اسمُه الحقيقيُّ عبدُ الرؤوف عرفات عبد الرحمن القدوة، واسمُه الحركيُّ: ياسر عرفات أبو عمَّار، وُلد في القاهرة بحي السكاكين في حارة اليهود، بتاريخ 24/08/1929م. جَدُّه عبد الرحمن القدوة قدِمَ من المغرب إلى القُدسِ في أواخر القرن التاسعَ عَشَرَ، لازم الشيخَ عصام السعيد في المسجد الأقْصى يُعينه في كلِّ ما يطلب منه، ثم تزوَّج ابنتَه -وكانت عانسًا ومُقْعَدةً- فأنجبا ولدًا واحدا سمَّياه عرفات، تزوَّج ياسر عرفات من سُها الطويل التي تَنْتَمي لعائلة نصرانيَّة من القُدس، والدها صاحب ومؤسِّس المَصرِف العثماني، وجَدُّها كان أحدَ كبار الإقطاعيين في فِلَسْطينَ، عُيِّن رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفِلَسْطينية 06/09/1969م، ورئيسًا لسُلْطة الحكم الذاتي الفِلَسْطيني منذُ اتفاق أوسلو 13/09/1993م، وفي يوم الثلاثاء 12 أكتوبر 2004م ظهرت أُولى علامات التدهور الشديد لصحة ياسر عرفات، فقد أُصيب عرفات كما قرَّر أطباؤه بمرض في الجهاز الهضمي، وقبلَ ذلك بكثير عانى عرفات من أمراض مختلِفة، منها نزيفٌ في الجمجة ناجمٌ عن حادث طائرة، وفي السنة الأخيرة من حياتِه تمَّ تشخيصُ جُرحٍ في المعدة، وحَصًى في كيس المرارة، وعانى ضَعفًا عامًّا وتَقلُّبًا في المِزاجِ، فعانى من تدهورٍ نفسيٍّ، وضعفٍ جُسمانيٍّ، وتدهورت حالتُه الصحية تدهورًا سريعًا في نهاية أكتوبر 2004م، فنُقل إلى الأُردُنِّ، ثم إلى مستشفى بيرسي في فرنسا في 29 أكتوبر 2004م، ثم تمَّ الإعلان الرسمي عن وفاتِه من قِبَل السُّلْطة الفِلَسْطينية في 11 نوفمبر 2004م، ودُفن في مبنى المقاطعة في مدينة رام الله، بعد أن تمَّ تَشييع جُثمانه في مدينة القاهرة، وذلك بعد الرفض الشديد من قِبَل الحكومة الإسرائيلية لدفن عرفات في مدينة القُدسِ كما كانت رغبة عرفات قبلَ وَفاته، وأفاد التقرير أن الوفاة نتجَت عن نزيف دموي شديد في الدماغ، وتضارَبت الأقوال كثيرًا في وفاة ياسر عرفات، ويعتقد الكثيرون بأن وفاتَه كانت نتيجة لعملية اغتيال بالتسميم، أو بإدخال مادةٍ مجهولةٍ إلى جسمه.
هو الشَّيخُ الإمامُ الحافِظُ القدوة المحقِّق، المجَوِّد الحُجَّة، بقية السلف، أبو عبد الله ضياء الدين، محمد بن عبد الواحد بن أحمد بن عبد الرحمن بن إسماعيل، السعدي المقدسي، الجماعيلي، ثم الدمشقي، الصالحي، الحنبلي، صاحبُ التصانيف والرحلة الواسعة. ولد سنة 569 بدمشق في الدير المبارك، بقاسيون، سمع الحديث الكثير وكتب كثيرًا, وطوَّفَ بالبلاد وبَقِيَ في الرحلة المشرقيَّة مدَّة سنين، وحصَّل فيها الأصولَ الكثيرة وجرَّح وعدَّل، وصحَّح وعلَّل، وقيَّد وأهمل، مع الديانة والأمانة والتقوى، والصيانة والورع والتواضُع، والصدق والإخلاص وصحَّة النقل. وجمَع وصَنَّف، وألف كتبًا مفيدةً حسنة كثيرة الفوائد، من ذلك كتابُ الأحكام ولم يتِمَّه، وكتاب المختارة وفيه علوم حسنة حديثيَّة، وهي أجودُ من مستدرك الحاكم لو