بدأ الاستعمارُ الروسيُّ في فيرغيزيا عام 1866م، وقد أدَّى الاحتلالُ الروسي لقيرغيزيا إلى تناقُصِ عَدَدِ القيرغيز؛ بسبب الثوراتِ، والهروب من البلاد، والموت جوعًا، وحرب الإبادة التي مارسها الروسُ ضِدَّ القيرغيز؛ ففي سنة 1916م قامت ثورة قُتِلَ فيها 150 ألف قيرغيزي، ومات جوعًا من القيرغيز أثناء هربهم إلى الصين -إبَّان طغيان الحكم الشيوعي والسيطرة الروسية من قَبلُ- عشرات الآلاف، وأثناء الحكم الشيوعي منذ عام 1936م حتى عام 1991م سيطر الشيوعيون على كلِّ نواحي الحياة في البلاد، وأطلقوا على عاصمة البلاد اسم فرونزى نسبةً إلى القائد الروسي ميخائيل فرونزي الذي قاد الجيشَ الروسي في قتال القيرغيز واستعمار بلادهم، وكان الروسُ يشَجِّعون العداء بين القيرغيز وسكان الصين، وبدؤوا يغَيِّرون التاريخ والآداب والثقافة القيرغيزية، واتهموا الشعراء والأدباء وكتَّاب القصة بأنهم يفضِّلون الثقافة القيرغيزية على الروسية. وقد قامت السياسة الروسية السوفيتية السابقة على مبدأ تحريم استخدام الحروف العربية في كتابة اللغة التركية، وأصدر الروسُ أمرًا مركزيًّا يفرِضُ على مسلمي تركستان -ومن بينهم القيرغيز- اتخاذ الحروف الروسية (الكيريلية) بديلًا، وكان هذا عام 1940م. ليس هذا فقط بل قام نظام التعليمِ السوفيتي باقتلاع مسلمي قيرغيزيا من الإسلام، وبالفعل مُنِعَ التعليمُ الديني بكافَّة صوره وأشكاله، بل حُرِّم الإسلامُ وجُرِّمَ من آمَن به، وقد نسِيَ مسلمو قيرغيزيا العبادةَ وجَهِلوا دينَهم الذي حرَّم السوفييت عليهم أن يتعلَّموه وأن يُعلِّموه، ومع أن الطفلَ القيرغيزي -منذ قيام الثورة الشيوعية- كان يتلقى في المدارس والجامعات والنوادي والاجتماعات الإيمانَ بالماركسية، وماركس، ولينين، وستالين وغيرهم من رموز الإلحاد، لكِنَّ نظام التعليم الروسي لم يستطِعْ أن يقلَعَ من النفوس ومن القلوب ومن المشاعر الإيمانَ بأنْ لا إلهَ إلَّا الله وأنَّ محمدًا رسولُ الله -صلى اللهُ عليه وسلم- فكانت الأمُّ والأب يلقِّنان الأولادَ أنَّ إسلامَهم أعظمُ وأكبَرُ من كل دعاوى الماركسية ونظام البلاد، وقام الروس أيضًا بتشجيع الهجرة للروس إلى قرغيستان، حتى أصبحوا يقاربون عدد السكان الأصليين إنْ لم يزيدوا. عندها أعلنت روسيا قيامَ جمهورية قرغيستان التابعة للاتحاد السوفيتي.
