباطنية تنتحله وتعظمه وهو على مقتضى أصول الفلاسفة الصابئة المشركين الذين هم من أعظم الناس إيمانًا بالجبت والطاغوت" قال الذهبي: "كان ابن سبعين صوفيًّا على قاعدة زهاد الفلاسفة وتصوفهم، وله كلام كثير في العرفان على طريق الاتحاد والزندقة, وقد ذكرنا محط هؤلاء الجنس في ترجمة " ابن الفارض "، و " ابن العربي " وغيرهما. فيا حسرة على العباد كيف لا يغضبون لله تعالى ولا يقومون في الذبِّ عن معبودهم، تبارك اسمُه وتقدست في ذاته، عن أن يمتزج بخَلقِه أو يحِلَّ فيهم, وتعالى الله عن أن يكون هو عينَ السموات والأرض وما بينهما, فإن هذا الكلام شر من مقالة من قال بقدم العالم، ومن عرف هؤلاء الباطنية عذرني، أو هو زنديق مبطن للاتحاد يذب عن الاتحادية والحلولية، ومن لم يعرفهم فالله يثيبه على حسن قصده. وينبغي للمرء أن يكون غضَبُه لربه إذا انتُهِكَت حرماته أكثَرَ من غضبه لفقير غير معصوم من الزَّلَل. فكيف بفقير يحتمل أن يكون في الباطن كافرًا، مع أنا لا نشهد على أعيان هؤلاء بإيمان ولا كفر لجواز توبتهم قبل الموت. وأمرهم مُشكِل وحسابُهم على الله, وأما مقالاتهم فلا ريب في أنها شر من الشرك، فيا أخي ويا حبيبي أعطِ القوس باريَها ودعني ومعرفتي بذلك، فإنني أخاف الله أن يعذبني على سكوتي، كما أخاف أن يعذبني على الكلام في أوليائه. وأنا لو قلت لرجل مسلم: يا كافر، لقد بؤتُ بالكفر، فكيف لو قلتُه لرجل صالح أو ولي لله تعالى؟ " توفي ابن سبعين في الثامن والعشرين من شوال بمكة.
لما توفِّيَ أبو عبد الله محمد السعدي حاكِمُ المغرب اجتمع الناسُ على بيعة ابنه ووليِّ عهده السلطان أبي العباس الأعرج من سائر الآفاق، وآتوه طاعتهم عن رضًا منهم، فاستقام أمره وصرف عزمه إلى تمهيد البلاد واقتناء الأجناد، وتعبئة الجيوش إلى الثغور وشن الغارات على العدو في الآصال والبكور، في أحواز تيلمست وآسفي وغيرهما. وكان النصارى قد خيَّموا بشاطئ البحر وعاثُوا في تلك السواحل فأجلاهم عنها وطهَّر تلك البقاع من رِجسِهم، وأراح أهلَها مِن شؤمهم ونحسِهم، وهنا بَعُدَ صيتُه وانتشر في البلاد ذِكرُه، وهُرِع الناسُ إليه من كل جانب، ودخلت في طاعته سائرُ البلاد السوسية، فعند ذلك كاتَبه أمراء هنتاتة ملوك مراكش يخطبون أمرَه ويرومون الدخولَ في طاعته، فأجاب داعيَهم، وانتقل إلى مراكش فدخلها واستولى عليها.