كَمُل، وله فضائِلُ الأعمال, وفضائل القرآن ومناقبُ أهل الحديث، وغيرُ ذلك من الكتب الحَسَنة الدالَّة على حِفظِه واطِّلاعِه وتضلُّعِه من علوم الحديث متنًا وإسنادًا، قال الذهبي: "ولم يزَلْ ملازمًا للعلم والرواية والتأليفِ إلى أن مات، وتصانيفُه نافعة مهذبة. أنشأ مدرسةً إلى جانب الجامِعِ المظفري، وكان يبني فيها بيَدِه ويتقنَّع باليسير، ويجتهِدُ في فعل الخير ونشْرِ السنَّة، وفيه تعبٌد وانجماع عن الناس، وكان كثيرَ البر والمواساة، دائِمَ التهجد، أمَّارًا بالمعروف، بهيَّ المنظر، مليحَ الشَّيبة، محببًا إلى الموافق والمخالف، مشتغلًا بنَفسِه" قال الحافظ شرف الدين يوسف بن بدر: "رحم الله شيخَنا ابن عبد الواحد، كان عظيمَ الشأن في الحفظِ ومعرفة الرجال، هو كان المشارَ إليه في علم صحيح الحديث وسقيمه، ما رأت عيني مِثلَه". وقال عمرُ بنُ الحاجِبِ: "شيخنا الضياء شيخُ وقته، ونسيجُ وحده علمًا وحفظًا وثقةً ودينًا، من العلماء الربانيين، وهو أكبر من أن يدِلَّ عليه مثلي" وقد وقف كتبًا كثيرة عظيمةً لخزانة المدرسة الضيائيَّة التي وقفها على أصحابِهم من المحدِّثين والفقهاء. توفي بدمشق.
هو الشيخُ عُمَرُ عبد الرحمن: عالمٌ أزهريٌّ، وهو الزعيمُ الرُّوحيُّ للجماعةِ الإسلاميةِ في مصرَ. ولِدَ بمدينةِ الجمالية بالدقهليةِ عامَ 1938، فَقَدَ بَصَرَه بعدَ عشَرةِ أشهُرٍ من ولادتِه، حصَلَ على الثانويةِ الأزهريةِ عامَ 1960، ثم التحَقَ بكليَّةِ أصولِ الدينِ بالقاهرةِ، ودَرَسَ فيها حتى تخرَّجَ فيها سنةَ 1965 بتقديرِ امتيازٍ مع مرتَبةِ الشرَفِ، ثم حصَلَ على شهادةِ الماجستير، وعَمِلَ مُعيدًا بالكليَّةِ، أُوقِفَ عن العَمَلِ في الكليَّةِ عامَ 1969م ونُقِلَ من الجامعةِ من مُعيدٍ بها إلى إدارةِ الأزهرِ بدونِ عمَلٍ، واستمرَّ ذلك حتى اعتُقِل في 13 أكتوبر 1970 بعد وفاةِ الرئيسِ المِصريِّ جمال عبد الناصر. وبعد الإفراجِ عنه تمكَّنَ من الحصولِ على الدكتوراه بتقديرِ امتيازٍ مع مَرتبةِ الشرَفِ، وعُيِّنَ مدرسًا بكليةِ البناتِ وأُصولِ الدِّينِ بأسيوطَ، ومكَثَ بالكليةِ أربعَ سنَواتٍ حتى عامِ 1977، ثم أُعيرَ إلى كليَّةِ البناتِ بالرياضِ بالمملكةِ العربيةِ السعوديةِ حتى سنةِ 1980، ثم عادَ إلى مصرَ. وفي سبتمبر 1981 اعتُقِل وحُوكِمَ في قضيةِ اغتيالِ الساداتِ أمامَ المحكمةِ العسكريَّةِ ومَحكمةِ أمنِ الدولةِ العليا، وحصَلَ على البراءةِ في القضيتَينِ، وخرَجَ من المُعتقَلِ في 2 أكتوبر 1984. ثم سافرَ إلى الولاياتِ المتحدةِ ليُقيمَ في ولايةِ نيوجرسي، واعتُقِلَ هناك بتهمةِ التورُّطِ في تفجيراتِ نيويورك عامَ 1993، وحُكِمَ عليه بالسَّجنِ المُؤبَّدِ. وفي آخرِ عُمرِه أصيبَ الشيخُ بعِدَّةِ أمراضٍ وعَدمِ القدرةِ على الحركةِ إلا على كرسيٍّ مُتحرِّكٍ، إلى أنْ تُوفِّيَ داخلَ السجونِ الأمريكيةِ في الثامنَ عشَرَ من فبراير في عامِ 2017 عن عمرٍ 78 عامًا.
