سار ابنُ تومرت بعد أن أخرجه أمير المسلمين علي بن يوسف بن تاشفين من مراكش، إلى أغمات, ثم لحق بالجبل، فسار فيه، حتى التحق بالسوس وتسامع به أهل تلك النواحي، فوفدوا عليه، وحضر أعيانُهم بين يديه، وجعل يَعِظُهم، ويذكِّرُهم بأيام الله، ويذكر لهم شرائع الإسلام، وما غيِّر منها، وما حدث من الظلم والفساد، وأنه لا يجب طاعة دولة من هذه الدول؛ لاتباعهم الباطل، بل الواجب قتالهم، ومَنْعُهم عما هم فيه، وسمَّى أتباعَه الموحدين، فانتهى خبره إلى أمير المسلمين ابن تاشفين، فجهز جيشًا من أصحابه وسيَّرهم إليه، فنزلوا من الجبل، ولقُوا جيش أمير المسلمين، فهزموهم، وأخذوا أسلابهم، وأقبلت إليه أفواج القبائل، من الحلل التي حوله شرقًا وغربًا، وبايعوه، وأطاعته قبيلة هنتانة، وهي من أقوى القبائل، فأقبل عليهم، واطمأن إليهم، وأتاه رسل أهل تينمليل بطاعتهم، وطلبوه إليهم، فتوجه إلى جبل تينمليل واستوطنه، وألَّف لهم كتابًا في التوحيد، وكتابًا في العقيدة، ونهج لهم طريق الأدب بعضهم مع بعض، والاقتصار على القصير من الثياب، القليل الثمن، وهو يحرضهم على قتال عدوهم، وإخراج الأشرار من بين أظهرهم، ثم إن أمير المسلمين أرسل إليهم جيشًا قويًّا، فحصروهم في الجبل، وضيقوا عليهم، ومنعوا عنهم الميرة، فقلَّت عند أصحاب ابن تورمت -الذي تلقَّب بالمهدي- الأقواتُ، فاجتمع أهل تينمليل، وأرادوا إصلاح الحال مع أمير المسلمين، فبلغ الخبر بذلك المهدي بن تومرت، ولم يزل أمر ابن تومرت يعلو إلى أن قُتِلَ سنة 524.
قُتِلَ السلطانُ سليمان شاه بن السلطان محمد بن ملكشاه، وسببُ ذلك أنه كان فيه تهوُّرٌ وخرقٌ، وبلغ به شربُ الخمر حتى إنه شربها في رمضان نهارًا، وكان يجمع المساخِرَ ولا يلتفت إلى الأمراء، فأهمل العسكرُ أمره، وصاروا لا يحضُرون بابه، وكان قد ردَّ جميع الأمور إلى شرف الدين كردبازو الخادم، وهو من مشايخ الخدم السلجوقية، كان فيه دينٌ وعقل وحسن تدبير، فكان الأمراء يشكُون إليه السلطان وهو يُسَكِّنُهم، فكتب سليمان شاه إلى إينانج صاحب الري يطلبُ منه أن يُنجِدَه على كردبازو، فوصل الرسولُ وإينانج مريض، فأعاد الجوابَ يقول: إذا أفقتُ من مرضي حضرتُ إليك بعسكري؛ فبلغ الخبر كردبازو، فازداد استيحاشًا، فأرسل إليه سليمان يومًا يطلبه، فقال: إذا جاء إينانج حَضرتُ، وأحضر الأمراء واستحلفهم على طاعته، وكانوا كارهين لسليمان، فحلفوا له، فأوَّل ما عَمِلَ أن قتل المساخرة الذين لسليمان، وقال: إنما أفعل ذلك صيانةً لملكك؛ ثم اصطلحا، وعَمِلَ كردبازو دعوةً عظيمة حضرها السلطان والأمراء، فلما صار السلطان سليمان شاه في داره قبضَ عليه كردبازو وعلى وزيره ابنِ القاسم محمود بن عبد العزيز الحامدي، وعلى أصحابه، في شوال سنة 555، فقَتَلَ وزيرَه وخواصَّه، وحَبَس سليمان شاه في قلعة، ثمَّ أرسل إليه من خنَقَه؛ وقيل: بل حبسه في دار مجد الدين العلوي رئيس همذان، وفيها قُتِلَ، وقيل بل سُقِيَ سُمًّا فمات.