وردَ إلى الخليفةِ القادِرِ بالله كِتابٌ مِن الأميرِ يَمينِ الدَّولة محمود بنِ سبكتكين الغزنوي أنَّه أحَلَّ بطائفةٍ مِن أهلِ الرَّيِّ مِن الباطنيَّة وغُلاة الرَّوافِضِ قَتلًا ذريعًا، وصَلبًا شَنيعًا، وأنَّه انتَهَب أموالَ رَئيسِهم رستُم بن علي الديلمي، فحصَلَ منها ما يُقارِبُ ألف ألف دينار، وقد كان في حيازتِه نحوٌ مِن خمسين امرأةً حُرَّة، وقد وَلَدْنَ له ثلاثًا وثلاثين ولدًا بين ذكَرٍ وأنثى، وكانوا يَرَونَ إباحةَ ذلك. وقد جاء في الكِتابِ: "إنَّ كِتابَ العَبدِ صَدَر مِن مُعسكَرِه بظاهِرِ الرَّيِّ غُرَّةَ جُمادى الآخرة سنة 420، وقد أزال اللهُ عن هذه البُقعةِ أيديَ الظَّلَمةِ وطَهَّرَها من دعوةِ الباطنيَّةِ الكَفَرة والمُبتَدِعة الفَجَرة، وقد كانت مدينةُ الرَّيِّ مَخصوصةً بالْتِجائِهم إليها وإعلانِهم بالدُّعاءِ إلى كُفرِهم، فيها يَختَلِطونَ بالمُعتَزِلة المُبتَدِعة، والغاليةِ مِن الرَّوافِضِ المُخالفةِ لِكِتابِ اللهِ والسُّنَّة، يتجاهرون بشَتمِ الصَّحابةِ ويُسِرُّونَ اعتقادَ الكُفرِ ومَذهَب الإباحة، وكان زعيمُهم رُستُم بنُ عليٍّ الدَّيلميُّ، فعطَفَ العَبدُ عِنانَه بالعساكرِ فطَلَع بجُرجان وتوقَّفَ بها إلى انصرافِ الشِّتاءِ، ثمَّ دَلَف منها إلى دامغان، ووجَّه عَلِيًّا الحاجب في مقَدِّمة العسكَرِ إلى الري، فبرز رُستُم بن علي على حُكمِ الاستسلامِ والاضطرارِ، فقُبِضَ عليه وعلى أعيانِ الباطنيَّةِ مِن قُوَّادِه, ثمَّ خرج الدَّيالِمة مُعتَرِفينَ بذُنوبِهم شاهِدينَ بالكُفرِ والرَّفضِ على نُفوسِهم، فرُجِعَ إلى الفُقَهاءِ في تعَرُّفِ أحوالهم، فاتَّفَقوا على أنَّهم خارِجونَ عن الطَّاعةِ وداخِلونَ في أهل الفَسادِ، مُستَمِرُّونَ على العنادِ، فيَجِبُ عليهم القَتلُ والقَطعُ والنَّفيُ على مراتِبِ جِناياتِهم، وذَكَر هؤلاء الفُقَهاءُ أنَّ أكثَرَ القَومِ لا يُقيمونَ الصَّلاةَ، ولا يُؤتُونَ الزَّكاةَ، ولا يَعرِفونَ شَرائِطَ الإسلامِ، ولا يُمَيِّزونَ بين الحلالِ والحرامِ، بل يجاهِرونَ بالقَذفِ وشَتمِ الصَّحابةِ، ويعتَقِدونَ ذلك ديانةً، والأمثَلُ منهم يتقَلَّدُ مذهَبَ الاعتزالِ، والباطِنيَّةُ منهم لا يُؤمِنونَ باللَّهِ عَزَّ وجَلَّ وملائكتِه وكُتُبِه ورُسُلِه واليومِ الآخر، وأنَّهم يَعُدُّونَ جَميعَ المِلَلِ مَخاريقَ الحُكَماءِ، ويَعتَقِدونَ مَذهَبَ المَزدكيَّةِ: الإباحةَ في الأموالِ والفُروجِ والدِّماءِ، يَدَّعونَ الإسلامَ بإعلانِ الشَّهادةِ، ثمَّ يُجاهِرونَ بتَركِ الصَّلاةِ والزَّكاةِ، والصَّومِ والغُسلِ، وأكْلِ المَيتةِ، فقضى الانتصارُ لدينِ اللهِ تعالى بتَميُّزِ هؤلاء الباطنيَّةِ عنهم، فصُلِبوا على شارِعِ مدينةٍ طالَما تمَلَّكوها غَصبًا، واقتسموا أموالها نهبًا، وقد كانوا بذلوا أموالًا جَمَّةً يَفتَدونَ بها نُفوسَهم، وضَمَّ إليهم أعيانَ المُعتَزِلة والغُلاة مِن الرَّوافِضِ؛ ليتخَلَّصَ النَّاسُ من فِتنَتِهم، ثمَّ نَظَرَ فيما اختَزَنَه رُستم بن علي فعَثَر على أموالٍ طائلةٍ وأثاثٍ عظيمٍ. ومن الكُتُب خمسون حِملًا ما خلا كتُبَ المُعتَزِلة والفَلاسِفة والرَّوافِض، فأُحرِقَت تحت جُذوعِ المَصلوبين؛ إذ كانت أصولَ البِدَع، فخَلَت هذه البُقعةُ مِن دُعاةِ الباطنيَّةِ وأعيانِ المُعتَزِلة وغُلاةِ الرَّوافِضِ، وانتَصَرت السُّنَّة، فطالَعَ العبدُ بحقيقةِ ما يَسَّرَه اللهُ تعالى لأنصارِ الدَّولةِ القاهرةِ".
اصطلح المستنصر بالله بن هود والسليطين الفرنجي صاحب طليطلة من بلاد الأندلس مدة عشر سنين. وكان السليطين قد أدمن غزو بلاد المستنصر وقتاله، حتى ضَعُف المستنصر عن مقاومته؛ لقلة جنوده، وكثرة الفرنج، فرأى أن يصالحَه مدة يستريح فيها هو وجنوده، ويعتدُّون للمعاودة، فترددت الرسلُ بينهم، فاستقَرَّ الصلح على أن يسلِّمَ المستنصر إلى السليطين حصنَ روطة من الأندلس، وهو من أمنع الحصون وأعظمها، فاستقرت القاعدة واصطلحوا، وتسلَّم منه الفرنج الحصن، وفعل المستنصر فعلةً لم يفعلها قبله أحدٌ!!
اعترفَت إدارةُ الرئيسِ دونالد ترامب رسميًّا بالقدسِ عاصمةً لإسرائيلَ، وأضافَ ترامب أنَّ وزارةَ الخارجيةِ الأمريكيةَ ستبدأ عمليةَ بناءِ سفارةٍ أمريكيةٍ جديدةٍ في القدسِ.
رفَضَ البيانُ الخِتاميُّ للقمَّةِ العربيَّةِ التاسعُ والعِشرون قرارَ الإدارةِ الأمريكيةِ بالاعترافِ بالقدسِ عاصمةً للاحتلالِ الإسرائيليِّ ونَقْلِ السفارةِ إليها، عادًّا ذلك خَرقًا وتدميرًا لعمليةِ السلامِ وللاتفاقياتِ جَميعِها؛ سواءٌ مع الفِلَسطينيين أو المعاهداتِ الدَّوْليَّةِ والقراراتِ الأُمَميَّةِ.
وأكَّد البيانُ أنَّ الولاياتِ المتحدةَ لم تَعُد راعيًا حقيقيًّا للسلامِ، وغدَتْ طرَفًا يدعَمُ العدوانَ على الحقِّ والسلامِ، وهو ما يتناقَضُ مع موقفِ الإدارةِ المُعلَنِ كراعٍ حِياديِّ لعمليةِ السلامِ في الشرقِ الأوسطِ؛ ممَّا أفقدها المِصداقيَّةَ والحياديَّةَ والشفافيةَ، والسعيَ الحقيقيَّ الدؤوبَ لإحلالِ السلامِ في الشرقِ الأوسطِ، وإنصافِ الشعبِ الفلسطينيِّ في إقامةِ دولتِه ونَيلِه الحريةَ والاستقلالَ التامَّ، مشدِّدًا على ضرورةِ إيجادِ إطارٍ دَوليٍّ جديدٍ لرعايةِ السلامِ في الشرقِ الأوسطِ.