في الجزائر انطلق محمد المقراني مجاهدًا في سبيل الله ثائرًا على المغتصبين الفرنسيين الصليبيين، مدافعًا عن حقوق العباد، فزحف على بلدة البرج في تاريخ 28 ذي الحجة 1287هـ / 16 آذار 1871م وفي الوقت نفسِه أمر أخاه بو مرزاق بالتحرُّك في منطقة سور الغزلان، وابنَ عمِّه وصهرَه السعيد بن داود بالتحرُّك في منطقة الحضنة وبلاد أولاد نائل، وابنَ عمه الثاني بوزيد بن عبد الرحمن بالزحف إلى البرج مع خمسة عشر ألف مقاتل لدعم الثورة، غير أنه فَشِل في دخول بلدة البرج بعد حصار دام عدة أيام، ثم انتشرت ثورةُ المقراني عبر العديدِ مِن مناطق الشرق الجزائري. إلى أن اغتاله الفرنسيون سنة 1288ه ومع أنَّ ثورته لم تدُمْ كثيرًا لكنها تعتبَرُ من أكبر حركات المقاومة الجزائرية ضِدَّ الفرنسيين؛ إذ تولى قيادتَها بعد مقتل المقراني أخوه أبو مزراق، واشترك فيها أكثر من مائتي ألف مجاهد، وخاضوا أكثر من ثلاثمائة وأربعين معركة، وعمل ضدهم ما يزيد على ثمانمائة ألف مقاتلٍ فرنسي.
هو عبد الرحمن بن أحمد بن مسعود الكواكبي، ويلقَّب بالسيد الفراتي، مِن رجالِ الأدب والاجتماع والسياسة، وهو من رواد الحركةِ القومية العربيَّة، ولد في 23 شوال سنة 1271هـ في مدينة حلب، وتعَلَّم بها، وكانت له مكانةٌ مرموقة في بلَدِه، يقصدُه أصحابُ الحاجات لقضائِها، ويلجأُ إليه أرباب المشاكلِ لحلِّها، بل كان رجالُ الحكم يستشيرونه أحيانًا فيُبدي رأيَه في جرأة وشجاعة. أنشأ في حلب جريدة (الشهباء) فأغلقَتْها الحكومةُ؛ لهجومه على العثمانيين وطَلَبِه استقلالَ العرب عنهم، ثم أنشأ جريدةَ (الاعتدال) فعُطِّلت كذلك من قِبَل الحكومة، وأُسنِدَت إليه مناصِبَ عديدة. سجنه العثمانيون بسببِ موقِفِه منهم، وتشجيعِه للعرب على الانفصالِ عن الدولة العثمانية، وحكَموا عليه بالقتل إلَّا أن الرأيَ العامَّ جعل العثمانيين يُطلِقون سراحَه، وخَسِرَ جميع ماله، فرحل إلى مصر. وساح إلى بلاد العربِ وشرقي إفريقية وبعض بلاد الهند. واستقَرَّ في القاهرة إلى أن توفي. له من الكتب ((أم القرى))، و ((طبائع الاستبداد))، وكان لهما عند صدورهما دويٌّ كبيرٌ، ألَّف أيضًا كتاب ((العظمة لله))، و((صحائف قريش))، إلى غير ذلك، توفي في القاهرة، ودُفِنَ فيها.
أبو عبدِ الرحمنِ مُقبلُ بنُ هادي بنِ مُقبلِ بنِ قايدةَ الوادعيُّ الهَمْدانيُّ، نشأ يتيمًا، ونشأ في بيئة مليئةٍ بالجهل والشركِ، وقد منَّ الله عليه بالهداية، فكان يأمُرُ بالمعروفِ ويَنْهى عن المنكرِ، فأُوذيَ بسبب ذلك كثيرًا، ثم عُنيَ بطلب العلم، وخاصَّةً الحديثَ، حتى برعَ فيه، وأجاد، وكان مشهورًا بحرصه على اتِّباع السُّنة، والرد على أصحاب الأهواء والبِدعِ، مع زهدٍ، وعزوفٍ عن الدنيا، وتواضعٍ، وكرمٍ، وسخاءٍ، ومؤلَّفاتُه تُبيِّن مدى براعته في علم الحديث، ومنها: ((الصحيح المسنَد ممَّا ليس في الصحيحَينِ))، و((الصحيح المسنَد من أسباب النزول))، و((الصحيح المسنَد من دلائل النبوة))، و((غارة الفصل على المعتدين على كتب العلل))، و((أحاديث معلة ظاهرها الصحة))، و((أدلة الجمع بين الصلاتين في السفر))، وغيرها، كان الشيخ قد أُصيبَ بمرضٍ في الكبدِ اضطره للسفرِ للخارج لعمل زراعة للكبدِ، ثم بعد عدة سفراتٍ رجَعَ إلى جُدَّةَ، وبَقيَ في مَشفَى الملك فَيصلٍ بين غيبوبةٍ ويَقظةٍ، حتى كان بعد غروب يوم ليلة الأحد أول جمادى الأولى 1422هـ تُوفيَ، ولم يبلُغِ السبعينَ من عمرِه، ثم غُسِّلَ، وكُفِّنَ، وصُلِّيَ عليه بمكَّة المكرَّمة في المسجد الحرام، ودُفِنَ في مقبرة العدل، رحمه اللهُ تعالى، وجزاه عن الإسلام والمسلمين خيرًا.