هو الحافِظُ الإمامُ المُجَوِّد العَلَّامة شيخُ الحرم: أبو ذر عبدُ اللهِ بنُ أحمدَ بنِ مُحمَّد بن عبد الله بن غفير بن محمد، الأنصاريُّ الخُراساني الهَرَوي المالكي، صاحِبُ التصانيفِ، وراوي الصَّحيحِ عن الثلاثة: المستملي، والحَمَوي، والكشميهني. وُلِد سنة 355. سمع الكثيرَ ورحل إلى الأقاليم، وسكن مكَّة، ثمَّ تزوَّجَ في العرب، وكان يحُجُّ كلَّ سنة ويقيمُ بمكَّةَ أيَّام الموسم ويسمعُ النَّاس، ومنه أخذَ المغاربةُ مذهبَ الأشعريِّ عنه، وكان يقولُ إنَّه أخذ مذهَبَ مالكٍ عن الباقِلَّاني، كان حافِظًا، له تصانيفُ منها: تفسير القرآن، وله مُستدرَك على الصحيحين. قال أبو بكر الخطيب: "قَدِمَ أبو ذر بغداد، وحَدَّث بها وأنا غائب، وخرج إلى مكَّة، وجاور، ثم تزوَّجَ في العرب، وأقام بالسرواتِ، فكان يحُجُّ كل عام، ويحَدِّثُ، ثمَّ يرجع إلى أهله، وكان ثقةً ضابطًا دَيِّنًا، مات بمكَّةَ"
نزلت صاعقة على هلال المئذنة تجاه الحجرة النبوية، ثم على سطح المسجد، فاحترق بنارِها المسجِدُ الشريف النبوي؛ سَقفُه، وحواصلُه، وخزائِنُ كتُبِه، وربعاته، ولم يبقَ من قناطره وأساطينه إلَّا اليسيرُ، وكانت آيةً من آيات الله تعالى.، وصعدت الرأس إلى الريس- وكان من أهل العلم - بالمئذنة فاحترق، واحترق في الحرم عالمٌ آخر خرج من بيته لطلب ولدِه، وصل الخبرُ من المدينة المشرَّفة بمحضر يكتتب بالكائنة التي اتفقت بالمدينة من الحريق الأعظم، فحصل عند الناس بذلك باعثٌ شديدٌ. وأخذ السلطان في الاهتمام بشأن هذا الحادث والاجتهاد في القيام ببناء المسجد الشريف النبويِّ، ثم عَمِل بتقدير النفقة عليه، فكانت نحوًا من مائة ألف دينار. ثم بُني بعد ذلك وأُعيد أحسَنَ ما كان، وبُنِيت القبَّة المعظَّمة على القبر الشريف بعد إحكام بناء القبر أيضًا، وعُمِلت المقصورة الهائلة النادرة، وكانت هذه من أجلِّ المباني وأعظمِها.
بعد أن استطاع البرتغاليون إغلاق البحر الأحمر بوجه التجارة العربية أرادوا السيطرة على الخليج العربي، وكان أول همهم جزيرة هرمز لمركزها الهام، فبدأت الحملة على الخليج العربي فهاجموا السفن العربية، فأحرقوا في رأس الحد قوارب الصيد، ثم توجهوا إلى قلهات، ومنها إلى قريات التي أبدت مقاومة بطولية، لكن البرتغاليون قتلوهم دون رحمة، فلم يتركوا طفلًا ولا امرأة ولا رجلًا إلا قتلوه، ثم هاجموا مسقط، ذات الموقع المهم فضربوها بالمدافع وأحرقوا أبنيتها ومساجدها وجميع السفن التي كانت راسية على الميناء، مع ما رافق هذا من قتل وانتهاك للحرمات وأُطلق العِنان للجنود البرتغاليين ليسيحوا في مسقط فسادًا، فلم يتركوا أحدًا إلا قتلوه كعادتهم لا طفلًا ولا امرأة، ثم دمروا المدينة بأكملها وأحرقوها، ثم انطلقوا إلى طول الساحل العماني حتى وصلوا إلى خورفكان التي حصل لها ما حصل لسابقتها، ثم إلى رأس مسندم ثم وصلوا هرمز.
هو شمسُ الدين محمد بن أحمد بن حمزة الرملي الشافعي، نسبةً إلى الرملة من قرى المنوفية بمصر، ولِدَ بالقاهرة سنة 919, وهو فقيهُ الديار المصرية في عصره، برع في الفقهِ الشافعيِّ حتى قيل عنه الشافعيُّ الصغير. قال عنه الشوكاني: "لم أقفْ له على ترجمةٍ مبسوطة، لكن قال العصامي في وصفه: إمامُ الحرمين وشيخُ المصريين، من كانت العلماء تكتبُ عنه ما يُملي؛ مولانا شمس الدين محمد بن أحمد بن حمزة الرملي، فاتح أقفال مشكلات العلوم، ومحيي ما اندرس منها من الآثار والرسوم، أستاذ الأستاذين, وأحد علماء الدين، علامة المحققين على الإطلاق، وفهامة المدقِّقين بالاتفاق" له مصنَّفات أشهرها: نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج في الفقه الشافعي، وله غاية المرام في شرح شروط المأموم والإمام، وله عمدة الرابح في الفقه أيضًا، وغيرها من المصنَّفات، توفي في القاهرة.
