خُلِعَ المُطيعُ لله، وكان به مرَضُ الفالجِ، وقد ثَقُل لِسانُه، وتعَذَّرَت الحركةُ عليه، وهو يستُرُ ذلك، فانكشف حالُه لسبكتكين حاجِبِ عِزِّ الدولة، فدعاه إلى أن يخلَعَ نَفسَه مِن الخلافةِ ويسَلِّمَها إلى ولده الطائعِ لله، واسمُه أبو الفضلِ عبدُ الكريم، ففعل ذلك وأشهَدَ على نفسِه بالخَلْعِ ثالثَ عشَرَ من ذي القعدة. وكانت مُدَّةُ خلافتِه تسعًا وعشرين سنةً وخمسةَ أشهر غيرَ أيَّامٍ، وبويع للطائعِ لله بالخلافة، واستقَرَّ أمرُه.
تحالفَت كُلُّ قوى النصرانيَّة مِن أجْلِ الصُّمودِ في وَجهِ قُوَّةِ المُسلِمينَ بقِيادةِ المنصورِ بنِ أبي عامرٍ في وقعة جربيرة، التقى فيها الفريقان عند مكانٍ شَديدِ الوُعورةِ يُسمَّى بصَخرةِ جربيرة، وكاد المنصور أن يُهزَمَ لأوَّلِ مَرَّة في معاركِه، ولكِنَّ بَسالةَ المُسلِمينَ وشِدَّةَ بأسِهم في القِتالِ أنهَت المعركةَ بهزيمةٍ مُرَوِّعة للتَّحالُفِ النَّصرانيِّ، وقُتِلَ مُعظَمُ قادة الصَّليبيِّينَ وواصل المنصورُ سَيرَه حتى فتح مدينةَ برغش عاصِمةَ قشتالة.
توجَّه عَسكَرُ الحافِظِ الفاطميِّ صاحِبِ مِصرَ، في ثالِثَ صَفَر، لقتالِ لواتة وقد تجَمَّعوا وعَقَدوا الأمرَ لرَجُلٍ قَدِمَ مِن المغرب وادَّعى أنَّه وَلَدُ نزار بن المستنصِر الفاطمي، فسار إليهم العَسكَرُ وواقَعَهم على الحمَّامات وانهزم منهم العَسكرُ، فجَهَّزَ الحافِظُ عَسكَرًا آخَرَ، ودَسَّ إلى مُقَدَّمي لواتة مالًا جزيلًا، ووعدهم بالإقطاعاتِ، فغدروا بابن نزار وقَتَلوه، وبَعَثوا برأسِه إلى الحافِظِ، ورجعت العساكِرُ في ربيع الأول.
في تاسع جمادى الآخرة بلغ الفرنجَ الخبَرُ بوصول عسكر من مصر، ومعهم قفل- حِمل كبير- فأسرى الفرنجُ إليهم، فواقعوهم بنواحي الخليل، فانهزم الجندُ، ولم يُقتَلْ منهم رجل من المشهورينَ، إنما قُتِلَ مِن الغلمان والأصحاب، وغَنِمَ الفرنج خيامَهم وآلاتِهم، وأما القفل فإنه أُخِذَ بَعضُه، وصَعِدَ من نجا جبل الخليل، فلم يُقدِم الفرنج على اتِّباعهم، وتمَزَّقَ من نجا من القفل، وتقَطَّعوا، ولَقُوا شدة إلى أن اجتَمَعوا.
لما فرغ جلال الدين من الإسماعيلية بلغه الخبَرُ أن طائفةً مِن التتر عظيمةً قد بلغوا إلى دامغان، بالقُربِ من الري، عازمينَ على قصدِ بلاد الإسلام، فسار إليهم وحاربَهم، واشتَدَّ القتال بينهم، فانهزموا منه، فأوسعَهم قتلًا، وتَبِعَ المنهزمين عدَّة أيام يقتُلُ ويأسِرُ، فبينما هو كذلك قد أقام بنواحي الري خوفًا من جمع آخرَ للتتر، إذ أتاه الخبَرُ بأن كثيرًا منهم واصلون إليه، فأقام ينتَظِرُهم. حتى لقيهم سنة 625.
قَدِمَت الرسلُ من عند البابا تخبِرُ بأنه قد أباح دمَ الأبدور ملكِ الفِرنجِ في القُدسِ لتهاونِه في قتال المسلمين، وأرسل البابا طائفةً مِن عنده ليقتُلوه، فلما انتهوا إلى المَلِك كان قد استعَدَّ لهم وأجلس مملوكًا له على السَّريرِ فاعتقدوه المَلِكَ فقتلوه، فعند ذلك أخَذَهم الأبدور فصَلَبَهم على باب قَصرِه بعد ما ذبحَهم وسلخَهم وحشى جلودَهم تبنًا، فلما بلغ ذلك البابا أرسَلَ إليه جيشًا كثيفًا لقتاله فأوقع الله الخلافَ بينهم بسبب ذلك.
قام الملك الناصرُ صلاح الدين صاحِبُ دمشق بطَلَب العونِ مِن ملك الفرنجِ فريدريك الثاني وهو في عكَّا على أن يُسَلِّمَه القُدسَ مقابِلَ هذه المساعدة ضِدَّ العسكر المصري، ولكِنَّ فريدريك رفض طلبَه ذاك لوجودِ معاهدة بينه وبين المماليكِ تمنعُ مناصرةَ خُصومِهم في الحرب، وقد قال ابن كثير في تاريخه "إن الجيشَ المصريَّ قد تمالأ أيضًا مع الفرنج على تسليمِهم القدس إن هم نصروهم على الشاميِّين, فالله أعلمُ بحقيقة الحال".