أخذ الملكُ الصالحُ نجمُ الدين أيوب صاحِبُ مصر دمشقَ بعد أن حاصرها بمساعدةِ الخوارزميَّة، وكان الخوارزميَّة يظنون أنَّ السلطانَ إذا انتصر على عَمِّه الملك الصالح إسماعيل يقاسِمُهم البلادَ حتى دمشق، فلما منعوا من دمشقَ، وصاروا في الساحِلِ وغيره من بَرِّ الشام، تغيَّرت نياتُهم، واتفقوا على الخروجِ عن طاعة الملكِ الصالح نجم الدين، وساروا إلى داريا وانتهبوها، وكاتَبوا الأميرَ ركنَ الدين بيبرس وهو على غَزَّة بعسكرٍ جَيِّدٍ مِن عساكر مصر، وحَسَّنوا له أن يكونَ معهم يدًا واحدةً ويزوِّجوه منهم، فمال إليهم، وكاتبوا الناصِرَ داود صاحِبَ الكرك، فوافَقَهم ونزل إليهم واجتمع بهم وتزوَّج منهم، وعاد الناصرُ إلى الكرك واستولى على ما كان بيد الأمير حسامِ الدينِ بنِ أبي علي، من نابلس والقُدس والخليل، وبيت جبريلَ والأغوار، وخاف الصالحُ إسماعيل، فكاتب الخوارزميَّة وقَدِم إليهم، فحلفوا له على القيامِ بنُصرتِه، ونزلوا دمشقَ، فقام الأميرُ حسام الدين بن أبي علي بحفظِ البلدِ أحسَنَ قيام، وألحَّ الخوارزمية ومعهم الصالحُ إسماعيل في القتال ونهْبِ الأعمال، وضايقوا دمشقَ، وقطعوا عنها الميرةَ، فاشتَدَّ الغلاءُ بها، ومات كثيرٌ من الناس جوعًا، ثم عَدِمَت الأقواتُ بالجملة، وأكل الناسُ القِطَط والكلابَ والميتاتِ، ومات شخصٌ بالسجن فأكله أهلُ السِّجنِ! وهلك عالمٌ عظيم من الجوع والوباء، واستمر هذا البلاء ثلاثة أشهرٍ، وصار من يمُرُّ من الجبل يشتَمُّ ريحَ نتنِ الموتى، لعجز الناس عن مواراة موتاهم، وأخذ الملك الصالح نجم الدين مع ذلك في إعمالِ الحِيَل والتدبير، وما زال بالمنصور إبراهيمَ صاحب حمص حتى مال إليه، واتفق أيضًا مع الحلبيِّينَ على محاربة الخوارزميَّة، فخرج الملك الصالح نجم الدين من القاهرةِ بعساكِرِ مصر، ونزل العباسة، فوافاه بها رسلُ الخليفة، وهما محمَّد بن وجه السبع، وجمالُ الدين عبد الرحمن بن محيي الدين أبي محمد يوسف بن الجوزي في آخر شوال، ومعهما التقليدُ والتشريف الأسود: وهو عمامة سوداء وجبة وطوق ذهب، وفرس بمركوبٍ بحلية ذَهَب، فنصب المنبرَ، وصعد عليه جمال الدين عبد الرحمن محيي الدين بن الجوزي الرَّسول، وقرأ التقليدَ بالدهليز السلطاني، والملك الصالحُ نجم الدين قائم على قَدَميه، حتى فرغ من القراءة، ثم ركِبَ والملك الصالحُ نجم الدين بالتشريفِ الخليفتي، فكان يومًا مشهودًا، وكان قد حضر أيضًا من عند الخليفة تشريفٌ باسم الصاحب معين الدين بن شيخ الشيوخ، فوجد أنه قد مات، فأمر السلطانُ أن يفاض على أخيه الأميرِ فخرِ الدين يوسف بن شيخ الشيوخ، فلبسه، فلما بلغ الخوارزميَّةَ مسيرُ السلطان من مصر، ومسير الملك المنصور إبراهيم صاحِب حمص بعساكر حلب، رحلوا عن دمشق يريدون لقاء المنصورِ، فوجد أهلُ دمشق برحيلهم فَرَجًا، ووصلت إليهم الميرةُ، وانحلَّ السِّعرُ.
