الموسوعة التاريخية

عدد النتائج ( 2638 ). زمن البحث بالثانية ( 0.01 )

العام الهجري : 315 الشهر القمري : شوال العام الميلادي : 927
تفاصيل الحدث:

كانت بين يوسُفَ بنِ أبي الساج وبين أبي طاهرٍ القرمطيِّ عند الكوفة موقعةٌ، فسبقه إليها أبو طاهر فحال بينه وبينها، فكتب إليه يوسُفُ بنُ أبي الساج: اسمَعْ وأطِعْ، وإلا فاستعِدَّ للقتالِ يوم السبت تاسِعَ شوال منها، فكتب: هلُمَّ، فسار إليه، فلما تراءى الجمعانِ استقَلَّ يوسف جيشَ القرمطي، وكان مع يوسُفَ بن أبي الساج عشرونَ ألفًا، ومع القرمطي ألفُ فارس وخمسمائة رجل. فقال يوسف: وما قيمةُ هؤلاء الكلابِ؟ وأمر الكاتِبَ أن يكتب بالفتحِ إلى الخليفة قبل اللِّقاء، فلما اقتتلوا ثبت القرامطة ثباتًا عظيمًا، ونزل القرمطي فحَرَّض أصحابَه وحمل بهم حملةً صادقة، فهزموا جندَ الخليفة، وأسروا يوسُفَ بن أبي الساج أميرَ الجيش، وقتلوا خلقًا كثيرًا من جند الخليفة، واستحوذوا على الكوفةِ، وجاءت الأخبار بذلك إلى بغداد، وشاع بين الناسِ أنَّ القرامطة يريدون أخذَ بغداد، فانزعج النَّاسُ لذلك وظَنُّوا صِدقَه، فاجتمع الوزيرُ بالخليفة فجهَّزَ جيشًا أربعين ألف مقاتِلٍ مع أمير يقال له بليق، فسار نحوهم، فلما سَمِعوا به أخذوا عليه الطُّرُقات، فأراد دخول بغداد فلم يُمكِنْه، ثم التقَوا معه فلم يلبَثْ بليق وجيشه أن انهزم، فإنَّا لله وإنا إليه راجعون. وكان يوسُفُ بنُ أبي الساج معهم مقيَّدًا في خيمةٍ، فجعل ينظر إلى محلِّ الوقعة، فلما رجع القرمطي قال: أردتَ أن تهربَ؟ فأمر به فضُرِبَت عنقه. ورجع القرمطي من ناحيةِ بغداد إلى الأنبار، ثم انصرف إلى هيتَ.

العام الهجري : 396 العام الميلادي : 1005
تفاصيل الحدث:

غزا يَمينُ الدَّولةِ مَحمودُ بنُ سبكتكين المولتان، وكان سبَبُ ذلك أنَّ واليَها أبا الفتوحِ نُقِلَ عنه خُبثُ اعتقادِه، ونُسِبَ إلى الإلحاد، وأنَّه قد دعا أهلَ ولايتِه إلى ما هو عليه، فأجابوه. فرأى يمينُ الدَّولة أن يُجاهِدَه ويَستنزِلَه عمَّا هو عليه، فسار نحوه، فابتدأ ببلدِ أندبال قبلَ المولتان، وقال: نجمعُ بين غزوتينِ، فدخَلَ بلادَه، وجاسَها، وأكثَرَ القَتلَ فيها، والنَّهبَ لأموالِ أهلِها، والإحراقَ لأبنِيَتِها، ففَرَّ أندبال مِن بينِ يديه، ولَمَّا سَمِعَ أبو الفتوح بخبَرِ إقبالِه إليه عَلِمَ عَجزَه عن الوقوفِ بينَ يديه والعِصيانِ عليه، فنَقَل أموالَه إلى سرنديب، وأخلى المولتان، فوصَل يمينُ الدَّولة إليها ونازلَها، فإذا أهلُها في ضلالِهم يَعمَهونَ، فحصَرَهم، وضَيَّقَ عليهم، وتابع القِتالَ حتى افتتَحَها عَنوةً، وألزم أهلَها عشرينَ ألفَ درهمٍ؛ عُقوبةً لعِصيانِهم، ثمَّ سار عنها إلى قلعةِ كواكير، وكان صاحِبُها يُعرَف ببيدا، وكان بها ستُّمِئَة صنم، فافتتَحَها وأحرقَ الأصنام، فهرَبَ صاحِبُها إلى قلعته المعروفة بكالنجار، فسار خَلْفَه إليها، وهو حِصنٌ كبيرٌ ووصَلَ إلى القَلعةِ فحَصَرها ثلاثةً وأربعين يومًا، وراسَلَه صاحِبُها في الصُّلحِ، فلم يُجِبْه، ثمَّ بلَغَه عن خراسان اختلافٌ بسبَبِ قَصدِ إيلك الخان لها، فصالح ملِكَ الهندِ على خمسمِئَة فيل، وثلاثةِ آلافٍ مِن فِضَّة، ولَبِسَ خِلَعَه يمينُ الدَّولة بعد أن استعفى مِن شَدِّ المِنطَقةِ، فإنَّه اشتَدَّ عليه، فلم يُجِبْه يمينُ الدَّولة إلى ذلك، فشَدَّ المِنطقةَ، وقطَعَ إصبَعَه الخنصَر وأنفَذَها إلى يمينِ الدَّولةِ توثقةً فيما يعتَقِدونَه، وعاد يمينُ الدَّولة إلى خُراسان لإصلاحِ ما اختُلِف فيها، وكان عازمًا على الوُغولِ في بلادِ الهند.