دعمت فرنسا الموارنةَ في لبنان على حين دعَمَت إنكلترا الدروز، فاعتدى الدروزُ على الموارنة في عام 1257هـ ودخلوا ديرَ القمر وارتكبوا أبشَعَ الأعمال، وكرَّروا الاعتداء عام 1261هـ، فعزل الخليفةُ العثماني الأميرَ بشير الشهابي ووضع واليًا عثمانيًّا مكانه، وحَرَم الجبل مما كان له من امتيازات، ولم تقبل الدولُ الأوربية بذلك فاضطرَّ أن يعيد للجبل امتيازاتِه، وأن يعيِّنَ قائمينِ درزي وآخر ماروني، وذلك في عام 1258هـ، ولكن الأمر لم يستقِمْ لاختلاط الطوائِفِ في القرى، فرأى الخليفة ضمَّ شمال الجبل -أي منطقة الموارنة- إلى ولاية طرابلس، فاحتَجَّ الموارنة فأرسل من يدرس الموضوعَ ويقَدِّمُ الحلول، فلم يفد ذلك شيئًا، وأصر الدروز أن يبقى الموارنة تحت سلطانِهم، وفَضَّل الموارنة بعدئذ أن يتَّبِعوا ولاية أخرى من أن يكونوا تحت سلطانِ الدروز، فاستحسن الخليفةُ الرأيَ.
وُلِدَ المعَلِّمُ محمَّدُ بنُ لادِن عام 1326ه الموافِق 1908م في وادي دوعن بحَضرَمَوتَ، ثمَّ هاجَرَ إلى السُّعوديَّةِ للعَمَلِ، وكان أمِّيًا لا يُجيدُ القِراءةَ والكِتابةَ، لكِنَّه ذو فِطنةٍ وذَكاءٍ، وعَزيمةٍ ومُثابَرةٍ، وقُدرةٍ على تحَمُّلِ المَسؤوليَّةِ؛ فانخَرَط في أعمالِ المُقاوَلاتِ والبِناءِ، واكتَسَب خِبراتٍ كَبيرةً، ثمَّ أنشَأَ شَرِكةً صَغيرةً في مجالِ المقاوَلاتِ، وقام ببناءِ مُنشَآتٍ حُكوميَّةٍ، حتى أصبَحَت شَرِكتُه مِن كُبرى شَرِكاتِ المَملكةِ، والتي عُرِفَت بعد ذلك بمجموعةِ (بن لادِن)، ومِن أشهَرِ مَشاريعِه التي نَفَّذَها: تَوسِعةُ الحَرَمينِ الشَّريفَينِ، وعِمارةُ مَسجِدِ قُبَّةِ الصَّخرةِ بالمسجِدِ الأقصى، وطَريقُ الهَدَا الموصِلُ بين مكَّةَ والطَّائِفِ، وعَدَدٌ مِن الأعمالِ الكَبيرةِ في شَرِكةِ أرامكو بالمَنطِقةِ الشَّرقيَّةِ وغَيرِها، توفِّيَ -رَحِمَه اللهُ- وعُمِّرَ 59 عامًا، عندما اصطَدَمت طائِرتُه المِروحيَّةُ وهو يتفَقَّدُ مَشروعَ الهَدَا.