بعَث النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم أبا بكرٍ أَميرًا على الحَجِّ بعدَ انْسِلاخِ ذي القَعدةِ لِيُقيمَ للمسلمين حَجَّهُم -والنَّاسُ مِن أهلِ الشِّركِ على مَنازِلهم مِن حَجِّهِم- فخرَج أبو بكرٍ رضِي الله عنه ومَن معه مِنَ المسلمين، وقد بعَث عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ عَلِيًّا رضي الله عنه بعدَ أبي بكرٍ الصِّدِّيقِ رضي الله عنه لِيكونَ معه، ويَتوَلَّى علِيٌّ بِنَفْسِه إبلاغَ البَراءةِ إلى المشركين نِيابَةً عن رسولِ الله صلى الله عليه وسلم لِكونِهِ ابنَ عَمِّهِ، مِن عَصَبَتِهِ، قال أبو هُريرةَ: بعَثَني أبو بكرٍ في تلك الحَجَّةِ في مُؤَذِّنين يَومَ النَّحْرِ، نُؤَذِّنُ بمِنًى: أن لا يَحُجَّ بعدَ العامِ مُشركٌ، ولا يَطوفَ بالبيتِ عُريانٌ. قال حُميدُ بنُ عبدِ الرَّحمنِ: ثمَّ أَردَفَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عَلِيًّا، فأَمَرهُ أن يُؤَذِّنَ ببَراءَة. قال أبو هُريرةَ: فأَذَّنَ مَعَنا علِيٌّ في أهلِ مِنًى يَومَ النَّحْرِ: لا يَحُجُّ بعدَ العامِ مُشرِكٌ، ولا يَطوفُ بالبيتِ عُريانٌ.
محمَّد عمارةَ مُصطفى عمارة، وُلِد عام 1350هـ / 1931م، وكان عضوًا في مَجمَعِ البحوثِ الإسلامية بالأزهَر، وعضْوَ هَيئةِ كِبار عُلماء الأزهر، وعضْوَ المجلِسِ الأعلى للشُّؤون الإسلاميةِ بمِصر، ورَئيسَ تَحرير مجلَّة الأزهرِ.
كان ماركسيًّا، ثم هَداهُ الله فأصبَح مِن الكُتَّاب الإسلاميِّينَ، ولكنَّه كان يَخلِطُ في كِتاباتِه بين الفِكر الاعتزاليِّ العَقْلاني والمنهجِ السَّلَفي، وله انتقاداتٌ جيِّدة على العَلْمانيِّين حتى أصبَح شَوكةً في حُلوقِهم.
له عشَراتُ المؤلَّفات؛ منها: (التفسير الماركسيُّ للإسلام)، و(نَهضتنا الحديثة بين العلْمانية والإسلام)، و(الإسلام والتعدُّدية)، و(جمال الدين الأفغانيُّ مُوقِظ الشرق وفَيلسوف الإسلام)، و(نقْض كتاب الإسلام وأُصول الحكم)، و(خطَر العَولمةِ على الهويَّة الثقافية)، و(المواجَهة بين الإسلام والعَلْمانية)، و(تهافُت العَلمانية)، و(التشيُّع الفارسيُّ المعاصر - خَفايا المؤامرة). كما حقَّق مجموعةً من الأعمال الكاملة لعددٍ من الكُتاب؛ منهم: رِفاعة الطَّهطاوي، وجمال الدِّين الأفغاني، ومحمد عبْده، وعبد الرحمن الكَواكبي، وقاسم أمين.