العام الهجري : 465 العام الميلادي : 1072
تفاصيل الحدث:

الفَقيهُ الشافعيُّ أبو القاسمِ عبدُ الكَريمِ بنُ هوازن القُشيريُّ، النَّيسابوريُّ، مُصَنِّفُ ((الرِّسالة القُشيريَّة)) المشهورة وغيرَها، كان عَلَّامةً في الفِقْهِ والتَّفسيرِ والحَديثِ والأُصولِ والكِتابَةِ والأَدبِ والشِّعْرِ وعِلْمِ التَّصَوُّفِ، جَمعَ بين الشَّريعَةِ والحَقيقَةِ، أَصلُه من ناحِيَةِ أستوا من العَربِ الذين قَدِموا خُراسان، وُلِدَ في شَهرِ رَبيعٍ الأَوَّلِ سَنةَ 376هـ. تُوفِّي أَبوهُ وهو صَغيرٌ، فَقرأَ واشتَغلَ بالأَدبِ والعَربيَّةِ في صِباهُ، وكان أَوَّلًا من أَبناءِ الدُّنيا، فجَذَبَهُ أبو عليٍّ الدَّقَّاقُ فصارَ من الصُّوفِيَّةِ, وتَفَقَّه على بكرِ بنِ محمدٍ الطُّوسيِّ، وأَخذَ الكَلامَ عن ابنِ فورك، وصَنَّفَ ((التَّفسير الكَبير)) و((لَطائِف الإشارات))، وكان يَعِظُ ويَتَكلَّم بكَلامِ الصُّوفيَّةِ, وبعدَ وَفاةِ أبي عليٍّ الدَّقَّاقِ سَلَكَ مَسلَكَ المُجاهَدَةِ والتَّجريدِ وأَخذَ في التَّصنيفِ، وخَرجَ إلى الحَجِّ في رُفقَةٍ فيها الشيخُ أبو محمدٍ الجوينيُّ والدُ إمامِ الحَرمَينِ، وأَحمدُ بنُ الحُسينِ البيهقيُّ وجَماعةٌ من المَشاهيرِ، فسَمِعَ معهم الحَديثَ ببغدادَ والحِجازِ, وكان له في الفُروسِيَّةِ واستِعمالِ السِّلاحِ يَدٌ بَيضاءُ، وأمَّا مَجالِسُ الوَعْظِ والتَّذكيرِ فهو إمامُها، وعَقَدَ لِنَفسِه مَجلِسَ الإملاءِ في الحَديثِ. ذَكَرَهُ الخَطيبُ في تاريخِه قال: "قَدِمَ علينا في سَنةِ 448هـ، وحَدَّثَ ببغداد، وكَتَبنا عنه، وكان ثِقَةً، وكان يَقُصُّ، وكان حَسَنَ المَوعِظَةِ، مَلِيحَ الإشارةِ، وكان يَعرِف الأُصولَ على مَذهبِ الأَشعريِّ، والفُروعَ على مَذهبِ الشافعيِّ" وتُوفِّيَ صَبيحةَ يومِ الأحدِ قبلَ طُلوعِ الشمسِ سادس عشر ربيعٍ الآخر سَنةَ 465هـ بمَدينةِ نَيسابور، عن 89 عامًا, ودُفِنَ بالمدرسةِ تحت شَيخِه أبي عليٍّ الدَّقَّاقِ.

العام الهجري : 575 الشهر القمري : ربيع الأول العام الميلادي : 1179
تفاصيل الحدث:

سار السُّلطانُ صلاح الدِّين من عكَّا إلى دمشق، فأقام بها ثم خرج إلى شقيف- وهي في موضع حصين- فخَيَّم في مرجِ عُيون بالقُربِ منه، وأقام أيامًا يباشِرُ القتال- والعساكر تتواصل إليه- فلمَّا تحقَّقَ أرناط صاحِبُ شقيف أنَّه لا طاقة له به، نزل إليه بنفسه، فلم يشعُرْ به إلَّا وهو قائمٌ على باب خيمته، فأذِنَ له في دخوله إليه، وأكرمه واحتَرَمه، وكان من أكابِرِ الفرنج وعُقَلائِهم، وكان يَعرِف بالعربيَّة وعنده الاطِّلاع على شيءٍ من التواريخ والأحاديث، وكان حسَنَ التأني، لَمَّا حضَرَ بين يدي السلطان، وأكل معه الطعامَ وخلا به، ذكَرَ أنَّه مملوكه وتحت طاعته، وأنه يسَلِّمُ إليه المكان من غير تعب، واشترط أن يعطى موضعًا يسكُنُه بدمشق، وإقطاعًا فيها يقومُ به وبأهلِه، وشروط غير ذلك، فأجابه إلى مرامه. ووصَلَه الخبر بتسليم الشوبك بالأمان. ثم ظهر للسُّلطانِ بعد ذلك أنَّ جميعَ ما قاله صاحب شقيف كان خديعةً، فراسَلَهم عليه ثمَّ بلغه أنَّ الفِرنجَ قَصَدوا عكَّا ونزلوا عليها، فقَبَضَ على أرناط صاحب شقيف وحَبَسَه في دمشق بعد الإهانة الشديدة، وأتى عكَّا ودخلها بغتةً لتقوِّي قلوب من بها، ثم استدعى العسكرَ من كل ناحية، ثم تكاثر الفرنج، واستفحل أمرُهم وأحاطوا بعكا، ومنعوا من يدخلُ إليها ويَخرجُ من المسلمين، فضاق صدرُ السلطان لذلك، ثم اجتهد أمراءُ المسلمين في فتح طريقٍ إليها لتستمِرَّ المسايلة بالمسيرة والنجدة، فسار الأمراءُ واتفقوا على مضايقة العدوِّ لينفتِحَ الطريق، ففعلوا ذلك وانفتح الطريق، وسلكه المسلمونَ ودخل السلطان عكا، فأشرف على أمورِها، ثم جرى بين الفريقين مناوشات في عدة أيام، ثم جرت وقعات، وقيل للسلطان: إن الوخمَ قد عظُمَ بمرج عكا، فإن الموتَ قد نشأ بين الطائفتينِ فرَجَعوا.