هو السلطان سليم الأول بن بايزيد الثاني بن محمد الفاتح الغازي الملقب بياوز، أي: القاطع, وهو تاسع سلاطين الدولة العثمانية، وأول من تلقَّب بأمير المؤمنين من سلاطين بني عثمان. تولى سلطنة الدولة العثمانية سنة 918 بعد نزاع مع والده بايزيد، انتهى النزاع بتنازل والده له بالحكم بدعم من الانكشارية, وقد أظهر سليم منذ بداية حكمه ميلًا إلى تصفية خصومه ولو كانوا من إخوته أو أبنائهم, فبعد توليه السلطة عيَّنَ ابنه سليمان حاكمًا للقسطنطينية، وسافر بجيوشه إلى بلاد آسيا لمحاربة إخوته وأولادهم، فاقتفى أثر أخيه أحمد إلى أنقرة ولم يتمكن من القبض عليه؛ لوجود علاقات بينه وبين الوزير مصطفى باشا الذي كان يخبره بمقاصد السلطان, ولما علم السلطان بهذه الخيانة قتَلَ الوزير شَرَّ قِتلة جزاءً له وعبرة لغيره، ثم توجه بكل سرعة إلى صاروخان مقر أخيه كركود فقبض عليه ثم قتله، أما أحمد الذي كان يتلقى دعمًا من إسماعيل شاه الصفوي فقتله بالقرب من مدينة يكى شهر, ولما اطمأنَّ خاطره من جهة داخليته عاد إلى مدينة أدرنه؛ حيث كان بانتظار سفراء من قبِلَ البندقية والمجر وموسكو وسلطنة مصر، فأبرم معهم جميعًا هدنة لمدد طويلة, وفي عهده تغيرت وِجهة الدولة العثمانية الجهادية من أوروبا إلى البلاد العربية الإسلامية؛ وذلك لحمايتها من الخطرين الصفوي والبرتغالي، والمحافظة على تماسك وحدتها خاصة بعد ضعف الدولة المملوكية وشدة الضربات الإسبانية والبرتغالية في عدد من البلدان الإسلامية في المغرب والخليج العربي إلى الهند, فاتجه سليم لبلاد الفرس لمحاربة الصفويين الشيعة، وانتصر عليهم في معركة جالديران، ثم اتجه إلى المماليك في الشام ومصر، وقضى على دولتهم بعد الانتصار عليهم في معركتي مرج دابق والريدانية، وبهذه الانتصارات ضمَّ سليم معظم البلاد العربية لدولته بما فيها بلاد الحرمين، كما نقل الخلافة الإسلامية إلى دولته وتسمى بأمير المؤمنين وخادم الحرمين الشريفين، وهو أول من تسمى بهذا الاسم من حكام المسلمين، وذلك بعد أن بايعه أشراف مكة، ثم تنازل الخليفة العباسي محمد المتوكل على الله آخر ذرية الدولة العباسية عن حقه في الخلافة الإسلامية إلى السلطان سليم العثماني وسلمه الآثار النبوية الشريفة، وهي البيرق والسيف والبردة، وسلمه أيضًا مفاتيح الحرمين الشريفين، ومن ذلك التاريخ صار كل سلطان عثماني أميرًا للمؤمنين وخليفة لرسول رب العالمين اسمًا وفعلًا, ثم بعد ذلك عَمِل على ضم اليمن لحمايتها من البرتغاليين وبسط نفوذ الدولة على بلاد المغرب وشمال إفريقيا لحمايتها من الخطر الإسباني. في التاسع من شوال ليلة السبت توفي السلطان سليم فأخفى موته الوزراءُ، وأرسلوا يُعلِمون ولده السلطان سليمان المعروف بسليمان القانوني، فلما وصل إلى القسطنطينية أعلنوا موت السلطان سليم، بمجرد وصول القسطنطينية يوم 16 شوال كان في انتظاره على إفريز السراي جنود الانكشارية فقابلوه بالتهليل وطلب الهدايا المعتاد توزيعها عليهم عند تولية كل ملك، وفي صبيحة 17 شوال جرت رسوم المقابلات السلطانية فوفد الأمراء والوزراء والأعيان يعزون السلطان بموت والده ويهنؤونه بالخلافة في آن واحد، وعند الظهر وصلت جثة والده فسار في الجنازة وصلوا عليه في جامع السلطان محمد، ثم حملوه ودفنوه في محل قبره، وأمر السلطان سليمان خان ببناء جامع عظيم، وعمارة لطعام الفقراء صدقة على والده، توفي وله من العمر أربع وخمسون سنة، وكانت مدة ملكه تسعة أعوام وثمانية أشهر.