مؤسِّسُها يحيى بن الحسَن الطالبيُّ الذي كان يعيشُ بالمدينة المنورة، ولكِنَّه وبطلَبٍ مِن أهل اليمَنِ سافر إليهم فالتَفُّوا حوله واستقَرَّ في صعدةَ عام 284 فأراد التوسُّعَ، فاصطدم بمقاومةِ حُكَّامِ اليمَنِ، وكان أشدَّهم عليه بنو يعفرَ في صنعاء، فاصطدم معهم عام 285 غيرَ أنَّه عجزَ عن دخولها، لكنَّه دخلها عام 288ه بمساعدة الأئمَّة الزُّيود الذين استولَوا على الحُكمِ فيما بعدُ، وهم بنو الرسِّ في صعدة، ثم حكَمَهم الإمام المنصور يحيى الذي دام حكمُه من عام 325ه حتى عام 366ه ومِن بعده جاء يوسُفُ الداعي الذي امتَدَّ حكمُه من 366 إلى 430. ثم ضَعُفَ أمر بني رسٍّ بعد موت الداعي يوسُفَ وموت المهديِّ الحسين بن القاسم في العام نفسِه، وقد كانا إمامينِ في وقتٍ واحد. وانقطعت دولتُهم حتى عام 426 ثمَّ قام الحسن بن عبد الرحمن (أبو هاشم) واستمَرَّ أمره حتى عام 431، ثم انقطعت الدولة الثانيةُ مُدَّةَ سِتِّ سنواتٍ أخرى، حيث قام أبو الفتح الديلمي عام 437 ثم قُتِلَ عام 444 في معركةِ فيد أثناء حروبِه مع علي الصليحي، وتوقف أمرُ الأئمة حوالي مائة سنةٍ بعد ذلك، ثمَّ برز إمامُ بني الرس أحمد بن سليمان، وبقي حتى عام 566 ولم يكُنْ وضعُه مستقرًّا.
وُلِد شيخ مجيب الرحمن عام 1920م في قرية تونجيبار تبعد 97 كم جنوب غربي دكا، درس مجيب الرحمن في مدارس الإرسالياتِ التنصيريةِ وتربَّى فيها وحصل على درجة البكالوريوس في الآداب من جامعة كالكوتا، كما حصل على شهادة في القانون من جامعة دكا. كان أحد مؤسِّسي رابطة "عوامي" العام 1949م، وكان مؤيدًا انفصال باكستان عن الهند. استطاع شيخ مجيب بعد نُشوب حربٍ أهلية شرسةٍ بين شطري باكستان الغربيِّ والشرقيِّ أن ينفصلَ بالشطر الشرقيِّ؛ ففي عام 1970م قاد شيخ مجيب حزبَه إلى فوزٍ كاسحٍ في الانتخاباتِ، فأعلن بعد فوز حزبه قيامَ دولةِ بنغلاديش منفصلةً عن باكستان الغربية التي عانت من مشاكل سياسيَّة واجتماعيَّة واقتصاديَّة؛ فاضطرَّ الرئيس الباكستاني يحيى خان (شيعي) أن يسافرَ إلى الجناح الشرقي من باكستانَ، ويعتقلَ مجيب الرحمن، فتسلَّم رئاسة بنغلاديش نصر الإسلامِ، أما رئاسةُ الحكومة فتسلَّمها تاج الدين أحمد، ولما أُطلق سراح مجيب الرحمن سافر فورًا إلى لندن وأجرى مباحثات مع رئيس وزراء بريطانيا، ثم عاد إلى دكا عاصمة بنغلاديش على طائرة هنديةٍ، فتولَّى رئاسة الوزراء بنفسه، وجعل من منصب رئيس الجمهورية صورة شرفية، ثم أعلن مجيب الرحمن قطعَ علاقة دولتِه بباكستانَ الغربيةِ، فعرض عليه ذو الفقار بوتو التنازلَ له عن السلطةِ في سبيل المحافظة على وحدةِ باكستان لكنَّه رفض، فأصدر دستورًا مؤقتًا ركَّز فيه سلطاتِ الحكم بيده، وتولَّى مجيب وزاراتِ الدفاع والداخليةِ والإعلامِ وشؤون مجلس الوزراء، ثم قرَّر أن يتولَّى رئاسة البلاد في يناير 1975، وركَّز جميع السلطات في يديه، ثم اعتمد نظام الحزب الواحدِ، وطارد المعارضةَ السياسيةَ وجمَّد الدستور، وحلَّ جميع التنظيمات السياسية، وفرض الرقابةَ على الصحافةِ، كل هذه الأمور قوَّت جبهة المعارضين ضدَّه وضد سياساتِه، وفي العام الذي تولَّى فيه رئاسة الدولة حدث انقلابٌ عسكري في 15 أغسطس قام به الجيشُ ضده، وانتهى الأمر بمقتلِه، وقد ترك شيخ مجيب الرحمن خَلْفه ابنتَه شيخة حسينة التي قادت المُعارضة، وفاز حزبُها رابطة عوامي في انتخابات 1996م.