ثبَت أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم اعْتمَرَ مِنَ الجِعْرانةِ عامَ حُنينٍ، وهذه العُمرَةُ هي الثَّالثةُ بعدَ عُمرَةِ الحُديبيَةِ وعُمرَةِ القَضاءِ. قال ابنُ حَجَرٍ: فإنَّه صلى الله عليه وسلم أَحرَمَ مِنَ الجِعْرانةِ ودخَل مكَّةَ ليلًا فقَضى أمْرَ العُمرَةِ ثمَّ رجَع ليلًا فأَصبحَ بالجِعْرانةِ كَبائِتٍ. قال إبراهيمُ النَّخَعيُّ: كانوا يَستَحِبُّون أن يَدخلوا مكَّةَ نهارًا ويَخرُجوا منها ليلًا. وعن عطاءٍ: إن شِئْتُم فادْخُلوا ليلًا إنَّكم لَستُم كرسولِ الله صلى الله عليه وسلم، إنَّه كان إمامًا فأَحَبَّ أن يَدخُلَها نهارًا لِيَراهُ النَّاسُ. انتهى. وقَضيَّةُ هذا أنَّ مَن كان إمامًا يُقْتَدى به اسْتُحِبَ له أن يَدخُلَها نهارًا.
هو الإمامُ الحافِظُ الجَوَّال، مُحَدِّثُ الإسلامِ، أبو عبد اللهِ مُحمَّد بنُ إسحاق بن محمَّد بن يحيى بن مَنْدَه الأصبهاني (الأصفهاني)، صاحِبُ التصانيف. وجَدُّه منده أسلَمَ حين افتتَحَ أصحابُ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أصبهانَ، وولاؤه لعبدِ القَيسِ، وكان مجوسيًّا فأسلم، وناب عن بعضِ أعمال أصبهان (أصفهان), وُلِدَ ابنُ مَنْدَه سنة 310، وقيل إحدى عشرة. كان ثَبتَ الحَديثِ والحِفظِ، ورحَلَ إلى البلادِ الشَّاسعة، وسَمِعَ الكثيرَ، وصَنَّف التاريخَ، والنَّاسِخَ والمَنسوخَ. قال أبو العباس جعفرُ بنُ مُحمَّد المُستغفريُّ الحافظ: "ما رأيتُ أحفَظَ مِن ابنِ مَنْدَه". قال الذهبي: "ولم أعلَمْ أحدًا كان أوسَعَ رِحلةً منه، ولا أكثَرَ حَديثًا منه مع الحِفظِ والثِّقةِ، فبلَغَنا أنَّ عِدَّةَ شُيوخِه ألفٌ وسبعُمئة شَيخٍ" وقال الذهبيُّ أيضًا: "إنَّ أبا نُعَيمٍ الحافِظَ ذُكِرَ له ابنُ مَنْدَه، فقال: كان جبلًا مِن الجبال. فهذا يقولُه أبو نُعَيم مع الوَحشةِ الشَّديدةِ التي بينه وبين ابنِ مَندَه".وقد توفِّيَ في أصفهان.