العام الهجري : 583 الشهر القمري : جمادى الآخرة العام الميلادي : 1187
تفاصيل الحدث:

لَمَّا ملك صلاح الدين بيروت وجبيل وغيرهما، سار نحو عسقلان، واجتمع بأخيه العادل ومن معه مِن عساكرِ مِصرَ، ونازلوها يوم الأحد سادس عشر جمادى الآخرة، وكان صلاحُ الدين قد أحضر مَلِكَ الفرنج ومُقَدَّم الداوية إليه مِن دمشق، وقال لهما: إن سَلَّمتُما البلادَ إليَّ فلكما الأمانُ، فأرسلا إلى من بعسقلان من الفرنجِ يأمرانِهم بتسليم البلد، فلم يَسمَعوا أمرَهما وردُّوا عليهما أقبَحَ رَدٍّ وأجابوهما بما يسوءُهما، فلما رأى السلطانُ ذلك جَدَّ في قتال المدينة ونَصَب المجانيقَ عليها، وزحَفَ مَرَّةً بعد أخرى، وتقدم النقَّابون إلى السور، فنالوا منه شيئًا. هذا ومَلِكُهم يكَرِّرُ المراسلات إليهم بالتسليم، ويشيرُ عليهم، ويَعِدُهم أنَّه إذا أُطلِقَ مِن الأسر أضرم البلادَ على المسلمين نارًا، واستنجد الفرنجَ مِن البحر، وأجلَبَ الخَيلَ والرَّجِل إليهم من أقاصي بلاد الفرنج وأدانيها، وهم لا يُجيبونَ إلى ما يقولُ ولا يسمعون ما يشير به، ولَمَّا رأوا أنهم كل يوم يزدادون ضعفًا ووهنًا، وإذا قُتِلَ منهم الرجلُ لا يجدون له عِوَضًا، ولا لهم نجدةٌ ينتَظِرونَها، راسلوا مَلِكَهم المأسور في تسليمِ البلد على شروطٍ اقترحوها، فأجابهم صلاحُ الدين إليها، وكانوا قَتَلوا في الحصار أميرًا كبيرًا من المهرانيَّة، فخافوا عند مفارقةِ البلد أنَّ عَشيرتَه يَقتُلونَ منهم بثأره، فاحتاطوا فيما اشتَرَطوا لأنفسهم، فأُجيبوا إلى ذلك جميعِه، وسَلَّموا المدينة آخر جمادى الآخرة، وكانت مدة الحصار أربعةَ عشر يومًا، وسيَّرَهم صلاح الدين ونساءَهم وأموالَهم وأولادهم إلى بيت المقدس، ووفى لهم بالأمانِ.

العام الهجري : 583 الشهر القمري : ذي الحجة العام الميلادي : 1188
تفاصيل الحدث:

سار شِهابُ الدين الغوري، مَلِك غزنة، إلى بلاد الهند، وقَصَد بلاد أجمير، وتعَرَّف بولاية السوالك، واسمُ ملكهم كولة، وكان شجاعًا شهمًا، فلما دخل المُسلِمونَ بلاده ملكوا مدينةَ تبرندة، وهي حِصنٌ منيع عامِرٌ، وملكوا شرستي، وملكوا كورام، فلما سَمِعَ مَلِكُهم كولة جمَعَ العساكِرَ فأكثَرَ، وسار إلى المسلمين، فالتقوا، وقامت الحربُ على ساق، وكان مع الهند أربعة عشر فيلًا، فلما اشتَدَّت الحربُ انهزَمَت ميمنةُ المسلمين وميسرتهم، فقال لشهاب الدين بعضُ خواصه: قد انكسرت الميمنةُ والمَيسرةُ، فانجُ بنَفسِك لا يَهلِك المُسلِمون، فأخذ شهاب الدين الرمحَ وحمل على الهنود، فوصَلَ إلى الفِيَلة، فطعن فيلًا منها في كَتِفِه، وجُرحُ الفيل لا يندَمِلُ، فلما وصل شهابُ الدين إلى الفِيَلة زَرَقه بعضَ الهنود بحَربةٍ، فوَقَعَت الحربةُ في ساعده، فنَفِذَت الحربة من الجانِبِ الآخر، فوقع حينئذٍ إلى الأرض، فقاتل عليه أصحابُه ليخلِّصوه، وحرصت الهنود على أخْذِه، وكان عنده حَربٌ لم يُسمَعْ بمِثلِها، وأخذه أصحابُه فرَكَّبوه فَرَسَه وعادوا به منهزمينَ، فلم يَتبَعْهم الهنود، فلما أبعدوا عن موضعِ الوقعة بمقدار فرسخٍ أُغمِيَ على شهاب الدين من كثرة خروج الدمِ، فحمله الرجالُ على أكتافهم في محفةِ اليد أربعة وعشرين فرسخًا، فلما وصل إلى لهاوور أخذ الأمراء الغورية، وهم الذين انهَزَموا ولم يثبتوا، وعَلَّقَ على كلِّ واحد منهم عليقَ شَعيرٍ، وقال: أنتم دوابُّ، ما أنتم أمراءُ! وسار إلى غزنة، وأمر بعضَهم فمشى إليها ماشيًا، فلمَّا وصل إلى غزنة أقام بها ليستريحَ النَّاسُ.

