ركب الظاهِرُ بيبرس من مصرَ في العساكر المنصورة قاصدًا ناحية بلاد الكرك، واستدعى صاحِبَها الملك المغيث عمر بن العادل أبي بكر بن الكامل، فلما قَدِمَ عليه بعد جهدٍ أرسله إلى مصر معتقَلًا، فكان آخر العهد به، وذلك أنَّه كاتب هولاكو وحَثَّه على القدوم إلى الشَّامِ مَرَّةً أخرى، وجاءته كتبُ التتار بالثَّباتِ ونيابة البلاد، وأنهم قادِمونَ عليه عشرون ألفًا لفتح الديارِ المصريَّة، وأخرج السلطانُ فتاوى الفقهاء بقَتلِه وعَرَضَ ذلك على القاضي ابن خَلِّكان، وكان قد استدعاه من دمشقَ، وعلى جماعةٍ مِن الأمراء، ثم سار فتسَلَّمَ الكرك يوم الجمعة ثالث عشر جمادى الأولى ودخلها يومئذٍ في أبهة المُلك، ثم عاد إلى مصرَ مُؤَيَّدًا منصورًا، وبه تنتهي الدولةُ الأيوبيَّةُ في بلاد الشام.
هو أميرُ المؤمنينَ الخليفةُ الحاكِمُ بأمر الله أبو العباس أحمد بن المسترشد بالله الهاشمي العباسي البغدادي المصري، بويِعَ بالخلافة بالدَّولةِ الظاهرية في أول سنة 661، فاستكمل أربعينَ سنةً في الخلافة، وتوفِّيَ ليلة الجمعةِ ثامن عشر جمادى الأولى، وصُلِّيَ عليه بجامع ابن طولون، ودُفِنَ بجوار المشهد النفيسي وقتَ صلاةِ العَصرِ بسوق الخيل، وحَضَر جنازته الأعيانُ والدولةُ كُلُّهم مُشاةً، وكان قد عَهِدَ بالخلافة إلى وَلَدِه أبي الربيع سليمان، وتلقَّبَ بالمستكفي باللهِ، وقرئ كتاب تقليدِه بالخلافة بحَضرةِ السلطان المَلِك الناصر محمد بن قلاوون والدَّولة يوم الأحد عشرين من ذي الحجة مِن هذه السنة، وخُطِبَ له على المنابِرِ بالبلادِ المصريَّة والشاميَّة، وسارت بذلك البريديَّةُ إلى جميع البلاد الإسلاميَّة.
عُقِدَ مجلِسٌ لليهود الخيابرة وأُلزِموا بأداءِ الجزية أسوةَ أمثالهم من اليهود، فأَحضروا كتابًا معهم يزعُمونَ أنَّه من رسولِ الله صلى الله عليه وسلم بوضعِ الجِزيةِ عنهم، فلما وقف عليه الفُقَهاءُ تَبَيَّنوا أنَّه مكذوب مُفتَعَلٌ لما فيه من الألفاظِ الركيكة، والتواريخِ المحبطة، واللَّحنِ الفاحش، وحاقَقَهم عليه شيخُ الإسلام ابن تيميَّةَ، وبيَّنَ لهم خطأَهم وكَذِبَهم، وأنَّه مُزَوَّرٌ مكذوب، فأنابوا إلى أداءِ الجزية، وخافوا من أن تُستعادَ منهم الشؤون الماضية، وقال ابن كثير: "وقد وقفتُ أنا على هذا الكتابِ فرأيتُ فيها شهادةَ سَعدِ بن معاذٍ عام خيبر، وقد توفِّيَ سعد قبل ذلك بنحوٍ مِن سنتين، وفيه: وكتَبَ عليُّ بن أبي طالب، وهذا لحنٌ لا يَصدُرُ عن أميرِ المؤمنين عليٍّ رضي الله عنه".
بعد أن تمَّ للمغول بقيادة تيمورلنك تدميرُ مدن الشام، أرسل تهديداتِه للسلطان فرج بن برقوق سلطان المماليك في مصر، وكان قد أسر أميرًا من المغول يدعى (أطلمس) فطالب تيمورلنك بإطلاق سراحه فورًا، وإلا فسيزحف المغول على مصر ويرفعون راياتهم على ربوعها. وقد أذعن السلطان فرج لهذه التهديدات، وأطلق سراح أطلمس وعقد صلحًا مع تيمورلنك يتعهد فيه السلطان فرج بطاعة تيمورلنك والدعوة باسمه في مساجد مصر، وقد أدى هذا الصلح المُهين إلى ذهاب حرمة دولة المماليك، واختفاء احترام الأمراء والعامة للسلطان فرج، فلم تمضِ سنوات ثلاث حتى عُزل. والواقِعُ أن هزائم دولة المماليك الثانية في عهد فرج بن برقوق تعتبر أقسى الهزائم التي تعرض لها المسلمون في تلك الفترة؛ بسبب تصارع المماليك المتعصبين لأصولهم العِرْقية.