صفي الرحمن بن عبد الله بن محمد أكبر المباركفوري الأعظمي، وُلد في 6 يونيو 1943م بقرية من ضواحي مباركفور، وهي معروفة الآنَ بشرية حسين آباد، تعلَّم في صباه القرآنَ الكريمَ، كما حصَلَ على الشهادة المعروفة بشهادة «مولوي» في فبراير سنة 1959م، ثم حصَلَ على شهادة «عالم» في فبراير سنة 1960م من هيئة الاختبارات للعلوم الشرقية في مدينة الله أباد بالهند، ثم حصَلَ على شَهادةِ الفَضيلة في الأدبِ العربيِّ في فبراير سنةَ 1976م، وبعدَ تخرُّجِه من كلية فيض عام اشتغَلَ بالتدريسِ والخَطابةِ، وإلقاء المحاضَراتِ، والدعوة إلى اللهِ في مقاطَعةِ «الله آباد» وناغبور، وقام الشيخ بتأليف كتاب «الرحيق المختوم»، ونال به الجائزةَ الأُولى من رابطة العالمِ الإسلاميِّ، وانتقَلَ إلى الجامعة الإسلاميَّة بالمدينة النبويَّة ليعمَلَ باحثًا في مركزِ خِدمةِ السُّنة والسيرة النبوية عامَ 1409ه، وعمِلَ فيه إلى نهاية شهرِ شَعبانَ 1418هـ، ثم انتقَلَ إلى مكتبة دارِ السلام بالرياضِ، وعمِلَ فيها مُشرفًا على قسم البحث والتحقيق العلميِّ إلى أنْ توفَّاه اللهُ عزَّ وجلَّ، ومن مؤلَّفاته أيضًا: ((سنة المنعم في شرح صحيح مسلم))، و((إتحاف الكرام في شرح بلوغ المرام))، و((بهجة النظر في مصطلح أهل الأثر))، و((المصباح المنير في تهذيب تفسير ابن كثير))، وغيرها، تُوفيَ الشيخ عقِبَ صلاةِ الجمُعة في موطِنِه مباركفور أعظم كر- بالهند، بعد مرضٍ ألَمَّ به، رحمَه اللهُ تعالى.
لم تنجح المحاولاتُ التي بذلتها المجموعاتُ والأحزابُ المعارِضة لعبد الكريم قاسم في إنهاء حُكمه؛ لقدرة قاسم على كشف كلِّ المحاولات ثم إحباطِها؛ فبدأ كلُّ حزب يعمل على حِدةٍ وبسِرِّية حتى تمكَّن حِزبُ البعثِ من تصفيته وتقويضِ حُكمه؛ ففي الأول من شعبان عام 1382هـ / 27 ديسمبر 1962م قامت مظاهرات طلابية بسبب تدخل المهداوي رئيس المحكمة العسكرية في شؤون إحدى المدارس، فاستغلَّ الحزبيون الموقفَ فورًا، ولما تم اعتقال أحد الضباط الحزبيين -وهو صالح مهدي- اجتمع زعماءُ الحزب المدنيون، فعلم الرئيس بهم فأمرَ باعتقالهم، ومن بينهم رئيس الحزب علي السعدي، فرأى العقيد أحمد حسن البكر رئيس المجموعة الحزبية في الجيش إعلان الثورة قبل أن تعمَّ الاعتقالاتُ؛ فبدأ التمردُ في 14 رمضان / 8 شباط في حامية أبو غريب غرب بغداد، فتمَّ اغتيالُ قائد سلاح الجو، ثم احتلوا الإذاعةَ، وبدأ القصفُ الجوي على وزارة الدفاع، وأعلنت الإذاعةُ أن حكم عبد الكريم قاسم قد انهار، مع أن المقاومة كانت ما تزال عنيفةً، وطُرِح اسم عبد السلام عارف كرئيسٍ مؤقَّتٍ لرئاسة الجمهورية؛ لسمعته الطيبة، ثم اضطرَّ عبد الكريم قاسم للاستسلام، فتشكَّلت محكمةٌ فورية قضت عليه بالقتل ونفذته فورًا، وأُذيعَ نبأُ تعيين عبد السلام عارف رئيسًا للجمهورية العراقية، وتشكيل مجلس ثورة يضم 20 عضوًا من البَعثيين وغيرهم، برئاسة العقيد أحمد حسن البكر رئيس، وكان نائبه صالح مهدي عماش، ثم رُشِّح صدام حسين التكريتي لتولِّي منصب نائب رئيس مجلس الثورة.