العام الهجري : 608 الشهر القمري : جمادى الآخرة العام الميلادي : 1211
تفاصيل الحدث:

هو العلَّامةُ عماد الدين أبو حامد محمد بن يونس بن محمد بن منعة بن مالك الإربلي الأصل الموصلي، الفقيه الشافعي، وُلِدَ سنة 535 بمدينة الموصل وتفَقَّه بها على والده، ثم سار إلى بغداد، وتفقَّه بها بالنظامية على السديد محمَّد السلماسي، وأبي المحاسن يوسف بن بندار الدمشقي، وسمِعَ الحديثَ من أبي حامد محمد بن أبي الربيع الغرناطي، وعبد الرحمن بن محمد الكشميهني. وعاد إلى الموصل، ودرَّس بها في عدة مدارس، وعلا صيتُه، وشاع ذكرُه، وقصَدَه الفقهاء من البلاد، وتخرَّجَ به خلقٌ، انتهت إليه رياسةُ الشافعية، وكان حسَنَ الأخلاق، كثيرَ التجاوز عن الفقهاء، كثيرَ الإحسان إليهم. كان إمامًا فاضلًا، وإمامَ وَقتِه في المذهب والأصول والخِلاف، وكان له صيتٌ عظيم في زمانه، صنف " المحيط " وجمع فيه بين "المهذب" و"الوسيط"، وشرح "الوجيز"، وصنف جدلًا، وعقيدة، وغير ذلك وتوجَّه رسولًا إلى الخليفة غير مرة، ووليَ قضاءَ الموصل خمسة أشهر ثم عُزِل، وذلك في صفر سنة ثلاث وتسعين، قال ابن خلكان: "كان شديدَ الورع والتقشُّف، لا يلبس الثوب الجديد حتى يغسِلَه، ولا يمسُّ القلَمَ للكتابة إلا ويغسِلُ يده، وكان دمثَ الأخلاق لطيف الخلوة ملاطفًا بحكايات وأشعار، وكان كثيرَ المباطنة لنور الدين أرسلان صاحب الموصل يُرجَع إليه في الفتاوى ويُشاوَر في الأمور, ولم يزل معه حتى انتقل أرسلان عن مذهب أبي حنيفة إلى مذهب الشافعي" فلما توفي نور الدين توجَّه الشيخ عماد الدين إلى بغداد، وأخذ السلطنة للملك القاهر مسعود بن نور الدين، وأتى بالتقليدِ والخِلعة.

العام الهجري : 694 الشهر القمري : محرم العام الميلادي : 1294
تفاصيل الحدث:

في يومِ الأربعاءِ حادي عشر المحرم خُلِعَ المَلِكُ النَّاصِرُ بن قلاوون، وكانت أيَّامُه سَنةً واحدةً تَنقُصُ ثلاثةَ أيام، لم يكن له فيها أمرٌ ولا نهيٌ، بل كل ذلك بيَدِ السلطان الملك العادل زين الدين كتبغا المنصوري الذي كان في مُدَّة سلطنة الملك الناصِرِ هو القائِمَ بجميع أمور الدولة، وليس للناصرِ معه تصرفٌ البتة، ثمَّ إنه أخذ في أسباب السُّلطةِ بعد قتل الشجاعيِّ المنافِسِ الأوَّل لكتبغا، ولَمَّا دخل المحرم انقطع في دارِ النيابة وأظهَرَ أنَّه ضعيفُ البَدَنِ، وباطِنُ أمْرِه أنه يريد أن يقَرِّرَ أمورَه في السَّلطنةِ، فخرج إليه الناصِرُ وعاده، فلما كانت فتنةُ المماليك، جلس في صباحِ تلك الليلة بدارِ النيابة وجمَعَ الأمراء وقال لهم: قد انخرق ناموسُ المملكة، والحُرمةُ لا تتِمُّ بسَلطنةِ الناصِرِ لِصِغَرِ سِنِّه، فاتَّفَقوا على خَلعِه وإقامة كتبغا مكانه، وحلفُوا له على ذلك، وقَدِمَ إليه فرس النوبة بالرَّقَبة الملوكية، ورَكِبَ من دار النيابة قبل أذان العصرِ من يوم الأربعاء حادي عشر المحرم، ودخل من باب القلعةِ إلى دار السلطانيَّة، والأمراء مشاةٌ بين يديه حتى جلس على التخت بأبَّهة الملك، وتلقَّب بالملك العادل، ويُذكَرُ أن أصله من التتار من سَبْيِ وَقعةِ حمص الأولى التي كانت في سنة 659 أيَّام الملك الظاهرِ بيبرس بعد وقعة عين جالوت، وكان من الغويرانية، وهم طائفةٌ من التَّتر, فأخذه الملكُ المنصورُ قلاوون وأدَّبَه ثم أعتَقَه، وجعَلَه من جملة مماليكِه، ورقَّاه حتى صار من أكابِرِ أمرائه. وهو من خيارِ الأمراء وأجوَدِهم سيرةً ومَعدلةً، وقصدًا في نصرةِ الإسلامِ.