هو إمام أهل الشام أبو عمرو عبد الرحمن بن عمرو بن محمد الأوزاعي، من كبار تابعي التابعين. ولقب بالأوزاعي نسبة إلى الأوزاع وهي فرع من همدان, وقيل الأوزاع قرية بدمشق على طريق باب الفراديس، ولم يكن أبو عمرو منهم، وإنما نزل فيهم فنسب إليهم وهو من سبي اليمن. وُلِدَ في بعلبك سنة 88 ونشأ في البقاع يتيم الأب, ثم انتقلت به أمه إلى بيروت، كان فوق الربعة خفيف اللحية به سمرة، وكان يخضب بالحناء. طلب الحديثَ فصار إمامَ أهل الشام، وكان ثقة مأمونا، فاضلا خيرا، كثير العلم والحديث والفقه، حجة, ذا أدبٍ وورع، وزهدٍ عُرِضَ عليه القضاء وأبى, صاحِبُ مذهبٍ فقهيٍّ مُندثِرٍ، إلَّا أنَّ عِلمَه لم يجمَعْه تلاميذُه في الكتب، على خلافِ ما فعل أتباعُ أبي حنيفة النعمان وغيره، فحافظوا على مذاهِبِ مُعَلِّميهم. وأنشأ مذهبًا مستقلًّا مشهورًا عُمِلَ به مدَّةً عند فقهاءِ أهل الشام والأندلس ثمَّ اندرس، ولكنْ ما زالت له بعض المسائل الفقهيَّة في أمهَّات الكتب، وكان الأوزاعي قد التزم في فتاويه بالتوقف عند النصوص الصحيحة من الكتاب والسنة. سكن بيروت وبها توفِّيَ.
كَمُل بناء المدرسة المستنصرية ببغداد ولم يُبنَ مدرسةٌ قبلَها مِثلُها، ووقفت على المذاهب الأربعة من كل طائفة اثنان وستون فقيهًا، وأربعة معيدين، ومدرس لكل مذهب، وشيخ حديث وقارئان وعشرة مستمعين، وشيخ طب، وعشرة من المسلمين يشتغلون بعلم الطب، ومكتب للأيتام، وقدر للجميع من الخبز واللحم والحلوى والنفقة، ما فيه كفاية وافرة لكل واحد، ولما كان يوم الخميس خامس رجب حضرت الدروس بها وحضر الخليفة المستنصر بالله بنفسه الكريمة وأهل دولته من الأمراء والوزراء والقضاة والفُقَهاء والصوفية والشعراء، ولم يتخلَّفْ أحد من هؤلاء، وعمل سماط عظيم بها أكل منه الحاضرون، وحُمِلَ منه إلى سائر دروب بغداد من بيوتات الخواصِّ والعوام، وخلع على جميع المدرسين بها والحاضرين فيها، وعلى جميعِ الدولة والفقهاء والمعيدين، وكان يومًا مشهودًا، وأنشدت الشعراء الخليفةَ المدائح الرائقة والقصائد الفائقة، وقد ذكَرَ ذلك ابن الساعي في تاريخه مطولًا مبسوطًا شافيًا كافيًا، وقرَّر لتدريس الشافعية بها الإمام محيي الدين أبو عبد الله بن فضلان، وللحنفية الإمام العلامة رشيد الدين أبو حفص عمر بن محمد الفرغاني، وللحنابلة الإمام العالم محيي الدين يوسف بن الشيخ أبي الفرج بن الجوزي، ودرَّسَ عنه يومئذ ابنُه عبد الرحمن نيابة لغيبته في بعض الرسالات إلى الملوك، ودرس للمالكية يومئذ الشيخ الصالح العالم أبو الحسن المغربي المالكي نيابة أيضًا، حتى يعيَّنَ شَيخٌ غيره، ووُقِفَت خزائنُ كتب لم يُسمَعْ بمثلها في كثرتِها وحسن نسخها وجودة الكتب الموقوفة بها، وكان المتوليَ لعمارة هذه المدرسة مؤيد الدين أبو طالب محمد بن العلقمي الذي وزر بعد ذلك، وقد كان إذَّاك أستاذ دار الخلافة.