تأكدت الوحشةُ بين الكامل وبين أخويه المعظَّم والأشرف، وخاف الكامِلُ من انتماء أخيه المعظم إلى السلطان جلال الدين بن خوارزم شاه، فبعث الكامِلُ الأمير فخر الدين يوسف بن شيخ الشيوخ صدر الدين بن حمويه إلى ملك الفرنج، يريدُ منه أن يَقدَم إلى عكا، ووعده أن يعطيه بعض ما بيد المسلمين من بلاد الساحل، ليشغلَ سِرَّ أخيه المعظم، فتجهَّز إمبراطور الألمان فردريك الثاني لقصد الساحل، وبلغ ذلك المعظَّم، فكتب إلى السلطان جلال الدين يسألُه النجدة على أخيه الكامل، ووعده أن يخطُبَ له، ويضرب السكَّة باسمه، فسيَّرَ إليه جلال الدين خِلعةً لبسها، وشَقَّ بها دمشق، وقطع الخطبة للملك الكامل، فبلغ ذلك الكامل، فخرج من القاهرة بعساكره، ونزل بلبيس في شهر رمضان فبعث إليه المعظم: إني نذرتُ لله تعالى أنَّ كُلَّ مرحلة ترحلها لقصدي أتصدَّقُ بألف دينار، فإنَّ جميع عسكرك معي، وكتُبُهم عندي، وأنا آخُذُك بعسكرِك، وكتب المعظَّم مكاتبةً بهذا في السر، ومعها مكاتبةٌ في الظاهِرِ فيها: بأني مملوكُك، وما خرجتُ عن محبَّتِك وطاعتك، وحاشاك أن تخرجَ وتقابلني، وأنا أوَّلُ من أنجَدَك وحضر إلى خدمتِك من جميع ملوك الشام والشرق، فأظهر الكامِلُ هذا بين الأمراء، ورجع من العباسة إلى قلعة الجبلِ، وقبض على عدَّة من الأمراء ومماليك أبيه، لمكاتبتِهم المعظَّم، واعتقلهم وأخذ سائر موجودِهم، وأنفق في العسكر ليسيرَ إلى دمشق.
في يوم الاثنين ثاني شعبان مَلَك المَلِك الأشرف بن الملك العادل مدينة دمشق من ابن أخيه الملك الناصر صلاح الدين داود بن المعظم، وسبب ذلك أن صاحب دمشق لما خاف من عمِّه الملك الكامل أرسل إلى عمه الأشرف يستنجده، ويستعين به على دفع الكاملِ عنه، وسار صاحب دمشق إلى بيسان وأقام بها، وعاد الملك الأشرف من عند أخيه، واجتمع هو وصاحب دمشق، ولم يكن الأشرف في كثرة من العسكر، ووصلت العساكر من الكامل إلى الأشرف، وسار فنازل دمشق وحصرها، وأقام محاصرًا لها إلى أن وصل إليه الملك الكامل، فحينئذ اشتدَّ الحصار، وكان من أشد الأمور على صاحبها أن المال عنده قليل؛ لأنَّ أمواله بالكرك، ولوثوقه بعمه الأشرف لم يحضر منها شيئًا فاحتاج إلى أن باع حلي نسائِه وملبوسَهنَّ، وضاقت الأمور عليه، فخرج إلى عمِّه الكامل وبذل له تسليم دمشق وقلعة الشوبك على أن يكون له الكرك والغور وبيسان ونابلس، وأن يبقي على أيبك قلعة صرخد وأعمالها، وتسلم الكاملُ دمشق، وجعل نائبَه بالقلعة إلى أن سلم إليه أخوه الأشرف حران والرها والرقة وسروج ورأس عين من الجزيرة، فلما تسلَّم ذلك سلم قلعة دمشق إلى أخيه الأشرف، فدخلها وأقام بها، وسار الكامل إلى الديار الجزرية، فأقام بها إلى أن استدعى أخاه الأشرف بسبب حصر جلال الدين بن خوارزم شاه مدينة خلاط، فلما حضر عنده بالرقة عاد الكامل إلى ديار مصر.