خرج المجوسُ (النورماند) إلى ساحِلِ البحر بالغرب، في اثني وستين مركبًا، فوجدوا البحر محروسًا، ومراكِبَ المُسلِمينَ مُعَدَّة، تجري من حائطِ إفرنجة إلى حائطِ جليقية في الغرب الأقصى، فتقدم مركبانِ مِن مراكبِ المجوسِ، فتلاقت بهم المراكِبُ المُعَدَّة، فوافَوا هذين المركبينِ في بعضِ كُسورِ باجة؛ فأخذوهما بما كان فيهما من الذهَبِ والفِضَّة والسَّبيِ والعُدَّة. ومَرَّت سائر مراكِبِ المجوس في الريفِ حتى انتهت إلى مصبِّ نهرِ إشبيلية في البحر، فأخرج الأميرُ الجيوش، ونفر النَّاسُ مِن كُلِّ أوبٍ، وكان قائدُهم عيسى بن الحسن الحاجب. وتقَدَّمت المراكِبُ مِن مَصَبِّ نهر إشبيلية حتى حلَّت بالجزيرة الخضراء، فتغلبوا عليها، وأحرقوا المسجِدَ الجامع بها، ثمَّ جازُوا إلى العدوة فاستباحوا أريافَها، ثم عادوا إلى ريفِ الأندلس، وتوافَوا بساحل تدمير، ثم انتهوا إلى حصنِ أوربولة، ثم تقَدَّموا إلى إفرنجة فشَتوا بها، وأصابوا بها الذراريَّ والأموالَ، وتغلَّبوا بها على مدينةٍ سكنوها، فهي منسوبةٌ إليهم إلى اليوم، حتى انصرفوا إلى ريفِ بحرِ الأندلس، وقد ذهب من مراكِبِهم أكثرُ مِن أربعين مركبًا، ولَقِيَهم مراكبُ الأمير محمد، فأصابوا منها مركبينِ بريف شذونة، فيها الأموالُ العظيمة. ومضت بقيَّةُ مراكِبِ المجوس.
بدايةُ دخول الإسلام في أستراليا تعود إلى بدايات القرن الماضي عندما قام الإنجليز أثناءَ احتلالهم لأفغانستان بجلب الذَّهَبِ إلى أستراليا؛ نظرًا للارتباط الإنجليزي بهذه القارة الحديثة. ولكِنَّهم فكَّروا في أن أستراليا نفسها يمكن أن تكونَ موطنًا للذهب، فاستقدموا عمالًا مسلمين من أفغانستان للعمل في المناجم الأسترالية، وأخذ هؤلاء الأفغان ينشرون الدين الإسلامي، وقاموا ببناء أول مسجد في غرب بيرث، وكان ذلك في عام 1904م. وأعقب ذلك الهجرات الداخلية للمسلمين إلى أستراليا، إلى أن انتشر الإسلامُ هناك، وتتابعت الهجراتُ حتى تمَّ نَشرُ الدعوة الإسلامية، وفي بدايةِ الستينيات من القرن العشرين فَتَحت أستراليا باب الهجرة أمام العرب والمسلمين، فهاجر إليها أعدادٌ كبيرة من لبنان وفلسطين ومصر وتركيا وإيران ويوغوسلافيا بَحثًا عن الرزق، وقد تمكَّن هؤلاء في ظلِّ الحريّة المكفولة لهم من نشر الإسلام وتثبيت أركانِه، حتى وصل عددُ الجالية المسلمة هناك اليوم إلى 650 ألفَ مسلم، مكونة من سبع عشرة جنسيَّة، أكبَرُها تَعدادًا الجالية اللبنانيَّة ثم التركيَّة ثم الباكستانيَّة والإندونيسيَّة والمصريَّة والماليزيَّة وغيرها من الجنسيَّات الإسلاميَّة، ويتركز قرابة 80% من المسلمين في مدينتي سيدني ومالبورن.