معاهدةٌ حدوديةٌ وُقِّعَت في العقير (ميناء قرب الأحساء)، كان الهدفُ منها إيجادَ حَلٍّ للخلاف بين الملك عبد العزيز والشريف حسين وأولاده في شرق الأردن والعراق، وأطماع الأتراك في الموصل، وقد مثَّلَ نجْدًا سلطانُ نجد عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود، وكان صبيح بك نشأت وزيرَ المواصلات والأشغال عن الملك فيصل ملك العراق، أمَّا الكويت فقد مثَّلَها الميجور مور الوكيل السياسي البريطاني في الكويت طبقًا لاتفاقية الحماية البريطانية الكويتية الموقَّعة عام 1899م، والتي تمنَحُ بريطانيا حَقَّ إدارة شؤون الكويت الخارجية، وكان السير برسي كوكس المعتمد السياسي في الخليج يلعَبُ دور الوسيط في تلك الاجتماعات. بدأت الاجتماعات بين ممثِّل العراق صبيح بك، والملك عبدالعزيز، بدأ الطرفان بالتشَدُّد في مواقفهم، حيث طلب العراق أن تكون حدودُه على بعد 12 ميلًا من الرياض، بالمقابِلِ طلب ابن سعود كلَّ مناطق البدو الشمالية من حلب حتى نهر العاصي، وعلى جانب الشطِّ الأيمن للفرات وحتى البصرة، وطالب أيضًا بحدود قَبَلية بدلًا من حدود ثابتة، استمرت النقاشاتُ طوال خمسة أيام، أراد الجانب العراقي حدودًا لا تقل عن 200 ميل جنوب الفرات، بينما أراد الملك عبدالعزيز أن يتِمَّ تحديدُ الحدود باعتبار منازل القبائل الموالية لكُلِّ طَرفٍ بدلًا من الترسيم عن طريق الخرائط. في اليوم السادس من اللقاءات تمَّ رسمُ الحدود التي اعتُمِدَت من قِبَل الأطراف الثلاثة، وتقرر بناءً عليها إنشاءُ منطقتين محايدتين: الأولى بين الكويت والسعودية، والثانية بين العراق والسعودية.
هو سَعيدُ بن جُبَير بن هِشام الأَسَدِيُّ الوالِبِيُّ مَوْلاهُم الكوفيُّ، أبو محمَّد، كان وِعاءًا مِن أَوْعِيَة العِلْم, قال خُصَيف: كان أَعْلَمَهم بالقُرآن مُجاهِد، وأَعْلَمَهم بالحَجِّ عَطاء، وأَعْلَمَهم بالحَلال والحَرام طاووس، وأَعْلَمَهم بالطَّلاق سَعيد بن المُسَيِّب، وأَجْمَعَهم لِهذه العُلوم سَعيد بن جُبير. لقد مات سَعيد بن جُبَير وما على ظَهْر الأرضِ رَجُل إلَّا يَحتاجُ إلى عِلْمِ سَعيد, وكان ابنُ جُبَير يقول بعدَ أن تَخَفَّى عن الحَجَّاج: (وَدِدْتُ لو أنَّ النَّاس أَخَذوا ما عِندي مِن العِلْم فإنَّه ممَّا يُهِمُّني). كان سَبَبَ قَتْلِ الحَجَّاج لابنِ جُبَير خُروجُه مع عبدِ الرَّحمن بن محمَّد بن الأشعث، وكان الحَجَّاج قد جَعَله على عَطاء الجُنْد حين وَجَّه ابنَ الأشعث إلى مَلِك التُّرْك رتبيل لِقِتالِه، فلمَّا خَلَعَ ابنُ الأَشعث الحَجَّاجَ كان سَعيدُ بن جُبَير فيمَن خَلَعَ، فلمَّا هُزِمَ ابنُ الأشعث ودَخَل بِلادَ رتبيل هَرَب سَعيد بن جُبَير إلى أَصْبَهان، فكَتَب الحَجَّاجُ إلى عامِلِهِ بِأَخْذِ سَعيد بن جُبَير، فخَرَج العامِل مِن ذلك بأن أَرسَل إلى سَعيد يُعَرِّفُه ذلك ويَأمُره بمُفارَقَتِه، فسارَ عنه فأَتَى أَذْرَبِيجان فطالَ عليه القِيامُ فاغْتَمَّ بها، وقد تَخَفَّى ابنُ جُبَير عن الحَجَّاج اثنا عَشَر سَنَةً، كان يَحُجُّ ويَعْتَمِر في كُلِّ سَنَةٍ فَتْرَةَ تَخفِّيه إلى أن خرج في مكَّة, فكان بها إلى أن وَلِيَها خالدُ بن عبد الله القَسري، فأشار مَن أشار على سَعيد بالهَرَب منها، فقال سَعيدٌ: والله لقد اسْتَحْيَيْتُ مِن الله، مم أَفِرُّ، ولا مَفَرَّ مِن قَدَرِهِ. فأَرسلَه خالدٌ القَسري إلى الحَجَّاج، ثمَّ إنَّ الحَجَّاج قَتَلَه، وقِصَّتُه مَشهورَة، ولم يَبْقَ الحَجَّاج بعدَ قَتلِه كَثيرًا، وكان يقول بعدَ ذلك: مالي ولابنِ جُبَير. فرَحِمَ الله سَعيدَ بن جُبَير.