لما انقضت مدة الصلح بين المسلمين بغرناطة وبين الطاغية صاحب قشتالة، أبى الطاغية الصلح، فبعث السلطان أبو سعيد عثمان صاحب ماس عشرين غرابًا أوسقها بالعدد والزاد، وجهز ثلاثة آلاف فارس، قدم عليهم القائد مارح، وجعل الشيخ عمر بن زيان الوساطي على ألف فارس أخرى، فنزلوا سبتة، وجهز أبو عبد الله محمد بن أبي الحجاج يوسف -صاحب غرناطة- أسطوله إلى جبل الفتح، فلقيهم أسطول الطاغية بالزقاق في يوم الجمعة السادس عشر، وقاتلهم، وقد اجتمع أهل فاس وأهل غرناطة، فكانت النصرة للفرنج، ولم ينجُ من المسلمين إلا القليل، وغنم الفرنج المراكبَ كلها بمن فيها وما فيها، فكانت مصيبة عظيمة، تكالب فيها الفرنج على المسلمين، وقوي طمعُهم فيهم.
هو القائد البحار التركي عروج باشا بن يعقوب بن يوسف، وهو أخو خير الدين بربروسا باشا, ويرجع أصلُ الأخوين المجاهدينِ إلى الأتراك المسلمين الذين استقرُّوا في جزيرة مدللي إحدى جزر الأرخبيل, وأمهم سيدة مسلمة أندلسية كان لها الأثر على أولادها في تحويل نشاطهم شطرَ بلاد الأندلس التي كانت تئن في ذلك الوقت من بطش الإسبان والبرتغال, وكان لعروج وخير الدين أخوان مجاهدان أيضًا هما إسحاق ومحمد إلياس. قُتل عروج باشا عن عمر يناهز الثمانية والأربعين عامًا على يد الإسبان وهو يدافع عن تلمسان؛ حيث قتلوه وفصلوا رأسه عن جسده وأرسلوه إلى إسبانيا. وعروج باشا أحد كبار القادة البحريين الأتراك الذين كان لهم الدور الأكبر في الحفاظ على الوجود الإسلامي في شمال إفريقيا ومقاومة الهجمات الصليبية على تلك السواحل.
كانت المرحلة الثانية بالنسبة لخير الدين بربروسا بعد هجومه على السواحل الجنوبية لإيطاليا وجزيرة صقلية هي تونس؛ وذلك لتنفيذ خطة الدولة العثمانية، والتي تقتضي تطهير شمال إفريقيا من الإسبان كمقدمة لاستعادة الأندلس، وصل الأسطول العثماني تحت قيادة خير الدين إلى السواحل التونسية، فعرج على مدينة عنابة، وتزوَّد ببعض الإمدادات، ثم تقدَّم نحو بنزرت، ثم اتجه إلى حلق الواد؛ إذ تمكَّن منها بدون صعوبة، واستُقبِل خيرُ الدين من قِبَل الخطباء والعلماء، وأكرموه وتوجَّهوا إلى تونس في نفس الوقت، وهرب السلطان الحفصي الحسن بن محمد إلى إسبانيا، ثم عيَّن خير الدين الرشيد أخا الحسن بن محمد على تونس، وأعلن ضمَّ تونس للأملاك العثمانية، في وقتٍ بدت فيه سيادةُ العثمانيين بالظهور في حوض البحر المتوسط الغربي.
كان لأمراء بني عبد الحميد العروسيين- أصحاب قصر كتامة- رياسةٌ وسياسةٌ وجهادٌ في العدوِّ إلى أن انقرض أمرُهم, وأخبر غيرُ واحد من فقهاء قصر كتامة أنَّ الشيخ أبا الرواين المحجوب جاء إلى القصر وصاحَبَه يومئذ القائدُ عبد الواحد العروسي في عصبةٍ من أقاربه أولاد عبد الحميد، فصعد أبو الرواين صومعةَ المسجد ثم نادى بأعلى صوتِه: يا بني عبد الحميد، اشتروا مني القصرَ وإلَّا خرجتُم منه في هذه السنة، فسمع القائدُ عبد الواحد ذلك، فقال: إن كان القصرُ له أو بيده فلينزِعْه منَّا، ما بقي لنا إلا كلامُ الحمقى نلتفت إليه! ومِن الغد خرج الشيخ أبو الرواين من البلد وهو يقول: القائدُ عبد الواحد وأهله يخرجون من القصرِ ولا يعودون إليه أبدًا، فكان كذلك بقدرةِ الله تعالى.