هو الصاحِبُ الكبير، ملك الأمراءِ، فَخرُ الدين يوسف بن شيخ الشيوخ بن حمويه. مولده: بدمشق، سنة582. كان فاضلًا صدرًا مُعظمًّا عاقِلًا شُجاعًا جَوادًا دَيِّنًا مَهيبًا وقورًا خَليقًا للإمارةِ والملك، كانت الأمراءُ تعَظِّمُه جدًّا، ولو دعاهم إلى مبايعتِه بعد الصالحِ لما اختُلِفَ عليه اثنان، ولكنه كان لا يرى ذلك حمايةً لجانب بني أيوب، غَضِبَ عليه السلطان نجم الدين سنة أربعين وسجنَه ثلاث سنين، وقاسى شدائدَ، ثم أنعم عليه، وولَّاه نيابةَ المملكة، ولما توفي السلطان ندب الأمراء والقادة فخرَ الدين إلى السلطنة، فامتنع، ولو أجاب لتمَّ له. نهض بأعباء الأمر بعدَ وفاة الملك الصالح وأحسَنَ، وأنفق في الجند مائتي ألف دينار، وأبطَلَ بعضَ المكوس، وركب بالشاويشية، وبعث فارس الدين أقطاي إلى حصنِ كيفا لإحضارِ ولد الملك الصالح, المعظَّم توران شاه، فأقدمه، ولقد هم توران شاه بإمساكِه لَمَّا بلغه مِن تمكُّنِه فصادر مماليكَه وبعضَ أملاكه. خرج فخر الدين لقتال الفرنجِ وزَحفهم على الجيش، فتقهقر الجيشُ وانهزموا، فقتَلَتْه الداوية من الفرنج شهيدًا في ذي القعدة، ثم نَهَبت أمواله وحواصِلَه وخُيوله، وخَرَّبت داره ولم يتركوا شيئًا من الأفعال الشنيعة البَشِعة إلَّا صنعوه به، مع أن الذين تعاطوا ذلك من الأمراء كانوا معظِّمينَ له غايةَ التعظيم. وحُمِل فدفن بالقاهرة.
شرفُ الدين أبو عبد الله محمَّدُ بن سعيد بن حماد الصنهاجي البوصيري المصري، وبوصيرُ هي بين الفيوم وبني سويف بمصرَ، وُلِدَ البوصيري ببني سويف في مصرَ سنة 608 من أسرةٍ ترجع أصولُها إلى قبيلةِ صِنهاجةَ التي كانت تسكُنُ شَمالَ أفريقية, فهو شاعِرٌ صنهاجي له شعرٌ غايةٌ في الحسن واللطافة عذب الألفاظ منسجم التركيب. تنقَّل بين القدس والمدينة ومكَّة، ثم عاد إلى مصر وعَمِلَ كاتبًا في الدولةِ ثم أصبح يعلِّمُ الصبيانَ القرآن، وكان صوفيًّا على الطريقة الشاذليَّة، اشتهر بقصيدته المشهورة بالبُردة، واسمها (الكواكِبُ الدُّرِّيَّة في مدح خير البَريَّة)، ويقال إنَّ سَبَبَ نَظمِها أنَّه مَرِضَ مَرَضًا شديدًا فرأى النبيَّ صلى الله عليه وسلم في منامه فشكا له مرضَه فألقى عليه النبيُّ صلى الله عليه وسلم البُردةَ، فقام من نومِه وقد شُفِيَ، فعَمِلَ القصيدة، ولكنَّ هذه القصيدة فيها كثيرٌ مِن الأبيات المخالِفةِ للعقيدةِ الصحيحةِ وغُلوٌّ في الثناءِ النَّبَويِّ حتى وصف النبيَّ صلى الله عليه وسلم ببعضِ أوصاف الربوبيَّة! وقد صحَّ عن النبي صلى الله عليه وسلم ما رواه الإمامُ البخاريُّ في صحيحِه: عن ابنِ عَبَّاسٍ سَمِعَ عُمَرَ رضي الله عنه يقولُ على المنبر: سمعتُ النبيَّ صَلَّى الله عليه وسلم يقولُ: ((لا تُطرُوني، كما أطرَتِ النصارى ابنَ مريمَ؛ فإنَّما أنا عبدُه، فقولوا عبدُ اللهِ ورَسولُه)).