العام الهجري : 739 الشهر القمري : ذي الحجة العام الميلادي : 1339
تفاصيل الحدث:

هو الحافِظُ المؤَرِّخ عَلَم الدين القاسم بن محمد بن يوسف بن محمد البرزالي الأشبيلي الشافعي، وُلِدَ بدمشق سنة 665, من أُسرةٍ عِلميَّة جاءت من المغرب، وكانت أسرتُه قد نزلت إشبيليَّةَ، ثم رَحَلت إلى الشام وبرزالة: قبيلة قليلة جدًّا، كان البرزالي محدِّثًا حافظًا فاضلًا، سَمِعَ الكثير ورحل إلى البلاد وحصَّل ودأب وسَمِعَ خلائِقَ كثيرةً تزيد عِدَّتُهم على ألفي شيخ، وحَدَّث وخرَّج وأفاد وأفتى وصَنَّف تاريخًا على السنين، رحل إلى بعلبك وحلب ومصر، تولى مشيخة دار الحديث بدمشق ومعها المدرسة النورية، قال ابن كثير: "قرأ شيئًا كثيرًا، وأسمع شيئًا كثيرًا، وكان له خَطٌّ حَسَن، وخُلُق حسن، وهو مشكورٌ عند القضاة ومشايخه أهل العلم. سمعت العلامة ابن تيمية يقول: نَقْلُ البرزالي نَقْرٌ في حَجَر, وكان أصحابُه من كل الطوائف يحبُّونه ويكرمونه، وكان له أولادٌ ماتوا قبله، وكَتَبَت ابنته فاطمة البخاريَّ في ثلاثة عشر مجلَّدًا فقابله لها، وكان يقرأُ فيه على الحافظ المِزِّي تحت القبة، حتى صارت نسختُها أصلًا مُعتَمَدًا يكتب منها الناس، وكان شيخَ حديث بالنورية، وفيها وَقَف كُتُبَه بدار الحديث السنية، وبدار الحديث القوصية وفي الجامع وغيره، وعلى كراسي الحديث، وكان متواضِعًا مُحَبَّبًا إلى الناس، متودِّدًا إليهم، له مُصَنَّف المعجم الكبير في الحديث. وكتاب "المقتفى على كتاب الروضتين"، توفي بخليص وهو مُحرِم في رابع ذي الحجة عن أربع وسبعين سنة, فغُسِّلَ وكُفِّنَ ولم يُستَرْ رأسُه، وحمله الناسُ على نعشِه وهم يبكون حولَه، وكان يومًا مشهودًا.

العام الهجري : 815 الشهر القمري : ربيع الآخر العام الميلادي : 1412
تفاصيل الحدث:

هو العلامة الفقيه المحدث القاضي الشاعر الأديب قاضي القضاة محبُّ الدّين أبو الوليد محمد بن محمد بن محمود بن غازي ابن أيوب بن الشِّحنة محمود، والشِّحنة جدُّه الأعلى محمود، الشهير بابن الشِّحنة التُّركي الأصل الحلبي الحنفي، وأسرة آل الشحنة المشهورين بحلب من قبيلة ثقيف، وظهر منهم علماء أجلاء. ولد أبو الوليد سنة 749، وحفظ القرآن العظيم وعدة متون، وتفقَّه وبرع في الفقه، والأصول، والنحو، والأدب، وأفتى ودرّس، وتولى قضاء قضاة الحنفية بحلب، ثم دمشق، إلى أن قبض عليه الظَّاهر برقوق، وقدم به إلى القاهرة، ثم أُفرِجَ عنه ورجع إلى حلب، فأقام بها إلى أن قبض عليه الملك الناصر فرج سنة 813 لقيامه مع جماعةٍ على الناصر، ثم أفرج عنه فقدمَ القاهرة، ثم عاد إلى دمشق بصحبة الملك الناصر سنة أربع عشرة، فلما انكسر الناصر وحوصر بدمشق ولَّاه قضاء الحنفية بالقاهرة، فلم يتمَّ؛ لأنه لما أزيلت دولة الناصر أعيد ابن العديم لقضاء الدِّيار المصرية، واستقرَّ ابن الشِّحنة في قضاء حلب ودرس بدمشق. قال ابن حجر: "كان كثير الدعوى والاستحضار، عالي الهمَّة، وعمل تاريخًا لطيفًا فيه أوهام عديدة، وله نظم فائق وخط رائق" له ألفية رجز تشتمل على عشرة علوم، وألفية اختصر فيها منظومة النَّسَفي وضم إليها مذهب أحمد. وله تآليف أخرى في الفقه، والأصول، والتفسير. توفي بحلب يوم الجمعة ثاني عشر ربيع الآخر. ومحب الدين هو والد أبي الفضل

العام الهجري : 1337 الشهر القمري : محرم العام الميلادي : 1918
تفاصيل الحدث:

تدهورت الأوضاعُ العسكرية للدولة العثمانية أثناءَ الحرب العالمية الأولى، وسيطر البريطانيون على العراقِ والشام، واحتلَّ الفرنسيون شماليَّ بلاد الشام، وسيطر الحلفاءُ على استانبول والمضايق التركية، ولَمَّا رأى قادة الاتحاد والترقي هذه الهزائم قدَّم طلعت باشا رئيس الوزراء استقالةَ وزارته، فتألفت وزارة جديدة برئاسة أحمد عزت باشا، وهرب كلٌّ من طلعت باشا وأنور باشا وغيرهما إلى ألمانيا. وأرسلت الحكومة الجديدة وفدًا وزاريًّا إلى مدينة مدروز في بحر إيجة بين اليونان وتركيا لمفاوضة الإنجليز على شروطِ الهدنة، وأرجأ الإنجليزُ الاجتماعَ النهائي لمدة أسبوعين حتى تتمكَّن قواتهم من احتلالِ الموصل وحلب. وعُقِدَت هدنة مدروز في 25 من محرم 31 من أكتوبر، ونصَّت على استسلام الدولة العثمانية دون قيدٍ أو شرطٍ، وهو ما لم يحدث بالنسبة لألمانيا، وبدأت القواتُ العثمانية في إلقاء سلاحها، وبدأت عملياتُ الاحتلال طبقًا للاتفاقيات، ووقَعت الأستانة تحت الاحتلال المشترك للحلفاء تحت قيادة الأميرال البريطاني "كالثورب". واستيقظ المسلمون على هذا الفاجعة المدوِّية، وزاد من كآبةِ هذه الفاجعة سعيُ الأقليات الدينية لخدمة مصالحها، خاصةً الأرمن واليونانيين، وجرت مذابِحُ ضِدَّ المسلمين، وظهرت روحٌ بغيضة من التشفِّي ضِدَّ المسلمين؛ فالجنرال اللنبي قال حين دخل القدس: "الآن انتهت الحروب الصليبية"، وبعد هدنة مدروز وصل الجنرال اللنبي القائد الإنجليزي إلى استانبول، وطلب من الحكومة التركية تعيين مصطفى كمال قائدًا للجيش السادس بالقربِ مِن الموصل.

العام الهجري : 813 الشهر القمري : محرم العام الميلادي : 1410
تفاصيل الحدث:

لما أوقع الطاغية صاحب قشتالة بالمسلمين في الزقاق، كثرت غاراته في بلاد المسلمين بالأندلس، وكثرت غاراتهم أيضًا على بلاد قشتالة، وكان ألفونسو قد قام بأمر أخيه دون، وكان عارفًا بالحروب والمكايد، شجاعًا، دَربًا، شديد البأس، فجمع لحرب المسلمين، ونزل على أشقيرة -تجاه مالقة - أول ذي الحجة، فلم يستنجد أبو الحجاج يوسف بن يوسف بن محمد بن إسماعيل بن نصر ابن الأحمر -صاحب غرناطة- عساكر فاس كما هي العادة، بل رأى أن في عسكره كفاية، وجهَّز أخويه محمدًا وعليًّا على عسكر الأندلس، وقد جمع أهل القرى بأسرها، وخرجوا من غرناطة في ثامن عشر ذي الحجة سنة اثنتي عشرة وثمانمائة، ونزلوا على حصن أرشذونة -وهو على ستة أميال من أشقيرة- حتى تكاملت الجموع في الثامن والعشرين، ثم ساروا في ليلة التاسع والعشرين وعسكروا تجاه العدو، بسفح جبل المدرج، فما استقَرَّت، وقد أعجبتهم أنفسهم بهذه الدار حتى زحف العدو لحربهم، فثاروا لقتاله، وقد أعجبتهم أنفسهم، واغتروا بكثرتهم، وتباهوا بزينتهم، ولم يراقبوا الله في أمرهم، فما أحد إلا ومعه نوع من المعاصي كالخمر والأحداث، فلما اشتد القتالُ في الليل، انهزم العدو بعد ما قتل من المسلمين عشرة فرسان، ولما كان أول يوم من محرم سنة ثلاث عشر، نادى أخو السلطان في العسكر بالنفقة، وكانت نفقة السفر قد أُخِّرت عن وقتها؛ لئلا يأخذها العسكر ولا يشهدوا الحرب، وجُعِلت عند حضور الجهاد، فهَمَّ في أخذ النفقة، وإذا بالعدو وقد أقبل عند طلوع الشمس، فخرجت المطوعة وقاتلتهم، وأقام العسكر بأجمعهم لأخذ النفقة، وعلم العدو بذلك فرجعوا كأنهم منهزمين، والمطوعة تتبعُهم، وتنادي في العسكر: يا أكالين الحرامِ، العامةُ هزمت النصارى، وأنتم في خيامكم جلوس، فلما وصل العدو إلى معسكرهم وقفوا للحرب، وقد اجتمع جميع رجالة المسلمين طمعًا في الغنيمة، فإذا العدو وقد خندق على معسكره ورتَّب عليه الرماة، فسُقِط في أيديهم، ووقفوا إلى الظهر في حيرة، فخرج أمراء الطاغية عند ذلك من جوانب الخندق، وحملوا على المسلمين، فقتَلوا من قاتلهم، وأسروا من ألقى منهم سلاحه، حتى وصلوا مخيَّم المسلمين، فركب طائفة من بني مرين وبني عبد الواد، وقاتلوا على أطراف خيمهم قليلًا، وانهزموا هم وجميع أهل الأندلس، بحيث خرج أخوا السلطان بمن معهما مشاة إلى الجبل على أقدامهم، فأحاط العدو بجميع ما كان معهم، وأكثروا من القتل فيهم، وكانت عدة من قُتل من المعروفين من أهل غرناطة خاصة مائة ألف إنسان، سوى من لم يُعرَف، وسوى أهل أقطار الأندلس؛ بحرِها وبَرِّها، سهلها وجبلها؛ فإنهم عالم لا يحصيه إلا الله تعالى، وأقام النصارى ثلاثة أيام يتتبعون المسلمين، فيقتلون ويأسرون، وبعث الطاغية إلى أعماله يخبرهم بنصرته، فلما بلغ ذلك أهل أبدة وسبتة، وأهل حيان، خرجوا إلى وادي أش -وهو بيد المسلمين- ونزلوا قريبًا من حصن أرتنة، فاستغاث أهل الحصن بأهل غرناطة، فأمدوهم بعسكر، فصار النصارى إلى حصن مشافر، وقاتلوا أهله حتى أخذوا الربض، وشرعوا في تعليق الحصن، وإذا بعسكر غرناطة قد جاءهم في سابع المحرم، فأوقعوا بهم وقيعة شنعاء، أفنَوهم فيها، وأسروا منهم زيادة على ألف وخمسمائة، وعادوا إلى غرناطة بهم، فدخلوا في تاسعه، وبلغ ذلك الطاغية -وهو على حصار أشقيرة- فكف أصحابه عن الدخول بعدها إلى بلاد المسلمين، وأقام على الحصار ستة أشهر حتى ضَعُفت أحوال المسلمين بأشقيرة، ورفعوا كرائم أموالهم إلى حصنها، وتعلقوا به، فملك الطاغية المدينة بما فيها من الأزواد والأمتعة، ووقع مع هذا في المسلمين الوخم، فمات منهم جماعة كثيرة، فاضطرهم الحال إلى طلب الأمان؛ ليلحقوا ببلاد المسلمين بأموالهم فأمَّنهم ألفونسو على أن يخرجوا بما يطيقون حمله، فخرجوا بأجمعهم إلى معسكره، فوفى لهم، وجهز جميع المسلمين، وبعث من أوصلهم إلى غرناطة، فلم يفقد أحد منهم، ولا شراك نعل وأقام بأشقيرة من يثق به، وعاد عنها قافلًا إلى بلاده في أوائل جمادى الآخرة، فكانت هذه الحادثة من أشنع ما أصاب المسلمين بالأندلس!