كان مِن آثارِ هِجرتِه صلى الله عليه وسلم وأصحابِه إلى المدينةِ تلك المُؤاخاةُ التي حَدثت بين المُهاجرين والأنصارِ رضي الله عنهم، حتَّى كان يَرِثُ بعضُهم بعضًا في أوَّلِ الأمرِ. فعنِ ابنِ عبَّاسٍ رضِي الله عنهما: {وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ} قال: «وَرَثَةً»: {وَالَّذِينَ عَاقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ} قال: " كان المُهاجِرون لمَّا قَدِموا المدينةَ يَرِثُ المُهاجِرُ الأنصاريَّ دون ذَوِي رَحِمِهِ؛ لِلأُخُوَّةِ التي آخى النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم بينهم، فلمَّا نزلت: {{وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ} نسَختْ". ثمَّ قال: {وَالَّذِينَ عَاقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ} «إلَّا النَّصرَ، والرِّفادَةَ، والنَّصيحةَ، وقد ذهب الميراثُ، ويوصي له».
وعن أنسٍ قال: لمَّا قَدِمَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم المدينةَ أتاهُ المُهاجرون فقالوا: يا رسولَ الله، ما رَأينا قومًا أَبْذَلَ مِن كثيرٍ، ولا أحسنَ مُواساةً مِن قليلٍ مِن قومٍ نزلنا بين أَظهُرهِم، لقد كَفَوْنا المُؤنَةَ وأشرَكونا في المَهْنَإِ حتَّى لقد خُفْنا أن يَذهبوا بالأجرِ كُلِّهِ. فقال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: «لا ما دَعَوتُم الله لهم، وأَثْنَيْتُم عليهِم».
وقال عبدُ الرَّحمنِ بنُ عَوفٍ رضي الله عنه: لمَّا قَدِمْنا المدينةَ آخى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بيني وبين سعدِ بنِ الرَّبيعِ، فقال سعدُ بنُ الرَّبيعِ: إنِّي أَكثرُ الأنصارِ مالًا، فَأَقْسِمُ لك نِصفَ مالي، وانْظُرْ أيَّ زَوجتيَّ هَوِيتَ نَزلتُ لك عنها، فإذا حَلَّتْ تَزوَّجتَها. قال: فقال له عبدُ الرَّحمنِ: لا حاجةَ لي في ذلك، هل مِن سوقٍ فيه تِجارةٌ؟ قال: سوقُ قَيْنُقاعٍ. قال: فغَدا إليه عبدُ الرَّحمنِ، فأتى بأَقِطٍ وسَمْنٍ، قال: ثمَّ تابع الغُدُوَّ، فما لَبِثَ أن جاء عبدُ الرَّحمنِ عليه أثرُ صُفْرَةٍ، فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «تَزوَّجتَ؟». قال: نعم. قال: «ومَن؟»، قال: امرأةً مِنَ الأنصارِ. قال: «كَم سُقْتَ؟»، قال: زِنَةَ نَواةٍ مِن ذَهبٍ -أو نَواةً مِن ذَهبٍ- فقال له النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: «أَوْلِمْ ولو بِشاةٍ».