سار الإمامُ سعود بجيوشه الكثيرة من جميع نواحي نجد والجنوب وعمان والأحساء وغير ذلك من البادي والحاضر، قاصدًا الشمال, وكان قد حدَث من عربان الظفير حوادِثُ من تضييع بعض فرائض الدين وإيواء المُحدَثين وإضافتهم، وأتاهم غزوٌ من بوادي الشمال، فأغاروا على بوادي المسلمين واجتازوا بالظفير فأضافوهم، وذكروا للإمام سعود أن أناسًا منهم يغزون مع أعداء المسلمين على بواديهم، وكان قبل ذلك قد حدَث بين الظفير ومطير بعضُ القتال، فقُتِل من مطير رجلٌ من رؤسائهم الدوشان. وقُتِل من الظفير مصلط بن الشايوش بن عفنان. فأرسل إليهم سعودٌ وهو في الدرعية فأصلح بينهم وكف بعضَهم عن بعض وتوعَّدَ من اعتدى منهم على الآخر, فلما سار سعود في هذه الغزوة اجتاز بوادي الظفير وهم في الدهناء على جهة لينة الماء المعروف, فأمرهم أن ينفِروا معهم غزاة، فنفر منهم شرذمةٌ رئيسُهم الشايوش بن عفنان، فاستغل سعود غزوهم، فانتهر الشايوش وغَضِب عليه فقال: إنهم عَصَوني وهم يريدون المسير لقتال مطير، فحَرف سعود الجيوش إلى الظفيري وشَنَّ عليهم الغارات وأمر فيهم بالقَتلِ والنهب، ثم بعد ذلك أعتق غالِبَهم من القتل, وأخذ جميعَ أموالهم ولم ينجُ منهم إلا الشريد من أقاصيهم، وتفرقوا فمنهم من هرب إلى المنتفق، والبعض إلى جزيرة العراق، والبعض الآخر إلى نجد, ثم رحل سعود إلى الزلفي وقسَّم الغنائمَ، وكان عند ظفير إبل وأغنام كثيرة لأهل سدير فأمرهم سعود أن يتعرفوا أموالَهم، وكل من عرف ماله أتى بشاهدين أو شاهد ويمينه ويأخذونه.
انطلقت حملةُ أحمد طوسون بن محمد علي من مصرَ، ونزل طوسون على الساحِلِ الغربيِّ بجيشٍ قِوامه عشرة آلاف جندي, حرص طوسون أن يُغدِقَ الأموال والهدايا والخِلَع على شيوخ القبائل ورؤساء الجماعات التي تقطُن الموانئ الحجازية ولها نفوذ فيها؛ لتكون سندًا لقواتِه، ولتقبَلَ تأجير إبلها إلى قواته من أجل حَمل المُؤَن والعتاد من المناطق الساحلية إلى داخل البلاد، واستولى على ينبُع بدون مقاومة تذكر, ثم استدرج عبد الله بن سعود قوات طوسون إلى الأراضي النجدية من أجل إضعافِها وتشتيت قواتِها, حتى تمكنت القواتُ السعودية من إنزال هزيمةٍ كبيرة بقوات طوسون في وقعة وادي الصفراء بين المدينة والقصيم سنة1227، وقُتِل من جيش طوسون 1200 مقاتل، وبعد هذه الهزيمة اضطر طوسون إلى أن يطلُبَ العون والمساعدة من والده محمد علي باشا، ثمَّ عاد إلى ينبع وبقِيَ فيها مدَّةً ثم تقدَّم نحو المدينة، ونجح في الاستيلاءِ عليها بعد حصار دام شهرين، ثم توجَّه طوسون إلى جدة ودخلها, فاضطر عبد الله بن سعود أن يخرُجَ من مكة, فتمكن طوسون من دخول مكةَ بدون معارضة, ثمَّ استولى على الطائِفِ، لكن السعوديين عادوا وانتصروا في تَرَبة والحناكية وقطعوا طرقَ المواصلات بين مكة والمدينة، وانتشرت الأمراضُ في صفوف جيش طوسون، وأصاب الجنودَ الإعياءُ نتيجة شدة القيظ وقِلَّة المؤونة والماء، ما زاد موقف طوسون حرجًا، فرأى بعد تلك الخسائر أن يلزم خطةَ الدفاع، وأرسل إلى والده يطلُبُ المساعدة.