هو السلطان بدر بن عبد الله بن جعفر، أبو طويرق الكثيري سلطان حضرموت. ولد سنة 902 في مدينة سيؤون وتولى سلطنتها وتوفي فيها، تولاها صغيرًا بعد وفاة أبيه. نشأ موفَّقًا في سياسته، طيب السيرة، وافر العقل، جوادًا، يعتبر أوَّلَ من عمل لتوحيد مناطق حضرموت؛ حيث شملت أراضي سلطنته حضرموتَ من أبْينَ ومأرب غربًا إلى ظفار شرقًا, ثم استعان بالترك، وكاتَبَ السلطان سليمان القانوني، فجاءته سنة 926 قوةٌ منهم، أضاف إليها بعض الزيود من اليمن، ورجالًا من يافع ومن الموالي الأفارقة، فتألف جيشه من هؤلاء جميعا, وصدَّ غارات البرتغال مرارًا. وأطفأ كثيرًا من الفتن الداخلية في بلاده. وطالت مدتُه إلى أن حجر عليه ابنٌ له اسمه عبد الله، فأقام إلى أن مات في هذا العام.
هو الشيخ نور الدين أبو الحسن علي بن سلطان بن محمد القاري، الهَرَوي المكي، المعروف بملَّا علي القاري، من فقهاء الحنفية، وُلِد في هراة وسكن مكةَ وتوفي بها. كان زاهدًا في الدنيا، بعيدًا عن الحكَّام ومجالِسِهم، مُعرِضًا عن الوظائف والأعمال، وكان شديدًا عليهم، حاملًا على أهلِ البدع والضلالات في مكَّة محلِّ إقامته، قانعًا بما يحصِّل من بيعِ كُتُبِه، ويغلِبُ على حاله الزهد والعفاف والرضا بالكفاف، وكان قليلَ الاختلاط بغيره. له مصنفات عديدة، منها: الأسرار المرفوعة في الأخبار الموضوعة، الموضوعات الكبرى، وجمع الوسائل في شرح الشمائل، وشرح مسند أبي حنيفة، وشرح نُخبة الفِكَر في مصطلحات أهل الأثر، ومرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح، وشرح الشفا للقاضي عياض، وغيرها من الكتب. توفي بمكَّة ودفن بمقبرة المُعَلاة.
سار الأميرُ سعودُ بن عبد العزيز من جميعِ نواحي نجدٍ وعُربانها وقَصَد الشمال، وأغار على سوقِ الشيوخ المعروفِ عند البصرة، وقُتِل منهم قتلى كثيرة وهرب أناسٌ وغَرِقوا بالشطِّ، ثم قصد جهةَ السماوة فأتاه عيونُه وأخبروه بعُربان كثير مجتمعينَ في الأبيض الماء المعروف قرب السَّماوة, فنازلهم على مائِهم ذلك, وكانت تلك العُربان كثيرةٌ مِن عُربان شمر ورئيسُهم مطلق بـن محمد الجربا الفارس المشهور، ومعه عِدَّةٌ من الظفير، وعُربان آل بعيج والزقاريط وغيرهم, ونازلهم سعود وحصل بينهم قِتالٌ شديدٌ حتى حمل عليهم سعودٌ ومن معه فدهموهم في منازِلِهم وبيوتِهم، فقُتِل عِدَّةٌ مِن فرسان شمر وآل ظفير، وقُتِل مطلق الجربا قائِدُهم، فانهزمت القبائِلُ التي معه، وغَنِم سعود أكثَرَ محلَّتِهم وإبلِهم وأمتاعِهم.
بعد وفاة عيسى بن محمد السعدون سنة 1259هـ تولَّى بعده أخوه بندر فأخذ نحوًا من ثلاث سنين من ولايتِه وحكَمَهم في ابتداءٍ مِن الخلل، ثم مات ووَلِيَ بعده أخوه فهد، فلم تطُلْ مُدَّتُه، فقد مات قبل أن يتِمَّ سنة في رئاستِه, ثم مرج حكمُ المنتفق بعده، فتارةً في أولاد راشد السعدون، وتارةً في أولاد عقيل السعدون، وتارة في ولد عيسى السعدون، يتحاربون ويتقاتلون بينهم، حتى هلك منهم أممٌ؛ يأخذ الواحِدُ منهم مدة قليلة، ثم يأتيه المحارِبُ له فيُخرِجُه، فيشيخ مكانَه، ثم يذهب المُخرَجُ فيجمَعُ له قوة ويزيد الحُكَّام خراجًا، فيُظهِرون معه عسكرًا فيأتي صاحِبَه ويُخرِجُه. ودام ذلك بينهم إلى هذه السنة وأمرُهم في مروج، والثابتُ المستقِرُّ في الحكم هذا العام هم ولد راشد بن ثامر السعدون.