هو الشَّيخُ الإمامُ العلَّامة الحافِظُ شَمسُ الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان بن قايماز الذهبي خاتمةُ الحُفَّاظ، كان من أسرة تُركمانيَّة الأصل، تنتهي بالولاءِ إلى بني تميم، سكنت مدينة ميافارقين من أشهَرِ مدن ديار بكر، ولِدَ في كفر بطنا قرب مدينة دمشق في شهرِ ربيع الآخر سنة 673, وهو حافِظٌ لا يُجارَى ولافِظٌ لا يُبارى، أتقَنَ عِلمَ الحديث ورجالَه، ونظَرَ عِلَلَه وأحوالَه، وعرف تراجم الناس وأزال الإبهام في تواريخهم, واشتهَرَ بالعِلمِ والورع؛ قال السيوطي: "حُكِيَ عن شيخ الإسلام أبي الفضلِ ابنِ حَجَر أنَّه قال: شَرِبتُ ماء زمزم لأصِلَ إلى مرتبة الذهبيِّ في الحفظِ, ثم قال السيوطي: والذي أقولُه: إن المحَدِّثين عيالٌ الآن في الرجالِ وغَيرِها من فنونِ الحديث على أربعةٍ: المِزِّي، والذَّهَبي، والعِراقي، وابن حجر" ومُصَنَّفاته كثيرةٌ جِدًّا تُنبِئ عن عِلمِه الزاخر في الحديث والرجال والتاريخ، فله كتب مشهورة، منها: كتاب تاريخ الإسلام وطبقات مشاهير الأعلام، وكتاب سير أعلام النبلاء، وله في الرجال كتب كثيرة أشهرها: ميزان الاعتدال في أحوال الرجال، وتذكرة الحُفَّاظ، وطبقات القُراء، وله تعليقات على المستدرك، وله كتاب الكبائر، والطب النبوي، وغيرها كثير يصعُب حَصرُه هنا، وقف الشيخ كمال الدين ابن الزملكاني على تاريخه الكبير المسمى بتاريخ الإسلام جزءًا بعد جزء إلى أن أنهاه مطالعةً وقال: "هذا كتابُ عَلَمٍ اجتمَعْتُ به وأخذتُ عنه وقرأتُ عليه كثيرًا من تصانيفه، ولم أجِدْ عنده جمودَ المحدِّثين، ولا كَودَنة النَّقلة، بل هو فقيهُ النَّظَر، له دُربة بأقوالِ النَّاسِ ومذاهِبِ الأئمة من السلف وأرباب المقالاتِ، وأعجبني منه ما يعانيه في تصانيفِه مِن أنه لا يتعدى حديثًا يورده حتى يبيِّنَ ما فيه من ضَعفِ مَتنٍ أو ظَلامِ إسنادٍ أو طَعنٍ في رواتِه، وهذا لم أرَ غَيرَه يراعي هذه الفائدةَ فيما يورده. توفي في ليلة الاثنين ثالث شهر ذي القعدة، وصُلِّيَ عليه يوم الاثنين صلاة الظهر في جامع دمشق ودُفِنَ بباب الصغير.
احترق من مدينة عدن جانبٌ عظيم، من نصف الليل إلى قرب الفجر، وتلفت فيه بيوت كثيرة من بيوت التجار، وجانبٌ من السوق الكبير، وجانب من حافة اليهود، وحافة الحبوش بأسرها وأحدقت النار بالمدرسة السفيانية، وتلفت فيها أموال جليلة. ويقال: إنه بلغ عدد البيوت المحترقة تسعمائة بيت, وذهب في هذا الحريق من الأموال والأنفس ما لا يعلمه إلَّا الله تعالى.
هو فَخرُ الدولة أبو الحَسَنِ عليُّ بن ركن الدولة الحسَن بن بُوَيه أميرُ الرَّيِّ وهمذان. وُلِدَ سنة 341, ولَمَّا توفِّيَ أخوه مؤيد الدولة في شعبان سنة 373ه بجرجان، استولى على مملكتِه، فأقَرَّ الصاحِبَ ابنَ عبَّاد على وزارته، وكان مُبَجَّلًا عند فخر الدولة, ومُعَظَّمًا نافِذَ الأمر، كان فخرُ الدولة شهمًا شُجاعًا، لَقَّبَه الخليفةُ الطائِعُ مَلِكَ الأمة, توفِّيَ بقلعة طبرق, عن سِتٍّ وأربعين سنة، وكان سببُ وفاتِه أنَّه أكل لحمًا مشويًّا، وأكل بعده عِنَبًا، فأخذه المَغصُ، ثم اشتَدَّ مَرَضُه فمات منه، كانت دولتُه أربع عشرة سنة، وترك ألفي ألفِ دينارٍ وثمانمائة ألف دينار، ومن الجواهر ما قيمتُه ثلاثةُ آلافِ ألفٍ، ومن آنية الذَّهَب ما وزنُه ألف ألف، ومن آنية الفِضَّة ما وزنه ثلاثة آلاف ألف، ومن فاخِرِ الثياب ثلاثة آلاف حِمل. وكانت خزائنُه على ثلاثة آلاف وخمسمائة جملٍ, ومع كُلِّ هذا المُلك لَمَّا مات طلبوا له كفَنًا فلم يجدوه، وتعَذَّر النزولُ إلى البلد؛ لشِدَّةِ شَغبِ الديلم، فاشتروا له مِن قَيِّمِ الجامِعِ ثوبًا كفَّنوه فيه، وزاد شغبُ الجند فلم يُمكِنْهم دفنُه فبَقِيَ حتى أنتَنَ ثمَّ دفنوه. وحين توفِّيَ قام بمُلكِه بعده ولدُه مَجدُ الدولة أبو طالِب رُستم، وعمره أربع سنين، أجلسه الأمراءُ في الملك، وجعلوا أخاه شمسَ الدولة بهمذان وقرميسين إلى حدود العراق. وكان المرجع إلى والدةِ أبي طالب في تدبير الملك، وعن رأيها يَصدُرون، وبين يديها في مباشرة الأعمالِ أبو طاهرٍ صاحِبُ فخر الدولة، وأبو العبَّاس الضبِّي الكافي.