جرت معركةٌ حاميةُ الوطيس في بلدةِ بسل الواقعة بين الطائفِ وتربة بين قواتِ محمد علي باشا والقوات السعودية بقيادة فيصل بن سعود, وذلك أنَّ فيصلَ بن سعود لَمَّا قدم إلى الحجاز ليتولى قيادةَ جموع المسلمين نزل تربة واستنفر رعايا دولتِهم في الحجازِ، فقَدِمَ طامي بن شعيب في أهل عسير وألمع وزهران وغامد في عشرين ألفًا، فلما أقبلوا على تربة وأرسلوا إلى فيصل يخبرونه بقدومِهم خرج فيصل من تربة ومعه عشرةُ آلاف مقاتل فاجتمعوا بالقربِ مِن بئر غزال قريب من تربة، ثم رحلوا منه إلى بسل حيث الرومُ (قوات محمد علي) قد اجتمعوا بعددِهم وعُدَّتهم، فنازلهم فيصل بجموعِه، ووقع بينهم قتالٌ وطِراد، وقُتلَ من الرومِ عددٌ كثير, ثمَّ في اليوم التالي قَدِم محمد علي بعساكِرَ كثيرة، ووقع قتال بين الفئتين، فثبت فيصل ومن معه ووقع كسرٌ في ناحية غامد وزهران، ثم في قوم طامي وغيرهم، واتصلت الكسرة على جموع المسلمين لا يلوي أحدٌ على أحد، ووقى الله شَرَّ القتل وكفَّ أيدي الروم عنهم وعن ساقتِهم, ولم يُقتَل إلا أقل القليل، وبعدها زحَفَت هذه القواتُ واحتلت تربة ورنية التي أصبحت فيما بعد معسكرًا عامًّا لقوات الروم, ثم رحل محمد علي إلى بيشة ونازل أكلب، وأطاعوا له، ثم سار إلى تبالة فضربها بالمدافِعِ والقنابر وقتلَ أمير الفزع و100 رجلٍ ممن معه.
هو المَلِكُ أحمد فؤاد الأوَّل بن الخديوي إسماعيل بن إبراهيم بن محمد علي ملك مصر. مولده ووفاته بالقاهرة. تعلَّمَ بها، ثم في جنيف، ثم في المدرسة الحربية بتورينو إيطاليا، وتخرَّج ضابطًا في الجيش الإيطالي، وأُلحِقَ بالبلاط الملكي برومة، ورحل إلى الأستانة فعُيِّنَ ياورا فخريًّا للسلطان عبد الحميد، فمُلحَقًا حربيًّا للسفارة العثمانية بعاصمة النمسا، وعاد إلى مصر سنة 1892 فعُيِّن (ياورا) للخديوي عباس الثاني، واستمَرَّ ثلاثة أعوام. وكان يُنتَدَب في بعض المهمات إلى أن دُعِىَ لتولي سلطنة مصر سنة 1335ه / 1917م بعد وفاة أخيه السلطان حسين كامل، والحماية البريطانية مضروبةٌ على مصر. وفي أيامه قامت مصر بحركتها الوطنية سنة 1918م بقيادة سعد زغلول، فرُفِعَت الحماية سنة 1922، وفي عام 1919 حدثت المظاهرةُ النسائية ضِدَّ الاحتلال الإنجليزي والتي خُلِعَ فيها الحجابُ في ميدان الإسماعيلية!! ووُضِعَ دستور للبلاد وقانون لتوارث العرش، وقانون لأمراء الأسرة الحاكمة، وتحوَّل لَقَبُه من سلطان إلى ملك, وفي أيامه أُنشئ مجمع اللغة العربية بمصر. وكان يُحسِنُ التحدث باللغة العربية وبالتركية والفرنسية والإيطالية ويفهم الإنجليزية. توفِّيَ بالقاهرة في السابع من صفر، وكان ولي عهده فاروق الذي كان يتابِعُ دراسته في إنجلترا، فعاد إلى مصر وتشَكَّل مجلس وصاية برئاسة الأمير محمد علي، وعضوية عبد العزيز عزت ومحمد شريف صبري، إلى أن بلغ الملك سن الرشدِ في تموز / 1938م / 1357هـ.