العام الهجري : 69 العام الميلادي : 688
تفاصيل الحدث:

أقام عبدُ الملك بن مَرْوان بدِمشقَ بعدَ رُجوعِه مِن قِنَّسْرين ما شاء الله أن يُقيمَ، ثمَّ سار يُريدُ قَرْقِيسِيا وبها زُفَرُ بن الحارثِ الكِلابيُّ، وكان عَمرُو بن سعيدٍ مع عبدِ الملك، فلمَّا بلَغ بُطْنانَ حَبيبٍ رجَع عَمرٌو ليلًا ومعه حُميدُ بن حُرَيثٍ الكَلبيُّ، وزُهيرُ بن الأَبْرَدِ الكَلبيُّ، فأَتى دِمشقَ وعليها عبدُ الرَّحمن بن أُمِّ الحكمِ الثَّقفيُّ قد اسْتَخلَفَهُ عبدُ الملكِ، فلمَّا بَلغهُ رُجوعُ عَمرِو بن سعيدٍ هرَب عنها، ودَخلَها عَمرٌو فغَلَب عليها وعلى خَزائِنِه، وهَدَم دارَ ابنِ أُمِّ الحكمِ، واجتمع النَّاسُ إليه فخَطَبهم ونَهاهُم ووَعَدهُم، فأصبح عبدُ الملكِ وقد فَقَدَ عَمرًا، فسَألَ عنه فأُخْبِرَ خَبرُه، فرجَع إلى دِمشقَ فقاتَلهُ أيَّامًا، وكان عَمرٌو إذا أُخْرِج حُميدُ بن حُرَيثٍ على الخيلِ أَخرَج إليه عبدُ الملك سُفيانَ بن الأَبْرَدِ الكَلبيَّ، وإذا أُخْرِج عَمرٌو زُهيرُ بن الأبردِ أَخرَج إليه عبدُ الملك حسَّانَ بن مالكِ بن بَحْدَل. ثمَّ إنَّ عبدَ الملك وعَمرًا اصْطَلحا وكَتَبا بينهما كِتابًا وآمَنَهُ عبدُ الملك، فخرَج عَمرٌو في الخيلِ إلى عبدِ الملك فأَقبَل حتَّى أَوْطَأ فَرَسَهُ أَطْنابَ عبدِ الملكِ فانْقَطَعت وسَقَط السُّرادِق، ثمَّ دخَل على عبدِ الملك فاجْتَمَعا، ودخَل عبدُ الملك دِمشقَ يومَ الخميسِ، فلمَّا كان بعدَ دُخولِ عبدِ الملك بأربعةِ أيَّام أَرسَل إلى عَمرٍو: أنِ ائْتِنِي. فلمَّا كان العِشاءُ لَبِسَ عَمرٌو دِرْعًا ولَبِسَ عليها القُباءَ وتَقَلَّدَ سَيْفَهُ، ودخل عَمرٌو فرَحَّبَ به عبدُ الملك فأَجْلَسَهُ معه على السَّريرِ وجعَل يُحادِثُه طَويلًا، ثمَّ أَوْثَقَهُ وأَمَر بِقَتلِه، ثمَّ تَوَلَّى قَتْلَهُ بِنَفسِه فذَبَحهُ.