هو العَلَّامةُ، البارِعُ، مُفتِي العِراقِ، قاضي القُضاةِ، أبو عبدِ الله محمدُ بن عليِّ بن محمدِ بن حَسنِ بن عبدِ الوهاب بن حسويهِ الدَّامغاني الحَنفيُّ. وُلِدَ بدامغان، سَنةَ 398هـ, وتَفَقَّهَ بخُراسان، وقَدِمَ بغدادَ شابًّا، فأَخَذَ عن القدوريِّ، وحَصَّل المَذهبَ على فَقْرٍ شَديدٍ. فكان يَحرُس في دَربِ الرِّياحِ، تَفَقَّهَ بدامغان على أبي صالحٍ الفَقيهِ، ثم قَصدَ نيسابور، فأقم فأَقامَ أَربعةَ أَشهُر بها، وصَحِبَ أبا العَلاءِ صاعِدَ بنَ محمدٍ قاضِيَها، ثم وَرَدَ بغدادَ, ووَلِيَ القَضاءَ للقائمِ بأَمرِ الله، فدامَ في القَضاءِ ثلاثين سَنَةً وأَشهُرًا. كان القاضي أبو الطَّيِّبِ يقول: "الدَّامغاني أَعرَفُ بمَذهَبِ الشافعيِّ مِن كَثيرٍ مِن أَصحابِنا". كان بَهِيَّ الصُّورَةِ، حَسَنَ المعاني في الدِّينِ والعِلْمِ والعَقلِ والحِلمِ وكَرَمِ العِشرَةِ والمُروءَةِ، له صَدَقاتٌ في السِّرِّ، وكان مُنصِفًا في العِلمِ، وكان يُورِدُ في دَرسِه من المُداعَباتِ والنَّوادِرِ نَظيرَ ما يُورِد الشيخُ أبو إسحاقَ الشيرازيُّ، فإذا اجتَمَعا، صار اجتِماعُهُما نُزهةً. قال الذهبيُّ: "كان ذا جَلالةٍ وحِشمَةٍ وافِرَةٍ إلى الغايَةِ، يُنظَر بالقاضي أبي يوسف في زَمانِه, وفي أَولادِه أئمَّةٌ وقُضاة". وَلِيَ قَضاءَ القُضاةِ بعدَ أبي عبدِ الله بن ماكولا، سَنةَ 447هـ، وله خمسون سَنةً. ماتَ في رَجب، ودُفِنَ بِدارِه، ثم نُقِلَ ودُفِنَ بِقُبَّةِ الإمامِ أبي حَنيفةَ إلى جانِبِه. عاشَ ثمانينَ سَنَةً وثلاثة أَشهُر وخمسة أيام، وغَسَّلَهُ أبو الوَفاءِ بن عَقيلٍ وأبو ثابتٍ الرَّازيُّ تِلميذُه. وصَلَّى عليه وَلَدُه قاضي القُضاةِ أبو الحَسنِ, وله أَصحابٌ كَثيرون عُلماء، انتَشَروا في البِلاد.