هو عباس بن محمود بن إبراهيم بن مصطفى العقَّاد، الكاتب المشهور، إمامٌ في الأدب، من المكثرين كتابةً وتصنيفًا مع الإبداع. أصلُه من دمياط، انتقل أسلافُه إلى المحلة الكبرى، وكان أحدُهم يعمل في عقادة الحرير. فعُرِف بالعقَّاد. وعمل أبوه صرَّافًا في إسنا، فتزوج بكُردية من أسوان، ووُلِدَ عباسٌ في أسوان وتعلَّم في مدرستها الابتدائية. وشُغِف بالمطالعة. وسعى للرِّزق فكان موظفًا بالسكة الحديدية، ثم بوزارة الأوقاف بالقاهرة، ثم مُعَلِّمًا في بعض المدارس الأهلية. ثم انقطع إلى الكتابة في الصحف والتأليف، وأقبل الناسُ على ما ينشر. تعلَّمَ الإنجليزيةَ في صباه وأجادها، ثمَّ ألمَّ بالألمانية والفرنسية، وظلَّ اسمُه لامعًا مدة نصف قرن، أخرج في خلالها من تصنيفه 83 كتابًا، في أنواع مختلفة من الأدب الرفيع؛ منها كتاب ((عن الله))، و((عبقرية محمد))، و((عبقرية خالد))، و((عبقرية عمر))، و((عبقرية علي))، و((عبقرية الصِّدِّيق))، و((رَجْعة أبي العلاء))، و((الفصول))، و((مراجعات في الأدب والفنون))، و((ساعات بين الكتب))، و((ابن الرومي))، و((أبو نُواس))، و((سارة)) و((سعد زغلول))، وقد اشتهر بمعاركه الفكرية مع الدكتور زكي مبارك، والأديب مصطفى صادق الرافعي، والدكتور العراقي مصطفى جواد، والدكتورة عائشة عبد الرحمن ((بنت الشاطئ)). أسَّس بالتعاون مع إبراهيم المازني وعبد الرحمن شكري "مدرسة الديوان"، وكانت هذه المدرسةُ من أنصار التجديد في الشعر، والخروج به عن القالَب المعروف. ثم توفي رحمه الله.
أبو بَكرٍ جابرُ بنُ موسى بنِ عبدِ القادرِ بنِ جابرٍ المعروفُ بـ (أبو بكرٍ الجَزائريُّ). ولِدَ في قريةِ ليوة القريبةِ من طولقةَ، التي تقعُ اليومَ في ولايةِ بسكرةَ جنوب بلادِ الجزائرِ عامَ 1921م، وفي بلدتِه نشأَ وتلقَّى علومَه الأوليَّةَ، وبدأ بحِفظِ القرآنِ الكريمِ وبعضِ المتونِ في اللغةِ والفقهِ المالكيِّ، ثم انتقَلَ إلى مدينةِ بسكرةَ، ودرَس على مشايخِها جملةً من العلومِ النقليَّةِ والعقليَّةِ التي أهَّلَتْه للتدريسِ في إحدى المدارسِ الأهليَّةِ، ثمَّ ارتحَلَ مع أسرَتِه إلى المدينةِ المنورةِ، وفي المسجدِ النبويِّ الشريفِ استأنفَ طريقَه العِلْميَّ بالجلوسِ إلى حَلَقاتِ العلماءِ والمشايخِ؛ إذ حصَلَ بعدها على إجازةٍ من رئاسةِ القضاءِ بمكةَ المكرمةِ للتدريسِ في المسجدِ النَّبويِّ. فأصبحت له حَلْقةٌ يُدرِّسُ فيها تفسيرَ القرآنِ الكريم، والحديثَ الشريفَ، وغيرَ ذلك. عَمِلَ مُدرِّسًا في بعضِ مدارسِ وزارةِ المعارفِ، وفي دارِ الحديثِ في المدينةِ المُنوَّرةِ، وعندما فَتَحت الجامعةُ الإسلاميةُ أبوابَها عامَ 1380هـ كان من أوائلِ أساتذتِها والمدرِّسين فيها، وبقِيَ فيها حتى أحيلَ إلى التقاعدِ عامَ 1406هـ. له جهودٌ دَعْويَّةٌ في الكثيرِ من البلادِ التي زارها. تُوفِّيَ الشيخُ أبو بكرٍ الجزائريُّ عن عمرٍ ناهز 97 عامًا، وصُلِّي عليه صلاةَ الجنازةِ بعد ظهرِ يومِ وفاتِه في المسجِدِ النبويِّ الشريفِ، ووُورِيَ جُثمانُه في مقبرةِ البَقيعِ.