هو حبيب الله خان عبد الرحمن خان بن محمد أفضل خان بن دوست محمد خان، ولِدَ سنة 1872م، تولى إمارة أفغانستان عام 1901م، وفي عهدِه اعترفت كلٌّ من إنجلترا وروسيا باستقلال بلاد الأفغان، عندما احتلت إيطاليا ليبيا دعا حبيب الله شعبَه لدعم جهاد الليبيين ضِدَّ الاحتلال الإيطالي، وافتتح التبرعاتِ بعشرين ألف روبية، ولَمَّا اندلعت الحرب العالمية الأولى التزم الحيادَ في أفغانستان في الحرب العالمية الأولى، على الرغم من الجهود المضنية التي بذلها السلطان العثماني والألمان لحشد أفغانستان على جانبها. وهذا ما أزعج الأفغانيين الذين قاموا باغتيالِه في 1338هـ، ثم تسلَّم السلطةَ بعده ابنه الثالث أمان الله خان، وتسمى باسم ملك، وحاول التخلصَ من النفوذ الإنجليزي.
وُلِد الشَّيخُ محمَّد عزير بنُ شمسِ الحَقِّ بنِ رضاءِ اللهِ، في ولايةِ بنغال الغربيَّةِ في الهندِ عام 1376هـ/1957م، وكان من أشهَرِ عُلَماءِ الهندِ المعاصِرين المعنيِّين بقضايا التُّراثِ وتحقيق ِالمخطوطاتِ، وكان رحمه الله يتقِنُ عددًا من اللُّغاتِ، منها: اللُّغةُ العَرَبيَّةُ، والإنجليزيَّةُ، والفارسيَّةُ، وله العديدُ من المؤلَّفاتِ والتَّحقيقاتِ.
درس في الهندِ إلى ما قَبلَ المرحلةِ الجامعيَّةِ، ثمَّ درس في كليَّةِ اللُّغةِ العَرَبيَّةِ بالجامعةِ الإسلاميَّةِ بالمدينةِ النَّبَويَّةِ، وقد تخرَّج فيها من مرحَلةِ البكالوريوسِ عامَ 1401هـ، ثمَّ في كُلِّيَّةِ اللُّغةِ العَرَبيَّةِ بجامعةِ أمِّ القرى، ونال درجةَ الماجستير عامَ 1406م.
اشتَغل بتحقيقِ المخطوطاتِ وخاصَّةً كُتُبَ شيخِ الإسلامِ ابنِ تيميَّةَ والحافِظِ ابنِ القَيِّمِ.
توفِّي -رحمه اللهُ- بمكَّةَ المكَرَّمةِ عن عُمرٍ ناهز 68 عامًا.
وُلِد الشَّيخُ عبدُ العزيزِ بنُ عبدِ الفتاحِ بنِ عبدِ الرَّحيمِ القارئِ في مكَّـةَ المكَرَّمـةِ سنةَ 1365هـ.
ودَرَس في المعهدِ العِلمـيِّ بالرِّياضِ (1375- 1380هـ)، وتخرَّجَ من كليَّةِ الشَّريعةِ في الجامعةِ الإسلاميَّةِ سنةَ 1389هـ. وحصل على درجةِ الماجستيرِ من كُلِّيَّةِ الشَّريعةِ والقانونِ في جامعةِ الأزهَرِ سَنةَ 1393هـ. ونال درَجةَ الدُّكتوراه في فِقهِ السِّياسةِ الشَّرعيَّةِ سنةَ 1399هـ.
تولَّى عمادةَ كُلِّيـَّةِ القرآنِ الكريـمِ والدِّراسـاتِ الإسـلاميـَّةِ في الجامعةِ الإسلاميَّةِ بالمدينةِ المنوَّرةِ سنةَ 1401هـ، ورئاسةَ لجنةِ تصحيحِ مُصحَفِ المدينـةِ النَّبَويَّـِة الذي طُبِـعَ بمجمَعِ الملكِ فهدٍ لِطِباعةِ المُصـحَفِ الشَّـريفِ بالمدينةِ المنوَّرةِ. كما عُيِّن إمامًا وخطيـبًا لمسـجدِ قُباءٍ ما بينَ سَنَتي 1405 و1414هـ.
توفِّي بالمدينةِ المنوَّرةِ وصُلِّي عليه في المسجِدِ النَّبَويِّ ودُفِن في البقيعِ.