العام الهجري : 266 العام الميلادي : 879
تفاصيل الحدث:

كانت وَقعةً للزنج انهزموا فيها، وكان سببَها أنَّ محمد بن عبيد الله كتب إلى عليِّ بن أبان بعدَ الصُّلحِ يَسألُه المعونةَ على الأكرادِ الدارنان، على أن يجعلَ له ولأصحابه غنائِمَهم، فكتب عليٌّ إلى صاحبه يستأذِنُه، فكتب إليه أن وجِّهْ إليه جيشًا وأقِمْ أنت، ولا تُنفِذ أحدًا حتى تستوثِقَ منه بالرهائنِ، ولا يأمن غزوه والطلب بثأره. فكتب عليٌّ إلى محمد يطلبُ منه اليمين والرهائن، فبذَلَ له اليمينَ، ومَطَله بالرهائِنِ، ولِحرصِ عليٍّ على الغنائم أنفذ إليه جيشًا، فسيَّرَ محمد معهم طائفةً من أصحابه إلى الأكراد، فخرج إليهم الأكرادُ فقاتلوهم، ونشبت الحرب، فتخلَّى أصحاب محمد عن الزنج، فانهزموا وقَتَلت الأكرادُ منهم خلقًا كثيرًا، وكان محمَّدٌ قد أعدَّ لهم من يتعَرَّضُهم إذا انهزموا، فصادفوهم وأوقعوا بهم، وسَلَبوهم وأخذوا دوابَّهم، ورجعوا بأسوأ حالٍ، فأظهر الخبيثُ الغضَبَ على ابنِ أبان، فأرسل محمَّد إلى بهبود، ومحمد بن يحيى الكرماني، وكانا أقربَ الناسِ إلى علي، فضَمِنَ لهما مالًا إن أصلحا له عليًّا وصاحِبَه، ففعلا ذلك، فأجابهما الخبيثُ إلى الرضا عن محمد على أن يخطُبَ له على منابِرِ بلاده، وأعلما محمدًا بذلك، فأجابهما إلى كلِّ ما طلبا، وجعل يراوِغُ في الدعاءِ له على المنابر، ثم إنَّ عليًّا استعدَّ لمتوث- وهي بلدة بين قرقوب وكور الاهواز- فسار إليها فلم يظفَرْ بها فرَجَع، وعمِلَ السلاليم والآلات التي يصعَدُ بها إلى السور، واستعَدَّ لقَصدِها، فعرف ذلك مسرور البلخي، وهو يومئذٍ بكور الأهواز، فلما سار عليٌّ إليها سار إليه مسرورٌ، فوافاه قبل المغربِ وهو نازلٌ عليها، فلما عاين الزنج أوائِلَ خيل مسرور انهزموا أقبحَ هزيمة، وترَكوا جميعَ ما كانوا أعدُّوه، وقُتِلَ منهم خلقٌ كثيرٌ، وانصرف عليٌّ مهزومًا، فلم يلبثْ إلا يسيرًا حتى أتته الأخبارُ بإقبال الموفق، ولم يكن لعليٍّ بعد متوث وقعة، فكتب إليه صاحِبُه يأمره بالعودِ إليه، ويستحِثُّه حثًّا شديدًا.

العام الهجري : 319 العام الميلادي : 931
تفاصيل الحدث:

استولى مرداويج مَلِكُ الدَّيلم على بلدِ الجبَلِ والرَّيِّ وغيرِهما، وأقبلت الدَّيلمُ إليه من كلِّ ناحية لبَذلِه وإحسانِه إلى جُندِه، فعَظُمَت جيوشُه، وكَثُرَت عساكِرُه، وكثُرَ الخراجُ عليه، فلم يَكفِه ما في يده، ففرَّق نوَّابَه في النواحي المجاورةِ له، فكان ممَّن سيَّرَه إلى همَذان ابنُ أختٍ له في جيشٍ كثير، وكان بها أبو عبدِ الله محمَّدُ بن خلف في عسكرِ الخليفة، فتحاربوا حروبًا كثيرة، وأعان أهلُ همذان عسكرَ الخليفة، فظَفِروا بالدَّيلم، وقُتل ابنُ أخت مرداويج، فسار مرداويج من الرَّيِّ إلى همذان، فلمَّا سمع أصحاب الخليفة بمسيره انهزموا من همذانَ، فجاء إلى همذان، ونزل على باب الأسدِ، فتحصَّنَ منه أهلُها، فقاتلهم، فظَفِرَ بهم وقتل منهم خلقًا كثيرًا، وأحرقَ وسبى، ثم رفعَ السيف عنهم وأمَّن بقيَّتَهم، فأنفذ المقتَدِر هارونَ بن غريب في عساكرَ كثيرةٍ إلى محاربته، فالتَقَوا بنواحي همذان، فاقتَتَلوا قتالًا شديدًا، فانهزم هارونُ وعسكَرُ الخليفة، واستولى مرداويج على بلاد الجبلِ جميعِها، وما وراء همذان، وسيَّرَ قائدًا كبيرًا من أصحابه يُعرَف بابن علَّان القزوينيِّ إلى الدينَوَر، ففتَحَها بالسيف، وقتل كثيرًا من أهلِها، وبلغت عساكرُه إلى نواحي حُلوان، فغَنِمَت ونهبت، وقتلت وسبت الأولادَ والنساء، وعادوا إليه، ثمَّ أنفذ مرداويج طائفةً أخرى إلى أصبهان، فملكوها واستولَوا عليها، وبنَوا له فيها مساكِنَ وبساتين، فسار مرداويج إليها فنزلها وهو في أربعينَ ألفًا، وقيل خمسينَ ألفًا، وأرسل جمعًا آخرَ إلى الأهواز، فاستولوا عليها وعلى خوزستان، وجَبَوا أموالَ هذه البلاد والنواحي، وقَسَّمَها في أصحابه، وجمعَ منها الكثيرَ فادَّخَره، ثمَّ إنَّه أرسل إلى المقتَدِر رسولًا يقرِّرُ على نفسِه مالًا على هذه البلاد كلِّها، ونزل للمُقتَدِر عن هَمذان وماه الكوفة، فأجابه المقتَدِر إلى ذلك، وقوطِعَ على مائتي ألف دينار كلَّ سنة.