من أشهَرِ مُصنَّفاتِه: ((مِنهاجُ المُسلمِ))، و((أيسَرُ التفاسيرِ لكلامِ العليِّ الكبيرِ))، و((هذا الحبيبُ يا مُحِبُّ)).
غَزَا قُتيبَةُ بن مُسلِم بِلادَ الصُّغْد ونَسَف وكِشّ وقد لَقِيَه هنالك خَلْقٌ مِن الأَتراك فظَفَر بهم فقَتَلَهم، وسارَ إلى بُخارَى فلَقِيَه دونها خَلْقٌ كَثيرٌ مِن التُّرْك فقاتَلَهم يَوْمَين ولَيْلَتين عندَ مَكانٍ يُقالُ له خَرْقان وظَفَر بهم, ثمَّ قَصَد قُتيبةُ وَرْدانَ خُذاه مَلِك بُخارَى فقاتَلَه وَرْدان قِتالًا شَديدًا فلم يَظْفَر به قُتيبةُ، فرَجَع عنه إلى مَرْو فجاءَهُ البَريدُ بكِتابِ الحَجَّاج يُعَنِّفُه على الفِرار والنُّكول عن أَعداءِ الإسلام، وكَتَب إليه أن يَبْعَث بِصُورَة هذا البَلَد يعني بُخارَى، فبَعَث إليه بِصُورَتِها، فكَتَب إليه: أن ارْجِع إليها وتُبْ إلى الله مِن ذَنْبِك وائْتِها مِن مكان كذا وكذا، ورُدَّ وَرْدانَ خُذاه، وإيَّاكَ والتَّحْوِيط، ودَعْنِي وبُنَيَّات الطَّريق.
هو أبو عُقْبَة الجَرَّاح بن عبدِ الله الحَكَمي مُقَدِّم الجُيوش، فارِس الكَتائِب. وَلِيَ البَصْرَة من جِهَة الحَجَّاج، ثمَّ وَلِيَ خُراسان وسِجِسْتان لعُمَر بن عبدِ العزيز. وكان بَطلًا، شُجاعًا, عابِدًا، قارِئًا, كَبيرَ القَدْرِ, مَهيبًا طُوالًا، كان إذا مَرَّ في جامِع دِمَشق يَميلُ رَأسَه عن القَنادِيل مِن طُولِه. قال الجَرَّاح: تَرَكتُ الذُّنوبَ حَياءً أربعين سَنة، ثمَّ أَدْرَكَنِي الوَرَعُ. كان أَميرًا على أرمينية، فقَتَلَتْهُ الخَزَرُ، ففَزِعَ النَّاسُ لِقَتْلِه في البُلدان, ولمَّا قُتِلَ طَمِعَ الخَزَرُ في المسلمين وأَوْغَلوا في البِلادِ، وغَلَبَت الخَزَر على أذربيجان، حتَّى بَلَغوا قَريبًا مِن المَوْصِل. كان البَلاءُ بِمَقْتَلِه على المسلمين عَظيمًا، بَكَوا عليه في كُلِّ جُنْدٍ. كان رَحِمَه الله خَيِّرًا فاضِلًا صالِحًا، رَثاهُ كَثيرٌ مِن الشُّعَراء.
كان على المدينةِ عبد الله بن الربيع مِن قِبَل المنصور، وكان جندُه قد استفحل أمرُهم مع التجَّار بالظُّلم، فكانوا يأخذون ما شاءوا بدون ثمنٍ أحيانًا، وكل ذلك وابن الربيع لا يغيِّرُ شيئًا ولا يكلِّمُ جندَه، فاستفحل أمرُهم حتى كان يومُ جمعة قتَلَ أحدُ الجزَّارين جنديًّا، ثم تنادى الجندُ وتنادى السودان (العبيد) ونفخوا في بوقٍ لهم، فلم يبقَ في المدينة أسودُ إلَّا جاء، وتأمر عليهم وثيق الزنجي، فثاروا على الجند ونهبوا أموالَ الأميرِ وهرب ابنُ الربيع خارج المدينة، ثم إنَّ أبا بكر بن أبي سبرة خرج من السجنِ ونصح النَّاسَ أن يعودوا للطاعة، وإلا كانت مهلكتُهم وخاصةً بعد أن كانت حادثةُ النَّفس الزكية، فاستجابوا له ورَدُّوا ما كانوا نهبوه, ثم أمسك وثيق الزنجي وقيد, وعاد ابن الربيع للمدينة.