أخرج الملِكُ الناصِرُ عسكرًا إلى جهةِ ديار مصر، ومعهم البحريَّة الذين كانوا قد هَرَبوا من مصرَ مِن المعز بعد أن قُتِلَ صاحِبُهم فارسُ الدين أقطاي الجمداري، وهم الأميرُ سيف الدين بلبان الرشيد، وعز الدين أزدمر، وشمس الدين سنقر الرومي، وشمس الدين سنقر الأشقر، وبدر الدين بيسري، وسيف الدين قلاوون، وسيف الدين بلبان المسعودي، وركن الدين بيبرس البندقداري، وعدة من مماليك الفارس أقطاي.
أنشأها علاءُ الدين طيبرس الخازندار نقيبُ الجيوشِ بالدِّيارِ المصريةِ، وهي على يمينِ الداخِلِ من باب الجامِعِ الأزهرِ المعروفِ بباب المزينين، وتمَّ الانتهاءُ مِن بنائها في عهد السلطانِ الناصر محمد بن قلاوون، فكانت من المدارس الملحَقة بالأزهر، وعُرِفت بالمدرسة الطيبرسية نسبةً إلى علاء الدين مؤسِّسِها الذي قرَّر أن يُدرِّسَ فيها درسًا للفقهاء الشافعية. وأنشأ بجوارِها مِيضأةً وحوضَ ماء سبيل ترِدُه الدواب، وتأنَّقَ في رخامها وتذهيبِ سقوفِها.
سار الأميرُ يلبغا الناصري نائب حلب من حلب بالعسكر للقاءِ الفرنج، وقد وردت شوانيهم في البَحرِ لِقَصدِ إياس، ونزوله بالعمق لقربه من البحر، فورد عليه كِتابُ نائب اللاذقية بوصول الفرنج إلى بيروت، وأنهم نزلوا إلى البر، وملكوا بعض أبراجِها، فأدركهم العسكرُ الشامي في طائفةٍ مِن رجَّالة الأكراد، وقاتلوهم، فأيَّدَ الله المسلمين، حتَى قتلوا من الفرنج نحو خمسمائة رجل، وانهزم باقيهم إلى مراكبهم، وساروا وعادت العساكِرُ إلى الشام.
بعد دخولِ الإمام عبد العزيز بن محمد الرياضَ، أرسل إلى زيد بن زامل رئيس الدلم يذكِّره الالتزامَ بالعهد الذي بينهم, فلم يلتفِتْ زيد لهذا العهدِ، وأخذ يؤلِّبُ على الدرعية، فأرسل إلى المكرمي رئيسِ نجران يستحِثُّه على حرب الدرعية ويبذلُ له المالَ، ولم يستجب له، حتى طلب منه مزيدًا من المالِ، فبذل له زيدٌ كُلَّ ما طلب مقابِلَ أن يرسِلَ له رهائِنَ مِن قومِه إلى أن يتِمَّ مقصودُه، فأرسل النجراني رؤساءَ قَومِه رهائِنَ.
هو الشيخُ عبد الله الأول بن صباح بن جابر بن سليمان بن أحمد تولى حكم الكويت بعد أن توفِّي والده سنة 1190هـ وقد بقي في حكم الكويت 39 سنة, وبعد وفاته تولى حكمَ الكويت ابنُه جابر الأول، الذي كان في البحرين وقتَ وفاة والده، فتسلم الحكم في الكويت الشيخُ محمد السلمان جد المالك الصباح بعد مبايعةِ الكويتيين له إلى حينِ عَودةِ الشيخِ جابرٍ مِن البحرين.
وقَعَ بردٌ شديدٌ في نجدٍ أضَرَّ بالنخلِ وقطرت العسبان دبسًا مِن شدة البرد، فلما جاء الصيفُ بان الخَلَلُ في النخيل ويَبِس أكثر عسبانها، وأما الزرع والقتُّ والنبات فضرَرُه قليل، ثم حصل في السنة التالية بردٌ أعظم من الأول حتى تجمَّد الماء في السواقي والزروع وبين الميزاب والأرض، وأضَرَّ بالنخل، وفي هاتين السنتين ما اختَلَّ حمل النخل، بل كان على معتاده، فلما كانت سنة الخمسين لم يحمِل النخلُ إلا بنصفِ حملِه.
لما بلغ ابنَ ثنيان في الرياض خبَرُ وصول فيصل بن تركي جبل شمر، عزم على قتالِ فيصل ومَنْعِه من دخول الرياض, ودارت مفاوضاتٌ ومراسلات رفض فيها ابن ثنيان الخروجَ مِن الرياض وتسليمَها لفيصل، واستعَدَّ الطرفان للحربِ، لكن فيصل تمكَّن من دخول الرياض بدون قتالٍ، وقبض على ابن ثنيان وحَبَسَه في أحد بيوت القصر إلى أن مات فيه. وتمكَّن الإمام فيصل من استعادة أكثر الأملاك التي خضعت له في فترةٍ وجيزة.
معركـةٌ شهيـرة وقَعَت بين الليبيِّين والإيطاليِّين بليبيا في الجفرة وتحديدًا قرب هون، وكان قائدُ المجاهدين في تلك المعركة المجاهِدَ قضوار السهولي الورفلي من قبيلة السهول الليبية، وانتصر فيها انتصارًا باهرًا على قوات الاحتلال الإيطالي، وقَتَل فيها معظم الضباط الإيطاليين، وقَتَل فيها القائِدَ قضوار السهولي وعددًا من قادةِ الجهاد الليبي، وكانتقام من المجاهدين تمَّ التنكيلُ بأهالي هون وشَنْقُ مَن قُبِضَ عليهم من الرجال بعد احتلال المدينة بعد المعركة بأسابيع قليلة.